7 Feb 2015
الباب الثامن: في التيمم
وفيه مسائل:
التيمم لغة: القصد. وشرعاً: هو مسح الوجه واليدين بالصعيد الطيب، على وجه مخصوص؛ تعبداً لله تعالى.
المسألة الأولى: حكم التيمم ودليل مشروعيته
التيمم مشروع، وهو رخصة من الله عز وجل لعباده، وهو من محاسن هذه الشريعة، ومن خصائص هذه الأمة.
لقوله تعالى: {يا
أيّها الّذين آمنوا إذا قمتم إلى الصّلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبًا فاطّهّروا وإن
كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم
تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد
اللّه ليجعل عليكم من حرجٍ ولكن يريد ليطهّركم وليتمّ نعمته عليكم لعلّكم
تشكرون} [المائدة: 6].
ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (الصعيد الطيب كافيك وإن لم تجد الماء عشر حجج، فإذا وجدت الماء فأمسّه بشرتك). ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً).
وقد أجمع أهل العلم على
مشروعية التيمم إذا توافرت شرائطه، وأنه قائم مقام الطهارة بالماء، فيباح
به ما يباح بالتطهر بالماء من الصلاة والطواف وقراءة القرآن وغير ذلك.
وبذلك تثبت مشروعية التيمم بالكتاب والسنة والإجماع.
المسألة الثانية: شروط التيمم، والأسباب المبيحة له
يباح التيمم عند العجز عن استعمال الماء: إما لفقده، أو لخوف الضرر من استعماله لمرض في الجسم أو شدة برد؛ لحديث عمران بن حصين: (عليك بالصعيد الطيب فإنه يكفيك) وسيأتي مزيد بسط لذلك بعد قليل. ويصح التيمم بالشروط الآتية:
1 - النية: وهي نية استباحة الصلاة، والنية شرط في جميع العبادات، والتيمم عبادة.
2 - الإسلام: فلا يصح من الكافر، لأنه عبادة.
3 - العقل: فلا يصح من غير العاقل، كالمجنون والمغمى عليه.
4 - التمييز: فلا يصح من غير المميز، وهو من كان دون السابعة.
5 - تعذر استعمال الماء: إما لعدمه؛ لقوله تعالى: {فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا} [المائدة: 6]، وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليمسّه بشرته، فإن ذلك خير). أو لخوفه الضرر باستعماله، إما لمرض يخشى زيادته أو تأخر شفائه باستعمال الماء؛ لقوله تعالى: {وإن كنتم مرضى}، ولحديث صاحب الشّجّة، وفيه قوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (قتلوه قتلهم الله، هلاّ سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العيّ السؤال). أو لشدة برد يخشى معه الضرر، أو الهلاك، باستعمال الماء؛ لحديث عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال: (احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت، وصلّيت بأصحابي صلاة الصبح).
6 - أن يكون التيمم بتراب طهور غير نجس -كالتراب الذي أصابه بول ولم يطهر منه- له غبار يعلق باليد إن وجده لقوله تعالى: {فتيمّموا صعيدًا طيّبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه} [المائدة: 6]. قال ابن عباس: (الصعيد: تراب الحرث، والطيب: الطاهر)، فإن لم يجد تراباً تيمم بما يقدر عليه من رمل أو حجر، لقوله تعالى: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} [التغابن: 16]. قال الأوزاعي: الرمل من الصعيد.
المسألة الثالثة: مبطلات التيمم
وهي الأشياء التي تفسده، ومبطلاته ثلاثة:
1 - يبطل التيمم عن حدث أصغر بمبطلات الوضوء،
وعن حدث أكبر بموجبات الغسل من جنابة وحيض ونفاس، فإذا تيمم عن حدث أصغر،
ثم بال أو تغوّط، بطل تيممه؛ لأن التيمم بدل عن الوضوء، والبدل له حكم
المبدل، وكذا التيمم عن الحدث الأكبر.
2 - وجود الماء. إن كان التيمم لعدمه، لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك) وقد تقدم.
3 - زوال العذر الذي من أجله شرع التيمم من مرض ونحوه.
المسألة الرابعة: صفة التيمم
وكيفيته: أن ينوي، ثم
يسمّي، ويضرب الأرض بيديه ضربة واحدة، ثم ينفخهما -أو ينفضهما- ثم يمسح
بهما وجهه ويديه إلى الرسغين؛ لحديث عمار وفيه: (التيمم ضربة للوجه والكفين) ، وحديث عمار أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال له:
(إنما كان يكفيك أن تصنع هكذا فضرب بكفه ضربة على الأرض، ثم نفضها، ثم مسح
بهما ظهر كفه بشماله، أو ظهر شماله بكفه، ثم مسح بهما وجهه). [الفقه الميسر: 32-34]