الدروس
course cover
أنواع الخبر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

7232

0

0

course cover
شرح نخبة الفكر

القسم الأول

أنواع الخبر
25 Oct 2008
25 Oct 2008

25 Oct 2008

7232

0

0


0

0

0

0

0

أنواع الخبر

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلِيماً قَدِيراً، وَصَلَّى اللهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلى النَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً.
أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ التَّصَانِيفَ في اصْطِلاَحِ أَهْلِ الحَدِيثِ قَدْ كَثُرَتْ، وَبُسِطَتْ، وَاخْتُصِرَتْ.
فَسَأَلَنِي بَعْضُ الإِخْوَانِ أَنْ أُلَخِّصَ لَهُ المُهِمَّ مِنْ ذَلِكَ؛ فَأَجَبْتُهُ إِلى سُؤَالِهِ؛ رَجَاءَ الانْدِرَاجِ في تِلْكَ المَسَالِكِ.
فَأَقُولُ: الخَبَرُ:
- إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ بِلا عَدَدٍ مُعَيَّنٍ.
- أَو مَعَ حَصْرٍ بِمَا فَوْقَ الاثْنَيْنِ.
- أَو بِهِمَا.
- أَو بِوَاحِدٍ).

هيئة الإشراف

#2

25 Oct 2008

نزهة النظر شرح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني

قال الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ): ( (1) (الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلِيمًا قَدِيرًا) حَيًّا، قَيُّومًا، سَميعَاً، بَصِيرًا، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأُكَبِّرُهُ تَكْبِيرًا.

(2) (أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ التّصَانِيفَ فِي اصْطِلاَحِ أَهْلِ الحَدِيثِ قَدْ كَثُرَتْ وَبُسِطَتْ وَاخْتُصِرَتْ) لِلأَئِمَّةِ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ.
فَمِن أولِ مَنْ صَنَّفَ فِي ذَلِكَ:
القَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ الرّامَهُرْمُزِيُّ، فِي كِتَابِهِ (المُحَدِّثُ الفَاصِل)؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَوعِبْ.
- وَالحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ؛ لَكِنَّه لَمْ يُهَذِّبْ، وَلَمْ يُرَتِّبْ.
- وَتَلاَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ؛ فَعَمِلَ عَلَى كِتَابِهِ مُسْتَخْرَجًا، وَأَبْقَى أَشْيَاءَ لِلمُتَعقِّبِ.
- ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ الخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ البَغْدَادِيُّ؛ فَصَنَّفَ فِي قَوَانِينِ الرِّوَايةِ كِتَابًا سَمَّاهُ (الكِفَايةَ)، وَفِي آدَابِهَا، كِتَابًا سَمَّاهُ (الجَامِعَ لآدَابِ الشَّيْخِ وَالسَّامِع)، وَقَلَّ فَنٌّ مِن فُنُونِ الحَديثِِ إلاَّ وَقَد صَنَّفَ فيه كِتَابًا مُفْرَدًا، فَكَانَ كَمَا قَالَ الحَافِظُ أَبُو بَكْرِ بْنُ نُقْطَةَ: (كُلُّ مَن أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ المُحَدِّثِينَ بَعْدَ الخَطِيبِ عِيَالٌ عَلَى كُتُبِهِ).

ثُمَّ جَاءَ بَعْدَهُمْ بَعْضُ مَن تَأَخَّرَ عَن الخَطِيبِ؛ فَأَخَذَ مِن هَذَا العِلْمِ بِنَصِيبٍ؛ فَجَمَعَ القَاضِي عِيَاضٌ كِتَابًا لَطِيفًا سَمَّاهُ (الإِلْمَاعَ)، وَأَبُو حَفْصٍ المَيَّانَجِيُّ؛ جُزْءاً سَمَّاهُ (مَا لاَ يَسَعُ المُحَدِّثَ جَهْلُهُ).

(3)وَأَمِثَالُ ذَلِكَ مِن (التَّصَانِيفِ) التي اشْتَهَرَتْ (وَبُسِطَتْ) لِيَتَوفَّرَ عِلْمُهَا،(وَاخْتُصِرَتْ)؛ لِيَتَيَسَّرَ فَهْمُهَا، إِلَى أَنْ جَاءَ الحَافِظُ الفَقِيهُ تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ الصَّلاَحِ عَبْدُ الرّحْمَنِ الشَّهْرُزُورِيُّ، نَزِيلُ دِمَشْقَ، فَجَمَعَ لَمَّا وَلِيَ تَدْرِيسَ الحَدِيثِ بِالْمَدْرَسَةِ الأَشْرَفِيَّةِ كِتَابَهُ المَشْهُورَ، فَهَذَّبَ فُنَونَهُ، وَأَمْلاَهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ تَرْتِيبُهُ عَلَى الوَضْعِ المُتَنَاسِبِ، وَاعْتَنَى بِتصَانِيفِ الخَطِيبِ المُتَفَرِّقَةِ؛ فَجَمَعَ شَتَاتَ مَقَاصِدِهَا، وَضَمَّ إِلَيْهَا مِنْ غَيْرِهَا نُخَبَ فَوَائِدِهَا.

فَاجْتمَعَ فِي كِتَابِهِ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهِ، فَلِهَذَا عَكَفَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَسَارُوا بِسَيْرِهِ؛ فَلاَ يُحْصَى كَمْ نَاظِمٍ لَهُ وَمُخْتَصِرٍ، وَمُسْتَدْرِكٍ عَلَيْهِ، وَمُقْتَصِرٍ، وَمُعَارِضٍ لَهُ، وَمُنْتَصِرٍ.

(4) (فَسَأَلَنِي بَعْضُ الإِخْوَانِ أَنْ أُلَخِّصَ لَهُ المُهِمَّ مِنْ ذَلِكَ)
فَلَخَّصْتُهُ فِي أورَاقٍ لَطِيفَةٍ سَمَّيْتُهَا(نُخْبَةَ الفِكَرِ في مُصْطَلَحِ أَهْلِ الأَثَرِ)، عَلَى تَرْتِيبٍ ابْتَكَرْتُهُ وَسَبْيلٍ انْتَهَجْتُهُ، مَعَ مَا ضَمَمْتُهُ إِلَيْهِ مِنْ شَوَارِدِ الفَرَائِدِ، وَزَوَائِدِ الفَوَائِدِ.
(5) (فَأَجَبْتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ رَجَاءَ الانْدِرَاجِ فِي تِلْكَ المَسَالِكِ) فَرَغِبَ إِلَيَّ جَمَاعَةٌ ثَانِيًا أَنْ أَضَعَ عَلَيْهَا شَرْحًا يَحُلُّ رُمُوزَهَا، وَيَفْتَحُ كُنُوزَهَا، وَيُوَضِّحُ مَا خَفِيَ عَلَى المُبْتَدِئِ مِن ذَلِكَ (فَأَجَبْتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ رَجَاءَ الانْدِرَاجِ في تِلْكَ المَسَالِكِ) فَبَالَغْتُ فِي شَرْحِهَا فِي الإيضَاحِ وَالتَّوْجِيهِ، وَنَبَّهْتُ عَلَى خَبَايا زَوَاياهَا؛ لأنَّ صَاحِبَ البَيْتِ أَدْرَى بِمَا فيه، وَظَهَرَ لِي أَنَّ إيرَادَهُ عَلَى صُورَةِ البَسْطِ أَلْيَقُ، ودَمْجَهَا ضِمْنَ تَوْضِيحِهَا أوفَقُ، فَسَلَكْتُ هَذِهِ الطَّرِيقَ القَلِيلَةَ الَمَسَالِكِ.
(6) (فَأَقُولُ)طَالِبًا مِن اللهِ التّوفِيقَ فِيمَا هُنَالِكَ.
(الخَبَرُ)عِنْدَ عُلَمَاءِ هَذَا الفَنِّ:
- مُرَادِفٌ لِلْحَدِيثِ.
- وَقِيلَ:الحَّدِيثُ: مَا جَاءَ عَن النّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ.
وَالخَبَرُ:مَا جَاءَ عَن غَيْرِهِ.
وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِالتَّوَارِيخِ وَمَا شَاكَلَهَا: الأَخْبَارِيُّ، وَلِمَن يَشْتَغِلُ بِالسُّنَّةِ النّبَوِيَّةِ: المُحَدِّثُ.
- وَقِيلَ:بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ؛ فَكُلُّ حَدِيثٍ خَبَرٌ مِن غَيْرِ عَكْسٍ.
وَعَبَّرْتُ هُنَا بِالخَبَرِ لِيَكُونَ أَشْمَلَ، فَهُوَ بِاعْتِبَارِ وُصُولِهِ إِلَيْنَا.
(7) (إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ)أي: أَسَانِيدُ كَثِيرَةٌ؛ لأنَّ طُرُقًا جَمْعُ طَرِيقٍ، وَفَعِيلٌ فِي الكَثْرَةِ يُجْمَعُ عَلَى فُعُلٍ بِضَمَّتَينِ، وَفِي القِلَّةِ عَلَى أَفْعِلَةٍ.
وَالمُرَادُ بِالطُّرُقِ الأَسَانِيدُ، وَالإِسْنَادُ حِكَايةُ طَرِيقِ المَتْنِ، وَتِلْكَ الكَثْرَةُ أَحَدُ شُرُوطِ التَّوَاتُرِ إِذَا وَرَدَتْ (بِلاَ) حَصْرِ(عَدَدٍ مُعَيَّنٍ) بَلْ تَكُونُ العَادَةُ قَدْ أَحَالَتْ تَوَاطُؤَهُمْ عَلَى الكَذِبِ، وَكَذَا وُقُوعُهُ منهم اتِّفاقًا مِن غَيْرِ قَصْدٍ؛ فَلاَ مَعْنَى لِتَعْيِينِ العَدَدِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَمنهمْ:مَن عَيَّنَهُ فِي الأَرْبَعَةِ.
وَقِيلَ: فِي الخَمْسَةِ.
وَقِيلَ: فِي السَّبْعَةِ.
وَقِيلَ: فِي العَشَرَةِ.
وَقِيلَ: فِي الاثْنَيْ عَشَرَ.
وَقِيلَ: فِي الأَرْبَعِينَ.
وَقِيلَ:فِي السّبْعِينَ.
وَقِيلَ:غَيْرُ ذَلِكَ.
وتمسَّكَ كُلُّّ قائلٍ بدليلٍ جاءَ فيه ذِكْرُ ذَلكَ العَدَدِ فأفادَ العِلْمَ، وليس بلازمٍ أن يَطَّرِدَ في غَيرهِ لاحْتمَالِ الاخْتصَاصِ، فإذا وردَ الخَبرُ كَذلكَ وانضَافَ إليهِ:
- أنْ يستويَ الأمرُ فيه في الكَثْرةِ المَذْكُورَةِ مِن ابتدائِهِ إِلى انتهائِهِ.
والمرادُ بالاسْتِواءِ: أن لا تَنْقُصَ الكَثْرةُ المَذْكُورةُ فِي بَعضِ المَواضعِ لا أنْ لا تَزيدَ؛ إذ الزّيَادَةُ هُنا مَطْلُوبةٌ مِن بَابِ أولى.
- وأنْ يكونَ مُسْتَنَدُ انْتِهَائِهِ الأَمْرَ المُشَاهَدَ أو المَسْمُوعَ، لاَ مَا ثَبَتَ بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ.
فَإِذَا جَمَعَ هَذِهِ الشّروطَ الأَرْبَعةَ -وَهِي:
أ-عَدَدٌ كَثيرٌ أَحَالَت العادةُ تَوَاطُؤَهُمْ وتَوَافُقَهُم عَلَى الكَذبِ.
ب-رَوَوْا ذَلِكَ عَن مِثْلِهِمْ مِن الابْتِداءِ إِلى الانْتِهاءِ.
ت-وَكانَ مُسْتندُ انْتِهائِهمْ الحِسَّ.
ث-وَانْضَافَ إلَى ذَلِك أَنْ يَصْحَبَ خَبَرَهُم إِفَادَةُ العِلْمِ لسامِعِهِ.
فَهَذَا هُو المُتواتِرُ، ومَا تَخلَّفتْ إِفَادةُ العِلْمِ عَنْهُ كَانَ مشهورًا فَقَطْ.
فَكُلُّّ مُتَواترٍ، مَشْهورٌ مِن غَيْرِ عَكْسٍ.

