الدروس
course cover
الخبر المتواتر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

10557

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الأول

الخبر المتواتر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

10557

0

0


0

0

0

0

0

الخبر المتواتر

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (فالأَوَّلُ:

المُتَوَاتِرُ: المُفِيدُ لِلْعِلْمِ اليَقِينِيِّ بِشُرُوطِهِ).

هيئة الإشراف

#2

26 Oct 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (كُلُّ مَا سَبَقَ كانَ عِبَارَةً عن مُقَدِّمَةٍ قصيرةٍ، وسَيَدْخُلُ

ابنُ حَجَرٍ الآنَ في موضوعِ الكتابِ.

أَقْسَامُ الْخَبَرِ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إِلَيْنَا:

(1) الأولُ: الْمُتَوَاتِرُ

بدأ الحافظُ رَحِمَهُ اللَّهُ كلامَهُ بأقسامِ الخبرِ باعتبارِ وصولِهِ إِلَيْنَا، وهذا الابتداءُ مما خالفَ فيه ابنَ الصلاحِ؛ لأنَّ الموضوعَ الذي بدأَ بهِ ابنُ حَجَرٍ وضعَهُ ابنُ الصلاحِ في ثنايا كتابِهِ.

بدأَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍبالحديثِ عن المصطلحاتِ التي أَطْلَقَهَا علماءُ الحديثِ على الأحاديثِ بالنظرِ إلى عددِ الطُّرُقِ، فَطُرُقُ الأحاديثِ:

- إمَّاأنْ تكونَ محصورةً.

أوغيرَ محصورةٍ.

فإنْ كانتْ غيرَ محصورةٍ فهي الْمُتَوَاتِرُ، وإنْ كانتْ محصورةً فهي خبرُ الآحادِ.

وخبرُ الآحادِ تحتَهُ تسمياتٌ بِعَدَدِ الطُّرُقِ التي وَرَدَ مِنْهَا، وهذا الموضوعُ بتفاصيلِهِ مِن أَدَقِّ المباحثِ التي تُذْكَرُ في كُتُبِ علومِ الحديثِ، ولكنْ معَ الأسفِ، فإنَّ الثمرةَ في كثيرٍ منها ليست ظاهرةً، ولا سِيَّمَا في بحثِ المتواترِ، فَبَحْثُ المتواترِ مِن أَعْقَدِ مباحثِ علومِ الحديثِ مع أنَّ الثمرةَ التي يَجْنِيهَا المُحَدِّثُ في تَخَصُّصِهِ في عِلْمِ الحديثِ ليستْ ظاهرةً، ولهذا سَنَمُرُّ على مَبْحَثِ المتواترِ بسرعةٍ؛ لأنَّ الكلامَ فيه كثيرٌ ومُتَشَعِّبٌ.

ذَكَرَ الحافظُ رَحِمَهُ اللَّهُ أربعةَ شروطٍ يَجِبُ تَوَافُرُهَا في الخبرِ لِيَكُونَ مُتَواتِرًا:

أوَّلاً: أنْ يَرْوِيَهُ جماعةٌ عن جماعةٍ يَسْتَحِيلُ أنْ يَتَوَاطَؤُوا على الكَذِبِ، وبعضُ الشُّرَّاحِ يَفْصِلُ هذا الشرْطَ إلى شَرْطَيْنِ، ومعنى استحالةِ تواطُئِهِم على الكذبِ يُعْرَفُ بالعقْلِ، مثلاً: لو اجتمعَ جماعةٌ كثيرةٌ تَجْمَعُهُم مصلحةٌ واحدةٌ في قضيةٍ من القضايا، ثم خَرَجُوا وَأَعْلَنُوا خَبَرًا بينَ الناسِ، فَمِثْلُ هذا لا يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُم على الكَذِبِ؛ لأنَّ مَشْرَبَهُم واحدٌ ، وَهَدَفَهُم واحدٌ ، وقد يكونُ لهم غَرَضٌ في نَشْرِ مثلِ هذا الخبرِ.

لَكِنْ لو صَلَّى جماعةٌ في مسجدٍ الجُمُعةَ، ثُمَّ خرَجوا، وكُلُّ شَخْصٍ يُخْبِرُ عن حادثةٍ وقَعَتْ في المسجدِ، واتفقَ المخبرونَ على هذه الحادثةِ، ففي العادةِ يَسْتَحِيلُ أنْ يَتَّفِقَ أهلُ المسجدِ على اختلاقِ خَبَرٍ؛ لأنَّهُم لا غَرَضَ لهم يَجْمَعُهُمْ مِن اختلاقِهِ، وهذا الشرطُ مُهِمٌّ جِدًّا، لأَنَّهُ قد يَقُولُ قائلٌ مثلاً: هناكَ مُؤْتَمَرَاتٌ تُعْقَدُ وَتُعْلَنُ نَتَائِجُهَا مِن قِبَلِ جميعِ الحاضرينَ، ولكنْ فِيمَا بعدُ يتَبَيَّنُ أنَّهَا كَذِبٌ، نقولُ: هُنَا العادةُ لا تُحِيلُ تواطؤَهُمْ على الكَذِبِ؛ لأنَّ لهم غَرَضًا قد يَتَّفِقُونَ فيه على الكَذِبِ في هذهِ القضيةِ بِعَيْنِهَا، لَكِنَّ أهلَ البلدِ أو جماعةَ المسجدِ الجامعِ مثلاً لاَ يُمْكِنُ أنْ يَتَّفِقُوا على أنْ يَخْتَلِقُوا قِصَّةً يَكْذِبُونَ فيها.

وهناكَ مثالٌ آخَرُ: هناكَ مُدُنٌ كثيرةٌ جِدًّا لم نَرَهَا، ولكنَّا كُلَّنَا نُصَدِّقُ بِوُجُودِهَا، لا شكَّ أنَّ هذا الخبرَ جاءَ إلينا مِن أُنَاسٍ عِدَّةٍ، وَكُلُّهُمْ لاَ غَرَضَ لَهُمْ مِن الاتِّفَاقِ على اسْمِ هذه المدينةِ الفُلاَنِيَّةِ وَوُجُودِهَا، إذًا فَمَسْأَلَةُ التَّوَاتُرِ ليستْ خاصةً بالأحاديثِ، وإنَّمَا في عُمُومِ الأخبارِ.

ثانيًا:أنْ تَكونَ هذه الجماعةُ في جميعِ طبقاتِ السنَدِ، ولا يعني هذا أنْ يُوجَدَ نفسُ العددِ مِن كُلِّ طبقَةٍ، وإنَّمَا المقصودُ تَوَاجُدُ هذا الشرطِ وهو استحالةُ تَوَاطُئِهِمْ على الكذبِ، وقد يقولُ قائِلٌ: أنتمْ تقولونَ: إنَّ المتواترَ يُفِيدُ العِلْمَ، والنَّصَارَى يقولونَ: تَوَاتَرَ عندَنا صَلْبُ المسيحِ، ونحنُ نعلمُ قَطْعًا أنَّ خَبَرَهُم هذا خَبَرٌ مَكْذُوب،ٌ فَكَيْفَ هذا؟

يقولُ العلماءُ:

نظرْنَا فإذَا شَرْطٌ مِن شروطِ التواترِ قد اخْتَلَّ، وهو أنَّ الذينَ أَبْلَغُوا في البدايةِ عن صَلْبِ المسيحِ لا يَسْتَحِيلُ في العادةِ تَوَاطُؤُهُمْ على الكَذِبِ، فاخْتَلَّ شرْطٌ من الشروطِ في إحدى طبقاتِ السنَدِ، وإنْ كان قدْ تَوَافَرَ في بعضِ الطبقاتِ.

ثالثًا:أنْ يكونَ مُسْتَنَدُ خَبَرِهِم الحِسَّ، ومعنى الحِسِّ أنْ يقولَ هؤلاءِ الجماعَةُ: رَأَيْنَا أو سَمِعْنَا، بمعنى أنْ لاَ يكونَ خبرُهُم النظرَ الْعَقْلِيَّ، إذ لا مَدْخَلَ للنظرِ العقليِّ في التواترِ.

مثالٌ مَشْهُورٌ: أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آلَى مِن نسائِهِ شَهْرًا وَاعْتَزَلَهُنَّ، فجاءَ عُمَرُ وعَلِمَ بالخبرِ، وكان الذي أَخَبَرَهُ قد قال له: إنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد طَلَّقَ نساءَهُ، فجاءَ عمرُ، وإذا الناسُ يَبْكُونَ حولَ المِنْبَرِ، واشْتَهَرَ في المدينةِ كلِّهَا أنَّ النبيَّ قدْ طَلَّقَ نساءَهُ، ولمْ يَقُلْ واحدٌ منهم سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَّقَهُنَّ.

إذًا فَمُسْتَنَدُ هذا الخبرِ النَّظَرُ العقلِيُّ، لأنَّهُمْ حَكَّمُوا القَرَائِنَ، فَرَأَوْهُ قَدْ اعْتَزَلَ وَتَرَكَ نِسَاءَهُ، وكان في السابقِ قدْ خَيَّرَهُنَّ، فتوقَّعَ عمرُ أنْ يَحْصُلَ الطلاَقُ منه، لأَنَّهُ عَلِمَ مِن نِسَائِهِ ومِن حَفْصَةَ بالذاتِ أنَّهُنَّ يُغْضِبْنَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَظَلُّ اليومَ الكاملَ وهو غَضْبَانٌ، المُهِمُّ أنَّهُم اسْتَدَلُّوا بالقرائِنِ على طلاقِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لِنِسَائِهِ، واشْتَهَرَ هذا الأمرُ في المدينةِ حتى يُظَنَّ لأوَّلِ وَهْلَةٍ أنَّ الأمرَ ثابِتٌ، وَتَبَيَّنَ فيما بعدُ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمْ يُطَلِّقْ نِسَاءَهُ، وأنَّ الذين يُخْبِرُونَ عن الطلاقِ لم يَكُنْ مُسْتَنَدُ خَبَرِهِم الحِسَّ.

رَابِعًا:أنْ يكونَ هذا الخبرُ إذن وَرَدَ على السامعِ مُفِيدًا للعلْمِ، بمعنى أَنَّهُ لاَ يَدَعُ في قلبِهِ مَجَالاً للشَّكِ في صِدْقِ هذا الخَبَرِ، لِكَثْرَةِ المُخْبِرِينَ، واختلافِ مَشَارِبِهِمْ، وَتَعَدُّدِ أَوْقَاتِ الإخْبَارِ ونحوَ ذلِكَ.

وبعضُ الشُّرَّاحِ يقولُ: إنَّ هذا الشرطَ الذي زَادَهُ ابنُ حَجَرٍ لا ضرورةَ لَهُ، لأَنَّهُ عبارةٌ عن نتيجةٍ للشروطِ الثلاثةِ السابقةِ؛ لأَنَّهُ إذا أَخْبَرَ جماعةٌ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الكَذِبِ عن مثلِهِمْ، وَأَسْنَدُوهُ إلى شَيْءٍ مَحْسُوسٍ؛ فالخبرُ الآنَ ضرورةً يُفِيدُ العِلْمَ للسامِعِ، وابنُ حَجَرٍ يقولُ: إنَّ هذا صحيحٌ ولكنْ أَحْيَانًا قد تَتَخَلَّفُ إفادةُ العلمِ لمانعٍ، مع وجودِ هذه الشروطِ.

وهذا الكلامُ في المتواترِ هلْ هو خاصٌّ بالسُّنَّةِ النبَوِيَّةِ أو في جميعِ الأخبارِ بهذه الشروطِ؟

إذا تَمَعَّنْتَ وَجَدْتَ أَنَّهُ ليس خاصًّا بالسُّنَّةِ، وإِنَّمَا هو عامٌّ في جميعِ الأخبارِ، وأنَّ مِنْهَا مَا يُفِيدُ التواترَ إذا تَوَافَرَتْ فيه هذه الشروطُ.

(2) قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا أَبْهَمْتُ شروطَ المتواترِ في الأصلِ) أيْ: أَبْهَمَهَا في

(النُّخْبَةِ) ؛ لأَنَّهُ على هذه الصورةِ بشروطِهِ التي مَرَّتْ ليس مِن مباحثِ عِلْمِ الإسنادِ، فشروطُ المتواترِ ثلاثةٌ أو أربعةٌ، وليس مِن بينِها الشروطُ التي اشْتَرَطَهَا علماءُ الحديثِ في قَبُولِ الروايَةِ، فلمْ يُذْكَرْ في هذه الشروطِ أنْ يكونَ الرُّوَاةُ عُدُولاً، ولا أنْ يكونوا ضَابِطِينَ، بل قَالَ بعضُهُم: ولا أنْ يكونوا مسلمينَ، لأنَّ الخبرَ المتواترَ يُفِيدُ العِلْمَ، وإنْ كان المُخْبِرُ به غيرَ مُسْلِمٍ.

فقالَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: لمْ أَذْكُرْهَا في (النُّخْبَةِ) لأَنَّهُ ليس مِن مباحثِ علمِ الإسنادِ، فَعِلْمُ الإسنادِ يَبْحَثُ في أحوالِ الرُّوَاةِ، وفي الاتصالِ والانقطاعِ وما إلى ذلك، والمتواتِرُ مقبولٌ كُلُّهُ فَلاَ حاجةَ إلى البحثِ في رجالِهِ وأسانيدِهِ.

وأمَّا ابنُ الصلاحِ فقالَ في (الُمَقَدِّمَةِ) : إنَّ المتواترَ لمْ يَذْكُرْهُ علماءُ الحديثِ، وإنَّمَا الذينَ ذَكَرُوهُ هم علماءُ الأصولِ والفِقْهِ، وإنَّ الذي نَقَلَهُ إلى كُتُبِ علومِ الحديثِ هو الخطيبُ البغدادِيُّ.

وقالَ أيضًا: إنَّ كلامَ الخطيبِ يُشْعِرُ بأَنَّهُ تابعَ فيه غيرَ أهلِ الحديثِ، بمعنى أَنَّهُ أَخَذَهُ مِن كلامِ الفقهاءِ والأصوليينَ، وَيُفَسِّرُ ابنُ الصلاحِ سَبَبَ عَدَمِ ذِكْرِ عُلَمَاءِ الحديثِ للمتواترِ في كُتُبِهِم بهذا المعنى الذي ذَكَرَهُ الأصوليونَ؛ لأَنَّهُ لا يُوجَدُ في السُّنَّةِ النبويَّةِ بهذا المعنى، أي: لا يوجدُ خبرٌ واحدٌ رَوَاهُ جماعةٌ عن جماعةٍ يستحيلُ تَوَاطُؤُهُم على الكَذِبِ، وَأَسْنَدُوهُ إلى شيءٍ محسوسٍ، فإذًا لا حاجةَ للمُحَدِّثِينَ إلى ذِكْرِهِ.

في حين أنَّ ابنَ حَجَرٍ يقولُ: إنَّ المتواترَ بشروطِهِ ليس مِن مباحثِ علمِ الإسنادِ، فلهذا لم يَذْكُرْ شروطَهُ في مَتْنِ (النُّخْبَةِ) فأيُّ التَّعْلِيلَيْنِ أَقْرَبُ إلى الواقِعِ.

لَوْ أَخَذْنَا بتعليلِ ابنِ حَجَرٍ لَجاءَ إِشْكَالٌ، وهو أَنَّهُ يُوجَدُ في السُّنَّةِ أحاديثُ متواترةٌ، لم يَبْحَثْهَا أَئِمَّةُ الحديثِ اعتمادًا على كونِهَا متواترةً، وهذا الإشكالُ طُبِّقَ فِعْلاً بعدَ ابنِ حَجَرٍ، ولذلكَ فَتَعْلِيلُ ابنِ الصلاحِ في عَدَمِ ذِكْرِ الخبرِ المتواترِ في كُتُبِ الحديثِ هو الأقرَبُ، فابنُ الصلاحِ يقولُ: لا يُوجَدُ المتواترُ في السُّنَّةِ، وسنَعْرِفُ الآنَ ماذا يُرِيدُ بالمتواترِ لَنَعْرِفَ أنَّ كلامَهُ صحيحٌ.


إذًا فَعِنْدَنَا رأيانِ:

- رأيُ ابنِ الصلاحِ أنَّ المتواترَ غيرُ موجودٍ في السُّنَّةِ إلاَّ أنْ يُدَّعَى في حَدِيثِ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا)).

-ورأْيُ ابنِ حَجَرٍ أنَّ المتواترَ مَوْجُودٌ بكثرَةٍ، والخلافُ يكادُ يكونُ لَفْظِيًّا، لأنَّ مرادَ ابنِ الصلاحِ بالمتواترِ هنا المتواترُ بالشروطِ المذكورَةِ، وأنْ يكونَ متواترًا بِلَفْظِهِ، فهذا النوعُ بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ يَعِزُّ وُجُودُهُ، وما ذَكَرَهُ ابنُ حَجَرٍ في (النُّزْهَةِ) مِن أنَّ دَعْوَى عِزَّةِ وُجُودِ المتواترِ نَشَأَتْ عن قِلَّةِ الاطلاعِ على كثرةِ الطرقِ وأحوالِ الرجالِ وَصِفَاتِهِمْ المُقْتَضِيَةِ لإِبْعَادِ العادةِ أنْ يَتَوَاطَؤُوا على كَذِبٍ أو يَحْصُلَ منهم اتِّفَاقًا، والأمثلةُ التي يَذْكُرُونَهَا موجودةٌ في السُّنَّةِ هي مِن نوعِ المتواترِ المَعْنَوِيِّ، أو مِن نوعِ التواترِ الخاصِّ، فأمَّا المُتَوَاتِرُ المعنويُّ فهو الذي يُسَمُّونَهُ: تواترَ القدرِ المُشْتَرَكِ، وهو أنْ تأتيَ أحاديثُ كثيرةٌ جِدًّا أَلْفَاظُهَا وَسِيَاقُهَا مختلفٌ، لَكِنَّهَا تَتَّفِقُ على إثباتِ شيءٍ واحدٍ.

مثالُ ذلكَ:حَجَّةُ الوَدَاعِ، فيها عَشَرَاتُ الأحاديثِ، بعضُهَا يَذْكُرُ الإهلالَ، وبعضُهَا يَذْكُرُ كيفَ رَمَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَمْرَةَ، وبعضُهَا يَذْكُرُ كذا وكذا، فكُلُّهَا تَتَّفِقُ على إثباتِ حَجَّةِ الوداعِ، ولَكِنَّ ألفاظَهَا مُخْتَلِفَةٌ، بل أحيانًا يكونُ بينَهَا تَعَارُضٌ، فيحتاجُ العلماءُ إلى الجَمْعِ بينَهَا، فهذا النوعُ هو الموجودُ في السُّنَّةِ بكثرَةٍ.

والمتواترُ المعنويُّ يحتاجُ إلى بحْثٍ في أسانيدِهِ،

لأنَّ كُلَّ حديثٍ مستقلٌّ بنفسِهِ، وحينئذٍ يَصِحُّ أنْ يُقالَ مَا قالَهُ ابنُ الصلاحِ: إنَّ المتواترَ بالشروطِ المذكورةِ ليس مِن مباحثِ علومِ الحديثِ، لأَنَّهُ لا يُوجَدُ في السُّنَّةِ النبويَّةِ إلا بالتواترِ المعنويِّ، والتواترُ المعنويُّ:هو تواترُ القدرِ المشترَكِ، وهو وُرُودُ أحاديثَ تَجْتَمِعُ على قضيَّةٍ واحدةٍ، ويختلفُ سياقُ كُلٍّ مِنْهَا وألفاظُهَا.

وأمَّا المتواترُ الخاصُّ فهو طريقةٌ لبعضِ العلماءِ في إثباتِ التواترِ في السُّنَّةِ، يقولُ بعضُ العلماءِ: نحنُ وإنْ قلْنَا: إنَّ التواترَ الذي ذَكَرَهُ أهلُ الأصولِ بهذه الشروطِ قليلٌ في السُّنَّةِ، لَكِنْ نَأْتِي مِن بابٍ آخَرَ، وَنَجْعَلُ المتواترَ في السُّنَّةِ-سواءً المعنويُّ أو اللفظيّ- كثيرًا جِدًّا، وهذه طريقةُ ابنِ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وكلامُ ابنِ حَجَرٍ في إثباتِ التواترِ الذي رَدَّ بهِ على ابنِ الصلاحِ يُمْكِنُ إرجاعُهُ إليها، وإنْ كان قدْ قَرَّرَ المتواترَ على أَنَّهُ المتواترُ العامُّ الذي يُفِيدُ العلمَ الضرورِيَّ، وهذه الطريقةُ خلاصَتُهَا ما يُسَمُّونَهُ (التواترَ الخاصَّ)، وهو: أن يَأْتِيَ المُحَدِّثُ إلى الحديثِ، فإذا الحديثُ قد رَوَاهُ مثلاً أَنَسٌ، وأبو هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةُ، هؤلاءِ ثلاثَةٌ ، ولا يَسْتَحِيلُ في العادةِ أنْ يَتَوَاطَأَ الثلاثةُ على الكَذِبِ أو يَقَعَ مِنْهُم اتفاقًا، لكنْ إذا قرأْتَ تراجمَ هؤلاء الثلاثةِ وَعَرَفْتَ سِيَرَهُم، فستقولُ: إنَّهُ يستحيلُ تَوَاطُؤُهُمْ على الكَذِبِ، ثم روَى عن عائشةَ هذا الحديثَ مثلاً: عُرْوَةُ وعَمْرَةُ والقاسِمُ بنُ محمدِ بنِ أبي بَكْرٍ، فهؤلاءِ ثلاثةٌ ، ولا يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ على الكَذِبِ، لكنْ أيضًا إذا قَرَأْتَ تَرَاجِمَهُمْ وَعَرَفْتَ حِفْظَهُمْ وضَبْطَهُمْ، فستقولُ: إنَّهُ يَسْتَحِيلُ تَوَاطُؤُهُمْ على الكَذِبِ، وهكذا تَفْعَلُ بحديثِ أنسٍ وأبي هُرَيْرَةَ.

إذًا أنتَ كَمُحَدِّثٍ تَوَصَّلْتَ إلى القطعِ بنسبةِ هذا الحديثِ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإذا وَصَلْتَ إلى درجةِ القطعِ واليقينِ فهذا هو التواتُرُ، لكنَّ هذا التواترَ هو لِلْمُحَدِّثِينَ، وَيُسَمُّونَهُ التواترَ الخاصِّ، وهذا هو الذي يَنْبَغِي أنْ يُرَكَّزَ عليهِ في السُّنَّةِ النبويَّةِ، وهو الموجودُ بكثرَةٍ، حتى إنَّ بعضَ العلماءِ يَقْطَعُ ولو كانَ الإسنادُ واحدًا، فأبو حاتمٍ مثلاً يقولُ: مالكٌ عن نافعٍ، عن ابنِ عُمَرَ: إنَّمَا هو (تَرْفَعُ السِّتْرَ، فَتَنْظُرُ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) والإسنادُ واحِدٌ ، وعَرَفَ هذا مِن دراسةِ تراجمِ هؤلاءِ الرُّوَاةِ.

وهذا النوعُ مِن التواترِ موجودٌ بكثرةٍ في المتواترِ اللفظيِّ، وليس المعنويَّ فقطْ مثلُ: ((وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِن النَّارِ))فهذا مُتواترٌ بلفظِهِ مِن النوعِ الخاصِّ، وحديثُ ((مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا))، ولا يَصِحُّ أنْ يُقَالَ: لا يُبْحَثُ في رجالِهِ؛ لأنَّنَا ما عَلِمْنَا أَنَّهُ مُتَوَاتِرٌ إلاَّ بعدَ البحْثِ والنَظَرِ في أسانيدِهِ وَرُوَاتِهِ.

وَأُحِبُّ أنْ أُنَبِّهَ إلى شَيْئَيْنِ:

أولاً: حديثُ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا))قال عنه مُحَقِّقُ (النُّخْبَةِ)عليٌّ حسنٌ عليٌّ عبدُ الحميدِ: إِنَّهُ رُوِي عَن مِائَةٍ مِن الصحابَةِ، ويَذْكُرُ النَّوَوِيُّ في مقدمةِ شَرْحِهِ (لصحيحِ مُسْلِمٍ) أَنَّهُ رُوِيَ عنْ مِئَتَيْنِ مِن الصحابَةِ، هذا المثالُ أولَ مَا نَبْدَأُ بِهِ، فكلمةُ مِائَتَيْنِ اعْتَذَرَ بعضُهُمْ عن النَّوَوِيِّ أنَّهَا تَصْحِيفٌ، فَلَعَلَّهَا تَصَحَّفَتْ مِن مِائَةٍ، وَبَعْضُهُمْ يقولُ: لَعَلَّهَا تَصَحَّفَتْ مِن ثَمَانِينَ، وهذا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لا يَصِحُّ عن مِئَتَيْنِ، ولا عن مِائَةٍ، وَلاَ عن ثَمَانِينَ ، ويقولُ العراقيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى: إِنَّمَا يَصِحُّ مِن نحوِ عِشْرِينَ، معَ أنَّ ابنَ الْجَوْزِيِّ ذَكَرَهُ مِن حديثِ سِتِّينَ، والطَّبَرَانِيَّ جَمَعَهُ في جُزْءٍ، فَمِن أَيْنَ جَمَعُوا كُلَّ هذه الأحاديثِ؟

نقولُ: همُ دَخَلَ عليهم أحدُ شَيْئَيْنِ:

كَثِيرٌ مِن هذه الأحاديثِ هي بِمُطْلَقِ الكَذِبِ، مثلَ حديثِ: ((إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ)). وهذا ليس بِلَفْظِ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا)).

