الدروس
course cover
محبة أمهات المؤمنين والإقرار بفضلهن وأنهن أزواج نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4370

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم العاشر

محبة أمهات المؤمنين والإقرار بفضلهن وأنهن أزواج نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4370

0

0


0

0

0

0

0

محبة أمهات المؤمنين والإقرار بفضلهن وأنهن أزواج نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْوَاجَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ ، ويقرون بِأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الآخِرَةِ ، خُصُوصًا خَدِيجَةَ أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلاَدِهِ ، وَأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَعَاضَدَهُ عَلَى أَمْرِهِ ، وَكَانَ لَهَا مِنْه الْمَنْزِلَةُ العلية . وَالصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ الَّتِي قَالَ فِيها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائرِ الطَّعَامِ)) ).

هيئة الإشراف

#2

27 Dec 2008

التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (ويتولون أزواجَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمهاتِ المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصاً:
خديجة رضي الله عنها أُمّ أكثر أولاده([1]
)، وأول من آمن به، وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية. والصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق رضي الله عنها التي قال فيها النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((فَضْلُ عائِشَةَ على النِّساءِ كفضلِ الثريدِ على سائرِ الطعامِ)). ([2])
).


الشرح:

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( ([1])فإن جميع أولاده الذكور والإناث منها إلا إبراهيم فإنه من سريّته مارية القبطية.
([2])وعائشة وخديجة هما أفضل نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد اختلف العلماء أيهما أفضل، والتحقيق أن لكل واحدة منهما من الفضائل والخصائص ما ليس للأخرى فلخديجة من السبق ومعاونة النبي صلى الله عليه وسلم على أمره في أول الأمر، وتثبيته، وكون أكثر أولاد النبي صلى الله عليه وسلم منها ما ليس لعائشة، ولعائشة من العلم والتعليم، ونفع الأمة ما ليس لخديجة رضي الله عنهما).

هيئة الإشراف

#3

27 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (( وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْواجَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتِ المُؤمِنينَ، ويُؤمِنُونَ بأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ في الآخِرَةِ: خُصوصًا خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلادِهِ، وأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاضَدَهُ عَلى أَمْرِهِ، وكَانَ لَهَا مِنْهُ المَنْزِلَةُ العَالِيَةُ.
والصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، الَّتي قَالَ فِيها النِّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلى سَائِرِ الطَّعَامِ ))
(1)
).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ( (1) أَزْواجُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ هُنَّ مَنْ تَزَوَّجَهُنَّ بِنِكَاحٍ، فَأَوَّلُهُنَّ خديجةُ بنتُ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، تزوَّجهَا بِمَكَّةَ قبلَ البعْثَةِ، وكانَتْ سِنُّهُ خَمْسًا وعشرينَ، وكانَتْ هيَ تَكْبُرُهُ بخمسةَ عشرَ عامًا، ولمْ يتزوَّجْ عليهَا حتَّى تُوُفِّيَتْ، وقَدْ رُزِقَ منهَا بِكُلِّ أوْلاَدِهِ إلاَّ إبراهيمَ، وكانَتْ أوَّلَ مَنْ آمنَ بهِ، وقوَّاهُ على احتمالِ أعباءِ الرِّسالةِ، وقَدْ ماتتْ قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنينَ عن خَمْسٍ وستينَ سنةً، فتزوَّجَ بعدَهَا سودةَ بنتَ زمعةَ (رَضِيَ اللهُ عَنْهَا).
وعقدَ على عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وكانَتْ بنتَ ستِّ سنينَ، حتَّى إذَا هَاجرَ إلى المدينةِ بنى بهَا وهيَ بنتُ تسْعٍ.
ومِنْ زوجاتِهِ أيضًا أمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، تَزَوَّجَهَا بعدَ زوجِهَا أبي سَلَمَةَ.
وزينبُ بنتُ جَحْشٍ تَزَوَّجَهَا بعدَ تَطْلِيقِ زيدِ بنِ حارثةَ لهَا، أوْ على الأصَحِّ زَوَّجَهُ اللهُ إيَّاهَا.
وجُوَيْرِيَّةُ بنتُ الحارثِ، وصفيَّةُ بنتُ حُيَيٍّ، وحفْصَةُ بنتُ عمرَ، وزينبُ بنتُ خُزَيْمَةَ، وكُلُّهُنَّ أمَّهَاتُ المؤمنينَ، وهُنَّ أزواجُهُ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ في الآخرةِ، وأفضَلُهُنَّ على الإِطلاقِ خديجةُ وعائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا).

