6 Jan 2009
قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:
[أَخلاقُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وشمائِلُهُ]
فصلٌ في أخلاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]
قالَ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: كُنَّا إذا احْمَرَّ البأسُ، ولَقِيَ القومُ القومَ اتَّقَيْنَا برسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [2].
وكانَ أَسْخَى الناسِ، ما سُئِلَ شَيْئًا قطُّ فقالَ: لا [3].
وكانَ أَحْلَمَ الناسِ.
وكانَ أَشَدَّ حَياءً من العَذْرَاءِ في خِدْرِها [4]، لا يُثْبِتُ بَصَرَهُ في وَجْهِ أَحَدٍ.
وكانَ لا يَنتقِمُ لنفسِهِ، ولا يَغضبُ لها، إلَّا أنْ تُنْتَهَكَ حُرُماتُ اللَّهِ، فيكونُ للَّهِ يَنتقِمُ. وإذا غَضِبَ للَّهِ لمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ أَحَدٌ.
والقريبُ والبعيدُ والْقَوِيُّ والضعيفُ عندَهُ في الحقِّ واحدٌ.
وما عابَ طعامًا قطُّ، إن اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وإنْ لمْ يَشْتَهِهُ تَرَكَهُ [5].
وكانَ لا يَأْكُلُ مُتَّكِئًا.
ولا يَأْكُلُ على خِوَانٍ [6].
ولا يَمْتَنِعُ منْ مُباحٍ، إنْ وَجَدَ تَمْرًا أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ خُبْزًا أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ شِوَاءً أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ خُبْزَ بُرٍّ أوْ شَعْيرًا أَكَلَهُ، وإنْ وَجَدَ لَبَنًا اكْتَفَى بهِ.
أَكَلَ البِطِّيخَ بالرُّطَبِ [7].
وكانَ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ والعسلَ [8].
قالَ أبو هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ: خَرَجَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الدُّنيا ولمْ يَشْبَعْ منْ خُبزِ الشعيرِ [9].
وكانَ يَأْتِي على آلِ مُحَمَّدٍ الشهرُ والشهرانِ لا يُوقَدُ في بيتٍ منْ بُيُوتِهِ نارٌ، وكانَ قُوتُهم التَّمْرَ والماءَ [10].
يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ، ولا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، ويُكَافِئُ على الْهَدِيَّةِ [11].
لا يَتَأَنَّقُ [12] في مَأْكَلٍ ولا مَلْبَسٍ.
يَأْكُلُ ما وَجَدَ، ويَلْبَسُ ما وَجَدَ.
وكانَ يَخْصِفُ النَّعْلَ، ويَرْقَعُ الثوبَ، ويَخْدِمُ في مِهْنَةِ أَهْلِهِ [13]، ويَعودُ الْمَرْضَى.
وكانَ أشدَّ الناسِ تَوَاضُعًا، يُجِيبُ مَنْ دَعاهُ مِنْ غَنِيٍّ أوْ فَقيرٍ أوْ دَنِيءٍ أوْ شَريفٍ.
وكانَ يُحِبُّ الْمَساكينَ، ويَشْهَدُ جَنائزَهم، ويَعودُ مَرضاهُم، لا يَحْقِرُ فَقِيرًا، ولا يَهابُ مَلِكًا لِمُلْكِهِ.
وكانَ يَرْكَبُ الفَرَسَ، والبعيرَ، والْحِمارَ، والْبَغْلَةَ، ويُرْدِفُ خلفَهُ عبدَهُ أوْ غيرَهُ، لا يَدَعُ أحدًا يَمْشِي خَلْفَهُ، ويقولُ: ((خَلُّوا ظَهْرِي لِلْمَلَائِكَةِ)) [14].
ويَلْبَسُ الصوفَ ويَنْتَعِلُ الْمَخْصُوفَ.
وكانَ أَحَبُّ اللِّبَاسِ إليهِ الْحِبَرَةَ [15]، وهيَ منْ بُرودِ اليَمَنِ، فيها حُمْرَةٌ وبَياضٌ.
وخَاتَمُهُ فِضَّةٌ، فَصُّهُ منهُ، يَلْبَسُهُ في خِنْصَرِهِ الأَيْمَنِ، ورُبَّما لَبِسَهُ في الْأَيْسَرِ [16].
وكانَ يَعْصِبُ على بَطنِهِ الْحَجَرَ من الْجُوعِ [17]، وقدْ آتاهُ اللَّهُ مَفاتيحَ خَزائنِ الأرضِ كُلِّها، فأَبَى أنْ يَأْخُذَها واختارَ الآخِرَةَ عليها.
وكانَ يُكْثِرُ الذِّكْرَ ويُقِلُّ اللَّغْوَ، ويُطيلُ الصلاةَ ويَقْصُرُ الْخُطْبَةَ[18].
أَكْثَرُ الناسِ تَبَسُّمًا، وأَحْسَنُهُم بِشْرًا، معَ أنَّهُ كانَ مُتواصِلَ الأحزابِ دائمَ الفِكْرِ.
وكانَ يُحِبُّ الطِّيبَ، ويَكْرَهُ الريحَ الكَريهةَ.
يَستأْلِفُ أهلَ الشرَفِ، ويُكْرِمُ أهلَ الْفَضْلِ، ولا يَطْوِي بِشْرَهُ عنْ أَحَدٍ، ولا يَجْفُو عليهِ.
يَرَى اللَّعِبَ الْمُباحَ فلا يُنْكِرُهُ.
يَمْزَحُ ولا يَقولُ إلَّا حَقًّا، ويَقْبَلُ مَعذِرَةَ الْمُعْتَذِرِ إليهِ.
لهُ عَبيدٌ وإِماءٌ لا يَرتَفِعُ عليهم في مَأْكَلٍ ولا مَلْبَسٍ.
لا يَمْضِي لهُ وَقتٌ في غيرِ عملٍ للَّهِ، أوْ فيما لا بُدَّ لهُ ولأَهْلِهِ منهُ.
رَعَى الغَنَمَ، وقالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ رَعَاهَا))[19].
وسُئِلَتْ عائشةُ رَضِيَ اللَّهُ عنها عنْ خُلُقِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَتْ: "كانَ خُلُقُهُ القرآنَ" [20]، يَغْضَبُ لغَضَبِهِ، ويَرْضَى لرِضَاهُ.
وصَحَّ عنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: "ما مَسَسْتُ دِيبَاجًا ولا حَريرًا أَلْيَنَ منْ كَفِّ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا شَمَمْتُ رائحةً قطُّ كانتْ أَطْيَبَ منْ رائحةِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولقدْ خَدَمْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنينَ، فما قالَ لي: أُفٍّ، قطُّ، ولا لشيءٍ فعْلْتُهُ: لمَ فَعَلْتَ كذا؟ ولا لشيءٍ لمْ أَفْعَلْهُ: أَلا فَعَلْتَ كذا وكذا؟" [21].