أحاديثُ جماعةٍ مِن الصحابةِ بلفظ:ِ ((مَنْ كَذِبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا))لا تَصِحُّ عنهم، لَكِنَّ العلماءَ في مجالِ الجمْعِ يَتَسَامَحُونَ، فإذا جاءَ النَّقْدُ مَيَّزُوا ما يَصِحُّ مِمَّا لا يَصِحُّ.

الثاني:كلامُ ابنِ حَجَرٍ الذي ذَكَرَهُ، وهو أنَّ المتواترَ لا يُبْحَثَ فيه عن رُوَاتِهِ، وَلاَ عن عَدَالَتِهِمْ وَضَبْطِهِمْ، هذا الكلامُ فيه شيءٌ مِن الخطورةِ، والسببُ في هذا أنَّ جماعةً قَلَّدُوا الحافظَ بنَ حَجَرٍ-ومنهم تلميذُهُ السيُوطِيُّ- فَصَارُوا يَأْتُونَ إلى أحاديثَ ويَنْظُرون إلى كثرةِ طُرُقِهَا، وَيَحْكُمُونَ عليها بالتواتُرِ بِنَاءً على أَنَّهُ لا يَنْبَغِي النَّظَرُ في طُرُقِهَا وَأَسَانِيدِهَا، فنجِدُ أنَّ السِّيُوطِيَّ حَشَا في كتابِهِ (الأزهارُ المُتَناثِرَةُ في الأخبارِ المُتواترةِ) أحاديثَ كثيرةً لا تَصِحُّ عندَ العلماءِ، فَضْلاً عن أن تكونَ مُتَوَاتِرَةً، بل إنَّ السِّيُوطِيَّ ادَّعَى التواترَ أو كادَ في حديثٍ مَوْضُوعٍ، وهو وإنْ كانَ لم يَذْكُرْهُ في هذا الكتابِ، لَكِنَّهُ ادَّعَى فيه التواترَ في مكانٍ آخَرَ، بِنَاءً على كثرةِ مَن رَوَاهُ، وهو حديثُ ((رَدِّ الشَّمْسِ لِعَلِيٍّ))، وهذا حديثٌ معروفٌ أَنَّهُ مَكْذُوبٌ، ولكنَّ السِّيُوطِيَّ مع ذلك يَكَادُ يقولُ في (اللآلِئ): إِنَّهُ بَلَغَ مَبْلَغَ التواترِ.الخلاصةُ:

أنَّ مَبْحَثَ المتواترِ مُتَشَعِّبٌ، وَالأَلْصَقُ به هو عِلْمُ الأُصُولِ؛ لأَنَّ المُحَدِّثَ لا يَسْتَفِيدُ في فَنِّهِ شَيْئًا مِن هذا، لأَنَّهُ مُضْطَرٌّ للبحثِ في كُلِّ إسنادٍ حتى ولو كان متواترًا، فلو ثَبَتَ التواترُ فهو مُضْطَرٌّ للبحثِ في كُلِّ إسنادٍ مِن أسانيدِ الحديثِ التي تَرِدُ، لأنَّ للمحدثينَ أَغْرَاضًا كثيرةً في البحثِ في الأسانيدِ، وإنْ كانَ الأصلُ أو المَتْنُ صحيحًا.

مثالُ ذلك: حديثُ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا)) ، يقولونَ: هذا هو الحديثُ الوحيدُ الذي اجْتَمَعَ على رِوَايَتِهِ العَشَرَةُ الْمُبَشَّرُونَ بالجَنَّةِ، تَصِحُّ هذه الكلمةُ إذا صَحَّت الطرقُ إلى جميعِ هؤلاءِ العَشَرَةِ ، لكنْ لوْ قُلْنَا: إنَّ المتواترَ لا يُبْحَثُ في رُوَاتِهِ؛ فمعنى هذا الكلامِ أنَّنَا نَأْخُذُ هذه الكلمةَ على إِطْلاَقِهَا.

فَوَائِدُ مُتَفَرِّقَةٌ مِن إجاباتِ الأَسْئِلَةِ:

ابنُ حَجَرٍ يقولُ: (إنَّهُ أَبْهَمَ شروطَ المتواترِ؛ لأَنَّهُ بهذا المعنى ليسَ مِن مباحثِ عِلْمِ الإسنادِ، لأنَّ المتواترَ مقبولٌ كُلُّهُ)، وهو مِن العلمِ ومِن الفضلِ ومِن الإدراكِ بحيثُ لا يَخْفَى عليه أنَّ كُلَّ ما ادُّعِيَ فيه أَنَّهُ متواترٌ قد بُحِثَ، وأَنَّهُ لا يَثْبُتُ التواترُ بمجردِ كثرةِ الأسانيدِ، فيُسْتَغْنَى بها عن البحثِ، ولا نَنْسِبُ إلى ابنِ حَجَرٍ أَنَّهُ يقولُ هذا، ولكنَّ كَلِمَتَهُ هذه أَوْهَمَتْ.

ابنُ حَجَرٍ يقولُ:(المتواترُ في أصلِهِ لا يُبْحَثُ) ، لكنْ عندما جاءَ يُقَرِّرُ المتواترَ في السُّنَّةِ، قَرَّرَ المتواترَ الذي يحتاجُ إلى بَحْثٍ.

ابنُ الصلاحِ قَالَ: (إنَّ المتواترَ لا يُوجَدُ في كلامِ أهلِ الحديثِ) مع أنَّ البُخَارِيَّ مثلاً رُبَّمَا قالَ: (تواترَ الحديثُ الفُلاَنِيُّ) ، وكذا الطَّحَاوِيُّ، والحاكِمُ، وابنُ عبدِ البَرِّ، فَأَجَابَ العراقيُّ عن ذلك بقولِهِ: (إنَّ استعمالَ المتواترِ هنا بِأَلْفَاظِهِم المرادُ بِهِ: التَّتَابُعُ، أي كثرةُ وُرُودِ الأحاديثِ بهذا المعنى، وليس المرادُ الاصطلاحَ الذي ذَكَرَهُ أهلُ الأصولِ، واشترطوا فيه الشروطَ المعروفةَ).

العلمُ اليقينيُّ مقسومٌ إلى قِسْمَيْنِ:

-ضَرُورِيٍّ.

-وَنَظَرِيٍّ.

وَيُقَابِلُ العلمَ اليقينِيِّ الظَّنِّيُّ، فالعلمُ اليقينيُّ أنْ تَتَيَقَّنَ هذا الشيءَ، وَتَقْطَعَ به، لكنْ تارةً يكونُ ضروريًّا لا تستطيعُ دَفْعَهُ، ولا تَبْحَثُ عن شروطِ الناقلِ، وما إلى ذلك، وتارةً يكونَ مُكْتَسَبًا بِنَظَرِكَ أَنْتَ، وَتَوَصَّلْتَ إلى اليقينِ عن طريقِ النظرِ والاستدلالِ، وهو الذي نُسَمِّيهِ التواترَ الخاصَّ).

هيئة الإشراف

#3

26 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (أقسامُ الْخَبَرِ:

فإذا كان له طُرُقٌ غيرُ مَحصورةٍ بعدَدٍ فهو الْمُتَوَاتِرُ.

أ- الْمُتَـوَاتِـرُ:

1-تعريفُه: ما رَوَاهُ جَمْعٌ كثيرٌ في كُلِّ طَبَقَةٍ مِن طَبَقَاتِ السَّنَدِ، بحيثُ تُحِيلُ العادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ على الكَذِبَ، وأَسْنَدُوهُ إلى شيءٍ محسوسٍ، وأفادَ العلْمَ اليَقِينِيَّ.

فيَتَلَخَّصُ لنا مِن خِلالِ التعريفِ

شُروطُ الْمُتَوَاتِرِ، وهي:

1-أنْ يَرْوِيَهُ جَمْعٌ كثيرٌ.

2-أنْ تَكونَ هذه الكَثرةُ في جَمِيعِ طَبَقَاتِ السَّنَدِ، فلو اخْتَلَّتْ في طَبَقَةٍ مِن الطَّبَقاتِ فلا يَتحقَّقُ في هذا الْخَبَرِ وَصْفُ التَّوَاتُرِ.

3-أنْ تُحِيلَ العادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ على الكَذِبِ.

وهو مُرْتَبِطٌ بالشَّرْطِ الخامسِ، وهو إفادتُه للعِلْمِ، فلو أنَّ هناك عَشرةً مِن الناسِ أَخْبَرُوني بخَبَرٍ مِن الأخبارِ؛ فرُبَّمَا تَحَصَّلَ لي مِن خَبَرِ هؤلاءِ العَشرةِ في قَرارةِ نَفْسِي علْمٌ جَازِمٌ، لا يُمْكِنُ أنْ يَتَطَرَّقَ إليَّ الشكُّ في أنَّ هؤلاءِ العَشرةَ قد صَدَقُوا في ذلك الْخَبَرِ، وأنهم لم يَخْتَلِقُوا هذا الخبرَ، ولم يَتَّفِقُوا على وَضْعِه وكَذِبِهِ.

وهناكَ قَرائنُ دَلَّتْ على هذا العِلْمَِ:

منها:تَنَوُّعُ بُلْدَانِ وأماكنِ هؤلاءِ العَشرةِ.

ومنها:أنَّ كلَّ واحدٍ منهم لا يَعْرِفُ الآخَرَُ.

ومنها:أنَّ كلَّ واحدٍ منهم موصوفٌ بالصدْقِ،

إلى غيرِ ذلك مِن القرائنِ التي اجْتَمَعَتْ؛ فأَفَادَتْنِي هذا العلْمَ.

ولو عَرَفْتُ أنَّ هؤلاءِ العشرةَ قَامُوا مِن مَجْلِسٍ واحدٍ، ثم جاءونِي، وأَخْبَرَنِي كلٌّ منهم بالخبَرِ لَمَا حَصَلَ لي مِن العلْمِ ما حَصَلَ لِي مِن عِلْمِ أولئكَ العشرةِ الذينَ ذُكِروا آنِفاً؛ وذلك لاحتمالِ أنْ يَكُونُوا جَميعُهُم سَمِعُوهُ مِن شَخْصٍ واحدٍ؛ فيُصْبِحُ هذا الْخَبَرُ في أَصْلِه خَبَراً وَاحداً.

أو يكونَ هؤلاءِ العشرةُ اتَّفَقُوا على اختلاقِ هذا الخبَرِ ووَضَعُوهُ؛ فما دامَ أنَّ هذا الاحتمالَ قد يَرِدُ فلا يُفِيدُنِي هذا الخبرُ العِلْمَ؛ ولذلك لا يُسَمَّى هذا الخبَرُ مُتَوَاتِراً.

4-أنْ يكونَ مُسْتَنِداً إلى شيءٍ مَحسوسٍ،وهذا شَرْطٌ إضافِيٌّ لتَمييزِ الخبَرِ الذي يكونُ مَسموعاً، أو مُشَاهَداً، عن خبرٍ يُمْكِنُ أن يكونَ مِن جَرَّاءِ الاستنباطِ العقليِّ، كأنْ يقولَ الرَّاوِي: سَمِعْتُ فُلاناً قالَ كذا، مِثْلَما يقولُ الصحابيُّ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قالَ كذا وكذا، أو رأيتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفعَلُ كذا وكذا.

فهذا يُسَمَّى الإسنادَ إلى شيءٍ مَحْسُوسٍ؛إمَّا إلى حاسَّةِ السَّمْعِ، أو إلى حاسَّةِ البَصَرِ، أو إلى حاسَّةِ اللَّمْسِ، أو غيرِ ذلك مِن الحواسِّ التي يُمْكِنُ أنْ يُخْبَرَ بواسِطَتِها.

5-إفادتُه للعِلْمِ. ويُؤْخَذُ على تَعريفِ التواتُرِ:

قولُهم في التعريفِ: (تُحِيلُ العادةُ إلى تَوَاطُئِهِمْ على الكَذِبِ): لا يَلِيقُ هذا الكلامُ بصَحابةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ؛ لأنهم لا يُمْكِنُ أن يَتَوَاطَئُوا على الكَذِبِ.

فإمَّا أنْ يُرادَ بهذه اللَّفْظَةِ: (تُحِيلُ العَادَةُ تَوَاطُؤَهُمْ على الكَذِبِ)، جميعَُ طَبقاتِ السَّنَدِ، وطَبقةُ الصحابةِ هي إحدى طبقاتِ السنَدِ؛ فهذه اللَّفْظَةُ مُسْتَبْشَعَةٌ، ويَنْبَغِي أن تُبْعَدَ.

