11 Nov 2008
الإقرار بأحقية الخلفاء الراشدين بالخلافة
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ - مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ - لَيْسَتْ مِن الأُصُولِ الَّتِي يُضلَّلُ الْمُخَالِفُ فِيهَا عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ السُّنَّةِ ، لَكِنَّ المسألة الَّتِي يُضلَّلُ المخالف فِيها: مَسْأَلَةُ الْخِلاَفَةِ ؛ وَذَلِكَ بأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بأَنَّ الْخَلِيفَةَ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ ، ثُمَّ عُثْمَانُ ، ثُمَّ عَلِيٌّ –رضي الله عنهم-، وَمَنْ طَعَنَ فِي خِلاَفَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ الأئمة فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمَارِ أَهْلِهِ).
التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وإن
كانت هذه المسألة -مسألة عثمان وعلي- ليست من الأصول التي يُضلَّلُ
المخالِفُ فيها عند جمهور أهل السُّنة، لكن التي يُضلَّلُ فيها مسألةُ
الخلافة؛ وذلك أنهم يؤمنونَ أن الخليفةَ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أبو بكر، ثم عُمر، ثم عثمانُ، ثم عليٌّ ومَنْ طعن في خِلافةِ أحدٍ من هؤلاء
فهو أضلُّ من حمار أهلِهِ([1]) ).
الشرح:
قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( ([1])يريد المؤلف رحمه الله أن الخلاف الكائن بين الأمة على وجهين:
- أحدهما: الخلاف في الفروع والمسائل
الاجتهادية التي إذا اجتهد فيها الحاكم من قاضٍ أو مفتٍ ومصنّفٍ ومعلّمٍ
فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد وأخطأ فله أجرٌ واحد.
- الوجه الثاني الخلاف في المسائل
الأصولية، كمسائل صفات الباري والقدر والإيمان ونحوها، وهذه يضلل فيها
المخالفون لما دلّ عليه الكتاب والسُّنة، وما كان عليه السّلف الصالح من
الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
فمسألة الخلافة وتقديم عليّ على عثمان فيها يعد من البِدع التي من اعتقدها
فهو في الغالب متشيّع، وقد أزرى بالمهاجرين والأنصار، كما قال ذلك غير واحد
من السلف.
وأما التفضيل بينهما فإنها مسألة خفيفة من جنس مسائل الخلاف في المسائل الاجتهادية).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ([ أَمَّا بَعْدُ؛ فهذا اعْتِقادُ ] الفِرقَةِ النَّاجِيَةِ المَنْصُورَةِ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ: أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ(1)).
الشرح:
قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): (وعلى
كلِّ حالٍ؛ فمسألةُ التَّفضيلِ ليستْ – كمَا قالَ المُؤَلِّفُ – مِنْ
مَسَائِلِ الأصولِ التَّي يُضَلَّلُ فيهَا المُخَالِفُ، وإنَّمَا هيَ
مسألةٌ فرعيةٌ يتَّسعُ لهَا الخِلاَفُ.
وأَمَّا مسألةُ الخلافَةِ؛ فيجبُ الاعتقادُ بأنَّ خلافةَ عثمانَ كانَتْ
صحيحةً لأنَّهَا كانَتْ بِمَشُورَةٍ مِنَ السِّتَّةِ الَّذينَ عيَّنَهُمْ
عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِيَخْتَارُوا الخليفةَ مِنْ بَعْدِهِ، فَمَنْ
زَعَمَ أنَّ خلافةَ عثمانَ كانَتْ باطلَةً، وأنَّ عليًّا كانَ أحقَّ
بالخلافةِ مِنْهُ؛ فهوَ مُبْتَدِعٌ ضَالٌّ يَغْلُبُ عليهِ التَّشيُّعُ، معَ
ما في قَوْلِهِ مِنْ إِزْرَاءٍ بالمهَاجرينَ والأنصارِ).
شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وإِنْ
كَانَتْ هذه المَسْأَلَةُ – مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وعَلِيٍّ – لَيْسَتْ
مِنَ الأصُولِ الَّتي يُضَلَّلُ المُخَالِفُ فيها عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ
السٌّنَّةِ. لكِنِ الَّتي يُضَلَّلُ فيها، مَسْأَلَةُ الخِلافَةِ، وذلك
أنَّهُمْ يُؤمِنُونَ أَنَّ الخَلِيفةَ بعدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ
عَلِيٌّ.ومَنْ طَعَنَ في خِلافَةِ أَحَدٍ مِن هؤلاءِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ
حِمارِ أَهْلِهِ.(1)).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (1) أبْدَى الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ موازَنةً بَيْنَ المسألتَيْنِ ـ مسألةِ تقديمِ عليٍّ على عثمانَ في الفَضْلِ، ومسألةِ تقديمِ
عليٍّ على غيرِه في الخلافةِ مِن حَيْثُ ما يترتَّبُ على ذَلِكَ التقديمِ
مِن خطورةٍ. فَبَيَّنَ أنَّ مسألةَ تفضيلِ عليٍّ علَى عثمانَ لا يُضَلَّلُ:
أي لا يُحكَمُ بضلالِ مَن قال بها، نَظَراً لوُجودِ الخلافِ فيها بَيْنَ
أهلِ السُّنَّةِ، وإنْ كان الرَّاجحُ تفضيلَ عثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(لكنَّ التي يُضلَّلُ فيها مسألةُ الخلافةِ) أي
يُحكَمُ بضلالِ مَن خالَفَ فيها، فرأى تقديمَ عليٍّ في الخلافةِ على
عثمانَ أو غيرِه مِن الخلفاءِ الذين سَبَقوه، أو قدَّم علياًّ على أبي بكرٍ
وعُمَرَ في الفضيلةِ.
فأهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ يؤمِنونَ بأنَّ الخليفةَ بعدَ رسولِ اللَّهِ
صلى اللهُ عليه وسلم أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لفَضلِه
وسابِقَتِه وتقديمِ النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم له على جميعِ
الصَّحابةِ، وإجماعِ الصَّحابةِ على بَيعَتِه.
ثم
الخليفةُ مِن بعد أبي بكرٍ عُمَرُ بنُ الخطابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
لفَضلِه وسابِقتِه وعَهْدِ أبي بكرٍ إليه، واتِّفاقِ الأُمَّةِ عليه بعدَ
أبي بكرٍ،
ثم الخليفةُ بعد عُمَرَ عثمانُ بنُ عفانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لتقديمِ أهلِ الشُّورَى له، واتِّفاقِ الأُمَّةِ عليه.
ثم بعدَ عثمانَ الخليفةُ عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لفَضلِه وإجماعِ أهلِ عَصرِه عليه.
هؤلاءِ هم الخلفاءُ الأربعةُ المُشارُ إليهم في حديثِ العِرباضِ بنِ سارِيةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بقولِه صلى اللهُ عليه وسلم: (( عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي )).
ولهَذَا قال الشَّيخُ: (ومَن طَعَنَ في خلافةِ أحدٍ من هؤلاءِ) يعني الأربعةَ المذكُورينَ (فَهُوَ أضلُّ مِن حمارِ أهلِهِ)
لمخالَفتِه النَّصَّ والإجماعَ مِن غيرِ حُجَّةٍ ولا بُرهانٍ، وذَلِكَ
كالرَّافِضةِ الذين يزعُمونَ أنَّ الخلافةَ بعدَ النَّبيِّ صلى اللَّه عليه
وسم لعليِّ بنِ أبي طالبٍ، والحاصلُ في مسألةِ تقديمِ عليٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ على غيرِه مِن الخلفاءِ الثَّلاثةِ:
1) مَنْ قدَّمه في الخلافةِ فَهُوَ ضالٌّ بالاتِّفاقِ.
2) مَن
قدَّمه في الفضيلةِ على أبي بكرٍ وعمرَ فَهُوَ ضالٌّ أيضا، ومَن قدَّمه
على عثمانَ في الفضيلةِ فلا يُضَلَّلُ، وإن كان هَذَا خِلافَ الرَّاجحِ).
التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وإِنْ
كَانَتْ هذه المَسْأَلَةُ – مَسْأَلَةُ عُثْمَانَ وعَلِيٍّ – لَيْسَتْ
مِنَ الأصُولِ الَّتي يُضَلَّلُ المُخَالِفُ فيها عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ
السٌّنَّةِ، [ لكِنِ الَّتي يُضَلَّلُ فيها، مَسْأَلَهُ ] الخِلافَةِ، وذلك
أنَّهُمْ يُؤمِنُونَ أَنَّ الخَلِيفةَ بعدَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبو بَكْرٍ، وعُمَرُ، ثُمَّ عُثمانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ،
ومَنْ طَعَنَ في خِلافَةِ أَحَدٍ مِن هؤلاءِ؛ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمارِ
أَهْلِهِ ).(1)).
الشرح:
قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ( (1) قولُه: (وإنْ كانتْ هَذِهِ المسألةُ مسألةُ عثمانَ)
إلخ أي: مسألةُ التَّفضِيلِ بينهما لوجودِ الخلافِ، فقد قال بعضُ أهلِ
السُّنَّةِ بتقديمِ عليٍّ، والبعضُ تَوقَّفَ، وأمَّا مَن حَكى الإجماعَ على
تفضيلِ عثمانَ فقد غَلِطَ، فالخلافُ موجودٌ، فَلِذا لا يُضلَّلُ
المخالِفُ.