قدْ جَمَعَ اللَّهُ تعالى لهُ كَمالَ الأخلاقِ، ومَحاسِنَ الأفعالِ، وآتاهُ اللَّهُ تعالى عِلْمَ الأَوَّلِينَ والآخِرينَ [22]، وما فيهِ النجاةُ والفوزُ، وهوَ أُمِّيٌّ لا يَقرأُ ولا يَكتُبُ. ولا مُعَلِّمَ لهُ من الْبَشَرِ، نَشَأَ في بِلادِ الْجَهْلِ والصَّحَارِي.
آتَاهُ اللَّهُ ما لمْ يُؤْتِ أحدًا من العالمينَ، واختارَهُ على جميعِ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ.
فَصَلَوَاتُ اللَّهِ عليهِ دائمةً إلى يومِ الدِّينِ.
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
وقدْ كَتَبْتُ في هذا الموضوعِ الْمُهِمِّ رسالةً عنوانُها: (نَفْحُ العَبيرِ منْ شَمائلِ البَشيرِ النذيرِ).
[2] رواهُ الشيخُ في (أخلاقِ النبيِّ) ص (58).
ولهُ شاهِدٌ عندَ مسلمٍ (1776) منْ قولِ البَرَاءِ: كُنَّا واللَّهِ إذا احْمَرَّ البَأْسُ نَتَّقِي بهِ، وإنَّ الشُّجَاعَ منَّا لَلَّذِي يُحاذِي بهِ، يعني النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ورَوى نحوَهُ أحمدُ في (المُسْنَدِ)، وصَحَّحَهُ العَلَّامَةُ أحمد شاكر رَحِمَهُ اللَّهُ، (564) والساعاتيُّ (21/36)، وانظُر (السيرةَ) للذهبيِّ ص (462) منْ (تاريخِ الإسلامِ).
[3] يُنظَرُ: (صحيحُ البخاريِّ) (6033)، و(صحيحُ مسلمٍ) (2311) و(2312).
[4] رواهُ البخاريُّ (3562) ومسلمٌ (2320).
[5] رواهُ البخاريُّ (5409) ومسلمٌ (2064).
وهذا كما قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ: إذا كانَ الطعامُ مُباحًا، أمَّا إذا كانَ حَرامًا فكانَ يَعيبُهُ ويَذُمُّهُ ويَنْهَى عنهُ.
[6] الْخِوَانُ: بكسْرِ الخاءِ وتُضَمُّ، وهوَ شيءٌ مُرْتَفِعٌ يُهَيَّأُ لِيُؤْكَلَ الطعامُ عليهِ. (مختصَرُ الشمائلِ) (165).
[7] رواهُ الترمذيُّ (1844)، ورواهُ أبو داودَ في (سُنَنِهِ) (3836).
المرادُ هنا الذي قِشْرَتُهُ صَفراءُ، لا الذي قِشرتُهُ خَضراءُ، والبِطِّيخُ الأصفرُ هوَ الذي يُسَمِّيهِ الناسُ: الخِرْبِزَ، كما نَبَّهَ لهذا الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحِ البارِي) عندَ شَرْحِهِ الحديثَ رقمَ (5449) (9/573).
وانْظُرْ: (زادَ الْمَعادِ) (4/274) للعَلَّامَةِ ابنِ القَيِّمِ.
[8] رواهُ البخاريُّ (5268)، ومسلمٌ (1474) في حديثٍ طويلٍ، والترمذيُّ (1832) وهذا لَفْظُهُ.
[9] رواهُ البخاريُّ (5414) ومسلمٌ (2976)، واللفظُ للبخاريِّ.
[10] رواهُ البخاريُّ (6458) (6459)، ومسلمٌ (2972) بنحوِهِ، منْ كلامِ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها.
[11] يُنْظَرُ: (صحيحُ البخاريِّ) (2585)، و(سُننُ أبي دَاوُدَ) (3536)، و(جامِعُ الترمذيِّ) (1954)، و(سُنَنُ الترمذيِّ) (6/279).
[12] أيْ: لا يَطْلُبُ العجيبَ أو الكاملَ الحسَنَ من الطعامِ والْمَلْبَسِ. (وراجِع القاموسَ. مادَّةَ: أنق).
[13] انظُرْ (صحيحَ البخاريِّ) (676)، (والمسنَدَ) (6/121، 167) و(الأدَبَ الْمُفْرَدَ) (540) و(المصَنَّفَ) (20492).
[14] رواهُ أحمدُ في (المسنَدِ) (3/ 398)، وابنُ مَاجَهْ (246) وقالَ البُوصيريُّ (19): سَنَدُهُ صحيحٌ، والحاكمُ (4/281) وابنُ حِبَّانَ (2099- موارد)، واللفظُ لأحمدَ. وصَحَّحَهُ الشيخُ الألبانيُّ (الصحيحةَ) (1557).
[15] (صحيحُ البخاريِّ) (5812)، و(صحيحُ مسلمٍ) (2079).
[16] انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (5877)، و(مسلمٍ) (2094).
[17] انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (4101)، و(صحيحَ مسلمٍ) (3/1614).
[18] جزءٌ منْ حديثٍ رواهُ النَّسائيُّ (3/108 - 109) وغيرُهُ.
[19] رواهُ البخاريُّ (2262)، (5453)، ومسلمٌ (2050)، وأحمدُ في (المسنَدِ) (3/ 336) منْ حديثِ جابرٍ.
[20] رواهُ مُسلمٌ (746)، وأبو دَاودَ (1342)، والنَّسائيُّ (3/199)، وأحمدُ في (المسنَدِ) (6/54، 91، 163)، والدارِميُّ في (سُنَنِهِ) (1 / 344، 345).
[21] انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (3561) و(مسلمٍ) (2309)، و(سُنَنَ أبي دَاوُدَ) (4774).
[22] هذهِ العِبارةُ مُجْمَلَةٌ، وفيها عُمومٌ، ولو اقْتَصَرَ على قولِهِ: آتَاهُ اللَّهُ مِن الْعِلْمِ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ، أوْ نحوًا منْ ذلكَ لكان أَحْسَنَ؛ فإنَّ مِنْ عِلْمِ الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ ما لا يَعْلَمُهُ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بلْ ومن الأمورِ التي كانتْ في زَمانِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ودلائلُ هذا وَاضِحَةٌ بحمدِ اللَّهِ.