وإمَّا أن يُقالَ: ما عَدَا طَبقَةَُالصحابَةِ، فتُسْتَثْنَى مِن هذا التَّعْرِيفِ.

استدراكٌ تابِعٌ لشُروطِ التَّوَاتُرِ:

1-أنْ يَرْوِيَهُ جَمْعٌ كَثيرٌ.

مَسْأَلةٌ:هل لهذا الجمْعِ حَصْرٌ بعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، أو ليس له حَصْرٌ؟

أشارَ الحافِظُ في شَرْحِ (النُّخْبَةِ) إلى أنَّ هذه المسألةَ اخْتُلِفَ فيها:

فمنهم مَن شَرَطَ عددَ: الأربعةِ.

ومنهم مَن قالَ: خمسةٌ.

ومنهم مَن قالَ: اثنا عَشَرَ.

ومنهم مَن قالَ: عِشرونَ.

ومِنهم مَن قالَ: أَربعونَ.

ومنهم مَن قالَ: سَبعونَ.

أدِلَّةُ بعضِ هذه الأقوالِ:

1-مَن قالَ: إنه يُشْتَرَطُ أن يَكونوا اثْنَيْ عَشَرَ:

قالوا: إنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ ذَكَرَ أنَّ الأسباطَ الذين اختارَهم

مُوسَى اثْنَا عَشَرَ، {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً}.

2-مَن قالَ: إنه يُشْتَرَطُ أنْ يَكونوا أَربعينَ:

قالوا: إنَّ عَددَ الأربعينَ هو الذين لا تَقومُ الْجُمُعَةُ إلاَّ بهم.

3-مَن قالَ: إنه يُشْتَرَطُ أنْ يَكونوا سَبعينَ:

استَدَلُّوا بقولِه تعالى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا}.

4-مَن قالَ: إنه يُشْتَرَطُ أن يَكونوا ثَلاثَمائةٍ.

استَدَلُّوا بأنَّ أهلَ بَدْرٍكانوا ثلاثَمِائةٍ. ومِن خِلالِ هذه الاستدلالاتِ يَظْهَرُ لنا ضَعْفُ اشتراطِ العددِ، وهناك مَن اختارَ أنهم عَشرةٌ كالسُّيُوطِيِّ في (تدريبُ الراوِي).

ومِنهم مَن رَجَّحَ عَدَمَ اشتراطِ العددِ،كالحافظِ ابنِ حَجَرٍ.

مسألةٌ:هل يُشْتَرَطُ في الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ أنْ نَنْظُرَ في رجالِ سَنَدِه، أو لا يُشْتَرَطُ؟

مُعْظَمُ الذين تَكَلَّموا في هذه المسألةِ قالوا: لا يُبْحَثُ في رجالِ الأسانيدِ، ولعلَّهُمْ يَقْصِدُونَ أنه لا يُبْحَثُ في ضَبْطِهم، وأمَّا عدالتُهم فلا بُدَّ مِن البَحْثِ فيها، وهذا إنما هو في الكلامِ على حديثِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، والآثارِ الواردةِ عن الصحابةِ، والتابعينَ.

والصحيحُ أنه لا بُدَّ مِن مَعرفةِ عدالةِ الرُّواةِ الذين يَرْوُونَ تلك الطرُقَ، وأمَّا الضبْطُ فيُمْكِنُ أنْ يُتَسَامَحَ فيه؛ لأنه إذا جاءَنا الْحَدِيثُ مِن طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ؛ فكلُّ واحدةٍ مِن هذه الطرُقِ تُؤَيِّدُ الأُخْرَى وتُعَاضِدُها؛ فيَتَقَوَّى الْحَدِيثُ بمجموعِ هذه الطرُقِ؛ فإذا كَثُرَتْ كثرةً ظاهرةً فَبِلاَ شَكٍّ أنَّ الْحَدِيثَ يُفِيدُ العلْمَ في هذه الحالِ.

اقسام المتواتر

1- مُتَوَاتِرٌ لَفْظِيٌّ:

وهو ما تَوَاتَرَ لفْظُه ومعناهُ.

وليس معنى قولِهم: ما تَوَاتَرَ لفْظُه ومَعناهُ، أن يكونَ اللفظُ مَنقولاً حَرْفاً بحَرْفٍ كما يُنْقَلُ إلينا كِتابُ اللهِ، وإنما المقصودُ الإتيانُ بألفاظٍ مُتَقَارِبَةٍ تُؤَدِّي إلى نفْسِ ذلك المعنى، وتُشْعِرُ بأنَّ الْحَدِيثَ هو نَفْسُ الْحَدِيثِ.

ومِثالُ ذلك: حديثُ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ))، فالْحَدِيثُ وَرَدَ بهذا اللفظِ، ووَرَدَ بألفاظٍ أُخْرَى مِثْلِ:((مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)).

2- مُتَوَاتِرٌ مَعْنَوِيٌّ:

مِثلُ أحاديثِ: رَفْعِ اليدينِ في الدعاءِ، كرَفْعِهِ ليَدَيْهِ في غَزوةِ بَدْرٍ للدعاءِ على المشرِكينَ، ورَفْعِه لِيديهِ لطَلَبِ الاستسقاءِ... إلخ.

بعضُ العُلماءِ قالَ: يُشْتَرَطُ أنْ يكونَ التواتُرُ عن كلِّ راوٍ مِن الرُّواةِ؛ فمَثَلاً الْحَدِيثُ رَواهُ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَشرةٌ مِن الصحابةِ؛ فلا بُدَّ أن يكونَ كلُّ واحدٍ من الصحابةِ قد تَوَاتَرَ عنه هذا الْحَدِيثُ.

وهذا القولُ مَردودٌ،ويَبْقَى الأصلُ، وهو الالتفاتُ إلى كلِّ طَريقٍ مِن هذه الطُّرُقِ.

مسألةٌ:قالَ بعضُ أهلِ العِلْمِ: إنه بالنظَرِ إلى هذه الشُّروطِ لا يُوجَدُ حديثٌ مُتواتِرٌ إطلاقاً؟

رَدَّ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ وقالَ: (إنَّ وُجودَ الْحَدِيثِ الْمُتَوَاتِرِ كثيرٌ).

ومِن أَمْثِلَةِ ذلك:((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهَ مِنَ النَّارِ))؛ فهذا الْحَدِيثُ رُوِيَ عن جُملةٍ مِن الصحابةِ، مِن جُملتِهم العشرةُ الْمُبَشَّرُونَ بالجنَّةِ، وأَوْصَلَها بعضُهم كابنِ الْجَوزِيِّ في كتابِ (الْمَوضوعاتُ) إلى ثَمانٍ وتِسعينَ طريقاً.

وبعضُهم زَادَها حتى أَوْصَلَها إلى مِائتينِ، لكن ليس كلُّ طَريقٍ مِن هذه الطُّرُقِ تُعْتَبَرُ صَحيحةً، بل الذي جاءَ في عِدادِ الْمَقْبُولِ مِن الصحيحِ والحسَنِ حَوَالَيْ ثلاثٍ وثلاثينَ طَريقاً، والبَقِيَّةُ فيها أحاديثُ ضَعيفةٌ، وفيها أحاديثُ ساقطةٌ.

وليس هذا الْحَدِيثُ فقط، بل هناك عِدَّةُ أحاديثَ يُمْكِنُ أنْ يُطْلَقَ عليها وَصْفُ التَّوَاتُرِ.

مِثلُ: أحاديثِ الْحَوْضِ، والشَّفَاعَةِ، ورَفْعِ اليدينِ في الصلاةِ، وأَوْصَلَها بعضُهم إلى مِائةِ حديثٍ.

وبعضُهم زادَها إلى حَوَالَيْ ثلاثِمائةٍ.

لكنْ قد يُنَازَعُ في هذه الأحاديثِ على كَثْرَتِها).

هيئة الإشراف

#4

26 Oct 2008

شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)

القارئ: ( (فالأول، المتواتر: المفيد للعلم اليقيني بشروطه).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: ( (الأول المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه)

الحديث المتواتر يشترطون فيه: - أن يروى من طرق بلا حصر.

- وأن يكون هؤلاء الرواة يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب.

- وأن يسندوه إلى شيء محسوس.

يشترطون هذه الشروط، فلو كان عندنا مثلاً عشرة في قرية، لكن لا نعرف أحوالهم، ليسوا ثقات، لا نعلم هل هم ثقات أو ضعفاء؟

فهؤلاء احتمال أنهم يتواطؤون ويجتمعون؛ فيكذبون.

لكن لو وجدنا هذا الحديث يروى بإسناد مجهول في البصرة.وإسناد مجهول في اليمن.

وإسناد آخر في مكة.

وإسناد آخر في الشام.

وإسناد آخر في مصر.

وإسناد آخر في اليمامة.

وإسناد آخر في خراسان.

وإسناد آخر في الموصل.

وإسناد آخر في بغداد، قالوا: هؤلاء ولو لم نعرف رجال هؤلاء الأسانيد؛ لأن العادة يستحيل أن يتواطؤوا على كذب وأن يتفقوا على شيء؛ فيستحيل هذا.

إذاً: إذا تعددت من جميع الطرق، واستحال أن يتواطؤوا على الكذب، وأسندوه إلى شيء محسوس، يعني: إما يقول الراوي: رأيت، أو سمعت، أو حدثنا، أو نحو ذلك، قالوا: هذه أشياء، لكن لو لم يسنده إلى شيء محسوس؟

فهذا عندهم لا يقبل.

إذا اجتمعت هذه الشروط يقولون: يفيد العلم اليقيني.

إذا أفاد العلم اليقيني فمعناه قبل ذلك أنه صحيح.

إذاً صار المتواتر حديثاً لا ينظر فيه، هل هو صحيح أو لا؟

لمجرد وجوده بهذه الشروط الثلاثة يكون صحيحا، إذا حكمنا عليه بأنه متواتر؛ فإن ذلك يتضمن الحكم بصحته؛ لأننا نعطيه أعلى مراتب العلم، وهو العلم اليقيني، العلم اليقيني في باب العلم،- عندهم العلم- عندنا جهل: وهو قسمان:

وعندنا شك، وهو:

ما تساوى فيه الطرفان.

وعندنا ظن، وهو:

ما غلب فيه أحد الطرفين مع احتمال الشيء الآخر.

ثم يأتينا العلم النظري، أو العلم.

والعلم قسمان:

علم نظري، وعلم يقيني قطعي.

العلم القطعي:

هو العلم الذي يقع في القلب ولا يحتاج إلى دليل.

فهم يقولون: إذا قلنا: النار محرقة؛ هذه ما يحتاج لها دليل، هذا يعلم الإنسان قطعا لا يستطيع أن يدفع ذلك، ولا أن يشك فيه.

العلم النظري، يقولون: يفترق عن العلم القطعي في أن العلم النظري: هو علم مبني على المقدمات، هذه المقدمات تنتج العلم النظري؛ ففي العلم النظري طريقة التوصل تكون بمقدمات، والنتيجة تكون قطعية، إذا جاء عندنا مثلا: (10 + 2) × 5) هذه لها مقدمات، تجمع الـ(2) مع الـ (10)، فتكون (12)، ثم تضربها في (5)، فتكون (60) النتيجة قطعنا بها (قطعية).

لكن لما قيل لنا في الأول ما نستطيع أن نجزم أنها (60) ؛ احتجنا إلى مقدمات، هذه المقدمات هي التي جعلت هناك فرقا بين العلم اليقيني، والعلم النظري.

هذا الكلام كله لا تجدونه على الواقع في علم الحديث، الأئمة أحمد وغيره يأتون بأحاديث كثيرة لها طرق كثيرة، ويقولون: لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويبطلونها، ولا يعملون بها؛ فالحديث المتواتر بهذه الشروط المذكورة هذا لم يقل به أحد من أهل الحديث.

بل هذا من كلام المتكلمين؛ لأن أهل الحديث يشترطون في راوي الحديث:

أن يكون ثقة، ولو روى الحديث آلاف ولم يكن فيهم ثقة، بل كلهم مجاهيل؛ فالحديث ضعيف، أو حسن لغيره؛ فضلا عن أن يكون متواترا.

بل إن عندهم أحياناً إذا كثرت طرق الحديث زاد ضعفه؛ فهذا ليس له وجود في علم الحديث، إنما هذا من استحداث المناطقة وأهل الكلام.

إذاً فنقول: الحديث لا يكون متواتر عند أهل الحديث إلا بعد أن يصح، فإذا لم يصح فليس بمتواتر، ولهذا لن يجد أحد مثالاً في المتواتر قبله أهل الحديث بهذه الشروط أبدا.