هيئة الإشراف

#4

27 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (مكانة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل السنة والجماعة

وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْواجَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتِ المُؤمِنينَ، ويُؤمِنُونَ بأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ في الآخِرَةِ: خُصوصاً خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلادِهِ، وأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاضَدَهُ عَلى أَمْرِهِ، وكَانَ لَهَا مِنْهُ المَنْزِلَةُ العَالِيَةُ.والصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، الَّتي قَالَ فِيها النِّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلى سَائِرِ الطَّعَامِ)).(1) ).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (1) ذَكَرَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ في هَذِهِ الجملةِ عقيدةَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ في أزواجِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فقال: (ويَتولَّونَ أزواجَ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم) أي يُحبُّونهن ويوقِّرُونهن لأنَّهنَّ (أُمَّهاتُ المؤمنينَ) في الاحترامِ والتَّوقيرِ وتحريمِ نكاحِهنَّ على الأُمَّةِ، أمَّا بقيةُ الأحكامِ فحُكمُهنَّ حُكمُ الأجنبيَّاتِ، مِن حَيْثُ تحريمُ الخَلوةِ بِهنَّ، والنَّظرِ إليهِنَّ. قال اللَّهُ تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلىَ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6]، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً} [الأحزاب: 53]، وقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} [الأحزاب: 53]، فَهُنَّ أُمَّهاتُ المؤمنينَ في الاحترامِ والتَّحريمِ، لا في المَحْرَمِيَّةِ.
وقد تُوفِّي صلى اللهُ عليه وسلم عن تِسعٍ، وهُنَّ: (عائشةُ، وحفصةُ، وزينبُ بنتُ جَحْشٍ، وأُمُّ سَلمةَ، وصفيَّةُ، وميمونَةُ، وأُمُّ حبيبةَ، وسَوْدةُ، وجُوَيْرِيَةُ) وأمَّا خديجةُ فقد تَزوَّجهَا قبل النُّبوَّةِ ولم يَتزوَّجْ عليها حتى ماتَتْ. وتزوَّجَ صلى اللهُ عليه وسلم زينبَ بنتَ خُزيمةَ الهلاليَّةَ، ولم تَلْبَثْ إلاَّ يَسيراً ثم تُوفِّيَتْ، هؤلاء جُملةُ مَن دخَلَ بهنَّ مِن النِّساءِ، وهُنَّ إحدَى عَشْرةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ. (ويؤمِنون) أي أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ (بأنهنَّ أزواجُه في الآخرةِ) وفي هَذَا تشريفٌ لهُنَّ وفضيلةٌ جليلةٌ (خُصوصاً خديجةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا) فلها مِن المزايا والفَضائِلِ الشَّيءُ الكثيرُ، وقد ذَكَرَ الشَّيخُ منها:-
1- أنَّها أُمُّ أكْثَرِ أولادِه ـ فكُلُّ أولادِه منها، ما عدا إبراهيمَ فمِن مَارِيةَ القبطيَّةِ.
2- أنها أوَّلُ مَن آمَن به مُطلَقاً على قولٍ، وَهُوَ الذي ذَكَرَ الشَّيخُ هنا، أو هِيَ أوَّلُ مَن آمَنَ به مِن النِّساءِ على القولِ الآخَرِ.
3- هِيَ أوَّلُ مَن عاضَدَهُ في أوَّلِ أمْرِه، وكانت نُصْرَتُها له في أعْظمِ أوقاتِ الحاجةِ.
4- أنها كان لها منه صلى اللهُ عليه وسلم المَنزِلَةُ العاليةُ، فكان يُحِبُّها ويَذْكُرها كثيرا، ويُثني عليها.
(والصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُا) يعني عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ. والصِّدِّيقُ هُوَ المبالِغُ في الصِّدْقِ، وقد لَقَّبَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم أبا بكرٍ بذلك. ولعائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فضائلُ كثيرةٌ منها: أنَّها أَحَبُّ أزواجِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم إليه. وأَنَّهُ لم يَتزوَّجْ بِكْرا غيرَها. وأَنَّهُ صلى اللهُ عليه وسلم كان يَنزِلُ عليه الوَحْيُ في لِحافِها. وأنَّ اللَّهَ برَّأَها مما رَماها به أهلُ الإفكِ، وأنَّها أفْقَهُ نسائِه، وكان أكابِرُ الصَّحابةِ إذا أَشْكَلَ عليهم الأمْرُ اسَتَفْتَوْها. وأنَّ الرَّسولَ صلى اللهُ عليه وسلم تُوفِّيَ في بيتها بَيْنَ سَحْرِها ونَحْرِها، وَدُفِنَ في بَيْتِها إلى غيرِ ذَلِكَ مِن فضائِلها.
وقد ذَكَرَ الشَّيخُ من فضائِلها هنا: (أنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال فيها: ((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ))) والثَّريدُ هُوَ أفضلُ الأطعمةِ لأنَّه: (خُبزٌ ولحمٌ) والخبزُ مِن البُرِّ، وَهُوَ أفضلُ الأقواتِ، واللَّحمُ أفضلُ الإدامِ، فإذا كان اللَّحمُ سَيِّدَ الإدامِ، والبُرُّ سَيِّدَ القُوتِ، ومجموعُهما الثَّريدُ، كان الثَّريدُ أفْضلَ الطَّعامِ).

