14 Feb 2015
عشرة موارد للذكر في القرآن الكريم
قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" في موارد الذكر في القرآن الكريم: (فصل: وهو في القرآن على عشرة أوجه:
الأول: الأمرُ به مطلقا ومقيدا.
الثاني: النهيُ عن ضدِّه من الغفلةِ والنسيان.
الثالث: تعليقُ الفلاحِ باستدامتِه وكثرتِه.
الرابع: الثناءُ على أهلهِ، والإخبارُ بما أعدَّ الله لهم من الجنة والمغفرة.
الخامس: الإخبارُ عن خُسرانِ من لَها عنه بغيره.
السادس: أنَّه سبحانه جعلَ ذِكْرَهُ لهم جزاءَ لذِكْرِهِم له.
السابع: الإخبارُ أنَّه أكبرُ من كلَّ شيء.
الثامن: أنه جعلَه خاتمةَ الأعمالِ الصالحةِ كما كان مفتاحَها.
التاسع: الإخبارُ عن أهلِه بأنَّهم هم أهلُ الانتفاعِ بآياتهِ وأنَّهمْ أولو الألبابِ دونَ غيرهم.
العاشر: أنه جعلَه قرينَ جميعِ الأعمالِ الصالحةِ ورُوحَها فمتَى عَدِمَتْهُ كانت كالجسدِ بلا رُوح.
فصل في تفصيل ذلك:
- أما الأول: فكقوله تعالى: {يا
أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي
يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما}،
وقوله تعالى: {واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة}، وفيه قولان:
أحدهما: في سرِّكَ وقلبِكَ.
والثاني: بلسَانِك بحيثُ تُسْمِعُ نفسَك.
- وأما النهيُ عن ضدِّهِ؛ فكقوله: {ولا تكن من الغافلين}، وقوله: {ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم}.
- وأما تعليق الفلاح بالإكثار منه ؛ فكقوله: {واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.
- وأما الثناءُ على أهله وحسنِ جزائِهم ؛ فكقوله: {إن المسلمين والمسلمات..} إلى قوله: {والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعدَّ الله لهم مغفرة وأجراً عظيما}.
- وأما خُسْران من لها عنه ؛ فكقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون}.
- وأما جعل ذِكْرِهِ لهم جزاءً لِذِكْرِهِمْ له ؛ فكقوله: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون}
- وأما الإخبارُ عنه بأنَّه أكبرُ من كلِّ شيء ؛ فكقوله تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر} ، وفيها أربعة أقوال:
* أحدها: أنَّ ذِكْرَ اللهِ أكبرُ من كلِّ شيء فهو أفضلُ الطاعات لأن المقصودَ بالطاعات كلها إقامةُ ذكرِه؛ فهو سرُّ الطاعاتِ ورُوحها.
* الثاني: أنَّ المعنى: أنكم إذا
ذكرتموه ذكَرَكم فكان ذِكْرُه لكم أكبرُ من ذكرِكُم له؛ فعلى هذا: المصدر
مضاف إلى الفاعل، وعلى الأول: مضاف إلى المذكور.
* الثالث: أنَّ المعنى: ولذكر الله أكبرُ من أن يبقى معه فاحشة ومنكر، بل إذا تم الذِّكْرُ مَحَقَ كلَّ خطيئةٍ ومعصيةٍ.
هذا ما ذكره المفسرون.
* وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: (معنى
الآية: أن في الصلاة فائدتين عظيمتين إحداهما : نهيها عن الفحشاء
والمنكر، والثانية : اشتمالها على ذكر الله وتضمنها له، ولَمَا تضمنتْهُ
من ذِكْرِ اللهِ أعظمُ من نهيها عن الفحشاء والمنكر).
- وأما ختم الأعمال الصالحة به؛ فكما ختم به عمل الصيام بقوله : {ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون}، وختم به الحج في قوله: {فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا}.
وختم به الصلاة كقوله: {فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم}.
وختم به الجمعة كقوله: {فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.
ولهذا كان خاتمة الحياة الدنيا، وإذا كان آخر كلام العبد: أدخله الله الجنة.
- وأما اختصاص الذاكرين بالانتفاع بآياته وهم أولو الألباب والعقول؛ فكقولِهِ تعالى: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب الذين يذكرون الله قياما وقعوداوعلى جنوبهم}.
- وأما مصاحبتُه لجميعِ الأعمالِ واقترانِهِ بها وأنَّه رُوحُها: فإنَّه سبحانه قرَنَه بالصَّلاةِ كقوله: {وأقم الصلاة لذكري}، وقَرَنَه بالصيامِ وبالحجِّ ومناسكِه، بل هو رُوحُ الحجِّ ولبُّه ومقصودُه كما قالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (( إنما جعل الطواف بالبيت والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار : لإقامة ذكر الله)).
وقرنه بالجهاد وأمر بذكرِه عند ملاقاةِ الأقرانِ ومكافحةِ الاعداءِ؛ فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون}.
وفي أثر إلهي يقول الله تعالى: (إن عبدي كلَّ عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قِرْنَه).
سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يستشهد به، وسمعته يقول: المحبون يفتخرون بذكر من يحبونه في هذه الحال كما قال عنترة:
ولقد ذكرتكِ والرماحُ كأنها ... أشطانُ بئرٍ في لَبَانِ الأدهَمِ
وقال الآخر : ذكرتُكِ والخطيُّ يخطُرُ بيننا ... وقد نهلتْ منا المثقَّفَةُ السُّمْرُ ولقد ذكرتُكِ والرِّمَاحُ شواجرٌ ... نَحْوِي وبِيضُ الهندِ تقطرُ من دَمِي