يبقى بعد ذلك:

إفادة هذا الحديث العلم اليقيني، هم يقولون: المتواتر يفيد العلم اليقيني، يعني العلم القطعي وهذا صحيح؛ فالحديث إذا كان صحيحا، وكثرت طرقه يفيد العلم القطعي، يعني: يقطع الإنسان أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؛ لأن احتمال الخطأ غير وارد هنا، فلهذا إذا جاءنا حديث رواه عن النبي عليه الصلاة والسلام عشرون صحابيا، وتعددت طرق هذا الحديث وكثرت مخارجه، وسلم من العلل، وصح؛ فإننا نجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

وهذا شيء يقع في القلوب، لكن لا يقع إلا بعد النظر في المقدمات؛ لأنه لا يمكن أن نحكم على حديث، ونقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله؛ إلا بعد النظر في مقدماته:

- ننظر في رجاله.

-ننظر في استيفائه للشروط المعتبرة لقبوله عند أهل الحديث.

إذا وجدناه مستوفي الشروط المعتبرة، وكثرت طرقه، جزمنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

إذاً فجزمنا وقطعنا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله إنما قطعنا به بناء على مقدمات، أما قبل حصول هذه المقدمات؛ فإنه لا يمكن الجزم بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

26 Oct 2008

العناصر

أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا:
القسم الأول(المتواتر)
تعريف (المتواتر): هو ما له طرق بلا عدد معيَّن
ابتدأ ابن حجر بالكلام على الحديث المتواتر خلافاً لابن الصلاح
مبحث المتواتر ليس من علم المصطلح وإنما من علم الأصول
المحدثون القدامى ليس لهم كلام عن المتواتر إطلاقاً
سبب عدم ذكر علماء الحديث المتواتر بهذا المعنى في كتبهم
كثرة مباحث المتواتر مع قلة ثمرتها
تقسيم الحديث إلى متواتر وآحاد لم يكن معروفاً عند علماء الحديث

أول من عرف أنه تكلم عن الحديث المتواتر الخطيب البغدادي

إذا صح الحديث وجب العمل به وإن لم يكن متواتراً

رد الحافظ ابن حجر على من ادعى استحالة وجود الحديث المتواتر

شروط المتواتر:
الشرط الأول: أن يرويه جمع كثير
شرح الشرط الأول
ذكر الخلاف في عدد الجمع
الصواب عدم اشتراط عدد معين
لا يشترط في الحديث المتواتر أن يتواتر عن كل راوٍ فيه

الشرط الثاني: أن يكون هذا الجمع في كل طبقة من طبقات الإسناد
شرح الشرط الثاني
الشرط الثالث: أن تحيل العادة تواطئهم على الكذب
شرح الشرط الثالث

استحالة تواطئهم على الكذب تعرف بالعقل
ما يؤخذ على الشرط الثالث
الصحابة لا يتصور تواطؤهم على الكذب

الشرط الرابع: أن يكون مستنده الحس

شرح الشرط الرابع
مثال على خبر متواتر غير صحيح لانتفاء هذا الشرط

الشرط الخامس: إفادته للعلم

شرح الشرط الخامس
إذا تخلف هذا الشرط فهو مشهور فقط

كل متواتر مشهور من غير عكس

هذه الشروط ليست خاصة بالأحاديث النبوية
سبب إبهام ابن حجر لشروط المتواتر
الكتب المصنفة في الحديث المتواتر
نقد كتاب (الأزهار المتناثرة)
مسألة: البحث في رجال الحديث المتواتر
لا يبحث عن ضبطهم أما عدالتهم فلا بد من التحقق منها
بعض الأصوليين يرى أنه لا يبحث حتى عن عدالتهم
تأثر الأصوليين بالمباحث الكلامية
قصة صلب المسيح عليه السلام لا يمكن أن نعتبرها متواترة
مسألة سرقة الحديث

معنى سرقة الحديث

مثال على حديث مسروق

أهمية معرفة عدالة الرواة

أقسام الحديث المتواتر:
القسم الأول: المتواتر اللفظي
المراد بالمتواتر اللفظي
مثال على المتواتر اللفظي

القسم الثاني: المتواتر المعنوي

أمثلة على المتواتر المعنوي
الفرق بين المتواتر اللفظي والمعنوي
الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني بشروطه:
معنى العلم اليقيني
أقسام العلم اليقيني:
القسم الأول: علم ضروري
معنى العلم الضروري

القسم الثاني: علم نظري

معنى العلم النظري

رد الحافظ على من قال: بأن المتواتر يفيد العلم النظري

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

26 Oct 2008

الأسئلة

س1: عدد أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا.
س2: عرف (المتواتر) لغة واصطلاحاً.
س3: هل التواتر شرط لصحة الحديث؟
س4: عدد شروط المتواتر.
س5: اذكر بعض الكتب المصنفة في الأحاديث المتواترة.
س6: ما سبب إبهام ابن حجر لشروط المتواتر؟
س7: اذكر الخلاف بين المحدثين والأصوليين في مسألة البحث في رجال الحديث المتواتر.
س8: بين مع التمثيل معنى سرقة الحديث.
س9: اذكر مع التمثيل أقسام الحديث المتواتر.
س10: بين بالتفصيل هل يفيد الخبر المتواتر العلم اليقيني.
س11: ما الفرق بين العلم الضروري والعلم النظري؟

هيئة الإشراف

#7

26 Mar 2010

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (المتواتر:

ثم أخذ ينشر ما لفه سابقاً: "فالأول: المتواتر" وتعريف المتواتر مشتق من التواتر وهو التتابع يقال: تواترت الإبل والقطا إذا جاءت في إثر بعض ولم تجئ دفعة واحد.

اصطلاحاً: عرفه ابن الصلاح وتبعه النووي في التقريب: بأنه الخبر الذي ينقله من يحصل العلم بصدقه، ضرورة عن مثلهم من أوله إلى آخره، وعرفه النووي في شرح مسلم بأنه ما نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط، ويخبرون عن حسي لا مظنون، نقله عدد لا يمكن مواطأتهم على الكذب عن مثلهم ويستوي طرفاه والوسط ويخبرون عن حسي لا مظنون، وقريب منه تعريف الحافظ ابن حجر في النخبة وشرحها، شروط المتواتر تؤخذ من العريف: وهو أن يخبر به عدد كثير يحصل العلم الضروري بصدق خبرهم من غير حصر على الصحيح، أن يخبروا عن علم لا عن ظن، يخبروا عن علم لا عن ظن، فلو أخبر أهل بلد عظيم عن طائر مر ببلدهم وقالوا: نظنه حمامة، أو عن شخص مر ببلادهم وهو في طريقه إلى بلد آخر وقالوا: نظن أن هذا زيد، هذا لا يحصل العلم بكلامهم، بل لا بد أن يخبروا عن علم متيقن لا عن ظن.

أن يكون مستند الخبر الحس، فلو أخبروا عن شيء معقول فإنه لا يحصل العلم به، الفلاسفة عدد لا يمكن حصرهم، وتواطئوا على القول بقدم العالم لكن قولهم لا يحصل به التواتر لماذا؟ لأن مستند قولهم العقل، وليس مستنده الحس، الحس المقصود به: ما يدرك بالحواس، ما يدرك بالحواس، يعني لو اجتمع عدد كبير جاءك عشرين ثلاثين أربعين شخص وقالوا: إن ما في هذه البئر ماء مر ملح، أجاج، يحتاج أن تنزل وتشرب، هؤلاء عدد كبير تحيل العادة تواطئهم على الكذب، يعني ما جاءوك دفعة واحدة وأنت في مكان ثاني وأخبروك أن في الطريق ماء هذه صفتها، هؤلاء مستندهم الحس، ذاقوه، كذا لو سمعوا، كل واحد منهم سمع بأذنه أو رأى بعنيه.

أن يكون خبرهم مستنداً إلى الحس إذ لو أخبروا عن معقول لم يحصل لنا العلم فلا بد أن يستند ناقلوه إلى الحواس كالسمع والبصر لا لمجرد إدراك العقل، أن توجد هذه الشروط في جميع طبقات السند؛ لأن كل عصر يستقل بنفسه، وعرفنا أنه لا مانع من تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد هذا في الدرس الماضي، وأنه لا محظور في ذلك، ولا نلتزم بلوازم المبتدعة الذين بنوا على هذا التقسيم أن خبر الواحد لا يفيد إلا الظن، والظن لا تثبت به العقائد، إذ تنفى جميع العقائد التي جاءت بأخبار الآحاد، نقول: لا، نقسم الأخبار إلى متواتر وآحاد، ومنها ما يفيد العلم ومنها ما يفيد الظن، وكلها موجبة للعمل إذا صحت أسانيدها، وإذا عملنا بحديث في الأحكام فلنعمل به في العقائد وفي الفضائل وفي غيره؛ لأن الكل شرع، والتفريق بين العقائد والأحكام كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية لا أصله له، على أن هذا التقسيم وهو تقسيم الأخبار إلى متواتر وآحاد اعتمده شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، وهو من أشد الناس على المبتدعة، وهذه مسألة عرضناها في الدرس السابق، والله المستعان.

أقسام المتواتر:

المشهور والمعروف عند أهل العلم أن المتواتر ينقسم إلى قسمين: متواتر لفظي ومتواتر معنوي، أو تواتر لفظي وتواتر معنوي، ومثلوا للمتواتر اللفظي وما تواتر لفظه ومعناه بحديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) التواتر المعنوي ما تواتر معناه دون لفظه تأتي وقائع كثيرة تدل على شيء واحد لكنها بألفاظ وصيغ مختلفة.

هذا هو التواتر المعنوي وإن اختلفت الألفاظ، ومثلوا لذلك بأحاديث رفع اليدين بالدعاء والحوض والرؤية وغيرها، ومثل له شيخ الإسلام -كما ذكرنا سابقاً- بأحاديث فضائل أبي بكر وعمر هي متواتر تواتراً معنوياً، هذا المعروف من التقسيم عند أهل العلم للمتواتر، محمد أنور الكشميري له كتاب شرح للبخاري اسمه: (فيض الباري) مطبوع في أربعة مجلدات وهو كتاب فيه فوائد، فيه فوائد ولطائف ونكات، (فيض الباري) محمد أنور الكشميري، وفي طبعته الأولى وزع كمية كبيرة جداً منه على نفقة الملك عبد العزيز، لكن هذا الكتاب فيه مسألة خفيت على من أشار على الملك بتوزيعه، وهي أنه رمى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بشيء من الغفلة، وعلى كل حال الكتاب مفيد، على ما فيه لكنه مفيد، هذا الكتاب أو هذا المؤلف الذي صنف هذا الكتاب قسم المتواتر إلى أربعة أقسام: فذكر التواتر اللفظي وسماه: تواتر الإسناد، ذكر التواتر المعنوي وسماه: تواتر القدر المشترك، ذكر قسماً ثالثاً من أقسام المتواتر، وقال عنه: إنه تواتر الطبقة، تواتر الطبقة، وقال: كتواتر القرآن الكريم، فقد تواتر على البسيطة شرقاً وغرباً درساً وتلاوة وحفظاً، قراءة وتلقاه الكافة عن الكافة، طبقة عن طبقة إلى حضرت صاحب الرسالة، تواتر الطبقة، وهناك قسم رابع ذكره صاحب فيض الباري وأسماه: تواتر العمل والتوارث، تواتر العمل والتوارث، وهو أن يعمل به في كل قرن من عهد صاحب الشريعة إلى يومنا هذا جم غفير من العاملين، بحيث تحيل العادة تواطئهم على الكذب كأعداد الصلوات الخمس.

يعني لو بحثت في كتب السنة من النصوص التي تدل على أن صلاة الظهر أربع، هل يمكن أن تروي مثل هذا عن جمع غفير؟ ألفاظ الأذان مثلاً، جمل الأذان، لكن العمل والتوارث على هذا من عصر صاحب الرسالة إلى يومنا هذا يعمل به الجمع الغفير، ولذا لو قال شخص: صلاة المغرب أربع أو صلاة العشاء خمس نعم، ويمكن أن يقول: إن الحديث صحيح بأعداد الصلوات، لكن هل هو قطعي؟ هل هو متواتر ينطبق عليه تعريف المتواتر من حيث الإسناد؟ نقول: هو متواتر من حيث العمل والتوارث، العمل والتوارث، الأمة تعمل بهذا من عصر صاحب الشريعة على يومنا هذا، ولا بد لهذا التواتر أن يكون له أصل، وأن يعمل به جمع من الطبقة الأولى من الصحابة فمن بعدهم، ولا يعني هذا أنه يأتينا عمل منقطع ما عمل به القرون المفضلة ثم يأتي في القرن الرابع وما بعده من يعمل به من ألوف المسلمين، يقول: هذا تواتر العمل والتوارث؟ نقول: لا، نقول: هذا مبتدع لو كان خيراً لسبقونا إليه، لعمل به الصحابة والتابعون في القرون المفضلة، وليس في مثل هذا الكلام حجة لمن يثبت تواتر عمل المولد أو ما أشبهه لا، أو غيره من البدع.

