6 Jan 2009
قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:
[مُعْجِزَاتُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فصلٌ في مُعجزاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فمِنْ
أَعْظَمِ مُعجزاتِهِ، وأَوْضَحِ دَلالاتِهِ: القرآنُ العزيزُ، الذي لا
يَأتيهِ الباطلُ منْ بينِ يَديهِ ولا منْ خَلْفِه، تَنزيلٌ منْ حَكيمٍ
حَميدٍ، الذي أَعْجَزَ الفُصحاءَ، وحَيَّرَ البُلغاءَ، وأَعياهُمْ أنْ
يَأْتُوا بعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ، أوْ بِسُورةٍ، أوْ آيَةٍ، وشَهِدَ
بإعجازِهِ الْمُشْرِكونَ، وأَيْقَنَ بصِدْقِهِ الجاحدونَ والْمُلْحِدونَ. تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
وسألَ
المُشْرِكونَ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ
يُرِيَهُم آيَةً، فَأَرَاهُم انشقاقَ الْقَمَرِ، فانْشَقَّ حتَّى صارَ
فِرْقَتَيْنِ [1]. وهوَ المُرَادُ بقولِهِ تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [سورة القمرِ، الآيَة: 1].
وقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى زَوَى لِيَ الْأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا
وَمَغَارِبَهَا، وَسَيَبْلُغُ مُلْكُ أُمَّتِي مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا)) [2]. وصَدَّقَ
اللَّهُ قولَهُ بأَنَّ مُلْكَ أُمَّتِهِ بَلَغَ أَقْصَى الْمَشْرِقِ
والْمَغْرِبِ، ولمْ يَنْتَشِرْ في الجنوبِ ولا في الشمالِ.
وكانَ
يَخْطُبُ إلى جِذْعٍ، فلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ وقامَ عليهِ حَنَّ
الْجِذْعُ حَنينَ العِشَارِ، حتَّى جاءَ إليهِ والْتَزَمَهُ، وكانَ يَئِنُّ
كما يَئِنُّ الصبيُّ الذي يُسَكَّتُ، ثمَّ سَكَنَ [3].
ونَبَعَ الماءُ منْ بينَ أَصابِعِهِ غيرَ مَرَّةٍ [4].
وسَبَّحَ الْحَصَا في كَفِّهِ، ثمَّ وَضَعَهُ في كفِّ أبي بَكرٍ، ثمَّ عُمَرَ، ثمَّ عُثمانَ، فسَبَّحَ [5].
وكانوا يَسمعونَ تَسبيحَ الطعامِ عندَهُ وهوَ يُؤْكَلُ [6].
وسَلَّمَ عليهِ الْحَجَرُ والشجَرُ ليالِيَ بُعِثَ[7].
وكَلَّمَتْهُ
الذِّرَاعُ المَسْمُومَةُ، وماتَ الذي أَكَلَ معهُ من الشاةِ المسمومةِ،
وعاشَ هوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَهُ أربعَ سنينَ [8].
وشَهِدَ الذِّئْبُ بنُبُوَّتِهِ [9].
ومَرَّ في سَفَرٍ ببعيرٍ يُسْتَقَى عليهِ، فلَمَّا رآه جَرْجَرَ، ووَضَعَ جِرانَهُ، فقالَ: ((إِنَّهُ شَكَا كَثْرَةَ الْعَمَلِ وَقِلَّةَ الْعَلَفِ)) [10].
ودَخَلَ حائِطًا فيهِ بَعيرٌ، فلَمَّا رآهُ حَنَّ وذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، فقالَ لصاحبِهِ: ((إِنَّهُ شَكَا إِلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وَتُدْئِبُهُ))[11].
ودَخَلَ حائطًا آخَرَ فيهِ
فَحْلانِ من الإبلِ، وقدْ عَجَزَ صَاحِبُهما عنْ أَخْذِهما، فلَمَّا رآهُ
أحدُهما جاءَهُ حتَّى بَرَكَ بينَ يَدَيْهِ، فخَطَمَهُ ودَفَعَهُ إلى
صاحبِهِ، فلَمَّا رآهُ الآخَرُ فَعَلَ مثلَ ذلكَ [12].
وكانَ نائمًا في سَفَرٍ، فجَاءَتْ شَجرةٌ تَشُقُّ الأرضَ حتَّى قامَتْ عليهِ، فلَمَّا استَيْقَظَ ذُكِرَتْ لهُ، فقالَ: ((هِيَ
شَجَرَةٌ اسْتَأْذَنَتْ رَبَّهَا أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهَا)).
وأَمَرَ شجرتَيْنِ فاجْتَمَعَتَا، ثمَّ أَمَرَهما فافْتَرَقَتَا[13].
وسألَهُ أعرابيٌّ أنْ
يُرِيَهُ آيَةً، فأَمَرَ شجرةً، فقَطَعَتْ عُرُوقَها حتَّى جاءَتْ فقَامَتْ
بينَ يَدَيْهِ، ثمَّ أَمَرَها فرَجَعَتْ إلى مَكانِها [14].
وأَرادَ أنْ يَنْحَرَ سِتَّ بَدَنَاتٍ [15]، فجَعَلْنَ يَزْدَلِفْنَ إليهِ بِأَيِّتَهِنَّ يَبْدَأُ [16].
ومَسَحَ ضِرْعَ شاةٍ حائلٍ [17] لمْ يَنْزُ عليها الْفَحْلُ، فحَفَلَ الضَّرْعُ، فحَلَبَ فشَرِبَ وسَقَى أبا بكرٍ [18]. ونحوُ هذهِ الْقِصَّةِ في خَيْمَتَيْ (أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزاعيَّةِ) [19].
ونَدَرَتْ
عينُ قَتادةَ بنِ النُّعمانَ الظَّفَرِيِّ حتَّى صارتْ في يَدِهِ،
فرَدَّهَا وكانتْ أَحْسَنَ عَيْنَيْهِ وأَحَدَّهُما، وقيلَ: إنَّها لمْ
تُعْرَفْ [20].
وتَفَلَ في عَيْنَيْ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، وهوَ أَرْمَدُ، فَبَرَأَ منْ سَاعَتِهِ، ولمْ يَرْمَدْ بعدَ ذلكَ [21]. ودَعَا لهُ أَيْضًا وهوَ وَجِعٌ، فَبَرَأَ، ولمْ يَشْتَكِ ذلكَ الوَجَعَ بعدَ ذلكَ [22].
وأُصِيبَتْ رِجْلُ عبدِ اللَّهِ بنِ عُتَيْكٍ الأنصاريِّ، فمَسَحَها، فبَرَأَتْ منْ حينِها [23].
وأَخْبَرَ أنَّهُ يَقْتُلُ أُبَيَّ بنَ خَلَفٍ الْجُمَحِيَّ يومَ أُحُدٍ، فخَدَشَهُ خَدْشًا يَسِيرًا، فمَاتَ [24].
وقالَ سعدُ بنُ مُعاذٍ لأخيهِ أُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ: سَمِعْتُ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أنَّهُ قاتِلُكَ، فقُتِلَ يومَ بَدْرٍ كافرًا [25].
وأَخْبَرَ يومَ بَدْرٍ بِمَصارِعِ المشرِكينَ، فقالَ: ((هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ))، فلمْ يَعْدُ واحدٌ منهم مَصْرَعَهُ الذي سَمَّاهُ [26].
وأَخْبَرَ أنَّ طوائفَ منْ أُمَّتِهِ يَغْزُونَ البحرَ، وأنَّ أُمَّ حَرامٍ بِنْتَ مِلْحَانَ مِنْهُمْ، فكانَ كما قالَ[27].
وقالَ لعُثْمَانَ إنَّهُ سَيُصِيبُهُ بَلْوَى [28]، فقُتِلَ عُثمانُ.
وقالَ للحَسَنِ بنِ عَلِيٍّ: ((إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَّلَ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَظِيمَتَيْنِ)) [29]، فكانَ كذلكَ.
وأَخْبَرَ بِمَقْتَلِ الأَسودِ العَنْسِيِّ الكَذَّابِ ليلةَ قَتْلِهِ، وبِمَنْ قَتَلَهُ وهوَ بِصَنْعَاءِ الْيَمَنِ [30].
وبِمِثْلِ ذلكَ في قَتْلِ كِسْرَى [31].
وأَخْبَرَ
عن الشَّيْمَاءِ بنتِ بُقَيْلَةَ الْأَزْدِيَّةِ أنَّها رُفِعَتْ لهُ في
خِمارٍ أسودَ على بَغْلَةٍ شَهباءَ، فأُخِذَتْ في زَمَنِ أبي بكرٍ
الصِّدِّيقِ في جيشِ خالدِ بنِ الوليدِ بهذهِ الصِّفةِ[32].
وقالَ لثابتِ بنِ قيسِ بنِ شَمَّاسٍ: ((تَعِيشُ حَمِيدًا، وَتُقْتَلُ شَهِيدًا))، فعاشَ حَمِيدًا، وقُتِلَ يومَ اليمامةِ شَهيدًا [33].
وقالَ لرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الإسلامَ وهوَ معهُ في القِتالِ: ((إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ))، فصَدَّقَ اللَّهُ قولَهُ، بأنَّهُ نَحَرَ نفسَهُ [34].
ودعا لعمرَ بنِ الْخَطَّابِ، فأَصْبَحَ عُمَرُ فأَسْلَمَ [35].
ودعا لِعَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ أنْ يُذْهِبَ اللَّهُ عنهُ الحرَّ والبردَ، فكانَ لا يَجِدُ حَرًّا ولا بَرْدًا [36].
ودعا لعبدِ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ أنْ يُفَقِّهَهُ اللَّهُ في الدِّينِ، ويُعَلِّمَهُ التأويلَ [37]، فكان يُسَمَّى الحَبْرَ والبَحْرَ؛ لكثرةِ عِلْمِهِ.
ودعا
لأَنَسِ بنِ مالِكٍ بطُولِ العُمْرِ وكثرةِ المالِ والوَلَدِ، وأنْ
يُبَارِكَ اللَّهُ لهُ فيهِ، فَوُلِدَ لهُ مِائَةٌ وعشرونَ ذَكَرًا
لِصُلْبِهِ، وكانَ نَخْلُهُ يَحْمِلُ في السنةِ مَرَّتَيْنِ، وعاشَ مائةً
وعشرينَ سنةً أوْ نَحْوَها [38].
وكانَ
عُتَيْبَةُ بنُ أبي لَهَبٍ قدْ شَقَّ قَميصَهُ وآذاهُ، فدعا عليهِ أنْ
يُسَلِّطَ اللَّهُ عليهِ كَلْبًا منْ كلابِهِ، فقَتَلَهُ الأسدُ
بالزَّرْقَاءِ منْ أَرْضِ الشامِ [39].
وشُكِيَ إليهِ قُحُوطُ
المطَرِ وهوَ على الْمِنْبَرِ، فدعا اللَّهَ عزَّ وجَلَّ، وما في السماءِ
قَزَعَةٌ، فثارَ سَحابٌ أمثالُ الجبالِ، فَمُطِرُوا إلى الْجُمُعَةِ
الأُخْرَى، حتَّى شُكِيَ إليهِ كَثرةُ الْمَطَرِ، فدَعَا اللَّهَ عزَّ
وجَلَّ فأَقْلَعَتْ، وخَرَجُوا يَمشونَ في الشَّمْسِ [40].
وأَطْعَمَ أهلَ الْخَندقِ [41] -وهم أَلْفٌ- منْ صاعِ شعيرٍ أوْ دُونِهِ وبَهيمةٍ، فشَبِعُوا وانْصَرَفُوا والطعامُ أَكثرُ مِمَّا كانَ [42].
وأَطْعَمَ
أهلَ الْخَنْدَقِ أيضًا منْ تَمْرٍ يسيرٍ أَتَتْ بهِ ابنةُ بَشيرِ بنِ
سَعْدٍ إلى أَبِيها وخالِها عبدِ اللَّهِ بنِ رَواحةَ [43].
وأَمَرَ
عمرَ بنَ الْخَطَّابِ أنْ يُزَوِّدَ أَرْبَعَمائةِ راكبٍ منْ تَمْرٍ
كالفَصِيلِ الرَّابِضِ، فزَوَّدَ، وبَقِيَ كأنَّهُ لمْ يَنْقُصْ تَمْرَةً
واحدةً [44].
وأَطْعَمَ في مَنزِلِ أبي طَلحةَ ثمانينَ رَجُلًا منْ أَقراصِ شَعيرٍ جَعَلَها أَنَسٌ تحتَ إِبِطِهِ، حتَّى شَبِعُوا كُلُّهم [45].