وَقَد يُقَالُ: إِنَّ الشّروطَ الأَرْبَعَةَ إِذَا حَصَلَت اسْتَلْزَمَتْ حُصُولَ العِلْمِ، وَهوكَذلكَ في الغَالبِ، لكِنْ قَد تَتَخَلَّفُ عَن البَعْضِ لمَانعٍ.

وَقَدْ وَضَحَ بِهَذَا تَعريِفُ المُتَواتِرِ، وَخِلاَفُهُ قَد يَرِدُ بِلاَ حَصْرٍ أيضًا، لَكِنْ مَعَ فقْدِ بَعْضِ الشُّروطِ.

(8) (أو مَعَ حَصْرٍ بِمَا فَوْقَ الاثْنَيْنِ)أي: بِثَلاَثةٍ فَصَاعدًا مَا لمْ يَجْمَعْ شُرُوطَ المُتواتِرِ

(9) (أو بِهِمَا) أي: بِاثْنَينِ فَقَطْ، (أو بِوَاحِدٍ) فَقَطْ.

وَالمُرَادُ بِقَولِنَا: (أَنْ يَرِدَ بِاثْنينِ) أَنْ لاَ يَرِدَ بِأَقَلَّ منهمَا؛ فَإِنْ وَرَدَ بِأكثرَ فِي بَعْضِ المَواضِعِ مِن السَّنَدِ الوَاحِدِ لاَ يَضُرُّ؛ إِذْ الأَقلُّ فِي هَذَا العِلْمِ يَقضِي عَلَى الأَكثرِ).

هيئة الإشراف

#3

3 Nov 2008

نظم الدرر لفضيلة الشيخ: إبراهيم اللاحم

قال الشيخ إبراهيم بن عبد الله اللاحم: (هذا الكتابُ هو خُلاَصَةُ كُتُبِ علومِ الحديثِ، والذي كَتَبَهُ إِمَامٌ مَشْهُورٌ، وهو الحافظُ ابنُ حَجَرٍ الْعَسْقَلاَنِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- كَتَبَ الأَصْلَ الذي هو (النُّخْبَةُ)، وهو عبارةٌ عن إشاراتٍ بسيطةٍ لاَ تَكَادُ تُفْهَمُ لِوَحْدِهَا، وَلَعَلَّهُ كَتَبَهَا لِلْحِفْظِ، ثم بعدَ ذلك رأَى بِنَاءً على سُؤَالِ بَعْضِ الإخوانِ لهُ -كما قَالَ- أَنْ يُوَضِّحَ الأصلَ، وَيَشْرَحَهُ في كِتَابِنَا (نُزْهَةُ النَّظَرِ).

وقد شُرِحَت (النُّخْبَةُ) مِنْ قِبَلِ أَكْثَرَ مِنْ إمامٍ بعدَ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ،واعْتُنِيَ بها؛ لأَنَّ فيها خُلاَصةَ أُمَّهَاتِ كُتُبِ هذا الفنِّ وَلُبَّ الكلامِ فيهِ.

قَالَ ابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ تعالى:

(أَمَّا بعدُ: فَإِنَّ التصانيفَ في اصْطِلاَحِ أهلِ الحديثِ قد كَثُرَتْ لِلأَئِمَّةِ في القديمِ والحديثِ، فَمِن أَوَّلِ مَن صَنَّفَ في ذلكَ:

- القاضي أبو محمدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابِهِ (الْمُحَدِّثُ الْفَاصِلُ)، لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَوْعِبْ.

- والحاكمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ، لَكِنَّهُ لَم يُهَذِّبْ، وَلَمْ يُرَتِّبْ.

- وَتَلاَهُ أبو نُعَيْمٍ الأَصْبَهَانِيُّ، فَعَمِلَ عَلَى كِتَابِهِ (مُسْتَخْرَجًا)، وَأَبْقَى أَشْيَاءَ لِلْمُتَعَقِّبِ.

- ثم جاءَ بعدَهم الخَطِيبُ أبو بكرٍ الْبَغْدَادِيُّ، فَصَنَّفَ في قوانينِ الروايةِ كتابًا سَمَّاهُ (الْكِفَايَةُ)، وفي آدَابِهَا كتابًا سَمَّاهُ (الْجَامِعُ لآدَابِ الشَّيْخِ وَالسَّامِعِ)، وَقَلَّ فَنٌّ مِنْ فنونِ الحديثِ إلاَّ وقد صَنَّفَ فيهِ كتابًا مُفْرَدًا.

فكانَ كما قَالَ الحافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ: (كُلُّ مَنْ أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ الْمُحَدِّثِينَ بعدَ الخطيبِ عِيَالٌ على كُتُبِهِ).

ثم جاءَ بعدَهم بعضُ مَنْ تَأَخَّرَ عن الخطيبِ، فأخذَ مِن هذا العلمِ بنصيبٍ.

- فجمعَ القاضي عِيَاضٌ كتابًا لطيفًا سَمَّاهُ (الإِلْمَاعُ).

- وأبو حَفْصٍ الْمَيَّانَجِيُّ
جُزْءاً سَمَّاهُ (مَا لاَ يَسَعُ الْمُحَدِّثَ جَهْلُهُ).

وأمثالُ ذلك مِن التصانيفِ التي اشْتَهَرَتْ وَبُسِّطَتْ؛ لِيَتَوَفَّرَ عِلْمُهَا، وَاخْتُصِرَتْ لِيَتَيَسَّرَ فَهْمُهَا.

- إلى أنْ جاءَ الحافظُ تَقِيُّ الدِّينِ أبو عَمْرٍو عثمانُ بنُ الصلاحِ عبدُ الرحمنِ الشَّهْرَزُورِيُّ نَزِيلُ دِمَشْقَ، فجمعَ -لَمَّا وُلِّيَ تَدْرِيسَ الحديثِ بالمدرسةِ الأَشْرَفِيَّةِ- كِتَابَهُ المشهورَ، فَهَذَّبَ فُنُونَهُ، وَأَمْلاَهُ شَيْئًا بعدَ شيءٍ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَحْصُلْ تَرْتِيبُهُ على الْوَضْعِ الْمُتَنَاسِبِ، وَاعْتَنَى بتصانيفِ الخطيبِ الْمُتَفَرِّقَةِ؛ فَجَمَعَ شَتَاتَ مَقَاصِدِهَا، وَضَمَّ إليها مِن غيرِهَا نُخَبَ فَوَائِدِهَا؛ فَاجْتَمَعَ في كتابِهِ ما تَفَرَّقَ في غيرِهِ؛ فلهذا عَكَفَ الناسُ عليه، وساروا بِسَيْرِهِ؛ فَلاَ يُحْصَى كَمْ نَاظِمٍ لَهُ وَمُخْتَصِرٍ، وَمُسْتَدْرِكٍ عَلَيْهِ وَمُقْتَصِرٍ، وَمُعَارِضٍ لَهُ وَمُنْتَصِرٍ.

فَسَأَلَنِي بعضُ الإخوانِ أنْ أُلَخِّصَ لَهُ الْمُهِمَّ مِن ذلك؛ فَلَخَّصْتُهُ في أوراقٍ لطيفةٍ سَمَّيْتُهَا (نُخْبَةُ الْفِكَرِ في مُصْطَلَحِ أَهْلِ الأَثَرِ)، على تَرْتِيبٍ ابْتَكَرْتُهُ، وَسَبِيلٍ انْتَهَجْتُهُ، مَعَ مَا ضَمَمْتُهُ إليهِ مِن شَوَارِدِ الْفَرَائِدِ، وَزَوَائِدِ الْفَوَائِدِ.

فَرَغَّبَ إليَّ جماعةٌ ثانيًا أنْ أَضَعَ عليها شَرْحًا يَحُلُّ رُمُوزَهَا، وَيَفْتَحُ كُنُوزَهَا، وَيُوَضِّحُ مَا خَفِيَ على الْمُبْتَدِئِ مِن ذلك؛ فَأَجَبْتُهُ إلى سُؤَالِهِ رَجَاءَ الانْدِرَاجِ في تلكَ الْمَسَالِكِ؛ فَبَالَغْتُ في شَرْحِهَا في الإيضاحِ والتوجيهِ، وَنَبَّهْتُ على خَبَايَا زَوَايَاهَا؛ لأَنَّ صَاحِبَ البيتِ أَدْرَى بما فيه، وظَهَرَ لِي أنَّ إِيرَادَهُ على صورةِ الْبَسْطِ أَلْيَقُ، وَدَمْجَهَا ضِمْنَ تَوْضِيحِهَا أَوْفَقُ، فَسَلَكْتُ هذه الطريقةَ الْقَلِيلَةَ الْمَسَالِكِ، فَأَقُولُ طَالِبًا مِن اللهِ التوفيقَ فِيمَا هُنَالِكَ.

الشرح:

هذا المقطعُ يدورُ حولَ ما يُعْرَفُ في الوقتِ الحاضِرِ بتقييمِ مصادِرِ الفَنِّ، فالباحثُ قبلَ أن يكتُبَ في موضوعٍ ما يُعْطِينَا خلاصةَ ما كُتِبَ قَبْلَهُ، وهذا يُسَمُّونَهُ نَقْدَ المصادِرِ، أو تقييمَ المصادرِ التي سَبَقَتْ في هذا الفَنِّ، أو الموضوعِ الذي يَكْتُبُ فِيه.

- وابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللهُ دَرَجَ على هذا في كثيرٍ مِن كُتُبِهِ، يكتُبُ خلاصةً حولَ ما كُتِبَ قبلَهُ، ويَدْخُلُ مِن هذه الخلاصةِ إلى كِتَابِهِ الذي سَيَكْتُبُ فيه؛ لِيُبَيِّنَ للطالبِ لِمَ هو كتَبَ مع أنَّ هناك كُتُبًا قد تَقَدَّمَتْ عليه.

وهذا العَمَلُ مُسْتَحْسَنٌ الآنَ في ضِمْنِ مناهجِ البحْثِ، وهو أن يُكْتُبَ نَقْدًا لمصادرِهِ، مثلَ أنْ يقولَ: فلانٌ كَتَبَ في الموضوعِ، وَلَكِنَّ كتابَهُ يَعُوزُهُ كذا وكذا، وهكذا يُعَدِّدُ المصادرَ، ويُبَيِّنُ مَزَايَاهَا وما فيها مِن أخطاءٍ.

- فذكَر ابنُ حَجَرٍ أن أولَّ مَن صَنَّفَ في ذلك القاضي أبو محمدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ في كتابِهِ (المُحَدِّثُ الفَاصِلُ)، وتابعَهُ الباحثونَ على هذا الرأْيِ؛ فَيَنْسِبُونَ الفَضْلَ إلى الرَّامَهُرْمُزِيِّ، وهو أبو محمدٍ الحسنُ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ المتوفَّى نحوَ سنةِ 360 للهجرةِ.


ومِن المفارقاتِ العجيبةِ أنَّهُ لُغَوِيٌّ أَشْهَرُ منه مُحَدِّثٌ، ومع هذا فهو أوَّلُ مَن كَتَبَ كِتَابًا مُسْتَقِلاّ في فَنِّ علومِ الحديثِ، وَنَقَدَهُ ابنُ حَجَرٍ بكلمةٍ واحدةٍ، وهي (أَنَّهُ لم يَسْتَوْعِبْ) أي: لم يَسْتَكْمِلْ مباحثَ هذا الفَنِّ، وعُذْرُ الرَّامَهُرْمُزِيِّ في هذا ظَاهِرٌ جِدًّا، وهو أَنَّهُ أوَّلُ مَن صَنَّفَ.

ثم جاءَ مِن بعدِهِ: الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسَابُورِيُّ المُتَوَفَّى سنةَ 405، واسْمُ كتابِهِ (مَعْرِفَةُ عُلُومِ الحديثِ)، وَنَقَدَهُ ابنُ حَجَرٍ بقولِهِ: (لَكِنَّهُ لمْ يُهَذِّبْ ولم يُرَتِّبْ).

والتهذيبُ والترتيبُ مُخْتَلِفَانِ.