وجود المتواتر:

هل المتواتر بالفعل موجود أو غير موجود؟ زعم ابن حبان والحازمي أن الحديث المتواتر غير موجود أصلاً، غير موجود أصلاً، أولاً: المتواتر لا يبحثه أهل علوم الحديث لماذا؟ لأنه ليس من صناعتهم، صناعتهم الإثبات والنفي، القبول والرد البحث في الأسانيد والمتون، الخبر المتواتر لا يحتاج إلى بحث، هو ملزم من غير أن تبحث فيه، يعني لو جاءك شخص وقال: هناك بلد اسمها: بغداد، تقول: عن من؟ من الذي أخبرك بهذا؟ هل هو ثقة أو ليس بثقة؟ تحتاج أن تقول هذا؟ ما تحتاج، ما تحتاج، هل تحتاج إلى أن تبحث في معجم البلدان لتنظر هل كلامه صحيح أو ليس بصحيح؟ الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري على ما سيأتي ويلزم صاحبه بقبوله، ما يحتاج إلى نظر ولا استدلال.

كون ابن حبان والحازمي زعما أن الحديث المتواتر غير موجود مع أن أهل العلم يمثلون له بحديث: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) هو موجود، زعم ابن الصلاح والنووي أنه قليل نادر، قليل نادر، لكن ابن حجر -رحمه الله تعالى- في شرح النخبة رد هذين القولين، وقال: "ما ادعاه -يعني ابن الصلاح- من العزة -يعني من القلة والندرة- ممنوع، وكذا ما ادعاه غيره من العدم؛ لأن ذلك نشأ عن قلة اطلاع على الطرق الكثيرة للأحاديث وأحوال الرجال وصفاتهم المقتضية لإبعاد العادة أن يتواطئوا على كذب أو يحصل منهم اتفاقاً".

قال: "ومن أحسن ما يقرر به كون المتواتر موجوداً -وجود كثرة- في الأحاديث أن الكتب المشهورة المتداولة في أيدي أهل العلم شرقاً وغرباً المقطوع عندهم بصحة نسبتها إلى مصنفيها إذا اجتمعت على إخراج الحديث، وتعددت طرقه تعدداً تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط أفاد العلم اليقيني إلى قائله، ومثل ذلك في الكتب المشهورة كثير".

يقول: كون البخاري يخرج حديث من طرق، ومسلم يخرجه من طرق أخرى، وأبو داود يخرجه من طرق غير هذه الطرق، والترمذي كذلك، وأحمد والطيالسي والطبراني، وأبو يعلى وغيرهم من أهل العلم يخرجون هذا الحديث بطرق متباينة، يقول: يدل على أن هذا الخبر متواتر.

على كل حال الخبر المتواتر موجود وإن زعم ابن حبان والحازمي أنه غير موجود أصلاً، اللهم إلا إن كانوا يريدون أنه لا يدخل في علوم الحديث؛ لأنه ليس من صناعة المحدثين، ليس من صناعة المحدثين لا يعتنون بمثله؛ لأنهم إنما يبحثون في الأخبار من أجل إثباتها أو نفيها، والمتواتر لا يحتاج إلى بحث هو فارض نفسه كما يقولون، ما يحتاج، هناك من الأخبار ما يلزمك بتصديقه على ما سيأتي فيما يفيده خبر المتواتر وخبر الواحد إذا احتفت به قرينة.

حكم الخبر المتواتر وماذا يفيد؟:

الخبر المتواتر يجب تصديقه ضرورة، لماذا؟ لأنه مفيد للعلم القطعي الضروري، فلا حاجة إلى البحث عن أحوال رواته، يقول الحافظ ابن حجر: "المعتمد أن الخبر المتواتر يفيد العلم الضروري وهو الذي يضطر إليه الإنسان بحيث لا يمكن دفعه، وقيل: لا يفيد العلم إلا نظرياً وليس بشيء؛ لأن العلم حاصل به لمن ليس لديه أهلية النظر كالعامي، والنظري يفيد العلم لكن بعد النظر والاستدلال".

في إفادة المتواتر العلم هذا أمر لا إشكال فيه، الخبر المتواتر يفيد العلم بمعنى أنه يكون مقطوعاً به، ويحلف عليه، يحلف عليه، وأنه لا يحتمل النقيض، بمعنى أنه صحيح مائة بالمائة، لكن هل يفيد العلم الضروري أو يفيد العلم النظري؟ العلم سواءً كان ضرورياً أو نظرياً لا يحتمل النقيض وهو مائة بالمائة، لكن العلم الضروري لا يحتاج إلى نظر واستدلال، إذا قيل لك: مكة، خلاص ما يحتاج أن تبحث من أخبرك عن وجود هذا البلد، ولا تبحث في معجم البلدان هل هناك بلد اسمه مكة أو لا؟ مثله البلدان الكبرى مثل: بغداد ودمشق وغيرهما، هذا لا يحتاج إلى نظر واستدلال، إذا قيل لك: كم نصف الاثنين؟ تقول: واحد، النتيجة صحيحة مائة بالمائة، لا تحتاج إلى نظر واستدلال.

علم ضروري، وهناك علم نظري نتيجة مائة بالمائة كالضروري، لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال، إذا قيل لك: مررنا ببلد اسمها: قهب الطير، تصدق وإلا ما تصدق؟ نعم، الشخص الذي مر بهذه المدينة علمه مائة بالمائة نعم أنت تحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال حتى تثبت عندك هذه البلدة، فإذا ثبتت عندك صار علماً يفيد مائة بالمائة، تحتاج إلى أن تنظر في معجم البلدان أو تسأل أكثر من واحد أو تذهب بنفسك لكي ترى هذه البلدة، فإذا رأيتها وانتهيت إلى المحسوس، انتهيت إلى الحس يعني شاهدتها بنفسك خلاص، صار العلم ضروري بالنسبة لك، نظري بالنسبة لمن تخبره، هي موجودة خبرك صحيح مائة بالمائة، وهو علم لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال.

إذا قيل لك: كم زكاة ثلاثة عشر ألف وسبعمائة وواحد وستين، إذا قيل لك: كم زكاة الأربعين؟ قلت: ريال، يحتاج إلى نظر واستدلال؟ ما يحتاج، ربع العشر، ما يحتاج نعم، زكاة الأربعين ريال واحد، ليس نصاب للزكاة لكن أربعين دينار زكاتها دينار، تحتاج إلى نظر واستدلال؟ الزكاة ربع العشر، لكن إذا قيل: كم زكاة اثني عشر أو سبعة عشر -خليها صعب شوية- سبعة عشر ألف وستمائة وواحد وسبعين، تحتاج إلى نظر واستدلال وآلة وقسمة، ثم بعد ذلك النتيجة واحدة هنا وهناك، مائة بالمائة تطلع صحيحة، لكن فرق بين علم وعلم، علم يضطرك بمجرد سماعه تصدقه، لا يحتاج إلى نظر واستدلال، هذا علم ضروري، علم يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال هذا علم لكنه نظري، والنتيجة واحدة كلها مائة بالمائة، مائة بالمائة ولذا يقال: علم، إيش معنى علم؟ علم يعني لا يحتمل النقيض، إن قصر هذا العلم، ونزلت النسبة ولو واحد بالمائة حيث صار تسعة وتسعين صار إيش؟ إيش يصير؟ ظن، النظري علم مائة بالمائة، لكنه يحتاج إلى مقدمات ونظر واستدلال، إن نزلت النسبة ولو واحد تسعة وتسعين بالمائة ثمانية وتسعين تسعين بالمائة هذا ظن؛ لأنه الاحتمال الراجح يحتمل النقيض، جاءك شخص من أوثق الناس عندك وقال: جاء زيد ألا يحتمل أن يخطئ هذا الرجل وإن كان أوثق الناس؟ هذا الاحتمال وإن كان ضعيفاً ينزل النسبة، يعني مالك نجم السنن إذا روى حديث هل نجزم أن مالكاً معصوم من أن يخطئ؟

لكن نسبة الخطأ ضعيفة، هذا هو السبب الذي أنزل خبر مالك من كونه علم إلى كونه ظن، افترض أن نسبة ضبط مالك تسعة وتسعين بالمائة فليس بمعصوم لنقول: مائة بالمائة ما يخطئ أبداً، لا، إذا احتفت قرينة بخبر مالك قابلت نسبة احتمال الخطأ فصار أفاد العلم على ما سيأتي تقريره فيما يفيده خبر الواحد.

خالف في إفادة المتواتر العلم فرقة لا عبرة بها ولا يعتد بقولها من عبدة الأصنام يقال لهم: السمنية، السمنية طائفة في الهند، حصروا العلم في الحواس، لو يجي أهل الهند كلهم يحملون خبراً واحداً ما يصدقون حتى يشوفون، يقولون: لا بد نراه أو ندركه بأحد الحواس، لا يعتمدون على الأخبار البتة، لكن هؤلاء إنما يذكر قولهم للعلم به، وإذا ذكر الشيء للعلم به أو لرده لا يعني أن من كتب في علوم الحديث يعتمدون على أقوال الكفار، كما قيل: أنهم يعتمدون على أقوال المتكلمين، يعني هل يضيرنا أن نذكر مثل هذا الكلام؟ للعلم به وللرد عليه وتفنيده، والله المستعان، هذا مذهب باطل كما عرفنا.

وقد نبه الله -سبحانه وتعالى- في مواضع من كتابه على إفادة التواتر العلم اليقيني، القرآن فيه مواضع كثيرة تدل على أن المتواتر يفيد العلم اليقيني بمنزلة المشاهد بالعين، النبي -عليه الصلاة والسلام- أدرك قصة أصحاب الفيل؟ نعم، أدرك قصة عاد؟ لا، جاء قوله تعالى مما يجعل الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني بمنزلة الرؤية البصرية خاطب النبي..، خاطب الله -سبحانه وتعالى- رسوله -عليه الصلاة والسلام- والمؤمنين بأمثال قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [ (1) سورة الفيل]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [ (1) سورة الفيل]، مثل قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} [ (6) سورة الفجر]، {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ}(6) سورة الأنعام]، هذه الأخبار بلغت النبي -عليه الصلاة والسلام- بطريق قطعي، فصار كأنه مشاهد بالرؤية البصرية، ولذا جاء التعبير بمثل قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} (6) سورة الفجر]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ}(1) سورة الفيل]، {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ} [ (6) سورة الأنعام]، هذه الوقائع كانت معلومة عندهم بالتواتر، فعبر عن علمها برؤيتها، وفيه إشارة إلى أنه جعل العلم الحاصل من المتواتر بمنزلة المشاهد في القطعيات.

الكتب المؤلفة في الحديث المتواتر:

المتواتر ألفت فيه الكتب كـ(الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة) للسيوطي، و (قطف الأزهار) له، وهو مختصر من الذي قبله، و(نظم المتناثر من الحديث المتواتر) للكتاني، بقي عندنا إشكال وهو إشكال إشكال يحتاج إلى انتباه شديد، يحتاج إلى انتباه شديد.

عرفنا أن خبر المتواتر لا بد أن يروى من طرق، أن يرويه عدد يحصل العلم بخبرهم من غير حصر، متى نعرف أن العدد اكتمل؟ عدد التواتر اكتمل؟ متى نعرف؟ إذا حصل لنا العلم إذا اقتنعنا واطمأننا إلى صحة هذا الخبر عرفنا أن العدد اكتمل، ومتى يحصل لنا العلم؟ متى؟ إذا اكتمل العدد، ما عرفنا أن المتواتر ما ينقله جمع من غير حصر تحيل العادة تواطئهم على الكذب إلى آخر الشروط، إذا قلنا: من غير حصر فمتى ينتهي العدد؟ إذا حصل لنا العلم، صح وإلا لا؟ إذا حصل لنا علم عرفنا أن العدد المطلوب للتواتر كمل، لكن متى يحصل لنا العلم؟ العلم لا يحصل لنا إلا باكتمال العدد، فهذا يلزم عليه -كما يقول أهل العلم- الدور، يلزم عليه الدور، يلزم عليه الدور، الدور ترتيب شيء على شيء مرتب عليه، الدور ترتيب شيء على شيء مرتب عليه، لو سمعنا قول الشاعر:

لو لا مشيبي ما جفا

لولا جفاه لم أشب


هذا دور، أيهما السبب؟ سبب المشيب الجفا أو سبب الجفا الشيب؟ هذا دور، كل واحد مرتب على الثاني وهو مرتب عليه، وهذا خلاف التسلسل، التسلسل مرتب على شيء والشيء مرتب على ثاني، والثاني مرتب على ثالث إلى ما لا نهاية هذا تسلسل وهو غير الدور، الدور ترتيب شيء مرتب عليه.