هيئة الإشراف

#5

27 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ((وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْواجَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتِ المُؤمِنينَ، ويُؤمِنُونَ بأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ في الآخِرَةِ: (1)
خُصوصاً خَدِيجَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلادِهِ، وأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاضَدَهُ عَلى أَمْرِهِ، وكَانَ لَهَا مِنْهُ المَنْزِلَةُ العَالِيَةُ. (2)
والصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، الَّتي قَالَ فِيها النِّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلى سَائِرِ الطَّعَامِ)) )
(3)
).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ( (1) قولُه: (ويَتولَّوْن أزواجَ رسولِ اللَّهِ) إلخ أي: أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ يتولَّون جميعَ أزواجِ رسولِ اللَّهِ الطَّاهِراتِ المُبَرَّءاتِ مِن كُلِّ سوءٍ، ويَتَرضَّوْن عنهن، ويُعظِّمون قَدْرَهُنَّ، ويعرِفون فَضلَهُنَّ، ويَتبرَّءونَ ممَّن آذاهُنَّ أو سَبَّهُنَّ.
قولُه: (أزواجَ) جَمعُ زوجٍ، وقد يقالُ: زوجته والأوَّلُ أَفْصَحُ، كما قال اللَّهُ -سُبْحَانَهُ-: {اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ} الآيةَ.
قولُه: (أُمَّهاتِ المؤمنين) أي: في الاحترامِ والتَّعظيمِ، وتحريمِ نكاحِهِنَّ على التَّأبيدِ، لا في النَّظرِ والخَلوةِ بهنَّ، فإنَّه يَحرُمُ في حقِّهِنَّ كالأجانبِ، قال اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- وتعالى: {النَّبيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} أي في الاحترامِ والتَّعظيمِ، فيَجِبُ احترامُهُنَّ وتعظيمُهنَّ، ويَحرُمُ الطَّعنُ فيهنَّ وقذْفُهنَّ لا سِيَّما عائشةُ أمُّ المؤمنين، فمَنْ قَذَفَها بما برَّأَها اللَّهُ منه فَهُوَ كافرٌ، وأمَّا مَن قَذَفَ غيرَها مِن نِساءِ النَّبيِّ ففيه قولان: قال ابنُ كثيرٍ: والأصحُّ أنَّهنَّ كعائِشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنهن أجمعينَ.
قولُه: (ويؤمِنون بأنَّهنَّ أزواجُه في الآخِرةِ) وَذَلِكَ لِمَا في صحيحِ البُّخاريِّ وغيرِه: لما بَعثَ عليٌّ عمَّارا والحسَنَ إلى الكوفةِ ليَستَنْفِرَهم خطَبَ عمَّارٌ فقال: إِنِّي لأَعلَمُ أنَّها زَوجَتُه –أي: عائشةُ– في الدُّنْيَا والآخرةِ، ولكنَّ اللَّهَ ابْتَلاكُم لتَتَّبِعُوه أو إيَّاها، وعندَ ابنِ حِبَّانَ مِن طريقِ سعيدِ بنِ كثيرٍ عن أبيه حدَّثَتْنا عائشةُ -رضي اللَّهُ عنها- أَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال لها: ((تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)) وفي حديثِ سَودةَ لمَّا أرادَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فِراقَها أنها قالت: يا رسولَ اللَّهِ، واللَّهِ مَا لِي بِالرِّجالِ مِن حاجةٍ، ولكن أُحِبُّ أنْ أُبعثَ مع نسائِكَ يومَ القِيامةِ، الحديثَ.
- وأوَّلُ زوجاتِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- خَديجةُ بنتُ خويلدِ بنِ أسدٍ، تَزوَّجَها رسولُ اللَّهِ بمكةَ، وهُوَ ابنُ خمسٍ وعشرينَ سنةً، وبَقِيَتْ معه إلى أنْ أَكرمَه اللَّهُ برسالَتِه، فآمَنَتْ بهِ ونَصَرَتْهُ، وماتتْ قبلَ الهجرةِ بثلاثِ سنينَ، ومِن خصائِصها -رضي اللَّهُ عنها- أنَّه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لم يَتزوَّجْ عليها غيرَها، وأولادُه كُلُّهم منها إلا إبراهيمُ فإنَّهُ مِن سَريَّتِه ماريةَ، ومنها أنها خيرُ نساءِ الأُمَّةِ، واختُلِفَ في تَفضِيلِها على عائشةَ على ثلاثةِ أقوالٍ:
منها: أَنَّ اللَّهَ بَعثَ إليها السَّلامَ مع جبريلَ فبَلَّغَها النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ذَلِكَ،
ومنها: أنَّها لم تَسُؤْه قطُّ، ولم تُغاضِبْه، ولم يَنَلْها منه إيلاءٌ ولا عُتبٌ قطُّ ولا هَجْرٌ،
ومنها: أنَّها أوَّلُ امرأةٍ آمَنَتْ باللَّهِ ورَسولِه مِن هَذِهِ الأمَّةِ، فلمَّا توفَّاها اللَّهُ تزوَّجَ بعدها سودةَ بنتَ زمعةٍ، وكَبِرَت عنده وأرادَ طَلاقَها فوهَبَتْ يومَها لعائشةَ، وَهَذِهِ مِن خصائِصها،
- وتزوَّجَ الصِّدِّيقةَ بنتَ الصِّدِّيقِ عائشةَ بنتَ أبي بكرٍ -رضي اللَّهُ عنها- وَهِيَ بنتُ سِتٍّ قبلَ الهجرةِ بسنتين، وبَنَى بها الرَّسولُ أوَّلَ مَقْدَمِه في السَّنَةِ الأولى وَهِيَ بنتُ تسعٍ، وماتَ عنها وَهِيَ بنتُ ثمانيةَ عَشَرَ سَنةً، وتُوفِّيَتْ بالمدينةِ ودُفِنَتْ بالبقيعِ، وأَوْصَتْ أنْ يُصلِّيَ عليها أبو هريرةَ سنةَ ثمانيةٍ وخمسيَن، ومِن خصائِصها:
أنَّها أحبُّ أزواجِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- إليه،
وأنَّه لم يَتزوَّجْ بكرًا غيرَها،
وأنَّه كان يَنْزِلُ عليه الوحيُ في لِحافِها،
وأَنَّ اللَّهَ لما أَنْزَلَ آيةَ التَّخييرِ بَدَأَ بِها فخيَّرَها،
وأَنَّ اللَّهَ برَّأَها مما رَماها بهِ أهلُ الإفكِ،
وأنَّ أكابِرَ الصَّحابةِ كان إذا أَشْكَلَ عليهم الأمرُ استَفْتَوْها فيَجِدُونَ عِلمَه عندها،
وأنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- تُوفِّيَ في بيتِها وفي يومِها وبين سَحْرِها ونَحْرِها، ودُفِنَ في بَيْتِها،
وأَنَّ المَلَكَ أَرَى صُورتَها للنَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قبل أنْ يَتزوَّجَها في سَرقةِ حريرٍ،
وأَنَّ النَّاسَ كانوا يَتحرَّوْن بهداياهُم يومَها مِن رسولِ اللَّهِ تَقرُّباً إلى رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-.
- وتزوَّجَ رسولُ اللَّهِ حفصةَ بنتَ عمرَ بنِ الخطَّابِ، وتُوفِّيتْ قبل سنةَ سبعٍ، وقيل: ثمانيةٍ وعشرين،
- وتزوَّجَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أُمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سفيانَ، واسْمُها رَملَةُ، وتزوَّجَها رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وَهِيَ بأرضِ الحَبشةِ وأَصْدَقَها عنه النَّجاشيُّ أربعَمائةِ دينارٍ، ووَلِيَ نِكاحَها عثمانُ بنُ عفَّانَ،
- وتزوَّجَ الرَّسولُ أُمَّ سَلَمةَ واسْمُها هندُ بنتُ أبي أُميَّةَ، وتُوفِّيتْ قبلَ سنةِ اثنين وخَمْسينَ، ودُفِنَتْ بالبَقيعِ، وَهِيَ آخِرُ أزواجِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- موتاً، وقيل: ميمونةُ،
- وتزوَّجَ الرَّسولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنبَ بنتَ جحْشٍ، وكانت قَبلُ عندَ مَولاه زيدُ بنُ حارِثةَ فطَلَّقَها، فزوَّجَها اللَّهُ إياهُ مِن فوقِ سبعِ سماواتٍ، وأَنْزَلَ اللَّهُ عليه: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مَّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} وهَذَا مِن خصائِصها، وتُوفِّيتْ بالمدينةِ سنةَ عِشرينَ، ودُفِنَت بالبقيعِ.
- وتزوَّجَ الرَّسولُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- زينبَ بنتَ خزيمةَ الهِلاليَّةَ، تزوَّجها الرَّسولُ سنةَ ثلاثٍ مِن الهجرةِ، وكانتْ تُسمَّى أُمَّ المساكِينِ، ولَمْ تلبَثْ عند رسولِ اللَّهِ إلاَّ يسيراً شهرين أو ثلاثةً وتُوفِّيتْ،
- وتزوَّج رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- جويريةَ ابنةَ الحارثِ مِن بني المُصْطَلِقِ، وكانتْ سُبِيَتْ في غزوةِ بني المصطلِقِ، فوقَعَتْ في سَهمِ ثابتِ بنِ قيسٍ، فكاتَبَها فقضى رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- كِتابَتَها، وتَزوَّجَها سنةَ ستٍّ مِن الهجرةِ، وتُوفِّيَتْ سنةَ سِتٍّ وخمسينَ،
- وتزوَّجَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- صفيةَ بنتَ حُيَيٍّ مِن وَلَدِ هارونَ بنِ عمرانَ أخي موسى سنةَ سبعٍ، فإنَّها سُبِيَتْ مِن خيبرَ، تُوفِّيتْ سنةَ ستٍّ وثلاثين، وقيل: سنةَ خمسينَ، ومِن خصائِصها أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أعْتقَها وجَعلَ عِتقَها صداقَها،
- وتزوَّج رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ميمونةَ بنتَ الحارثِ الهلاليَّةَ، تزوَّج بها في سَرِفَ، وبَنَى بها بسَرِفَ، وماتتْ بسرِفَ، وسَرِفُ على سبعةِ أميالٍ مِن مكةَ، وميمونةُ آخِرُ مَن تزوَّجَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن أمَّهاتِ المؤمنين، توفِّيتْ سنةَ ثلاثٍ وستين، فهؤلاء جُملةُ مَن دَخلَ بهنَّ مِن النِّساءِ، وهُنَّ إحدى عَشْرَةَ.
قال الحافظُ المقدسيِّ: وعَقدَ على سَبعٍ ولم يَدْخُلْ بهنَّ، ولا خِلافَ أنَّه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- تُوفِّيَ عن تسعٍ كان يَقْسِمُ منهنَّ لثمانٍ وهُنَّ:
عائشةُ، وحفصةُ، وزينبُ بنتُ جحشٍ، وأمُّ سلمةَ، وصفيَّةُ، وأُمُّ حبيبةَ، وميمونةُ، وسودةُ، وجويريةُ،
وأوَّلُ نِسائِه لُحوقًا بِهِ زينبُ بنتُ جحشٍ سنةَ عشرينَ، وآخِرُهنَّ موتًا أمُّ سلمةَ سَنةَ اثنتين وستين في خلافةِ يزيدَ، انتهى مِن كلامِ ابنِ القَيِّمِ.