وأَطْعَمَ الجيشَ منْ
مِزْوَدَةِ أبي هُريرةَ حتَّى شَبِعُوا كلُّهم، ثمَّ رَدَّ ما بَقِيَ فيهِ،
ودعا لهُ فيهِ، فأَكَلَ منهُ حياةَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وأبي بكرٍ وعمرَ وعُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم. فلَمَّا قُتِلَ
عُثْمَانُ وُهِبَ، وحُمِلَ منهُ فيما رُوِيَ عنهُ خَمسونَ وَسْقًا في سبيلِ
اللَّهِ عزَّ وجَلَّ [46].
وأَطْعَمَ
في بِنَائِهِ بزَيْنَبَ منْ قَصْعَةٍ أَهْدَتْها لهُ أُمُّ سُلَيْمٍ
خَلْقًا، ثمَّ رُفِعَتْ ولا يُدْرَى الطعامُ فيها أكثرُ حينَ وُضِعَتْ أوْ
حينَ رُفِعَتْ [47].
ورَمَى الجيشَ يومَ حُنَيْنٍ بقَبضةٍ منْ تُرابٍ، فهَزَمَهم اللَّهُ عزَّ وجَلَّ. وقالَ بعضُهم: لمْ يَبْقَ منَّا أَحَدٌ إلَّا امْتَلَأَتْ عَيْنَاهُ تُرابًا [48]، وفيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[سورة الأنفالِ، الآيَة: 17].
وخَرَجَ على مِائَةٍ منْ قُريشٍ وهمْ يَنْتَظِرونَهُ، فوَضَعَ الترابَ على رُءُوسِهم، ومَضَى ولمْ يَرَوْهُ [49].
وتَبِعَهُ سُراقةُ بنُ
مالكِ بنِ جُعْشُمٍ يُرِيدُ قَتْلَهُ أوْ أَسْرَهُ، فلَمَّا قَرُبَ منهُ
دعا عليهِ، فَسَاخَتْ يدُ فَرَسِهِ في الأرضِ، فَنَادَاهُ بالأمانِ،
وسألَهُ أنْ يَدْعُوَ لهُ، فدعا لهُ، فنَجَّاهُ اللَّهُ [50].
ولهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعجزاتٌ باهرةٌ، ودَلالاتٌ ظاهرةٌ، وأَخلاقٌ
طَاهِرَةٌ، اقْتَصَرْنَا منها على هذا تَحقيقًا.
[2] رواهُ مسلمٌ (2889)، وقولُهُ: ((زَوَى)) بمعنى: جَمَعَ.
[3] رواهُ البخاريُّ (3583)، (3584).
والعِشَارُ: جَمْعُ عُشَرَاءَ، وهيَ الناقةُ الحامِلُ أتى عليها عَشَرَةُ أَشهرٍ منْ حَمْلِها.
[4] انظُرْ (صحيحَ البخاريِّ): منْ (3572) إلى (3579)، و(صحيحَ مسلمٍ) (1856)، (2279)، (3013) وغيرَها.
[5] رواهُ الطبرانيُّ في (الأَوسَطِ)، قالَ في (مَجمَعِ الزوائدِ) (5/179): إسنادُهُ صحيحٌ.
وأَصْلُهُ في (صحيحِ البخاريِّ) برَقْمِ (3579) دُونَ ذِكْرِ أبي بكرٍ وعمرَ وعُثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عنهم.
وانْظُرْ (دَلائلَ النُّبوَّةِ) لأبي نُعَيْمٍ ص (431 - 432)، و(فَتْحَ البارِي) (8 / 592).
[6] رواهُ البخاريُّ (3579)، وانْظُرْ: (فتحَ البارِي) (8/592).
[7] رواهُ مسلِمٌ (2277) والتِّرمذيُّ (3624).
[8] رواهُ أبو داودَ (4512)، وهوَ عندَ البخاريِّ (4249)، ومسلمٌ (2190) مُختَصَرًا، وانظُرْ: (فَتْحَ البارِي) (7/497).
[9]
انظُر: (المسنَدَ) (2/306، 3/83)، و(شَرْحَ السُّنَّةِ) (15/ 87)،
و(المستَدْرَكَ) (4/467)، و(صحيحَ ابنِ حِبَّانَ) (6494). وَسَنَدُ روايَةِ
أحمدَ (3/ 83) صحيحٌ، كما قالَ الشيخُ الألبانيُّ في (الصحيحةِ) (122).
[10] انظُر: (المُسْنَدَ) (4/173)، و( شَرْحَ السُّنَّةِ) (13 / 295)، وأشارَ لِصِحَّتِهِ الشيخُ الألبانيُّ في (الْمِشكاةِ) (5922).
وجَرْجَرَ: أيْ رَدَّدَ صوتَهُ في حَنجرتِهِ، وجِرَانُ البعيرِ: مُقَدِّمُ عُنُقِهِ.
[11]
انْظُر: (المسنَدَ) (1/204)، و(سننَ أبي داوُدَ) (2549)، وصَحَّحَهُ
العَلَّامةُ الألبانيُّ والعَلَّامَةُ أحمد شاكر رَحِمَهُ اللَّهُ في
(المسنَدِ) (1745) و(1754).
[12] انظُرْ: (دَلائلَ النُّبُوَّةِ) لأبي نُعَيْمٍ ص (383 - 384).
[13] هذا جُزْءٌ من الحديثِ الْمُتَقَدَّمِ، وفيهِ ذِكْرُ البعيرِ الذي جَرْجَرَ ووَضَعَ جِرانَهُ.
[14] انظُرْ: (جامِعَ الترمذيِّ) (3632)، و(مِشكاةَ الْمَصابيحِ) (5925) (5926) وتصحيحَ الشيخِ الألبانيِّ.
[15] جَمْعُ بَدَنَةٍ، والمرادُ بها: الإبِلُ؛ سُمِّيَتْ بذلكَ لِعِظَمِها وسِمَنِها، انْظُرْ: كتابَ (النهايَةِ) (1/108).
[16] وكانَ ذلكَ في حِجَّةِ الوَداعِ، رواهُ أحمدُ في (المسنَدِ) (4/350)، وأبو داوُدَ (1765)، وصحَّحَهُ الشيخُ الألبانيُّ.
[17] الشاةُ الحائلُ: هيَ التي انْقَطَعَ الحمْلُ عنها عِدَّةَ سنواتٍ، وما كانَ حالُها كذلكَ لا يكونُ فيها لَبَنٌ. ومعنى حَفَلَ: أي اجْتَمَعَ، ونَزَا: أيْ وَثَبَ.
انظُر: (القاموسَ) مادَّةَ حَوَلَ، حفلَ، نَزَا.
[18] انظُر (المسنَدَ) (1/ 379، 453، 457، 462)، و(صحيحَ ابنِ حِبَّانَ) (6504)، وسندُهُ حسنٌ.
[19]
انظُرْ: (شَرْحَ السُّنَّةِ) (13/261) و(المستدرَكَ) (3/9)، و(البدايَةَ
والنهايَةَ)، قالَ ابنُ كثيرٍ: قِصَّةُ أمِّ مَعبَدٍ مَشهورةٌ مَرْوِيَّةٌ
منْ طَريقٍ يَشُدُّ بعضُهُ بعضًا. وانظُرْ تَخريجَها في (السيرةِ
النَّبوِيَّةِ) ص (281) للدكتورِ مَهْدِي رزق اللَّهِ، و(الْمِشكاةَ) ص
(1673)، وكلامَ الشيخِ الألبانيِّ في تخريجِ الحديثِ الْمُشارِ إليهِ.
[20]
انظُر: (الْمُستدرَكَ) (3/295)، و(الإصابةَ)، و(أُسْدَ الغابةِ) ترجمةَ
قَتادةَ، و(السيرةَ النَّبويَّةَ) للدكتورِ مَهْدِي رزق اللَّهِ ص (389).
[21] رواهُ البخاريُّ (3701)، ومسلمٌ (2404) [32]، (2406).
[22] رواهُ الإمامُ أحمدُ في (الْمُسْنَدِ) (1/107، 128).
[23]
رواهُ البخاريُّ (4039) في قِصَّةِ قَتْلِ أبي رافعٍ اليهوديِّ؛ فإنَّ
عبدَ اللَّهِ ابنَ عَتيكٍ لَمَّا قَتَلَ أبا رافعٍ اليهوديَّ في حِصْنِهِ
انْكَسَرَتْ رِجْلُهُ وهوَ خارِجٌ، فلَمَّا أَتَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَها فبَرِئَتْ.
[24] انظُر (المستدرَكَ) (2/327)، (الدلائلَ) للبيهقيِّ (3/258- 259) ولأبي نُعيمٍ ص (482 - 483).
[25] رواهُ البخاريُّ في (صحيحِهِ) (3950).
والمرادُ بقولِهِ: (أخيهِ)؛ أيْ: صديقِهِ؛ حيثُ كانَ كلٌّ منهما يَنْزِلُ على الآخَرِ إذا قَدِمَ بلَدَ الآخَرَ المدينةَ أوْ مَكَّةَ، وذلكَ في الجاهليَّةِ.
[26] رواهُ مسلِمٌ (1779)، وأبو دَاوُدَ (2681).
[27] رواهُ البخاريُّ (2877)، (2878)، ومسلمٌ (1912).
[28] رواهُ البخاريُّ (3695) (7097)، ومسلمٌ (2403).
[29]
رواهُ البخاريُّ (3704)، وأبو دَاوُدَ (4662)، والتِّرمذيُّ (3773)،
والنَّسائيُّ (3/107)، وهوَ في (المسنَدِ) (5/49)، ولم أَرَ عندَ أحَدٍ
منهم لفظَ المؤمنينَ، بل الْمُثْبَتُ لفظُ المسلمينَ.
[30] الأسودُ العَنْسِيُّ، مُدَّعِي النُّبُوَّةِ، واسمُهُ: عَبْهَلَةُ بنُ كَعْبٍ، وانْظُرْ خَبَرَهُ في (الفتْحِ) (8/93).
[31] انظُرْ (صحيحَ البخاريِّ) (4424)، و(صحيحَ مسلمٍ) (2918)، وراجِعْ (فتْحَ البارِي) (8/127).
[32]
(مَجْمَعَ الزوائدِ) (8 / 288 - 289)، وعَزَاهُ للطبرانيِّ [48] في
(الكبيرِ) [رقم (44186)، 4/213) ]، وانظُر (الإصابةَ) في تَرجمةِ
الشَّيماءِ.
وانظُرْ كذلكَ: (صحيحَ ابنِ حِبَّانَ) (15/65) رَقْمَ (6674).
[33]
رواهُ الحاكِمُ في (المستَدْرَكِ) (3/234)، وعزاهُ الحافظُ في (الفَتْحِ)
(6/621) لابنِ سعدٍ، وقالَ: هذا مُرْسَلٌ قويُّ الإسنادِ. اهـ
في (صحيحِ البخاريِّ)
(2845) ما يَدُلُّ على مَوْتِهِ شهيدًا يومَ اليَمامةِ في قِتالِ
مُسَيْلِمَةَ الكَذَّابِ، وفي (صحيحِ مُسلِمٍ) (119) بِشارَةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهُ بالجَنَّةِ قبلَ مَوْتِهِ؛ حيثُ قالَ: ((بَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ)).
[34] رواهُ البخاريُّ في مَواضِعَ منها (2898)، ومسلمٌ (112).
[35] انظُرْ (جامعَ الترمذيِّ) (9682)، و(المسنَدَ) (2/95)، و(المستَدْرَكَ) (3/83).
والحديثُ صحيحٌ ولَفْظُهُ: ((اللَّهُمَّ
أَعِزَّ الْإِسْلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ: بِأَبِي
جَهْلٍ أَوْ بِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ...)).
[36] رواهُ الإمامُ أحمدُ في (الْمُسْنَدِ) (1/133)، وابنُ مَاجَهْ في (الْمُسْنَدِ) (117) وحَسَّنَهُ الألبانيُّ.
[37]
انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (75)، و(مسلِمٍ) (2477)، و(جامِعَ الترمذيِّ)
(3824)، و(سُننَ ابنِ مَاجَهْ) (166)، و(فتحَ البارِي) (1/170).
[38] انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (1982)، و(مسلمٍ) (660) و(2481)، و(فتْحَ البارِي) (11 / 145).
[39]
راجِعْ (مَجمَعَ الزوائدِ) (6/9)، و(الدلائلَ) لأبي نُعيمٍ ص (454)،
و(مستَدْرَكَ الحاكِمِ) (2 / 539)، وقدْ حَسَّنَهُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحِ
البارِي) (4/ 39).
