الدروس
course cover
أبو بكر الصديق رضي الله عنه
7 Jan 2009
7 Jan 2009

4466

0

0

course cover
مختصر عبد الغني

القسم الثالث

أبو بكر الصديق رضي الله عنه
7 Jan 2009
7 Jan 2009

7 Jan 2009

4466

0

0


0

0

0

0

0

قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:

أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ


اسْمُهُ: عبدُ اللَّهِ بنُ أبي قُحَافَةَ.
واسمُ أبي قُحافةَ: عُثمانُ بنُ عامرِ بنِ عَمْرِو بنِ كَعْبِ بنِ سَعْدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غالبٍ، التيميُّ القُرشيُّ.
يَلْتَقِي معَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في مُرَّةَ بنِ كَعْبٍ.
وأُمُّهُ: أُمُّ الخيرِ سَلْمَى بنتُ صَخْرِ بنِ عامرِ بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تَيْمِ بنِ مُرَّةَ.
عاشَ ثلاثًا وسِتِّينَ سنةً
[1]، سِنَّ رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أوَّلُ الأُمَّةِ إسلامًا، وخَيْرُهم بعدَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2].
ووَلِيَ الخلافةَ سنتَيْنِ ونِصْفًا. وقيلَ: سنتَيْنِ وأربعةَ أشهُرٍ إلَّا عَشْرَ ليالٍ، وقيلَ: سنتَيْنِ، وقيلَ: عشرينَ شَهْرًا.
ولهُ من الوَلَدِ:
عبدُ اللَّهِ: أَسْلَمَ قَديمًا ولهُ صُحبةٌ، وكانَ يَدْخُلُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وهما في الغارِ
[3]، أصابَهُ سهمٌ يومَ الطائفِ، وماتَ في خلافةِ أبيهِ [4].
وأسماءُ ذاتُ النِّطَاقَيْنِ
[5]: وهيَ زَوجةُ الزُّبيرِ بنِ العَوَّامِ، هاجَرَتْ إلى المدينةِ وهيَ حاملٌ بعبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبيرِ، فكان أوَّلَ مَولودٍ وُلِدَ في الإسلامِ بعدَ الهجرةِ.
وأمُّها: قُتَيْلَةُ بنتُ عبدِ الْعُزَّى، منْ بَنِي عامرِ بنِ لُؤَيٍّ، لمْ تُسْلِمْ.
وعائشةُ الصِّدِّيقَةُ: زَوجُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأَخوها لأُمِّها وأبيها عبدُ الرحمنِ بنُ أبي بكرٍ: شَهِدَ بدرًا معَ الْمُشرِكينَ، وأَسْلَمَ بعدَ ذلكَ.
وأمُّها: أمُّ رُومانَ
[6] بْنَةُ عامرِ بنِ عُوَيْمِرِ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عتَّابِ بنِ أُذَيْنَةَ بنِ سُبَيْعِ بنِ دُهمانَ بنِ الحارثِ [بنِ غُنْمِ] بنِ مالكِ بنِ كِنانةَ، أَسْلَمَتْ وهاجَرَتْ وتُوُفِّيَتْ في حياةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأبو عَتيقٍ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرحمنِ: وُلِدَ في حياةِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولم نَعْرِفْ في الصحابةِ أَربعةً صَحِبُوا النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وبعضُهم أولادُ بعضٍ سِوَاهُم
[7].
ومُحَمَّدُ بنُ أبي بكرٍ: وُلِدَ عامَ حِجَّةِ الوَداعِ
[8]، وقُتِلَ بِمِصْرَ وقَبْرُهُ بها، وأُمُّهُ: أسماءُ بنتُ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةُ.
وأمُّ كُلثومٍ بنتُ أبي بَكْرٍ: وُلِدَتْ بعدَ وَفاةِ أبي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، وأُمُّها: حَبيبةُ، وقِيلَ: فَاخِتَةُ بنتُ خَارجةَ بنِ زيدِ بنِ أبي زُهيرٍ الأنصاريِّ، تَزَوَّجَها طَلحةُ بنُ عُبيدِ اللَّهِ.
ولهُ ثلاثةُ بنينَ وثلاثُ بَناتٍ، كُلُّهم لهُ صُحبةٌ إلَّا أُمَّ كُلثومٍ. ومُحَمَّدٌ وُلِدَ في حياةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وماتَ أبو بكرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ في جُمادَى الآخِرَةِ لثلاثِ ليالٍ بَقِينَ منهُ، سنةَ ثلاثَ عَشْرَةَ
[9].




تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع

[1] قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في (فتحِ البارِي) (7/9): أَسْلَمْتُ وهاجَرْتُ، وذلكَ مَعدودٌ في مَناقِبِ أبي بَكْرٍ؛ لأنَّهُ انْتَظَمَ إسلامَ أَبَوَيْهِ وجميعَ أولادِهِ.

[2] رواهُ مُسلِمٌ (2348).

[3] قالَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَةَ: "ويُقِرُّونَ -أيْ: أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ- بما تَوَاتَرَ بهِ النقْلُ عنْ أميرِ المؤمنينَ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ وغيرِهِ، منْ أنَّ خَيْرَ هذهِ الأُمَّةِ بعدَ نَبِيِّها: أبو بكرٍ ثمَّ عُمَرُ، ويُثَلِّثُونَ بعُثْمَانَ، ويُرَبِّعُونَ بعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهم، كما دَلَّتْ عليهِ الآثارُ، وكما أَجْمَعَ الصحابةُ على تَقديمِ عُثمانَ في البَيعةِ". انظُر: (العَقيدةَ الوَاسِطِيَّةَ) ص (92).

[4] في شَوَّالٍ سنةَ إحدى عَشرةَ من الهجرةِ (عَهْدُ الْخُلفاءِ الراشدِينَ الذهبيُّ ص 49) منْ (تاريخِ الإسلامِ).

[5] النِّطاقُ: هوَ ثَوْبٌ تَلْبَسُهُ المرأةُ، ثمَّ تَشُدُّ وَسَطَها بحَبْلٍ، ثمَّ تُرْسِلُ الأَعْلَى على الأَسْفَلِ، وذلكَ عندَ مُعاناةِ الأشغالِ كيْ لا تَعْثُرَ في ذَيْلِها. وبهِ سُمِّيَتْ أسماءُ رَضِيَ اللَّهُ عنها؛ لأنَّها شَقَّتْ نِطَاقَها نِصفَيْنِ، فشَدَّتْ بأَحدِهما الزادَ الذي أُعِدَّ لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصاحبِهِ وهما بالغَارِ في طريقِ الهجرةِ، واقْتَصَرَتْ على الآخَرِ، فسُمِّيَتْ ذاتَ النِّطاقيْنِ. انْظُرْ: (فتْحَ البارِي) (7/236)، (النهايَةَ) (5/75 - 76).

[6] في الأصْلِ: وأُمُّها رَوَامُ. وهذا خَطأٌ، والصوابُ ما أَثْبَتُّهُ.

[7] وهُمْ: أبو قُحَافَةَ، وأبو بكرٍ، وعبدُ الرحمنِ بنُ أبي بَكْرٍ، ومُحَمَّدُ بنُ عبدِ الرحمنِ، وكذلكَ: عبدُ اللَّهِ ابنُ أسماءَ بنتِ أبي بكرِ بنِ أبي قُحافةَ. فهؤلاءِ أربعةٌ أيضًا، أشارَ لهذا النَّوَوِيُّ في (تهذيبِ الأسماءِ واللُّغَاتِ) (2/181).

[8] انْظُرْ: (صحيحَ مسلمٍ) (1218).

[9] يُنْظَرُ (تهذيبُ الكَمالِ) (15/284 - 285) للحافِظِ الْمَزِّيِّ، وأَصْلُهُ للمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ.

