6 Jan 2009
قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:
[صِفَةُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فصلٌ في صِفتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [1]
رُوِيَ
عنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: كانَ أبو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ إذا رَأَى النبيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْبِلًا يَقولُ:
أَمِينٌ مُصْطِفَى بالخيرِ يَدْعُو ** كضوءِ البدرِ زَايَلَهُ الظلامُ
ورُوِيَ
عنْ أبي هُريرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: كانَ عمرُ بنُ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عنهُ يُنْشِدُ قولَ زُهيرِ بنِ أبي سُلْمَى في هَرِمِ بنِ
سِنانٍ، حيثُ يقولُ:
لوْ كُنْتَ مِنْ شيءٍ سِوَى بَشِرٍ ** كُنْتَ الْمُضيءَ [2] ليلةَ البَدْرِ
ثمَّ يقولُ عمرُ وجلساؤُهُ: كذلكَ كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولمْ يكُنْ كذلكَ غيرُهُ. فصلٌ
تفسيرُ غريبِ ألفاظِ صِفاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
[1]
عَقَدَ الْمُصَنِّفُ فَصْلًا بعدَ هذا يَشْرَحُ فيهِ غَريبَ الألفاظِ هنا،
وما لمْ يَشْرَحْهُ سَأُبَيِّنُهُ في الحاشيَةِ. وقدْ كَتَبْتُ جُملةً
نافعةً بإِذْنِ اللَّهِ عنْ صِفةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابِي (نَفْحُ العبيرِ منْ شمائلِ البشيرِ النذيرِ)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فراجِعْهُ إنْ شِئْتَ. وكانَ هِنْدٌ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ فَصيحًا بليغًا، وقدْ قُتِلَ معَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ يومَ الجَمَلِ.
وعنْ عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ
اللَّهُ عنهُ قالَ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أبيضَ اللونِ، مُشْرَبًا حُمْرَةً، أَدْعَجَ العينَيْنِ، سَبْطَ [3] الشعرِ، كَثَّ اللحيَةِ، ذا وَفْرَةٍ [4]، دقيقَ الْمَسْرُبَةِ [5]، كأنَّ عُنُقَهُ إبريقُ فِضَّةٍ، منْ لَبَّتِهِ [6]
إلى سُرَّتِهِ شَعْرٌ يَجْرِي كالقضيبِ، ليسَ في بَطْنِهِ ولا صَدْرِهِ
شَعْرٌ غيرُهُ، شَثْنُ الكفَّيْنِ والقدَمَيْنِ، إذا مَشَى كأنَّما
يَنْحَطُّ منْ صَبَبٍ، وإذا مَشَى كأنَّما يَنْقَلِعُ منْ صَخْرٍ، إذا
الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَميعًا، كأنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ، وَلَرِيحُ
عَرَقِهِ أَطْيَبُ منْ ريحِ الْمِسْكِ الأَذْفَرِ، ليسَ بالطويلِ ولا
بالقصيرِ، ولا الفاجرِ ولا اللئيمِ، لمْ أَرَ قَبْلَهُ ولا بعدَهُ
مِثْلَهُ" [7].
وفي لفظٍ: "بينَ كَتِفَيْهِ خاتَمُ النُّبُوَّةِ [8]،
وهوَ خاتَمُ النبيِّينَ، أَجْوَدُ الناسِ كَفًّا، وأَوسَعُ الناسِ
صَدْرًا، وأَصْدَقُ الناسِ لَهْجَةً، وأَوْفَى الناسِ ذِمَّةً،
وأَلْيَنُهُم عَرِيكَةً [9]،
وأَكْرَمُهُم عِشْرَةً، مَنْ رآهُ بَدِيهَةً هابَهُ، ومَنْ خَالَطَهُ
أَحَبَّهُ، يَقولُ نَاعِتُهُ: لمْ أَرَ قَبْلَهُ ولا بعدَهُ مِثْلَهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [10].
وقالَ البراءُ بنُ عازبٍ: "كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْبُوعًا [11]، بعيدَ ما بينَ الْمَنْكِبَيْنِ، لهُ شَعْرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ، رَأَيْتُهُ في حُلَّةٍ حَمراءَ،
لمْ أرَ شيئًا قطُّ أَحْسَنَ منهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" [12].
وقالَتْ أُمُّ مَعْبَدٍ الْخُزاعيَّةُ في صِفَتِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "رأيتُ رَجُلًا ظاهرَ الوَضاءةِ، أَبْلَجَ
الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخَلْقِ، لمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ، ولمْ تُزْرِ بهِ
صَعْلَةٌ، وَسِيمًا قَسِيمًا. في عينيهِ دَعَجٌ، وفي أشفارِهِ غَطَفٌ، وفي
صَوْتِهِ صَحَلٌ، وفي عُنُقِهِ سَطَعٌ، وفي لِحيتِهِ كَثَاثَةٌ، أَزَجُّ
أَقْرَنُ. إنْ صَمَتَ فعليهِ الوَقارُ، وإنْ تَكَلَّمَ سَمَا عَلاهُ
البَهَاءُ. أَجْمَلُ الناسِ وأَبْهَاهُ منْ بَعيدٍ، وأَحلاهُ وأَحْسَنُهُ
منْ قَريبٍ. حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فَصْلٌ، لا نَزْرٌ ولا هَذَرٌ، كأنَّ
مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ تَحَدَّرَتْ. رَبْعَةٌ لا بَائِنٌ [13]
منْ طُولٍ، ولا تَقْتَحِمُهُ عينٌ منْ قِصَرٍ، غُصْنًا بينَ غُصْنَيْنِ،
وهوَ أَنْضَرُ الثلاثةِ مَنْظَرًا، وأَحْسَنُهم قَدْرًا. لهُ رُفَقَاءُ
يَحُفُّونَ بهِ، إنْ قالَ أَنْصَتُوا لقَولِهِ، وإنْ أَمَرَ تَبَادَوْا
لأَمْرِهِ، مَحفودٌ مَحشودٌ، لا عابسٌ ولا مُفَنَّدٌ" [14].
وعنْ أَنَسِ بنِ مالكٍ
الأنصاريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ، أنَّهُ وَصَفَ رسولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالَ: "كانَ رَبْعَةً من القومِ، ليسَ
بالطويلِ البائنِ، ولا بالقصيرِ المُتَرَدِّدِ. أَزْهَرَ اللونِ، ليسَ
بالأبيضِ الأَمْهَقِ، ولا بالآدَمِ، ليسَ بِجَعْدٍ، ولا قَطَطٍ، ولا
سَبْطٍ، رَجِلَ الشَّعْرِ" [15].
وقالَ هِنْدُ بنُ أبي هالةَ [16]:
"كانَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخْمًا
مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلْأَلُؤَ القمرِ ليلةَ القدْرِ،
أَطْوَلَ من المَرْبُوعِ، وأَقصَرَ من الْمُشَذَّبِ. عظيمَ الهامةِ، رَجِلَ
الشعْرِ، إن انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُهُ فَرَقَ، وإلَّا فلا يُجاوِزُ
شَعْرُهُ شَحمةَ أُذُنَيْهِ إذا هوَ وَفَّرَهُ. أَزْهَرَ اللونِ، واسعَ
الجبينِ، أَزَجَّ الحواجبِ، سَوَابِغُ في غيرِ قَرَنٍ، بينَهما عِرْقٌ
يُدِرُّهُ الغَضَبُ. أَقْنَى العِرْنِينِ، لهُ نُورٌ يَعْلُوهُ، يَحْسَبُهُ
مَنْ لمْ يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللحْيَةِ، أَدْعَجَ العَينَيْنِ،
سَهْلَ الْخَدَّيْنِ، ضَليعَ الْفَمِ، أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الأسنانِ.
دَقيقَ الْمَسْرُبَةِ، كأنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ في صَفَاءِ
الْفِضَّةِ. مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ، بَادِنًا مُتَمَاسِكًا، سَوَاءَ
البَطْنِ والصدْرِ، مَسيحَ الصدْرِ، بعيدَ ما بينَ الْمَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ
الكَرَادِيسِ. أَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ، مَوصولَ ما بينَ اللَّبَّةِ
والسُّرَّةِ بشَعْرٍ يَجْرِي كالْخَطِّ، عارِيَ الثَّدْيَيْنِ والْبَطْنِ
مِمَّا سِوَى ذلكَ، أَشْعَرَ الذراعَيْنِ والْمَنْكِبَيْنِ. عَريضَ
الصدْرِ، طويلَ الزَّنْدَيْنِ، رَحْبَ الراحةِ، شَثْنَ الكَفَّيْنِ
والقدَمَيْنِ، سائلَ الأطرافِ، سَبْطَ القَصَبِ، خُمْصَانَ الأَخْمَصَيْنِ،
مَسيحَ القدمَيْنِ يَنْبُو عنهما الماءُ. إذا زالَ قَلْعًا، ويَخْطُو
تَكَفُّؤًا، ويَمْشِي هَوْنًا، ذَريعَ الْمِشيَةِ، إذا مَشَى كأنَّما
يَنْحَطُّ منْ صَبَبٍ، وإذا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا. خافِضَ
الطَّرْفِ، نظَرُهُ إلى الأرضِ أَطولُ منْ نَظَرِهِ إلى السماءِ، جُلُّ
نَظَرِهِ الْمُلاحَظَةُ، يَسُوقُ أصحابَهُ. ويَبدأُ مَنْ لَقِيَهُ
بالسلامِ" [17].