[40] انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (1013) و(مسلمٍ) (897)، و(سُننَ أبي دَاوُدَ) (1174)، و(النَّسائيَّ) (3/ 154).
والقَزَعَةُ: هيَ القِطعةُ من السَّحابِ الْمُتَفَرِّقِ.
[41] في الأَصْلِ: وأَطْعَمَ اللَّهُ أهلَ الْخَنْدَقِ... إلخ، والأَصْوَبُ كما هوَ مُثْبَتٌ لِمُناسَبَةِ السِّياقِ.
[42] انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (4102)، و(مسلمٍ) (2039).
[43] انظُرْ: (دلائلَ النُّبُوَّةِ) للبيهقيِّ (3/ 427)، و(السيرةَ) لابنِ هشامٍ (2/ 218).
[44]
انْظُر: (المسنَدَ) (4/ 174) (5/ 445)، وذَكَرَهُ الهيثميُّ في
(الْمَجْمَعِ) (8/304) وقالَ: رواهُ أحمدُ والطبرانيُّ، ورجالُ أحمدَ رجالُ
الصحيحِ.
وانظُرْ أيضًا: (سُننَ أبي داوُدَ) (5238).
[45] انظُر: (صحيحَ البخاريِّ) (3578)، و(مسلمٍ) (2040)، و(جامعَ الترمذيِّ) (3629)، و(مُوَطَّأَ مالِكٍ) (2/ 927).
[46]
رواهُ الإمامُ أحمدُ في (الْمُسْنَدِ) (2/352)، والتِّرمذيُّ (3839)،
وحَسَّنَهُ الألبانيُّ. وما بينَ الْمَعْقُوفَتَيْنِ منْ (سُننِ الترمذيِّ)
والسياقُ يَقتضِيها؛ لأنَّ هذهِ الوَاقعةَ لأبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ
عنهُ.
[47] انْظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (5163)، و(مسلمٍ) (1428) [94].
[48] انظُرْ: (صحيحَ مسلمٍ) (1775).
وذَكَرَ بعضُ أهلِ
العلمِ أنَّ هذهِ الوَاقعةَ في بَدْرٍ، ولا مانِعَ منْ وُقوعِها في كلٍّ
منْ حُنَيْنٍ وبَدْرٍ. انظُر: (البدايَةَ والنهايَةَ) (3/347)، و(تفسيرَ
ابنِ كثيرٍ) (2/295).
[49] راجِعْ (سيرةَ ابنِ هشامٍ) (1/483).
[50] رواهُ البخاريُّ (3908) ومسلمٌ (2009) [91]، وقولُهُ: (ساخَتْ)؛ أيْ: غَاضَتْ ونَزَلَتْ.
شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
خوارق العادات التي تخالف ما هو معتاد ثلاثة أقسام :
قسم يكون على أيدي الأنبياء وتسمى معجزات ، وقسم على أيدي الأولياء وتسمى كرامات ، وقسم على أيدي السحرة والكهنة وتسمى أحوالا شيطانية .
فأما المعجزات التي يجريها
الله تعالى على أيدي أنبيائه ورسله فلا يستطيع أحد أن يفعل مثلها ، وكذلك
أيضا تكون معجزة لأهل ذلك الزمان .
ذكروا أن موسى عليه السلام
كان في زمانه سحرة فبعثه الله تعالى بآية أعجزت السحرة، لما جاء السحرة
ومعهم حبال وعصي فألقوا حبالهم وعصيهم وصارت تتحرك كأنها حيات وألقى موسى
عصاه فالتقفت تلك العصي وتلك الحبال ورجعت إلى كونها عصى ، فعرف السحرة أن
هذا ليس عمل سحر وإنما هذا أمر رباني فحملهم ذلك على أن أسلموا وخروا لله
سجدا .
وبعث الله عيسى ، وأهل
زمانه عندهم القدرة على العلاج وعلى الطب لأنواع الأمراض ، وأعطاه معجزات
عجزوا عن مثلها مثل أنه يبرئ الأكمه والأبرص ، الأكمه: الذي ولد ممسوح العينين فيبريه إلى أن يبصر ، والأبرص:
الذي فيه هذا الوضح الذي في جلده ، لا يستطيع أحد أن يعالجه يبرئه ويعود
جلده كما كان جلد غيره ، يحيي الموتى بإذن الله تعالى ، ليعجز أحد عن أن
يأتي بمثل هذه المعجزات .
نبينا صلى الله عليه وسلم
بعثه الله في زمن الفصحاء والبلغاء والشعراء وأهل اللغة الفصيحة ، أنزل
عليه القرآن وجعله معجزة له خالدة، وتحداهم أن يأتوا بمثله أو يأتوا بعشر
سور أو يأتوا بسورة، قال الله تعالى : {فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} لم يقدروا، وقال تعالى : {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ} عشر لم يقدروا ، وقال تعالى : {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} فلم يقدروا ، فعرف بذلك أنه كلام الله ، وأنهم لا يقدرون ، قال الله تعالى : {قُلْ
لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ
هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} خبر من الله تعالى وقع حقيقيا مع تتابع القرون،
نحن الآن في القرن الرابع عشر أو في الخامس عشر، ومع ذلك لم يقدروا على
معارضته، والذين عارضوه ظهر بذلك عجزهم، لما تنبأ مسيلمة أخذ يهزو بهذيان
عرف بذلك أنه كذاب، وفد عليه عمرو بن العاص قبل أن يسلم، فقال: ماذا أنزل
على صاحبكم؟ فقال : أنزل عليه سورة قصيرة، قرأ عليه سورة {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}
فسكت قليلا ، ثم قال: أنزل علي مثلها، ما هي؟ قال : يا وبر يا وبر إنما
أنت أذنان وصدر وسائرك حقر فقر ، كيف ترى يا عمرو ؟ فقال عمرو : والله إنك
لتعلم أني أعلم أنك تكذب ، مع أنه لم يكن قد أسلم ، فأين هذا من هذه السورة
القصيرة {والعصر} إلى آخره، حتى قال فيها الشافعي رحمه الله : لو ما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم .
فالقرآن هو أعظم المعجزات
التي تحدى بها أهل زمانه ومن بعدهم ، وللنبي صلى الله عليه وسلم معجزات
كثيرة، وقد كتب فيها العلماء المتقدمون والمتأخرون، توسع فيها الإمام
البيهقي أحمد بن الحسين صاحب السنن الكبرى، طبعت كتبه ومنها هذا الكتاب
الذي في دلائل النبوة، وكتب فيها أيضا أبو نعيم الأصفهاني ، كتب كتابا أيضا
بعنوان دلائل النبوة ، وهو صاحب الحلية ، وذكر أشياء كثيرة ، وكتب فيها
المؤرخون ومنهم ابن كثير رحمه الله في كتابه البداية والنهاية ، فإنه جعل
السيرة النبوية من نصف المجلد الثاني إلى نحو المجلد الثامن ، كلها تتعلق
بالسيرة وبالغزوات وبالسرايا وما أشبهها وبدلائل النبوة ، يذكرها
بأسانيدها، ولو كان بعضها فيه ضعف ولكن مجموعها يدل على أنها معجزات، وأن
الله تعالى أيده بها ليكون ذلك دليلا على صدقه وعلى صحة ما جاء به عن ربه
من هذه الشريعة.
ولذلك كانت سببا في إسلام
الكثير الذين أسلموا، ذكر أنه صلى الله عليه وسلم خرج مع أبي بكر فرأى
الغمامة تظله، فعرف أن هذا له خصوصية ، غمامة تسير معه أينما سار قبل أن
ينزل عليه الوحي ، ولما أظهر الدعوة بادر أبو بكر وصدقه؛ لأنه استدل بهذه
الكرامة على صحة ما جاء به، وبعدما أسلم ووازره وصبر على ما ناله ، خرج مرة
إلى ضواحي مكة فوجد عبد الله بن مسعود قبل أن يسلم كان يرعى غنما لأهل مكة
، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ((هل من لبن؟)) قال : لا ، كأن الغنم ليس فيها شيء ، فقال : ((ائتنا بشاة حائل))،
فجاء بها ، فمسح ضرعها فدرت فحلب منها حتى شرب هو وأبو بكر وابن مسعود
لبنا خالصا سائغا للشاربين ، فعرف ابن مسعود أن هذه معجزة لا تحصل لكل أحد ،
وأنه صادق فبادر إلى تصديقه ، وأسلم ونعم الصحابي رضي الله عنه .
هكذا والغالب أن كل واحد
من الصحابة الذين أسلموا بمكة شاهدوا كثيرا من الآيات ، وقد شاهد أهل مكة
آيات معجزات ، ولكن من يرد الله أن يضله فلن تجد له وليا مرشدا ، فالمؤلف
هاهنا ذكر هذه المعجزات وأشار إليها إشارة .
يقول: (فمن أعظم معجزاته، وأوضح دلالاته "القرآن العزيز" الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد)، هذا القرآن (أعجز الفصحاء)، مع أنهم يحاولون أن يردوه أو يكذبوا به، ولكن لا يقدرون ، (حير البلغاء)،
كانوا حريصين على أن يصفوه ، أرسلوا الوليد بن المغيرة أبو خالد بن الوليد
، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه ، عند ذلك قال : أنصت ،
قرأ عليه أول سورة فصلت ، ولما قرأها بهت الوليد من هذا القرآن الذي لم
يسمع بمثله، لما أتى على قصة عاد وثمود ألجمه وسد فمه وقال : كفى ، ذهب إلى
قومه فلم يقدر أن يصف ما سمعه .
وكذلك أيضا استمع إليه جبير بن مطعم وهو يقرأ سورة الحاقة ، فقال : أظنه شاعرا ، ففي السورة قال : {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ} فقال : إذا هو كاهن ، فسمع الآية بعدها ، وهي قوله: {وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} سمعه مرة أخرى يقرأ سورة الطور إلى قوله: {أَمْ
خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ
رَبِّكَ} إلى آخرها ، يقول : فلما سمعتها طار عقلي ، مما كان سببا في هدايته وإسلامه.
فمن أنصت للقرآن واستمع له
علم أنه كلام النبي صلى الله عليه وسلم بين ، كلام الله بين أنه ليس من
كلامه ، ولهذا كذبهم الله تعالى لما قالوا : افتراه {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} كل ذلك يرد عليهم بأن هذا ليس بصحيح بل هو كلام الله ، أعجز الفصحاء .
حير البلغاء مع ما فيه من البلاغة أعياهم أن يأتوا بعشر سور من مثله، أعياهم أن يأتوا بسورة، أو آية، على نظمه وعلى فصاحته ، (شهد بإعجازه المشركون)، اعترفوا بأنه معجز وأنهم لا يقدرون على أن يأتوا بمثله ، (أيقن بصدقه الجاحدون والملحدون) إلى هذا الزمان ، أيقنوا بأنه لا يقدر أحد على تغييره.
تولى الله تعالى حفظه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}
ذكر في بعض تراجم بعض النصارى الذين أسلموا أنه دعاه المسلمون ودعاه
العلماء أن يسلم فلم يقبل ، ثم جاء بعد ذلك وأسلم ، بعد سنتين أو ثلاث ، ما
الذي حملك ؟ قد رغبناك ودعوناك ، فقال : إني أخذت نسخة من التوراة وأضفت
إليها وقدمت فيها وأخرت وأهديتها إلى أحبار اليهود ففرحوا بها وكافئوني
عليها ، ثم أخذت نسخة من الإنجيل قدمت فيها وأخرت غيرتها عن وضعها ،
وأهديتها إلى بعض الرهبان من النصارى ففرحوا بها وأعطوني على ذلك مكافأة ،
ثم أخذت نسخة من المصحف فقدمت فيها وأخرت وزدت فيها ونقصت وأهديتها إلى أحد
العامة الذين ليسوا هم علماء ، ولما فتش فيها رماها في وجهه، وقال : كذبت
ليس هذا القرآن، قد غيرته ، فعلمت صدق قول الله تعالى : {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وعلمت أنه كلام الله ، فهكذا كان هذا القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم.
