الدروس
course cover
خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4358

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم العاشر

خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4358

0

0


0

0

0

0

0

خير هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَيُقِرُّونَ بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا : أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ، وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثَارُ ، وَكَمَا أَجْمَعَت الصَّحَابَةُ عَلَى تَقْدِيم عُثْمَانَ فِي البَيْعَةِ ، مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَد اخْتَلَفُوا فِي عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى تَقْدِيم أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ- أَيُّهُمَا أَفْضَلُ ؟ فَقَدَّمَ قَوْمٌ عُثْمَانَ وَسَكَتُوا ، أوْ رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ ، وَقَدَّم قَوْمٌ عَلِيًّا، وَقَوْمٌ تَوَقَّفُوا ، لَكِن اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلَى تَقْدِيمِ عُثْمَانَ ثُمَّ عَلِيٍّ).

هيئة الإشراف

#2

26 Dec 2008

التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن غيره، مِن أنّ خيرَ هذه الأمةِ بعد نبيِّها: أبو بكر ثم عمرُ، ويثَلِّثون بعثمانَ، ويرَبِّعونَ بعليّ رضي الله عنهم، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة([1])، مع أن بعض أهل السُّنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعليّ رضي الله عنهما -بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعُمر- أيهما أفضل، فقدم قومٌ عثمان وسكتوا، أو ربَّعوا بعليّ، وقَدَّم قومٌ علياً، وقوم توقفوا، لكن استقرّ أمرُ أهل السُّنة على تقديم عثمان ثم عليّ).

الشرح:

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( ([1]) (ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن غيره، مِن أنّ خيرَ هذه الأمةِ بعد نبيِّها: أبو بكر ثم عمرُ، ويثَلِّثون بعثمانَ، ويرَبِّعونَ بعليّ رضي الله عنهم، كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة على تقديم عثمان في البيعة)، أي والخلافة، وخلافة أحد الاثنين لم تكن إلا بعد مُشاورة جميع المسلمين على اختلاف طبقاتهم، والقصة مشهورة في كتب التاريخ).

هيئة الإشراف

#3

26 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ((وَيُقِرُّونَ بِمَا تَواَتَرَ بهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أَبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغيْرِهِ مِنْ أَنَّ خَيْرَ هذِهِ الأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها أَبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ.
ويُثَلِّثُونَ بِعُثْمانَ، ويُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثارُ، وكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ في البَيْعَةِ.
مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفوا في عُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما – بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى تَقْدِيمِ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ – أَيُّهُما أَفْضَلُ؟ فقدَّمَ قومٌ عُثْمانَ: وسَكَتُوا، أَو رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وقَدَّمَ قَوْمٌ عَلِيًّا، وقَوْمٌ تَوَقَّفُوا. لكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ)
).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): (وأَمَّا قولُهُ: (ويؤمِنونَ بِمَا تَوَاتَرَ بهِ النَّقْلُ عنْ أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ وغيرِهِ مِنْ أنَّ خيرَ هذهِ الأمَّةِ بَعْدَ نبيِّهَا: أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ)؛ فقَدْ وردَ أنَّ عليًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ ذلكَ على مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، وسَمِعَهُ منهُ الجَمُّ الغَفِيرُ، وكانَ يقولُ: (ما ماتَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ حتَّى عَلِمْنَا أنَّ أفضلنَا بعدهَ أبو بكْرٍ، ومَا ماتَ أبو بكرٍ حتَّى علمنَا أنَّ أفضلَنَا بَعْدَهُ عمرُ).
وأَمَّا قولُهُ: (ويُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانَ، ويُرَبِّعونَ بِعَلِيٍّ …) إلخ؛ فَمَذْهَبُ جمهورِ أهلِ السُّنَّةِ أنَّ ترتيبَ الخلفاءِ الرَّاشدينَ في الفَضْلِ على حَسَبِ ترتِيبِهِمْ في الخِلافةِ، وهُمْ لهذا يُفَضِّلُونَ عثمانَ على عَلِيٍّ، مُحْتَجِّينَ بتقدْيمِ الصَّحابةِ عثمانَ في البيعةِ على عَلِيٍّ.
وبعضُ أهلِ السُّنَّةِ يُفَضِّلُ عَلِيًّا؛ لأنَّهُ يرى أنَّ ما وردَ مِنَ الآثارِ في مَزَايَا عَلِيٍّ ومَنَاقِبِهِ أكثرُ.
وبعضُهمْ يتوقَّفُ في ذلكَ).