فَعَدَمُ التهذيبِ يشملُ أشياءَ، وهي:

- تَدَاخُلُ الموضوعاتِ.
- عَدَمُ تحريرِ موضوعٍ وَفَصْلُهُ عن موضوعٍ آخَرَ.

- التطويلُ مع إمكانِ الاختصارِ.

وعدمُ الترتيبِ معناهُ:أَنَّهُ لم يَضُمَّ الأشياءَ المتشابهةَ بعضَهَا إلى بعضٍ، فجاءَ موضوعٌ إلى جنبِ موضوعٍ آخَرَ، وحَقُّهُمَا أنْ يَفْتَرِقَا.

ثم تَلاَ الحاكِمَ أبو نعيمٍ الأَصْبَهَانِيُّ صاحِبُ كتابِ (حِلْيَةِ الأَوْلِيَاءِ) المُتَوَفَّى سنةِ 430، فعمِلَ على كتابِ الحاكمِ كتابًا سَمَّاهُ (المُسْتَخْرَجُ على معرفةِ علومِ الحديثِ)، وَنَقَدَهُ ابنُ حَجَرٍ بأنَّ هناكَ أشياءَ تُلاحَظُ لم يُلاحِظْهَا، وأشياءَ يَنْبَغِي استدراكُهَا، ولم يَسْتَدْرِكْهَا.

- ذَكَرَ ابنُ حَجَرٍ كتابَ الرَّامَهُرْمُزِيِّ، والحاكمِ، وأبي نعيمٍ، والخطيبِ الْبَغْدَادِيِّ، والقاضي عِياضٍ، ثم المَيَّانَجِيِّ، وغالبُ هذه الكتبِ يُمَثِّلُ مرحلةً من مراحلِ التأليفِ في علومِ الحديثِ نُطْلِقُ عليها مرحلةَ تأليفِ الكُتُبِ المُسْنَدَةِ.

ومعنى مُسْنَدَةٍ:أنَّ أقوالَ الأئمةِ فيها مَرْوِيَّةٌ بالأسانيدِ، فعندَما يَنْقُلُ الخطيبُ مثلاً عن الإمامِ أحمدَ قولاً فإنَّهُ يَذْكُرُهُ عنه بإسنادِهِ.

وكذلك: الحاكمُ، وأبو نعيمٍ، والرَّامَهُرْمُزِيُّ.

وهناك مرحلةٌ لم يذكرْهَا ابنُ حَجَرٍ، وهي: قبلَ مرحلةِ الكُتُبِ المُسْنَدَةِ، ولم يَتَعَرَّضْ لها لسببٍ واحدٍ، وهو أنَّ التأليفَ في وقتِهَا لم يَكُنْ في كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ، بمعنى أنَّ مباحثَ علومِ الحديثِ لا توجدُ في كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ؛ إذ أنَّ الرَّامَهُرْمُزِيَّ هو أوَّلُ مَن كَتَبَهَا في كتابٍ مُسْتَقِلٍّ.

ومِن أمثلةِ العلومِ الحديثيةِ المَبْثُوثَةِ ضِمْنَ الكُتُبِ الأخرَى:

- مُقَدِّمَةُ (صحيحِ مسلِمٍ) ، تَحَدَّثَ فيها عن بعضِ المباحثِ في علومِ الحديثِ.

- ومثلُ (الرسَالَةِ) للشافعيِّ.

- ومقدمةُ (الجَرْحِ والتَعْدِيلِ) لابنِ أبي حاتِمٍ.

- ومقدمةُ (الكاملِ) لابنِ عَدِيٍّ.

- ومقدمةُ (المَجْرُوحِينَ) لابنِ حِبَّانَ.
- وَمقدمةُ (الصحيحِ) لَهُ.
-ومنها أيضًا: (عِلَلُ الإمامِ أحمدَ).
- و(عِلَلُ ابنِ الْمَدِينِيِّ).
- و(العِلَلُ الصغيرُ) للترمذِيِّ.
- و(العِلَلُ الكبيرُ) له أيضًا.
فهذه كُتُبٌ فيها علومُ الحديثِ، لكنَّها ليستْ كُتُبًا مُسْتَقِلَّةً، لهذا فإنَّ ابنَ حَجَرٍ ابْتَدَأَ بِذِكْرِ أوَّلِ مَن دَوَّنَ كتابًا مُسْتَقِلاً في هذا الفَنِّ، وَتَرَكَ تلكَ المرحلةَ، وهي مَرْحَلَةٌ لا تَقِلُّ أهميةً عن المرحلةِ التي تَلَتْهَا.
- ثم جاءَ ابنُ الصلاحِ، وبدأَ مرحلةً ثالثةً في علومِ الحديثِ، فجمَعَ لَمَّا وُلِّيَ تَدْرِيسَ الحديثِ بالمدرسةِ الأشرفيَّةِ كتابَهُ المشهورَ، والحافظُ لم يُسَمِّهِ؛ لأَنَّهُ مشهورٌ، ولأنَّ ابنَ الصلاحِ لم يُطْلِقْ عليهِ اسمًا في دِيبَاجَتِهِ للكتابِ، وقد سَمَّاهُ في كتابٍ آخَرَ لَهُ (مَعْرِفَةُ علومِ الحديثِ)، واشْتَهَرَ الكتابُ (بمقدمةِ ابنِ الصلاحِ)، ويُعْرَفُ أيضًا (بعلومِ الحديثِ)، وقد تَولَّى ابنُ الصلاحِ رَحِمَهُ اللهُ تدريسَ الحديثِ بالمدرسةِ الأشرفيَّةِ؛ فأرادَ أنْ يجعلَ مقدمةً في علومِ الحديثِ، لَكِنَّهُ نَظَرَ في الكُتُبِ التي قبلَهُ، فَوَجَدَهَا لا تَصْلُحُ لِتَقْرِيرِهَا على طُلاَّبِهِ؛ وذلِكَ لأنَّ:-الكُتُبَ مُسْنَدَةٌ، فَيَحْصُلُ مع الإسنادِ طولٌ في الكتابِ، إضافةً إلى سَبَبٍ آخَرَ للطولِ؛ وهو التَّكرارُ، بمعنى أنَّ النصَّ الواحدَ يُكَرَّرُ عن أكثرَ مِن إمامٍ؛ لأَنَّهُ سَيَذْكُرُهُ عن كُلِّ إمامٍ مُسْنَدًا.
-أنَّ علومَ الحديثِ مُتَفَرِّقَةٌ في مجموعِ هذه الكُتُبِ.

إذًا يحتاجُ ابنُ الصلاحِ إلى كتابٍ محذوفِ الأسانيدِ، جامعٍ لشَتَاتِ مباحثِ هذا الفَنِّ، فَعَزَمَ على أنْ يُؤَلِّفَ كتابًا في علومِ الحديثِ، فصارَ كلَّما جمعَ موضوعًا من الكتبِ السابقةِ أملاهُ على الطلاَّبِ بِحَسَبِ ما يَتَيَسَّرُ له، ولهذا لم يُرَتِّبْ كتابَهُ الترتيبَ المناسبَ، بحيثُ يَجْمَعُ ما يَتَعَلَّقُ مثلاً: بالإسنادِ لِوَحْدِهِ، وما يَتَعَلَّقُ: بالمَتْنِ لِوَحْدِهِ، وما يَتَعَلَّقُ: بالسماعِ والروايةِ لِوَحْدِهِ... إلخ.

وَمُنْذُ أنْ أَخَرَجَ ابنُ الصلاحِ كتابَهُ وَضَعَهُ العلماءُ على مَحَكِّ النقْدِ، وهذه مِيزَةٌ قديمةٌ لعلماءِ الأُمَّةِ الإسلاميةِ سَبَقُوا بها غيرَهُم، بل إنَّ ابنَ الصلاحِ نفسَهُ قد رَاجَعَ كتابَهُ، فله تعليقاتٌ واستدراكاتٌ تُوجَدُ في بعضِ نُسَخِ كتابِهِ.

إذن كان لابنِ الصلاحِ رَحِمَهُ اللهُ الفضلُ في الابتداءِ في جَمْعِ شَتَاتِ هذا الفَنِّ مِن هذه الكُتُبِ المُتَفَرِّقَةِ، ولا بُدَّ أنْ يَحْصُلَ له أشياءُ:

منها: ما ذَكَرَهُ ابنُ حَجَرٍ، وهو عَدَمُ الترتيبِ.

كما حصلَ له أخطاءٌ أَلَّفَ العلماءُ لأجْلِهَا كُتُبًا يَنْتَقِدُونَ فيها كتابَ ابنِ الصلاحِ، وكثيرٌ مما يُنْتَقَدُ على ابنِ الصلاحِ يكونُ الصوابُ مَعَهُ، وانْتَصَرَ له فيه أَئِمَّةٌ.

ومِن الكتبِ التي يُذكَرُ فيها ذلك:
- (نُكَتُ الزَّرْكَشِيِّ).
- (ونُكَتُ العِرَاقِيِّ) ، ويُسَمَّى (التقْيِيدُ والإِيضَاحُ).
- (وَنُكَتُ ابنِ حَجَرٍ) وغيرُهَا، وفاتَهُ أشياءُ ذَكَرَهَا العلماءُ بعدَهُ، وهذا ما يُسَمُّونَهُ (الاستدراكَ).فلو قَارَنْتَ مثلاً بينَ كتابِ ابنِ الصلاحِ، وكتابِ (فَتْحُ المُغِيثِ) للسَّخَاوِيِّ، أو للعِرَاقِيِّ؛ لَوَجَدْتَ أنَّ هناك مباحثَ أَغْفَلَهَا ابنُ الصلاحِ؛ فَيُضِيفُونَ عليه ما رَأَوْا أَنَّهُ قد فاتَهُ.

وبعضُ العلماءِ قال: هذا الكتابُ يَصْلُحُ لِطَلَبَةٍ مُتَقَدِّمِينَ في هذا الفَنِّ؛ إذ إنَّ بعضَ الطلاَّبِ يَحْتَاجُ إلى كتابٍ أَخْصَرَ مِن كتابِ ابنِ الصلاحِ، فَعَمَدَ بعضُهُم إلى اختصارِ الكتابِ، فاختصرَهُ النَّوَوِيُّ في (إِرْشَادُ طُلاَّبِ الحقائقِ)، ثم اختصرَ (الإرشادُ) أيضا في (التقْرِيبُ).

وَمِمَّن اختصرَ كتابَ ابنِ الصلاحِ:

- ابنُ كثيرٍ في (اختصارُ علومِ الحديثِ) .

- وابنُ دَقِيقِ العيدُ في كتابِهِ (الاقتراحُ في بيانِ الاصطلاحِ) .

- وجاءَ الذهبيُّ فاختصرَ (الاقتراحَ) في (المُوقِظَةِ).

وقالَ بعضُ الأئمَّةِ: إنَّ هذا المَتْنَ منثورٌ، وبعضُ الطلابِ يَصْلُحُ لهم أنْ يكونَ منظومًا، فَنَظَمَهُ وزادَ عليه مثلُ العراقيِّ والسُّيُوطِيِّ.

ثم إنَّ هذه المنظوماتِ، والمختصراتِ تحتاجُ إلى شَرْحٍ، مثلَ (التقريبِ) شَرَحَهُ السيُّوطِيُّ في كتابِهِ (تدريبُ الراوِي)، (وَأَلْفِيَّةِ العراقيِّ) شَرَحَهَا العراقيُّ نفسُهُ، كما شَرَحَهَا السَّخَاوِيُّ.

نَفْهَمُ مِن كُلِّ هذا أنَّ الأَئِمَّةَ بعدَ ابنِ الصلاحِ يَدُورُونَ حولَ هذا الكتابِ، فَصَارَت التآليفُ بعدَهُ كُلُّهَا تدورُ حولَ هذا الكتابِ، ما بينَ مُخْتَصِرٍ له، وَشَارِحٍ، وَمُسْتَدْرِكٍ عليه، ونَاقِدٍ له، وَمُنْتَصِرٍ.