من المعجزات انشقاق القمر، قال الله تعالى : {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}
ذكر أن المشركين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - آية تدل على أنه صادق
، فأراهم انشقاق القمر، حتى رأوا الجبل فلقتين، انشق القمر وصار فلقتين
بينهما الجبل ، ثم سار إلى أن توسط في السماء فالتأمتا ، فقال المشركون:
هذا سحر، {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ}
ثم قالوا: إن محمدا إن قدر على سحرنا فلا يقدر على سحر جميع الناس، انظروا
فكل من جاءهم من بعيد سألوه : هل رأيتم تلك الليلة أن القمر قد انشق؟
قالوا: نعم، فكانت هذه معجزة، القمر آية من آيات الله تعالى من أصغر آياته
مركبا في فلك {وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ومع ذلك حصل فيه هذه المعجزة.
في حديث ثوبان رضي الله عنه في صحيح مسلم، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((إن
الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي
منها ، وأعطيت الكنزين : الأحمر والأبيض ، وإني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها
بسنة عامة ، وألا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم))في هذا الحديث معجزات ؛
الأولى : إخباره بأن أمته سيبلغ ملكها المشرق والمغرب، وقد وقع هذا ،
امتد الإسلام في المغرب إلى أقصى بلاد المغرب، وصل إلى طنجة وما حولها
وإلى الأندلس ونحو ذلك ، وامتد أيضا في المشرق ، امتد في المشرق إلى أن وصل
إلى حدود الصين والهند والسند ، ولم يتوسع في الشمال والجنوب كتوسعه في
الشرق والغرب ، هذه معجزة،
2- كذلك يقول: ((أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض))
، الكنز الأحمر كنز الروم؛ لأن الغالب عليه عندهم الذهب ، والأبيض كنز
الفرس، الروم في الشام وهم نصارى والفرس في العراق وهم مجوس، وقد أخبر أيضا
في حديث آخر بفتح كنوزهما، فقال صلى الله عليه وسلم : ((لتنفقن كنوز كسرى وقيصر في سبيل الله)) فكان كذلك ، هذه معجزة أخبر بها قبل أن تقع ،
3- كذلك في هذا الحديث الدعوة ، لما قال: ((أعطيت الكنزين الأحمر والأبيض)) قال : ((دعوت ربي لأمتي ألا يهلكها بسنة عامة)) ،
يعني : بجدب يعم البلاد كلها حتى يهلكوا ، فلم يقع ذلك ، هذا من المعجزات ،
صدق الله تعالى قوله ، ملكت أمته أقصى المشرق والمغرب، ولم ينتشر ملكهم في
الشمال ولا في الجنوب ، هكذا قال : ((مشارق الأرض ومغاربها)).
كان يخطب مرة إلى جذع،
فلما اتخذ المنبر وقام عليه حن الجذع حنين العشار، حتى جاء إليه والتزمه،
وكان يئن كما يئن الصبي الذي يسكت، ثم سكن ، هذه أيضا معجزة ، جذع نخلة ميت
، ليس فيها حياة وليس فيها روح ، كان معروفا في قبلة المسجد ، فكان يرقى
عليها حتى يرتفع وقت الخطبة ، يخطب ويذكر ويقرأ آيات من القرآن ، بعد ذلك
صنع له المنبر ، وجعل من ثلاث درجات، فرقى على المنبر وابتدأ يخطب ، وبعدما
ابتدأ سمع لذلك الجزع حنين كحنين العشار ، العشار واحدها عشراء ، الناقة
التي قد ولدت ولها ولد تحن عليه ، فنزل إليه وضمه حتى سكن ، هذه أيضا من
معجزاته ، هكذا مروي ذلك في البخاري.
كذلك نبع الماء من بين
يديه غير مرة ، في الصحيحين وغيرهما ، مرة في الحديبية جيء بماء قليل في
قدح فوضع يده في ذلك الماء ودعا فيه ، فجاء الماء ينبع من بين أصابعه أمثال
العيون ، فقال : ((توضئوا)) ، وهم ألف وخمسمائة ، فتوضئوا كلهم ، قيل لواحد منهم : كم كنتم ؟ قال : لو كنا مائة ألف لكفانا ، كنا ألفا وخمسمائة .
ومرة وهم في طريق تبوك ، كان هناك بئر فيها قليل من الماء ، فقال : من وصلها فلا يمسن،
فسبق إليها رجلان ونزلا فيها واغترفا الماء الذي فيها إلا قليلا ، ولما
علم بذلك أنكر عليهما، ثم أمر بأن يخرج منها ماء قليل في قدح ودعا فيه ثم
صبه فيها ، فنبعت منها عيون وهم نحو أربعين ألفا ، شربوا وارتووا في قربهم
وسقوا إبلهم من هذه البئر التي ليس فيها إلا قليل.
سبح الحصى في كفه، أخذ حصيات صغيرة ، يعني الواحدة مثل الذبيبة أو نحوها ، وضعهن في كفه وجعل يسمع لهن زجيج ، قال هذا تسبيح {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}
وضعها في كف أبي بكر فسبحن ، وكذا في كف عمر، وهكذا في كف عثمان، هكذا أصل
الحديث عند البخاري إلا أنه ليس فيه ذكر الصحابة ، ذكرهم في الأوسط
للطبراني بإسناد صحيح .
يقول بعض الصحابة : كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل عند النبي صلى الله عليه وسلم ، هكذا في صحيح البخاري.
سلم عليه الحجر والشجر ليالي بعث ، هذا في صحيح مسلم ، يقول صلى الله عليه وسلم : ((إني لأعلم حجرا بمكة كان يسلم علي ، إني لأعلمه الآن)).
أهدى اليهود له شاة مسمومة ، وأكثروا من السم في الذراع ، أخذ الذراع ونهش منها نهشة ثم لفظ الذي أكله الذي أخذه ، وقال : أمسكوا إن هذا الذراع يخبرني أنها مسمومة ،
الذراع جماد أو الكراع جماد أو العضد ، ولكن أطلعه الله تعالى على ذلك
هكذا ، كان معه أحد الصحابة فمات ، أما هو فإن الله تعالى حماه ، عاش بعد
ذلك أربع سنين.
شهد الذئب بنبوته ، روي
ذلك في حديث عند الطبراني وغيره ، أن ذئبا تكلم وأنه شهد بنبوته، هذا من
المعجزات ، رواه أحمد في المسند وابن حبان في صحيحه ، وإسناده صحيح.
مر في سفره ببعير يستقى عليه، فلما رآه البعير جرجر، ووضع جرانه ، فقال: ((إنه شكا كثرة العمل وقلة العلف)) هكذا ، (يستقى عليه)
يعني: ينضح عليه من الآبار ، ويسمى الناضح ، النواضح قد تسمى السواني التي
تعلق فيها الغروب ثم تجرها إلى أن تصب في المصب ، فذكر أن هذا الجمل اشتكى
عليه كثرة العمل وقلة العلف، فهم ذلك من هذا البهيمة من هذا الجمل ، هكذا
في مسند أحمد وغيره ، (جرجر) يعني : رد صوته بحنجرته ، (وضع جرانه) : الجران مقدم العنق.
دخل مرة حائطًا وفيه بعير، فلما رآه ذلك البعير حن وذرفت عيناه، فقال لصاحبه: ((إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه)) هكذا في السنن والمسند.
ذكر أنه أن جملا أيضا عصى
على صاحبه ، وكاد أن يشرد ويخرج ، فلما دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم
وهو في داخل سور في بناء قد سور عليه ، فلما رآه ذلك الجمل جرجر وجعل يخط
برأسه على الأرض حتى جاء إليه، فقال المسلمون: يا رسول الله هذه بهيمة سجدت
لك ، أفلا نسجد لك؟ فقال : ((إنه لا يحل السجود إلا لله تعالى))، هكذا.
دخل حائطًا آخر وفيه فحلان
قد عجز صاحبهما عن أخذهما، فلما رآه أحدهما جاء حتى برك بين يديه، فخطمه،
ودفعه إلى صاحبه، فلما رآه الآخر فعل مثل ذلك، هكذا في دلائل النبوة لأبي
نعيم، جاء حتى برك بين يديه ، (خطمه) يعني: ربط في رقبته حبلا يسمى الخطام، هكذا.
كان نائمًا مرة في سفر، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى قامت عليه ، فلما استيقظ ذكرت له، فقال: ((هي شجرة استأذنت ربها أن تسلم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأذن لها)) شجرة جماد أي جماد، جاءت تشق الأرض حتى وقفت عليه وهو نائم، ثم رجعت إلى مكانها ، هذه أيضا من معجزاته .
أمر شجرتين فاجتمعتا، ثم
أمرهما فافترقتا ، ذكر أنه صلى الله عليه وسلم مرة أراد أن يتبرز ولم يجد
ما يستتر به ، وجد شجرتين صغيرتين ، فأخذ بغصن إحداهما وجرها فانجرت معه
إلى أن انضمت مع الأخرى، واستتر بهما، ولما قضى حاجته جر الأولى إلى مكانها
، انجرت معه على وجه الأرض، هذا أيضا عجائب خلق الله تعالى .
سأله أعرابي أن يريه آية،
فأمر شجرة فقطعت عروقها حتى جاءت فقامت بين يديه، ثم أمرها فرجعت إلى
مكانها ، هكذا رواه الترمذي وغيره، كأن هذا الأعرابي قد شك في نبوته ، فقال
: أرني آية تدل على صدقك ، فأشار إلى هذه الشجرة ، فجاءت تخط في الأرض إلى
أن وقفت بين يديه ، ثم قال لها : ارجعي ، فرجعت، وهذا شيء واقعي ليس هو
خيال كما يقوله المشركون أنه سحر أعيننا بل إنه صحيح.
ذكر أنه يمكن في عمرة
الحديبية أو في عمرة القضية أراد أن ينحر ست بدنات، يذبحهن بالسكين ، فجعلن
يزدلفن إليه كأن كل واحدة تريد أن ينحرها قبل الأخرى، كأنهن يزدحمن لأجل
أن ينحرهن، كيف ذلك وهن يشاهدن الموت ؟ ! ولكن هكذا سخر الله تعالى له هذه
البهائم ، البدنات: هي الإبل لأنها كبيرة البدن ، ومعنى (يزدلفن):
يعني يزدحمن إليه لأجل أن ينحرهن ، وقيل أيضا: إن هذا كان في حجة الوداع؛
لأنه في حجة الوداع كان معه مائة من الإبل قد أهداها، نحر بيده الشريفة
ثلاثا وستين، وأعطى عليا فنحر ما بقي.
مسح ضرع شاة حائل لم ينز عليها الفحل، فحفل الضرع، فحلب وشرب وسقى أبا بكر رضي الله عنه ، الشاة: اسم للواحدة من الغنم من ضأن أو معز ، والحائل:
هي التي لم ينز عليها الفحل ، يعني ما حملت أبدا ، والعادة أنه لا يوجد
فيها لبن، إنما اللبن تلد حتى ترضع ولدها ، ولكن هذه كرامة معجزة للنبي صلى
الله عليه وسلم، حفل الضرع وصار فيه لبن كثير ، هكذا في مسند أحمد وصحيح
ابن حبان .
ونحو هذه القصة في خيمتي
أم معبد الخزاعية، وتقدم كلامها في وصفها للنبي صلى الله عليه وسلم ، ذكر
ابن كثير أن قصة أم معبد مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا ، خرجها في
السيرة النبوية ، تخريج السيرة للدكتور مهدي رزق الله ، وكذلك ابن مشكال ،
وكلام الألباني في تخريج الحديث ، هكذا لما جاء إلى تلك الشاة التي قد هزلت
ولن تطق أن تذهب مع الغنم ، فقال لأم معبد : احلبي لنا من هذه الشاة ، قالت : إنها شاة هزيلة ، ليس فيها لبن ، قد ضعفت ، لا تطيق أن تسرح مع الغنم ، فقال : أتأذنين لنا أن نحلبها ، قالت : وهل فيها لبن ؟ قال : قربيها ،
فمسح ضرعها فتدلى كأنه قرب ، فحلبوا وشربوا وهم أربعة ، وتركوا الأواني
عند أم معبد مليئة هكذا، وذكرت قصة أم معبد ، المشركون لما خرج النبي صلى
الله عليه وسلم لم يدروا أين ذهب حتى سمعوا جنيا ينشد شعرا في أسواق مكة من
أعلاها إلى أسفلها، وصف أبا بكر:
رفيقيـن حلا خيمتي أم معبد ...... هما نزلا بالبر وارتحلا بـه
إلى آخره، فهذا دليل على شهرة هذه القصة، وذكرها أيضا ابن إسحاق في السيرة .
