11 Nov 2008
محبة آل البيت وتوليهم وحفظ وصية النبي صلى الله عليه وسلم فيهم
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَيُحِبُّونَ
أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللِه صلى الله عليه وسلم وَيَتَوَلَّوْنَهم ،
وَيَحْفَظُونَ فِيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ
قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ : ((أُذكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي . أُذكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي)). وَقَالَ أَيْضًا لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ - وَقَد شكى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَنِي هَاشِمٍ ؛ فَقَالَ : ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا َ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي)).
وَقَالَ : ((إِنَّ
اللهَ اصْطَفَى إِسْمَاعِيلَ ، وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلََ
كِنَانَةَ ، وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشًا ، وَاصْطَفَى مِنْ
قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ)) ).
التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (ويُحِبُّون
أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتَوَلَّونَهم، ويحفظون فيهم وصيةَ
رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غديرِ خُمّ: ((أُذكِّرُكُمُ اللهَ في أهلِ بيتي)). وقال أيضاً للعباس عمِّهِ وقد اشتكى إليه أن بعضَ قُريش يجْفو بني هاشمٍ؛ فقال: ((والذي نفسي بيده لا يُؤمنون حتى يُحبُّوكم لله ولِقرابتي)) ([1]). وقال: ((إنّ
اللهَ اصطفى بني إسماعيلَ، واصطفى من بني إسماعيلَ كنانةَ، واصطفى من
كنانةَ قريشاً، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصْطفاني من بني هاشم)) ).
الشرح:
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( ([1])فمحبة أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واجبة من وجوه منها:
أولاً: لإسلامهم وفضلهم وسوابقهم.
ومنها: لما تميزوا به من قُرب النبي صلى الله عليه وسلم، واتصالهم بنسبه.
ومنها: لما حثّ عليه ورغّب فيه، ولما في ذلك من علامة محبّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال: (((إنّ
اللهَ اصطفى بني إسماعيلَ، واصطفى من بني إسماعيلَ كنانةَ، واصطفى من
كنانةَ قريشاً، واصطفى من قريشٍ بني هاشم، واصْطفاني من بني هاشم)). فهو صلى الله عليه وسلم خيار من خيار من خيار، وقد جمع الله له أنواع الشرف من كل وجه).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ويَتَوَلَّوْنَهُمْ، ويَحْفَظُونَ فيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ
خُمٍّ: (( [ أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتي ]))
وقالَ أَيْضًا للعَبَّاسِ عَمِّهِ – وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرِيْشٍ يَجْفُو بَني هَاشِمٍ – فقالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وِلقَرابَتي)).
وقَالَ: (( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيْلَ،
واصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعيلَ كِنَانَةَ، واصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ
قُرَيْشًا، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَني هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاني مِنْ بَني
هَاشِمٍ )) (1).
الشرح:
قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ( (1)
أهلُ بَيْتِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ هُمْ مَنْ تَحْرُمُ عليهِمْ
الصَّدَقَةُ، وهُمْ: آلُ علِيٍّ، وآلُ جعفَرٍ، وآلُ عَقِيلٍ، وآلُ
العبَّاسِ، وكلُّهمْ مِنْ بَنِي هَاشمٍ، ويُلْحَقُ بِهِمْ بَنُو
المُطَّلِبِ؛ لِقَوْلِهِ عليهِ السَّلام: (( إِنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا جَاهِليَّةً وَلاَ إِسْلاَمًا )).
فأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يَرْعَوْنَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ
وَقَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ؛ كمَا
يُحِبُّونَهُمْ لإِسلامِهمْ، وسَبْقِهِمْ، وحُسْنِ بَلاَئِهِمْ في نُصْرَةِ
دِينِ اللهِ عزَّ وجلَّ.
و ( غَدِيرُ خُمٍّ ) – بِضَمِّ الخَاءِ –؛ قيلَ:
اسمُ رَجُلٍِ صَبَّاغٍ أُضِيفَ إليهِ الغديرُ الذي بينَ مكَّةَ والمدينةِ
بِالجُحْفَةِ. وقيلَ: خُمٌّ اسمُ غَيْضَةٍ هناكَ نُسِبَ إليهَا الغديرُ،
والغَيْضَةُ: الشَّجرُ المُلْتَفُّ.
وأَمَّا قَوْلُهُ عليهِ السَّلامُ لِعَمِّهِ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يُؤْمِنُونَ حتَّى يُحْبُّوكُمْ للهِ وَلِقَرَابَتِي ))؛
فمعناهُ: لا يَتِمُّ إيمانُ أَحَدٍ حَتَّى يُحِبَّ أهلَ بيتِ رسولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ للهِ أوَّلاً؛ لأنَّهُمْ مِنْ أوْليائِهِ وأهلِ
طاعتهِ الَّذينَ تَجِبُ مَحَبَّتُهُمْ وَمُوَالاَتُهُمْ فيهِ. وثانيًا
لِمَكَانِهِمْ مِنْ رسولِ اللهِ، واتِّصَالِ نَسَبِهِمْ بهِ).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَيُحِبُّونَ
أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ويَتَوَلَّوْنَهُمْ، ويَحْفَظُونَ فيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: ((أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتي )) وقالَ أَيْضاً للعَبَّاسِ عَمِّهِ – وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو بَني هَاشِمٍ – فقالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وِلقَرابَتي )).وقَالَ: ((
إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيلَ، واصْطَفَى مِنْ بَنِي
إِسْمَاعيلَ كِنَانَةَ، واصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى
مِنْ قُرَيْشٍ بَني هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاني مِنْ بَني هَاشِمٍ )).(1)).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (1) بَيَّنَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ في هَذَا مكانةَ أهلِ البيتِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، وأنَّهم (يُحبُّون أهلَ بيتِ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم )
وأهلُ البيتِ هُم آلُ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم الذين حُرِّمَت عليهم
الصَّدقةُ، وهم آلُ عليٍّ، وآلُ جعفرٍ، وآلُ عقيلٍ، وآلُ العبَّاسِ، وبنو
الحارثِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ، وأزواجُ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم،
وبناتُه مِن أهلِ بيتِه, كما قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيد اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: 33].