أقول: عرفنا في شروط المتواتر أنه لا بد أن يخبر به عدد يحصل به العلم من غير حصر، فهل معنى هذا أننا لا نعرف اكتمال العدد حتى يحصل العلم؟ ولا يحصل العلم إلا إذا اكتمل العدد فيلزم عليه الدور؟ يقول ابن الأثير في جامع الأصول والغزالي في المستصفى: عدد المخبرين ينقسم إلى ناقص فلا يفيد العلم، وإلى كامل فيفيد العلم، وإلى زائد يحصل العلم ببعضه، والكامل وهو أقل عدد يورث العلم ليس معلوماً لنا، لكننا بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد لا أننا بكمال العدد نستدل على حصول العلم، بحصول العلم الضروري نتبين كمال العدد لا أننا بكمال العدد نستدل على حصول العلم.

فجعل حصول العلم يكمل به العدد، يعني لو قلت: أنا عطشان، أعطاك واحد مثل هذه، نعم، ثم زادك ثانية، أنت بتشرب وتمشي ما أنت بجالس، نعم، أو جاء لك بإناء كبير قال: إلا تشرب هذا الإناء، تقول: لا يا أخي هات لي إناء صغير مثل هذا يكفي، يقول: أنت ويش يدريك أنه يكفيك، أنت ما بعد شربت على شان تدري أنه يكفيك وإلا لا؟ تنظير واضح وإلا ما هو بواضح؟ يعني أنت متى تعرف المقدار الذي يكفيك؟ إذا شربت، نعم، إذا شربت عرفت أن المقدار يكفيك، ومتى تعرف أن هذا الإناء يرويك؟ بالقاعدة المطردة يعني جرت عادتك أنك تشرب نصف لتر، هل نقول: إنه ويش يدريك أنه يرويك نصف اللتر؟ نعم، العادة، العادة مطردة،

هنا في (لوامع الأنوار البهية) للسفاريني يقول: "اعلم أن خبر التواتر لا يولد العلم"، اعلم أن خبر التواتر..، وهذا ينبغي الاهتمام له والعناية به، يقول: "اعلم أن خبر التواتر لا يولد العلم، بل يقع العلم عنده بفعل الله تعالى عند الفقهاء وغيرهم من أهل الحق"، هذا الكلام سليم وإلا لا؟ ها؟ خبر التواتر لا يولد العلم، بل يقع العلم عنده بفعل الله تعالى عند الفقهاء وغيرهم من أهل الحق، هذا كلام الأشاعرة، هذا كلام الأشاعرة، المبني على إلغاء الأسباب وعدم الالتفات إليها، هم يقولون: الري يحصل عند الشرب لا به، والشبع يحصل عند الأكل لا به، عنده لا به، الإبصار يحصل عند البصر لا به، ولذا يجوزون بل يصرحون بالحرف يقولون: إنه يجوز أن يرى أعمى الصين البقة في الأندلس، الأعمى وهو في الصين في أقصى المشرق يجوز أن يرى البقة -صغار البعوضة- وهي في الأندلس، أي عقل يقول مثل هذا الكلام؟ لكنهم أصحاب عقول، هذا طرد لمذهبهم أن الأسباب لا قيمة لها، الأسباب لا قيمة لها، الله -سبحانه وتعالى- يوجد الإبصار عند وجود البصر، وليس البصر سبباً للرؤية، الله -سبحانه وتعالى- يوجد الري عند الشرب لا به، هذا مذهب الأشاعرة، فهم يلغون الأسباب تماماً وجودها مثل عدمها عندهم.

وهذا يقابله رأي المعتزلة الذين يعتمدون على الأسباب، وأنها تستقل بالتأثير، ومذهب أهل السنة وسط، يقولون: إن الأسباب تنفع، لكنها لا بذاتها وإنما الذي ينفع هو المسبب وهو الله -سبحانه وتعالى- الذي جعل هذه الأسباب تنفع، على كل حال هذا الكلام جارٍ على قاعدة الأشاعرة في نفي تأثير الأسباب، "فعندهم أن الشبع يحصل عند الأكل لا به، والري يحصل عند الشرب لا به، ولذا يجوز عندهم أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس"، فكلام السفاريني منتقد، ومعروف أنه محسوب على أهل السنة, وعقيدته تدرس عند أهل السنة، لكنه لم يتخلص من لوثة الأشعرية، ولذا يقرر في الشرح أن أهل السنة ثلاث طوائف: الأثرية وإمامهم أحمد بن حنبل، والأشعرية وإمامهم: أبو الحسن الأشعري، والماتريدية وإمامهم: أبو منصور، هذا القول مردود.

في مختصر التحرير وشرحه وهذا في أصول الفقه عند الحنابلة كتاب متن متين، ينبغي العناية به لطالب العلم مع شرحه، يقول: "ولا ينحصر التواتر في عدد عند أصحابنا والمحققين، ويعلم حصول العدد إذا حصل العلم ولا دور -ولا دور- إذ حصول العلم معلول الإخبار، ودليله كالشبع والري المشبع والمروي ودليلهما وإن لم يعلم ابتداء القدر الكافي منهما" وإن لم يعلم ابتداء القدر الكافي منهما.

يقول: نعم لو أمكن الوقوف على حقيقة اللحظة التي يحصل لنا العلم بالمخبر عنه فيها أمكن معرفة أقل عدد يحصل العلم بخبره، يعني جاء واحد وثاني وثالث وعاشر، نعم ثم جاء الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر إلى العشرين، قال: خلاص لا يجي أحد حصل لنا العلم، وعرفنا أن العلم حصل بعشرين، أنت ما تدري يمكن في خبر يحصل لك العلم بعشرة، وخبر لا يحصل لك العلم إلا بثلاثين ، تبعاً لما يحتف به.

يقول: "نعم لو أمكن الوقوف على حقيقة اللحظة التي يحصل لنا العلم بالمخبر عنه لأمكن معرفة أقل عدد يحصل العلم بخبره، لكن ذلك متعثر إذ الظن يتزايد بتزايد المخبرين تزايداً خفياً تدريجياً كتزايد النبات"، كتزايد النبات، النخلة تزيد نعم، ما هي بتزيد تنمو وتكبر؟ تكبر، لكن من منا يبي يجلس يشوف نمو هذه النخلة ليراه بأم عينه وهي تنمو، هل أحد يصنع ذلك؟ تنمو شيئاً فشيئاً ببطء ثم بعد ذلك تتم.

يقول: "كتزايد النبات وعقل الصبي ونمو بدنه"، هل الإنسان يجلس ينتظر ولده يقول: لا با أجلس إلين يكبر أبا أشوفه ما شاء الله وهو..، ما هو بالونة أو نفاخ تبي تنفخه بيكبر، نعم يحصل شيئاً فشيئاً حتى يتم ويدرك، وحينئذ نقول: خلاص بلغ، هنا ميز وهنا كلف، وهنا..، من غير أن نتابعه.

"وعقل الصبي ونمو بدنه، ونور الصبح وحركة الفي كل هذا لا يدرك إنما هو بالتدريج" يعني لو تصور أن الساعة اثنا عشر من الليل طلعت الشمس في كبد السماء ما بالتدريج، إيش يصير وضع الناس؟ نعم، أو فجأة مع أذان الظهر صارت ظلام دامس، لكن الله -سبحانه وتعالى- لطيف بعباده، يأتي النور بالتدريج، وينتهي بالتدريج، ولا هي مثل اللمبة ظلام ثم اضغط تشتعل، لا، لكن كيف تتصورون فزع الناس لو كانت بهذه الطريقة اثنا عشر من الليل تطلع الشمس في كبد السماء، ما هو مثل طلوعها بعد الصبح، لا، يحصل الإسفار قبل طلوعها ثم تطلع ضعيفة وينتشر ضوؤها شيئاً فشيئاً إلى أن تكتمل، ومثله الظلام يأتي شيئاً فشيئاً كنمو الإنسان ونمو عقله وبدنه وبهذا تحصل هذه الأمور وتكمل من غير أن يشعر بها الإنسان، والله المستعان.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين).

هيئة الإشراف

#8

26 Oct 2011

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلِيمًا قَدِيرًا) حَيًّا، قَيُّومًا، سَميعَاً، بَصِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأُكَبِّرُهُ تَكْبِيرًا.


(2) (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ التّصَانِيفَ فِي اصْطِلاَحِ أَهْلِ الحَدِيثِ قَدْ كَثُرَتْ وَبُسِطَتْ وَاخْتُصِرَتْ) لِلأَئِمَّةِ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ.


فَمِن أولِ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ:القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الرّامَهُرْمُزِيُّ، فِي كِتَابِهِ (المُحَدِّثُ الفَاصِل) ؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَوعِبْ.

وَالحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ؛ لَكِنَّه لَمْ يُهَذِّبْ، وَلَمْ يُرَتِّبْ.

- وَتَلاَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ؛ فَعَمِلَ عَلَى كِتَابِهِ مُسْتَخْرَجًا، وَأَبْقَى أَشْيَاءَ لِلمُتَعقِّبِ.

- ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ الخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ؛ فَصَنَّفَ فِي قَوَانِينِ الرِّوَايةِ كِتَابًا سَمَّاهُ (الكِفَايةَ)، وَفِي آدَابِهَا، كِتَابًا سَمَّاهُ (الجَامِعَ لآدَابِ الشَّيْخِ وَالسَّامِع) ، وَقَلَّ فَنٌّ مِن فُنُونِ الحَديثِِ إلاَّ وَقَد صَنَّفَ فيه كِتَابًا مُفْرَدًا، فَكَانَ كَمَا قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ نُقْطَةَ: (كُلُّ مَن أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ المُحَدِّثِينَ بَعْدَ الخَطِيبِ عِيَالٌ عَلَى كُتُبِهِ).

ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ بَعْضُ مَن تَأَخَّرَ عَن الخَطِيبِ؛ فَأَخَذَ مِن هَذَا العِلْمِ بِنَصِيبٍ؛ فَجَمَعَ القَاضِي عِيَاضٌ كِتَابًا لَطِيفًا سَمَّاهُ (الإِلْمَاعَ) ، وَأَبُو حَفْصٍ المَيَّانَجِيُّ؛ جُزْءاً سَمَّاهُ (مَا لاَ يَسَعُ المُحَدِّثَ جَهْلُهُ).

(3) وَأَمِثَالُ ذَلِكَ مِن (التَّصَانِيفِ) التي اشْتَهَرَتْ (وَبُسِطَتْ) لِيَتَوفَّرَ عِلْمُهَا،

(وَاخْتُصِرَتْ) ؛ لِيَتَيَسَّرَ فَهْمُهَا، إِلَى أَنْ جَاءَ الحَافِظُ الفَقِيهُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ الصَّلاَحِ عَبْدُ الرّحْمَنِ الشَّهْرُزُورِيُّ، نَزِيلُ دِمَشْقَ، فَجَمَعَ لَمَّا وَلِيَ تَدْرِيسَ الحَدِيثِ بِالْمَدْرَسَةِ الأَشْرَفِيَّةِ كِتَابَهُ المَشْهُورَ، فَهَذَّبَ فُنَونَهُ، وَأَمْلاَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ تَرْتِيبُهُ عَلَى الوَضْعِ المُتَنَاسِبِ، وَاعْتَنَى بِتصَانِيفِ الخَطِيبِ المُتَفَرِّقَةِ؛ فَجَمَعَ شَتَاتَ مَقَاصِدِهَا، وَضَمَّ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا نُخَبَ فَوَائِدِهَا.

فَاجْتمَعَ فِي كِتَابِهِ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهِ، فَلِهَذَا عَكَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَارُوا بِسَيْرِهِ؛ فَلاَ يُحْصَى كَمْ نَاظِمٍ لَهُ وَمُخْتَصِرٍ، وَمُسْتَدْرِكٍ عَلَيْهِ، وَمُقْتَصِرٍ، وَمُعَارِضٍ لَهُ، وَمُنْتَصِرٍ.

(4) (فَسَأَلَنِي بَعْضُ الإِخْوَانِ أَنْ أُلَخِّصَ لَهُ المُهِمَّ مِنْ ذَلِكَ) فَلَخَّصْتُهُ فِي أورَاقٍ لَطِيفَةٍ سَمَّيْتُهَا

(نُخْبَةَ الفِكَرِ في مُصْطَلَحِ أَهْلِ الأَثَرِ) ، عَلَى تَرْتِيبٍ ابْتَكَرْتُهُ وَسَبْيلٍ انْتَهَجْتُهُ، مَعَ مَا ضَمَمْتُهُ إِلَيْهِ مِنْ شَوَارِدِ الفَرَائِدِ، وَزَوَائِدِ الفَوَائِدِ.