ندرت عين قتادة بن النعمان
الظفري حتى صارت في يده، فردها، وكانت أحسن عينيه وأحدهما، وقيل: إنها لم
تعرف ، هكذا قصة قتادة بن نعمان مروية في المستدرك، وذكرها ابن حجر في
الإصابة وابن الأثير في أسد الغابة ، فذكروا أن عينه سقطت حتى سقطت وكانت
في يده ، أخذها النبي صلى الله عليه وسلم وردها مكانها ، لم يكن هناك جراحة
، لم يكن جراحا يربط عروقها بأصولها ، بل بإذن الله بمجرد ما جعلها ثبتت
فكانت أحسن عينيه.
تفل في عيني علي بن أبي
طالب - رضي الله عنه - وهو أرمد، فبرأ من ساعته، ولم يرمد بعد ذلك ، هكذا
في الصحيحين، لما كان في خيبر وقال : ((لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه))، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبحوا غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كلهم يرجو أن يعطاها ، فقال : ((أين علي بن أبي طالب؟))
فقيل له: يشتكي عينيه ، فأرسلوا إليه ، فجيء به يقاد من الرمد ، فبصق في
عينيه - أي : تفل فيهما - ودعا له فبرأتا، يقول علي رضي الله عنه : ما صدعت ولا رمدت بعدها ،
أي : منذ تفل النبي صلى الله عليه وسلم في عيني ، لم يرمد بعدها . ودعا له
أيضًا وهو وجع فبرأ، ولم يشتك ذلك الوجع بعد ذلك ، هكذا عند الإمام أحمد
في المسند: أنه أصابه وجع كحمى أو نحوها فدعا له بالشفاء فشفي.
وأصيبت رجلا عبد الله بن
عتيك الأنصاري، فمسحها، فبرأت من حينها ، لما ذهب مع جماعة ليقتلوا سلام بن
أبي الحقيق من أكبر اليهود الذين يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ، احتال
حتى رقا عليه في علية ثم قتله ، ثم أراد أن ينزل ، لما نزل سقط من درجة
رفيعة فانكسرت ساقه ، فربطها بعمامته ثم جاء إلى أصحابه، وقال : إني قتلت
الرجل ، جاءوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد انكسرت ساقه، مسح ساقه
بيده الكريمة فبرأ ، برأت من حينها ، هكذا في صحيح البخاري في قصة قتل أبي
رافع اليهودي ؛ وذلك لأن الأنصار يتنافسون فقتل الأوس كعب بن الأشرف ، فقال
الخزرج: نقتل سلام بن أبي الحقيق فقتلوه ، وفي ذلك يقول بعضهم :
للـه در عصابـة لاقيتهـم ...... يابن الحقيق وأنت يابن الأشرف
يسعون بالبيض الخفاف إليكم ...... مرحـا كأسد في عرين مغـرف
فذكر سلام بن أبي الحقيق وذكر ابن الأشرف. ******* ******* *******
أخبر صلى الله عليه وسلم
أنه يقتل أبي بن خلف الجمحي يوم أحد، فخدشه خدشًا يسيرًا فمات ، هذا أمية
بن خلف قتل في بدر لأنه كان من الذين يعذبون الصحابة ، وأما أبي بن خلف
فإنه لم يقتل وجاء إلى أحد وقال: دلوني على محمد، لا بد أن أقتله، وجاء
مدججا بالسلاح، وجاء معه أسلحة وقوة ، وعليه أيضا شيء من الدروع التي يتقي
بها، فلما ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم قال : أنا أقتله إن شاء الله ،
فلما أقبل أخذ النبي صلى الله عليه وسلم خنجرا من بعض أصحابه فخدشه بها
خدشة في طرف عنقه، خدشة يسيرة فرجع وجعل يخور كما يخور الثور، قالوا: لا
بأس بك ، إنما هي خدشة يسيرة، فقال: لو كانت هذه في مائة لأماتتهم ، إنه
قال : إني سوف أقتله، مات في ذلك النهار ، صدق الله تعالى ظن نبيه صلى الله
عليه وسلم .
يقول سعد بن معاذ سعد بن
معاذ الأنصاري ، قال لأخي أبي وهو أمية بن خلف: إني سمعت محمدًا يزعم أنه
قاتلك، فقال: إذا لا يكذب ، يعرفون بأنه ليس بكذاب، فحضر وقعة بدر، ولما
حضرها وانهزموا مر به عبد الرحمن بن عوف ، فقال : خذني أسيرا ، فأخذه ،
وأراد أن يأسره ، فرآه بلال وكان هو الذي يعذبه ، يجعل الصخرة على صدره ،
ويقول له : اكفر بمحمد ، فيقول: أحد أحد ، فلما رآه قال : هذا أمية بن خلف لا نجوت إن نجا
، ثم استفزع بجماعة من الأنصار فثاروا معه إلى أن أدركوه ، وكان معه ولده
فتركه لهم عبد الرحمن ، فقتلوا الولد ثم مشوا خلفه إلى أن أدركوا أمية
فقتلوه ، فقال لهم عبد الرحمن : قتلتم أسيري؟ فقالوا : إنه كالذين قتلوا.
في غزوة بدر ، لما حصلت الوقعة أو أقبلت جعل يقول : هذا مصرع فلان إن شاء الله ، هذا مصرع فلان ، هذا مصرع فلان ،
وعدد أناسا فصدق الله ظنه، فما تجاوز أحد منهم مكانه الذي أخبر بأنه يصرع
فيه، صلى تلك الليلة ليلة بدر وأطال الصلاة وهو يسأل ربه ، ولما أصبح وتوجه
إلى مكان المعركة قال: سيهزم الجمع ويولون الدبر
، هكذا خبر من الله تعالى، المشركون جاءوا بحدهم وحديدهم ، وجاءوا
بقواتهم، عددهم نحو ألف والمسلمون نحو ثلاثمائة وزيادة ، أي: مثلهم ثلاث
مرات، ومع ذلك أخبر بأنهم سيهزمون ، سيهزم الجمع ويولون الدبر ، فصدق الله
مقالته وهزموا، ولم يتجاوز أحد منهم المصرع الذي سماه النبي صلى الله عليه
وسلم، هكذا في صحيح مسلم وغيره.
وأخبر أن طوائف من أمته
يغزون البحر، وأن أم حرام بنت ملحان منهم، فكان كما قال، نام عندها مرة
فاستيقظ وهو يضحك، فقالت : يا رسول الله ما الذي أضحكك؟ فقال: ((رجال من أمتي يركبون ثبج هذا البحر ملوكا كالأسرة -أو: مثل الملوك-))، فقالت : ادع الله أن يجعلني منهم ، فقال : ((أنت منهم)) ، ثم نام مرة أخرى واستيقظ وهو يضحك ، فقالت : مم تضحك ؟ فقال : ((رجال من أمتي يركبون ثبج هذا البحر الأخضر ، ملوكا كالأسرة -أو: مثل الملوك-)) ، قالت : ادع الله أن يجعلني منهم ، قال : ((أنت من الأولين))
تزوجها أوس بن الصامت ثم إنها خرجت معه غزوا في البحر ، خرجت معه كأنها من
الغزو لتخدم زوجها، ولتخدم أيضا المجاهدين بما يحتاجون إليه، ثم إنها سقطت
من دابة ركبتها فماتت، فكانت من الذين ماتوا في الغزو ، هكذا أخبر صلى
الله عليه وسلم .
وقال لعثمان: إنه سيصيبه
بلوى؛ فأصابه ذلك، في حديث أبي موسى : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج مرة
إلى بعض الحيش بالمدينة ، فدخل حائطا لبعض الأنصار فقضى حاجته ، ثم جلس
على شفير البئر ، قال أبو موسى : لأكون بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فجاءه رجل فقال : ائذن لي ، قال : من أنت ؟ قال : أبو بكر ، فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : ((ائذن له وبشره بالجنة)) ، وهكذا جاء عمر ، ثم جاء عثمان ، فقال : ((ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه))
أصابته هذه البلوى ، وذلك أنه نقم عليه بعض الأعراب ، انتقدوا عليه سيرته
وعمله ، فاجتمع عليه ثوار كثيرون وضيقوا عليه حتى قتلوه ، هذه هي البلوى
أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، قبل أن تقع.
حمل مرة الحسن بن علي وهو صغير ، يمكن أن عمره ثلاث سنين أو أربع ، وقال : ((إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)) فئتين
عظيمتين ، أخبر بذلك وهو طفل ، حصل ذلك لما كان لما قتل علي رضي الله عنه
كان معاوية قد استقوى ، ملك الشام وملك مصر وملك ما حولها ، ثم إنه أراد أن
يغزو العراق ، فاجتمع جنود كثيرون مع الحسن رضي الله عنه ؛ لأنه صار خليفة
أبيه، فلما ذكر ذلك لمعاوية قال : إذا قتل هؤلاء هؤلاء وقتل هؤلاء هؤلاء فمن الذي يبقى من المسلمين ، فألهم
الله الحسن ووعد معاوية أن يأتيه ليتنازل عن الخلافة له ويبايعه ، فبايعه
الحسن حقنا لدماء المسلمين ، فأصلح الله بين المسلمين بسبب الحسن ، نقم
عليه أهل العراق ، كانوا يسمونه : أمير المؤمنين ، فقالوا : يا مذل
المؤمنين ، فقال : بل أنا المصلح بين المؤمنين
، ولما بايع معاوية اجتمعت الأمة على معاوية ، وسمي ذلك عام الجماعة، أي:
الذي اجتمعت فيه الأمة ، هكذا أصلح الله به بين فئتين من المسلمين ، هذه
القصة في صحيح البخاري ، وفي السنن وغيرها.
أخبر بمقتل الأسود العنسي
الكذاب ليلة قتله، وبمن قتله، وهو بصنعاء اليمن ، هكذا أخبر ، وذلك لأن
الأسود العنسي ادعى النبوة ، لما ادعاها وهو في نجران انخدع به كثير ،
واستولى على نجران ، ثم توجه وجعل لا يصل إلى بلدة إلا بايعوه، حتى وصل إلى
صنعاء واستولى عليها في نحو ثلاثة أشهر ، فلما سمع بذلك النبي صلى الله
عليه وسلم أخبره الله بأنه سيؤول أمرهما إلى الفشل ، يقول : ((إني
رأيت في المنام في يدي سوارين فأهمني شأنهما ، فأوحي أن انفخهما ،
فنفختهما فطارا ، فأولت ذلك هذين الكذابين : صاحب صنعاء ، وصاحب اليمامة))
أخبر بأنه سوف يقتل فقتل ، أخبر قبل أن يقتل ، كان رجلان من المسلمين من
الذين وقر الإيمان في قلوبهم ؛ أحدهما يقال له : زادويه ، والثاني يقال :
له فيروز الديلمي ، اتفقا على أنهما يقتلانه، يأتيه شيطانه ويخبره فعزم على
أن يقتلهما ، امرأته عرفت أنه كذاب، كان أحدهما قريبا لها، فقال : كيف
الحيلة ؟ فقالت : ليلة كذا احفروا في المكان الفلاني في الجهة الفلانية
وإذا جاء وسط الليل ادخلوا مع ذلك الحفر ، فلما دخلا وجداه يغط نائما ،
فجعلا يطعنانه وهي عندهما ، فخار كخوار الثور، فسمع ذلك الرصد عند الأبواب ،
فجاءوا يقولون : ما هذا ما هذا ؟ فقالت: النبي يوحى إليه، فعند ذلك قطعوا
رأسه ، فكان ذلك نهايته ، اسمه عبهلة وكان يؤذن على المنبر على المنارة
أشهد أن أبهلة رسول الله ، لما رقى المؤذن قالوا له : إنا قد قتلناه فأذن
بالشهادة لمحمد ، فلما رقى المنبر قال: أشهد أن محمدا رسول الله وأن أبهلة
كذاب ، فعند ذلك سمعه الحرس وجاءوا إليه ليقتلوه ، فقال لهم : إن أبهلة قد
قتل وهذا رأسه ، فعند ذلك تفرقوا .
هذه من أخباره صلى الله عليه وسلم ، ولعلنا نكمل البقية غدا إن شاء الله ، والله أعلم وصلى الله على محمد.
ذكر العلماء والمشايخ أنه لا يجوز الإيداع فيها إلا للحاجة، قد يكون هناك ضرورة على هذا يكون حسابا جاريا كوديعة .
سؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل يجوز حلق ما تحت اللحيين؟
إما تحت الحلق ما في الحلق يجوز ؛ لأن اللحية اسم لما نبت على اللحيين أو مجمع اللحيين.
سؤال: أحسن الله إليكم، يقول: هل ورد حديث في تحريم لبس خاتم الحديد وكذلك الساعة من الحديد؟
بهكذا قال بعض المشائخ :
إن لبس الحديد لا يجوز ، تعرض لذلك الشيخ محمود التويجري رحمه الله في
كتابه الذي سماه: الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الكثير من مشابهة المشركين .