منها: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن الروحِ، فأَوْحَى اللَّهُ إليهِ {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [سورة الإسراءِ، الآيَةُ: 85].
وسُئِلَ عنْ أهلِ الكهْفِ، فقالَ: ((أُخْبِرُكُمْ غَدًا))، فتَأَخَّرَ الوحيُ عنهُ، فحَزِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لذلكَ، ثمَّ أُوحِيَ إليهِ نَبَؤُهُم وقولُهُ تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [سورة الكهفِ، الآيتانِ: 23، 24].
وسُئِلَ عن الساعةِ، فنَفَى عِلْمَهُ بها بقولِهِ: ((مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ))، وقالَ تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ} [سورة الأحزابِ، الآيَةُ: 63].
وفي قِصَّةِ شَرْعِ التَّيَمُّمِ في (صحيحِ البخاريِّ) (334) لَمَّا بَحَثُوا عنْ عِقْدِ عائشةَ ولم يَجِدُوهُ والنبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معهم، ثمَّ عَلِمُوا أنَّهُ تحتَ البعيرِ لَمَّا قامَ.
وبالجُملةِ؛ فإنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَعلَمُ إلَّا ما عَلَّمَهُ اللَّهُ، معَ ما آتاهُ اللَّهُ من العِلْمِ والحِكمةِ ومَزيدِ الفَضلِ والشرَفِ ما لمْ يُؤْتِ أَحَدًا من العالمينَ صلواتُ اللَّهِ عليهِ وسلامُهُ إلى يومِ الدينِ.
ولعلَّ هذا هوَ مُرادُ المُؤَلِّفِ بتلكَ العِبارةِ، ولكنْ نَبَّهْتُ
إليهِ؛ لأنَّ في العِبارةِ إِجمالًا، ولِظَنِّ بعضِ الناسِ أنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعلَمُ من الغَيْبِ ما لمْ يُعَلِّمْهُ
اللَّهُ مُطْلَقًا.
شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الأخلاق والشيم: هي الآداب الحسنة التي يتأدب بها المسلم العاقل ويمدح على التأدب والتخلق بها .
وإنمـا الأمـم الأخــلاق ... كما قال ذلك بعض الشعراء: فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبـوا
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقا، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
هذا الخلق تأدب وتخلق به منذ أن نبأه الله ، وهو يتخلق بهذا الخلق ، أو
قبل ذلك منذ أن خرج وأكل في هذه الحياة وهو يتأدب بهذه الآداب ، ويتخلق
بهذه الأخلاق ، جبله الله عليها، سمعنا قول عائشة رضي الله عنها لما سئلت
عن خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن) يعني: يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه.
القرآن اشتمل على محاسن الأخلاق ، وعلى محاسن الآداب، اشتمل على كل خلق حسن
من هذه الأخلاق التي وصف بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذلك وصف بها
الكثير من الأمة الذين اقتدوا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وساروا على
نهجه وتأدبوا بآدابه وتخلقوا بأخلاقه .
فمن الأخلاق الشجاعة ، روي عن أنس رضي الله عنه
قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشجع الناس ، ولقد فزع أهل
المدينة في ليلة بصوت سمعوه ، فتلقاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - على
فرس لأبي طلحة فردهم ، وقال: ((لن تراعوا لن تراعوا، وإن وجدناه لبحرا))
) يعني هذا الفرس الذي ركبه، سمعوا هيعة في طرف المدينة وأصوات وظنوا أنها
حربا، وأن هذه الأصوات تدل على حرب هناك أو عدو ففزعوا، كان أول من فزع
النبي - صلى الله عليه وسلم - ركب هذا الفرس الذي لأبي طلحة ، وركب الفرس
حتى وصل إلى المكان الذي فيه ذلك الفزع وذلك الصوت ولم يجد شيئا ، ورجع
واستقبله الناس متوجهين لذلك الصوت فردهم وقال: ((لن تراعوا)) ، أي: لا روع عليكم ، كذلك في هذا الحديث دليل على شجاعته وجرأته وإقدامه ، فأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - أخلاق حسنة .
جمع العلماء فيها كثيرا، فالبخاري في كتاب المناقب من صحيحه فيه باب صفة
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك في صحيح مسلم ، وكذلك في السيرة
النبوية، وكذلك للترمذي رحمه الله كتاب مطبوع اسمه شمائل النبي - صلى الله
عليه وسلم - يعني الأخلاق والآداب التي تأدب بها .
هذا الحديث عن علي رضي الله عنه قال: (كنا إذا احمر البأس، ولقي القوم القومَ اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم-) هكذا رواه الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البراء رضي الله عنه: (كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع منا هذا الذي يحاذي به) يعني: برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، هكذا في صحيح مسلم ، هذا دليل على جرأته .
في يوم حنين لما أكثر المشركون من الرمي بالسهام انهزم كثير كما قال الله تعالى: {إِذْ
أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا}، {ثُمَّ
وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}، {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى
رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} بقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو على فرس وهو يتقدم ويقول: ((أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب)) يدل على نفسه، ذلك لأن الله حماه وعصمه بقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ومع ذلك يشهر بنفسه، ولكن الله تعالى نصره ، أمره فأخذ قبضة من تراب ورماها في وجوه القوم وقال: ((شاهت الوجوه)) فلم يزالوا في ضعف وضعف إلى أن انهزموا ، فهذا دليل على أنه كان أشجع الناس .
كذلك السخاء، كان أسخى الناس، ما سئل شيئًا قط،
فقال: لا ، كان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، أعطى رجلا غنما بين جبلين لما
قسم الغنائم، ورجع إلى قومه وقال: يا قوم أسلموا فإن محمد يعطي عطاء من لا
يخشى الفقر، وصفه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (كان
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان
، فلرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يلقاه جبريل أجود بالخير من
الريح المرسلة) الجود كثرة العطاء والسخاء، أهدي إليه مرة حلة ثوب من إزار أو رداء ورداء ونحوه ولبسه محتاجا إليه ، فقال له رجلا من أصحابه: اكسنيها يا رسول الله، ففعل ذلك ، فدخل بيته وطواها وأرسل بها إليه ، لامه بعض الناس وقالوا: أتسأله وأنت تعلم أنه لا يرد سائلا ؟ فقال : ما سألتها إلا لتكون كفني ،
فكانت كفنه ، وأعطى يوم قسم غنائم حنين كثيرا ؛ فأعطى الأقرع بن حابس مائة
من الإبل ، وعيينة بن حصن مائة من الإبل، وأعطى عباس بن مرداس السلمي
أعطاه دون ذلك فكأنه وجد وأنشأ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العبيـ ....... ــد بيـن عيينة والأقـرع
وما كان حصن ولا حابس ....... يفوق ابن مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ....... ومن يخفض اليوم لا يرفـع
فقال: كملوا له ، هكذا يعطي عطاء يعجز عنه الملوك. *****
وكان أحلم الناس، الحلم: هو التؤدة والتأني وعدم
العجلة؛ فالحليم: هو الذي لا يعجل ولا يسارع بالغضب، ولو حصل منه ما حصل
ولو حصل عليه، ذُكر أنه جاءه مرة أعرابي فجبذه من ورائه بردائه حتى أثر
الرداء في حلقه أو في رقبته ، وقال: أعطني يا محمد مما أعطاك الله ، التفت
إليه ولم يؤاخذه ولم ينتقم منه ، عند ذلك أمر له بشيء ، هذا من الحلم،
وكذلك أيضا كان الصحابة رضي الله عنهم يقتدون به في هذا الحلم، يحلمون عمن
أساء إليهم .
ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - مدح بعض الأخلاق، مدح الواصل ، قال : ((ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)) أرشد إلى ذلك، وقال : ((أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك)) كل هذا من الحلم الذي يحسن بالإنسان أن يتحلى به، وقال - صلى الله عليه وسلم-: ((ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب))
يعني الذي إذا غضب ملك نفسه، ملك لسانه فلم يتكلم بسوء، وملك يده فلم يبطش
بها أحدا ممن أغضبه أو ممن أساء إليه، هذا من آثار الحلم ، فكان أحلم
الناس.
كذلك من الآداب الحياء ، الحياءُ خلق حسن يحمل
على كل ما يجمل ويزين ، وعلى ترك كل ما يدنس ويشين، والذي نزع منه الحياء
لا خير فيه ، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)) فالاستحياء من الله تعالى، أوصى بعض العلماء أحد تلاميذه ، وقال : استح من الله أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك،
فكان - صلى الله عليه وسلم - لا ينتقم لنفسه، وكان أشد حياء من العذراء في
خدرها، بمعنى أنه يستحي أن يقابل الناس بسوء مما يحقدهم أو يغضبهم فكأنه
يرائي أحوال الناس ، لا يثبت بصره في وجه أحد إلا إذا كان لحاجة ينصرف
بوجهه ، لا يحدق نظره إلى أحد .
كذلك من أخلاقه أنه لا ينتقم لنفسه ولا يغضب
لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله، فيكون لله ينتقم، إذا غضب لله لم يقم لغضبه
أحد وإلا فإنه لا ينتقم لنفسه، من أساء العشرة معه أو تكلم معه بسوء، فإنه
يحلم ، يحلمُ عن ذلك الذي أساء إليه ، عملا بقول الله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}
وكذلك كان كثير من الصحابة ، اشتهرت قصة عمر رضي الله عنه لما أنه قوي
الإسلام في عهده منع أولئك الذين كانوا يعطون، الذين هم رؤساء القبائل
والذين كانوا من المؤلفة قلوبهم، فجاءه الأقرع بن حابس وكان من المؤلفة ،
فلما دخل عليه قال: "هي يابن الخطاب، فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم
فينا بالعدل" مسبة ظاهرة، ولكن قرأ عليه أحد القراء قول الله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فلما قرأها ما تجاوزها ولم ينتقم لنفسه، ولم يأمر بحبسه بل عفا عنه، مع ما وجهه به من هذا التنقص.
كذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتيه الأخبار عن المنافقين أنهم قالوا
كذا وكذا ، كالذي قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ،
يريد بالأذل النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال : لا تنفقوا على من عند
رسول الله حتى ينفضوا ، قال هذه المقالة، فلما أقبل إلى المدينة كان ابنه
صالحا، كان صالحا عند ذلك قال: لا تدخل المدينة حتى تعترف بأنك أنت الأذل ،
ولا تدخل إلا بإذن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، جاء يستأذن رسول الله ،
هكذا قال أبي ، فقال: ائذن له ، فأذن له ودخل
ولم يعنفه على ما قال، لم يقل: بل أنت الأذل، بل عفا عنه مع أنه قد أطلعه
الله على أنه من المنافقين ، لا يغضب لنفسه هكذا قالت عائشة رضي الله عنها،
تقول: إنه لا يغضب لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله ، فيغضب لله ، حتى في الأمور العادية، لما أن رجلا طلق امرأته ثلاثا كان هذا مخالفا للسنة ، فغضب وقال : ((أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم)) هذا غضب لله .
وكذلك لهذا أمثلة أنه إذا تكلم أحدٌ بما يخالف الشرع يغضب لله، لما حكم للزبير أن يسقي قبل الأنصاري ، قال: ((اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك))
، غضب الأنصاري وقال: أن كان ابن عمتك ، يعني أنك قدمته علي لأنه ابن
عمتك، ولا شك أن هذا تنقص للنبي - صلى الله عليه وسلم - اتهام له بأنه مال
مع ابن عمته ، غضب فاستوفى للزبير حقه ، ((اسق يا زبير حتى يبلغ الماء إلى الجدر ثم أرسل الماء إلى جارك))، نزل في ذلك قول الله تعالى: {فَلَا
وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} عتاب لإخواننا الذين يردون على الله وعلى
رسوله ، القريب والبعيد عنده في الحق سواء ، قريبه الذي من أقاربه والبعيد
الذي من أقصى القبائل يسوي بينهم ولا يؤثر هذا لقرابته أو لصداقة له أو
نحو ذلك ، وهذا هو العدل، القوي والضعيف الغني والفقير كلهم عنده سواء، لا
يفضل الغني ولا يميل إليه ، ولا يفضل القوي على الضعيف بل يحكم بينهم لقول
الله تعالى: {وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} فهذه من أخلاقه صلى الله عليه وسلم.
- ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - ما عاب طعامًا
قط، هذا من أخلاقه ، إذا قدم إليه الطعام إن اشتهاه أكله، وإن لم يشتهه لم
يأكله ، تركه ولا يقول هذا به كذا وكذا ، لا يقول في التمر مثلا هذا فيه
السوس ، ولا يقول الخبز أو اللحم هذا فاسد أو هذا فيه نتن أو ما أشبه ذلك ،
بل لا يعيبه أبدا ، يأكل مما تيسر له دون أن يعيب شيئا من ذلك الطعام،
ويقول إنه غير مناسب إنه غير صالح هكذا لا شك أيضا أن هذا من أخلاقه .
- ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا آكل متكئًا))
وذلك لأن المتكئ كأنه مريح نفسه إذا اتكأ على ظهره أو اتكأ على أحد جانبيه
وكان يأكل وهو كذلك فإن هذه أكلة أو جلسة المتكبر ؛ فلأجل ذلك كان يجلس
عند الأكل متربعا أو يجلس مستوفذا أو يجلس القرفصاء أو يفرش إحدى رجليه
ويجلس عليها وينصب الأخرى، ينصب الساق ويأكل بهذه الجلسة وهي جلسة المتواضع
،
- وقيل : إنه - صلى الله عليه وسلم - ما أكل على
خوان، ذلك فعل أهل الزهد ، الخوان يسمى الآن السماط أو السفرة الذي يوضع
عليه الطعام، الطعام هو إناؤه الذي يوضع على الأرض دون أن يكون تحته خوان ؛
لأنه ما يريد التوسع ولا الترفه في الدنيا؛ لم يمتنع من مباح، كل شيء من
المباحات يعرض عليه وهو يشتهيه لا يمتنع من أكله ، إذا وجد تمرًا أكل منه ،
ولو كان فيه شيء من حشف أو سوس أو نحو ذلك ، إذا وجد خبزا أكل منه ولو كان
خبز شعير، وهو أكثر ما كانوا يجدون خبز الشعير؛ لأنه المتوفر؛ إذا وجد
شواء أكل منه، قد يوجد لحم ولا يتيسر لهم طبخه فيقتصرون على أن يشوه بالنار
فيأكله وهو شواء ، إذا تيسر له خبز البر أكل أو خبز الشعير أكل، أو لم يجد
إلا لبنًا شرب منه واكتفى به.
في حديث أبي هريرة أنه مرة مسه الجوع مر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وعرف الجوع، فقال : اتبعني ، وجد عند أهله لبنا فأمره أن يدعو أهل الصفة، وأمره بأن يسقيهم من ذلك القدح ، وشربوا كلهم وكأنه دعا فيه بالبركة، وبعد ذلك قال: اشرب ، فشرب أبو هريرة، ثم قال: اشرب ، ثم قال: اشرب ، حتى قال: لا أجد له مسلكا ، اكتفى بهذا اللبن الذي تيسر،
مرة سأل : هل عندكم من إدام لهذا الخبز؟ فلم يجدوا إلا الخل ، فقال: قربوه وجعل يخلطه بالخبز، وقال: ((نعم الإدام الخل))
خل التمر المعروف، أكل البطيخ بالرطب، يعني أنه أكل البطيخ الذي قشرته
صفراء، البطيخ أنواع منه الجح الأحمر نوع من البطيخ، واسمه عند العامة
الحبحب ، وهذه لغة البربر وإللى اسمه عند العرب الجح، والبطيخ الأصفر الذي
يسمى الخربز ، وكله من الفواكه التي يسرها الله تعالى، جعله مع رطب وجعل
يأكل رطبة ولقمة من هذا البطيخ، كان - صلى الله عليه وسلم - يحب الحلواء
والعسل ، الأشياء الحالية ، العسل فيه لذة وحلاوة ، التمر كذلك ، العنب
كذلك، الزبيب، كان يحب هذه الحلواء ويحب العسل.
هكذا يقول أبو هريرة - رضي الله عنه - : (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الدنيا، ولم يشبع من خبز الشعير)
هذا دليل على أنه قد زهد في الدنيا فلم يشبع يومين أو يوما كاملا إلا ما
شاء الله ، خبز الشعير الذي هو أرخص الأطعمة خرج ولم يتيسر أنه أكل حتى شبع
، كل ذلك زهدا في الدنيا وإلا فإنه فتحت عليه في آخر حياته الدنيا وجبيت
إليه الأموال، جبيت له الغنائم، وقد ثبت أنه عرضت عليه حصباء مكة ذهبا أن
يكون له حصباء مكة ذهبا ؛ فاختار أن يجوع يوما ويشبع يوما ، وقال: ((إذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك))
فكان هكذا، وشبعه أيضا شبع قليل ، كان إذا أكل أول النهار غذاء اكتفى بذلك
عن الأكل آخر النهار وهو العشاء، وإذا أكل آخر النهار عشاء ترك الغذاء ،
إذا تغدى لم يتعش وإذا تعشى لم يتغد ، فكل ذلك من أجل التقلل من الدنيا
وعدم الانبساط إليها.
ذكرت عائشة رضي الله عنه قالت: (كنا نرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ وَمَا أُوقِدَ فِي بيت آل محمد نار) ، قالوا : بأي شيء كنتم تتغذون ، قَالَتْ: (الْأَسْوَدَانِ، التَّمْرُ وَالْمَاءُ)
هكذا كان قوتهم ، كل ذلك لأجل عدم الانبساط إلى الدنيا وشهواتها وملذاتها ،
وألا يعطي نفسه ما تشتهيه؛ لأن النفس إذا أعطيت شهواتها وملذاتها؛ فإنها
تتقدم ويقوى طمعها ، عادة أن الإنسان إذا توسع في المباحات مالت نفسه إلى
المكروهات، وإذا أعطى نفسه ما تميل إليه من المكروهات فقد تميل نفسه إلى
المحرمات؛ فلأجل ذلك يفطم نفسه ويربي أمته على ذلك.
- كان يقبل الهدية ويكافئ عليها ، يعطي الذين
أهدوا له مكافأة ، ولو أعطاهم أكثر من قيمة هديتهم، (أهدى إليه مرة بعض من
الأعراب فكافأهم، وقال: ((أرضيتم؟)) فقالوا: نعم، فقال: ((إني سأخطب وأسألكم))، فلما خطب على المنبر، قال : ((أرضيتم بما أعطيتكم))؟ قالوا: لا ، ولم يغضب ، نزل وزادهم ، ثم رقى المنبر وسألهم : ((أرضيتم))؟
قالوا: لا ، نزل وزادهم ولم يغضب ، إلى أن أعطاهم مثل هديتهم ثلاث مرات أو
أربع) كل ذلك مكافأة لمن يهدي إليه ، ولذلك كان يقبل الهدية ويثيب عليها،
وتسمى هدية الثواب .
- ولا يأكل الصدقة التي هي الزكوات وأشباهها ويقول: ((لا تحل الصدقة لآل محمد، إنها أوساخ الناس))، وجد مرة تمرة في الطريق ورفعها وقال: ((لولا أن تكون من الصدقة لأكلتها)) أعطاها طفلا يمشي معه، الصدقة يعني الزكوات وما أشبهها .