قولُه: (التي يُضلَّلُ فيها) إلخ أي: يُنسَبُ
إلى الضَّلالِ هي مسألةُ الخلافةِ، فأهلُ السُّنَّةِ والجَماعَةِ يؤمنون
بأنَّ بعدَ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أبو بكرٍ
الصِّدِّيقُ لفضلِه وسابِقَته، وتقديمِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ
وسلَّمَ- له على جميع الصَّحابةِ، وإجماعِ الصَّحابةِ على ذَلِكَ، ولم يكُن
اللَّهُ لِيَجْمَعُهم على ضلالةٍ.
ثم أحقُّهُم بالخلافةِ بعدَ أبي بكرٍ عمرُ -رضيَ اللَّهُ عنهما-، وَذَلِكَ
لِفَضْلِه وعَهدِ أبي بكرٍ إليه، واتِّفاقِ الأمَّةِ بعدَه عليه، ثم عثمانُ
-رضي اللَّهُ عنه- لتقديمِ أهلِ الشُّورَى له واتِّفاقِ الأمَّةِ عليه.
قال الإمامُ أحمدُ: ما اجْتَمَعوا على بيعةٍ ما اجْتَمَعوا على بيعةِ
عثمانَ -رضي اللَّهُ عنه-، ثم عليٌّ لِفَضْلِه وإجماعِ أهلِ عَصرِه عليه،
ولا شَكَّ أنَّ عَلِياًّ هُوَ الخليفةُ في زَمانِه خِلافةَ نبوَّةٍ، كما
دَلَّ على ذَلِكَ حديثُ سَفينةَ الذي سيأتي.
وقال الإمامُ أحمدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عليٌّ رابِعُهم في الخلافةِ
والتَّفضِيلِ، وأمَّا معاويةُ فهُوَ مِن العُدولِ الفُضلاءِ والصَّحابةِ
النُّجباءِ -رضي اللَّهُ عنهم-، فهؤلاء هُم الخلفاءُ الأربعةُ المشارُ
إليهم في حديثِ العِرباضِ بنِ ساريةَ: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي …)) الحديثَ.
قولُه: (مَنْ طَعَن في خلافةِ واحدٍ منهم) إلخ: لمخالَفَتِه النُّصوصَ الصَّريحةَ والإجماعَ، ولم يخالِفْ في ذَلِكَ إلا ضالٌّ زائغٌ.
قال الإمامُ أحمدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: مَن فضَّلَ علياًّ على أبي بكرٍ
وعمرَ وقدَّمَه عليهما في الفَضيلةِ والإمامةِ دُونَ النَّسبِ فهُوَ
رافِضيٌّ مبتدعٌ فاسِقٌ، ذَكَره القاضي أبو يَعْلَى وتَبَرَّأَ الإمامُ
أحمدُ ممَّن ضَللَّهم أو أَحداً منهم، وقال الإمامُ أحمدُ: مَن لم
يُرَبِّعْ بعليٍّ في الخلافةِ فهُوَ أضَلُّ مِن حمارِ أهلِه، واحتجَّ
الإمامُ أحمدُ بحديثِ سَفِينةَ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-
قال: ((تَكُونُ خِلاَفَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاَثِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا))،
وآخِرُ الثَّلاثينَ خلافةُ عليٍّ -رضي اللَّهُ عنه- مع أيَّامِ ابنِه
الحسَنِ، وكانتْ سِتَّةَ أشْهُرٍ وشيئًا، وروى حديثَ سفينةَ أصحابُ
السُّنَنِ وصحَّحَه ابنُ حِبَّانَ وغيرُه، فترتيبُ الخلفاءِ في التَّفضيلِ
والخلافةِ كما ذَكَرَه المصنِّفُ خلافًا للرَّافضةِ مِن الشِّيعةِ وغيرِهم
الذين يَزعُمون أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- قد نَصَّ
على خلافةِ عليٍّ، وهَذَا مِن أَعْظمِ الكذِبِ والافتراءِ، والأدِلَّةُ
على بُطلانِ هَذِهِ الدَعْوى لا تُحصى، بل قد سُئِلَ عليٌّ -رضي اللَّهُ
عنه- عن ذَلِكَ فأنْكَرَه، قال النَّوويُّ: وأمَّا ما تدَّعِيه الشِّيعةُ
مِن النَّصِّ على عليٍّ والوصيةِ إليه فباطِلٌ لا أصلَ له باتِّفاقِ
المسلِمِينَ، وأوَّل مَن كذَّبَهم عليٌّ -رضي اللَّهُ عنه-، ثم ذَكَرَ ما
روى البخاريُّ عن أبي جُحيفةَ، قال: قلتُ لعليٍّ -رضي اللَّهُ عنه-: هل