أحسن الله إليكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم ، والله أعلم ، وصلى الله على محمد.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من جملة المعجزات إجابة
دعوته صلى الله عليه وسلم ، ومن جملة المعجزات إخباره بالأشياء البعيدة
فيكون ذلك حقا ، فمثلا الأسود العنسي الذي ادعى النبوة كان في صنعاء ،
وبينها وبين المدينة مسافات ، فأخبر بأنه سيقتل ، وقتل في تلك الليلة التي
أخبر بذلك فيها، كذلك كسرى... كسرى بن هرمز الذي هو ملك الفرس، لما أرسل
إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يدعوه مزق الكتاب ، ولما مزقه دعا
عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ((اللهم مزق ملكه))
فكان كذلك ، مزق ملكه وطرد إلى أن هلك ، وفتحت العراق كلها، ولجأ إلى
خراسان التي هي إيران ، وتبعه الصحابة وفتحوا خراسان، فكان ذلك أثر الدعوة
عليه: ((اللهم مزق ملكه)) .
قبل ذلك هذا الطاغي الذي
هو يزدجرد أرسل اثنين أو ثلاثة من جنده ، وقال : ائتياني بمحمد حيا أو ميتا
، ولما دخلا عليه صلى الله عليه وسلم وإذا هما قد أطال شواربهما وحلقا
لحاهما ، فرآهما رؤية منكرة، فقال: ((ويحكما ، من أمركما بهذا؟)) قالا : ربنا -يعنيان كسرى - قال : ((لكن ربي أمرني بإعفاء اللحى وحلق الشوارب -أو: قص الشوارب-)) ، ثم سلط الله تعالى على يزدجرد سلط عليه تلك الليلة أحد أقاربه فقتل ، فقال لهما : اصبرا ، ولما جاء الليل قال: ((إن ربي قد قتل ربكما الليلة))
، فحصل معهما شك وكتبا ذلك اليوم ورجعا إلى كسرى وإذا هو قد قتل في ذلك
اليوم. هكذا أولا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وثانيا تمزيقه لكتاب
النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد موته ولوا عليهم ابنته ، سمع بذلك النبي
صلى الله عليه وسلم فقال: ((لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)) ما أفلحوا ، فصار ملكهم إلى الخراب والدمار .
هكذا أخبر عن الشيماء بنت
بقيلة الأزدية أنها رفعت له في خمار أسود على بغلة شهباء، كانت قد عصت
فأخبر بأنها سيجاء بها على بغلة شهباء ، في عهد أبي بكر رضي الله عنه
استولى عليها الجيش ، جيش خالد بن الوليد في زمن أبي بكر ، ثم رفعت إلى أبي
بكر في تلك الصفة على بغلة شهباء عليها خمار أسود، هكذا حصل كما أخبر
النبي صلى الله عليه وسلم، هذه القصة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد، الجزء
الثامن صفحة مائتين وثمان وثمانين، وقال : رواه الطبراني في الكبير، وهو
في الطبراني برقم أربعة وأربعين ألف ومائة وست وثمانين ، وذكرها الحافظ في
الإصابة ، وروى معناها ابن حبان في صحيحه .
كذلك ثبت أنه صلى الله
عليه وسلم دعا لثابت بن قيس بن شماس وهو الذي يعرف بأنه خطيب النبي صلى
الله عليه وسلم ، وكان فصيحا ذلق اللسان ، دعا له بقوله : ((تعيش حميدًا، وتقتل شهيدًا))
فعاش حميدًا، وقتل يوم اليمامة شهيدًا، اليمامة في عهد أبي بكر رضي الله
عنه في آخر سنة إحدى عشرة، ذكروا أن خالد بن الوليد أمير الجيش غزا اليمامة
وليس معه إلا سبعة آلاف ، وجنود مسيلمة أكثر من مائة ألف، ثم إنه ابتدأ في
القتال ، واشتد القتال وأمر الصحابة أن يخلصوا من الأعراب ، فصفى منهم
ثلاثة آلاف ، البقية أعراب جعلوهم في الجناحين ، قاتلوا قتالا شديدا ، حفر
ثابت لنفسه حفرة وقال : أقاتل وأنا في هذه الحفرة إلى أن أقتل ،
فقتل شهيدا ، قتل في تلك الوقعة من الصحابة خمسمائة كلهم أو أكثرهم من
حملة القرآن ، ثم إنهم قتلوا مسيلمة ، تسوروا عليه الحائط ودخلوا عليه
فقتلوه ، كان الذي قتله أبو دجانة سماك بن خرشة ، وقيل : إن الذي أثخنه عبد
يقال له: وحشي، وهو الذي قتل حمزة قبل أن يسلم، ويقول: قتلته ليكفر الله عني قتلي لحمزة ، عاش حميدا وقتل يوم اليمامة شهيدا.
يقول: وقال لرجل ممن يدعي الإسلام وهو معه في القتال: ((إنه من أهل النار))
فصدق الله قوله بأن نحر نفسه ، هذا الحديث في الصحيحين ، قيل : إن ذلك
الرجل يقال له : قزمان ، وذلك لأنه حضر وقعة أحد ، ذكر للنبي صلى الله عليه
وسلم فقال: ((إنه من أهل النار)) فقاتل
قتالا شديدا ، حتى قيل : إنه قتل بنفسه ستة أو سبعة من المشركين ، ثم
أصابته جراحة شديدة فاستبطأ الموت فوضع نصل سيفه على الأرض وذبابه بين
ثدييه وتحامل عليه فقتل نفسه، كان رجل من المسلمين لما قال : ((إنه من أهل النار)) قال : أنا أكفيكموه ، ذهب إلى أن رآه قتل نفسه ، فجاء وقال : أشهد أنك رسول الله، قال : ((وما ذاك؟))
قال: الرجل الذي ذكرت أنه من أهل النار قد قتل نفسه ، قد أخبر النبي صلى
الله عليه وسلم أن الذي ينتحر يكون من أهل النار. الحديث في الصحيحين أنه
صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته بيده يجأ بها نفسه -يعني: يطعن بها نفسه- في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تردى من شاهق ليقتل نفسه فهو يتردى في النار خالدا مخلدا فيها أبدا ، ومن تحثى سما -يعني: اذدرده- فهو يتحثاه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)).
يقول: ودعا لعمر بن الخطاب، فأصبح عمر فأسلم ، هكذا رواه الترمذي وأحمد والحاكم، وهو صحيح ، أنه صلى الله عليه وسلم قال : ((اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك: بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب)) كان أبو جهل يسمى عمرو بن هشام ، ابن الخطاب اسمه عمر بن الخطاب ، في رواية أنه قال: ((اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك))
كان عمر في أول الأمر شديدا على المسلمين ، ذكر أنه نصح رجلا من المسلمين ،
فقال : إن أختك وزوجها قد أسلما ، فغضب لذلك وذهب وطرق الباب على أخته ،
وكان معهما صحيفة يقرآن فيها ، فيها أول سورة طه ، فلما سمع به زوجها اختبأ
، عند ذلك دخل مغضبا ، فقال : أصبأتم ؟ فقالت : ما صبأنا ولكنا أسلمنا ،
أراد أن يضربها، فقالت: على رسلك ، أرته تلك الصحيفة، في رواية : أنها قالت
له : توضأ أو اغتسل ، ولما قرأها تأثر بها، كيف تفعلون إذا أردتم أن
تسلموا؟ أخبرته بالنبي صلى الله عليه وسلم هو والذين معه وكانوا في دار
الأرقم الذي قرب المسعى ، فطرق عليهم الباب ، وكانوا يخافونه ويهابونه ،
قالوا : هذا ابن الخطاب عند الباب ، فلما فتح أمسكه النبي صلى الله عليه
وسلم بجيبه ، ظن أنه جاء ليقاتل ، في تلك الحال تشهد ، فكبروا فرحا بإسلامه
، بعد ذلك كان ذلك عزهم .
يقول ابن مسعود: ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر .
يقول: ودعا لعلي بن أبي
طالب أن يذهب الله عنه الحر والبرد، فكان لا يجد حرًا ولا بردًا ، هكذا في
مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة وحسنه الألباني ، بمعنى أنه في الشتاء لا
يحس بالبرد ، وفي الصيف لا يحس بحر.
ودعا لعبد الله بن عباس فقال : ((اللهم فقهه في الدين))، في رواية: ((وعلمه التأويل)) هكذا في صحيح البخاري وصحيح مسلم وغيرها من السنن ؛ لأن رواية : ((وعلمه التأويل))
، لم ترد في الصحيح ، واستجاب الله تعالى له ، فكان رضي الله عنه حبر
الأمة ، ويسمى البحر وترجمان القرآن ، وكان هو المرجع في التفسير ، وكذلك
في العلم .
يقول : لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم قلت لشاب من الأنصار :
إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اليوم متوفرون ، فهلم فلنتعلم منهم ،
فقال لي ذلك الأنصاري : عجبا لك يا ابن عباس ، أتظن الناس يحتاجون إليك
وفيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فتركت قوله ، وكنت أتتبع الصحابة ،
يبلغني حديث عند أحدهم فأذهب إليه فيقولون : إنه نائم وسط النهار في
القيلولة ، فأجلس عند بابه تسفي الريح في وجهي ، إلى أن يستيقظ لصلاة الظهر
، فإذا استيقظ وخرج قال: ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ هلا أرسلت
إلي وآتيك ؟ فيقول : لا ، العلم يؤتى إليه ، فاستمر في ذلك يتعلم
من الصحابة ، حتى حمل علما جما ، ثم إن ذلك الشاب بعد عشرين سنة رأى الناس
حوله يسألونه ويجيبهم ، فندم وقال: أنت أفطن مني ؛ يعني أنك اجتهدت فتحصلت
على هذا العلم.
دعا لأنس بن مالك رضي الله عنه وقال: ((اللهم أطل عمره، وبارك في ماله وولده)) فبارك الله له في ماله ، فيقول رضي الله عنه : إن أولادي وأولاد أولادي يتعادون فيبلغون المائة أو المائة والعشرين ، وإني لذو مال .
ذكروا أن نخله يحمل في السنة مرتين، والصحيح أنه عمر مائة وثلاث سنين ؛
لأنه مات سنة ثلاث وتسعين ، وكان وقت الهجرة عمره عشر ، لما جاء النبي صلى
الله عليه وسلم إلى المدينة كان ابن عشر سنين ، فيكون ولد قبل الهجرة بعشر ،
ثم عاش إلى سنة ثلاث وتسعين من الهجرة ، نضيف إليها عشرة فتكون مائة وثلاث
، ما ذكره هنا من أنه عاش مائة وعشرين ، لعل الصواب مائة وثلاث سنين ، هذا
هو الصواب.
يقول: دعا على عتبة بن أبي
لهب ، أو عتيبة ؛ لأنه أراد أن يسافر إلى الشام فدخل على النبي صلى الله
عليه وسلم وسبه وشق قميصه وآذاه، فلما أراد أن يخرج قال: ((اللهم سلط عليه كلبًا من كلابك))،
ذهب وخرج مع أبيه ، ولما كانوا في الزرقاء ؛ أي: قرب الشام ، قالوا: إن
هذا الوادي فيه مسبعة ، فقال: إني أخاف ؛ فإن محمدا دعا علي أن يسلط علي
كلب ، فعند ذلك جمعوا متاعهم وأخرجتهم وصفوها ، وجعلوه في وسطها ، وغطوه
بغطاء ، وناموا ، فجاء الأسد كأنه مأمور ، ورقى على تلك الأمتعة حتى أتى
عليه فقلع رأسه ، فتحققت دعوة النبي صلى الله عليه وسلم .
أبوه عم النبي صلى الله
عليه وسلم ، وهو أيضا من الذين آذوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد توعد
الله أبا لهب سيصلى نارا ذات لهب ، فسلط عليه مرضا يقال له: العدسة ، مرض
شديد الانتقال والعدوى ، ولما مات لم يقربه أحد، علقوه في كلاليب وجروه
وجعلوه تحت جدار وهدموا الجدار عليه ، تحقق أنه مات كافرا.