والأَبْلَجُ الجبينِ: الْمُشْرِقُ الْمُضِيءُ، ولمْ يُرَدْ بهِ الحاجِبُ؛ لأنَّها وَصَفَتْهُ بالْقَرَنِ.
والثُّجْلَةُ: بالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ والجيمِ، عِظَمُ البَطْنِ معَ استرخاءِ أَسْفَلِهِ. ويُرْوَى بالنونِ والحاءِ الْمُهْمَلَةِ [18]، وهوَ: النحولُ وَضَعْفُ التركيبِ.
والإِزْرَاءُ: الاحتقارُ للشيءِ والتهاوُنُ بهِ.
والصَّعْلَةُ: صِغَرُ الرأسِ، ويُرْوَى: صَقْلَةٌ، بالقافِ.
والصَّقْلُ: مُنْقَطَعُ الأَضلاعِ من الخاصرةِ؛ أيْ: ليسَ بأَثْجَلَ عظيمِ
البطنِ، ولا بشديدِ لُحُوقِ الْجَنْبَيْنِ، بلْ هوَ كما لا تَعِيبُ صفةٌ
منْ صفاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
والوَسيمُ: المشهورُ بالْحُسْنِ، كأنَّهُ صارَ الْحُسْنُ لهُ عَلامةً.
والقَسِيمُ: الْحَسَنُ قِسْمَةَ الوَجْهِ.
والدَّعَجُ: شِدَّةُ سوادِ العينِ.
والأَشفارُ: حُروفُ الأجفانِ التي تَلْتَقِي عندَ
التَّغْمِيضِ، والشعْرُ نَابتٌ عليها، ويُقالُ لهذا الشعرِ: الأهدابُ،
فأرادَ بهِ: في أَشفارِهِ شَعْرٌ.
والْغَطَفُ: بالغينِ والعينِ، الطُّولُ، وهوَ بالْمُعجَمَةِ
أَشْهَرُ، ومعناهُ: أنَّها معَ طُولِها مُنْعَطِفَةٌ مَثْنِيَّةٌ. وفي
روايَةٍ: وَطَفٌ: وهوَ الطُّولُ أَيْضًا.
والصَّحَلُ: شِبْهُ البَحَّةِ، وهوَ غِلَظٌ في الصوتِ. وفي
روايَةٍ: صَهَلٌ: وهوَ قريبٌ منهُ أَيْضًا؛ لأنَّ الصهيلَ صوتُ الفَرَسِ،
وهوَ يَصْهَلُ بشِدَّةٍ وقُوَّةٍ.
والسَّطَعُ: طُولُ العُنُقِ [19].
والكَثاثةُ: كَثرةٌ في التفافٍ واجتماعٍ.
والأَزَجُّ: الْمُتَقَوِّسُ الحاجبَيْنِ، وقِيلَ: طُولُ الحاجبَيْنِ ودِقَّتُهما، وسُبُوغُهما إلى مُؤَخِّرِ العينِ.
والأَقْرَنُ الْمُتَّصِلُ أَحَدِ الجانبَيْنِ بالآخَرِ[20].
وسَمَا: أيْ عَلَا برَأْسِهِ. وفي روايَةٍ: سَمَا بهِ؛ أيْ: بكلامِهِ على مَنْ حولَهُ منْ جُلسائِهِ.
والْفَصْلُ فَسَّرَتْهُ بقولِها: لا نَزْرٌ ولا هَذَرٌ؛
أيْ: ليسَ كلامُهُ بقليلٍ لا يُفْهَمُ، ولا بكثيرٍ يُمَلُّ، والْهَذَرُ:
الكثيرُ.
وقولُها: لا تَقْتَحِمُهُ عينٌ منْ قِصَرٍ؛ أيْ: لا تَزْدَرِيهِ لقِصَرِهِ فتُجَاوِزَهُ إلى غيرِهِ، بلْ تَهَابُهُ وتَقْبَلُهُ.
والمحفودُ: المَخْدُومُ.
والمحشودُ: الذي يَجتَمِعُ الناسُ حولَهُ.
وأَنْضَرُ: أَحْسَنُ.
العابسُ: الكالِحُ الوَجْهِ.
والْمُفَنَّدُ: المنسوبُ إلى الْجَهْلِ وقِلَّةِ الْعَقْلِ.
وفَخْمًا مُفَخَّمًا: عَظيمًا مُعَظَّمًا [21].
والْمُشَذَّبُ: الطويلُ.
والعَقيقةُ: الشعْرُ [22].
والعِرْنِينُ: الأَنْفُ.
والأَقْنَى: فيهِ طُولٌ، ودِقَّةُ أَرْنَبَتِهِ، وحَدَبٌ في وَسَطِهِ.
والشَّمَمُ: ارتفاعُ القَصبةِ واستواءُ أعْلاها، وإشرافُ الأَرْنَبَةِ قليلًا.
وضَليعُ الْفَمِ: أيْ واسِعُهُ [23].
والشَّنَبُ في الأسنانِ: وهوَ تَحَدُّدُ أطَرافِها.
والْمَسْرُبَةُ: الشعْرُ الْمُسْتَدَقُّ ما بينَ اللَّبَّةِ [24] إلى السُّرَّةِ.
والْجِيدُ: العُنُقُ.
والدُّمْيَةُ: الصُّورةُ.
والبَادِنُ: العظيمُ البَدَنِ.
والْمُتماسِكُ: الْمُسْتَمْسِكُ اللحمِ غيرَ مُسْتَرْخِيهِ.
وقولُهُ: سَوَاءَ البطْنِ والصدْرِ، يُريدُ أنَّ بطنَهُ
غيرُ مُستفيضٍ، فَهُوَ مُساوٍ لِصَدْرِهِ، وصَدْرُه عَريضٌ، فهوَ مُساوٍ
لبَطْنِهِ.
وأَنْوَرَ الْمُتَجَرِّدِ: يعني شديدَ بياضِ ما جُرِّدَ عنهُ الثوبُ.
ورَحْبَ الراحةِ: واسعَ الكَفِّ.
والشِّثْنُ: الغليظُ.
وقولُهُ: خُمْصَانَ الأَخْمَصَيْنِ:
الأَخْمَصُ: ما ارْتَفَعَ عن الأَرْضِ منْ باطنِ القَدَمِ، أرادَ أنَّ ذلكَ مُرْتَفِعٌ منها. وقدْ رُوِيَ بخِلافِ ذلكَ.
وقولُهُ: مَسيحَ الْقَدَمَيْنِ، يُريدُ: مَمسوحَ ظاهِرِ
القدمَيْنِ، فالماءُ إذا صُبَّ عليهما مَرَّ مَرًّا سَريعًا؛ لاستوائِهما
وإِمْلاسِهما.
وقولُهُ: يَخْطُو تَكَفُّؤًا، يُريدُ أنَّهُ يَمْتَدُّ في مِشْيَتِهِ، ويَمشِي في رِفْقٍ غيرَ مُختالٍ.
والصَّبَبُ: الانحدارُ.
[2] كذا في (دَلائلِ النبوَّةِ) لأبي نُعَيْمٍ، وفي الأصْلِ: لَكُنْتَ الْمُصْطَفَى.
[3] سَبْطُ الشعْرِ: أيْ ناعمٌ لا جُعودةَ فيهِ.
[4] روى أبو داودَ (4187) والترمذيُّ (1755) عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها قالتْ: كُنْتُ
أَغْتَسِلُ أنا ورسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ منْ
إناءٍ واحدٍ، وكانَ لهُ شَعْرٌ فَوْقَ الْجُمَّةِ ودونَ الوَفْرَةِ. والحديثُ صَحَّحَهُ الشيخُ الألبانيُّ.
والْجُمَّةُ: الشعْرُ النازِلُ إلى الْمَنْكِبَيْنِ، والوَفرةُ: ما بَلَغَ شَحمةَ الأُذُنِ.
[5] الْمَسْرُبَةُ: هوَ الشعْرُ وَسَطَ الصدْرِ إلى البَطْنِ.
[6] اللَّبَّةُ: هيَ مَوْضِعُ القِلادةِ من الصدْرِ. (القاموسَ).
[7] هوَ بهذا السِّياقِ عندَ ابنِ سعدٍ في (الطبقاتِ) (1/409).
[8] خاتَمُ النُّبوَّةِ: قِطْعَةُ لحْمٍ بينَ كَتِفَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقَدْرِ بَيْضَةِ الحمامةِ، عليها شَعْرَاتٌ مُجْتَمِعَاتٌ.
انظُرْ: (فتحَ البارِي) (6/ 563)، (طَرْحَ التَّثْرِيبِ: 4 / 40 - 42).
[9] العَرِيكَةُ: هيَ السَّجِيَّةُ والْخُلُقُ.
[10] بهذا اللفظِ في (جامِعِ التِّرمذيِّ) (3638). وانْظُرْ (دَلائلَ النُّبُوَّةِ) للبيهقيِّ (1/226).
[11] وَسَطًا بينَ الطُّولِ والْقِصَرِ.
[12] رواهُ البخاريُّ (3551) ومسلِمٌ (2337).
[13] في (المُسْتَدْرَكِ): لا تَشْنَؤُهُ.
[14]
أَخْرَجَهُ البَغويُّ في (شَرْحِ السُّنَّةِ) (3704)، وفي (الأنوارِ في
شمائلِ النبيِّ المختارِ) (1/340)، والحاكمُ في (المُسْتَدْرَكِ) (3/9)
وقالَ: صحيحُ الإسنادِ ولمْ يُخَرِّجَاهُ، ووَافَقَهُ الذهبيُّ.