عندكم مِن الوَحْيِ شيءٌ غيرُ القرآنِ؟ قال: لا والذي فَلَق الحبَّةَ وبَرَأَ النَّسَمةَ إلا فَهْماً يُعطِيهِ اللَّهُ رجُلاً في القرآنِ، وما في هَذِهِ الصَّحيفةِ، قلتُ: وما في هَذِهِ الصَّحيفةِ؟ قال: العَقلُ وفكاكُ الأسيرِ، وأنْ لا يُقْتَلَ مُسلِمٌ بكافرٍ، وروى مسلمٌ عن الأسودِ بنِ يزيدَ، قال: ذَكروا عند عائشةَ أنَّ علياًّ كان وصِياًّ، فقالت: مَتى أُوصِيَ إليه فقد كُنْتُ مُسنِدَتَه – تعني النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- – إلى صَدْرِي فدَعَى بالطَّسْتِ فلقد انْخَنَثَ في حِجري وما شَعرتُ أنه ماتَ، فمتى أَوصَى إليه؟
إلى غيرِ ذَلِكَ مِن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على بطلانِ ما تَزعُمُه
الشِّيعةُ مِن أنَّه أَوصَى إليه، أو أنَّ لدى أهلِ البيتِ شيءٌ من
العِلمِ، لا سيَّما عليٌّ لم يَطَّلِعْ عليه أحدٌ غيرُه، وقد أطالَ في
المنهاجِ في ردِّ هَذَا وإبطالِه بأدِلَّةٍ واضحةٍ صريحةٍ – إلى أنْ قال –
وأما النَّصُّ الذي تَدَّعِيه الرَّافِضةُ فهُوَ كالنَّصِّ الذي تَدَّعِيه
الرَّاونديةُ على العبَّاسِ، وكِلاهما معلومُ الفسادِ بالضَّرورةِ عندَ
أهلِ العلمِ، ولو لم يكُنْ في إثباتِ خلافةِ عليٍّ إلاَّ هَذَا لم تَثْبُتْ
له إمامةٌ، كما لم تَثْبُتْ للعبَّاسِ إمامةٌ بنَظيرِه. اهـ).
الروضة الندية للشيخ: زيد بن
عبد العزيز بن فياض رحمه الله
المتن:
قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (* الخلفـاءُ الراشِـدونَ *
(وَيُقِرُّونَ بِمَا تَواَتَرَ بهِ النَّقْلُ عَنْ
أَمِيْرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أَبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغيْرِهِ
مِن أَنَّ خَيْرَ هذِهِِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها أَبو بَكْرٍ، ثُمَّ
عُمَرُ.
ويُثَلِّثُونَ بِعُثْمانَ، ويُرَبِّعُونَ
بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثارُ، وكَمَا
أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ في البَيْعَةِ مَعَ أَنَّ
بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفوا في عُثْمانَ وعَلِيٍّ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى تَقْدِيمِ أَبي بَكْرٍ
وعُمَرَ - أَيُّهُما أَفْضَلُ؟ فقدَّمَ قومٌ عُثْمانَ: وسَكَتُوا، أَو
رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وقَدَّم قومٌ عَلِيًّا، وقَوْمٌ توقَّفوا لكنِ
استقرَّ أَمْرُ أهلِ السُّنَّةِ على تقديمِ عثمانَ ثُمَّ عَلِيٍّ.
وإن كانت هذه المَسْألةُ - مسألةُ عثمانَ
وعَلِيٍّ ـ ليست مِن الأُصُولِ التي يضللُ المُخَالِفُ فيه عندَ جمهورِ
أهلِ السُّنَّةِ لكنَّ التي يضللُ المُخَالِفُ فيها مسألةُ الخِلَافةِ وذلك
أنَّهمْ يؤمِنُونَ أنَّ الخليفةَ بعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه
وسلَّمَ أبو بكرٍ ثمَّ عُمَرُ ثمَّ عثمانُ ثمَّ عَلِيٌّ ومَن طَعَنَ فِي
خِلَافةِ أحَدٍ مِن هؤلاءِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمارِ أَهْلِهِ)
إحْدَاهُمَا: مَسْأَلةُ الخِلافَةِ.
والثَّانيةُ: مَسْأَلةُ التَّفضيلِ فقَدْ أجْمَعَ
أهلُ السُّنَّةِ على أنَّ الخليفةَ بعدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ
عَلِيٌّ، واتَّفقُوا على أنَّ أفضلَ الصَّحَابَةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ وهُوَ الأحقُّ بالخِلافَةِ ثُمَّ يَلِيه فِي الأفضليَّةِ
عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ثُمَّ اختلفوا فِي عُثْمَانَ وعَلِيٍّ أيُّهما
أفضلُ؟ واستقَرَّ أمْرُهم أخيرِاً على تفضيلِ عُثْمَانَ فَتَرْتِيبُهم فِي
الفضلِ كتَرْتِيبهم فِي الخِلافَةِ).