- يقول : لا يتألق في مأكل ولا ملبس، بمعنى أنه
لا يتكلف في المأكل ولا في الملبس ، ولا يتكلف إلى الكامل الحسن الأعلى
الشهي من الطعام أو الملبس أو الذي يعجب الناس، بل يلبس ما كان وما تيسر
له، يأكل ما وجد يلبس ما وجد من الثياب ولو كانت دنسة أو مرقعة ، يأكل ما
وجد ولو طعاما غير شهي ، سئلت عائشة ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم -
يصنع في بيته ، فقالت : (كان يخصف نعله ، ويرقع ثوبه)
هذا من التواضع، النعل قد تحتاج إلى أن تخرز إذا انقطع شسعها أو انقطع
شراكها فيصلح ذلك بيده ، يأخذ الخرز ويخرق النعل ويربط فيها ذلك السير الذي
يسمى الشراك أو الشسع حتى يستمتع بهذه النعل ، ولا يرميها إذا انقطع منها
شيء ما دامت تصلح أن تلبس يخصفها ، يرقع الثوب ، قد يبقى الثوب عليه سنة
فيحتاج إلى رقعة، يجعل فيه رقعة ، وهكذا كان صحابته ، ذكروا أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه خطب مرة وعليه ثوب فيه أربع عشرة رقعة ، كل ذلك من
التواضع، يخشى أنه إذا انبسط في الأموال أن تمتد نفسه إلى ما فوق ذلك.
تقول عائشة : كان في مهنة أهله، يشتغل في مهنة
أهله، يساعدهم قد يطوي الفرش أو يفرشها مثلا ، أو يأتي بوسادة مثلا يلقيها
للضيف أو لمن يأتي إليه ، كان عنده مخدة حشوها ليف إذا جاءه أحد من الزوار
وضعها له ، قال : اجلس عليها ، كذلك في مهنة أهله ربما أنه يصلح المنزل ،
يرفع بعض الأواني يغسلها بعد الأكل فيها ، أو ما أشبه ذلك.
رأى مرة في منزله خبزة يابسة كسرة خبز قد سقطت على الأرض فرفعها وأزال ما فيها من التراب ، وقال : ((يا عائشة أكرمي جوار نعم الله ، فقلما نفرت من قوم فكادت أن ترجع إليهم))
نعم الله هذه المآكل والمشارب ، كان يعود المرضى ، كل من مرض وعاقه المرض
يعوده ، عاد مرة سعد بن عبادة ووجده مريضا فأشفق أنه يموت في ذلك المرض،
وبكى حتى بكى معه أصحابه، وقال: ((إن الله لا يعذب بحزن القلب ولا بدمع العين ، ولكن يعذب بهذا أو يرحم)).
- كان
أشد الناس تواضعًا، المتواضع قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة ،
بعيد من النار، قريب من الناس من الأخيار بعيد من الأشرار، ذكر أن الخليفة
المنصور طلب من مالك : ائتنا حتى يروي أولادنا عنك الموطأ أو العلم ،
فقال: العلم يؤتى ولا يأتي ، عند ذلك جاء
المنصور وهو خليفة حتى دخل عليه ، وجده جالسا على الأرض ، الخليفة كأنه
استأنف أن يجلس معه على الأرض ، فقال له: حدثني نافع، عن ابن عمر، أن رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تواضع لله رفعه)) تواطأ الخليفة ، وقال : ارو لنا كتابك ، قال: سأسميه الموطأ؛ لأنك تواطأت لروايته .
اشتهر أن التواضع خلق رفيع الذي يتواضع للناس يلين لهم جانبه يسعهم خلقه
ينبسط له وجهه ، يلقاهم بوجه طلق ، يتبسم في وجوه من يلقاه ، لا يتكبر ولا
يتجبر ولا يترفع على كبير ولا على صغير ، كل الناس يتواضع لهم كبيرهم
وصغيرهم ، هذه أخلاق النبيين ، هكذا يجيب من دعاه من غني أو فقير، أو دنيء
أو شريف، ثبت أنه قال: ((للمسلم حق على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه... ))
إلخ ، يعني إذا دعاك إلى طعام فإنك تجيبه ، فكان يجيب من دعاه، أجاب مرة
عجوزا جدة أنس مليكة صنعت له طعاما متواضعا فأجابها؛ دعاه مرة يهودي فقدم
له طعاما ، وكان فيه الدباء الذي يسمى القرع ، فجعل يتتبع الدباء يأكله
فجعل أنس يأتي به إلى جانبه، يجيب دعوة من دعاه صغير أو كبير، غني أو فقير،
دني أو شريف، يحب المساكين ، يشهد جنائزهم ، يعود مرضاهم ، لا يحقر حقيرا ،
ولا يهاب مالكا لملكه.
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((اللهم أحيني مسكينا ، وتوفني مسكينا ، واحشرني في زمرة المساكين))
وذلك لأن المسكنة فيها تواضع ، تواضع لله تعالى ، فكان يتواضع مع المساكين
الذين ليس لهم شفعة وليس لهم ترفع وليس لهم مكانة في الناس ، يجالسهم
ويأنس بهم ويؤنسهم ويمازحهم لأجل أن يشعروا بتواضعه وبمحبته لمن جالسه ،
هكذا كان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، أنه يحب المساكين .
في حديث أبي ذر قال: (أمرني رسول الله صلى الله عليه
وسلم بسبع : أمرني أن أحب المساكين ، وأدنو منهم ، وأمرني أن أقول الحق وإن
كان مرا ، وأمرني ألا أخاف في الله لومة لائم، وأمرني أن أكثر من قول: لا
حول ولا قوة إلا بالله ... ) إلى آخره .
فحب المساكين يعني تقريبهم والدنو منهم ؛ لأنهم أهل التواضع وأهل المسكنة ،
يشهد جنائزهم يصلي على الجنائز ، ولو كان الميت من المساكين ، كانت امرأة
تقم المسجد أي تنظفه من القمامات ، ماتت مرة ثم دفنوها ، ولما فقدها سأل: أين هي؟، ألا كنتم آذنتموني أن أصلي عليها ، قالوا : إنها ماتت ليلا فقال: دلوني على قبرها ؛
فصلى عليها ، يعود المرضى من المساكين ومن الفقراء ونحوهم ، لا يحقّر
فقيرًا ، الفقراء الذين هم لا يجدون إلا القليل لا يحقرهم ولا يصغر من
شأنهم ، لا يهاب أحدا، الملوك والكبراء لا يهابهم إلا أنه كان يتألفهم ،
لقوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ}.
كان يركب الفرس والبعير والحمار والبغل ، ذكرنا أنه ركب فرسا عند ابن أبي
طلحة ، وفزع عليه ، كذلك كان يركب الإبل ، كانت كما تقدم له ناقة تسمى
العضباء وناقة أخرى تسمى القصواء، يركبها في أسفاره، لما كان في عمرة
الحديبية بركت القصواء، فقالوا: خلأت القصواء، يعني: هزلت، فقال: ((ما خلأت، وما هو لها بخلق))
ركب الحمار وأردف عليه ، أردف عليه معاذا ، يقول : كنت رديف رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - على حمار ، الحمار دابة المتواضع التواضع ، ركبه ومع
ذلك أركب خلفه عبده مرة أو أركب خلفه معاذا ، وألقى عليه ذلك السؤال ، مما
يدل على تواضعه.