فأهلُ السُّنَّةِ يُحبُّونهم ويَحترِمونهم ويُكرِمُونهم؛ لأنَّ ذَلِكَ مِن
احترامِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم وإكرامِه، ولأنَّ اللَّهَ ورسولَه
قد أمَرا بذَلِكَ، قال تعالى: {قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشُّورى:
23]، وجاءتْ نُصوصٌ مِن السُّنَّةِ بذَلِكَ، منها ما ذَكَرَه الشَّيخُ،
وذَلِكَ إذا كانوا مُتَّبِعينَ للسُّنَّةِ، مُستقِيمِينَ على المِلَّةِ،
كما كان عليه سَلَفُهم كالعبَّاسِ وبَنِيه، وعليٍّ وبَنِيه، أمَّا مَن
خالَفَ السُّنَّةَ ولم يَسْتَقِم على الدِّينِ فإنَّهُ لا تَجوزُ محبَّتُه،
ولو كان مِن أهلِ البيتِ.
وقولُه: (ويتَولَّوْنهم) أي يُحبُّونهم، مِن الوَلايةِ بفَتْحِ الواوِ وهِيَ المحبَّةُ. وقولُه: (ويَحفظونَ فيهم وصيَّةَ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم) أي يَعملون بها ويُطبِّقُونها (حَيْثُ قال يومَ غَديرِ خُمٍّ) الغَديرُ: هنا هُوَ مَجْمعُ السَّيْلِ (وخُمّ)
قيل اسمُ رجُلٍ نُسِبَ الغديرُ إليه. وقيل هُوَ الغَيْضةُ أيْ الشَّجَرُ
المُلتَفُّ، نُسِبَ هَذَا الغديرُ إليها لأَنَّهُ واقعٌ فيها. وهَذَا
الغديرُ كان في طريقِ المدينةِ مَرَّ به صلى اللهُ عليه وسلم في عَودَتِه
مِن حجَّةِ الوداعِ، وخَطَبَ فيه فكان مِن خُطْبته ما ذَكَرَهُ الشَّيخُ ((أَذُكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي)) أيْ أُذَكِّرُكُم ما أمَرَ اللَّهُ به في حقِّ أهلِ بيتي مِن احترامِهم وإكرامِهم والقيامِ بحقِّهم.
وقال أيضا: (لِلْعَبَّاسِ عَمِّهِ) هُوَ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ (وَقَدْ اشْتَكَى إِلَيْهِ) أي أخبَرَه بما يَكرَهُ (أَنَّ بَعْضَ قُرَيْشٍ يَجْفُو) الجفاءُ: تَركُ البِرِّ والصِّلَةِ (فَقَالَ) أي النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ )) هَذَا قَسَمٌ منه صلى اللهُ عليه وسلم (( لاَ يُؤْمِنُونَ )) أي الإيمانَ الكاملَ الواجِبَ (( حَتَّى يُحِبُّوكُمْ لِلَّهِ وَلِقَرَابَتِي )) أي لأمرَيْنِ:
الأوَّلُ: التَّقرُّبُ إلى اللَّهِ بذَلِكَ لأنَّهم مِن أوليائِه.
الثَّاني: لكَونِهم قرابةَ الرَّسولِ صلى اللهُ عليه وسلم، وفي ذَلِكَ إرضاءٌ له وإكرامٌ له.
(وقال) النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم مُبَيِّناً فضْلَ بني هاشمٍ الذين هم قُرابَتُه: (( إنَّ اللَّهَ اصْطَفَى )) أي اختارَ. والصَّفوةُ: الخِيارُ (( بَنِي إِسْمَاعِيلَ )) بنِ إبراهيمَ الخليلِ عليهما السَّلامُ (( وَاصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعِيلَ كِنَانَةَ )) اسمَ قبيلةٍ أبُوهم كِنانةُ بنُ خُزيمةَ (( وَاصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشاً)) وهم أولادُ مُضرَ بنِ كِنانةَ (( وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ )) وهم بنو هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ (( وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ ))
فَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ بنِ هاشمِ بنِ
عبدِ منافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لؤيِّ بنِ
غالبِ بنِ فِهرِ ابنِ مالِكِ بنِ النَّضرِ بنِ كنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ
مُدْرِكةَ بنِ إلياسَ بنِ مُضرَ بنِ نَزارِ بنِ مَعَدِّ بنِ عَدنانَ.
والشَّاهِدُ مِن الحديثِ: أنَّ فيه دليلاً على
فضْلِ العربِ، وأنَّ قريشا أفْضلُ العَربِ، وأنَّ بني هاشمٍ أفْضلُ قريشٍ،
وأنَّ الرَّسولَ صلى اللهُ عليه وسلم أفْضلُ بني هاشمٍ، فَهُوَ أفْضلُ
الخَلقِ نَفْساً وأفْضلُهم نَسَباً، وفيه فَضْلُ بني هاشمٍ الذين هُم
قرابةُ الرَّسولِ صلى اللهُ عليه وسلم).
التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ((
وَيُحِبُّونَ أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، ويَتَوَلَّوْنَهُمْ، ويَحْفَظُونَ فيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ
خُمٍّ: (( [ أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتي ])).(1)
وقالَ أَيْضاً للعَبَّاسِ عَمِّهِ – وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرِيْشٍ يَجْفُو بَني هَاشِمٍ – فقالَ: (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وِلقَرابَتي )).(2)
وقَالَ: (( إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي إِسْمَاعِيْلَ،
واصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعيلَ كِنَانَةَ، واصْطَفَى مِنْ كِنَانَةَ
قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَني هَاشِمٍ، وَاصْطَفَاني مِنْ بَني
هَاشِمٍ )).(3)).