وقدْ قالَ الحافظُ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في
(البدايَةِ والنهايَةِ): إنَّ قِصَّةَ أمِّ مَعْبَدٍ مَشهورةٌ مَرْوِيَّةٌ
منْ طُرُقٍ يَشُدُّ بعضُها بَعْضًا.
وانْظُرْ (مَجْمَعَ الزوائدِ) (6/55 -58) و(الخصائصَ الكُبرَى) (1/467) للسيوطيِّ.
[15] رواهُ البخاريُّ (3551) ومُسلمٌ (2337).
[16]
هِنْدٌ: هوَ ابنُ أبي هالةَ التميميُّ، رَبيبُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أُمُّهُ خَديجةُ زَوْجُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، واسمُ أبيهِ: النَّبَّاشُ بنُ زُرارةَ.
[17]
الحديثُ رواهُ الترمذيُّ في (الشمائلِ) ص (18 - 26)، والطبرانيُّ في
(المعجَمِ الكبيرِ) (22 / 155)، وأبو نُعَيْمٍ في (الدلائلِ) (227)، وابنُ
سعدٍ في (الطبقاتِ) (1/422)، والْبَغَوِيُّ في (شَرْحِ السُّنَّةِ) رقم
(3705).
قالَ الشيخُ العَلَّامَةُ الألبانيُّ في تَعليقِهِ على
(الشمائلِ) للترمذيِّ: تَفَرَّدَ بهِ المؤلِّفُ ورواهُ الطبرانيُّ
والبيهقيُّ، إسنادُهُ ضعيفٌ، ولهُ عِلَّتَانِ بَيَّنْتُهما في (سلسلةِ
الأحاديثِ الضعيفةِ) برقم 2053، وقدْ أَخْرَجْتُ فيهِ شاهدًا لِطَرَفِهِ
الأَوَّلِ، وقدْ رواهُ البيهقيُّ في (الدلائلِ) منْ طريقٍ أُخْرَى، ولكنْ
فيهِ عَلِيُّ بنُ جَعفرِ بنِ مُحَمَّدٍ، سَكَتَ عنهُ في (الكَاشِفِ)، وقالَ
في (الْمِيزانِ): ما رَأَيْتُ أَحَدًا لَيَّنَهُ، نَعَمْ ولا وَثَّقَهُ،
وساقَ لهُ حديثًا في فَضْلِ أهلِ البيتِ اسْتَنْكَرَهُ جِدًّا، وكذلكَ
خَرَّجْتُهُ في (الضعيفةِ) رقم (2122).
[18] أيْ: نُحْلَةً.
[19]
قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: وقِيلَ: السَّطْعُ في العُنُقِ هوَ
النُّورُ، قالَ: والْجَمْعُ مُمْكِنٌ، بلْ مُتَعَيَّنٌ، يَعْنِي أنَّهُ
يكونُ فيهِ حُسْنُ الطُّولِ والنُّورُ معًا.
يُنْظَرُ: (البدايَةُ والنهايَةُ) (8/445)، ط دارِ هَجَرَ بِمِصْرَ، وتحقيقُ الدكتورِ عبدِ اللَّهِ التُّرْكِيِّ.
[20]
قالَ أبو عُبَيْدٍ: ولا يُعْرَفُ في صِفةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا في هذا الحديثِ، حديثِ أمِّ مَعْبَدٍ، قالَ:
والمعروفُ في صِفتِهِ عليهِ الصلاةُ والسلام أنَّهُ لا قَرْنَ بينَ
حاجِبَيْهِ، بلْ: إنَّهُ أَبْلَجُ الحاجِبَيْنِ.
انْظُر: (البدايَةَ والنهايَةَ) (8/444 - 445) ط دارِ هَجَرَ بِمِصْرَ ، تحقيقُ الدكتورِ عبدِ اللَّهِ التركيِّ.
[21]
نَقَلَ الحافظُ الْمَزِّيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في (تهذيبِ الكمالِ) (1/224)
عنْ أبي عُبَيْدٍ قولَهُ: الفَخامةُ في الوَجْهِ نُبْلُهُ وامتلاؤُهُ معَ
الجمالِ والْمَهابَةِ. وقالَ ابنُ الأنباريِّ: المعنى: أنَّهُ كانَ عظيمًا
مُعَظَّمًا في الصدورِ والعُيونِ، ولمْ يكُنْ خَلْقُهُ في جِسمِهِ ضَخْمًا.
[22] وخَصُّوهُ بشَعْرِ مُقَدِّمِ الرأسِ الذي على الناصيَةِ.
[23] دَالٌّ على الفصاحةِ.
[24] اللَّبَّةُ: هيَ النَّحْرُ.
شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
الفصل الذي بعده في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكر بعد هذا الفصل تفسيرا لبعض ما جاء في هذا الفصل من الألفاظ الغريبة.
لماذا نقلوا صفته؟ معلوم
أنه بشر كسائر البشر، أنه إنسان يمشي على قدميه، ويبطش بيديه، ويسمع
بأذنيه، وينظر بعينيه، وله لسان يتكلم به، وشفتان، يعني كسائر البشر، ومع
ذلك اهتموا بنقل صفته، هل أحد يقدر على أن يتمثل بها ؟ الصفة خلقية، الله
تعالى هو الذي خلق البشر، قال الله تعالى: {الَّذِي
أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ
شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} فنحن ليس
في إمكان أحد منا أن يصنع نفسه حتى يكون شبيها بخلقة النبي صلى الله عليه
وسلم، ولا يصنع أولاده بمعنى : أنه يجعلهم على خلقة النبي صلى الله عليه
وسلم، ولكن الصحابة نقلوا خلقته وهيكله لأجل أن يعرف الناس أن الله تعالى
خلقه في أحسن تقويم، مع أنه خلق الإنسان كله في قوله تعالى: {الَّذِي
خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} {فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ}
{لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} ويتفاوتون
فمنهم من جعله الله تعالى في أحسن هيئة وأحسن صورة، كما ذكر عن نبي الله
يوسف أن الله تعالى أعطاه جمالا فاق به على غيره حتى فتنت به امرأة العزيز،
ولما ذكر النساء أنها تراود فتاها عن نفسه جمعتهن {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ} أعظمن خلقته {وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}
خلقه الله تعالى وجعله في أحسن خلقة، هذه من خصائص نبي الله يوسف، ويمكن
أن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أعطي أيضا كذلك من هذا الخلق الجميل، الخلق
الحسن، ذكر أن أنسا رضي الله عنه كان يصف وجه النبي -صلى الله عليه وسلم-
فقال بعض التابعين: هل وجهه كالسيف؟ يعني : له بريق، فقال: لا، وجهه
كالقمر، القمر أتم نورا من نور السيف، ومن شعاع السيف، ليدل على أنه -صلى
الله عليه وسلم- جعله في أتم هيئة؛ ليدل ذلك على اختياره، أن الله تعالى
اختاره لحمل الرسالة، وجعله في هذا الخلق الحسن، ولو أن الكفار احتقروه في
أول الأمر وعابوه بأنه يتيم وفقير وقالوا: {لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} يعني: لماذا لم ينزل على من هو أشرف منه وأفضل منه؟ ولكن الله قال: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ} يعني لا يتصرفون في رحمة الله تعالى.
يقول: روي أن أنسا -رضي
الله عنه- قال: كان أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- إذا رأى النبي -صلى الله
عليه وسلم- مقبلا يقول أي ينشد هذا البيت:
أميـن مصطفى بالخير يدعو = كضوء البدر زايله الظلام
وصفه أنه أمين، وأنه
مصطفى، الأمين: المؤتمن، والمصطفى: المختار، بالخير يدعو: أي يدعو بالخير
يدعو الناس إليه، كضوء البدر: يعني نور وجهه ضوء وجهه كضوء البدر، هكذا،
وكذلك وصفه أيضا عمه أبو طالب في قصيدته الطويلة اللامية يقول فيها:
(وأبيض يستسقى الغمام بوجهه)
يعني هذه من صفته.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه = ثمـــال اليتــامى . . . .
يعني أنه يواسي اليتامى، فهكذا أيضا، فهذه من صفاته، يستسقى الغمام بوجهه ، وأنه ثمال اليتامى، وأنه كما يقول: أنه بردة للأرامل.
يقول: روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ينشد قول زهير بن أبي سلمى في هرم بن سنان حيث يقول:
لو كنت من شيء سوى بشر = كنت المضيء ليلة البدر
هكذا ، زهير من أحد
الشعراء الجاهليين الذين لهم المعلقات، يمدح هذا الملك الذي يقال له: هرم
بن سنان يقول : لو أنك من غير البشر لكنت تضيء كما يضيء القمر، يكون ذلك
مثل قول أبي طالب.
(ذكر أن النبي -صلى الله
عليه وسلم- مرة استسقى، فلما استسقى أجاب الله دعوته ونزل المطر، فقال صلى
الله عليه وسلم: لو رأى ذلك أبو طالب لانتفع، فقال بعضهم: كأنك تعني قوله
في هذا البيت:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه = ثمال اليتامى عصمة للأرامل
فقال: أجل) هكذا هؤلاء الواصفون.
لما أنشد عمر كلام زهير:
ولو كنت من شيء سوى بشر = كـنت المضيء ليلة البدر
يقول عمر وجلساؤه: كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكن كذلك غيره، يعني أنه هكذا المضيء ليلة البدر.