لا يحب أحدا يمشي خلفه ، يقول: ((خلوا ظهري للملائكة))
هكذا هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند مجلد الثالث صفحة ثلاثمائة
وثمانية وتسعين، وابن ماجه رقم مائتين وستة وأربعين، وسنده صحيح .
صلى مرة معه أصحابه وهو شاك، فصلوا خلفه قياما وهو جالس ، فأشار إليهم أن اجلسوا ، ثم قال : ((كدتم أن تفعلوا معي فعل فارس مع ملوكها أو: فارس والروم، يقومون على رءوس ملوكهم)) ، كره أنهم قائمون وهو جالس ، هذا من باب التواضع فأمرهم أن يجلسوا حتى لا يكون ذلك شيء فيه شيء من الترفع هكذا.
كان يلبس الصوف، وينتعل المخصوف، الصوف صوف الضأن ومعلوم أنه فيه خشونة لا
يكون بينه وبين جلده شيء مع خشونته على الجسد ، يصبر على خشونته ، كان
ينتعل المخصوف ، مر بنا قريبا أنه يخصف نعله، المخصوف النعل الذي قد انقطع
ثم أصلح، خصفه هو أو غيره أو لم يجد إلا نعلا قد انقطع وخصف، يعني أصلح
بسير ما يسمى بالشراك أو ما يسمى بالشسع.
أحب اللباس إليه الحبرة، الحبرة هي لباس ملون أصله من قطن ، وبه بعض الخطوط
الملونة ، يسمى الحبرة : ثوب حبرة رداء حبرة إزار حبرة ، هكذا كان يلبس
أحب اللباس ، هذه الحبرة من برود اليمن، تصنع في ذلك الوقت في اليمن ،
تشتمل على بياض وحمرة، الحمرة كأنها خطوط فيها .
كان قد لبس الخاتم لما أراد أن يكتب إلى ملك الروم وإلى ملك الفرس ، قالوا:
إنهم لا يقبلون إلا كتابا مختوما ، فصنع خاتما من فضة ، وأمر أن يكتب فيه
محمد رسول الله ، كان يلبسه في يده اليسرى ، وأحيانا يلبسه في يده اليمنى ،
جعل فصه منه، أكثر ما يلبسه في الخنصر، الأصبع الصغير ، يجعل هذا الخاتم
فيه ، وفصه منه ، وأحيانا يلبسه في خنصر اليمنى .
أحيانا يحس بالجوع ويتحمل، إذا أحس بالجوع صبر ، خرج مرة مع بعض أصحابه وقد
مسهم الجوع ، وجد كل منهم قد حسم عقد على بطنه حجر ، لأن لا يحس بالجوع ،
وكان قد عصب على بطنه حجرين من الجوع ، هكذا في الصحيح ، ثم ذهب مع الصحابة
أبي بكر وعمر إلى أبي بكر التيهان من الأنصار فذبح لهم تيسا وقطع لهم من
الرطب ، وأكلوا وشربوا من الماء ، فقال: ((لتسألن عن هذا النعيم، أخرجكم من بيوتكم الجوع، ولم ترجعوا حتى أصبتم هذا النعيم))
اللحم والرطب والماء عد هذا مما يسألون عنه ، هكذا يصبر على الجوع حتى
يعصب بطنه من الجوع ، الله تعالى قد خيره قد أعطاه مفاتح خزائن الأرض ، وقد
عرضت عليه بطحاء مكة ذهبا ولكنه مع ذلك امتنع أن يأخذها واختار الآخرة ،
وقال: ((ما لي والدنيا ، إنما أنا والدنيا كراكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها))، قال: يعني نام وقت القيلولة ، في ظل شجرة أي : جعل الدنيا كأنها وقت قصير يجلس فيه ثم يرحل عنه.
- كان
يكثر الذكر، يكثر من ذكر الله تعالى ، مر بنا أنه كان يكثر الاستغفار
والتوبة ، وقد يكرر التسبيح مائة مرة أو سبعين مرة ويحث الصحابة على ذلك
ويقول: ((إني لأستغفر الله وأتوب في اليوم أكثر من سبعين مرة)).
- يجتنب اللغو، اللغو في الكلام الذي ذم الله تعالى من فعله بقوله تعالى : {وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ} ولقوله تعالى : {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ} وقوله تعالى : {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} فهو ؟ يقل اللغو ولا يحب أنه ينبسط مع أهله .
- في
صلاة الجمعة يطيل الصلاة يعني خشوعا وخضوعا وقياما وقعودا وقراءة ويقصر
الخطبة ، قد تكون خطبته ربع ساعة أو نصف ساعة لا يطيلها ، يعني لا تكون
خطبته طويلة في ساعة أو ساعة ونصف ونحو ذلك ، ثبت أنه قال: ((إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه)).
- أكثر
الناس تبسمًا، أحسنهم بشرًا، كان متواصل الأحزان، دائم الفكر، ومع ذلك إذا
لقي أصحابه تبسم في وجوههم ولقيهم بوجه منبسط تظهر عليه البشر ، أي: يظهر
عليه الفرح والسرور ، ومع ذلك كان يأتيه كثير من الأحزان بما يسمع من
المنافقين وبما يسمع من الكفار ومن الأعداء ، وبما يصيبه من المصائب ، موت
أقاربه وموت أولاده ونحو ذلك ، متواصل الأحزان ، ولكنه يتحمل ذلك ، كان
دائم الفكر .
- كان يحب الطيب ، ويكره الريح الكريهة، ويقول : ((من عرض عليه طيب فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح))
الروائح المنتنة الكريهة يكرهها ، ويذكر أيضا أن الملائكة تكرهها ، أمر من
أكل بصلا -يعني نيئا- أو ثوما أو كراثا أن لا يأتي إلى المسجد وأن
الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم ، وكان الصحابة إذا احتاجوا إليها
أكلوها في وقت طويل ، أي: بعد العشاء حتى يذهب ريحها قبل الفجر ، أو بعد
الفجر حتى يذهب ريحها قبل الظهر ؛ أي: لأنه كان يكره هذه الروائح .