وبينَ ابنِ الصلاحِ، وابنِ حَجَرٍ، قريبٌ مِن مِئَتَيْ سَنَةٍ، اشْتَغَلَ خلالَها العلماءُ بكتابِ ابنِ الصلاحِ نَظْمًا، واخْتِصَارًا، وَتَعَقُّبًا؛ لكنَّ الترتيبَ لم يَتَعَرَّضْ له أحدٌ، إذ إنَّ الكُتُبَ التي خَرَجَتْ في الفترةِ التي بينَ ابنِ الصلاحِ، وبينَ ابنِ حَجَرٍ، تَسِيرُ على ترتيبِ ابنِ الصلاحِ في الغالِبِ، فَلَمَّا جاءَ ابنُ حَجَرٍ قامَ بترتيبِ المباحثِ الحديثيةِ في هذا الكتابِ (نُخْبَةُ الفِكَرِ).

- إذًا فَمِيزَةُ هذا الكتابِ، إعادةُ الترتيبِ.

- وفي حجمٍ لطيفٍ.

- قامَ بتحريرِ مصطلحاتِ علومِ الحديثِ، بحيثُ إنَّ مَن جاءَ بعدَ ابنِ حَجَرٍ اعْتَمَدَ كلامَهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - في التعاريفِ، بل وحتى في الأمثلةِ أحيانًا.

والكتبُ التي أُلِّفَتْ في المُصْطَلَحِ بعدَ ابنِ حَجَرٍ:

منها: ما أُلِّفَ على ترتيبِهِ، وهذه غالبُهَا.

ومنها: ما أُلِّفَ على ترتيبِ ابنِ الصلاحِ، وهذا له سَبَبٌ؛ فالسَّخَاوِيُّ مثلاً مِن تلامذةِ ابنِ حَجَرٍ، وله كتابٌ اسْمُهُ (فَتْحُ المُغِيثِ) ؛ لَكِنَّهُ يَشْرَحُ الألفيَّةَ، وَصَاحِبُهَا مِن شُيُوخِ ابنِ حَجَرٍ؛ فطبيعيٌّ أنْ يكونَ ترتيبُ (فتحِ المُغِيثِ) على ترتيبِ ابنِ الصلاحِ.

وكذلكَ:السيُوطِيُّ في (تدريبُ الراوي) الذي يَشْرَحُ فيه كتابَ (التقريبِ) لِلنَّوَوِيِّ.

ومِن المعاصرينَ مَن اقْتَرَحَ ترتيبًا مِن عندهِ هو، ولم يُشَارِكِ ابنَ الصلاحِ، ولا ابنَ حَجَرٍ، مِنهم أبو شُهْبَةَ في كتابِ (الوَسِيطُ في علومِ الحديثِ) ، وَعَجاجُ الخطيبُ في (علومُ الحديثِ ومُصْطَلَحُهُ)، وكُتُبٍ أُخْرَى، والخلافُ في كُلِّ هذه الكتبِ إنَّمَا يكونُ في الترتيبِ، والبَسْطِ، والاختصارِ.

مِن الطُّرُقِ المُتَّبَعَةِ في شَرْحِ المُتُونِ:

- أنْ يقومَ الشارحُ بِذِكْرِ النِّقَاطِ المُرَادِ شَرْحُهَا وَجَعْلِهَا كَعَنَاوِينَ، ثم يَشْرَحُهَا شَرْحًا مُجْمَلاً، وهذه الطريقةُ مثلُ: كتابِ (المُغْنِي) في شرحِ (مُخْتَصَرُ الْخِرَقِيِّ).

وَطَرِيقَتُهُ أنْ يقولَ:

قولُهُ (………) ثم يَنْفَصِلُ عنه وكأَنَّهُ يُؤَلِّفُ كِتَابًا مِن عندِهِ، وهذه الطريقةُ تُسَمَّى في الوَقْتِ الحاضِرِ: الشرحَ المَوْضُوعِيَّ، وهذه الطريقةُ مَعْرُوفَةٌ، ولها مَزَايَا، وهي تُعْطِي للمؤلفِ حُرِّيَّةً بحيثُ يَكْتُبُ دونَ ارتباطٍ بالألفاظِ، وبهذا يكونُ غيرَ مُقَيَّدٍ بالنسبةِ للألفاظِ.

- وهناك طريقةٌ ثانيةٌ في الشرحِ، وهي أنْ يَجْعَلَ المَتْنَ في وسطِ الشرْحِ، فَيَتَكَلَّفُ الشارحُ بأَنْ يَجْعَلَ المَتْنَ، والشرْحَ، كأَنَّهُ كتابٌ واحِدٌ، مثلَ:(فتْحُ المُغِيثِ) في شرْحِ ألفِيَّةِ العِرَاقِيِّ، وهذه الطريقةُ تُقَيِّدُ الشارِحَ كثيرًا.

ولو أنَّ السَّخَاوِيَّ أَلَّفَ كتابَ (فتحِ المُغِيثِ) ابتداءً بدلاً مِن أنْ يشرحَ الألفيَّةَ، ويَتَقَيَّدَ بألفاظِ العِرَاقِيِّ لكان أَحْسَنَ سَبْكًا، وَأَحْسَنَ عِبَارَةً.

فمع ما في هذا الكتابِ مِن معلوماتٍ قَيِّمَةٍ بحيثُ يُعْتَبَرُ -في نَظَرِي- أَفْضَلَ كِتَابٍ في علومِ الحديثِ، إلاَّ أنَّ مُشْكِلَتَهُ تَكْمُنُ في صعوبةِ العبارةِ، وصعوبتُهَا جاءتْ مِن اتِّبَاعِهِ وحِرْصِهِ على التَّقَيُّدِ بألفاظِ صاحبِ المَتْنِ.

إضافةً إلى أنَّ أسلوبَ السَّخَاوِيِّ نفسَهُ، كان فيهِ شيءٌ مِن الصعوبَةِ.

- وابنُ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ اختارَ الطريقةَ الثانيةَ، وهي طريقةُ دَمْجِ المَتْنِ بالشرْحِ.

قَالَ ابنُ حَجَرٍ: الخبرُ عندَ علماءِ هذا الفنِّ:

- مرادفٌ للحديثِ.

- وَقِيلَ:الحديثُ: ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

- والخبرُ: ما جاءَ عن غيرِهِ.

ومِنْ ثَمَّ قِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِالتَّوَارِيخِ وَمَا شَاكَلَهَا

(الأَخْبَارِيُّ) ، وَلِمَنْ يَشْتَغِلُ بِالسُّنَّةِ النبويةِ (الْمُحَدِّثُ).

- وَقِيلَ:بَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فكلُّ حديثٍ خَبَرٌ مِن غيرِ عَكْسٍ.

وَعَبَّرْتُ هُنَا بالخبرِ لِيَكُونَ أَشْمَلَ.


الشرح:

شَرَعَ الحافظُ في شرحِ كلمةِ (الخَبَرِ) التي جاءتْ في المَتْنِ، فَيَقُولُ: (إِنَّهُ مُرَادِفٌ للحديثِ عندَ علماءِ هذا الفَنِّ، أي: أنَّ كِلَيْهِمَا فيمَا وَرَدَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثم ذَكَرَ قولاً آخَرَ: وهو أنَّ الحديثَ: ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والخبرُ:ما جاءَ عن غيرِهِ، وهذا القولُ الثاني هو الأَغْلَبُ، والمُتَبَادِرُ عندَ الإطلاقِ.

فعندَما نَقُولُ: هذا الحديثُ صحيحٌ، فَيُرَادُ به ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّ هذا لا يَعْنِي أنَّ كلمةَ (الحديثِ) لا تُسْتَعْمَلُ في غيرِ ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَجِدُ الأَئِمَّةَ السابقينَ -ونحنُ نَتَكَلَّمُ عن اصطلاحِهِم- يقولون عَمَّا جاءَ عن ابنِ مسعودٍ: هذا الحديثُ لا يَصِحُّ، وَمُرَادُهُم بهِ أَنَّهُ لا يَصِحُّ مِن كلامِ ابنِ مسعودٍ، لَكِنَّ الاصطلاحَ العامَّ أنْ يُرَادَ بالحديثِ ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

ويُرَادُ بالخبرِ في الأغلبِ: ما جاءَ عن غيرِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما يُقَالُ: فلانٌ أَخْبَارِيٌّ، مَعْنَاهُ: أَنَّهُ رَاوِيَةٌ للأخبارِ والتي تكونُ في الغالبِ غيرَ أحاديثَ، وليس مَعْنَى هذا أنَّ الخبرَ لا يُسْتَعْمَلُ فيما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بل يُسْتَعْمَلُ كثيرًا، ولا سِيَّمَا في كلامِ بعضِ الأَئِمَّةِ مثلَ: الشَّافِعِيِّ، وابنِ خُزَيْمَةَ، وتلميذِهِ ابنِ حِبَّانَ؛ فهؤلاء أَكْثَرُوا مِن استعمالِ (الخبرِ).ثم ذَكَرَ ابنُ حَجَرٍ قولاً ثالثًا: فقالَ: (وقِيلَ بينَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ، فكُلُّ حديثٍ خبرٌ مِن غيرِ عَكْسٍ) وهذا القولُ ليس قويًّا، إذا ذَكَرْتَ أَنَّهُ في استعمالِ المُتَقَدِّمِينَ تُسْتَخْدَمُ كَلَمَةُ (الحديثِ) فيما رُوِيَ عن غيرِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ في الغالبِ يُسْتَعْمَلُ (الحديثُ) فيما رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

والذي يُحَدِّدُ المرادَ: سِيَاقُ الكلامِ، فقد تَقْرَأُ في بعضِ المختصراتِ أنَّ (الحديثَ): ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فلأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ فهو لا يُرِيدُ أنْ يَذْكُرَ أقوالاً أُخْرَى، وإذا قَرَأْتَ في كتابٍ ما أنَّ الإمامَ أحمدَ مثلاً قال: هذا حديثٌ صحيحٌ، مع أَنَّهُ مَرْوِيٌّ عن صحابيٍّ فإنَّكَ تَجِدُ تَنَاقُضًا بينَ ما يُطَبَّقُ عَمَلِيًّا، وبينَ ما قَرَأْتَهُ في كتبِ المصطلحِ.

مِن أجلِ القولِ الثالثِ: هذا قالَ ابنُ حَجَرٍ (وَعَبَّرْتُ هنا بالخبرِ لِيَكُونَ أَشْمَلَ).

فهنا شَيْءٌ مُهِمٌّ بالنسبةِ لعلومِ الحديثِ، يظهرُ مِن اختيارِ ابنِ حَجَرٍ لكلمةِ (الخبرِ) لأنَّ الخبرَ الآنَ يَشْمَلُ ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وما جاءَ عن غيرِهِ، وفعلَ ذلك لِيَكُونَ أَشْمَلَ.

ومُرَادُهُ مِن هذا أنَّ هذا العلمَ، وإنْ كان يُسَمَّى علومَ الحديثِ؛ إلاَّ أَنَّهُ يُطَبَّقُ أيضًا على كُلِّ ما وَرَدَ بالأسانيدِ، وهذا أَمْرٌ وَاقِعٌ، فالأَئِمَّةُ نَقَدُوا ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم،َ وما جاءَ عن الصحابةِ والتابعينَ، بل نَقَدُوا الأخبارَ العامةَ أيضًا.

وفي العصرِ الحاضرِ تقومُ دراساتٌ تَهْدِفُ إلى إعادةِ كتابةِ التاريخِ وَفْقَ مَنْهَجِ الْمُحَدِّثِينَ، وهناكَ جهودٌ قائمةٌ الآنَ لا سِيَّمَا في السيرةِ النبويَّةِ، وسِيرَةِ الخلفاءِ الراشدينَ، يَتَوَلاَّهَا قِسْمُ السُّنَّةِ في الجامعاتِ المختلفةِ، كالجامعةِ الإسلاميةِ بالمدينَةِ؛ قِسْمُ التاريخِ فيها، وَفْقَ خُطَّةٍ شَامِلَةٍ يَرْعَاهَا بعضُ الباحثينَ، لا سِيَّمَا دكتورُ أكرمَ الْعُمَرِيِّ الباحِثِ المشهورِ.

والمشكلةُ أنَّ كثيرًا مِن المؤرخينَ إمَّا ضعفاءُ مُتَّهَمُونَ عندَ أهْلِ الحديثِ:

مثلَ:أبي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ.