نقل بعد ذلك هذا الحديث عن
علي -رضي الله عنه- قال: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبيض اللون،
مشربا بحمرة، أدعج العينين، سبط الشعر، كث اللحية، ذا وفرة، دقيق المسربة،
كأن عنقه إبريق فضة، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا
صدره شعر غيره، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، إذا مشى
كأنما ينقلع من صخر، إذا التفت التفت جميعا، كأن عرقه اللؤلؤ، ولريح عرقه
أطيب من ريح المسك الأذفر، ليس بالطويل، ولا بالقصير، ولا الفاجر، ولا
اللئيم، لم أر قبله ولا بعده مثله).
هذا أثر عن علي رضي الله
عنه، رواه ابن سعد صاحب الطبقات رواه في المجلد الأول صفحة أربعمائة وتسعة ،
وله شواهده في الصحاح والسنن، فقوله أبيض اللون ، وصف مطابق لما ذكروا أنه
-صلى الله عليه وسلم- كأنه ينير كأن نوره نور القمر، وقوله : مشربا بحمرة،
البياض في الوجه إذا كان أشرب بحمرة كان ذلك أجمل له وأفضل، دعج العينين:
يعني سعة العينين، سبط الشعر: الشعر إما أن يكون سبطا وإما أن يكون جعدا،
فالسبط: الشعر الناعم الذي يتدلى، والجعد: الشعر الذي يتعقد، فكان شعره شعر
رأسه سبطا يعني يتدلى، وكان له وفرة قد تصل إلى المنكب، وكان يتعاهدها،
يتعاهدها بالدهن، يدهنها بزيت أو بسمن أو نحو ذلك، وكان في أول الأمر
يعقصها ثم بعد ذلك فرقها، هكذا كان شعره، كث اللحية: أي كان كثيف اللحية،
يعني: أن له لحية على خديه وعلى ذقنه، الذقن أسفل الوجه يسمى ذقن ولو لم
يكن فيه شعر، والخدان هما اللحيان، واللحي الذي هو منبت الأسنان السفلى،
فالشعر النابت على اللحيين والنابت على الذقن يسمى لحية تسمية له بما هو
عليه، فكان كث اللحية، ولكنه كان أيضا يتعاهدها كما يتعاهد شعره، قد يسرحها
وقد يدهنها، ولكن لكثرة غسلها بالماء مع الوضوء كانت سبطة لم تكن تتجعد،
هكذا ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- الأحاديث التي فيها الأمر بإعفاء اللحية
((أعفوا اللحى)) ((وفروا اللحى)) ((أوفوا اللحى))
((أرخوا اللحى)) ((أكرموا اللحى)) ((جزوا الشوارب)) ((حفوا الشوارب))
((قصوا الشوارب)) ففرق بين شعر الشارب وشعر اللحية، الوفرة: الشعر ذو وفرة، الشعر الذي هو شعر الرأس.
في السنن عن عائشة -رضي
الله عنها- قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- من إناء
واحد، وكان له شعر فوق الجمة، ودون الوفرة) الجمة: الشعر الذي يصل إلى
الأذن، والوفرة: الذي يصل إلى المنكب، يمكن أنه قد يسمى وفرة وإن لم يصل
إلى المنكب، هذا معنى قوله : ذا وفرة ، أي: ذا شعر يطلق عليه وفرة، والجمة:
الشعر الذي ينزل إلى المنكبين، والوفرة: الذي يصل إلى الأذن أو نحو ذلك،
دقيق المسربة: الشعر الذي ينبت في وسط الصدر، بعض الناس ينبت في صدره شعر
وقد يعم صدره كله، قد ينبت على بطنه، هذا يسمى المسربة، كأن عنقه إبريق
فضة: الإبريق واحد من الأباريق المعروفة الآن، والتي ذكرت في نعيم أهل
الجنة في قوله تعالى: {وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}
عنقه: أي رقبته كأنه إبريق من فضة، أي ليس بدقيق وليس بغليظ، يعني متوسط،
من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب: اللبة هي الرقبة التي تعلق فيها
القلائد، يقول: إنه فيه شعر دقيق يعني كأنه القضيب، يعني كأنه العصا، من
سرته إلى لبته: السرة معروفة السرة التي في وسط البطن، فما بين السرة إلى
اللبة شعر، ولكنه كالقضيب، يعني كالعود، ليس في بطنه ولا في صدره شعر غيره:
يعني جوانب بطنه وصدره يعني جوانب صدره ليس عليها شيء إلا هذا الشعر الذي
بدأ من اللبة، يعني الثغرة إلى السرة، وصفه بأنه: شثن الكفين والقدمين،
يعني كأنه لم يكن يعتني بكفيه دائما بالأدهان، وكذلك القدمين؛ فلأجل ذلك
صار في كفيه شيء من الخشونة، شثن: يعني فيها نوع من الحروشة والشثونة،
الكفان والقدمان.
وصفه بقوله: إذا مشى كأنما
ينحط من صبب: إذا مشى فكأنه ينزل من مكان مرتفع، ينحط من مكان أي منصب
صبا، وذلك لأنه يسرع إذا مشى، كأنما ينقلع من صخر: يعني كأنه ينزل من صخر
متدل، إذا التفت التفت جميعا: يعني أنه لا يلتفت بوجهه فقط، بل إذا أراد أن
يلتفت من يمين أو يسار التفت بصدره، وهذه أيضا من الأخلاق الحسنة، كأن
عرقه اللؤلؤ: العرق الذي يتحدر من الإنسان من آثار الحر قد يكون له خصوصية،
اللؤلؤ: هذا الذي يستخرج من البحر، الذي له قيمة رفيعة، ذكر في القرآن في
قوله: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}.
لريح عرقه أطيب من ريح
المسك الأذفر: وصف العرق بأنه أبيض كاللؤلؤ، وصف ريحه أنه كالمسك الأذفر،
المسك: الذي هو من أطيب أنواع الطيب، ذكر أنه مرة نام عند بنت ملحان،
وكأنها كانت إحدى خالاته، فرشت له نطعا، فنام عليه، ولما قام وإذا هو قد
عرق، وإذا العرق قد استنقع على ذلك الفراش، فأخذت عرقه وجعلته في صافية أو
قارورة، وكانت تجد له رائحة عطرة، وصفه بأنه: ليس بالطويل، ولا بالقصير
هكذا، يعني متوسط القامة، ليس هو طويلا مفرطا في الطول، ولا قصير قطط مفرط
في القصر؛ بل خلقته عادية متوسطة، ليس بالفاجر ولا اللئيم: الفجور هو
الكذب، واللؤم هو البخل فليس كذلك، أي جنبه الله تعالى الكذب {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}
فحماه عن أن يكون من أهل الفجور ومن أهل الحلف الكاذب، وكذلك أيضا ليس
باللئيم أي: البخيل أو شديد الإمساك، بل إنه كان أجود الناس، في حديث ابن
عباس: (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون
في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن) (كان رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) شرح هذا الحديث ابن
رجب في كتابه لطائف المعارف، وذكر أمثلة من جوده، وأنه كان يعطي عطاء يعجز
عنه كبار الملوك، وأن ذلك كان سبب إسلام كثير من رؤساء العرب، أعطى رجلا
غنما بين جبلين، وقال: يا قوم أسلموا، فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى
الفقر، وأنشد ابن رجب أبياتا مدحا لبعض الأجواد وقال: لا تليق هذه إلا
بالنبي -صلى الله عليه وسلم- الأبيات التي في مدح معن بن زائدة:
يقولون معن لا زكـاة لمالـه = وكـيف يزكي المال من هو باذله
تـراه إذا مـا جئتـه متهـللا = كـأنك تعطيـه الـذي أنت سائله
هو البحر من أي النواحي أتيته = فلجتـه المعـروف والجود ساحله
ولو لم يكـن بكفـه غير روحه = لجـاد بهـا فليتـق الله سـائله
فهذا بيان أنه ليس باللئيم.
يقول: (لم أر قبله ولا بعده مثله) أي: في صفاته أي لأن الله تعالى جبله على أحسن الأخلاق.
في بعض الألفاظ في حديث
علي يقول: (بين كتفيه خاتم النبوة) هكذا في صفته في الكتب الأولة بين كتفيه
شامة متوسطة بين الكتفين علامة على أنه نبي، أو علامة على أنه خاتم
الأنبياء وصفها بعضهم بأنها مثل زر الحجلة ، الحجال : هي ما يسمى بالربط
التي للخيمات بعضها يكون له حلق تدخل فيها الأزارير حتى تربط في الخيمة،
يكون لها أزارير ويكون لها حلق، فتدخل الأزارير في الحلق، وصفوه بأنه مثل
زر الحجلة ، وقال بعضهم: إنه مثل بيضة الحمامة ، بين كتفيه كان كثير من أهل
الكتاب يعرفون صفته بهذا، وكان منهم سلمان الفارسي، لما هاجر ورأى النبي
-صلى الله عليه وسلم- أراد أن ينظر إلى ما بين كتفيه وكان عليه رداء، فأرخى
الرداء الذي على كتفيه حتى رآه، فأكب عليه وعرف أنه النبي الذي بشر به.
وصفه بأنه أجود الناس كفا،
يعني أكثرهم عطاء، يجود بما في يده، لا يبخل بشيء كان عنده، أوسع الناس
صدرا، ليس المراد الخلقة، أن صدره خلقة كان واسعا يعني أضلاعه، وإنما
المراد: انشراح صدره للمتكلمين وللسائلين، لا يحتد ولا يغضب، شرح الله بذلك
صدره كما قال تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} يعني انشرح صدره بالإيمان وبالنبوة، الله تعالى يشرح صدر من يشاء {فَمَنْ
يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ
يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} يعني:
يكون في صدره إقبال وانبساط إلى الإسلام، والذي لا يهديه الله يكون في صدره
انقباض وكراهية للإسلام يجعل صدره ضيقا، فالرسول صلى الله عليه وسلم واسع
الصدر، رحب الصدر، ينبسط أمام من يقابله، يتبسم في وجه من يقابله، يفرح بمن
يقبل إليه، يظهر السرور ويظهر الفرح والانبساط.