الشرح:
قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قولُه: (ويُحِبُّونَ أهلَ بيتِ رسولِ اللَّهِ)
إلخ أي: أنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجَماعَةِ يُحِبُّونَ أهلَ بيتِ الرَّسولِ
–صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ويَتَولَّوْنَهُم ويَحتَرِمُونهم
ويُكْرِمونهم لِقَرابَتِهم مِن رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ-، فاحْتِرَامُهم ومحبَّتُهم والبِرُّ بهم مِن توقيرِه واحترامِه
–صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، وامتِثالاً لما جاءَ بِهِ الكِتابُ
والسُّنَّةُ مِن الحثِّ على ذَلِكَ، قال تعالى: {قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}
وقد تكاثَرَت الأحاديثُ بالأمرِ بِذَلِكَ والحثِّ عليه، قال ابنُ كثيرٍ
-رَحِمَهُ اللَّهُ- بعدَ كلامٍ: ولا نُنْكِرُ الوِصايةَ بأهلِ البيتِ
والأمرِ بالإحسانِ إليهم واحترامِهم وإكرامهم، فإنَّهم مِن ذرِّيَّةٍ
طاهرةٍ وأشرفِ بيتٍ وُجِدَ على وَجْهِ الأرضِ فَخْراً وحَسَباً ونَسَباً،
ولا سيِّما إذا كانوا متَّبِعينَ للسُّنَّةِ النَّبوِيَّةِ الصَّحيحةِ
الواضحةِ الجليةِ، كما كان عليه سَلَفُهم كالعبَّاسِ وبَنِيه وعليٍّ -رضي
اللَّهُ عنه- وأهلِ بَيْتِه وذَويهِ، وأهلُ البيتِ همْ آلُ النَّبيِّ
–صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- الذين حُرِّمَتْ عليهم الصَّدَقةُ، كما
فَسَّرَ ذَلِكَ راوي الحديثِ، وهم آلُ عليٍّ، وآلُ جعفرٍ، وآلُ عَقيلٍ،
وآلُ العبَّاسِ، وبنو الحارِثِ بنِ عبدِ المطلبِ، كما جاء تَفْسِيرُه في
صحيحِ مسلمٍ، وَكَذَلِكَ أزواجُ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-
مِن أهلِ بَيْتِه كما دَلَّ عليه سياقُ آيةِ الأحزابِ، كما قرَّرَ ذَلِكَ
الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ وابنُ القيِّمِ وغيرُهما، انتهى، وأَفْضلُ أهلِ
بَيتِه عليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ الذي أَدارَ عليهم الكِساءَ
وخَصَّهم بالدُّعاءِ، ذَكَرَه الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ
اللَّهُ- تعالى.
قولُه: (ويَحفَظون فيهم وصيَّةَ رسولِ اللَّهِ) إلخ أي: أَنَّ الرَّسولَ أَوْصى باحترامِهم والإحسانِ إليهمْ وإكرامِهم، كما في الحديثِ الذي ذَكَره المصنِّفُ.
قوله (حَيْثُ قال يومَ غَدِيرِ خُمٍّ) الحديثَ. قولُه (خُمٍّ)
بِضمٍّ الخاءِ وتشديدِ الميمِ هُوَ اسمٌ لغَيْضةٍ على ثلاثةِ أميالٍ مِن
الجُحفةِ، وهُوَ غَديرٌ مشهورٌ يضافُ إلى الغيضةِ، فيُقالُ غَديرُ خُمٍّ،
والغَيضةُ الشَّجرُ الملتَّفُّ، والحديثُ رواه مسلمٌ في "صحيحِه" عن زيدِ
بنِ أرقمَ، قال: قام فينا رَسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-
خَطِيباً بماءٍ يُدْعى خُماًّ بين مكةَ والمدينةِ، فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى
عليه، ووَعَظ وذَكَّر، ثم قال: ((أَمَّا بَعْدُ
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ
رَبِّي فَأُجِيبَ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا
كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ
وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ)) فحَثَّ على كتابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ورَغَّبَ فيه ثم قال: ((وَأَهْلُ
بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ
فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي))، فقال حُصينٌ: ومَن أهلُ بيتِه يا زيدُ أليس نِساؤُه مِن أهلِ بَيْتِه؟ قال: نساؤه مِن أهلِ بيتِه، ولكن أَهْلُ بَيْتِه مَن حُرِمَ الصَّدقةَ بعدَه، قال مَنْ هم؟ قال: هم آلُ عليٍّ، وآلُ عَقيلٍ، وآلُ جعفرٍ، وآلُ عبَّاسٍ -رضي اللَّهُ عنهم-، قال: كُلُّ هؤلاء حُرِمَ الصَّدَقةَ؟ قال: نعم، وروى هَذَا الحديثَ أحمدُ وغيرُه، وقدْ رَوَاهُ التِّرمذِيُّ وزَادَ فيه وإنَّهما لم يَفْتَرِقا حتى يَرِدَا على الحوضِ.
قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد طَعَنَ غيرُ واحدٍ
مِن الحُفَّاظِ في هَذِهِ الزيادةِ، وقالَ: إنَّها ليستْ مِن الحديثِ،
فهَذَا الحديثُ فيه الوَصِيَّةُ بأهلِ البيتِ والحثُّ على احترامِهم
وإكرامِهم.
قولُه: ((أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي))
أي: أُذَكِّرُكُم اللَّهَ، أي ما أمَرَ بِهِ مِن احترامِهم، وإكرامِهم،
والقيامِ بحقِّهِم، قولُه ثلاثًا: مبالغةٌ في الحثِّ على ذَلِكَ، وكرَّرَه
للتَّأكيدِ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وهَذَا
اليومُ الذي خطبَ النَّبيّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في هَذَا الغديرِ
المشهورِ هُوَ ثامِنَ عَشَرَ ذي الحجَّةِ، مَرجِعَه مِن حجَّةِ الوداعِ،
وقد زاد أهلُ الأهواءِ في ذَلِكَ وزَعَموا أنَّه عَهِدَ إلى عليٍّ -رضي
اللَّهُ عنه- بالخلافةِ، وذَكَرُوا كلاماً طويلاً باطِلاً، وزَعَموا أَنَّ
الصَّحابةَ تَمَالَئُوا على كِتمانِ هَذَا النَّصِّ وغَصَبُوا الوَصِيَّ
حقَّه، وفَسَقُوا وكَفُروا إلاَّ نَفَراً قليلاً، وقد جَعلَ أهلُ البِدَعِ
هَذَا اليومَ عِيدًا، وهَذَا ابْتِداعٌ في الدِّينِ؛ إذ الأعيادُ شَريعةٌ
مِن الشَّرائعِ، فيَجِبُ فيها الاتِّباعُ لا الابتِداعُ، ولم يكُنْ في
السَّلَفِ، لا مِن أهلِ البيتِ ولا مِن غيرِهم مَن اتَّخَذَ ذَلِكَ عِيدًا،
انتهى مِن الاقتِضاءِ.
(2) قولُه: (وقال أيضًا للعبَّاسِ)
إلخ: هَذَا الحديثُ رواه الإمامُ أحمدُ وغيرُه عن العبَّاسِ بنِ عبدِ
المطلبِ، قال: قلتُ يا رسولَ اللَّهِ إنَّ قُريشاً إذا لَقِيَ بعضُهم بعضاً
لَقُوهُم بِبِشْرٍ حَسَنٍ، وإذا لَقُونا لَقُونا بوُجوهٍ لا نَعرِفُها،
فغَضِبَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- غضباً شديداً وقال: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيمَانَ حتَّى يُحِبَّكُمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِه)) رواه أحمدُ وفي لفظٍ ثم قال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ آذى عَمِّي فَقَدْ آذَانِي، فَإِنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ)). رواه الترمذيُّ وقال حسنٌ صحيحٌ.