أو شِيعَةٌ هَالِكُونَ مثلَ:لُوطِ بنِ يحيى؛ فيَحْتَاجُ التاريخُ إلى دراسةِ ما كُتِبَ عن عصرِ الخلفاءِ الراشدينَ ومَن بعدَهُم على ضوءِ قواعدِ علومِ الحديثِ).

هيئة الإشراف

#4

3 Nov 2008

شرح نخبة الفكر للشيخ عبد الكريم الخضير (مفرغ)

قال الشيخ عبد الكريم بن عبد الله الخضير: (الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى-:

"الحمد لله الذي لم يزل عليماً قديراً، وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس كافةً بشيراً ونذيراً، وعلى آل مُحمّد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:

فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت، وبسطت واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص له المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك".

يكفي، بركة.

شرح مقدمة الكتاب:

يقول الحافظ -رحمه الله تعالى-: "الحمد لله الذي لم يزل عليماً قديرا"ً

ابتدأ المصنف -رحمه الله تعالى- بالحمد ابتداءً بالقرآن الكريم الذي افتتح بالحمد، وعملاً بحديث: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أبتر)) الحديث مخرج في المسند وعند أبي داود وابن ماجه وابن حبان، وحسنه جمع من أهل العلم كالنووي، وحكم آخرون عليه بالضعف، والقابل للتحسين هو هذا اللفظ: ((كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله)) أما الألفاظ الأخرى من البسملة والصلاة على النبي وغير ذلك فهي ضعيفة على أن الألباني -رحمة الله عليه- حكم على الحديث بجميع طرقه وألفاظه بالضعف، وأهل العلم حينما يستدلون بمثل هذا في هذا الموضع؛ لأن من مذهبهم العمل بالضعيف في الفضائل وهذا منها، ولو لم يكن في الباب إلا الاقتداء بالقرآن لكفى.

والحمد: كما في الوابل الصيب لابن القيم -رحمه الله تعالى-: هو الإخبار عن الله بصفات كماله مع محبته والرضا به؛ لأن جل من كتب في تعريف الحمد قالوا: هو الثناء على المحمود بصفات كماله ونعوت جلاله، الثناء على المحمود، فجعلوا الحمد هو الثناء، لكن هذا قول ضعيف؛ لأنه جاء في الحديث الصحيح في صحيح مسلم: ((قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد لله رب العالمين، قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: مالك يوم الدين، قال: مجدني عبدي)) فغاير النبي -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عن الله -عز وجل- بين الحمد والثناء والتمجيد.

فأولى ما يقال في تعريف الحمد ما ذكره الإمام ابن القيم -رحمة الله عليه- في الوابل الصيب: قال: "هو الإخبار عن الله بصفات كماله مع محبته والرضا به".

والثناء: هو تكرير المحامد شيئاً بعد شيء، و(أل) في الحمد للجنس، يعني للاستغراق، جنس المحامد لله -سبحانه وتعالى-، واللام في (لله) للاختصاص.

والله: علم على الذات الإلهية، علم على الرب -جل وعلا-، وهذا اللفظ –أعني لفظ الجلالة- هو أعرف المعارف على الإطلاق كما قرره سيبويه، وإن كان أهل النحو يقولون: أعرف المعارف هو الضمير، أعرف المعارف الضمير، لكن سيبويه قرر أن أعرف المعارف هو لفظ الجلالة هو الله -سبحانه وتعالى-، ويذكر في الكتب أن سيبويه رؤيا في المنام فقيل له: ماذا صنع الله بك؟ فقال: غفر لي، قيل له: فبم؟ قال: بقولي: الله أعرف المعارف.

هناك فروق بين الحمد والشكر من وجه والحمد والثناء من وجه، والحمد والمدح من وجه آخر، ليس هذا محل بسطها.

"الذي" اسم موصول يقال للمفرد المذكر، "لم يزل" لم: حرف نفي وجزم وقلب، يزل: مضارع زال مجزوم بلم، وما زال من أخوات كان ترفع المبتدأ وتنصب الخبر، واسمها مستتر تقديره هو، وعليماً خبرها، وقديراً: إما أن نقول: خبر بعد خبر، أو بدل، أو بيان.

والعليم والقدير: من أسماء الله الحسنى، ومذهب أهل السنة والجماعة في إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله -صلى الله عليه وسلم- من الأسماء والصفات يثبتون ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله -عليه الصلاة والسلام- على ما يليق بجلال الله وعظمته من غير تحريف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ولا تكييف، على حد قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [ (11) سورة الشورى]، خلافاً للجهمية والمعتزلة الذين ينفون الأسماء والصفات، وبعض الفرق المنتسبة لهذه الملة.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "وصلى الله على سيدنا محمد الذي أرسله إلى الناس بشيراً ونذيراً، وعلى آل محمد وصحبه وسلم تسليماً كثيراً".

صلى الله: روى البخاري في صحيحه تعليقاً مجزوماً به عن أبي العالية قال: "صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة" صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء، وروي عن ابن عباس أنه قال: "يصلون: يبركون"، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [ (56) سورة الأحزاب]، يعني يبركون، وفي جامع الترمذي روي عن سفيان وغير واحد من أهل العلم قالوا: صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.

"على سيدنا" أي عظيمنا وشريفنا وأعلانا منزلة، وأسمانا قدراً "محمد الذي أرسله إلى الناس بشيراً ونذيراً"، أي مبشراً للمؤمنين بالجنة، ومنذراً ومخوفاً للكافرين بالنار، فقد جاء في وصفه -عليه الصلاة والسلام- من قوله -صلى الله عليه وسلم- كما في الحديث الصحيح: ((أنا النذير العريان)) يعني المبالغ في الإنذار والتحذير والتخويف، إيش معنى النذير العريان؟ النذير العريان: الذي إذا خشي على قومه من العدو خلع ثوبه فلوح به إليهم، يحذرهم من هذا العدو، والأمة بالنسبة لهذه النذارة على قسمين -كما اقتسم القوم الذين أنذرهم هذا العريان-: قسم خافوا من العدو فأدلجوا، استاروا مباشرة ونجو، وقسم دهمهم العدو واقتحمهم، وهؤلاء الذين لم يصدقوا هذا النذير، ومثلهم هذه الأمة الذين بعث فيهم النبي -عليه الصلاة والسلام- منهم من صدق وآمن واتبع واقتدى، وهؤلاء هم الناجون، ومنهم من كذب وأبى وأعرض، وهؤلاء هم الهالكون.

"وعلى آل محمد" الآل اختلف في أصله، فقيل: أهل ثم قلبت الهاء همزة فقيل: أأل ثم سهلت فقيل: آل، ولهذا يرجع إلى أصله في التصغير فيقال: أهيل، وضعف ابن القيم هذا القول في الوابل الصيب من ستة أوجه تراجع هناك.

وقيل: أصل (آل) أَوْل ذكره الجوهري في باب الهزة والواو واللام، قال: "وآل الرجل أهله وعياله وأتباعه" وهو عند هؤلاء مشتق من الأوْل الذي هو الرجوع، اختلف في المراد بآله -عليه الصلاة والسلام- على أربعة أقوال: أنهم الذين حرمت عليهم الصدقة، أو هم ذريته وأزواجه خاصة، أو أتباعه إلى يوم القيامة، أو هم الأتقياء من أمته، أقوال لأهل العلم من أراد بسطها فليرجع إلى الوابل الصيب لابن القيم -رحمه الله تعالى-.

"وصحبه" جمع صاحب، كركب جمع راكب، مأخوذ من الصحبة، والمختار في تعريف الصحابي ما سيأتي في هذا الكتاب أنه: من لقي النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمناً به ومات على الإسلام.

"سلم تسليماً كثيراً" التسليم: مصدر مؤكد، والمراد بإيراده إظهار الزيادة في التعظيم وإفادة التكثير، كما أشار إليه بقوله: "كثيراً".

وجمع المصنف بين الصلاة والسلام امتثالاً للأمر بهما في الآية، {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [ (56) سورة الأحزاب]، الذي يصلي ولا يسلم لا يتم امتثاله لهذا الأمر، والذي يسلم ولا يصلي لا يتم امتثاله لهذا الأمر، إنما يتم الامتثال بالجمع بين الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام-.

لم يفرد الصلاة عن السلام ولا السلام عن الصلاة؛ لأن الجمع جاء مأموراً به في هذه الآية، نعم؟

طالب:......

كل ينزل منزلته، في كل شيء ينزل منزلته، الأذكار الواردة في مواضع مخصصة لا يزاد عليها ولا ينقص منها، فلا تقول في الصلاة مثلاً: اللهم صلِ على سيدنا محمد، ولا تقول: اللهم صلِ وسلم وبارك على سيدنا محمد، فلا تزيد عما شرع لك؛ لأن هذه أذكار متعبد بها، ولذا في حديث ذكر النوم لما أراد البراء أن يعرض حفظه على النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: "ورسولك الذي أرسلت" قال: ((لا، قل: ونبيك الذي أرسلت))، ففي هذه المواضع المخصصة لا بد أن يقتصر على الوارد ولا يزاد فيه، مع الإطلاق نمتثل ما جاءنا بالإطلاق في آية الأحزاب.

صرح النووي -رحمه الله تعالى- منتقداً الإمام مسلم حينما اقتصر على الصلاة، أطلق الكراهة، ومسلم اقتصر على الصلاة دون السلام، ولعله ذهل عن ذلك، ابن حجر -رحمه الله تعالى- خص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، يعني باستمرار طول عمره يصلي ولا يسلم أو يسلم ولا يصلي، هذا يكره في حقه، أما من كان يجمع بينهما تارة، ويفرد الصلاة تارة، ويفرد السلام تارة هذا لا تتناوله كراهة، ووقع إفراد الصلاة دون السلام في كلام كثير من أهل العلم منهم الشافعي منهم مسلم، وهو أبو إسحاق الشيرازي والنووي نفسه في بعض مصنفاته أفرد الصلاة دون السلام، وجمع -رحمه الله تعالى- بين الآل والصحب على آله وصحبه لما للجميع من فضل وحق على من أتى بعدهم، اعترافاً بفضل الآل، وامتثالاً لوصية النبي -عليه الصلاة والسلام- بهم، واعترافاً بفضل الأصحاب الذين بواسطتهم بلغنا هذا الدين، ولم يفرد الآل دون الصحب، ولا الصحب دون الآل مخالفة لأهل البدع؛ لأن الاقتصار على الآل صار شعاراً لبعض المبتدعة كالروافض، والاقتصار على الصحب دون الآل صار شعاراً لقوم آخرين كالنواصب، ولذا يحرص أهل العلم على الجمع بين الأهل والصحب، هذا إذا أرادوا أن يعطفوا على النبي -عليه الصلاة والسلام- غيره، أما إذا اقتصروا عليه كما هو الشأن في كتب السنة كلها دون استثناء فيقتصرون على قولهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إن أتوا بالآل جاءوا بالصحب لئلا نشبه المبتدعة.

بعض العلماء مثل الصنعاني وصديق حسن خان قالوا: إن أهل العلم إنما تركوا الصلاة على الآل واقتصروا على الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- مداهنة ومجاراة للحكام الذين ينصبون العداء للآل، لكن هل يظن أن يتواطأ أهل العلم قاطبة على المدارة والمداهنة مع ارتفاع سببها؟ يعني إذا حصلت المدارة لبني أمية ودولتهم قد انتهت سنة مائة واثنين وثلاثين قبل تدوين أي كتاب من كتب السنة المعروفة، جاء بعدهم بنو العباس وهم من الآل كيف نقول: إن هذه مداهنة ومدارة للحكام؟ كيف نتهم الأئمة مالك والشافعي وأحمد والبخاري والترمذي والنسائي وأهل العلم قاطبة بمدارة الحكام؟ وأنهم حذفوا الصلاة على الآل خشية منهم؟ هم اقتصروا في الصلاة والسلام على النبي -عليه الصلاة والسلام- امتثالاً للآية، أما إذا جاءوا بالآل فليأتوا بالأصحاب أيضاً لئلا يشبهوا بعض الطوائف المبتدعة الذين يقتصرون على الآل، ولا يقتصرون على الصحب لئلا يشبهوا قوماً آخرين.