(5) (فَأَجَبْتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ رَجَاءَ الانْدِرَاجِ فِي تِلْكَ المَسَالِكِ) فَرَغِبَ إِلَيَّ جَمَاعَةٌ ثَانِيًا أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا شَرْحًا يَحُلُّ رُمُوزَهَا، وَيَفْتَحُ كُنُوزَهَا، وَيُوَضِّحُ مَا خَفِيَ عَلَى المُبْتَدِئِ مِن ذَلِكَ (فَأَجَبْتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ رَجَاءَ الانْدِرَاجِ في تِلْكَ المَسَالِكِ) فَبَالَغْتُ فِي شَرْحِهَا فِي الإيضَاحِ وَالتَّوْجِيهِ، وَنَبَّهْتُ عَلَى خَبَايا زَوَاياهَا؛ لأنَّ صَاحِبَ البَيْتِ أَدْرَى بِمَا فيه، وَظَهَرَ لِي أَنَّ إيرَادَهُ عَلَى صُورَةِ البَسْطِ أَلْيَقُ، ودَمْجَهَا ضِمْنَ تَوْضِيحِهَا أوفَقُ، فَسَلَكْتُ هَذِهِ الطَّرِيقَ القَلِيلَةَ الَمَسَالِكِ.

(6) (فَأَقُولُ) طَالِبًا مِن اللهِ التّوفِيقَ فِيمَا هُنَالِكَ.

(الخَبَرُ)عِنْدَ عُلَمَاءِ هَذَا الفَنِّ:

- مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ.

- وَقِيلَ:الحَّدِيثُ:

مَا جَاءَ عَن النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.

وَالخَبَرُ:مَا جَاءَ عَن غَيْرِهِ.

وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ

بِالتَّوَارِيخِ وَمَا شَاكَلَهَا: الأَخْبَارِيُّ، وَلِمَن يَشْتَغِلُ بِالسُّنَّةِ النّبَوِيَّةِ: المُحَدِّثُ.

وَقِيلَ:بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ؛ فَكُلُّ حَدِيثٍ خَبَرٌ مِن غَيْرِ عَكْسٍ.

وَعَبَّرْتُ هُنَا بِالخَبَرِ لِيَكُونَ أَشْمَلَ، فَهُوَ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إِلَيْنَا.

(7) (إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ)

أي: أَسَانِيدُ كَثِيرَةٌ؛ لأنَّ طُرُقًا جَمْعُ طَرِيقٍ، وَفَعِيلٌ فِي الكَثْرَةِ يُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ بِضَمَّتَينِ، وَفِي القِلَّةِ عَلَى أَفْعِلَةٍ.

وَالمُرَادُ بِالطُّرُقِ الأَسَانِيدُ، وَالإِسْنَادُ حِكَايةُ طَرِيقِ المَتْنِ، وَتِلْكَ الكَثْرَةُ أَحَدُ شُرُوطِ التَّوَاتُرِ إِذَا وَرَدَتْ (بِلاَ) حَصْرِ(عَدَدٍ مُعَيَّنٍ) بَلْ تَكُونُ العَادَةُ قَدْ أَحَالَتْ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الكَذِبِ، وَكَذَا وُقُوعُهُ منهم اتِّفاقًا مِن غَيْرِ قَصْدٍ؛ فَلاَ مَعْنَى لِتَعْيِينِ العَدَدِ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَمنهمْ:مَن عَيَّنَهُ فِي الأَرْبَعَةِ.

وَقِيلَ: فِي الخَمْسَةِ.

وَقِيلَ: فِي السَّبْعَةِ.

وَقِيلَ: فِي العَشَرَةِ.

وَقِيلَ: فِي الاثْنَيْ عَشَرَ.

وَقِيلَ: فِي الأَرْبَعِينَ.

وَقِيلَ:فِي السّبْعِينَ.

وَقِيلَ:غَيْرُ ذَلِكَ.

وتمسَّكَ كُلُّّ قائلٍ بدليلٍ جاءَ فيه ذِكْرُ ذَلكَ العَدَدِ فأفادَ العِلْمَ، وليس بلازمٍ أن يَطَّرِدَ في غَيرهِ لاحْتمَالِ الاخْتصَاصِ، فإذا وردَ الخَبرُ كَذلكَ وانضَافَ إليهِ:

أنْ يستويَ الأمرُ فيه في الكَثْرةِ المَذْكُورَةِ مِن ابتدائِهِ إِلى انتهائِهِ.

والمرادُ بالاسْتِواءِ: أن لا تَنْقُصَ الكَثْرةُ المَذْكُورةُ فِي بَعضِ المَواضعِ لا أنْ لا تَزيدَ؛ إذ الزّيَادَةُ هُنا مَطْلُوبةٌ مِن بَابِ أولى.

وأنْ يكونَ مُسْتَنَدُ انْتِهَائِهِ الأَمْرَ المُشَاهَدَ أو المَسْمُوعَ، لاَ مَا ثَبَتَ بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ.

فَإِذَا جَمَعَ هَذِهِ الشّروطَ الأَرْبَعةَ -وَهِي:

أ-عَدَدٌ كَثيرٌ أَحَالَت العادةُ تَوَاطُؤَهُمْ وتَوَافُقَهُم عَلَى الكَذبِ.

ب-رَوَوْا ذَلِكَ عَن مِثْلِهِمْ مِن الابْتِداءِ إِلى الانْتِهاءِ.

ت-وَكانَ مُسْتندُ انْتِهائِهمْ الحِسَّ.

ث-وَانْضَافَ إلَى ذَلِك أَنْ يَصْحَبَ خَبَرَهُم إِفَادَةُ العِلْمِ لسامِعِهِ.

فَهَذَا هُو المُتواتِرُ، ومَا تَخلَّفتْ إِفَادةُ العِلْمِ عَنْهُ كَانَ مشهورًا فَقَطْ.

فَكُلُّّ مُتَواترٍ، مَشْهورٌ مِن غَيْرِ عَكْسٍ.

وَقَد يُقَالُ: إِنَّ الشّروطَ الأَرْبَعَةَ إِذَا حَصَلَت اسْتَلْزَمَتْ حُصُولَ العِلْمِ، وَهوكَذلكَ في الغَالبِ، لكِنْ قَد تَتَخَلَّفُ عَن البَعْضِ لمَانعٍ.

وَقَدْ وَضَحَ بِهَذَا تَعريِفُ المُتَواتِرِ، وَخِلاَفُهُ قَد يَرِدُ بِلاَ حَصْرٍ أيضًا، لَكِنْ مَعَ فقْدِ بَعْضِ الشُّروطِ.

(8) (أو مَعَ حَصْرٍ بِمَا فَوْقَ الاثْنَيْنِ)

أي: بِثَلاَثةٍ فَصَاعدًا مَا لمْ يَجْمَعْ شُرُوطَ المُتواتِرِ (9) (أو بِهِمَا) أي: بِاثْنَينِ فَقَطْ، (أو بِوَاحِدٍ) فَقَطْ.

وَالمُرَادُ بِقَولِنَا: (أَنْ يَرِدَ بِاثْنينِ) أَنْ لاَ يَرِدَ بِأَقَلَّ منهمَا؛ فَإِنْ وَرَدَ بِأكثرَ فِي بَعْضِ المَواضِعِ مِن السَّنَدِ الوَاحِدِ لاَ يَضُرُّ؛ إِذْ الأَقلُّ فِي هَذَا العِلْمِ يَقضِي عَلَى الأَكثرِ.

(.1) (فَالأولُ: المُتَوَاتِرُ) وَهُو: (المُفِيدُ لِلْعِلْمِ اليَقِينِيِّ) فأَخْرَجَ النَّظَرِيَّ عَلَى مَا يَأْتِي تَقْرِيرُهُ (بِشُرُوطِهِ) التي تَقَدَّمَتْ.

وَاليقينُ:

هُوَ الاعتِقَادُ الجَازمُ المُطَابِقُ.

وَهَذَا هُوَ المُعْتَمَدُ:

أَنَّ الخَبَرَ المُتَواتِرَ يُفيدُ العِلْمَ الضَّرُورِيِّ، وَهُو الذي يُضْطَرُّ الإِنْسَانُ إِلَيهِ بَحَيْثُ لاَ يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ.

وَقِيلَ:لاَ يُفيدُ العِلْمَ إلاَّ نَظَرِيًّا،

وَلَيسَ بِشَيءٍ؛ لأنَّ العِلْمَ بِالتَّواتُرِ حَاصِلٌ لِمَن لَيسَ لهُ أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ كَالعَامِّيِّ؛ إذ النَّظَرِ: تَرْتيبُ أُمُورٍ مَعْلُومَةٍ أو مَظْنُونَةٍ يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلى عُلومٍ أو ظُنُونٍ، وَلَيسَ فِي العَامِّيِّ أَهْلِيَّةُ ذَلِكَ، فَلْو كَان نَظَرِيَّاً لَمَّا حَصَلَ لَهُم.وَلاَحَ بِهَذَا التَّقْرِيرِ الفَرْقُ بَيْنَ العِلمِ الضَّرُورِيِّ، وَالعِلْمِ النَّظَرِيِّ:

إذ الضَّرُورِيُّ يُفِيدُ العِلْمَ بِلا استدِلالٍ.

- وَالنَّظَرِيُّ يُفِيدُهُ لَكِنْ مَع الاسْتِدْلالِ عَلَى الإِفَادةِ.

- وَأَنَّ الضَّرُورِيَّ يَحْصُلُ لِكُلِّ سَامِعٍ.

- وَالنَّظَرِيَّ لا يَحْصُلُ إلاَّ لِمَن فيه أَهْلِيَّةُ النَّظَرِ.

وَإِنَّمَا أَبْهَمْتُ شُرُوطَ المُتَواتِرِ فِي الأَصْلِ؛ لأنَّه عَلَى هَذِهِ الكَيْفِيَّةِ لَيسَ مِن مَبَاحِثِ عِلْمِ الإِسْنادِ؛ إذْ عِلْمُ الإِسْنَادِ: يُبْحَثُ فيه عَن صِحَّةِ الحَدِيثِ أو ضَعْفِهِ؛ لِيُعْمَلَ بهِ أو يُتْرَكَ، من حَيْثُ صِفَاتُ الرِّجَالِ، وَصِيَغُ الأَدَاءِ.

وَالمُتَواتِرُ لا يُبْحَثُ عَن رِجَالِهِ، بَل يَجِبُ العَمَلُ بِهِ مِن غَيْرِ بَحْثٍ.

فَائِدَةٌ: ذَكَرَ

ابْنُ الصَّلاحِ أنَّ مِثَالَ المُتَواتِرِ عَلَى التَّفْسِيرِ المُتَقَدِّمِ يَعِزُّ وُجُودُهُ؛ إلاَّ أَنْ يُدَّعَى ذَلِكَ في حَديثِ: ((مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) ، وَمَا ادَّعَاهُ مِن العِزَّةِ مَمْنُوعٌ، وكَذا مَا ادَّعَاهُ غَيْرُهُ مِن العَدَمِ؛ لأنَّ ذَلِكَ نَشَأَ عَن قِلَّةِ الاطِّلاعِ عَلَى كَثْرَةِ الطُّرُقِ وَأَحْوالِ الرّجَالِ، وَصِفَاتِهِم المُقْتَضِيَةِ لإِبْعادِ العَادَةِ أنْ يَتَوَاطَئُوا عَلَى كَذِبٍ، أو يَحْصُلَ منهم اتِّفَاقًا.

وَمِن أَحْسَنِ مَا يُقَرَّرُ بِهِ كَونُ المُتواتِرِ موجودًا، وُجودَ كَثْرَةٍ فِي الأَحَادِيثِ أَنَّ الكُتُبَ المَشْهورَةَ المُتدَاوَلَةَ بَأيدي أَهلِ العِلْمِ شَرْقًا، وَغَربًا، المَقْطُوعَ عِنْدَهُم بِصِحَّةِ نِسْبتِهَا إِلى مُصَنِّفيها، إِذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى إِخْراجِ حَديثٍ وَتَعَدَّدتْ طُرُقُهُ تَعَدُّدًا تُحِيلُ العَادَةُ تَوَاطُأَهُمْ عَلَى الكَذِبِ، إِلى آخِرِ الشّرُوطِ أَفَادَ العِلمَ اليَقِينِيَّ بِصِحَّتِه إِلَى قَائِلِه، وَمِثلَ ذَلِكَ فِي الكُتِبِ المَشْهورَةِ كثيرٌ).