هيئة الإشراف

#4

26 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَيُقِرُّونَ بِمَا تَواتَرَ بهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أَبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغيْرِهِ مِن أَنَّ خَيْرَ هذِهِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها أَبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ.ويُثَلِّثُونَ بِعُثْمانَ، ويُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثارُ، وكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ في البَيْعَةِ.مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفوا في عُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما – بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى تَقْدِيمِ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ – أَيُّهُما أَفْضَلُ؟ فقدَّمَ قومٌ عُثْمانَ: وسَكَتُوا، أَو رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وقَدَّمَ قَوْمٌ عَلِيّاً، وقَوْمٌ تَوَقَّفُوا.لكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ.(1)).

الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) بَيَّنَ الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ في هَذَا المَقْطَعِ مِن كلامِه تفاضُلَ الصَّحابةِ بعدَ أنْ بَيَّنَ فيما سبَقَ فضْلَهم عُموماً وموقِفَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ مِن ذَلِكَ. فقولُه: (ويَقْبلُونَ) أي أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ (ما جاءَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ) أي: إجماعِ المُسلِمِينَ (مِن فضائِلِهم ومَراتِبِهم) وكَفَى بهَذِهِ المصادِرِ الثَّلاثةِ شاهِداً على فضْلِهم.
ثم إنَّهم ليسوا على دَرجةٍ واحدةٍ في الفضْلِ، بل بحسَبِ سبْقِهم إلى الإسلامِ والجهادِ والهجرةِ، وبحسَبِ ما قاموا به مِن أعمالٍ تُجاهَ نبِيِّهم ودِينِهم رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، ولذَلِكَ قال الشَّيخُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (ويُفَضِّلونَ مَن أنْفَقَ مِن قَبلِ الفتْحِ وَهُوَ صُلْحُ الحُدَيْبِيَةِ) لأنَّ اللَّهَ سمَّاه فَتْحاً بقولِه تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً} [الفتْح: 1]، وذَلِكَ هُوَ المشهورُ أنَّ المرادَ بالفتحِ صُلْحُ الحُديبيةِ؛ لأنَّ سورةَ الفتحِ نَزلَتْ عَقِيبَه.
والحُديبيةُ: بئرٌ قُربَ مكَّةَ، وقعَتْ عندَه البَيْعةُ تَحْتَ شجرةٍ كانت هناك، حينما صَدَّ المشرِكونَ رسولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم وأصحابَه عن دُخولِ مكَّةَ، فبايَعوه على الموتِ. وسُمِّيَتْ هَذِهِ البيعةُ فَتْحا لِمَا حصَلَ بسَبَبِها مِن الخيرِ والنَّصرِ للمسلمِينَ. والدَّليلُ على تَفْضيلِ هؤلاءِ قولُه تعالى: {لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا} [الحديد: 10]، وهؤلاءِ هُم السَّابِقونَ الأوَّلُون مِن المهاجِرينَ والأنصارِ، قال اللَّهُ تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التَّوبةِ: 100].
قال: (ويُقدِّمونَ المهاجِرينَ على الأنصارِ) المهاجِرونَ: جَمعُ مهاجرٍ، والمرادُ بهم الذين هاجَروا مِن مكَّةَ إلى المدينةِ ـ والهجرةُ لغةً: التَّرْكُ، وشَرْعاً: الانتقالُ مِن بلدِ الشِّرْكِ إلى بلدِ الإسلامِ، والأنصارُ أي الذين ناصَروا الرَّسولَ صلى اللهُ عليه وسلم وهُم الأوْسُ والخَزْرجُ سمَّاهم النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم بهَذَا الاسمِ.
والدَّليلُ على تفضيلِ المهاجِرينَ على الأنصارِ أنَّ اللَّهَ قَدَّمَهم في الذِّكْرِ كما قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} وقال تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التَّوبة: 117]، وقال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}. [الحَشْر: 8-9]، فدلَّتْ هَذِهِ الآياتُ الكريمةُ على فضْلِ المهاجِرينَ والأنصارِ، وعلى تقديمِ المهاجِرينَ على الأنصارِ في الفضلِ لتقديمِهم في الذِّكْرِ، ولِما قاموا به مِن تَرْكِ بلادِهم وأموالِهم وأولادِهم طَلَبا للأجْرِ ونُصرةِ اللَّهِ ورسولِه، وصِدْقِهم في ذَلِكَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُم.
قال: (ويُؤمِنُونَ بأنَّ اللَّهَ قال لأهلِ بَدْرٍ وكانوا ثَلاثَمائةٍ وبِضْعةَ عَشَرَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) كما جاءَ في الصَّحيحَيْنِ في قِصَّةِ حاطبِ بنِ أبي بَلْتَعَةَ. وبَدْرٌ: قريةٌ مشهورةٌ على نحوِ أربعِ مَراحلَ مِن المدينةِ، حصَلَتْ عندها الوَقْعَةُ التي أَعزَّ اللَّهُ بها الإسلامَ، وسمَّى يومَ بدرٍ يومَ الفُرقانِ.
وقولُه: (وكانوا ثلاثَمائةٍ وبِضعةَ عَشَرَ) هكذا وَرَدَ عددُهم في صحيحِ البُخاريِّ، وقولُه: (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) قال ابنُ القيِّمِ في الفوائدِ: أَشْكَلَ على كثيرٍ مِن النَّاسِ معناه، ثم ذَكَرَ الأقوالَ في ذَلِكَ، ثم قال: فالذي نَظُنُّ في ذَلِكَ واللَّهُ أَعْلَمُ، أنَّ هَذَا خطابٌ لقومٍ قد عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أنَّهم لا يُفارِقُونَ دِينَهم بل يموتونَ على الإسلامِ، وأنَّهم قد يُقارِفُون ما يُقارِفُه غيرُهم مِن الذُّنوبِ ولكنْ لا يَتركُهم سُبْحَانَهُ مُصرِّينَ عليها، بل يُوَفِّقُهُمْ لتَوبةٍ نَصوحٍ واستغفارٍ وحسناتٍ تمحُو أثَرَ ذلك، ويكونُ تخصيصُهم بهَذَا دونَ غيرِهم لأَنَّهُ قد تحقَّقَ ذَلِكَ فيهم، وأنَّهم مغفورٌ لهم، ولا يَمنعُ ذَلِكَ كونَ المغفرةِ حصَلَتْ بأسبابٍ تقومُ بهم، كما لا يقتضِي أنْ يُعطِّلُوا الفرائضَ وُثوقا بالمغفرةِ. فلو كانت قد حصَلَتْ بدونِ الاستمرارِ على القيامِ بالأوامرِ لمَا احتاجُوا بعد ذَلِكَ إلى صلاةٍ ولا حجٍّ ولا زكاةٍ ولا جهادٍ وهَذَا مُحالٌ. انتهى.
قال: (وبأَنَّهُ لا يَدخُلُ النَّارَ أَحدٌ بايَعَ تَحْتَ الشَّجرةِ كما أخبَرَ به النَّبيُّ صلى اللَّهُ عليه وسلم. بل لقد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ورَضُوا عنه، وكانوا أكْثَرَ مِن ألفٍ وأربعِمائةٍ) هَذَا الكلامُ في شأنِ أهلِ بَيعةِ الرِّضوانِ، وهِيَ البيعةُ التي حصلَتْ في الحُديبيةِ حين صَدَّ المشرِكونَ رسولَ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم عن دُخولِ مكَّةَ كما سبَقَ بيانُه قريبا.
وقد ذَكَرَ لهم الشَّيخُ مَزِيَّتَيْنِ:
الأُولى: أَنَّهُ لا يَدخُلُ النَّارَ أحدٌ منهم، ودليلُ ذَلِكَ ما في صحيحِ مسلمٍ مِن حديثِ جابرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّ النَّبيَّ صلى اللهُ عليه وسلم قال: ((لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ )).
الثَّانيةُ: أنَّ اللَّهَ قد رَضِي عنهم. وهَذَا صريحُ القرآنِ، كما في قولِه تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتْح: 18]،