قولُه: (العبَّاس)
هُوَ ابنُ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ منافٍ، عَمُّ رسولِ اللَّهِ
-صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ووالِدُ الخلفاءِ العبَّاسيِّينَ، وكان
أسنَّ مِن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بِسنَتَيْنِ أو ثلاثٍ
وكان إسلامُه على المشهورِ قبلَ فَتحِ مكةَ، وكنيتُه أبو الفضلِ، وماتَ في
خلافةِ عثمانَ سنةَ اثنتين وثلاثين، وله بضعٌ وثمانونَ سنةً، وصلى عليه
عثمانُ، ودُفِن بالبَقِيعِ -رضي اللَّهُ عنه-.
قولُه: (وقد اشتكى إليه) مِن الشَّكْوى، وهُوَ أنْ تُخْبِرَ عن مَكروهٍ أصابَكَ. انتهى، نهايةٌ. قولُه: (يَجْفُوا): الجفاءُ: تَرْكُ البِرِّ والصِّلَةِ، انتهى، نهايةٌ.
قولُه: ((والذي نَفْسِي بِيَدِه)) فيه الحَلِفُ على الفُتْيا، وفيه دليلٌ على دخولِ الأعمالِ في مسمَّى الإيمانِ، وهَذَا قولُ أهلِ السُّنَّة والجماعةِ. قولُه: ((لا يؤمنون))
الحديثَ، هَذَا نَفْيٌ لكمالِ الإيمانِ الواجِبِ، ففيه دليلٌ على عَظِيمِ
حقِّهم، ووُجوبِ احترامِهم، والتحذيرِ مِن بُغْضِهم، والتَّرغيبِ في
حبِّهِم حتى نَفَى الإيمانَ عمَّن لا يحبُّهم، وفيه أنَّ محبَّةَ أهلِ
البيتِ وقرابةِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن محبَّتِه
-صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- واحترامِه وإكرامِه، وفيه دليلٌ على فَضْلِ
قَرابةِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-.
قولُه: ((ولِقَرابَتِي))
قرابةُ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مَن يُنْسَبُ إلى جَدِّه
الأقربِ، وهُوَ عبدُ المطَّلِبِ ممَّن صَحِبَ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ
عليهِ وسلَّمَ- أو رآه مِن ذَكَرٍ أو أُنْثى، انتهى (فتحُ الباري). وروى
البخاريُّ عن ابنِ عمرَ -رضي اللَّهُ عنهما- عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ -رضي
اللَّهُ عنه- أنَّه قال: ارْقُبوا محمَّداً في أهلِ بَيتِه. وفي الصَّحيحِ أَنَّ الصِّدِّيقَ قال لعليٍّ -رضي اللَّهُ عنه-: واللَّهِ لَقَرابةُ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أحبُّ إليَّ أنْ أَصِلَ مِن قَرابَتي، وقال عمرُ بنُ الخطَّابِ للعبَّاسِ: واللَّهِ
لاَسْلامُكَ يومَ أَسْلَمْتَ كان أحبَّ إليَّ مِن إسلامِ الخطَّابِ لو
أَسْلَم؛ لأنَّ إِسلامَكَ كان أحبَّ إلى رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ
عليهِ وسلَّمَ- مِن إسلامِ الخطَّابِ.
(3) قولُه: ((إنَّ اللَّهَ)) إلخ: هَذَا الحديثُ رواه أحمدُ ومسلمٌ عن واثلةَ بنِ الأسقعِ بلفظِ: ((إِنَّ
اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى
قُرَيْشاً مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ،
وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ)) ورواه أيضًا الترمذيُّ بلفظِ ((إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِبْرَاهِيمَ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ)) الحديثَ، قال الترمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ.
قولُه: ((اصْطَفى))
أي: اختَارَه، والصَّفوةُ الخيارُ، في هَذَا الحديثِ دليلٌ على شَرَفِ
نَسَبِه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، ودليلٌ على فَضْلِه -صلَّى اللَّهُ
عليهِ وسلَّمَ-، وأنَّه أَفْضَلُ الخَلْقِ على الإطلاقِ، وروى مسلمٌ في
"صحيحِه" أنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَلاَ فَخْرَ))، وقال ابنُ عبَّاسٍ -رضي اللَّهُ عنه-: ((إِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ مُحَمَّداً عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَعَلَى الأَنْبِيَاءِ))
رواه البيهقيُّ، وفي هَذَا الحديثِ إشارةٌ إلى فَضْلِ إسماعيلَ على سائِرِ
إخوتِه، وهَذَا الحديثُ صريحٌ في أنَّه -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن
ذُرِّيَّةِ إسماعيلَ، ولا خلافَ في ذَلِكَ، فَهُوَ -صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ- مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ المطلبِ بنِ هاشمِ بنِ عبدِ
منافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كعبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غالِبِ
بنِ فِهرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضرِ بنِ كِنانةَ بنِ خُزيمةَ بنِ مُدرِكةَ
بنِ إلياسَ بنِ مُضرَ بنِ نزارِ بنِ مَعْدِ بنِ عدنانَ، وفيه دليلٌ على
فضلِ العربِ وأنَّهم أفضلُ مِن غيرهم، وفيه أنَّ محبَّتهم دِينٌ؛ لأَنَّ
الحُبَّ والبُغضَ يَتْبعُ الفَضْلَ، وقد رُوِيَ: ((حبُّ العربِ إيمانٌ وبُغْضُهم نفاقٌ وكفرٌ))،
وقد احتجَّ بهَذَا الحديثِ حربٌ الكَرْمانيُّ وغيرُه، فقال حربٌ في
وَصْفِه للسُّنَّةِ التي قال فيها: هَذَا مذهبُ أئمَّةِ العِلمِ وأصحابِ
الأَثَرِ وأهلِ السُّنَّةِ المعروفِينَ بها المقتدَى بهم فيها، وساقَ
كلامًا طويلاً إلى أنْ قال: ونَعرِفُ للعربِ حقَّهَا وفَضْلَها
وسابِقَتِها، ونحبُّهم لحديثِ رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ-: ((حُبُّ الْعَرَبِ إِيمَانٌ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ))
ولا نقولُ بقولِ الشُّعوبيَّةِ وأَرَاذِلِ الموالي الذين لا يحبُّونَ
العربَ ولا يُقِرُّون بفَضْلِهم، فإنَّ قولَهم بدعةٌ وخلافٌ، انتهى مِن
اقتضاءِ الصِّراطِ المستقيمِ مُلخَّصاً.