(2) قولُه: (خُصوصا) أي: ولا سِيَّما خديجةُ وعائشةُ، فلهُنَّ مِن المزايا والخصائصِ ما ليس لغيرِهِنَّ مِن أزواجِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، والخصوصُ: الإفرادُ، يُقالُ: خُصَّ فلانٌ بكذا، أي أُفْرِدَ بِهِ، ولا شَرِكةَ للغيرِ فيه، وقد تقدَّمَ ذِكْرُ بعضِ خصائِصهِنَّ -رضي اللَّهُ عنهن-.
قولُه: (أمُّ أكثرِ أولادِه) بل هي أُمُّ أولادِه كُلِّهم سِوى إبراهيمَ، فإنَّه مِن سَرِيَّتِه ماريةَ، ويُروى أنَّ عائشةَ أَتَتْ بسِقْطٍ ولم يَصِحَّ ذَلِكَ، والمتَّفَقُ عليه مِن أولادِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- منها: القاسمُ، وبِهِ كان يُكنى، ماتَ صغيرًا قَبلَ بِعثَتِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أو بعدَها، وبناتُه الأربعُ: زينبُ، ثم رُقَيَّةُ، ثم أُمُّ كُلثومٍ، ثم فَاطِمةُ، وعبدُ اللَّهِ وُلِدَ بَعدَ المَبْعَثِ، فكان يقالُ له: الطَّاهِرُ والطَّيِّبُ، وقيل: هما أَخوانِ له، وماتَ الذُّكورُ صِغارًا باتِّفاقٍ، انتهى مِن فتحِ الباري.
قولُه: (وأوَّلُ مَنْ آمَنَ به) أي: مِن النِّساءِ لا مُطْلَقاً كما تقدَّمَ كلامٌ لأبي حنيفةَ وغيرِه أنَّ أوَّلَ مَن آمَنَ مِن الرِّجالِ أبو بكٍر، ومِن الصِّبْيانِ عليٌّ، ومِن النِّساءِ خديجةُ … إلخ، وقيل: إنَّها أَوَّلُ مَن آمَن بِهِ على الإطلاقِ، كما ذَكَرَهُ المصنِّفُ.
قولُه: (وعاضَدَه) أي: أَعانَه ونَصرَه، فإنَّ خديجةَ -رضي اللَّهُ عنها- عاضَدَتْهُ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في أَوَّلِ أَمْرِه، ونَصَرَتْهُ واحتَمَلَتْ مِن الأذى مالم يَحْتَمِلْه غيرُها، وكانت نُصْرَتُها للرَّسولِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في أعظمِ أوقاتِ الحاجَةِ.
قولُه: (وكان لها مِنه المنـزلةُ العالِيَةُ) أي: الرَّفيعةُ؛ لأنَّها مِن أوَّلِ مَن آمَنَ بِهِ وعاضَدَه، وكانتْ له وَزيرَ صِدقٍ، وكانَ النَّبيُّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- يُحِبُّها كَثِيرًا ويَذْكُرُها، كما رَوى أحمدُ مِن حديثِ مسروقٍ عن عائشةَ -رضي اللَّهُ عنها- أَنَّ النَّبيَّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ)).
وفي صحيحِ البخاريِّ عن عائشةَ -رضي اللَّهُ عنها- قالت: ما غِرتُ على امرأةٍ للنَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ما غِرْتُ على خديجةَ لِمَا كنتُ أسْمَعُه يَذْكُرُها، وأَمَرَهُ اللَّهُ أنْ يُبشِّرَها بقصرٍ من قصَبٍ، وإنْ كان لَيذْبَحُ الشَّاةَ فيُهدِي في خَلائِلِها منها ما يَسعُهُنَّ، فهَذَا الحديثُ وغيرُه دليلٌ على محبَّةِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لها، وعلى عِظَمِ قَدْرِها عنده، ومَزيدِ فَضْلِها.
قولُه: (والصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيقِ) أي: عائشةُ رضيَ اللهُ عنهَا, حبيبةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، بنتُ الصدِّيقِ الأكبرِ، أبوها أبوبكرٍ الصديقُ لقَّبَهُ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلمَ بذلك، وأنزلَ اللهُ براءتَها من فوقِ سبعِ سماواتٍ، واتَّفقَت الأمَّةُ على كُفرِ قاذِفِها، وأفتى غيرُ واحدٍ بقتلِ سابِّها، رضيَ اللهُ عنها، وتقدَّمَ ذِكرُ خصَائِصِها.