شكي إليه صلى الله عليه
وسلم القحط ، كان مرة يخطب في صلاة الجمعة ، فدخل رجل وقابله وقال : يا
رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال وضاقت الحال وانقطعت السبل ، فادع الله
أن يغيثنا ، فرفع يديه وقال : ((اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا))
، يقول أنس : فنزلنا ، خرجنا ، وما نرى في السماء قزعة، أي: قطعة غيث
فنشأت مثل الترس من قبل سلع ، جبل معروف في المدينة ، مثل الترس ، أي: مثل
المجن الذي يجعل على الرأس ، ثم إنها توسطت السماء فأمطرت واستمر المطر
سبتا ، ما رأينا الشمس سبتا ، يعني أسبوعا ، فلما كان في الجمعة الآتية ،
الجمعة التالية ، دخل رجل من ذلك الباب والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب
فقال : يا رسول الله تهدمت القصور وانقطعت السبل ، فادع الله أن يمسكها ،
فرفع يديه وقال : ((اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر)) فانجابت عن المدينة وأصبحت المدينة في مثل الكوة ولم يأت أحد من جهة إلا بشر بالخير .
كذلك أيضا ذكروا أنه في
غزوة تبوك ظمئوا شديدا ، فاستغاث ، فأنزل أنشأ الله سحابة وأمطرت عليه حتى
رويت الأرض واستنقعت ، وشربوا وملئوا قربهم ، وهي التي قال فيها بعض
المنافقين سحابة مارة ، فهذه من المعجزات.
أطعم أهل الخندق - وهم ألف
- من صاع شعير ، أو دون الصاع، وبهيمة، فشبعوا وانصرفوا والطعام أكثر مما
كان . هذا في الصحيحين ، عن جابر رضي الله عنه يقول في حفر الخندق : (رأيت
برسول الله صلى الله عليه وسلم جوعا فقلت : لا صبر على هذا ، فقلت لامرأتي :
ما عندك ؟ فقالت : عندي صاع شعير ، فقال : اطحنيه واخبزي ، يقول : وكانت
عندنا داجن - يعني سخلة - فذبحتها وسلختها ووضعتها في القدر ، فقلت : يا
رسول الله عندنا طعام فائت أنت وثلاثة معك أو أربعة ، فصاح صلى الله عليه
وسلم : ((يا أهل الخندق إن جابرا قد أعد لكم سؤرا فحيهلا بكم)) ،
وكانت امرأة جابر قد قالت: لا تفضحني برسول الله صلى الله عليه وسلم ،
يقول : فجئت فقلت : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الخندق ، قد
يكونون ألفا أو أكثر ، فقالت : بك وبك ، فقلت : قد أخبرته بما قلت ، فقال
النبي صلى الله عليه وسلم : ((ادعي امرأة معك تخبز)) ، فقرب إليه العجين ودعا فيه وبرك فيه ، وأخذوا يخبزون ويجعلون الخبز مع قطع لحم فيقول : ((ادع عشرة)) ، فأكلوا حتى شبعوا ، ثم قال : ((ادع عشرة))
، وما زال يدعوهم حتى شبعوا ، وإن برمتنا لتغط ، وإن عجينتنا لتخبز ؛
كرامة من الله إجابة لدعوة نبيه صلى الله عليه وسلم) هكذا في الصحيحين.
وأطعم أهل الخندق أيضًا من
تمر يسير أتت به ابنة بشير بن سعد إلى أبيها وخالها عبد الله بن رواحة ،
ذكر ذلك البيهقي في دلائل النبوة وابن هشام في السيرة .
بشير بن سعد والد النعمان
بن بشير ، ابنته خالها عبد الله بن رواحة ، أحد شعراء الأنصار الذي قتل في
غزوة مؤتة في سنة ثمان ، تمرات جاءت بها يمكن أنها في كيس صغير ، ولما جاء
بها دعا النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة ، فأخذوا يأكلون منها وهي
تزيد لا تنقص حتى أكلوا منها مع كثرة عددهم ، قد يبلغون الألف.
وأمر عمر بن الخطاب رضي
الله عنه أن يزود أربعمائة راكب من تمر كالفصيل الرابض، فزوده، وبقي كأنه
لم ينقص تمرة واحدة. هذا أيضا من بركة دعائه ، تمر كالفصيل الذي هو ولد
الناقة الرابض ، أربعمائة راكب ، كل واحد منهم جاء وأخذ منه عمر بن الخطاب
زادا له ، وقال : هذا زادك في السفر ، إلى أن زود أربعمائة من هذا التمر ،
كل واحد أخذ زادا وبقي التمر كما هو ، هذه أيضا من معجزاته صلى الله عليه
وسلم ، وقد تكون أيضا من كرامات عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه .
وقد وقع هذا أيضا ذكر لنا
بعض الإخوان أن رجلا كان معه كيس تمر الذي يسمى خصفة جاء إلى أناس في قرية
وهم جياع في غاية الجوع ، فشق الخصفة وقال : كلوا ، فأكلوا عددهم قد يبلغ
العشرين أكلوا حتى شبعوا ، ولما وزنها بعدهم لم يظهر فيها نقص ، بركة من
الله ،
وقع ذلك أيضا في رجل جاء وافدا إلى بلاد الحريق في الهرع ، اشترى تمرا من
رجل صاحب نخل ، ثم جاء المساكين وطلبوا من صاحب النخل أن يتصدق عليهم ،
فامتنع ، يقول صاحب الجراب : فأخذت أعطيهم إلى أن أعطيت كلا منهم كسرة ،
ولما وزنت ذلك التمر لم أجد فيه نقصا ، مع أنه أعطى أكثر من عشرين مسكينا،
كل واحد يعطيه كسرة ملء كفه. هذا أيضا من البركات التي يجعلها الله تعالى
في بعض عباده الصالحين.
هذه القصة رواها أحمد في المسند ، والطبراني ورجاله رجال الصحيح.
يقول: وأطعم في منزل أبي
طلحة ثمانين رجلًا من أقراص شعير ، جعلها أنس تحت إبطه، حتى شبعوا ، هكذا
في الصحيحين : أقراص جعلت على الحديدة التي يقرص عليها ، ثم ضمتها أم أنس
وهي أم سليم ، وجعلتها في خرقة وجعلتها تحت إبط أنس ، وذهب بها فقال النبي
صلى الله عليه وسلم : ((أرسلك أبو طلحة ؟)) قال : نعم ، قال : ((إلى طعام ؟)) قال : نعم ، فقال لمن حوله : ((قوموا ، وهم ثمانون))
، فجاء أنس يتقدمهم وقال لأمه : دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس
معه ، فقالت : الله ورسوله أعلم ، فلما جاء أخرج تلك الأقراص ، وعصرت أم
سليم عليها عكة فيها بقية سمن ، ثم دعاهم عشرة عشرة ، إلى أن شبعوا من تلك
الأقراص وهم ثمانون، أقراص يسيرة قد جعلها أنس ، عمر أنس يمكن أنه خمس عشرة
سنة ، جعلها في إبطه لقلتها ، ولكن بارك الله تعالى فيها بسبب دعوة النبي
صلى الله عليه وسلم.
(وأطعم
الجيش من مزودة أبي هريرة حتى شبعوا كلهم ثم رد ما بقي فيه، ودعا له فيه،
فأكل منه حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وعمر، وعثمان - رضي
الله عنه - فلما قتل عثمان وهب، وحمل منه فيما روي عنه خمسون وسقا في سبيل
الله عز وجل) ، هكذا رواه الإمام أحمد والترمذي ، وحسنه الألباني . المزودة:
هي الخرج أو الكيس الذي يعمل من الصوف أو من الشعر ، لا تزال تعرف بهذا
الاسم ، ذكر أن فيها طعاما ، يعني من بر أو شعير ، فذكر أنه أطعم الجيش منه
، جيش قد يبلغون ألفا أو نصف الألف ، كلهم أطعمهم من تلك المزودة التي
فيها ذلك الطعام ، والباقي رده في تلك المزودة ، ودعا فيه لأبي هريرة فبورك
فيه ، فأكل منه أبو هريرة بقية حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، يأكل منه
ولا ينقص ، كذلك مدة خلافة أبي بكر ، يأكل منه ولا ينقص ، كذلك مدة خلافة
عمر ، كذلك مدة خلافة عثمان ، مجموع خلافتهم خمس وعشرون سنة ، ثم وهبه أبو
هريرة لبعض أصحابه فبقي على بركته ، ثم إنه حمل منه خمسون وسقا في سبيل
الله ، كل يأتي ويحمل وسقا على البعير ، الوسق ستون صاعا ، خمسون وسقا كل
وسق ستون صاعا من تلك المزودة ، هذا لا شك أنه ببركة دعوة النبي صلى الله
عليه وسلم .
السحرة لا يستطيعون مثل
هذا ولا الكهنة ونحوهم ، وإنما هذا من المعجزات التي يجريها الله تعالى على
يديه ، أو علامة على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم .
كلك أطعم في بنائه بزينب
من قصعة أهدتها له أم سليم خلقا، ثم رفعت، ولا يدرى الطعام فيها أكثر حين
وضعت، أم حين رفعت ، هذا حديث أيضا في الصحيحين والذي رواه أنس بن مالك ،
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب أولم عليها بشاة ، يقول
أنس : (ما أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد من نسائه مثل ما أولم على زينب ، أولم عليها بشاة)
ثم ذكر أن تلك الشاة من أم سليم أو الطعام ، الطعام يمكن أنه خبز أو نحوه
في قصعة ، أي: صحفة ، يمكن لو اجتمع عليه أربعة لأكلوه ، ثم إنه كان يرسل
أنس غيره: ((ادع فلانا وفلانا ومن لقيت)) ،
فيدعوهم وتمتلئ الدار ، فيأكلون حتى يشبعوا ، ثم يخرجون ثم يدعو آخرين
فيأكلون من تلك القصعة ومن تلك الشاة حتى يشبعوا ، يمكن أنهم مائتان ، أن
القوم مائة أو مائتان ، ومع ذلك لما وضعوها كانت الصحفة ملأى ، ولما رفعوها
كانت على ملئها ، يقولون : قد تكون زادت ، مع كثرة من أكل منها ، لا يدرون
أهي أكثر الآن حين وضعت أم أنها أكثر حين رفعت ، هذا بركة دعوته صلى الله
عليه وسلم.
(ورمى
الجيش يوم حنين بقبضة من تراب، فهزمهم الله عز وجل ، قال بعضهم : لم يبق
منا أحد إلا امتلأت عيناه ترابًا، وفيه أنزل الله عز وجل: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}) حصل هذا في غزوة بدر ، وكذلك في غزوة حنين ،
في غزوة بدر: (لما أقبل المشركون وعددهم كثير ، أخذ قبضة من حصباء ، حصى صغير ، جعلها في كفه ثم رمى بها في جهتهم وقال : ((شاهت الوجوه)) )، تلك الحصيات يمكن أنها عشرون حصاة أو ثلاثون حصاة ، ومع ذلك دخلت في أعينهم وفي أفواههم ، وفي ذلك نزلت هذه الآية: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}
أخبر تعالى بأن الله تعالى هو الذي رمى ، إن رميتك هذه يمكن أنها لا تزيد
على عشرين مترا ، ولكن وصلت إلى مائتي متر أو ثلاثمائة متر ببركة أن الله
تعالى بلغها ، يمكن أنها عشرون حصاة أو نحوها ، ومع ذلك دخلت في أفواههم
دخلت في أعينهم وفي مناخرهم وفي أفواههم .
كذلك أيضا حصل ذلك في غزوة
حنين ، بعد رمضان في سنة ثمان ، لما أن هوازن جمعوا جموعهم وجاءوا بدوابهم
وأغنامهم وأولادهم ونسائهم ورجالهم ، ولما تقابلوا مع المسلمين رموا
المسلمين بسهام ، وهي النبل ، كأنها المطر لكثرتها ، فكأنها أثرت في
المسلمين ، ففر كثير من المسلمين ، هربوا ، ولوا مدبرين ، وبقي النبي صلى
الله عليه وسلم وبقي معه قلة من أصحابه ، وكان من الذين معه العباس وكان
رجلا صيتا ، أمره بأن ينادي : يا أصحاب السمرة ، الذين بايعوا تحت الشجرة ؛
لأنهم بايعوا على ألا يفروا ، عند ذلك لما سمعوا النداء أقبلوا يقولون :
لبيك لبيك ، في هذه الحال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم قبضة من الحصباء
ورمى بها في وجوههم في وجوه المشركين ، وقال : ((شاهت الوجوه))،
يقول بعض الصحابة : فما زال أمرهم يقل ويضعف إلى أن انهزموا وركبنا
أكتافهم وقتلنا من أدركناه منهم والبقية هربوا وجاءوا بعد ذلك مسلمين ،
رمية واحدة.