- يتألف
أهل الشرف ، يكرم أهل الفضل، لا يطوي بشره عن أحد ، ولا يجفو عليه، يتألف
رؤساء القبائل ، وذلك لأنهم إذا أسلموا أسلم قومهم ، تألف عدي بن حاتم
وأكرمه لأنه رئيس قومه الذين هم طيئ ، وكذلك تألف رؤساء القبائل كعيينة بن
حصن والأقرع بن حابس وزيد الخيل ونحوهم لما أرسل إليهم عليا -رضي الله عنه-
بتراب فيه ذهب؛ أي: ذهب لم يصف من تراب، فقسمه بين هؤلاء الأكابر؛ ليدفع
شرهم وليوزعوه على قومهم، كل ذلك لأنه يتألفهم، حيث جعل الله تعالى لهم حقا
في الزكاة {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ} أهل الفضل يكرمهم، يعم ذلك أهل الخير .. أهل العلم .. أهل العبادة .. أهل الصدقات .. كل من كان من أهل الفضل فإنه يتألفهم ويكرمهم،
لا يطوي بشراه عن أحد، يعني: بشارته وطلاقة وجهه، لا ينزوي عن أحد، ولا
يحجب أحدا، ولا يجفو أحدا، ولا يسيء معاملة أحد، حتى أعدائه إلا إذا غضب
لله،
- يرى
اللعب المباح فلا ينكره؛ فلما أنه طلب منه قوم من الحبشة أن يتدربوا على
السلاح رخص لهم أن يلعبوا بسيوفهم ورماحهم في المسجد؛ لأن ذلك تدرب وتقوية
على حمل السلاح فجاء لينظر إليهم .
- كان
يمزح ولا يقول إلا حقا ، مزاحه إنما هو في كلام ليس فيه كذب ، قد ذكرنا في
درس مضى أمثلة من ذلك ، منها (أن امرأة جاءت إليه تشتكي زوجها فقال: ((زوجك الذي في عينيه بياض)) ، فأنكرت ذلك وجاءت تفتح عين زوجها ، فقال : ((كل أحد في عينه بياض وسواد))، كذلك لما جاءته عجوز تطلب أن يدعو لها بالجنة قال: ((إنه لا يدخل الجنة عجوز)) قالوا: ذهبت تبكي، فقال: ((أخبرها أن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا})) وغير ذلك مما كان يمزح ، ذكر العلماء أمثلة لمزاحه .
لا يقول إلا حقا ، يقول أنس : كان رسول صلى الله عليه وسلم يجالسنا -يعني: الصبيان- حتى يقول لأخ لي صغير : ((يا أبا عمير ما فعل النغير)) كان له نغير يلعب به فمات ، عصفور صغير كان يلعب به ذلك الطفل ، هكذا .
- يقبل
المعذرة ممن اعتذر ، من اعتذر إليه فإنه يقبل منه ولا يعاتبه إلا إذا ظهر
أنه متلاعب ، الذين تخلفوا عن تبوك قبل عذرهم ولو كانوا كاذبين إلا الذين
ليس لهم عذر مثل كعب بن مالك .
- كان
له عبيد مماليك مما أفاء الله عليه وله إماء يعني مملوكات ، لا يرتفع
عليهم لا يترفع عليهم في مأكل ولا ملبس بل يواسيهم ، ثبت أنه قال لأبي ذر :
((هم إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم)) لا يمضي له وقت في غير عمل لله ، كل عمل يعمله يقصد به وجه الله أو فيما لا بد له منه أو لأهله منه ، كمهنة أهله .
ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من نبي إلا رعى الغنم)) ، قالوا : وأنت يا رسول الله ، قال: ((نعم ، لقد كنت أرعاها لقريش على قراريط من فضة)) رعي الغنم لا شك أنه فيه شيء من التواضع ؛ فلأجل ذلك كان يرعاها.
سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : (كان خلقه القرآن) الحديث صحيح ، أي: يغضب لغضب القرآن ويرضى لرضاه، يغضب إذا انتهك شيء من آداب القرآن ، ويرضى إذا عمل بها ، يقول أنس رضي الله عنه: (ما مسست ديباجًا ولا حريرًا ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-)
ولعل ذلك أنه كان يتعاهد كفه بالدهن حتى تلين ، وإلا فإنه لم يكن يعتني
بذلك ، قد تقدم أيضا أنه كان شثن الكفين ، ولكنه أحيانا يتعاهدها .
يقول: (ما شممت رائحة قط أطيب من رائحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) هكذا من أخلاقه ، كان يحب الطيب ، يقول: (خدمت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، ما قال لي أف) يعني ما أنكر شيئا مما قلته (ما قال لشيء فعلته: لم فعلت كذا؟) ينكر عليه ، (ولا لشيء لم أفعله: لما لم تفعل كذا وكذا؟) بل يقره على ما فعل ولا ينكر عليه .
جمع الله - تعالى - له كمال الأخلاق، أي: جمعها فيه ، محاسن الأفعال جمعها
فيه ، آتاه الله علم الأولين والآخرين ، مما قص عليه ومما أفاء إليه ، آتاه
الله ما فيه النجاة والفوز، النجاة في الآخرة والفوز والكرامة ، هو أمي لا
يقرأ ولا يكتب، ولا معلم له من البشر، إلا أن الله تعالى علمه .
نشأ في بلاد الجهل والصحاري، لم يتفرغ لأن يتعلم القراءة والكتابة ، آتاه
الله ما لم يؤت أحدًا من العالمين، اختاره واصطفاه بهذه النبوة ، اختاره
على جميع الأولين والآخرين، فصلوات الله عليه دائمة إلى يوم الدين. والله
أعلم.
لا بأس أن يلبس خاتما في خنصره أو في البنصر في اليد اليمنى أو اليسرى ، قد يكون يلبسه عادة وقد يلبسه لكونه ختم اسمه ونحو ذلك.
سؤال: أحسن الله إليكم ، يقول: البعض يسرف على نفسه في المآكل والمشارب وفي المراكب ، وإذا نصح قال: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}
المباحات لا بأس بها ولكن لا ينبغي التوسع وإعطاء النفس ما تشتهي وتتمنى ،
فإن نفسه النفس أمارة بالسوء ، الذي عليه أن يقتصد فلا يعطي نفسه كل ما
تشتهيها .
سؤال: أحسن الله إليكم ، يقول: نريد منكم لنا تبيين حكم الغناء ، فإنه كثر الكلام فيه في الآونة الأخيرة.
ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع))
وفيه أحاديث كثيرة تكلم عليها ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان في اثنين
وثلاثين صفحة ، وكذلك كثير من العلماء ، نرى أنه إذا كان فيه مثلا شيء من
التلحين والتمايل والتغنج والتشبيب ووصف الخدود والخدور فإنه ذريعة إلى
الفساد ، ولذلك يقال : الغناء بريد الزنا ، فيتجنبه المسلم .
أحسن الله إليكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم ، والله أعلم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.