7 Feb 2015
سادساً: كتاب الجهاد الباب الأول: تعريف الجهاد وفضله وحكمه وشروطه ومسقطاته
ويشتمل على ثلاثة أبواب:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفه، وفضله، والحكمة منه، وحكمه، ومتى يتعين؟
أ- تعريفه:
الجهاد لغة: بذل الجهد والطاقة والوسع.
وفي الاصطلاح: بذل الجهد والوسع في قتال الأعداء من الكفار ومدافعتهم.
ب- فضله والحكمة منه:
الجهاد ذروة سنام الإسلام،
كما سماه النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ، أي: أعلاه، وسمي بذلك؛ لأنه يعلو
به الإسلام ويرتفع ويظهر، وقد فضّل الله المجاهدين في سبيله بأموالهم
وأنفسهم، ووعدهم الجنة، كما سيأتي في آية سورة النساء بعد قليل، والآيات
والأحاديث في فضل الجهاد والمجاهدين كثيرة.
أما الحكمة من مشروعية الجهاد: فقد شرعه الله سبحانه لأهداف سامية وغايات نبيلة، من ذلك:
1 - شرع الجهاد لتخليص الناس من عبادة الأوثان والطواغيت وإخراجهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ ويكون الدّين كلّه للّه} [الأنفال: 39].
2 - كما شرع لإزالة الظلم وإعادة الحقوق إلى أهلها، قال تعالى: {أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإنّ اللّه على نصرهم لقديرٌ} [الحج: 39].
3 - كما شرع الجهاد؛ لإذلال الكفار، وإرغام أنوفهم، والانتقام منهم، قال سبحانه: {قاتلوهم يعذّبهم اللّه بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قومٍ مؤمنين} [التوبة: 14].
ج- حكمه ودليل ذلك:
الجهاد بمعناه الخاص -وهو جهاد الكفار فرض كفاية، إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين وصار في حقهم سنة؛ لقوله تعالى: {لا
يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضّرر والمجاهدون في سبيل اللّه
بأموالهم وأنفسهم فضّل اللّه المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين
درجةً وكلًّا وعد اللّه الحسنى وفضّل اللّه المجاهدين على القاعدين أجرًا
عظيمًا} [النساء: 95]. فقد دلت هذه الآية على
أن الجهاد فرض كفاية، لا فرض عين؛ لأن الله فاضل بين المجاهدين والقاعدين
عن الجهاد بدون عذر، وكلاً وعد الحسنى وهي الجنة. ولو كان الجهاد فرض عين
لاستحق القاعدون الوعيد لا الوعد.
ولقوله تعالى: {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقّهوا في الدّين} [التوبة: 122].
وهذا مشروط بما إذا كان للمسلمين قوة وقدرة على قتال أعدائهم، فإن لم يكن
لديهم قوة ولا قدرة سقط عنهم كسائر الواجبات، وأصبح قتالهم لعدوهم -والحالة
هذه- إلقاءً بأنفسهم إلى التهلكة.
د- متى يتعين؟
لكن هناك حالات يتعين فيها الجهاد فيصير فرض عين على المسلم وهي:
الحالة الأولى: إذا هاجم الأعداء بلاد المسلمين، ونزلوا بها، أو حصروها، تعين قتالهم، ودفع ضررهم، على جميع أفراد المسلمين.
الحالة الثانية:
إذا حضر القتال، وذلك إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفّان، تعين الجهاد،
وحرم على من حضر القتال الانصراف، والتولي من أمام العدو؛ لقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا لقيتم الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهم الأدبار}[الأنفال: 15]، ولعدّه صلّى اللّه عليه وسلّم التولي يوم الزحف من الكبائر الموبقات.
ولكن يستثنى من التولي المتوعد عليه حالتان: الأولى: إذا كان المتولي متحرفاً لقتال، أي: يذهب لكي يأتي بقوة أكثر. والثانية: أن يكون متحيزاً إلى فئة من المسلمين تقوية ونصرة لها.
الحالة الثالثة: إذا عينهم الإمام واستنفرهم للجهاد؛ لقوله تعالى: {يا
أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثّاقلتم إلى
الأرض أرضيتم بالحياة الدّنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدّنيا في
الآخرة إلّا قليلٌ (38) إلّا تنفروا يعذّبكم عذابًا أليمًا} [التوبة: 38 - 39]، وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (وإذا استنفرتم فانفروا).