(وخرج على مائة من قريش وهم ينتظرونه، فوضع التراب على رؤوسهم، ومضى ولم يروه) ونزل في ذلك قول الله تعالى : {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ}
وذلك لأن قريشا أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم وعلموا أن بني هاشم
سيمنعونه ويقاتلون دونه ، ففكر أبو جهل في حيلة وقال : نأخذ من كل قبيلة
شابا قويا ونعطيه سيفا صقيلا ، ونأمرهم أن يأتوا إليه ويضربوه ضربة واحدة
حتى يميتوه ، وإذا قتلوه تفرق دمه في القبائل ، ولا أظن بني هاشم يقدرون
على أن يقاتلوا قبائل قريش ، فيرضون بالعقل ، يعني: بالدية ، ففكروا في ذلك
وجمعوا جمعا من الشباب وأعطوهم سيوفا وجلسوا عند الباب ينتظرون أن يخرج
إليهم ليقوموا ويضربوه ضربة رجل واحد ، فأغشاهم الله ، خرج عليهم كأنهم
نيام ، وأخذ ترابا من الأرض وجعل يلقيه على رؤوسهم ، ويقرأ هذه الآية: {وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ} ذهب
وتركهم ، أعماهم الله عن أن يبصروه أو أن يحسوا به ، فعند ذلك رجع ، خرج
إليهم بعض أهل الدار : أين محمد ؟ قالوا : أما شعرتم به إنه قد خرج ، وإنه
قد نثر على رؤوسكم ترابا ، فنظروا في رؤوسهم وإذا عليها التراب . هذه أيضا
معجزة أن الله تعالى صرفهم عنه ، وأنه أعماهم فلم يبصروه .
وقد وقع ذلك أيضا لبعض
الصالحين ، ذكروا أن الحجاج بن يوسف أراد أن يقتل الذين خرجوا مع ابن
الأشعث ، قتل منهم خلقا ، وكان من جملة الذين خرجوا : الحسن البصري ،
العالم المشهور ، ثم إنه أرسل إليه قال : ائتوني به ، دخلوا بيته أربع مرات
وهو في البيت ، ينظرون في زوايا البيت وفي أقاصي الحجر ولم يروه ، دعا
الله تعالى أن يصرفهم عنه . هذه أيضا كرامة ما حصلت لهم إلا باتباع النبي
صلى الله عليه وسلم .
يقول العلماء: إن كرامات الأولياء تعتبر معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها ما حصلت إلا باتباع هذا النبي الكريم .
ومن ذلك قصة أبي إدريس الخولاني من الصحابة الأخيار ، لما كان في صنعاء
استولى على صنعاء الأسود العنسي ، فاستحضره وقال : أتشهد أني رسول الله ؟
قال : لا أسمع ، أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، فعند ذلك أوقد نارا عظيمة وأمرهم أن يلقوه فيها ، فألقوه في هذه النار فصارت عليه بردا وسلاما ولم يسلط عليه .
وفد بعد ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلافة عمر ، فقال : الحمد الله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد من فعل به كما فعل بإبراهيم ، يعدون هذه أيضا معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأنها ما حصلت إلا لأتباعه الذين صدقوه وعملوا بسنته وشريعته.
كذلك قصة سراقة بن مالك بن
جعشم ، تبعه يريد قتله أو أسره، فلما قرب منه دعا عليه، فساخت يد فرسه في
الأرض، فناداه بالأمان، وسأله أن يدعو له، فدعا له، فنجاه الله، هكذا رواه
البخاري ومسلم وغيرهما ، وذلك لأن المشركين من أهل مكة لما هاجر النبي صلى
الله عليه وسلم ، أعلنوا أن من جاءنا بمحمد فإن له مائة من الإبل ، أو من
جاءنا بأبي بكر فإن له مائة من الإبل ، ومن جاءنا بهما فإن له مائة من
الإبل ، انتشر ذلك ووصل الخبر إلى سراقة وهو سيد بني مدلج ، ثم جعلوا
ينظرون ، وجعل كل من في الطريق يبعث من ينظر ، فمروا على خيام سراقة ومن
حوله ، فجاء رجل وقال : إني رأيت راكبين عبرا من هذا الطريق ، وما أظنهما
إلا محمدا وصاحبه الذي أعطت قريش لمن جاء به مائة من الإبل . سراقة خاف أن
يسبقه أحد إليهما فقال : ليس كذلك ، إنما هما فلان وفلان خرجا لحاجتهما ،
ولكن عرف بأنهما محمد وأبو بكر ، فدخل في بيته وأخذ رمحه وخرج ، ثم ركب
فرسه وأسرع السير في أثرهما ، ولما أقبل إليهما قال أبو بكر رضي الله عنه :
قد أدركنا الطلب ، فدعا عليه ، فلما دعا عليه
ساخت قوائم فرسه إلى المفاصل ، قوائم الرجلين وقوائم اليدين في الأرض ،
أرض صلبة ؛ أي: ليست لينة ، ولكن أثر الدعوة ، فلما ساخت علم أنها دعوة من
النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزل عن فرسه وقال: لكما الأمان ، ادع لي أن
يخرج الله فرسي ولكما الأمان ، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم ، فقامت
الفرس وخرجت ، ثم ركب فرسه ورجع وقال : قد كفيتم هذا الطريق ، كل من وافاه
يطلب محمدا رده وقال : قد كفيتم هذا الطريق ، هكذا دعوته صلى الله عليه
وسلم على هذا الرجل .
سراقة أسلم بعد ذلك ، وكان قبل أن يسلم مشهورا في قومه ، وهو الذي تشبه به إبليس في غزوة بدر ، قال الله تعالى : {وَإِذْ
زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ
الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ
الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ
إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ} لما رأى الملائكة ورأى كثرتهم ، نكص
على عقبيه وقد كان يقول : إني جار لكم ، يعتقدون أنه سراقة ، فلما تراجع
قالوا له : ما لك يا سراقة ؟ يظنون أنه سراقة وإنما هو الشيطان ، مما يدل
على أن سراقة هذا كان ذا شهرة وذا بأس ، ومع ذلك لم تغن عنه قوته وشجاعته
فساخ فرسه في هذه الأرض الصلبة ، هذه من معجزاته.
ومعجزاته أيضا كثيرة ،
ذكرنا أن البيهقي كتب فيها كتابا واسعا اسمه دلائل النبوة ، وكذلك أبو نعيم
الأصفهاني صاحب الحلية ، ذكر فيها أيضا كتابا مطبوعا اسمه دلائل النبوة ،
وكتب فيها أيضا بعض المتأخرين وبعض المعاصرين ، شيخ في جدة اسمه سعيد
باشنفر له أيضا كتب ، منها كتاب في دلائل النبوة ، يقع في نحو خمسة مجلدات .
الذين توسعوا يذكرون الغزوات وأنها معجزات ، يقولون : من ذلك في غزوة أحد ، يقول بعض الصحابة : (رأيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلين يقاتلان عن يمينه وشماله أشد القتال ، ما رأيتهما قبل ذلك ولا بعده) فقالوا : لا شك أن هذان ملكين ، وأنهما من الملائكة ، هذان من الملائكة الذين أيدهم الله وحمى بهما رسوله صلى الله عليه وسلم .
كذلك أيضا لما جاء الأحزاب في غزوة الأحزاب وحاصروا المدينة {إِذْ
جَاءُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ
الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ
الظُّنُونَا} كان المنافقون يقولون : ما وعدنا الله ورسوله إلا
غرورا ، يعدنا محمد أننا سنفتح خزائن كسرى ونحن الآن لا نقدر أن نخرج لقضاء
الحاجة ، فعند ذلك دعا الله تعالى في ليلة شديدة البرد ، فأرسل الله عليهم
ريحا شديدة ، ويمكن أيضا أنه أرسل عليهم ملائكة ، قال الله تعالى : {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}
يعني ملائكة ، تلك الريح تسلطت عليهم فكانت تقلع الخيام وتمزقها وتطفئ
القدورُ النارَ ، وتقلب القدور التي فيها الطعام بما فيها ، فلم يقر لهم
قرار ، ثم إنهم رحلوا ورجعوا من حيث جاءوا .
لا شك أن هذا أيضا من أكبر
المعجزات ، وكذلك غير ذلك الكثير ، لما غزا تبوك أرسل إلى أكيدر ، يقال
له: أكيدر دومة ، في دومة الجندل المعروفة الآن في حائل ، وقال : إنكما ستجدانه يقنص الصيد فائتياني به
، يقولون : إنه لم يأت الصيد إلا تلك الليلة ، جاءت الوعول وجعلت تحك
الجدار بقرونها ، فلم يصبر أن خرج من حصنه ، ولما خرج قبضه رسل النبي صلى
الله عليه وسلم ، وجاءوا به ، فعاد وحقن دمه وفرض عليه الجزية . أخبر بأنكم
ستجدونه يقنص صيدا ، مع قلة الصيد في ذلك المكان ، ولكن حقق الله ما قاله
النبي صلى الله عليه وسلم .
وكذلك دعوته بالاستسقاء مرارا ، لما أنهم مرة قحطوا وعدهم أن يخرج بهم في
الاستسقاء ، فخرج إلى البقيع واستسقى ، استسقى بهم ثم رجع ، نشأت سحابة في
تلك الساعة وأمطرت قبل أن يصلوا إلى بيوتهم ، يقول : فلما رأوا المطر
أسرعوا إلى الكن وإلى البيوت ، فقال صلى الله عليه وسلم : ((أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله))، حيث أجاب دعوته في حينها . والمعجزات كثيرة من جنس هذا ، والله أعلم.
قد يكون له أسباب والله أعلم ، قد ذكر الله تعالى أن عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ، الله أعلم بأي سبب وأي علاقة.
سؤال: وهذه
الأخت أمة الله تقول : أرجو من الشيخ حفظه الله أن يدعو لي بتفريج الهم
وتنفيس الكرب ، وأن يرزقني الزوج الصالح عاجلا غير آجل ، أرجو توصيل هذا
الطلب للشيخ.
عليها أن تدعو الله بالشفاء لها ويدعو كل مسلم لها ولغيرها من فتيات المسلمين أن يرزقهن الله تعالى أزواجا صالحين وحياة سعيدة .
سؤال: أحسن الله إليكم ، هذا الأخ من فلسطين يقول : فضيلة الشيخ كيف يعالج ضعف الهمة؟
ضعف الهمم سببه قلة
الاهتمام ، أو سببه الكسل ، يعالج هذا الضعف بأن يحرص المسلم على أن يكون
من أهل الهمة العالية ، وأن يطرد الكسل والتثاقل عن نفسه ليكون بذلك نشيطا
قويا.
سؤال: الأخ عبد الله يقول: ما حكم الصلاة خلف المسبل إزاره؟
ورد فيه حديث ذكره النووي
في رياض الصالحين في سنن أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا
مسبلا وأمره أن يرجع ويتوضأ مرارا ، فسئل : لماذا تأمره ؟ فقال : ((إنه مسبل ، وإن الله لا يقبل صلاة مسبل))،
الحديث يظهر أن إسناده لا بأس به ، ولكن قال بعضهم : إن فيه شبه انقطاع ،
على كل حال قد يقال : إنها لا تصح أو إنها ناقصة ؛ لأن الله ورسوله لا
ينفيان ما يسن من شرعي إلا بترك بعض واجباته.
سؤال: أحسن الله إليكم الأخ يقول : إذا تعارض درس وصلاة على ميت ، فماذا أقدم؟
تقدم الصلاة على الميت لأنها تفوت ، الدرس يمكن أن يدرك آخره أو وسطه أو نحو ذلك.
سؤال: يقول: ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يرى من خلفه في الصلاة ، فهل هذه من معجزاته؟
اختلف في سبب ذلك ، فقال
بعضهم : إن صورهم تنطبع له في الحائط الذي قدامه حتى يراهم ، وقال بعضهم :
إن له عينين في مؤخر رأسه ، ولم يثبت ذلك ، ولعل ذلك خاص بما إذا كان في
الصلاة ، وإما أنه يرى أظلتهم أو نحو ذلك ، ولم يذكر أنه كان يراهم دائما ،
أنه يرى من خلفه كما يرى من قدامه.
سؤال: أحسن
الله إليكم ، يقول: دعوة النبي صلى الله عليه وسلم على كسرى في قوله : مزق
الله ملكه ، هل هذا خاص به أم أنها تشمل الفرس ، وكذلك الرافضة؟
يظهر أنها خاصة بذلك الإنسان الذي مزق كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي أرسل من يأتيهم به حيا أو ميتا ، والله أعلم.
أحسن الله إليكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ، والله أعلم.