"أما بعد" أما حرف شرط، وبعد قائم مقام الشرط مبني على الضم لقطعه عن الإضافة مع نية المضاف إليه؛ لأن هذه الظروف قبل وبعد والجهات الست إذا قطعت عن الإضافة مع نية المضاف إليه تبنى على الضم، {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ} [ (4) سورة الروم].

أما بعد: لكن إن أضيفت أعربت، {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ} [ (137) سورة آل عمران]، وإن قطعت عن الإضافة مع عدم نية المضاف إليه أعربت مع التنوين.

فساغ لي الشراب وكنت قبلاً
أكاد أغص بالماء الفراتِ
ج


المقصود أن لها حالات ثلاث، والذي عندنا مبني على الضم للقطع عن الإضافة مع نية المضاف إليه، والإتيان بها سنة كما هو معروف حفلت بها النصوص، روي عن أكثر من ثلاثين صحابي عنه -عليه الصلاة والسلام- في أحاديث أنه قال: ((أما بعد)) في خطبه ورسائله، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه قال: "وبعد"، كما جرى على ألسنة الناس اليوم، ولم يقل: "ثم أما بعد" كما يقوله كثير من الناس اليوم، بل السنة إنما تتأدى بهذا اللفظ: (أما بعد) فلا نحتاج إلى ثم، ولا نبدل أما بالواو.
الخلاف في أول من قال: (أما بعد) موجود بين أهل العلم، ذكر فيه ثمانية أقوال، يجمعها قول الناظم:

جرى الخلف (أما بعد) من كان بادئاً
ويعقوب أيوب الصبور وآدم
بها عد أقوالاً وداود أقربُ
وقس وسحبان وكعب ويعرب


ثمانية، أقرب هذه الأقوال أنه داود -عليه السلام-، حتى قال بعض أهل العلم: إنها فصل الخطاب الذي أتيه.

"فإن التصانيف" جواب الشرط، التصانيف: جمع تصنيف، وأصل التصنيف: تمييز بعض الأشياء عن بعض، ومنه أخذ تصنيف الكتب؛ لأن المؤلف يجمع بين الأنواع، أنواع الكلام ويجعلها صنفاً صنفاً.

"في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت" من قبل علماء هذا الشأن قديماً وحديثاً، وذكرنا الخلاف في أول من صنف فيه فلا نحتاج إلى إعادته.

"كثرت وبسطت" بسطت يعني وسع القول فيها ليتوفر علمها، "واختصرت" أديت بألفاظ وجيزة، ومعانٍ كثيرة ليتيسر حفظها.

قال المصنف -رحمه الله تعالى-: "فسألني بعض الإخوان أن ألخص لهم المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله رجاء الاندراج في تلك المسالك"، تأليف هذا الكتاب المبارك النافع الماتع المختصر إجابة لسؤال من سأل الحافظ -رحمة الله عليه-، فلخص ما نثر في كتب علوم الحديث فأجابهم إلى سؤالهم، يقول: "رجاء الاندراج في تلك المسالك" مسالك المؤلفين الذين نفع الله بتصانيفهم، ولا شك أن التأليف والتعليم من العلم الذي ينتفع به، ويبقى أجره لصاحبه بعده، ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له)) فالعلم الذي ينتفع به لا شك أنه إما بتأليف أو بتناقل الطلاب عنه، والتأليف أثبت، فكل من استفاد من هذا الكتاب ثبت له أجره إلى يوم القيامة، "رجاء الاندراج في تلك المسالك".

وهل ألفه الحافظ في حال السفر أو في حال الإقامة، الصنعاني ذكر في نظم النخبة قال:

ألفها الحافظ في حال السفر
وهو الشهاب بن علي بن حجر

وتبع في ذلك ابن الوزير اليماني الذي قرر أن الحافظ ألفها في سفره إلى مكة، وبعضهم ينتقد هذا الكلام، على كل حال سواءً ألفها في حال السفر أو في حال الإقامة المقصود أن الكتاب نافع، متن متين مختصر يتيسر حفظه لمبتدئي الطلبة، ويعتمدون عليه في أول الأمر، ثم بعد ذلكم يقرءون ما هو أوسع منه كاختصار علوم الحديث للحافظ ابن كثير، وهو كتاب نافع يصلح للمتوسطين من طلاب العلم، ثم بعد ذلكم يختم بألفية العراقي مع شروحها، من حفظ الألفية بعد أن نظر في النخبة وفهمها وحفظها، ثم اختصار علوم الحديث وحفظ الألفية يكون أدرك في هذا الشأن، ولم يبقَ عليه إلا التطبيق.

وقلنا في الدرس السابق: إنه بعد إتقان هذه القواعد النظرية عليه أن يبدأ بالعمل فيخرج الأحاديث، ويجمع الطرق والمتابعات الشواهد، ويدرس رجالها وأسانيدها ويتمرن عليها بالحكم على الأحاديث، وبهذه الطريقة يتأهل ليكون من أهل الحديث، والله المستعان، نعم.

تقسيم الأخبار:

"الخبر: إما أن يكون له طرق بلا عدد معين، أو مع حصر بما فوق الاثنين، أو بهما، أو بواحد.

فالأول: المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه، والثاني: المشهور، وهو المستفيض على رأي، والثالث: العزيز، وليس شرطاً للصحيح خلافاً لمن زعمه، والرابع: الغريب، وكلها -سوى الأول- آحاد".

نعم سلك الحافظ -رحمه الله تعالى- كما ذكرنا في ترتيب النخبة مسلك اللف والنشر المرتب، وعرفنا معنى اللف والنشر عرفه علماء البيان بأنه: عبارة عن ذكر شيئين على جهة الاجتماع ثم يوفى بما يليق بكل واحد منهما، يعني أولاً في الإجمال والثاني تفصيل، وهو في الحقيقة جمع ثم تفريق، واشتقاقهما من لف الثوب ونشره أي جمعه وفرقه، وعرفنا أنه ينقسم إلى مرتب ومشوش، وعرفنا أنه شبيه بما يسمى في علم الأصول بالسبر والتقسيم.

تعريف الخبر:

الخبر في اللغة: ما ينقل ويتحدث به، عند علماء البلاغة: ما يحتمل الصدق والكذب لذاته، وعند علماء الحديث الخبر: مرادف للحديث، وقيل الحديث: ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، والخبر ما جاء عن غيره، ومن ثم قيل لمن يشتغل بالتواريخ وما شابهها وشاكلها من أخبار الناس: أخباري، ولمن يشتغل بالسنة النبوية: محدث.

قال الحافظ: "قيل بينهما عموم وخصوص مطلق"، إذا قلنا بالقول الأول بينهما تباين، المحدث شيء والأخباري شيء آخر، وإذا قلنا: بينهما عموم وخصوص مطلق كل حديث خبر وليس كل خبر حديثاً، هذا إذا قلنا: بأنه بينهما عموم وخصوص مطلق، كل حديث خبر، فيكون الخاص هو الحديث والخبر هو العام، فالخبر يشمل الحديث وغيره، والحديث خاص بما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان الحديث في أصله يعم كل ما يتحدث به، سواءً أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- أو إلى غيره.

لكن في الحقيقة العرفية لهذه الكلمة خصت الحديث بما أضيف إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.

"إما أن يكون له طرق" الطرق: جمع طريق والمراد بالطريق الإسناد، والإسناد كما عرفه الحافظ: بأنه حكاية طريق المتن، والإسناد والسند قال المناوي: لا يشك أحد أنهما مترادفان، إسناد الحديث وسند الحديث واحد؛ لأنه يطلق الإسناد والمصدر على السند وهو الرجال الرواة، وإن كان الإسناد في الأصل المصدر الإسناد رفع الحديث إلى قائله.

الحافظ عرف الإسناد بأنه: حكاية طريق المتن كما عرف السند بقوله: الطريق الموصلة إلى المتن، الطريق الموصل إلى المتن، ولو قال قائل: إن الإسناد والسند، سند الحديث وإسناده بمعنى واحد وهو عبارة عن الرجال الذين يذكرهم المحدث مبتدئاً بشيخه منتهياً بالنبي -عليه الصلاة والسلام- لكان أوضح ولا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-.

"بلا عدد معين" "على الصحيح، بل تكون العادة قد أحالت تواطئهم على الكذب، وكذا وقوعه منهم اتفاقاً من غير قصد"، هذا الخبر إذا نقله عدد –جمع- من غير حصر، عدد غير محصور، وهذا العدد تحيل العادة توطئهم على الكذب لئلا يتفقوا عليه؛ لأنه لا يمتنع أن يجتمع مائة فيتواطئون على نقل خبر ليس بصحيح، نعم، لا يمتنع أن يجتمع مائة شخص أو أكثر فينقلون خبر أصله مكذوب؛ لأنهم اجتمعوا في مكان واحد وبلغهم أو سمعوا هذا الخبر من معلم أو من خطيب أو ما أشبه ذلك، ثم هؤلاء لا يحصل بهم التواتر؛ لأنه يحتمل أنهم تواطئوا على نقل هذا الخبر المكذوب، أو يجتمع فئام من الناس، أهل بلد يكون في أنفسهم شيء على أميرهم أو على قاضيهم ثم يذهبون لرفع أمره إلى الإمام الأعظم، فلا يمتنع أن هؤلاء وإن كثر عددهم أن يختلقوا شيئاً وتهماً يتهمونه بها ليكون مبرراً لعزله، كما اجتمع بنو أسد على سعد بن أبي وقاص وقالوا لعمر: إنه لا يحسن أن يصلي، لا يمتنع أن يتواطئوا على مثل هذا الخبر تحقيقاً لما يريدون، لكن لو جاء شخص من المشرق وآخر من المغرب وثالث من الجنوب، ورابع من الشمال، وآخر من بلد كذا وكذا، جاء من عشرين بلد عشرين شخص أو ثلاثين شخص أو مائة شخص وأخبروا بأن هذا الخبر كذا نعم هؤلاء لا يمكن أن يتواطئوا على الكذب، ما اتفقوا ولا زوروا في أنفسهم كلاماً يتفقون عليه، مع أنه لا يمتنع أن يتلبس الشيطان لجمع وإن كانوا في بلدان متباينة، ويلبس عليهم ويلقي في روعهم كذلك، يأتي إليه في المنام ويقول: إن كذا كذا، ولذا لا بد أن يكون مستند الخبر إلى شيء محسوس على ما سيأتي شرحه.

"بل تكون العادة قد أحالت تواطئهم على الكذب، وكذا وقوعه منهم اتفاقاً من غير قصد، ومنهم من عين العدد المطلوب للتواتر في الأربعة، وقيل: في الخمسة، وقيل: في السبعة، وقيل: في العشرة، وقيل: في الأربعين، وقيل: في السبعين، وقيل: غير ذلك، ولا دليل على واحد منها.

تمسك كل قائل بدليل جاء فيه ذكر ذلك العدد فأفاد العلم وليس بلازم أن يطرد في غيره لاحتمال الاختصاص"، ثم يعود إلى الكلام عن الخبر المتوتر بعد أن يتمم اللف، فيقول: "أو مع حصر بما فوق الاثنين" وسيأتي الكلام على المراد به وهو المشهور، "أو بهما" وهو العزيز، وسيأتي الحديث عنه، "أو بواحد" وهو الغريب وسنتحدث عنه -إن شاء الله تعالى-).

هيئة الإشراف

#5

3 Nov 2008


شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: سعد بن عبد الله الحميد

قال الشيخ سعد بن عبد الله الحميد: (بِسْمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ
مُقَدِّمَةٌ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ
لِمَاذَا نَطْلُبُ علْمَ الْحَدِيثِ؟
نَطْلُبُ علْمَ الْحَدِيث:

1-لأنه أَشْرَفُ العُلومِ.

2-ولأنَّ أَهْلَه هُم الذين أَصْبَحُوا مَصابيحَ الدُّجَى، فلو نَظَرْنَا إلى الأَئِمَّةِ الأربعةِ نَجِدُ أنَّ ثلاثةً مِنهم مِمَّنِ اشْتَهَروا بالْحَدِيثِ.

فالإمامُ مالِكٌ كتابُه (الْمُوَطَّأُ) مَليءٌ بالأحاديثِ.