(3) قولُه: ((فَضْلُ عائشةَ على النِّساءِ …)) إلخ، هَذَا الحديثُ رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ وغيرُهما، عن أبي مُوسى الأشعريِّ -رَضِيَ اللَّهُ عنه- قال: قال رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّساءِ إِلا مَرْيَمُ بَنْتُ عِمْرَانَ، وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)) فهَذَا الحديثُ فيه دليلٌ على فضلِ عائشةَ -رضي اللَّهُ عنها-، واستدلَّ بِهِ كثيرٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ على أنَّ عائشةَ أفضلُ نسائِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، وذَهبَ بعضُ العلماءِ كالموفَّقِ وابنِ حجَرٍ وغيرِهما إلى أنَّ خديجةَ -رضي اللَّهُ عنها- أفْضلُ من عائشةَ، لأدِلَّةٍ ذَكَروها، قالوا: والحديثُ المتقدِّمُ ليس صريحاً في تفضيلِ عائشةَ على خديجةَ -رضي اللَّهُ عنهما-، والذي يُفهَمُ مِن كلامِ المصنِّفِ توقُّفُه عن التَّفضيلِ، لتَقارُبِ جِهاتِ التَّفضيلِ بينهنَّ، وقال في موضعٍ آخَرَ: اختُصَّتْ كُلُّ واحدةٍ منهنَّ بخصائِصَ، فخديجةُ كان تأثيرُها في أوَّلِ الإسلامِ، وبَذَلَتْ نَفْسَها في نُصرةِ الرَّسولِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ومالَها، واحتَمَلَتْ مِن الأذى ما لم يَحْتمِلْه غيرُها، وكانت نُصرَتُها للرَّسولِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في أعظمِ أوقاتِ الحاجَةِ، فلها مِن النُّصرةِ والبذْلِ والتأثيرِ في الإسلامِ ما ليس لغيرِها، وعائشةُ -رضي اللَّهُ عنها- تأثيرُها في آخِرِ الإسلامِ، فَلَها مِن الفِقهِ والعِلمِ ما ليس لغَيرِها. اهـ.
قولُه: ((كفَضلِ الثَّريدِ على سائرِ الطعامِ)) الثَّريدُ هُوَ الخبزُ إذا أُدِمَ بلحْمٍ كما قال الشَّاعرُ:

