نفع الله بعلمكم..
هل الحديث الآتي صحيح: «أطفال المؤمنين في جبل في الجنة، يكفلهم إبراهيم وسارة، حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة»؟
هذا الحديث رواه بهذا اللفظ ابن أبي الدنيا والحاكم في مستدركه وأبو نعيم في أخبار أصفهان وأبو عبد الله الدقاق في الرؤية والبيهقي في كتاب البعث والنشور وابن عساكر في تاريخ دمشق وابن بشران في أماليه كلهم من طريق مؤمل بن إسماعيل عن سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن أبي حازم ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ومؤمّل بن إسماعيل مضعّف لسوء حفظه، قال البخاري: رأيتهم مجتمعين على ضعفه.
وقال ابن حجر: صدوق سيء الحفظ.
وقد تابعه على رفعه وكيع بن الجراح عند البيهقي في كتاب القضاء والقدر بنحو لفظه.
وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ: ((أطفال المسلمين في جبل بين إبراهيم وسارة يكفلونهم)).
وقال الدارقطني في العلل عن هذا الحديث: (يرويه الثوري عن عبد الرحمن الأصبهاني عن أبي حازم عن أبي هريرة، واختلف عنه في رفعه: فرفعه مؤمَّل بن إسماعيل ووقفه عبد الرحمن بن مهدي ، والموقوف أشبه).
ومثل هذا لا يقال بالرأي فالموقوف فيه له حكم الرفع.
والحديث اختلف فيه قول الألباني رحمه الله فصحَّحه في الصحيحة وضعَّفه في الضعيفة.
وأصل الحديث في صحيح البخاري من حديث سمرة بن جندب في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم وفيه قوله: (فانطلقنا حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان).
ثم قيل له: (والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس).
وفي رواية في الصحيح: (وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه و سلم وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة).
وفي رواية في أفراد الدارقطني وتاريخ ابن عساكر: ( قلت فالروضة قال أولئك الأطفال وكل بهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام يربيهم إلى يوم القيامة).
وفي صحيح ابن حبان من حديث عبد الله بن ضمرة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ذراري المؤمنين يكلفهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم في الجنة)).
وقد ذكر السخاوي في المقاصد الحسنة أنه أفرد هذه الأحاديث في كتاب بسط فيه الكلام عليها، وسمّاه: (ارتياح الأكباد في أرباح فقد الأولاد).
والخلاصة أن الحديث صحيح ، وما أشكل من معناه على بعض أهل العلم لتوّهم معارضته للأحاديث الصحيحة التي فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم هو أوّل من يدخل الجنة حتى إن منهم من ضعَّف الحديث لأجل هذا، بل أورده بعضهم في الموضوعات، والجواب: أن هذه رؤيا منامية، وخبر عن تنعّمهم في الجنة وهم في الحياة البرزخية، وهذا النعيم لأرواحهم، وأما أجسادهم فهي في قبورها يبلى منها ما يبلى ويبقى ما يبقى، وأما الدخول التام في الجنة فإنما يكون بعد البعث ومجاوزة الصراط.
وتنعّم الأموات الصالحين بنعيم من الجنة ثابت في أحاديث صحيحة فإنه يأتيهم من روحها وريحها، لكن هذا لا يقتضي الدخول التام، فلا يصحّ بذلك دعوى اقتضاء هذا الحديث سبقهم للنبي صلى الله عليه وسلم إلى الدخول إلى الجنة.