(أصدق الناس لهجة) لم يؤثر
عنه أنه تلفظ بكلمة نابئة ليست صحيحة إلا أنه كان يمازح، يمزح أحيانا
ولكنه لا يقول إلا حقا، ذكر صاحب المصابيح الذي هو البغوي، وكذلك الذي
شرحها التبريزي في " مشكاة المصابيح" بابا في المزاح، أورد فيه أحاديث فيها
شيء من المزاح، منها (أن امرأة جاءت تذكر زوجها، فقال: ((زوجك الذي في عينه بياض))، فقالت: لا، قال: ((بلى))
) أي: في عينه بياض، رجعت إلى زوجها تنظر في عينيه، فقال: أما تنظرين
البياض والسواد، كل في عينه بياض، جاءه رجل فقال: احملني معك أي في الغزو،
فقال: ((أحملك على ولد الناقة))، ظن أن ولد
الناقة البكر الصغير، فقال: لا يطيقني ماذا أفعل بولد الناقة؟! فقال له
الحاضرون: هل الجمل إلا ولد للناقة؟) الجمل ولو كان أكبر فإنه ولد الناقة،
(جاءت امرأة تدعو، ادع الله لي أن يدخلني الجنة، فقال: ((إنه لا يدخل الجنة عجوز))، فبكت ، أي تظن أن هذا صحيح، فقال: أخبروها أن الله تعالى يقول: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} {فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا} ) هذا الذي يقوله ليس فيه كذب، وإنما فيه شيء من المزاح.
(أوفى الناس ذمة) ذكر أنه
عاهد رجلا كان بينه وبينه وعد، فوعده في مكان، فجلس في ذلك المكان بمكة قبل
الهجرة ينتظره ثلاثة أيام حتى لا يكون مخلفا للوعد، فلم يأت ذلك الرجل إلا
بعد ثلاثة أيام، أخبره بأنه لم يزل ينتظر، أوفى الناس ذمة.
(ألينهم عريكة) العريكة
هي: الخلقة والسجية والطبيعة، يعني أنه لين الطبيعة، لين الأخلاق، ليس
شرسا، وليس حقودا ولا غضوبا، أي جبله الله على أكرم الصفات.
(أكرمهم عشرة ) العشرة: المعاملة الحسنة، قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}
العشرة الحسنة، العشرة الكريمة هي الخلق الحسن، لين الجانب، وسهولة
الكلام، كذلك أيضا الأخلاق الحسنة، البعد عن الشراسة، وعن الأحقاد، وعن
سرعة التأثر، وعن سرعة الغضب، هذه تسمى العشرة ، (عاشروهن) يعني: اصحبوهن
صحبة حسنة، فهو أكرمهم عشرة .
من رآه بديهة هابه، الذي
يراه بديهة ولم يكن يعرفه يهابه مع أنه لين، ليس يستعمل شيئا من القسوة،
ولكن جعل الله له هيبة في القلوب، من خالطه أحبه وذلك للأخلاق التي جبله
الله عليها، ولأجل ذلك أصحابه كانوا يحبونه، أحب شيء عندهم، حتى قال له عمر
رضي الله عنه: (والله يا رسول الله إنك لأحب إلي من كل شيء إلا من نفسي)،
فقال: ((لا يا عمر حتى أكون أحب إليك من نفسك))، فقال: (والله إنك أحب إلي حتى من نفسي)، فقال: ((الآن عمر)) فكان محبوبا عندهم، يفدونه بأموالهم، يفدونه بأنفسهم.
يقول ناعته: (لم أر قبله
ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم) هذه من الأخلاق التي جبله الله تعالى
عليها، بقيت الصفات وغالبها نقرؤه غدا إن شاء الله، والله أعلم.
أحسن الله إليكم، يا شيخ، يقول: علمنا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يطيل شعره، فهل يسن لنا إطالة الشعر؟
الشعر من الأمور العادية، ليس من الذي يجب أن يوفر، ولأجل ذلك يحلق، قد يحلق قربة كما في النسك {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} وقد يحلق عادة كما دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- الحلاق، وحلق أولاد جعفر لما مات، فدل على أنه تربيته عادة، وكذلك أيضا حلقه.
أحسن الله إليكم يقول: هل الحرص على التشبه بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في لباسه مما يثاب عليه المسلم؟
قد يكون ذلك إذا كان الذي
حمله على ذلك هو المحبة، يقولون: من محبة النبي صلى الله عليه وسلم ومن
توقيره، ومن محبة أخلاقه : التخلق بأخلاقه، ليس الأخلاق الجبلية، فإن
الأخلاق الجبلية هذه لا يستطيعها، التي جبل الله كل إنسان على خلق، ليس
بإمكانك أن تكون طويلا، ولا أن تكون قصيرا، ولا أن تكون مربعا، ولا أن تكون
أبيض الوجه، ولا أحمر الوجه، الله تعالى هو الذي أعطى كل شيء خلقه، ولكن
الأخلاق هي التي إذا سمعتها وتخلقت بها فإنك تثاب {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينظر في المرآة ثم يقول: ((اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي))
يقول: ما هي حدود جزيرة العرب؟
حدود الجزيرة: ما بين
البحرين: البحر الأحمر، والخليج ، شرقا وغربا، وكذلك إلى حدود العراق، لأن
العراق كان للفرس، والشام كان للروم، فليس هو للعرب، وحده جنوبا إلى نهاية
حدود اليمن، هذه كلها جزيرة العرب.
أحسن الله إليكم وأثابكم، ونفعنا بعلمكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اهتم الصحابة رضي الله
عنهم بنقل صفته الخَلقية التي هي خِلقة خلق عليها، ولا شك أن ذلك دليل على
اهتمامهم بالنبي صلى الله عليه وسلم، حيث نقلوا للأمة حتى صفة خلقته التي
خلق عليها، ولا شك أن الإنسان لا يستطيع أن يخلق نفسه، ولا يخلق ولده، ولا
يجعل نفسه طويلا أو قصيرا أو ربعة أو وسطا أو وسيما أو سبطا، بل هذه كلها
من خلق الله سبحانه، وبتأمل هذه الصفات يعرف أن الله تعالى اختار لنبيه صلى
الله عليه وسلم أحسن الصفات، أحسن الخلقة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه
وسلم ينظر في المرآة ثم يقول: ((اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي)) وقد حسن الله تعالى أخلاقه كما قال الله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} أي أشرف الأخلاق التي يتخلق بها الإنسان ليكون محبوبا تقبله النفوس وتحبه، فإن حسن الخلق من أفضل السمات والصفات.
ولعله يأتينا أوصاف من حسن
خلقه ولين جانبه، ولكن في هذا الفصل اهتموا بخِلقته وبصفته، وصفه الصحابة
أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم، وصفه علي في هذا الأثر قال: كان رسول
الله صلى الله عليه وسلم أبيض اللون مشربا بحمرة، يعني ليس بياضا كالشيب أو
كالبرص، ولكنه مشرب بياضه بحمرة، وهذه من أفضل السمات والصفات، وأنه أدعج
العينين ، أي: واسع فتحات العينين، وأنه سبط الشعر ، أي: ناعمه ليس فيه
دعوجة ولا تعقد، وأنه كث اللحية ، أي: كثير شعر اللحية، وأن له وفرة،
الوفرة: هي شعر الرأس الذي فوق الجمة أو قريب الوفرة دون المنكب، وأنه دقيق
المسربة: الشعر الذي في وسط الصدر إلى البطن يسمى المسربة، كأن عنقه إبريق
فضة: عنقه يعني رقبته دقيق مثل واحد الأباريق، من لبته إلى سرته شعر يجري
كالقضيب، اللبة: موضع القلادة من الصدر يعني أنه من صدره أو من وسط صدره من
رقبته إلى سرته شعر دقيق كأنه عصا، ليس في بطنه ولا في صدره شعر غيره،
بقية صدره وبطنه ليس فيه شعر.
وصفه بأنه شثن الكفين
والقدمين أي: فيهما خشونة، ولعل ذلك أنه يحب الخشونة، أو أنه كان يشتغل،
وكان أيضا يمشي حافيا، فلذلك كان قدمه شثنا أي خشنا، إذا مشى فكأنما ينحط
من صبب، يعني كأنه ينزل من مرتفع، وكأنما ينقلع من صخر يعني كأنه ينزل من
صخور مرتفعة، إذا التفت التفت جميعا ، أي: لم يلتفت برأسه فقط، عرقه الذي
يخرج من جسده أبيض مثل اللؤلؤ الذي ذكر في القرآن {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}
ريح عرقه أطيب من المسك الأذفر هذا من خصائصه، ليس بالطويل ولا بالقصير
يعني أنه لا يعاب بالقصر ولا بالطول بل وسط، ليس بالفاجر ولا اللئيم ليس
فاجرا ، يعني: لا يوصف بالكذب ولا باللؤم الذي هو البخل، لم أر قبله ولا
بعده مثله، في لفظ بين كتفيه خاتم النبوة ، قطعة من لحم بين كتفيه بقدر
بيضة الحمامة عليها شعرات مجتمعات، هكذا جعلت هذه علامة نبوته، أجود الناس
كفا ما ملك فإنه ينفقه ولا يدخره، أوسع الناس صدرا ليس المراد ضخامة صدره،
وإنما المراد صفته أنه منشرح الصدر، أصدق الناس لهجة هذه من الأخلاق أنه لا
يتعمد كذبا، بل كان صادقا يتحرى الصدق هذه من الأخلاق، أوفى الناس ذمة هذه
أيضا من الأخلاق، الذمة العهد أنه يوفي بالعهد، قال الله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} عهد الله وعهد العباد في قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} وفي قوله: {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا} ونحو ذلك.