هيئة الإشراف

#2

30 Mar 2010

شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

الأول من الخلفاء : أبو بكر ، ويسمى الصديق.
لما أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ليلا ، وأخبر الناس ، عند ذلك كذبوه وقالوا : كذبت ، نحن نشد الرحل نحث المطي ، شهرا إلى الشام ذاهبين ، وشهرا راجعين ، وأنت ذهبت ورجعت في ليلة ، ثم إن بعضهم جاء إلى أبي بكر وقال : إن صاحبك يزعم أنه أسري به ليلا إلى المسجد الأقصى ، فقال : قد صدق ، أتصدقه في هذا مع بعد المسافة ؟ فقال: إني أصدقه في أبعد من ذلك ، أصدقه في خبر السماء الذي يأتيه ، يأتيه الخبر في لحظات من السماء إليه ، فنزل في ذلك قول الله تعالى : {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ} الذي جاء بالصدق : النبي صلى الله عليه وسلم ، وصدق به : أبو بكر ، فسماه بعد ذلك الصديق ؛ لقوة تصديقه ولقوة صدقه ، فإنه ما تعمد الكذب .
الصديقون رتبتهم رفيعة ، ولذلك جعلهم بعد النبيين ، وكذلك أيضا ذكرهم في قوله تعالى في سورة الحديد : {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} لأنهم آمنوا إيمانا كاملا واطمأنوا إلى الإيمان وصدقوا الرسل وقبلوا ما جاءوا به {أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ} فهكذا تصديقه.
اسمه: عبد الله وسمي أيضا : عتيق ؛ تفاؤلا بأن الله أعتقه من النار ،
أبوه؛ كنيته أبو قحافة واسمه عثمان ، أبوه كان كافرا ، بقي على دينه إلى أن فتحت مكة ، لما فتحت أسلم مع من أسلم ، وجيء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ورأسه أبيض كالثغامة ، وأمر نساءه أن يغيروه بغير السواد ، عاش أبو قحافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، سأل : من الذي تولى بعده ؟ قالوا : ابنك ، ثم عاش أيضا بعد موت أبي بكر ، أي: طال عمره ، اسمه عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، يقال له: التيمي ، يجتمع مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مرة ، النبي صلى الله عليه وسلم من ذرية كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب التيمي ، كما ذكرنا ، هذا نسبه يلتقي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرة بن كعب.

أمه؛ يقال لها : أم الخير ؛ تفاؤلا بالخير ، اسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة ، تجتمع مع أبيه في تيم.
عمره؛ عاش ثلاثًا وستين سنة، وهذا سن النبي -صلى الله عليه وسلم-،
وهو أول الأمة إسلامًا، هذا هو الصحيح ، وسبب إسلامه أنه صحب النبي صلى الله عليه وسلم في سفر من أسفاره ، ورأى الغمامة تظله ، ورأى أيضا علامات البشرى وعلامات النبوة ، فعرف أنه سيكون له شأن ، ولما نزل عليه الوحي بادر وصدقه وأسلم معه ، فهو أول من أسلم ، يقول أبو الخطاب في عقيدته:

قـالوا فمـن بعد النبي خليفة ....... قلت الموحد قبل كـل موحـد
حاميهم يوم العـريش ومن له ....... في الغار أسعد يا له من مسعد

يعني أبا بكر الموحد قبل كل موحد .
ثم قيل : إن أول من أسلم خديجة ، وقيل : أول من أسلم زيد بن حارثة ، وقيل : أول من أسلم علي أو بلال ، وجمع بينهم العلماء الربانيون العاملون فقالوا : أول من أسلم من الرجال : أبو بكر ، وأول من أسلم من النساء : خديجة ، وأول من أسلم من الصبيان : علي ، وأول من أسلم من الموالي : زيد ، وأول من أسلم من العبيد : بلال ، وهذا متفق عليه ، ولا يعتد بخلاف الرافضة ، فهو أول من أسلم ، وهو خير الصحابة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
مدة خلافته؛ استخلف سنتين ونصفًا، وقيل: سنتين وأربعة أشهر إلا عشر ليالٍ، وقيل: سنتين فقط، وقيل: عشرين شهرًا ، ولعل الأشهر أنها سنتان ونصف أو تنقص قليلا.
فضائله رضي الله عنه كثيرة ، ولو لم يكن إلا صحبته للنبي صلى الله عليه وسلم في سفر الهجرة ، وذلك لأنه لما عزم النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة ، قال أبو بكر : إن عندي ناضحين - يعني ناقتين - أعددتهما لهذا السفر ، وسأعطيك إحداهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((بالثمن)) وكان قد أبقى هاذين الناضحين ، وكان يعلفهما من الخبط ، ولما عزم على الهجرة أمره الله تعالى أن يذهب ويخفي نفسه ؛ لأن الكفار يطلبونهما ، فذهبا إلى الغار ، غار ثور ، منفردين ، فكان يمشي قدام النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا ، ثم يمشي وراءه ، لماذا ؟ فقال : إذا ذكرت الرصد مشيت قدامك ، حتى يكون في ولا فيك ، وإذا ذكرت الطلب مشيت خلفك حتى أحميك .
صعدا إلى الجبل ، وهو جبل رفيع وفي رأسه غار ، اختفيا في ذلك الغار ، قيل : إنه لما دخلاه كان في مقدمته شجرتان صغيرتان ، أمر الله حمامة فباضت في تلك الشجرة ، أمر الله العنكبوت فنسجت بيتها على ظاهر الشجرة إلى رأس الغار ، ليكون ذلك سببا في استخفائهما . المشركون شعروا بأنه هرب ، وجاءوا في طلبه إلى أن وقفوا على الغار ، ولما وقفوا عرفوا أنه ليس فيه ، كيف يكون فيه وقد نسجت عليه العنكبوت ؟ وكيف يكون فيه وقد جاءت هذه الحمامة وباضت في هذه الشجرة ؟ يقول أبو بكر: رأيت أقدامهم ، لو نظر أحدهم في موضع قدميه لرآنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تحزن إن الله معنا)) وليس معناه أنه حزن بل معناه نفي الخوف ، أي: لا يكون هناك خوف ولا يكون هناك حزن ، فإن الله تعالى معنا وقال : ((ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) مكثا في الغار .
كان عبد الله بن أبي بكر يأتيهما كل ليلة بالأخبار التي تحدث في مكة ، كان هناك راعي غنم لأبي بكر ، في كل ليلة يحلب لهما لبنا ويسقيهما من ذلك اللبن ، ويكتفيان به طعاما ، وبعد ثلاث وبعد ما هدأت الحركات كان قد أعطيا ناقتيهما رجلا يقال له: عامر بن فهيرة ، فجاء بهما بعد ثلاث وركبا على الناقتين ، وصار معهما يدلهما الطريق ، وكان هاديا خريتا .