وقال الشَّيخ تَقِيُّ الدِّينِ أيضًا: الذي عليه
أهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ اعتقادُ أنَّ جِنْسَ العَربِ أفضلُ مِن جِنسِ
العَجمِ، عِبرانِيِّهم وسُريانِيِّهم، رُومِهم وفُرْسِهم وغيرِهم، وأنَّ
قريشاً أفضلُ العربِ، وأنَّ بني هاشِمٍ أفضلُ قريشٍ، وأنَّ رَسولَ اللَّهِ
-صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أفضلُ بني هاشمٍ، فَهُوَ أفضلُ الخَلْقِ
نَفْساً وأَفْضَلُهم نَسباً، انتهى مِن اقتضاءِ الصِّراطِ المستقيمِ. قال
النَّوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واستدلَّ بِهِ أصحابُنا على أنَّ غيرَ
قريشٍ مِن العربِ ليس بكُفْءٍ لهم، ولا غيرَ بني هاشمٍ كُفْؤٌ لهم، إلاَّ
بني المطلبِ، فإنَّهم هم وبنو هاشمٍ شيءٌ واحدٌ، كما صرَّحَ بِهِ
الحديثُ.ا.هـ).
الروضة الندية للشيخ: زيد بن
عبد العزيز بن فياض رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (* فضيلةُ أهلِ بيتِ النبيِّ وأزواجِهِ *
(وَيُحِبُّونَ
أَهْلَ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
ويَتَوَلَّوْنَهُمْ، ويَحْفَظُونَ فيهِمْ وَصِيَّةَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: حَيْثُ قَالَ يَوْمَ غَدِيرِ خُمٍّ: (([
أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتي ]))
وقالَ أَيْضاً للعَبَّاسِ عَمِّهِ - وَقَدِ اشْتَكَى إِلَيْهِ أَنَّ بَعْضَ قُرِيْشٍ يَجْفُو بَني هَاشِمٍ - فقالَ:((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لاَ يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحِبُّوكُمْ؛ للهِ وِلقَرابَتي)).
وقَالَ:((إِنَّ اللهَ اصْطَفَى بَنِي
إِسْمَاعِيْلَ، واصْطَفَى مِنْ بَنِي إِسْمَاعيلَ كِنَانَةَ، واصْطَفَى
مِنْ كِنَانَةَ قُرَيْشاً، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَني هَاشِمٍ،
وَاصْطَفَاني مِنْ بَني هَاشِمٍ)).
(وَيَتَوَلَّوْنَ أَزْواجَ رَسـولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهَاتِ المُؤمِنـينَ، ويُؤمِنُـونَ
بأَنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ في الآخِرَةِ: خُصوصاً خَدِيجَةَ – رَضِيَ اللهُ
عَنْها ـ أُمَّ أَكْثَرِ أَوْلادِهِ، وأَوَّلَ مَنْ آمَنَ بِهِ وَعَاضَدَهُ
عَلى أَمْرِه، وكَانَ لَهَا مِنْهُ المَنْزِلَةُ المَنْزِلَةُ
العَالِيَةُ. والصِّدِّيقَةَ بِنْتَ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا،
الَّتي قَالَ فِيها النِّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((فَضْلُ
عَائِشَةَ عَلَى النِّساءِ كَفَضْلِ الثَّرِيْدِ عَلى سَائِرِ
الطَّعَامِ)) ).
الشرح:
وروى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحهِ عَن زيدِ بنِ أرْقمَ
قَالَ: قامَ فينا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوْماً
خَطِيباً بِماءٍ يُدْعى خُمَّ بينَ مكَّةَ والمدينةِ فحَمِدَ اللَهَ
تَعَالَى وأثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ:
أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ
رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبُ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمُ ثَّقَلَيْنِ.
أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ تَعَالَى فِيهِ الْهُدَى والنُّورُ فَخُذُوا
بِكِتَابِ اللهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ - فَحَثَّ عَلَى كِتابِ اللِه عَزَّ
وَجَلَّ وَرَغَبَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ
اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي، أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي
أُذَكِّرُكُمُ اللهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي. فقَالَ لَهُ حُصينٌ: وَمَنْ
أَهْلُ بيتِه يا زَيدُ؟ ألَيْسَ نِساؤُه مِن أهلِ بَيتِهِ؟ قَالَ: نِساؤه
مِن أهلِ بيتِهِ ولكِنْ أهلُ بَيتِهِ مَنْ حَرَّمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ.
قَالَ: وَمَن هُم؟ قَالَ: هُم آلُ عَلِيٍّ وآلُ عَقِيلٍ وآلُ جَعْفَرٍ وآلُ
عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ قَالَ: كُلُّ هؤلاء حَرَّمَ الصَّدَقَةَ؟
قَالَ نعم. وعَن العبَّاسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ قَالَ: قلتُ: يا رَسُولَ
اللهِ، إِنَّ قُريشاً إذا لَقِيَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً لَقَوْهُم بِبِشْرٍ
حَسَنٍ وإذا لَقَوْنا لَقَوْنا بِوُجوهٍ لا نَعْرِفُها. فَغَضِبَ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَضباً شَديداً وقَالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيدِهِ
لاَ يَدْخُلُ قَلْبَ رَجُلٍ الإِيمَانُ حَتَّى يُحِبَّكُمْ للهِ
ولِرِسُولِهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وفِي لفظٍ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا
النَّاسُ مَن آذَى عَمِّي فقَدْ آذَانِي فإنَّمَا عَمُّ الرَّجُلِ صِنْوُ
أَبِيهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
ولمُسْلِمٍ عَن واثِلةَ بنِ الأسْقَعِ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: إِنَّ
اللهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشاً
مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ.
ورَوَاهُ أَحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ مِن طريقٍ
أُخْرَى وَلَفْظُهُ: أنَّ اللهَ اصْطَفَى مِنْ وَلَدِ إبْرَاهِيمَ
إِسْمَاعِيلَ ؛ وَاصْطَفَى مِن وَلَدِ إسْمَاعِيلَ بَنِي كِنَانَةَ.