"ألينهم عريكة" هذا أيضا
من الأخلاق السجية والخلق الحسن، يعني أنه ألينهم قولا ألينهم خلقا، أكرمهم
عشرة هذا أيضا من الأخلاق، من أخلاقه أنه يعاشر أصحابه عشرة حسنة ويكرمهم
ويكون يتفوق عليهم، من رآه بديهة هابه إذا رآه أي إنسان فإنه تقع في قلبه
له الهيبة، من خالطه أحبه، هذا أيضا من أخلاقه، بل من عامله فإنه يحبه،
ناعته الذي ينعته يقول لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم، هكذا
جاء هذا الحديث في جامع الترمذي، وفي دلائل النبوة للبيهقي، جمع بين خَلقه
وخُلقه هذا من كلام علي رضي الله عنه.
وقال البراء بن عازب: كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم مربوعا، المربوع هو الوسط بين الطول والقصر،
بعيد ما بين المنكبين، هذه أيضا خلقة أنه كان بعيد ما بين المنكبين، المنكب
هو طرف الكتف، أي بين الكتفين فرق، له شعر يعني شعرا في رأسه، يبلغ شحمة
أذنيه، وكأنه إذا زاد عن ذلك يقصه، رأيته في حلة حمراء، يعني الحلة هي
اللباس الذي يتكون من إزار ورداء، اختار مرة أن تكون حمراء، يقول: لم أر قط
شيئا أحسن منه صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث في الصحيحين.
ثم ذكر بعد ذلك كلام أم
معبد الخزاعية في صفته صلى الله عليه وسلم، وأم معبد هذه امرأة من خزاعة مر
بها النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبو بكر وابن الأريقط الدليل وعامر بن
فهيرة أي أربعة، ولما وجدوا بيتها -خدرها- أناخوا عنده، وجدوا شاة هزيلة،
فطلب ، فلما جاءت بها مسح ضرعها، وطلب أن الله تعالى يدرها، فحفلت بضرع
كبير، ثم قال احلبوا، فحلبوا وملأوا أقداحا وملأوا أوانيها من ذلك اللبن،
وشربوا وتركوا عندها لبنا، بعد ذلك قال: اقلص أيها الضرع فقلص وعاد كما كان
، فتعجبت منه، ولما جاء زوجها أخبرته، أمرها بأن تصفه، فوصفته بما في هذا
الأثر.
هذه الصفات ذكرها ابن
إسحاق في السيرة وشرحها، وكذلك ابن القيم في زاد المعاد، وابن كثير في
البداية والنهاية، وكذلك الذهبي في تاريخه، وغيرهم ممن ذكروا هذه القصة،
أهل مكة بعدما خرج لم يدروا أين توجه، ثم في أثناء الليل سمعوا هاتفا يتكلم
في مكة، ويذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته، وما حصل منه في شعر
مذكور في السيرة، عرفوا بذلك أنه توجه في قول ذلك الذي من الجان:
رفيقيـن حلا خيمتي أم معبد = هما نزلا بالبر وارتحلا بـه
يعني رفيقين أي الرسول وأبو بكر حلا خيمتي أم معبد:
سلوا أختكم عن شاتها وحلابها
يعني
أنها حصل منها هذا الأمر، بعد ذلك جاء زوجها ، وقال: صفيه لنا، فقالت:
رأيت رجلا ظاهر الوضاءة أبلج الوجه، فسر الوضاءة بأنها الحسن والجمال،
الوجه الوضيء الذي كأنه يضيء من الجمال أو من الحسن، والأبلج: المشرق،
قالت: أبلج الوجه، أي مشرق وجهه مضيء، ولم يرد به الحاجب يعني الأبلج،
لأنها وصفت الحاجبين بالقرن، يعني أن حاجبيه قد اقترنا، التصق أحد الحاجبين
بالآخر فلم يكن بينهما فاصل، هذا من صفته ، ذكرت أنه حسن الخلق، يعني أن
خلقته أحسن الخلقة، لم تعبه ثلجة فسر الثلجة أنها عظم البطن مع استرخاء
أسفله، أي ليس عظيم البطن وليس مسترخيا هكذا لم تعبه ثلجة، يقول: إنه يروى
بالنون والحاء، يعني: لم تعبه نحلة، النحول ضعف التركيب، النحلة يعني ليس
نحيلا ليس ناحلا يكون ذلك عيبا له.
لم تزر به صعلة، الإزراء
الاحتقار أي ليس فيه ما يزريه ما يزري به ويحقره، الاحتقار بالشيء هو
التهاون به، الصعلة لم تزر به صعلة، الصعلة صغر الرأس أي ليس صغير الرأس،
رواه بعضهم صكلة، الصكل منقطع الأضلاع من الخاصرة، يعني لم تزر به هذه
الصكلة، ليس منقطع الأضلاع من الخاصرة، ليس بأثلج عظيم البطن ولا بشديد
لحوق الجنبين، بل هو كما لا تعيب صفة من صفاته، أي جميع الصفات التي وصفته
كلها مدح له، تقول: وسيما ، الوسيم: المشهور بالحسن، الوجه الوسيم: الوجه
الحسن، صار الحسن له علامة وجمالا، قسيما فسرت قسيم حسن قسمة الوجه، أن
وجهه ليس فيه أي عيب، بل وجهه حسن القسمة، في عينيه دعج وفي أشفاره غطط،
الدعج: شدة سواد العين هكذا فسروه، يعني أن سواد العين شديد، العين خلق
الله تعالى فيها سوادا وبياضا، والبصر يكون بالنقطة السوداء التي في وسط
السواد، فتصفه بأنه في عينيه دعج وفي أشفاره غطط.
ما المراد بالأشفار؟ حروف
الأجفان التي تلتقي عند التغميض، والشعر نابت عليها، ويقال لهذا الشعر
الأهداب، تريد به في شعر أشفاره، الله تعالى خلق هذين العينين لكل حيوان
مبصر صغير وكبير، وجعل لهذين العينين غطاء وهو هذه الأجفان حتى يغمض عينيه
إذا أحس بغبار أو دخان أو تراب أو ما أشبه ذلك؛ حماية لهاتين العينين في
الحيوانات كلها حتى الطيور الصغيرة كل طير له عينان ولهما أجفان، فهكذا في
هذه الأجفان أطراف جعل الله في هذه الأطراف هذا الشعر ويسمى الأهداب، إذا
قطع نبت بإذن الله ، وإذا وصل إلى منتهاه لم يزد، لماذا جعل الله هذه
الأهداب هذا الشعر؟ ليكون حماية للعين عن ما يتساقط، قد يتساقط تراب أو
غبار من الجبهة أو من الشعر، فإذا سقط التقفته هذه الأهداب، ثم بإذن الله
تلقيه ولا يصل إلى العين، فهكذا تقول في أشفاره غطف، الغطف روي غطف وروي
عطف، أي طول، الغطف أشهر، أي أنها مع طولها منعطفة مثنية، رواه بعضهم في
أشفاره وطف أي طول هذا كله من حسن الخلقة.
في صوته صحل، الصحل يقال
أصحل صوته يعني حصلت معه بحة، يقول أبو هريرة: إننا كنا ننادي في منى في
حجة أبي بكر حتى صحلت أصواتنا يعني بحت، ينادون ألا يحج بعد الآن مشرك، ولا
يطوف بالبيت عريان، ولا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة، ومن كان له عهد فعهده
إلى مدته، ومن ليس له عهد فله أربعة أشهر إلى آخر ذلك، فذكرت أن في صوته
صحلا أي بحة، ويعبر بالصحل عن غلظ الصوت، رواه بعضهم صهل، الصهل قريب منه،
أكثر ما يطلقون الصهل على صهيل الفرس، يقولون رغاء البعير وثغاء البقر
وصهيل الخيل، ولكن هاهنا الصواب أنه الصحل أي البحة، تقول في عنقه سطع،
العنق هو الرقبة، السطع: طول العنق، أي: أن في رقبته شيئا من الطول ، وقال
بعض العلماء: السطع في العنق النور ، والجمع ممكن ، أنه طول العنق أو أنه
النور ، يعني أنه يكون فيه حسن الطول وفيه النور ، هكذا في عنقه سطع.
في لحيته كثاثة، الكثاثة: كثرة في التفاف ، يعني أن شعر لحيته كثير ولكنه ملتف بعضه إلى بعض ، ومجتمع أي بعضه إلى بعض .