الشرح:
قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (والْإِمَامةُ عندَ أهلِ السُّنَّةِ تَثبُتُ
بِمُوافقةِ أهلِ الشَّوْكةِ عَلَيْهَا ولا يَصِيرُ الرَّجُلُ إمَاماً
حَتَّى يُوافِقَه أهلُ الشَّوْكةِ الَّذِي يَحصلُ بِطاعتِهم لَهُ مقصودُ
الْإِمَامةِ، فإنَّ المقصودَ بالْإِمَامةِ إنَّمَا يحصلُ بالقُدرَةِ
والسُّلطانِ، فإذا بُوِيعَ بَيعةً حَصَلَتْ بها القُدرةُ والسُّلطانُ صَارَ
إمَاماً، والكلامُ هُنا فِي مَقامَينِ.
أحَدُهما: فِي كونِ أَبِي بَكْرٍ كَانَ هُوَ
المُستحِقَّ للإمَامةِ، وأنَّ مُبايعتَهم لَهُ مِمَّا يُحبُّه اللهُ
ورسـولُهُ. فهَذَا ثابِتٌ بالنَّصِّ والإجماعِ.
والثَّاني: أنَّهُ متى صَارَ إمَاماً فذَلِكَ بمُبَايَعَةِ أهلِ القُدرةِ لَهُ.
وكذَلِكَ عُمَرُ لمَّا عَهِدَ إِلَيْهِ أَبُو
بَكْرٍ، إنَّمَا صَارَ إماماً لَمَّا بَايعُوه وأطَاعُوه ولو قُدِّرَ
أنَّهُمْ لم يُنَفِّذوا عَهْدَ أَبِي بَكْرٍ ولم يُبايعِوه لم يَصِرْ
إماماً سواءً كَانَ ذَلِكَ جائِزاً، أو غيْرَ جائزٍ. فالحِلُّ والحُرْمةُ
مُتعلِّقٌ بالأفْعالِ. وأمَّا نَفْسُ الولايةِ والسُّلطانِ فهُوَ عِبارةٌ
عَن القُدْرةِ الحَاصلَةِ.
ثُمَّ قَدْ تحْصُلُ على وَجْهٍ يُحِبُّهُ اللهُ
ورسولُهُ كسُلطانِ الخُلفَاءِ الرَّاشِدينَ، وقَدْ تَحْصُلُ على وَجْهٍ فيه
مَعصيةٌ كسُلْطَانِ الظَّالِمينَ. ولو قُدِّرَ أنَّ عُمَرَ وطَائِفَةً
مَعه بايَعُوه وامْتَنَعَ سائرُ الصَّحَابَةِ عَن البَيْعةِ لم يَصِرْ
إماماً بذَلِكَ، وإنَّمَا صارَ إماماً بمُبَايَعَة جمهورِ الصَّحَابَةِ
الَّذِينَ هم أهلُ القُدرةِ والشَّوْكةِ، ولهَذَا لم يَضُرَّ تَخَلُّفُ
سعدِ بنِ عُبادةَ لأنَّ ذَلِكَ لا يَقدحُ فِي مقصودِ الولَايةِ، فإنَّ
المقصودَ حصولُ القُدرةِ والسُلْطَانِ اللذين بهما تَحْصُلُ مصالِحُ
الْإِمَامةِ وذَلِكَ قَدْ يَحصلُ بِموافقةِ الجمهورِ على ذَلِكَ فَمَن
قَالَ: إنَّهُ يَصِيرُ إماماً بِمُوافقةِ واحدٍ أوِ اثْنَينِ أو أرْبَعةٍ
وليسوا هم ذَوِي القُدْرةِ والشَّوكةِ فَقَدْ غَلِطَ. كما أنَّ مَن ظَنَّ
أنَّ تَخَلٌّفَ الواحدِ أو الاثْنَينِ وَالعشَرةِ يَضُرُّ فقَدْ غَلِطَ.
وأمَّا عُمَرُ فإنَّ أبا بَكْرٍ عَهِدَ إِلَيْهِ
وبايَعَهُ المُسْلِمونَ بعدَ موتِ أَبِي بَكْرٍ فَصَارَ إمامَّا لَمَّا
حَصَلَتْ لَهُ القُدْرةُ والسُلْطَانُ بمُبايعتِهم وأمَّا عُثْمَانُ
فإنَّمَا صَارَ إمَاماً بمُبَايَعَةِ النَّاسِ لَهُ.
وجميعُ المُسْلِمِينَ بايَعُوا عُثْمَانَ بنَ
عَفَّانَ لم يَتَخَلَّفْ عَن بَيْعتِه أحَدٌ. قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي
روايةِ حَمدانَ بنِ عَلِيٍّ: ما كَانَ فِي القومِ مِن بَيعةِ عُثْمَانَ
كانَتْ بإجْمَاعِهم فلمَّا بَايَعَهُ ذَوُو الشَّوْكةِ والقُدْرةِ صَارَ
إمَاماً وإلاَّ لو قُدِّرَ أنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بايَعَه ولمْ يُبايعْهُ
عَلِيٌّ ولا غيرُهُ مِن الصَّحَابَةِ أهلِ الشَّوْكَةِ لم يَصِرْ إمَاماً.