الْحَدِيثَ : قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
((والَّذِي عَلَيْهِ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ
اعْتقادُ أنَّ جِنسَ العربِ أفضلُ مِن جِنسِ العَجَمِ عَبْرانِيهم
وسُرْيانِيهم رُومِهم وَفُرْسِهم وغَيْرِهِمْ وأنَّ قُريشاً أفضلُ العربِ
وأنَّ بني هاشِمٍ أفضلُ مِن قُرَيْشٍ وأنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضلُ مِن بني هاشِمٍ فهُوَ أفضلُ الخَلْقِ نَفْساً
وأفضلُهم نَسَباً. ولَيْسَ فضْلُ العربِ ثُمَّ قُرَيْشٍ ثُمَّ بَنِي هاشِمٍ
بِمُجرَّدِ كونِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ
وإنْ كَانَ هَذَا مِن الفَضْلِ، بَل هُم فِي أنْفُسِهم أفْضلُ وبذَلِكَ
ثَبَتَ لرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ أفضلُ
نَفْساً ونَسَباً، والإلزامُ الدُّورُ. ولهَذَا ذَكَرَ أبو مُحَمَّدٍ
حَرْبُ بنُ إسماعيلَ بنِ خلَفٍ الكَرْمانِيُّ صاحبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ
فِي وصْفِه للسُّنَّةِ قولَهُ: ونعرِفُ للعربِ حَقَّها وَفْضَلهَا
وسَابِقَتَها وَنُحبُّهم لحَدِيثِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: حُبُّ الْعَرَبِ إِيمَانٌ وَبُغْضُهُمْ نِفَاقٌ. وَلَا نَقُولُ
بقوْلِ الشُّعُوبِيَّةِ وأَرَاذِلِ المَوالِي الَّذِينَ لا يُحبِّونَ
العربَ ولا يُقرُّونَ بِفضْلِهم فإنَّ قَوْلَهم بِدعةٌ وخِلافٌ وهَذَا قولُ
أَحْمَدَ وعَامَّةِ أهلِ الْعِلْمِ.
وذَهَبَتْ فِرقةٌ مِن النَّاسِ إِلَى أنَّهُ لا
فَضْلَ لجِنْسِ العربِ على جِنْسِ العَجَمِ وهؤلاء يُسَمَّونَ
الشُّعوبِيَّةَ لانْتصَارِهم للشُّعوبِ التي هي مُغايرَةٌ للقَبائِلِ. كَما
قِيلَ: قِيلَ: القبائلُ للعربِ والشُّعوبُ للْعَجَمِ.
ومِنَ النَّاسِ مَن قَدْ يُفضِّلُ بَعْضَ أنواعِ
العَجَمِ عَلَى العَرَبِ. والغَالِبُ أنَّ مِثْلَ هَذَا الكلامُ يَصدُرُ
إلا عَن نِفاقٍ: أمَّا فِي الاعتِقادِ، وأمَّا فِي العملِ المُنبَعِثِ عَن
هَوى النَّفسِ مَعَ شُبهاتٍ اقتَضَتْ ذَلِكَ.
الدَّليلُ على فَضْلِ جِنسِ العربِ ثُمَّ جِنسِ
قُرَيْشٍ ثُمَّ جِنسِ بَنِي هاشِـمٍ ما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَن
العَبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلِبِ قَالَ: قُلْت: يا رَسُولَ اللهِ إِنَّ
قُريشاً جَلَسوا فَتَذاكَـروا أَحْسَابَهم بَيْنَهُمْ فجَعلُـوا مَثَلَكَ
كَمَثلِ نَخْلَةٍ فِي كَبْوةٍ مِن الأرضِ فقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَجَعَلَنِي مِنْ خَيْرِ
فِرَقِهِمْ ثُمَّ خَيْرَ الْقَبَائِلِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ قَبِيلَةٍ.
ثُمَّ خَيْرَ الْبُيُوتِ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِ بُيُوتِهِمْ فَأَنَا
خَيْرُهُمْ نَفْساً وَخَيْرُهُمْ بَيْتاً.
قَالَ التِّرْمِـذِيُّ: هَذَا حَـدِيثٌ حَسـنٌ
ورَوَاهُ التِّرْمِـذِيُّ أيضـاً عَن المُطَّلِبِ بنِ أَبِي ودَاعَـةَ
قَالَ: جـَاءَ العَبَّاسُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فكأنَّهُ سَمعَ شَيئاً فقامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ على المِنْبرِ فقَالَ: مَنْ أَنَا؟ فقَالُوا: أَنْتَ رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللهِ بْنِ عبدِ الْمُطَّلِبِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ
فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ ثُمَّ جَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَجَعَلَنِي فِي
خَيْرِ فِرْقَةٍ ثُمَّ جَعَلَهُمْ قَبَائِلَ فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ
قَبِيلَةً. ثُمَّ جَعَلَهُمْ بُيُوتاً فَجَعَلَنِي فِي خَيْرِهِمْ بَيْتاً
وَخَيْرِهِمْ نَفْساً. ورَوَاهُ أَحْمَدُ فِي المُسْندِ.
والْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَفضيلِ الْعَرَبِ على
غَيْرِهِمْ. وقَدْ بيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ
هَذَا التَّفْضيلَ يُوجِبُ المَحَبَّةَ لبَنِي هاشِمٍ ثُمَّ لقُرَيْشٍ
ثُمَّ للعَرَبِ.
وَاعْلَمْ أنَّ الأحاديثَ فِي فضْلِ قُرَيْشٍ
ثُمَّ فِي فضْلِ بَنِي هاشمٍ فِيها كَثْرةٌ وهي تَدلُّ أيضاً على ذَلِكَ
إذْ نِسبةُ قُرَيْشٍ إِلَى الْعَرَبِ كَنِسبةِ الْعَرَبِ إِلَى النَّاسِ.
وهكذا جاءتِ الشَّريعَةُ. فإنَّ اللهَ تَعَالَى خَصَّ الْعَرَبَ
ولِسانَهُمْ بأحكامٍ تَمَيَّزُوا بها. ثُمَّ خصَّ قُريشاً على سائرِ
الْعَرَبِ بما جَعَلَ فِيهِمْ مِن خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وغيرِ ذَلِكَ مِن
الخَصائصِ ثُمَّ خَصَّ بَنِي هاشمٍ بتَحْريمِ الصَّدقةِ واستحقاقِ قِسْطٍ
مِن الفَيْءِ إِلَى غيرِ ذَلِكَ مِن الخَصائصِ فأعْطَى اللهُ سُبحَانَهُ
كُلَّ درجَةٍ مِن الفضلِ بحَسَبِها واللهُ عَليمٌ حَكِيمٌ (واللهُ أَعْلَمُ
حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
وعَن ابنِ عُمَـرَ قَالَ: أنَّا لَجُلوسٌ بِفناءِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ مَـرَّتْ بِنا امـرأةٌ
فقَالَ بعضُ القـومِ: هَذِهِ ابنةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فقَالَ أبو سُفْيَانَ: مَثلُ مُحَمَّدٍ فِي بَنِي هاشمٍ مَثلُ
الرَّيحانةِ فِي وسطِ النَّتنِ فانطْلَقَتِ المرأةُ فَأَخْبرتِ النَّبِيَّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يُعرفُ فِي وجْهِه الغضبُ فقَالَ: مَا بَالُ أَقْوالٍ
تَبْلُغُنِي عَنْ أَقْوَامٍ؟ إِنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ سَبْعاً
فَاخْتَارَ الْعُلْيَا مِنْهَا وَأَسْكَنَهَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ
ثُمَّ خَلَقَ الْخَلْقَ فَاخْتَارَ مِنَ الْخَلْقِ بَنِي آدَمَ وَاخْتَارَ
مِنْ بَنِي آدَمَ الْعَرَبَ وَاخْتَارَ مِنَ الْعَرَبِ مُضَرَ وَاخْتَارَ
مِنْ مُضَرَ قُرَيْشاً وَاخْتَارَ مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ
وَاخْتَارَنِي مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَأَنَا خِيارٌ مِنْ خِيارٍ مِنْ خِيارٍ.