إذا ما الخبزُ تَأْدِمُه بلحمٍ ....... فذاكَ أمانةُ اللَّهِ الثَّريدُ

قولُه: ((على سائرِ الطَّعامِ)) أي: جميعِه، انتهى، والثَّريدُ هُوَ أفضلُ الأطعمةِ؛ لأنَّه خبزٌ ولحمٌ، والبُرُّ أفضلُ الأقواتِ، واللَّحمُ أفضلُ الإدامِ، كما في الحديثِ الذي رواه ابنُ قتيبةَ وغيرُه عن النَّبيِّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((سَيِّدُ إِدَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اللَّحْمُ)) فإذا كان اللَّحمُ سيِّدَ الإدامِ والبُرُّ سَيِّدَ الأقواتِ ومجموعُها الثَّريدُ؛ كان الثَّريدُ أفضلَ الطَّعامِ، وقد صَحَّ مِن غيرِ وجهٍ عن الصَّادِقِ المصدوقِ أنَّه قال: ((فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ)).
وفي الصَّحيحِ عن عمرِو بنِ العاصِ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ النِّساءِ أحبُّ إليكَ؟ قال: ((عائشةُ))، قلت: ومِن الرِّجالِ؟ قَالَ: ((أَبُوهَا))، قلتُ: ثم مَنْ؟ قال: ((عُمرُ))، وَسَمَّى رِجالاً، انتهى منهاجٌ).