وهكذا سارا مهاجرين إلى أن وصلا المدينة ، لما علم أهل المدينة ورأوه استبشروا واستقبلوهم يقولون :

طـلـع الـبــدر عليـنـا ....... مــن ثـنيــات الوداع
وجــب الـشكــر علـينا ....... مــا دعـا لـلــه داع

بعد ذلك استقر أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة ، وبعد شهر أو نحوه أصابته حمى المدينة لأنه كان فيها وباء ، ولما أصابته الحمى كان إذا اشتد به الآلام يقول:

كل امرئ مصبح فـي أهله ....... والموت أدنى من شراك نعله

يعني أنه مستعد للموت .
كان يتعاطى التجارة في المدينة ، بمعنى أنه له متجر يتجر به ويحصل على مال ينفق على نفسه وعلى ولده وعلى أهله ، وكان ينفق أيضا على ابن أخته أو أحد أقاربه الذي هو مسطح بن أثاثة ، ولما حصلت حادثة الإفك كان مسطح ممن دخل في الإفك ، فأراد أن يقطع النفقة عنه ، فنزل فيه قول الله تعالى : {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} فوصفه بأنه من أولي الفضل الذين فضلهم الله ، وأنه من أهل السعة الذين وسع الله عليهم ، {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} فقال أبو بكر : بلى والله أحب أن يغفر الله لي .
كان دائما ينافس غيره ، سأل النبي صلى الله عليه وسلم مرة : ((من أصبح منكم اليوم صائما ؟)) قال أبو بكر : أنا ، قال : ((من عاد منكم اليوم مريضا ؟)) قال أبو بكر : أنا ، فقال : ((من تصدق منكم اليوم بصدقة ؟)) قال أبو بكر : أنا ، ((فمن تبع منكم اليوم جنازة ؟)) قال أبو بكر : أنا ، قال : ((ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)) وهذه بشارة أيضا .
كان يسابق عمر ، أو عمر كان يسابقه ، يقول عمر رضي الله عنه : (أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوما بالصدقة ، ووافق ذلك عندي مالا، فقلت : اليوم أسبق أبا بكر ، إن كنت سابقا له يوما من الدهر ، فجئت بنصف مالي وجاء أبو بكر بجميع ماله ، فقال : ((ما تركت لأهلك ؟)) قال : تركت لهم الله ورسوله ، قال عمر : لا جرم لا أسابقه أبدا) يعني لا أسابقه ، لأنه دائما سابق إلى الخيرات .

لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أبواب الجنة قال : ((من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من باب الصيام دعي من باب الريان ، من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، من كان من أهل الأعمال الخيرية دعي من بابها)) ، فقال أبو بكر : ما على من دعي من أحد تلك الأبواب من جناح ، أو من ضرورة ، فهل أحد يدعى منها كلها ؟ قال : ((نعم وأرجو أن تكون منهم)) أنك تدعى من هذا الباب وهذا وهذا ، وهذا فيه بشرى له أيضا .
كذلك لما أنه صلى الله عليه وسلم ذكر منازل الجنة قال : ((إن أهل الجنة ليتراؤن بعضهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق ، لتفاضل ما بينهم)) ، فقال أبو بكر : لا ينال ذلك إلا الأنبياء ، قال : ((بلى ، وأرجو أن تكون منهم)) أن تكون من الذين يرفعون هذا الرفع .
ولما أن بعض الصحابة حصل منه أنه تلاحى وأبو بكر ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا تؤذوا أبا بكر فإن الناس قالوا : كذبت ، وقال أبو بكر : صدقت ، وواساني بماله)).
ثبت أيضا أنه قال : ((ما نفعني مال أحد كما نفعني مال أبي بكر)) فهكذا كان فضله .
ذكر ابن كثير أنه قد أفرد كتابا في ثلاثة مجلدات في فضل أبي بكر وعمر ، وأورد في التاريخ ملخصا في ترجمتهما .
أما خلافته فإنها خلافة حق ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مرض قال : ((مروا أبا بكر فليصل بالناس)) ، فراجعه بعض النساء فقال : ((مروا أبا بكر فليصل بالناس ؛ فإنكن صواحب يوسف)) ، فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام ، ستة أيام أو سبعة حتى مات النبي صلى الله عليه وسلم.
ولما توفي صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في سقيفة وذملوا واحدا منهم وهو سعد بن عبادة ليكون أميرا عليهم فسمع بهم عمر وخاف أنهم ينفردوا ويشذوا ، فذهب هو وأبو عبيدة وأبو بكر وقنعوهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن هذا الأمر في قريش ، وأن العرب لا تدين إلا لقريش)) وتكلم أبو بكر وذكر فضلكم أيها الأنصار ، ثم ذكر فضل المهاجرين ثم قال : فاختاروا أحد هذين الرجلين : عمر أو أبا عبيدة ، يقول عمر : فما كرهت من كلامه إلا هذا ، لأن أفعل كل شيء إلا ما يبعدني عن الله أحب إلي من أن أتأمر على قوم وفيهم أبو بكر ، فقلت : بل أنت ، يقول : ثم قمت، فقلت : ابسط يدك ، فبايعته وبايعه أبو عبيدة ، ثم جاء المهاجرون ثم جاء الأنصار ثم بايعوه ، وقالوا : رضينا لدنيانا من رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا ، لما أنه استخلفه ولما أيضا أشار إلى خلافته كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ((اقتدوا باللذين من بعدي : أبي بكر وعمر)) أشار إلى أنهما من بعده .
وجاءت امرأة تسأله حاجة فقال: ((ارجعي بعد)) ، فقالت: أرأيت إن رجعت ولم أجدك ؟ كأنها تعني الموت ، فقال: ((ائت أبا بكر)) أخذوا من ذلك إشارة إلى أنه هو الخليفة بعده .
وأمر أن تسد الأبواب إلا باب أبي بكر ((لا يبقين خوخة في المسجد إلا سدت ، إلا خوخة أبي بكر)) إشارة إلى أنه سيلي الخلافة من بعده .
وكذلك لما خطب صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وقال : ((إن عبدا خيره الله بين أن يعطيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده)) ، فطن أبو بكر وبكى وقال: نفديك بأموالنا وأولادنا وأنفسنا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر هو أفطنهم الذي فطن لهذا الأمر الذي فيه هذا .
قال بعد ذلك : ((لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر)) وهذا أيضا إشارة إلى خلافته .
والحاصل أن فضائله رضي الله عنه فضائل كثيرة ، تكلم بعد ذلك على أولاده ،
أولهم :
عبد الله: أسلم قديمًا، وله صحبة، كان يدخل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وهما في الغار، يقول : أصابه سهم يوم الطائف، ومات في خلافة أبيه ، يعني حضر غزوة الطائف التي هي في سنة ثمان ، وأصابه ذلك السهم ، وكأنه تأثر به وعاش إلى سنة إحدى عشرة ، فمات في خلافة أبيه ، وهو الذي كان يأتيهما بالأخبار وهما في الغار.
من بناته أسماء : ذات النطاقين ، النطاق ثوب تلبسه المرأة وتشد وسطها بحبل ، ثم ترسل الأعلى على الأسفل ، قالوا: إنها شقت نطاقها نصفين ، فشدت في أحدهما الزاد الذي أعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه وهما في الغار في طريق الهجرة ، واقتصرت على الآخر ، فسميت ذات النطاقين . زوجة الزبير بن العوام ، وقد صبرت على التعب مع الزبير ، هاجرت إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير ، ولد في المدينة ، فكان أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة ، وفرح به المهاجرون لأن اليهود تزعم أنها ستسحرهم فلا يولد لهم أولاد .
أم أسماء قتيلة بنت عبد العزى من بني عامر بن لؤي ، يقال : إنها ماتت قبل أن تسلم .
الثانية : عائشة الصديقة ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وفضائلها كثيرة .
كذلك عبد الرحمن بن أبي بكر ، أخو عائشة من أمها وأبيها ، شهد بدرا مع المشركين ، وأسلم بعد ذلك ، يعني جاء مع المشركين الذين قاتلوا في بدر ، ثم هداه الله تعالى وأسلم ،
أم عائشة وعبد الرحمن يقال لها : أم رومان ، ابنة عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتار بن حذينة بن سبيعة بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة ، يجتمعون مع النبي صلى الله عليه وسلم في كنانة . أسلمت أمهما - أم رومان - وهاجرت وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .

كذلك من أولاد أبي بكر : محمد ، ويقال أنه من أولاد عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن ، ويقال له أبو عتيق ، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، وله صحبة ، لم يعرف في الصحابة أربعة صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم ، بعضهم أولى ببعض إلا هم ، وذلك لأن أبا قحافة صحابي وولده أبو بكر صحابي ، وولد أبي بكر عبد الرحمن صحابي ، وولد عبد الرحمن عبد الله صحابي وهو محمد ، يعني محمد صحابي ابن عبد الرحمن صحابي ابن أبي بكر صحابي ابن أبي قحافة صحابي ، يقال : لا يعرف أربعة كلهم صحابة بعضهم أولى ببعض إلا أنهم .
قالوا يمكن أيضا والد زيد بن حارثة ، أن زيد بن حارثة وأباه وابنه وابن ابنه أيضا صحابي ؛ لأن والد زيد اسمه حارثة ، صحابي ، وزيد صحابي ، وابنه أسامة صحابي ، وأسامة تزوج أيضا وولد له ، ويكون ولده صحابيا .
يقول : من أولاد أبي بكر محمد بن أبي بكر ، ولد عام حجة الوداع ، كانت خرجت أمه أسماء بنت عميس وهي حامل ، ولما كانوا بذي الحليفة ولدت ، أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم وهي نفاس ، فأحرمت وأتمت حجها ، محمد هذا قتل بمصر ودفن بها ، وذلك لأنهم اتهموه - بنو أمية - أنه من جملة الذي تمالئوا على قتل عثمان فقتل .
كذلك من أولاد أبي بكر : أم كلثوم بنت أبي بكر ، ولدت بعد وفاة أبي بكر رضي الله عنه ، لما حضره الموت قال لعائشة : إنما هما أخواك وأختاك ، فقالت : كيف يكون لي أختان ؟ ما لي إلا أسماء ، فقال : ذو بطن ، يعني التي هي حبيبة حامل ، قال : أرى أنها تأتي بأنثى ، فولدت أم كلثوم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وبعد وفاة أبي بكر ، أمها حبيبة ، أو فاختة بنت خارجة بن زيد بن أبو زهير الأنصاري ، أم كلثوم هذه تزوجها طلحة بن عبيد الله .
يقول : وله ثلاث بنين وثلاث بنات كلهم له صحبة إلا أم كلثوم ، بنوه : عبد الرحمن ومحمد وعبد الله ، وإن كان محمد مات ، والنبي صلى الله عليه وسلم - ولد في آخر حياته ، ولكن يمكن أنه حنكه أو رآه وهو صغير ، البنات : أم كلثوم وأسماء وعائشة ، أم كلثوم ليست لها صحبة ، محمد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم .
مات أبو بكر رضي الله عنه في جمادى الآخرة لثلاث ليال بقين منه ، سنة ثلاث عشرة ، هكذا أرخوا وفاته.