فَمنْ أَحَبَّ الْعَرَبَ فَبُحِبِّي أَحَبَّهُمْ وَمَنْ أَبْغَضَ
الْعَرَبَ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ.
وروى التِّرْمِذِيُّ وغيرُه عَن سَلْمانَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَلْمَانُ لاَ
تُبْغِضْنِي فَتُفَارِقَ دِينَكَ، قُلتُ: يا رَسُـولَ اللهِ ؛ كَيفَ
أَبْغَضُكَ وبِكَ هَدَاني اللهُ؟ قَالَ: تَبْغَضُ الْعَرَبَ فَتَبْغَضُنِي.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حسنٌ غَرِيبٌ. فقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُغْضَ الْعَـرَبِ سَبَباً لِفِـراقِ الدِّينِ
وجَعَـلَ بُغْضَهُـم مُقْتضِياً لِبُغْضِـه: وَيُشبِهُ أنْ يكـونَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاطَبَ سَلْمانَ بهَذَا وهُوَ
سابِقُ الفُرْسِ ذو الفَضَائِلِ المَأْثُورةِ تَنْبِيهاً لغَيْرِه مِن
سائرِ الفُرْسِ لِما أَعْلمَهُ اللهُ مِن أنَّ الشيطانَ قَدْ يدْعُو
النُّفوسَ إِلَى شيءٍ مِن هَذَا. وهَذَا دليلٌ على أنَّ بُغضَ جِنسِ
الْعَرَبِ ومُعاداتِهِم كُفْرٌ، أو سَببٌ للكُفْرِ، وَمُقتضاهُ: أنَّهُمْ
أفضلُ مِن غَيْرِهِمْ وأنَّ مَحَبَّتَهم سببُ قوَّةِ الإيمانِ لأنَّهُ لو
كَانَ تحريمُ بُغضِهم كَتحرِيمِ بُغضِ سائرِ الطَّوائفِ لم يَكُنْ ذَلِكَ
سَبباً لِفراقِ الدِّينِ ؛ ولا لِبُغضِ الرَّسولِ. بَل كَانَ يكونُ ذَلِكَ
نوعَ عُدوانٍ فَلَمَّا جعلَهُ سَبباً لفِرَاقِ الدِّينِ وبُغْضِ الرَّسولِ
دَلَّ على أنَّ بُغضَهم أعظمُ مِن بُغضِ غَيْرِهِمْ ؛ وذَلِكَ دليلٌ على
أنَّهُمْ أفضلُ لأنَّ الحُبَّ والبُغضَ يَتبعُ الفضلَ فَمَنْ كَانَ بُغضُه
أعظمَ دَلَّ على أنَّهُ أفضلُ ودلَّ حينئذٍ على أنَّ مَحبَّتَه دِينٌ
لأجْلِ ما فيه مِن زيادةِ الفضلِ ولأنَّ ذَلِكَ ضِدُّ البُغضِ ؛ ومَنْ
كَانَ بُغضُه سَبباً للعذَابِ لِخُصوصِه كَانَ حُبُّه سَبباً للثَّوابِ
وفِي ذَلِكَ دليلٌ على الفَضْلِ.
وأيضـاً فإنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ
اللهُ عَنْهُ لمَّا وَضعَ دِيوانَ العطاءِ كَتَبَ النَّاسَ على قَدْرِ
أنْسابِهم فَبدَأ بأقْربِهم نَسباً إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فلمَّا انْقَضتِ الْعَرَبُ ذَكرَ العَجمَ. هَكذا كَانَ
الدِّيوانُ على عهدِ الخُلفَاءِ الرَّاشِدينَ وسائرِ الخُلفَاءِ مِن بَنِي
أُمَيَّةَ وَوَلدِ العَبَّاسِ إِلَى أنْ تَغيَّرَ الأمْرُ بعدَ ذَلِكَ ؛
وسببُ هَذَا الفضْلِ - واللهُ أعلمُ - ما اختصُّوا به فِي عقُولِهم
وألسِنتِهمْ وأخلاقِهم وأعمالِهم وذَلِكَ أنَّ الفضلَ: إِمَّا بالْعِلْمِ
النَّافعِ، وإمَّا بالعملِ الصَّالحِ والْعِلْمُ لَهُ مَبدأٌ وهُوَ قوَّةُ
العقلِ الَّذِي هُوَ الحِفظُ والفَهمُ، وتمامٌ وهُوَ: قوُّةُ المَنْطقِ
الَّذِي هُوَ البيانُ والعبارةُ ولِسانُهُمْ أتمُّ الألسِنَةِ بَياناً
وتَمْييزاً للمعانِي جَمعاً وفَرْقاً.