ولكنْ عُمَرُ جَعَلها شُورةً فِي سِتَّةٍ عُثْمَانَ وعَلِيٍّ وطَلْحَةَ
والزُّبَيْرِ وسعدٍ وعَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عوْفٍ ثُمَّ إِنَّهُ خرَجَ
طَلْحَةُ والزُّبَيْرُ وسعدٌ باخْتِيارِهم. وبَقِيَ عُثْمَانُ وعَلِيٌّ
وعَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عوفٍ واتَّفَقَ الثَّلاثةُ باختيارِهم عَلَى أنَّ
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عوفٍ لا يَتولَّى ويُولِّي أحدَ الرَّجُلينِ وأقامَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثلاثاً حَلَفَ أنَّهُ لمْ يَغْتمضْ فيها بِكبيرِ
نَوْمٍ يُشاورُ السَّابِقِينَ الأوَّلِينَ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ
ويُشاوِرُ أُمراءَ الأجنادِ وكانوا قَدْ حَجَّوْا مَعَ عُمَرَ ذَلِكَ
العامِ فأشَارَ عَلَيْهِ المُسْلِمونَ بولايةِ عُثْمَانَ وذُكِرَ أنَّهُمْ
كُلَّهم قَدَّموا عُثْمَانَ فَبَايعُوه لا عَن رغبةٍ أعْطَاهم إيَّاها ولا
عَنْ رَهْبةٍ أَخَافَهم بها. ولهَذَا قَالَ غيرُ واحدٍ مِن السَّلَفِ
والأئِمَّةِ كأيوبَ السِّخْتيانيِّ وأَحْمَدَ بنِ حنبلٍ والدَّارقُطْنِيِّ
وغيرِهم: مَن قَدَّم عَلِياًّ على عُثْمَانَ فقَدْ أزْرَى بالمُهاجِرينَ
والأنصارِ وهَذَا مِن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على أنَّ عُثْمَانَ أفضلُ
لأنَّهُمْ قَدَّموه باختيارِهِم واشْتُوارِهم.
وأمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فإِنَّهُ
بُويِعَ عَقِبَ قتْلِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ والقلوبُ مُضْرِبَةٌ
مُختلِفةٌ، وأكابرُ الصَّحَابَةِِ مُتفرِّقونَ وأُحضِرَ طَلْحَةُ
إِحْضَاراً وكَانَ لأهلِ الفِتْنةِ بالمَدِينةِ شَوْكَةٌ لَمَّا قَتَلُوا
عُثْمَانَ وَماجَ النَّاسُ لِقَتْلِهِ مَوْجاً عَظيماً. وكثيرٌ مِن
الصَّحَابَةِ لم يُبايعْ عَلِياًّ كَعبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ وأمثالِهِ
وكَانَ النَّاسُ مَعه ثلاثةَ أصنافٍ: صِنْفٌ قَاتَلوا معه وصِنْفٌ
قَاتَلُوه، وصِنْفٌ لم يُقاتِلوه ولم يُقاتِلوا مَعَهُ.
ولهَذَا اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي خِلَافَةِ
عَلِيٍّ على أقوالٍ (فقَالَتْ طَائِفَةٌ) إِنَّهُ إمامٌ وأنَّ مُعاوِيَةَ
إمامٌ وأنَّهُ يجوزُ نَصْبُ إِمامَينِ فِي وقتٍ إذا لم يُمكنْ الاجتِماعُ
على إمامٍ واحدٍ. وهَذَا يُحكَى عَن الكَرَّاميَّةِ وغَيْرِهِمْ.
