7 Feb 2015
الباب السابع: في الغسل
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: معنى الغسل، وحكمه، ودليله
1 - معناه: الغسل لغة: مصدر من غسل الشيء يغسله غسلاً وغسلاً، وهو تمام غسل الجسد كله.
ومعناه شرعاً: تعميم البدن بالماء. أو: استعمال ماء طهور في جميع البدن، على صفة مخصوصة، على وجه التعبد لله سبحانه.
2 - حكمه: والغسل واجب إذا وجد سبب لوجوبه. لقوله تعالى: {وإن كنتم جنبًا فاطّهّروا} [المائدة: 6]، والأحاديث التي ورد فيها كيفية الغسل عن عدد من الصحابة نقلاً عن رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم دالة على وجوبه.
وسيأتي طرف منها قريباً إن شاء الله.
3 - موجباته: ويجب الغسل للأسباب الآتية:
1 - خروج المنيّ من مخرجه: ويشترط أن يكون دفقاً بلذة من ذكر أو أنثى، لقوله تعالى: {وإن كنتم جنبًا فاطّهّروا} [المائدة: 6]، ولقوله صلّى اللّه عليه وسلّم لعلي: (إذا فضخت (1) الماء فاغتسل).
ما لم يكن نائماً ونحوه فلا تشترط اللذة؛ لأن النائم قد لا يحس به، ولقوله
صلّى اللّه عليه وسلّم لما سئل: هل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: (نعم إذا رأت الماء). وهذا كله مجمع عليه.
2 - تغييب حشفة الذكر كلها أو قدرها في الفرج، وإن لم يحصل إنزال بلا حائل: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، وجب الغسل). لكن لا يجب الغسل في هذه الحالة إلا على ابن عشر أو بنت تسع فما فوق.
3 - إسلام الكافر ولو مرتداً: (لأن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم أمر قيس بن عاصم حين أسلم أن يغتسل).
4 - انقطاع دم الحيض والنفاس: لحديث عائشة أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قال لفاطمة بنت أبي حبيش: (إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلي وصلّي). والنفاس كالحيض بالإجماع.
5 - الموت: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم في حديث غسل ابنته زينب حين توفيت: (اغسلنها). وقال في المحرم: (اغسلوه بماء وسدر). وذلك تعبداً؛ لأنه لو كان عن حدث لم يرتفع مع بقاء سببه.
المسألة الثانية: في صفة الغسل وكيفيته
للغسل من الجنابة كيفيتان، كيفية استحباب، وكيفية إجزاء (2).
أما كيفية الاستحباب:
فهي أن يغسل يديه، ثم يغسل فرجه، وما أصابه من الأذى، ثم يتوضأ وضوءه
للصلاة، ثم يأخذ بيده ماءً فيخلل به شعر رأسه، مدخلاً أصابعه في أصول الشعر
حتى يروي بشرته، ثم يحثو على رأسه ثلاث حثيات، ثم يفيض الماء على سائر
بدنه؛ لحديث عائشة المتفق عليه.
وأما كيفية الإجزاء: أن يعم بدنه بالماء ابتداءً مع النية لحديث ميمونة: (وضع
رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم وضوء الجنابة، فأفرغ على يديه فغسلهما
مرتين أو ثلاثاً، ثم تمضمض، واستنشق، وغسل وجهه وذراعيه، ثم أفاض الماء على
رأسه، ثم غسل جسده، فأتيته بالمنديل فلم يردها، وجعل ينفض الماء بيديه). ومثله حديث عائشة وفيه: (ثم يخلل شعره بيده. حتى إذا ظن أنه قد روى بشرته، أفاض عليه الماء ثلاث مرات، ثم غسل سائر جسده).
ولا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل من الجنابة، ويلزمها ذلك في الغسل
من الحيض؛ لحديث أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشدّ ضفر رأسي،
أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: (لا. إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء، فتطهرين).
المسألة الثالثة: الأغسال المستحبة
تقدم بيان الأغسال الواجبة، وأما الأغسال المسنونة والمستحبة، فهي:
1 - الاغتسال عند كل جماع: لحديث أبي رافع أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه قال: فقلت يا رسول الله ألا تجعله واحداً؟ قال: (هذا أزكى وأطيب وأطهر).
2 - الغسل للجمعة: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم: (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل).
وهو آكد الأغسال المستحبة.
3 - الاغتسال للعيدين.
4 - الاغتسال عند الإحرام بالعمرة والحج: فإنه صلّى اللّه عليه وسلّم اغتسل لإحرامه.
5 - الغسل من غسل الميت: لقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (من غسّل ميتاً فليغتسل).
المسألة الرابعة: الأحكام المترتبة على من وجب عليه الغسل
الأحكام المترتبة على ذلك يمكن إجمالها في ما يأتي:
1 - لا يجوز له المكث في المسجد إلا عابر سبيل لقوله تعالى: {ولا جنبًا إلّا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} [النساء: 43]،
فإذا توضأ جاز له المكث في المسجد، لثبوت ذلك عن جماعة من الصحابة على عهد
النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، ولأن الوضوء يخفف الحدث، والوضوء أحد
الطهورين.
2 - لا يجوز له مس المصحف. لقوله تعالى: {لا يمسّه إلّا المطهّرون} [الواقعة: 79]. وقوله صلّى اللّه عليه وسلّم : (لا يمس المصحف إلا طاهر).
3 - لا يجوز له قراءة القرآن. فلا يقرأ الجنب شيئاً من القرآن حتى يغتسل.
لحديث علي قال: (كان عليه الصلاة والسلام لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة) ، ولأن في منعه من القراءة حثّاً له على المبادرة إلى الاغتسال، وإزالة المانع له من القراءة.
ويحرم عليه أيضاً:
4 - الصلاة.
5 - والطواف بالبيت.
كما سبق بيان ذلك عند الكلام على مسألة: (ما يجب له الوضوء). من الباب الخامس). [الفقه الميسر: 28-31]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فَضْخُ الماء: أي دَفْقُهُ، والمراد المَنِيّ.
(2) كيفية الإجزاء: هي التي تشتمل على ما يجب فقط، وكيفية الاستحباب والكمال: هي التي تشتمل على الواجب والمسنون.