والإمامُ الشافعيُّ كِتابُه (الأُمُّ) مَليءٌ بالأحاديثِ التي يَسُوقُها بسَنَدِهِ، وهكذا كتابُه (الرِّسالةُ)، وقامَ أحَدُ تَلاميذِهِ، فألَّفَ مُسْنَداً للشافعيِّ استَخْلَصَه مِن الأحاديثِ التي يَرْوِيهَا في كُتُبِه، وأَصْبَحَ الكتابُ مَشهوراً بمسْنَدِ الشافعيِّ، وهذا كتابُ (السُّنَنِ).

وأمَّا الإمامُ أحمدُ فَهُوَ قِمَّةُ أهْلِ الْحَدِيثِ، ولا يُعْرَفُ أنَّ الإمامَ أحمدَ كَتَبَ حَرْفاً واحداً في الفِقْهِ، مع العلْمِ أنه مَحسوبٌ في عِدَادِ الفُقهاءِ، وكان يَنْهَى تَلاميذَه عن كِتابةِ الرَّأْيِ، ويَحُثُّهُم على كِتابةِ الْحَدِيثِ.

فضْلُ أهلِ الْحَدِيثِ:

هُمُ الذينَ جَهَّزُوا الْجِهازَ، وأَعَدُّوا الْعُدَّةَ لكُلِّ مَن أَرادَ أنْ يَخْدُمَ عُلومَ الإسلامِ على شَتَّى صُنُوفِها؛ فالْمُفَسِّرُ لا يَسْتَغْني عن الْحَدِيثِ، والفقيهُ لا يَستغنِي عن الْحَدِيثِ، والأُصُولِيُّ لا يَستغنِي عن الْحَدِيثِ، والمؤَرِّخُ لا يَستغنِي عن الْحَدِيثِ.

بل لا يَستغنونَ عن مُصطَلَحِ الْحَدِيثِ؛ فالمفَسِّرُ يُفَسِّرُ القرآنَ:

-بكتابِ اللهِ، وبسُنَّةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.

- ثم بأقوالِ الصحابةِ.

- ثم بأقوالِ التابعينَ.

فلو نَظَرْنَا إلى ما جاءَ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وما جاءَ عن الصَّحابةِ، وإذا به لا بُدَّ أن يكونَ مَرْوِيًّا بالسنَدِ، وهكذا السنَدُ إمَّا أنْ يَصِحَّ، وإمَّا أن لا يَصِحَّ؛ فإنْ صَحَّ السنَدُ فلا يُمْكِنُ الحكْمُ على الْحَدِيثِ، أو الأَثَرِ بالصِّحَّةِ؛ إلا مِن إجراءِ علْمِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ.

ولو مُيِّزَتِ الأحاديثُ والآثارُ صحيحُها مِن سَقِيمِها، لتَقَلَّصَتْ دائرةُ الخِلافِ إلى حَدٍّ كبيرٍ جِدًّا؛ لأنَّ ما لا تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو إلى أصحابِه، أو إلى تابِعِيٍّ، هو الذي يُشَكِّلُ كَثيراً مِن الخِلافِ دائماً.

بدايةُ التأليفِ في عِلْمِ مُصْطَلَحِ الْحَدِيثِ:

1-الإمامُ مسلِمٌ في (مُقَدِّمَةِ صَحِيحِهِ) وهي مِن أوائلِ ما كُتِبَ في علْمِ مصْطَلَحِ الْحَدِيثِ، لكنها لم تَشْمَلْ جميعَ الجوانِبِ، وإنما شَمِلَتْ جوانبَ عَديدةً، وهي بصِفَةِ النقْلِ بالسنَدِ عن الأَئِمَّةِ لبَعْضِ قَواعدِ الْمُصْطَلَحِ؛ فمَثلاً عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ في مناقَشَتِهِ للطَّالقَانِيِّ في الْحَدِيثِ الذي ذُكِرَ في الصدَقَةِ، والصيامِ وغيرِ ذلك:

قالَ له عبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ: يا أبا إسحاقَ، عَمَّنْ هذا؟

قالَ: قلتُ له: هذا مِن حديثِ شِهابِ بنِْ خِرَاشٍ.

فقالَ: ثِقَةٌ: عَمَّنْ؟

قالَ: قلتُ: عن الْحَجَّاجِ بنِ دِينارٍ.

قالَ: ثِقَةٌ: عمَّنْ؟

قالَ: قلتُ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: يا أبا إسحاقَ، إنَّ بينَ الْحَجَّاجِ وبينَ دِينارٍ وبينَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَفَاوِزَ تُقْطَعُ فيها أعناقُ الْمَطِيِّ.

ولكن ليس في الصَّدَقَةِ اختلافٌ؛ فهو يُبَيِّنُ في هذا الأَثَرِ ضَرورةَ اتِّصالِ السنَدِ.

وذلك كلامُه في عَبَّادِ بنِ كثيرٍ، وذلك أنَّ عبدَ اللهِ بنَ المبارَكِ قالَ: قلتُ لسُفيانَ الثَّوْرِيِّ: إنَّ عبَّادَ بنَ كثيرٍ مَن تَعْرِفُ حالَه، وإذا حَدَّثَ جاءَ بأَمْرٍ عظيمٍ، فتَرَى أن أقولَ للناسِ: لا تَأْخُذُوا عنه؟

قالَ سُفيانُ: بلى.

قالَ عبدُ اللهِ: فكنتُ إذا كنتُ في مَجْلِسٍ ذُكِرَ فيه عَبَّادٌ أَثْنَيْتُ عليه في دِينِهِ، وأقولُ: لا تَأْخُذُوا عنه. (مسلم 1/17).

2-الإمامُ التِّرْمِذِيُّ، سواءٌ في كتابِه (العِلَلُ) ، أو في تَعقيباتِه على بعضِ الأحاديثِ، كلُّ ذلك يُعتَبَرُ مِن القواعِدِ في الاصْطِلاَحِ.

ومِن أَمْثِلَةِ ذلك:وَصْفُهُ الْحَدِيثَ الحسَنَ في آخِرِ كتابِه (الجامعُ) بقولِه: والحسَنُ عندَنا: كلُّ حديثٍ يُرْوَى لا يكونُ في إسنادِه مَن يُتَّهَمُ بالكَذِبِ، ولا يكونُ الْحَدِيثُ شاذًّا، ويُرْوَى مِن غيرِ وجهٍ.(تُحْفَةُ الأَحْوَذِيِّ 10/519).

3-عبدُ الرحمنِ بنُ خَلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيُّ، وهو أوَّلُ مَن أَفْرَد علْمَ المصْطَلَحِ بالتصنيفِ في كتابِه (الْمُحَدِّثُ الفاصِلُ بينَ الرَّاوِي والوَاعِي) ، الْمُتَوَفَّى سنةَ 360هـ.

4-أبو عبدِ اللهِ الحاكمُ، في كتابِه (مَعْرِفَةُ علومِ الْحَدِيثِ) ، وقد بَسَطَ الأمورَ أكثرَ مِن الرَّامَهُرْمُزِيِّ.

5-أبو نُعيمٍ الأَصْبَهَانِيُّ، فقد عَمِلَ مُسْتَخْرَجاً على كتابِ الحاكِمِ.

6-الخطيبُ الْبَغْدَادِيُّ،وهو الذي خَدَمَ علْمَ المصطَلَحِ خِدْمَةً لا مَثيلَ لها، وقَلَّ أنْ يكونَ بابٌ في الْمُصْطَلَحِ؛ إلا وللخطيبِ البَغْدَادِيِّ فيه تَصنيفٌ مُسْتَقِلٌّ.

7-ابنُ الصَّلاَحِ،وقد أَلَّفَ كِتاباً مَشهوراً عُرِفَ (بِمُقَدِّمَةِ ابنِ الصلاحِ) وهو الذي أَصْبَحَ عُمدةً لِمَنْ جَاءَ بَعْدَه؛ لأنه جَمَعَ أنواعَ عُلومِ الْحَدِيثِ وجَعَلَها على أنواعٍ، وتَكَلَّمَ على كلِّ نَوْعٍ، فكلُّ مَن جاءَ بعدَه فهو: إمَّا مُخْتَصِرٌ، أو ناظِمٌ، أو شارِحٌ لنَظْمٍ، أو شارحٌ لاختصارٍ.

فمَثلاً النَّوَوِيُّ -رَحِمَه اللهُ- اختَصَرَ (مُقَدِّمَةَ ابنِ الصلاحِ) في كتابِه (التقريبُ)، ثم جاءَ بعدَه السُّيُوطِيُّ فشَرَحَ التقريبَ في (تَدْرِيبُ الرَّاوِي) .

والعراقيُّ-رَحِمَه اللهُ- نَظَمَ مَنْظُومَةً في (مُقَدِّمَةِ ابنِ الصلاحِ) المعروفةََ (بأَلْفِيَّةِ العراقيِّ) ، ثم شَرَحَ هذه الْمَنظومةَ في كتابِه (فَتْحُ الْمُغِيثِ) .

وللعراقيِّ تَقْيِيداتٌ على ابنِ الصلاحِ في كتابٍ سَمَّاهُ (التقييدُ والإيضاحُ) .

ثم جاءَ بعدَه ابنُ حَجَرٍ؛ فوَجَدَ أنَّ هنالِكَ بعضَ الاِسْتِدْرَاكَاتِ على ابنِ الصلاحِ وعلى شَيْخِه العراقيِّ؛ فأَلَّفَ كتابَه (النُّكَتُ) .

كتابُ (نُخْبَةِ الفِكَرِ) للحافظِ ابنِ حَجَرٍ: هذا الكتابُ على تَبْوِيبِ ابنِ الصلاحِ مع التقديمِ، والتأخيرِ الذي عَمِلَهُ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ اجتهاداً منه، وهي تُشَكِّلُ عُصَارَةَ ذِهْنِ الحافظِ ابنِ حَجَرٍ في اختيارِه الراجِحَِ مِن الأقوالِ في مَسائلِ المصطَلَحِ، حتى ولو كان فيها شيءٌ مِن الخِلافِ.

-وشَرَحَ هذه النُّخْبَةَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في كتابِه (نُزْهَةُ النَّظَرِ) ، وهو شرْحٌ مُوجَزٌ جَيِّدٌ، ومِن أفْضَلِ الطَّبْعَاتِ التي طُبِعَ بها الكتابُ ما حَقَّقَها الشيخُ عليُّ بنُ حسنِ بنِ عبدِ الحميدِ، وتَتَمَيَّزُ هذه الطبعةُ بضَبْطِها.

(1)قولُه: (الْحَمْدُ للهِ) وذلك لأنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يَفْتَتِحُ خُطَبَه وكلامَه دائماً بقولِه:

((إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ... إلخ))، فهذا يَدُلُّ على مَشروعِيَّةِ الافتتاحِ بالحمْدِ.

(2)قَوْلُه: (أَمَّا بعدُ: فإنَّ التصانيفَ في اصطلاحِ أهْلِ الْحَدِيثِ قد كَثُرَتْ وبُسِطَتْ واخْتُصِرَتْ) يَقْصِدُ -رَحِمَه اللهُ- ما أُلِّفَ مِن الكُتُبِ الْمُتقدِّمَةِ التي سَبَقَ الكلامُ عنها.

(3)قَـْولُه: (فَسَأَلَنِي بعضُ الإِخوانِ أنْ أُلَخِّصَ له الْمُهِمَّ مِن ذلك، فأَجَبْتُهُ إلى سؤالِه؛ رَجاءَ الاِندراجِ في تلك الْمَسَالِكِ) فمِن جُملةِ مَن سَأَلَ الحافظَ ابنَ حَجَرٍ: الزَّرْكَشِيُّ، وهو أحَدُ تلاميذِه.

(4)قولُه: (فأقولُ: الْخَبَرُ).

تعريفاتٌ:

أ-تعريفُ الْحَدِيثِ: ما رُوِيَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن قولٍ، أو فعْلٍ، أو تَقريرٍ، أو صِفةٍ خَلْقِيَّةٍ أو خُلُقِيَّةٍ، أو سِيرةٍ.