(وقَالَتْ طَائِفَةٌ) لم يَكُنْ فِي ذَلِكَ
الزَّمانِ إمامٌ عامٍ، بَل كَانَ زَمانَ فِتْنةٍ. وهَذَا قولُ طَائِفَةٍ
مِن أهلِ الْحَدِيثِ البَصْرِيِّينَ وغَيْرِهِمْ ولهَذَا لمَّا أظْهَرَ
الإِمَامُ أَحْمَدُ التَّرْبِيعَ بعَلِيٍّ فِي الخِلاَفَة ِ، وقَالَ:
مَنْ لم يُرَبِّعْ بعَلِيٍّ فِي الخِـلاَفَةِ
فهُوَ أضلُّ مِن حِمارِ أهْلِهِ، أنْكَرَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِن هؤلاءِ
وقَالُوا: قَدْ أنْكَرَ خِلافَتَهُ مَنْ لا يُقَالُ هُوَ أضلُّ مِن حِمارِ
أهْلِهِ يُريدُونَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا مِن الصَّحَابَةِ. واحتجَّ
أَحْمَدُ وغيرُه على خِـلاَفَة ِ عَلِيٍّ بحَدِيثِ سَفينةَ عَن النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " تَكُونُ خِلاَفَةُ النُّبُوَّةِ
ثَلاَثِينَ سَنَةً ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكاً "
(وقَالَتْ طَائِفَةٌ ثالِثةٌ) بَلْ عَلِيٌّ هُوَ
الإِمَامُ وهُوَ مُصيبٌ فِي قِتالِهِ لِمَنْ قَاتَلَهُ وكذَلِكَ مَن
قَاتلَهُ مِن الصَّحَابَةِ كطَلْحَةَ والزُّبَيْرِ كُلُّهم مُجتهِدونَ
مُصيبِونَ. وهَذَا قولُ مَنْ يقولُ: كُلُّ مُجتهِدٍ مُصيبٌ كقولِ
البَصْريِّينَ مِن المُعتزِلةِ أَبِي الهُذيلِ وأَبِي عَلِيٍّ وأَبِي هاشمٍ
وَمَن وَافَقَهُم مِن الأشْعَرِيَّةِ كالقَاضي أَبِي بَكْرٍ وأَبِي حامِدٍ
وهُوَ المشهورُ عَن أَبِي الحسنِ الأشْعريِّ وهؤلاء أيضاً يجعلُونَ
مُعاوِيَةَ مُجتهِداً مُصِيباً فِي قِتالِهِ كما أنَّ عَلِياًّ مُصيبٌ.
وهَذَا قولُ طَائِفَةٍ مِن الفُقَهاءِ مِن
أصحابِ أَحْمَدَ وغَيْرِهِمْ. ذَكَره أبو عبدِ اللهِ بنِ حامِدٍ، ذَكَرَ
لأصحابِ أَحْمَدَ فِي المُقْتَتِلينَ يومَ الجَمَلِ وصِفِّينَ ثلاثةَ
أوْجُهٍ.
أحدُهُما: كِلاهُما مُصِيبٌ. والثَّانِي:
المُصِيبُ واحدٌ لا بِعَيْنِه. والثَّالِثُ: أنَّ عَلِياًّ هُوَ المُصِيبُ
ومَن خَالفَه مُخطئٌ. والمَنْصوصُ عَن أَحْمَدَ وأئمَّةِ السُّنَّةِ أنَّهُ
لا يُذمُّ أحدٌ مِنْهُمْ وأنَّ عَلِياًّ أوْلى بالحقِّ مِن غيرِه. وأمَّا
تَصْويبُ القِتالِ فلَيْسَ هُوَ قولُ أئمَّةِ السُّنَّةِ بَل هم يَقُولونَ
إنَّ تَرْكَه كَانَ أوْلى.
(وطَائِفَةٌ رابِعةٌ) تَجعلُ عَلِياًّ هُوَ
الإِمَامُ وكَانَ مُجتهداً مُصيباً فِي القتالِ، ومَنْ قَاتلَهُ كانُوا
مُجتهِدينَ مُخطِئينَ. وهَذَا قولُ كثيرٍ مِن أهلِ الكَلامِ والرَّأيِ مِن
أصْحابِ أَبِي حَنِيفةَ ومالكٍ والشَّافعِيِّ وأَحْمَدَ وغَيْرِهِمْ.
(وطَائِفَةٌ خَامِسةٌ) تقولُ: إِنَّ عَلِياًّ
مَعَ كوْنِه خَلِيفةً وهُوَ أقربُ إِلَى الحقِّ مِن مُعاوِيَةَ فكَانَ
ترْكُ القِتالِ أوْلى ويَنْبغِي الإمساكُ عَن القِتالِ لهؤلاء وهؤلاء. وعلى
هَذَا جمهورُ أئمَّةِ الْحَدِيثِ والسُّنَّةِ وهُوَ مذْهَبُ مالكٍ
والثَّوْرِيِّ وأَحْمَدَ وغَيْرِهِمْ.
وهَذِهِ أقوالُ مَن يُحسِنُ القولَ فِي عَلِيٍّ
وطَلْحَةَ والزُّبَيْرِ ومُعاوِيَةَ. ومَن سِوى هؤلاء مِن الخَوارِجِ
والرَّوافِضِ والمُعتزِلةِ فَمَقالاتُهم فِي الصَّحَابَةِ لَونٌ آخرُ.
فالخَوارِجُ تُكَفِّرُ عَلِياًّ وعُثْمَانَ ومَن وَالاَهما. والرَّوافِضُ
تُكَفِّرُ جميعَ الصَّحَابَةِ كالثَّلاثةِ ومَن وَالاَهم وتُفَسِّقُهم،
ويُكفِّرونَ مَن قَاتَلَ عَلِياًّ ويَقُولونَ: هُوَ إمامٌ معصومٌ.
وطَائِفَةٌ مِن المَرْوانِيَّةِ تُفَسِّقُهُ وتَقُولُ: إنَّهُ ظالِمٌ.