أزج أقرن: هكذا وصفته،
الأزج متقوس الحاجبين ، وقيل: طول الحاجبين ودقتهما وسبوغهما إلى مؤخر
العين، أنبت الله تعالى هذا الحاجب - الشعر الذي في أسفل الجبهة - محاذيا
للعين حكمة عظيمة؛ ولهذا يوجود حتى في الطفل من حين يولد الطفل يكون فيه
هذا الشعر ، وإذا حلق نبت ، ويثبت ولا يطول عادة ، أي له حد، الحكمة فيه
أنه يتلقف ما تساقط من التراب أو من الغبار الذي على الوجه أو من الشعر أو
نحوه حتى لا يصل إلى العين، حكمة زيادة على أنه جمال وزينة، وصف النبي -
صلى الله عليه وسلم - بأنه أزج الحاجبين إما أنه متقوس ، أن الحاجب له
طرفان كأنه قوس نصف دائرة ، يعني كأنها جباه نزل من طرفي الحاجب لكل من
العينين، ويفسر الأزج أي بالطول، أي طويل الحاجبين، يعني أنهما طويلان؛
ويفسر أيضا بالدقة أنهما دقيقان؛ ويفسر بالسبوغ أي أنهما سابغان إلى مؤخر
العين ، أن حاجبيه قد استطالا في وجهه في أسفل جبينه هكذا ، أنه أزج أقرن:
الأقرن المتصل أحد الجانبين بالآخر، هكذا جاء في هذا الكلام أنه أقرن.
معنى ذلك أن الحاجبين قد
تلاقيا، امتد الحاجب إلى أن وصل إلى الحاجب الثاني كل منهما امتد؛ ولكن شرح
هذا الحديث أبو عبيد صاحب غريب الحديث، ولما شرح قال: إنه لا يعرف في صفة
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان أقرن الحاجبين إلا في هذا الحديث؛
والمعرف في صفته - صلى الله عليه وسلم - أنه لا قرن بين حاجبيه ، بل إنه
أبلج الحاجبين هكذا ، والأبلج مثلما ذكروا أي أنه منفصل ، بين حاجبيه فاصل ،
وهو الذي يحاذي الأنف - هكذا- .
إن صمت فعليه الوقار ما
دام صامتا عليه الوقار والهيبة، إن تكلم سما علاه البهاء ، سما يعني ارتفع
وعلا برأسه علاه البهاء، هكذا سما يعني علا برأسه، وسما به أي ارتفع بكلامه
على من حوله من جلسائه؛ أصل السمو الارتفاع ، ويسمى السقف سما في قوله
تعالى: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ}
يعني إلى السقف ، كل شيء ارتفع فإنه يقال سما ، تقول: إن تكلم سما، علاه
البهاء يعني سما وعلاه البهاء ، البهاء هو الوقار؛ أجمل الناس وأبهاهم من
بعيد هكذا ، يعني: من رآه من بعيد رآه أجمل الناس وأبهاهم وأحلاهم ،
وأحسنهم من قريب؛ إذا وصفه أحد قريب أو رآه ، رآه بهذه الصفة أحلا الناس
وأحسنه من قريب .
حلو المنطق، أي كلامه إذا تكلم وإذا كلامه حلو ؛ أي يستلذ به من يسمعه .
فصلٌ لا نزر ولا هذر، فصل
فسرت فصل بقولها لا نزر ولا هذر، أي ليس كلامه بقليل لا يفهم ولا بكثير
يمل، الهذر: الكلام الكثير يعني أن الذي يكثر الكلام يسمى كلامه هذرا ، وهو
مما يعيبون به كثرة الكلام الذي لا فائدة فيه خصوصا الذي يتكلم عند
الإنسان ثم يعيبه في غيبته فيحذر منه؛ وبهذا في القصيدة الزينبية يقول
فيها:
لا خـيـر فـي ود امـرئ متملـق = حلـو اللسـان وقلـبـه يتلـهـب
يلقـاك يحلـف أنـه بـك واثــق = وإذا توارى عنـك فهـو العقـرب
يعطيك من طـرف اللسـان حـلاوة = ويروغ عنك كمـا يـروغ الثعلـب
فالكلام الذي يكون حسنا هو الذي ليس نزرا ولا هذرا ، أي ليس قليلا يعني يكثر الصمت ، ولا هذرا أي يكثر الكلام الذي لا فائدة فيه .
كأن منطقه خرزات نظم تحدرت
، هكذا أنه يتكلم بكلام قليل ، تقول عائشة: (إن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم - لم يكن يسرد الكلام) يعني يستمر به الكلام بسرعة ، لو عده العاد
لأحصاه، يعني كلامه لو أن إنسانا أخذ يعده كلمة كلمة لاستطاع أن يعده هكذا ،
الخرزات: هي النظام الذي يوضع في الرقبة؛ النساء يجعلن خرزا في سلك
ويقلدنه في الرقاب ، فوصفت كلامه كأنه خرزات نظم تحدرت ، إذا قطع ذلك السلك
تحدرت الخرزات من ذلك السلك ، ربعة لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر
، هكذا يفسر الربعة بأنه المتوسط ، أي خلقته متوسطة ، أي ليس طويلا بائنا
ينظر إليه من طوله ، ولا تقتحمه العين ، أي من قصر ، يعني: أنها لا تحتقره
العين لقصره هكذا قالوا، لا تقتحمه أي لا تزدريه ولا تحتقره أي لقصره، أي
لا تزدريه وتتجاوزه إلى غيره ، بل تهابه وتقبله، هذا معنى أنضر الثلاثة
منظرا وأحسنهم قدرًا، ليس معناه رفقاءه ؛ الثلاثة يعني ثلاثة الأقسام:
الطويل والقصير والوسط، أنضرهم يعني الوسط الذي ليس بالطويل ولا بالقصير.
له رفقاء: كان معه ثلاثة:
أبو بكر وعامر بن فهيرة وابن الأريقط الذي هو دليل ، رفقاء يحفون به يعني
أنهم حافون حوله أي محيطون به ، إذا قال أنصتوا لقوله، أنصتوا يستمعون
لكلامه ولا يتكلمون وهو يتكلم ولا يعترضون كلامه ، إن أمر تبادروا لأمره ،
أسرعوا لامتثال أمره.
محفود محشود لا عابس، ولا
مفند ، فسر المحفود: أنه المخدوم ، يعني أنه مخدوم يخدمه رفقته، وفسر
المحشود: بأنه الذي يجتمع الناس حوله -هكذا- محفود محشود.
أنضر الناس يعني أنه أنضر الثلاثة أي أحسنهم ، أحسنهم منظرا ، لا عابس ، العابس: الكالح الذي هو كالح الوجه الذي يزدرى من صفته .
ولا مفند: المفند المنسوب إلى الجهل وقلة العقل أو الكذب أو الكذب والتكذيب ، ومنه قول والد يوسف: {إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ} أي تكذبون.
هذا الأثر كلام أم معبد
رواه البغوي في شرح السنة ، وفي الأنوار في شمائل النبي المختار، وكذلك
رواه الحاكم في المستدرك وصححه ووافقه الذهبي ، وذكره ابن كثير في البداية
والنهاية وذكر أن قصة أم معبد مشهورة مروية من طرق يشد بعضها بعضا ، وذكره
الهيثمي في مجمع الزوائد ، وذكره أيضا السيوطي في الخصائص الكبرى ، فهو
مشهور .
ثم ذكر أيضا حديثا عن أنس
بن مالك الأنصاري رضى الله عنه ، وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان
ربعة من القوم، ليس بالطويل البائن، ولا بالقصير المتردد، هكذا الطويل يسمى
بائن، القصير الذي يتردد بعضه في بعض، الربعة الوسط، وتقدم أيضا في كلام
أم معبد ، وصفت الربعة أي: بأنه لا بائن من طول ولا تقتحمه العين من قصر،
هكذا أيضا يقول أنس: كان ربعة من القوم ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير
المتردد .
أزهر اللون، الزهر سطوع
اللون الذي ليس بالأبيض الأمهق، ولا بالآدم، الأدمة هي: السواد ، والأمهق:
هو البرص ، أي ليس بياضه ساطعا كالبرص، ولا فيه سواد يعني في بدنه بل هو
بينهما.
وصفه بعض الصحابة ، أنس رضي الله عنه لما سألوه هل هو كالسيف وجهه؟ فقال: لا ، بل كالقمر وصفه أيضا يد موسى التي جعلها الله آية: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ}
إذا أدخلها تكون يدا عادية فإذا أدخلها ثم أخرجها انقلبت بيضاء من غير سوء
، كأنها فلقة قمر أي من غير برص ، فهكذا كونه أزهر اللون يعني متوسط ليس
بالأبيض الأمهق الذي هو شبه البرص ولا بالآدم أي أسود .
كذلك أيضا شعره ليس بجعد ،
ولا قطط: أي شعر الرأس، الجعد هو الذي يتعقد شعر رأسه ، قد تجعد شعر رأسه
يعني تعقدت كل شعرة إلى أصلها ، والقطط اللين الطويل ، ولا سبط؛ السبط
المتدلي، الرجل الشعر: يعني أنه يرجله ويسرحه، هذا الحديث مروي في الصحيحين
.
كذلك يقول هند بن أبي
هالة- رجل اسمه هند بن أبي هالة من تميم كان ربيبا عند النبي - صلى الله
عليه وسلم - وأمه خديجة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - اسم أبيه النباش
بن زرارة ، كان هند فصيحا بليغا قتل مع علي رضي الله عنه يوم الجمل ، وصف
النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
فخما مفخما، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، أقصر من
المشذب).
معنى فخما مفخما: يعني
عظيما معظما ، نقل أبو عبيد أن الفخامة في الوجه نبله وامتلاؤه مع الجمال
والمهابة ، أي: أنه كان عظيما معظما في الصدور والعيون ، ولم يكن خلقه في
جسمه ضخما ، فليس الضخامة هي الكبر، هاهنا يقول فخما مفخما .
يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر، أطول من المربوع، وأقصر من المشذب.