ب -تعريفُ الخبرِ: له ثلاثُةُ تَعريفاتٍ:

1-مِن العُلماءِ مَن قالَ: إِنَّ الخبَرَ مُرَادِفٌ للحديثِ؛ أيْ: أنَّ الخبَرَ: ما يُرْوَى عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ مِن قَوْلٍ، أو فِعْلٍ، أو تَقريرٍ، أو صِفَةٍ خَلْقِيَّةٍ أو خُلُقِيَّةٍ، أو سِيرةٍ.

2-ومِن العُلماءِ مَن قالَ: الخبَرُ أعَمُّ مِن الْحَدِيثِ؛فالْحَدِيثُ: ما جاءَ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والخبَرُ: ما جاءَ عنه وعن غَيْرِه، وعليه فكلُّ حديثٍ خَبَرٌ، وليس كلُّ خَبَرٍ حَديثاً.

3-مِن العُلماءِ مَن قالَ: الْحَدِيثُ ما يُرْوَى عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.

والخبرُ:ما يُرْوَى عن غيرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعلى هذا فهو مُغَايِرٌ للحديثِ.

ج -تعريفُ الأثَرِ: له تَعريفانِ:

1-مِن العُلماءِ مَن قالَ: إنه مُرَادِفٌ للحديثِ.

2-مِن العُلماءِ مَن قالَ: الأثَرُ هو ما يُرْوَى عن الصَّحَابِيِّ والتابعيِّ فَقَطْ.

(5)قولُه: (إمَّا أن يكونَ له طُرُقٌ) المرادُ بالطرُقِ:

الأسانيدُ.

تعريفُ الإسنادِ:ذَكَرَ العُلماءُ له تَعريفينِ:

1-ما ذَكَرَهُ الحافظُ في (شَرْحِ النُّخْبَةِ) : هو حِكايةُ طريقِ الْمَتْنِ.

بمعنى: عَزْوُ الْحَدِيثِ إلى قائلِه مُسْنَداً، (إلى قائلِهِ) يعني: النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ.

2-الإسنادُ هو: سِلسلةُ رِجالِ الإسنادِ الْمُوصِلَةُ إلى الْمَتْنِ.

وبهذا التعريفِ يكونُ تعريفُ الإسنادِ والسَّنَدِ بمعنًى واحدٍ.

فالسنَدُ:هو سِلسلةُ رِجالِ الإسنادِ الْمُوصِلَةُ إلى الْمَتْنِ.

تعريفُ الْمَتْنِ:هو ما يَنْتَهِي إليه السنَدُ مِن الكلامِ.

والخبرُ أَيًّا كانَ سواءٌ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أو عمَّنْ قَبْلَه، أو عن الصَّحَابَةِ، أو عن التابعينَ- إمَّا أنْ يَرِدَنَا بإسنادٍ، أو بلا إسنادٍ.

وإذا كان ليس له إسنادٌ؛ فهذا لا يَهْتَمُّ به الْمُحَدِّثُونَ.

وإذا كان له إسنادٌ، فإمَّا أنْ يكونَ له إسنادٌ واحدٌ، أو إسنادانِ، أو له أكثَرُ مِن إِسْنَادَيْنِ؛ ثلاثةٌ فأَكْثَرَ، وهذه الكَثرةُإمَّا أن تكونَ مَحصورةً بعَدَدٍ مُعَيَّنٍ، أو ليستْ مَحصورةً بعَدَدٍ مُعَيَّنٍ).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

3 Nov 2008

العناصر

تعريفات مهمة
تعريف الحديث
تعريف الخبر
الفرق بين (الخبر) و(الحديث)
تعريف الأثر
تعريف المتن
تعريف (السند)
تعريف الإسناد
الفرق بين (السند) و(الإسناد)
تعريف المسنَد بفتح النون
ألقاب أهل الحديث
تاريخ التصنيف في علم المصطلح
كلام السلف في علوم الحديث كان منثوراً
مقدمة مسلم من أول ما كتب في المصطلح
مناقشة عبد الله بن المبارك لشهاب بن خراش
استفتاء ابن المبارك للثوري في القدح في عباد بن كثير
كلام الإمام الترمذي في المصطلح
الرامهرمزي أول من أفرد علم المصطلح بالتصنيف
ترجمة الحسن بن عبد الرحمن بن خلاد الرامهرمزي
يأتي بعده كتاب (معرفة علوم الحديث) للحاكم
ما يتميز به كتاب الحاكم في علوم الحديث
ثم جاء بعده أبو نعيم الأصبهاني، فعمل مستخرجاً على كتاب الحاكم
ثم جاء بعده الخطيب البغدادي فأكثر من التصنيف في علوم الحديث
(مقدمة ابن الصلاح) عمدة من جاء بعده
عناية العلماء (بمقدمة ابن الصلاح)
أهمية كتاب (النكت على ابن الصلاح) لابن حجر
التعريف بنخبة الفكر
سبب تأليف الحافظ (النخبة)
أهمية متن (نخبة الفكر)
منهج الحافظ في (النخبة)
سبب تأليف الحافظ للشرح
التسلسل الصحيح في دراسة علم المصطلح
أهمية استغلال الوقت فيما ينفع
كثرة مصنفات العلماء المشهورين دليل على عدم تضييعهم لأوقاتهم
ذم تضييع الأوقات فيما لا يجدي
حاجة الداعية إلى طلب العلم الشرعي
لماذا نطلب علم الحديث؟
علم الحديث من أشرف العلوم
عناية الأئمة الأربعة بعلم الحديث
فضل أهل الحديث
حاجة المشتغلين بعلوم الشريعة إلى علم الحديث
حاجة المفسر إلى علم الحديث
أهمية معرفة الإسناد للمفسر
حاجة الفقيه إلى علم الحديث
ذم التقليد الأعمى
حاجة الأصولي إلى علم الحديث
حاجة المؤرخ إلى علم الحديث
أمثلة لبعض القصص التي اشتهرت مع بطلانها
قصة تحكيم الحكمين
أوجه بطلان هذه القصة
فيها نسبة الخديعة والمكر بالباطل للصحابة رضي الله عنهم
معاوية لم يطالب بنتيجة التحكيم
انطلت هذه القصة على الذين لا يميزون صحيح الأخبار من سقيمها
ذكر الصحيح في هذه القصة وهو رواية حضين بن المنذر - رحمه الله -
تصحيح الدارقطني لرواية حضين بن المنذر
كتب التاريخ مليئة بالأكاذيب والدواهي
قصة استباحة المدينة في عهد يزيد بن معاوية
حادثة إحراق الكعبة لم تكن بالصورة التي تصورها كتب التاريخ
هذه القصة وغيرها كثير مما أدخله الروافض في كتب التاريخ
قصد الروافض من ذلك تشويه صورة الدولة الأموية
كثرة الفتوحات الإسلامية في عهد الدولة الأموية
ذكر بعض مؤرخي الرافضة
العداء بين الروافض والدولة الأموية
أهمية تمحيص التاريخ من الأكاذيب والأخبار الواهية
الإسناد من خصائص الأمة المحمدية
الدعاة والمصلحون في تاريخ الأمة الإسلامية معظمهم برزوا في علم الحديث
عناية الأئمة المحدثين بدراية الأحاديث وفقهها
الشافعي - رحمه الله - من فقهاء المحدثين
فقه البخاري - رحمه الله -
ذم احتقار المحدثين
الصراع العقيم بين المحدثين والفقهاء
القصة التي ذكرها الخطيب البغدادي عن يحيى بن صاعد لا تصح

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

3 Nov 2008

الأسئلة

س1: عرف (الحديث) لغة واصطلاحاً.
س2: ما الفرق بين (الخبر) و (الحديث)؟
س3: عرف (الأثر) لغة واصطلاحاً.
س4: ما الفرق بين (الحديث) وبين (السنة)؟
س5: عرف (المتن) اصطلاحاً وما سبب تسميته بذلك؟
س6: عرف (السَّنَد) لغة واصطلاحاً وما الفرق بينه وبين (الإسناد)؟
س7: عدد إطلاقات المسند.
س8: ما الفرق بين (الحافظ) و (المحدث)؟
س9: علم الحديث ينقسم إلى قسمين؛ اذكرهما.
س10: تحدث باختصار عن تاريخ التصنيف في علم المصطلح.
س11: تحدث عن عناية العلماء بمقدمة ابن الصلاح.
س12: ما سبب تأليف الحافظ ابن حجر -رحمه الله- للنخبة؟
س13: بين بإيجاز أهمية هذا الكتاب في هذا العلم.
س14: بين منهج الحافظ في النخبة.
س15: اذكر شروح النخبة.
س16: تحدث باختصار عن فضل علم الحديث.
س17: ما صحة قصة تحكيم الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما؟
س18: تحدث عن أهمية تمحيص التاريخ من الأكاذيب والأخبار الواهية.
س19: بين بإيجاز عناية الأئمة المحدثين بدراية الأحاديث وفقهها.

هيئة الإشراف

#8

26 Mar 2010


شرح نخبة الفكر لفضيلة الشيخ: عبد العزيز السعيد (مفرغ)

القارئ: (بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:فإن التصانيف في اصطلاح أهل الحديث قد كثرت وبسطت واختصرت، فسألني بعض الإخوان أن ألخص لهم المهم من ذلك، فأجبته إلى سؤاله؛ رجاء الاندراج في تلك المسالك).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (بسم الله الرحمن الرحيم.

المؤلف رحمه الله لما ألف هذا الكتاب سماه (نخبة الفكر) ، و(النخبة) على وزن فُعْلَة، بمعنى اسم المفعول، أي: المنتخب، و(الفِكَر) جمع فكرةٍ، والفكرة أصلها جولان الخاطر، ويتركب من هذه اللفظة (نخبة الفكر) أن المؤلف رحمه الله جال بفكره في كتب الاصطلاح، (هذا الجولان أراده لأمرين:

أحدهما: أن يلخص المهم من علوم هذا الفن.

والثاني: أن يرتبه ترتيباً يستفيد منه من قرأه ويكون واضح الدلالة).


القارئ: ( (الخبر إما أن يكون له طرقٌ بلا عددٍ معينٍ).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا الآن شروعٌ في بيان الخبر، المؤلف - رحمه الله- يتحدث عن اصطلاح أهل الحديث.

وقوله: (والخبر) هذا عامٌ، يشمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم وكلام غيره.

- فمايقوله التابعي يسمى خبراً.

- ومايقوله الصحابي يسمى خبراً.

- ومايقوله النبي صلى الله عليه وسلم يسمى خبراً.

- ومايقوله سائر الناس يسمى خبراً.

هذا الخبر تارةً يصل إلينا عن طريق أسانيد كثيرةً، وتارةً عن طريق إسنادٍ واحدٍ، وتارةً يكون بعددٍ معينٍ من الأسانيد، كل حالة من هذه الأحوال لها اسمٌ معينٌ في الاصطلاح.

فالمؤلف رحمه الله يتحدث عن الخبر باعتبار وصوله؛ فإذا وصل إلينا الخبر قد يكون ورد من خمسين طريقاً.

- وقد يكون من مائة طريق.

- وقد يكون من طريقٍ واحدٍ، هذا الخبر حين وصوله إلينا هل له أسماء باعتبار هذا الوصول؟

قالوا: له أسماء، هذه الأسماء قسموها إلى قسمين: متواتر وآحاد.

والآحاد قسموها إلى ثلاثة أقسام،وهذه هي التي سيتكلم عنها المؤلف رحمه الله).


القارئ: ( (الخبر إما أن يكون له طرق بلا عددٍ معينٍ، أو مع حصر بما فوق الاثنين، أو بهما، أو بواحدٍ، فالأول المتواتر المفيد للعلم اليقيني بشروطه).

قال الشيخ عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز السعيد: (هذا يتحدث عن الحديث المتواتر، وهو: ما وصل إلينا؛ من طرقٍ كثيرةٍ ليس لها حصرٌ، ليس معنى ذلك أننا لا نستطيع أن نحصرها، فتكون خمسين أو ستين،لكن (بلا حصر) يقصد بها الكثرة.

فنقول: إن المتواتر هو: ما كان له طرق بلا حصر،وقد زادت طرقه عن طرق الحديث المشهور. أسانيد الحديث المشهور ستأتي إن شاء الله).