الحالة الرابعة: إذا احتيج إليه، فإنه يتعيّن عليه الجهاد.
المسألة الثانية: شروط الجهاد
يشترط لوجوب الجهاد سبعة
شروط، وهي: الإسلام، والبلوغ، والعقل، والذكورية، والحرية، والاستطاعة
المالية والبدنية، والسلامة من الأمراض والأضرار.
- فلا يجب الجهاد على
الكافر؛ لأنه عبادة والعبادة لا تجب عليه، ولا تصح منه، ولأنه لا يتوافر
فيه الإخلاص والأمانة والطاعة، فلا يؤذن له بالخروج مع جيش المسلمين؛ لقوله
صلّى اللّه عليه وسلّم للرجل المشرك الذي تبعه في بدر: (تؤمن بالله ورسوله؟) قال: لا، قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك).
- وكذلك لا يجب على الصبي
غير البالغ؛ لأنه غير مكلف، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أنه عرض نفسه
على رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة سنة، فلم
يجزه في المقاتلة.
- وكذلك المجنون لا يجب عليه الجهاد؛ لأنه مرفوع عنه القلم، وليس من أهل التكليف.
- ولا يجب على العبد؛ لأنه مملوك لسيده، ولا المرأة لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله هل على النساء جهاد؟ فقال: (جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة). وفي لفظ: نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ فقال: (لكن أفضل الجهاد حج مبرور).
- وغير المستطيع، وهو الذي
لا يستطيع حمل السلاح لضعف أو كبر، وكذلك الفقير الذي لا يجد ما ينفق في
طريقه فاضلاً عن نفقة عياله لا يجب عليهم الجهاد؛ لقوله تعالى: {ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ} [التوبة: 91].
وكذلك من به ضرر أو مرض أو غير ذلك من الأعذار لا يجب عليه الجهاد؛ لأن العجز ينفي الوجوب، ولقوله تعالى: {ليس على الأعمى حرجٌ ولا على الأعرج حرجٌ ولا على المريض حرجٌ} [الفتح: 17]. وقؤله تعالى: {ليس على الضّعفاء ولا على المرضى ولا على الّذين لا يجدون ما ينفقون حرجٌ إذا نصحوا للّه ورسوله} [التوبة: 91].
المسألة الثالثة: مسقطات الجهاد
هناك أعذار تسقط عن صاحبها الجهاد إذا كان فرض عين أو فرض كفاية وهي:
1 - 2 - الجنون والصّبا: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم).
3 - الأنوثة: فلا يجب الجهاد على الأنثى. وقد سبق ذكره.
4 - الرق: لما روى أبو هريرة قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: (للعبد المملوك الصالح أجران. والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي، لأحببت أن أموت وأنا مملوك).
5 - 6 - الضعف البدني، والعجز المالي، والمرض، وعدم سلامة بعض الأعضاء كالعمى والعرج الشديد، وقد سبق ذكرها.
7 - عدم
إذن الأبوين أو أحدهما، إذا كان الجهاد تطوعاً؛ لحديث ابن عمرو رضي الله
عنهما قال: جاء رجل إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلّم فاستأذنه في الجهاد،
فقال: (أحيّ والداك؟) قال: نعم، قال: (ففيهما فجاهد) ، فبر الوالدين فرض عين، والجهاد فرض كفاية في هذه الحالة، فيقدّم فرض العين. فإذا تعيّن الجهاد فليس لهما منعه، ولا إذن لهما.
8 - الدّين الذي لا يجد له وفاءً إذا لم يأذن صاحبه، وكان الجهاد تطوعاً، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين) ، فإذا تعيّن الجهاد فلا إذن لغريمه.
9 -
العالم الذي لا يوجد غيره في البلد؛ لأنه لو قتل لافتقر الناس إليه؛ إذ لا
يمكن لأحد أن يحل محله، فإذا كان لا يوجد من هو أفقه منه يسقط عنه الخروج
للجهاد نظراً لحاجة المسلمين له). [الفقه الميسر: 199-203]