وطَائِفَةٌ مِن المُعْتزلةِ تَقُولُ: قَدْ فَسَقَ إمَّا هُوَ وإمَّا مَن
قَاتلَهُ لَكِنْ لا يُعْلمُ عَيْنُه، وطَائِفَةٌ مِنْهُمْ تُفَسِّقُ
مُعاوِيَةَ وعَمْراً دونَ طَلْحَةَ والزُّبَيْرِ وعائِشةَ))
((وأهلُ السُّنَّةِ يُثبِتونَ خِلَافَةَ
الخُلفَاءِ الأرْبعةِ كلِّهم ويَسْتدلُّونَ على صِحَّةِ خِلافِتهم
بالنُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَيْهَا ويَقُولونَ: إنَّهَا انْعَقَدَتْ
بمُبَايَعَةِ أهلِ الشَّوْكَةِ لهم، وعَلِيٌّ بَايَعَهُ أهلُ الشَّوْكَةِ
وإنْ كانوا لم يَجْتمعُوا عَلَيْهِ كما اجْتَمعوا على مَن قَبْلَهُ لكنْ لا
رَيْبَ أنَّهُ كَانَ ذو سُلْطَانٍ وقُوَّةٍ بمُبَايَعَةِ أهلِ الشَّوْكَةِ
لَهُ، وقَدْ دلَّ النَّصُّ على أنَّ خِلافَتَهُ خِلاَفَةُ نُبُوَّةٍ))
((وَيَعْلمونَ مَعَ هَذَا مَراتِبَ
السَّابِقِينَ الأوَّلِينَ فيعلَمُونَ أنَّ لأَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ مِن
التَّقَدُّمِ والفضائِلِ مَا لم يَشركْهُما فيه أحَدٌ مِن الصَّحَابَةِ لا
عُثْمَانُ ولا عَلِيٌّ ولا غيرُهما. وهَذَا كَانَ مُتَّفقاً عَلَيْهِ فِي
الصدرِ الأوَّلِ إلا أنْ يكونَ خِلافَ شاذٍّ لا يُعبَأُ به حَتَّى إنَّ
الشِّيعةَ الأوُلَى أصحابَ عَلِيٍّ لم يَكُونوا يَرْتابونَ فِي تَقْدِيمِ
أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ عَلَيْهِ. كيفَ وقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ مِن وجوهٍ
مُتواترِةٍ أنَّهُ كَانَ يقولُ: خَيْرُ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها
أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ، ولَكِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِن شِيعةِ عَلِيٍّ
تُقَدِّمُه على عُثْمَانَ.
وهَذِهِ المَسْأَلةُ أخْفَى مِن تلكَ. ولهَذَا
كَانَ أئمَّةُ أهلِ السُّنَّةِ مُتَّفِقينَ على تَقْديمِ أَبِي بَكْرٍ
وعُمَرَ كما هُوَ مذْهَبُ أَبِي حَنِيفةَ والشَّافِعِيِّ ومالكٍ وأَحْمَدَ
بنِ حَنبلٍ والثَّوْرِيِّ والأوْزاعِيِّ واللَّيثِ بنِ سعْدٍ وسائرِ
أئمَّةِ المُسْلِمِينَ مِن أهلِ الفِقْهِ والْحَدِيثِ والزُّهْدِ
والتَّفْسيرِ مِن المُتقدِّمينَ والمُتأخِّرينَ. وأمَّا عُثْمَانُ وعَلِيٌّ
فكَانَ طَائِفَةٌ مِن أهلِ المَدِينةِ يَتوقَّفونِ فيهما وهي إحْدَى
الرِّوايتَينِ عَن مالكٍ. وكَانَ طَائِفَةٌ مِن الكوفِيِّينَ يُقدِّمونَ
عَلِياًّ وهي إحْدى الرِّوايتَينِ عَن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. ثُمَّ قِيلَ
إِنَّهُ رَجَعَ عَن ذَلِكَ لَمَّا اجْتَمعَ به أيُّوبُ السِّخْتيانيُّ.
وقَالَ: مَن قَدَّم عَلِياًّ على عُثْمَانَ فقَدْ أزْرَى بالمُهاجِرينَ
والأنصارِ وسائرِ أئمَّةِ السُّنَّةِ على تَقديمِ عُثْمَانَ وهُوَ مَذْهَبُ
جَماهيرِ أهلِ الْحَدِيثِ. وعَلَيْهِ يدُلُّ النَّصُّ والإجماعُ
والاعْتبارُ. وأمَّا ما يُحْكَى عَن بَعْضِ المُتقدِّمينَ مِن تقديمِ
جَعْفَرٍ أو تقديمِ طَلْحَةَ أو نحوِ ذَلِكَ فذَلِكَ فِي أمورٍ مَخصوصَةٍ،
لا تَقْدِيماً عَامًّا. وكذَلِكَ ما يُنْقلُ عَن بَعْضِهِمْ فِي عَلِيٍّ)) ).