وأمَّا العملُ فإنَّ مَبناهُ على الأخلاقِ وهي
الغرائزُ المَخلُوقةُ فِي النَّفسِ، وغَرائِزُهم أطوعُ للخَيْرِ مِن
غَيْرِهِمْ فهم أقربُ للسَّخاءِ والحِلْمِ والشَّجاعةِ والوفاءِ وغيرِ
ذَلِكَ مِن الأخلاقِ المَحمُودةِ لَكِنْ كانوا قبلَ الإسْلاَمِ طبيعةً
قابِلةً للخيرِ مُعطَّلةً عَن فِعْلِهِ لَيْسَ عِنْدَهُمْ عِلمٌ مُنزَّلٌ
مِن السَّمَاءِ ولا شريعةٌ مَوروثةٌ عَن نَبِيٍّ ولا هُم أيضاً مُشتغِلونَ
ببَعضِ العلومِ العقلِيَّةِ المَحْضةِ كالطِّبِّ وَالحسابِ ونحوِهما،
إنَّمَا عِلمُهم ما سَمَحَتْ به قرائِحُهم مِن الشِّعرِ والخُطبِ وما
حَفِظوه مِن أنسابِهم وأيَّامِهم ؛ وما احْتاجُوا إِليهِ فِي دُنياهُم مِن
الأنواءِ والنُّجومِ أو مِن الحروبِ. فلمَّا بَعَثَ اللهُ مُحمَّداً صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهُدَى - الَّذِي ما جَعلَ اللهُ فِي الأرضِ
ولا يَجعلُ أعظمَ مِنه قَدراً - وتَلقَّوْهُ عَنْهُ بعدَ مُجاهدَتِه
الشَّديدةِ لهم ومُعالجَتِهم على نَقْلِهم عَن تلكَ العاداتِ الجاهليَّةِ
والظُّلماتِ الكُفرِيَّةِ التي كَانَتْ قَدْ أحالَتْ قلوبَهم عَن فِطرتِها
فلمَّا تلقَّوْا عَنْهُ ذَلِكَ الهُدى العظيمَ زالَتْ تلك الرِّيونُ عَن
قُلوبِهم واسْتنارَتْ بهُدَى اللهِ الَّذِي أنْزلَ على عَبدِه ورسولِهِ
فَأخذُوا هَذَا الهُدى العظيمَ بتلك الفِطْرةِ الجَيِّدةِ فاجْتمعَ لهم
الكمالُ بالقوَّةِ المَخْلوقةِ فِيهِمْ، والكمالُ الَّذِي أنزَلَ اللهُ
إليهم بمنزِلةِ أرْضٍ جيِّدةٍ فِي نَفْسِها هي مُعطَّلةٌ عَن الحَرْثِ أو
قَدْ نَبتَتَ فيها شجرُ العضَاهِ والعَوْسَجِ وَصارَتْ مَأوَى الخنازِيرِ
والسِّباعِ. فإذا طَهُرتْ عَن المُؤذِي مِن الشَّجرِ والدَّوابِّ والزَّرعِ
فيها أفضلُ الحبوبِ والثِّمارِ جَاءَ فيها مِن الحَرْثِ مَا لا يُوصفُ
مِثلُهُ فَصارَ السَابِقُونَ الأوَّلونَ مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ أفضلَ
خَلْقِ اللهِ بعدَ الأنبياءِ. وصارَ أفضلَ النَّاسِ بعدَهم مَن تَبِعهم
بإحسانٍ إِلَى يومِ القيامةِ مِن الْعَرَبِ والعجمِ.
وأيضاً فإنَّ اللهَ لمَّا أنزلَ كِتابَه
باللِّسانِ العربِيِّ، وَجَعلَ رسولَهُ مُبَلِّغاً عَنْهُ الكتابَ
والحِكمةَ بِلسانِهِ العربِيِّ وجعلَ السَّابِقِينَ إِلَى هَذَا الدِّينِ
مُتكلِّمينَ به لم يَكُنْ سبيلٌ إِلَى ضَبْطِ الدِّينِ ومَعْرفَتِه إلا
بِضَبطِ هَذَا اللِّسانِ وصارتْ مَعرفَتُه مِن الدِّينِ وصارَ اعْتيادُ
التَّكلُّمِ به أسهلَ على أهلِ الدِّينِ فِي معرفةِ دِينِ اللهِ وأقربَ
إِلَى إقامةِ شَعائرِ الدِّينِ، وأقْربَ إِلَى مُشابهَتِهم للسَّابِقين
الأوَّلِينَ مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ فِي جميعِ أمورِهم.
واللِّسانُ تُقارنُه أمورٌ أُخْرى مِن العلومِ
والأخلاقِ. فإنَّ العاداتِ لها تأثِيرٌ عظيمٌ فيما يُحِبُّهُ اللهُ، وفيما
يَكرهُه ؛ فلهَذَا أيضاً جَاءتِ الشَّريعةُ بِلزومِ عاداتِ السَّابِقِينَ
فِي أقوالِهم وأعمالِهم ؛ وكراهةِ الخروجِ عَنْهَا إِلَى غيرِها مِن غيرِ
حاجةٍ.
((وجمهورُ العلماءِ على أنَّ جِنسَ الْعَرَبِ
خيرٌ مِن غَيْرِهِمْ. وجِنسَ بَنِي هاشمٍ خيرٌ مِن غَيْرِهِمْ وقَدْ ثَبَتَ
فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ "
النَّاسُ مَعادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ خِيارُهُمْ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ خِيارُهُمْ فِي الْإسْلَامِ إِذَا فَقِهُوا ". لكنْ تفضيلُ
الجُملةِ على الجُملةِ لا يَستلزمُ أنْ يكونَ كلُّ فرْدٍ أفضلَ مِن كلِّ
فَرْدٍ فإنَّ فِي غيرِ الْعَرَبِ خلْقاً كَثيراً خيرٌ مِن أكثرِ الْعَرَبِ،
وفِي غيرِ قُرَيْشٍ مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ مَن هُوَ خيرٌ مِن
قُرَيْشٍ.
وفِي غيرِ بَنِي هاشمٍ مِن قُرَيْشٍ وغيرِ
قُرَيْشٍ مَن هُوَ خيرٌ مِن أكثرِ بَنِي هاشمٍ كما قَالَ رَسُولُ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَيْرَ الْقُرونِ الْقَرْنُ
الَّذِي بُعِثَت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ.
وفِي القرونِ المتأخِّرةِ مَن هُوَ خيرٌ مِن
كثيرٍ مِن القرنِ الثَّانِي والثَّالِثِ ومَعَ هَذَا فلمْ يَخُصَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القرنَ الثَّانِيَ والثَّالِثَ
بحُكمٍ شَرعيٍّ. كذَلِكَ لم يَخصَّ الْعَرَبَ بحُكْمٍ شَرعيٍّ بَل ولا
خَصَّ بَعضَ أصحابِه بحُكمٍ دونَ سائرِ أُمَّتِه ؛ ولكنَّ الصَّحَابَةَ
لمَّا كَانَ لهم مِن الفضلِ أَخبرَ بفَضْلِهم وكذَلِكَ السَابِقُونَ
الأوَّلونَ لم يَخصَّهم بحُكمٍ ولكنْ أخبرَ بِما لهم مِن الفضلِ لِما
اختصُّوا به مِن العملِ وذَلِكَ لا يَتعلَّقُ بالنَّسبِ)) ).