المشذب: الطويل، يعني أقصر من المشذب الذي هو طويل، وأطول من المربوع الذي هو قصير.
يقول: عظيم الهامة، الهامة
الرأس، رجل الشعر، أي شعره يتدلى رجلا، إن انفرقت عقيقته فرق ، العقيقة
الشعر ، الشعر الذي في مقدم الرأس على الناصية يسمى عقيقة، إذا انفرق اتفرق
وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنه إذا هو وفره، غالبا أنه له شعر إلى شحمة
الأذن .
يقول: أزهر اللون واسع
الجبين، الزهر يعني البهر واسع الجبين، الجبين الجبهة ، أزج الحواجب، كما
تقدم يعني أنهما متواصلان أو قريبان ، سوابغ في غير قرن ، يعني: أنه أن
حاجبيه سوابغ ليسا مقترنين بينهما عرق يدره الغضب، أي بينهما فاصل يدره
الغضب ، يعني كأنه إذا غضب ظهر في وجهه أثر الغضب ، أقنى العرنين، العرنين
هو رأس الأنف ، والأقنى الطويل ، يعني طويل رأس الأنف دقيقه ، رأس الأنف
مقدمه يسمى الأرنبة، فالأقنى الذي فيه طول ودقة أرنبته وحدب في وسطه، يعني
في وسطه ارتفاع يعني في الأنف، أقنى العرنين .
له نور يعلوه ، يحسبه من
لم يتأمله أشم ، الذي لم يتأمله يحسبه أشم ، يعني من طول أرنبة أنفه، كث
اللحية: أي كثيرها ، أدعج العينين، أي كما تقدم ، أدعج هو شدة سواد العينين
.
سهل الخدين، الخدين جانبي
الوجه، أي أنها لينة ، ضليع الفم ، ضلع الفم يعني وسطه ، أشنب، مفلج
الأسنان، ضلع الفم أي واسع الفم، وهو دليل الفصاحة، الأشنب الشنب في
الأسنان تهدد أطرافها، مفلج الأسنان أي بين كل سنين فرجة تسمى فلجا ، وكان -
صلى الله عليه وسلم - ينهى عن التفلج للنساء يقول: ((لعن الله المتفلجات للحسن)) وهي التي تحك ما بين السنين حتى يكون بينهما فرجة، مفلج الأسنان خلقة.
دقيق المشربة، الشعر
المستدق ما بين اللبة إلى السرة يسمى مشربة ، اللبة هي النحر ، تقدم أن له
شعر دقيق يبدأ من النحر إلى السرة، المشربة الشعر المستدق ما بين اللبة إلى
السرة، هذا معنى دقيق المشربة .
كأن عنقه جيد دمية أي في صفاء الفضة، هكذا معروف الجيد في قوله تعالى: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ}
الجيد هو العنق الرقبة، الدمية قد تعرف أن الدمية التي هي الصورة ، الصور
هذه التي عند الأطفال تسمى دمية ، جيد دمية في صفاء الفضة ، عنقه صافي كأنه
فضة .
معتدل الخلق يعني أن خلقته
وسط معتدلة ، أي ليس بالطويل ولا بالقصير ، بادنًا متماسكًا، هكذا قيل
البادن بادنا أي عظيم البدن ، يعني: أنه كامل البدن ليس نحيفا كثيرا ولا
سمينا عظيم البدن بل هو بدنا متماسكا .
سواء البطن والصدر ، أي
بطنه وصدره مستويان مع أنه متماسك اللحم ليس مسترخ ، فكونه سواء البطن
والصدر يريد أن بطنه غير مستدير يعني ليس مستدر ، ممتد البطن بطنه مساو
لصدره ، صدره عريض ، وكذلك بطنه مساو له هذه من الصفات الممدوحة.
مسيح الصدر، يعني صدره
ممسوح، أي متساو، بعيد ما بين المنكبين، كما تقدم المنكب هو طرف الكتف يعني
أنه متباعد ما بين المنكبين، ضخم الكراديس، التي هي رءوس الكتفين.
أنور المتجرد ، النور يمدح به ، موصول ما بين اللبة والسرة، بشعر يجري كالخط ، أي من لبته التي هي التغرة إلى سرته شعر دقيق كالخط.
عاري الثديين والبطن: أي
ليس ثدياه بارزين وليس بطنه بارزا، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر
الذراعين، على الذراعين شعر ، والقدمين عليهما أيضا شعر .
سائل الأطراف، الأطراف الأيدي والأرجل أي أنها سائلة ، سبط القصب، السبط المتدلي هكذا سبط القصب .
خمصان الأخمصين ، مسيح
القدمين، ينبو عنهما الماء، الخمصان الأخمص ما ارتفع من الأرض عن باطن
القدم أراد أن ذلك مرتفع منها، وقد روي بخلاف ذلك ، جاء في الحديث أن
الشراك شراك النعل الذي يربط على الأخمص ، تعرف أن القدم في وسطها - في
داخلها - مرتفع هذا المرتفع الذي لا يصل إلى الأرض يسمى الأخمص وهو من حسن
خلق الله تعالى حتى الإنسان يقدر أن يقلب قدميه ويطوي أحدهما ، فلذلك جعل
الله له هذا الأخمص، فذكر أنه خمصان الأخمصين ، يعني مرتفع الأخمصين ، مسيح
القدمين ، يعني باقي القدم أملس ، ينبو عنهما الماء ، إذا غسلهما ينبو
الماء، إذا زال قلع، هكذا إذا وضع الماء على القدمين ينصب انصبابا ويمر
سريعا لاستوائهما وإملاسهما ، سائر الأطراف ، إذا زال قلع يعني أنه إذا مشى
ينقلع انقلاعا يخطو تكفؤا، خطواته كأنه يتكفأ ، يمشي هونًا كما في القرآن ،
في قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا}.
ذريع المشية، يعني أنه ليس
سريعا وليس بطيئا ، إذا مشى كأنما ينحط من صبب، يعني كأنه ينزل من مكان
مرتفع ، إذا التفت التفت جميعًا ، خافض الطرف، قوله: يخطو تكفؤا، أي أنه
يمتد في مشيته ، يمشي في رفق ليس بمختال، وقوله: ينحط من صبب ، أي من مكان
مرتفع ، خافض الطرف ، أي نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، يخفض
طرفه ويغضه ، الله تعالى أمر بذلك: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}
نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، كلما ينظر
ويحدق فإنه يلاحظ ، يسوق أصحابه ، إذا مشى فكأنهم ينساقون بمشيه .
يبدأ من لقيه بالسلام ، ويحث أمته على أن يبدءوا بالسلام.
هذا الأثر أو هذا الحديث
عن هند بن أبي هالة؛ رواه الترمذي في الشمائل ، والطبراني في المعجم الكبير
، وأبو نعيم في دلائل النبوة ، وابن سعد في الطبقات ، والبغوي في شرح
السنة ، ذكر الألباني أنه تفرد به الترمذي ، ورواه الطبراني والبيهقي ،
وذكر أن له علتين ، يقول: وقد أخرجت له شاهدا لطرفه الأول ، ورواه البيهقي
في الدلائل من طريق أخرى ، ويقول البيهقي: ما رأيت أحدا لينه ولا وثقه ،
وبكل حال فإنه إن كان حديثا ضعيفا؛ ولكن هذه الصفات قد يشهد لها بقية
الصفات التي في الأحاديث الأخرى ، والله أعلم .
أحسن الله إليكم هذا سائل
يقول فضيلة الشيخ: كيف نجمع بين قول علي بن أبي طالب شائن الكفين والقدمين ،
وبين قول أحد الصحابة: ما مسست ديباجا ولا حريرا ألين من يد رسول الله -
صلى الله عليه وسلم - .
لا لا كونه شثننا يعني في
ظاهر الكف ، فإن الكف يطلق على الباطن وعلى الظاهر فيمكن أن ظاهر القدم ،
أو لعله أحيانا يعتني بيديه ويكثر من أن يدهنها بزيت أو نحوه حتى تكون لينة
.
أحسن الله إليكم: هل التفلج للرجال جائز؟
فعل ذلك لا يجوز ، أما إذا كان خلقة فإنه جائز ، فلا يجوز أن يفلج بين أسنانه رجل أو امرأة .
أحسن الله إليكم، يقول: نريد إفادتنا بفوائد تعلم صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - الخلقية والأجور المترتبة على ذلك .
نعرف من ذلك أن الله تعالى
اختار له أحسن الخلقة ، أتمهما وأفضلها ، وهو ما تضمنته هذه الأحاديث من
صفة خلقته - صلى الله عليه وسلم - وإذا رأينا من يشبهه نقول هذا شبيه
بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد ذكر ابن حجر في الفتح عددا من الصحابة
وأبناء الصحابة ، يقولون: إنه يشبه فلان ، رفع بعض الصحابة الحسن وقال:
بأبـي شبيــــه بالنبــي = ليـــس شـبيهـا بعلــي
وعلي يضحك ، يعني أي أن
الحسن شبيه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وغيرهم من كان شبيها به، وذلك
أنه إذا وجد من يشبهه في هذه الصفات فإن ذلك دليل على أن الله خلقه في أحسن
خلقة .
أحسن الله إليكم، يقول: من زاد في الألفاظ الواردة في الصلاة مثل قولهم بعد الركوع: ربنا ولك الحمد والشكر ، فهل تجوز هذه الزيادة ؟
رؤية العلماء أنك تقتصر على المأثور ، الشكر له مكان آخر .
أحسن الله إليكم وأثابكم ونفعنا بعلمكم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.