هيئة الإشراف

#6

27 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله


قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (قولُهُ ((وَيتوَلَّونَ أزواجَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمهاتِ الْمُؤْمِنينَ إلخ))
قَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} ((وذَلِكَ أنَّهُ مِن المعلومِ أنَّ كلَ واحدةٍ مِن أزواجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَالُ لها أُمَّ الْمُؤْمِنينَ: عائشةُ وحفصةُ وزينبُ بنتُ جَحشٍ وأُمُّ سَلمةَ وَسوْدَةُ بنتُ زَمْعةَ وميمونةُ بنتُ الحارثِ الهِلاليِّةُ وجُويْرِيةُ بنتُ الحارثِ المُصطَلقيةُ وصفيِّةُ بنتُ حُيَيِّ بنِ أخطبَ الهارُونيَّةُ رَضِيَ اللهُ عنهُنَّ. وقَدْ قَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وهَذَا أمرٌ معلومٌ للأُمَّةِ عِلماً عَامًّا.
وقَدْ أجمعَ المُسْلِمونَ على تحريمِ نكاحِ هؤلاء بعدَ موتِه على غيرِه وعلى وجوبِ احترامِهِنَّ فهن أمهاتُ الْمُؤْمِنينَ فِي الحُرمةِ والتَّحريمِ ولسْنَ أمهاتِ الْمُؤْمِنينَ فِي المَحْرمِيَّةِ ؛ فلا يجوزُ لغيرِ أقارِبِهنَّ الخَلوةُ بهن كما يخْلُو الرَّجُلُ ويُسافِرُ بِذواتِ مَحارِمِهِ.
ولهَذَا أُمِرْنَ بالحجابِ فقَالَ تَعَالَى: {يأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ} وقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تؤْذُواْ رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً})) ((ولا خلافَ أنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوفِّي عَن تسعٍ وكَانَ يَقسمُ منهن لثمانٍ عائشةَ وحفصةَ وزينبَ بنتِ جحشٍ وأُمِّ سَلمةَ وصفيَّةَ وأُمِّ حَبِيبةَ وميمونةَ وسَوْدةَ وجُويريةَ، وأوَّلُ نِسائِه لُحوقاً به بعدَ وفاتِه زينبُ بنتُ جحْشٍ سَنةَ عِشرينَ وآخِرُهنَّ مَوتاً أُمُّ سَلمةَ سَنةَ اثْنَتينِ وَسِتِّينَ فِي خِلَافَةِ يَزِيدَ.
وأفضلُ نِساءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خديجةُ وعائشةُ. وخديجةُ هي ابنةُ خُويْلدٍ الأسدِيِّ تَزوَّجها قبلَ النُّبُوَّةِ ولها أربعونَ سَنةً ولم يَتزوَّجْ عَلَيْهَا حَتَّى ماتَت وأولادُه كُلُّهم منها إلا إبراهيمَ وهي التي وَازَرَتْه على النُّبُوَّةِ وجاهَدَتْ معه وَواسَتْه بِنفسِها ومالِها وأرْسلَ اللهُ تَعَالَى إليها السَّلامَ مَعَ جَبرائيلَ. وهَذِهِ خاصِّيَّةٌ لا تُعرفُ لامرأةٍ سِواها، وَماتَتْ قبلَ الهِجرةِ بثلاثِ سِنينَ.
وعائشةُ هي أُمُّ عبدِ اللهِ الصِّدِّيقةُ بنتُ الصِّدِّيقِ المُبرَّأةُ مِن فوقِ سبعِ سَمَاوَاتٍ، حَبِيبةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَرَضَها عَلَيْهِ المَلكُ قبلَ نِكاحِها فِي سُرَقةٍ مِن حريرٍ وقَالَ: هَذِهِ زَوجتُك، تَزَوَّج بها فِي شوَّالٍ وعُمْرُها سِتُّ سِنينَ، وَبَنى بها فِي شوَّالٍ فِي السَّنَةِ الأُولى مِن الهجرةِ وعُمْرُها تِسعُ سِنينَ ولم يتزَوَّجْ بِكْرَاً غيرَها وما نزلَ عَلَيْهِ الوَحْيُ فِي لِحافِ امرأةٍ غيرِها وكَانَتْ أحبَّ الخَلْقِ إِلَيْهِ وَنَزلَ عُذْرُها مِن السَّمَاءِ واتَّفَقتِ الأُمَّةُ على كُفْرِ قَاذِفِهَا وهي أفقهُ نِسائِه وأَعْلمُهنَّ ؛ بَل أفْقَهُ نِساءُ الأُمَّةِ وأَعْلمُهنَّ على الإطلاقِ. وكَانَ الأكابرُ مِن أصحابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجعونَ إِلَى قَوْلِها وَيسْتفتُونَها.
وعَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أتى جبريلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: يا رَسُولَ اللهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتٍْ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنْ رَبِّها ومِنِّي وبَشِّرْها بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لا صَخَبَ فِيهِ ولاَ نَصَبَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ وعَن عائشةَ قَالَتْ: ما غِرتُ على امرأةٍ للنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما غِرْتُ على خديجةَ هَلَكتْ قبلَ أنْ يَتزوَّجَنِي لِمَا كنتُ أَسْمعُه يَذْكُرها وَأَمَرَهُ اللهُ أنْ يُبَشِّرَها ببيتٍ مِن قصَبٍ وإنْ كَانَ لَيذبحَ الشَّاةَ فَيهدِي فِي خِلائلِها منها ما يَسَعَهُنَّ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ.
وفِي روايةٍ فرُبَّما قُلتُ لَهُ: كأَنَّ لم يَكُنْ فِي الدُّنيا امرأةٌ إلا خديجةَ فيقولُ: إِنَّهَا كَانَتْ وكَانَتْ وكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ. وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَلِيٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ وَخَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ. وزاد مُسْلِمٌ وأشارَ إِلَى السَّمَاءِ والأرضِ. وأخرَجَ النَّسائِيُّ بإسنادٍ صَحِيحٍ والحاكمُ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ مَرفوعاً: أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ وَفَاطِمَةُ وَمَرْيَمُ وَآسِيةُ. وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عائشةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يا عَائِشَةُ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ قَالَتْ: وعَلَيْهِ السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبَركاتُه. تَرى ما لا أرَى - تُريدُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفيها عَن أَبِي مُوسَى الأشْعَريِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيةُ امْرَأةُ فِرْعَونَ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعامِ. وقَدِ اختلفَ العُلماءُ فِي خديجةَ وعائشةَ أيُّها أفضلُ ((قَالَ السُّبكِيُّ: الَّذِي نَدِينُ اللهَ به أنَّ فاطِمةَ أفضلُ ثُمَّ خديجةَ ثُمَّ عائشةَ.
والخـلافُ شَهِيرٌ ولكنَّ الحقَّ أحَقُّ أنْ يُتَّبعَ، وقَالَ ابنُ تَيْميةَ: جِهاتُ التَّفضِيلِ بينَ خَديجةَ وعائشةَ مُتقارِبَةٌ وكأنَّهُ رأى التَّوقُّفَ. وقَالَ ابنُ القَيِّمِ: إنْ أُريدَ بالتَّفْضيلِ كثرةُ الثَّوابِ عندَ اللهِ فذَلِكَ أمْرٌ لا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فإنَّ عَملَ القلوبِ أفضلُ مِن عملِ الجَوارِحِ وإنْ أُريدَ كثرةُ الْعِلْمِ فعائشةُ لا محالةَ، وإنْ أُريدَ شَرفُ الأصلِ ففاطمةُ أيضاً لا محالةَ وهي فَضيلةٌ لا يَشركُها فيها غيرُ إِخوتِها وإنْ أُريدَ شَرفُ السِّيادةُ فقَدْ ثبتَ النَّصُّ لفاطمةَ وَحْدَها))
((وأهلُ السُّنَّةِ ليسوا مُجمعِينَ على أنَّ عائشةَ أفضلُ نسائِهِ. بَل قَدْ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ كثيرٌ مِن أهلِ السُّنَّةِ. واحتجُّوا بِما فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أَبِي مُوسَى وعَن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ. وَالثَّريدُ هُوَ أفضلُ الأطعِمةِ لأنَّهُ خُبزٌ ولحمٌ. كما قَالَ الشاعرُ:
إذا مَا الخُبزُ تَأدَّمه بلحمٍ فذاكَ أَمانةُ اللهِ الثَّريدُ
وذَلِكَ أنَّ الـبُرَّ أفضـلُ الأقـواتِ، واللَّحمَ أفضـلُ الإِدامِ. كما فِي الْحَـدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابـنُ قُتيبـةَ وغـيرُه عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ: سَيِّدُ إِدَامِ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّحْمُ. فإذا كَانَ اللَّحمُ سَيِّدَ الإِدامِ، والبُرُّ سَيِّدَ القوتِ ومَجموعُهما الثَّرِيدُ كَانَ الثَّرِيدُ أفضلَ الطَّعامِ. وقَدْ صحَّ مِن غيرِ وَجْهٍ عَن الصَّادقِ المَصدوقِ أنَّهُ قَالَ: فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ.
وفِي الصَّحِيحِ عَن عمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ قلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أيُّ النساءِ أحبُّ إليكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قلتُ وَمِن الرِّجَالِ؟ قَالَ أبوها، قلتُ ثُمَّ مَن؟ قَالَ: عُمَرُ وَسَمَّى رِجَالاً، وهؤلاء يَقُولونَ قولَهُ لِخَديجةَ ؛ ما أَبْدَلنِي اللهُ خَيراً مِنْها إنْ صَحَّ مَعْناه: ما أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْراً لِي مِنْهَا فِإنَّ خديجةَ نَفَعَتْه فِي أوَّلِ الإسْلَامِ نَفعاً لم يَقُمْ غيرُها فيه مَقامَها فكَانَتْ خيراً لَهُ مِن هَذَا الوَجْهِ ؛ لكَوْنها نَفَعته وقتَ الحاجةِ. وعَائِشَةُ صَحِبته فِي آخِرِ النُّبُوَّةِ وكمالِ الدِّينِ فَحَصَلَ لها مِن الْعِلْمِ والإيمانِ ما لم يَحصلْ لمَن يُدركْ إلا أوَّلَ النُّبُوَّةِ فكَانَتْ أفضلَ لهَذِهِ الزيادَةِ. فإنَّ الأُمَّةَ انْتَفعتْ بها أكثرَ مِمَّا انتفَعَتْ بغيرِها وبَلَغَت مِن الْعِلْمِ والسُّننِ ما لم يَبلغْ به غيرُها فخديجةُ كَانَ خيرُها مَقصوراً على نفْسِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم تُبَلِّغْ عَنْهُ شيئاً ولم تَنتفعْ بها الأُمَّةُ كما انتَفَعوا بعَائِشَةَ ؛ ولأنَّ الدِّينَ لم يَكُنْ قَدْ كَمُلَ حَتَّى تُعلِّمَه ويَحصلَ لها مِن كَمالاتِه ما حَصَلَ لمَنْ عَلِمَ وآمَنْ به بعدَ كمَالِهِ. ومعلومٌ أنَّ مَن اجتمعَ هَمُّه على شيءٍ واحدٍ كَانَ أبلغَ فيه مِمَّنْ تفرَّقَ هَمُّه فِي أعمالٍ مُتنوِّعةٍ. فخديجةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا خيرٌ لَهُ مِن هَذَا الوَجْهِ لكنَّ أنواعَ البِرِّ لم تَنحصِرْ فِي ذَلِكَ))
وقَالَ ابنُ القَيِّمِ: واخْتُلـفَ فِي تَفْضِيلِها على عَائِشَـةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا على ثلاثـةِ أقـوالٍ: ثَالِثُها الوَقـفُ. وسألْتُ شَيخَنا ابنَ تَيميةَ فقَالَ: اختـصَّ كلَّ واحدةٍ منهما بخاصَّـةٍ: فخديجـةُ كَانَ تأثيرُها فِي أوَّلِ الإسْـلاَمِ، وكَانَتْ تُسَلِّي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتُثبِّتُه وتُسَكِّنُه وَتبذُلُ دونَه مالَها فَأدرَكَتْ عِزَّةَ الإسْلاَمِ واحتمَلتِ الأذَى فِي اللهِ وفِي رسولِهِ، وكَانَ نُصرتُها للرسولِ فِي أعظمِ أوقاتِ الحاجةِ فلها مِن النَّصرِ والبذْلِ ما لَيْسَ لغَيرِها.
وعَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا تأثيرُها فِي آخِرِ الإسْلَامِ. فلها مِن التَّفقُّهِ فِي الدِّينِ وَتبليغِه إِلَى الأُمَّةِ وانتفاعِ بَنِيها بما أدَّتْ إليهم من الْعِلْمِ ما لَيْسَ لغيرِها. هَذَا معنى كلامِه اهـ) ).