وقولُه: (وكانوا أكْثَرَ مِن ألْفٍ وأربعِمائةٍ) هَذَا بناءً على الصَّحيحِ في عدَدِهم. واللَّهُ أعْلَمُ.
وقولُه: (ويَشهدونَ بالجَنَّةِ لمَن شَهِدَ له رسولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم كالعَشَرةِ، وثابتِ بنِ قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ، وغيرِه مِن الصَّحابةِ) أي يَشهدُ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ بالجَنَّةِ لمَنْ شَهِدَ له الرَّسولُ بذلك، أمَّا مَن لم يَشهدْ له الرَّسولُ صلى اللهُ عليه وسلم بالجَنَّةِ فلا يَشهدُونَ له؛ لأنَّ في هَذَا تَقوُّلاً على اللَّهِ. لكنْ يَرجُونَ للمُحْسِنينَ ويخافونَ على المسِيئينَ. وهَذَا أصلٌ مِن أصولِ العقيدةِ.
وقولُه: (كالعَشَرةِ) هم: أبو بكرٍ، وعُمَرُ، وعثمانُ، وعليٌّ، وعبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ، والزُّبيرُ بنُ العوَّامِ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، وسعيدُ بنُ زيدٍ، وأبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ، وطلحةُ بنُ عُبيدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم، وقد صَحَّت الأحاديثُ بالشَّهادةِ لهؤلاءِ بالجَنَّةِ وقولُه: (وثابتُ بنُ قيسِ بنِ شمَّاسٍ) هُوَ خطيبُ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم، وبِشارَته بالجَنَّةِ ثابتةٌ في صحيحِ البخاريِّ، عن النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم. وقولُه: (وغيرِهم مِن الصَّحابةِ) أي غيرِ مَن ذَكَر ممَّن أخبَرَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم أنَّهم في الجَنَّةِ كعُكَّاشةَ بنِ مِحْصنٍ، وعبدِ اللَّهِ بنِ سَلاَمٍ، وغيرِهما.
قولُه: (ويُقِرُّونَ بما تَواتَرَ به النَّقْلُ عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وغيرِه) أيْ: يَعترِفُ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ ويعتقدونَ (ما تَواتَرَ به النَّقلُ) أي: ما ثَبَتَ بطريقِ التَّواتُرِ والتَّواتُرُ: هُوَ أقوى الأسانيدِ (عن أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغيرِه) مِن الصَّحابةِ (أنَّ خيرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بعد نبِيِّها أبو بكرٍ، ثم عُمَرُ، ويُثَلِّثُونَ بعُثمانَ) أي يَجعلُونَه الثَّالثَ في التَّرتِيبِ (ويُرَبِّعونَ بعليٍّ) أي يجعلونه الرَّابعَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم) وفي هَذِهِ الرِّوايةِ المتُواتِرةِ عن عليٍّ رَدٌّ على الرَّافِضةِ الذين يُفضِّلونَ علِياًّ على أبي بكرٍ وعُمَرَ، ويُقدِّمُونه عليهما في الخلافةِ، فيَطعنون في خلافةِ الشَّيخَيْنِ. وهَذَا البحثُ يتضمَّنُ مسألتَيْنِ:

الأُولى: مسألةُ الخلافةِ.
الثَّانيةُ: مسألةُ التَّفضيلِ.
فأمَّا مسألةُ الخلافةِ فقد أجْمعَ أهلُ السُّنَّةِ والجَماعةِ بما فيهم الصَّحابةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم على أنَّ الخليفةَ بعدَ رسولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم أبو بكرٍ، ثم عُمَرُ، ثم عثمانُ، ثم عليٌّ،

وأمَّا مسألةُ التَّفضيلِ فقد أجْمعوا على أنَّ أفْضَلَ هَذِهِ الأُمَّةِ بعد نَبِيِّها أبو بكرٍ ثم عُمَرُ ـ كما تَواتَرَ به النَّقلُ عن عليٍّ.
واختلفوا في عُثمانَ وعليٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما أيُّهما أفضلُ، وقد ذَكَرَ الشَّيخُ هنا في المسألةِ ثلاثةَ أقوالٍ حَيْثُ يقولُ: (فقدَّمَ قومٌ عثمانَ وسَكَتُوا ورَبَّعُوا بعليٍّ، وقدَّمَ قومٌ علياًّ، وقومٌ توقَّفُوا) هَذَا حاصِلُ الخلافِ في المسألةِ: تقديمُ عثمانَ، تقديمُ عليٍّ، التَّوَقُّفُ عن تقديمِ أحدِهما على الآخَرِ. وأشارَ الشَّيخُ إلى ترجيحِ الرأيِ الأوَّلِ وَهُوَ تقديمُ عثمانَ لأمُورٍ:

الأمرُ الأوَّلُ: أنَّ هَذَا هُوَ الذي دَلَّتْ عليه الآثارُ في مناقِبِ عثمانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
الثَّاني: إجماعُ الصَّحابةِ على تقديمِ عثمانَ في البيعةِ، وما ذاك إلاَّ أَنَّهُ أفضلُ، فتَرتِيبُهم في الفَضلِ كتَرتِيبِهم في الخلافةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ استقَرَّ أمْرُ أهلِ السُّنَّةِ على تقديمِ عثمانَ ثم علِىٍّ كما سَبَقَ أنَّهم قدَّموه في البيعةِ.
قال عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ لعليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إني نَظَرْتُ أمرَ النَّاسِ فلم أَرَهُم يَعدِلُونَ بعثمانَ.
قال أبو أيوبَ: مَن لم يُقدِّمْ عثمانَ على علِيٍّ فقد أزْرَى بالمهاجِرين والأنصارِ،
فهَذَا دليلٌ على أنَّ عثمانَ أفْضلُ؛ لأنَّهم قدَّمُوه باختيارِهم بعد تشاوُرِهم، وكان عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِن جُملةِ مَن بايَعه، وكان يُقيمُ الحُدودَ بَيْنَ يَدَيْهِ).

هيئة الإشراف

#5

26 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (وَيُقِرُّونَ بِمَا تَواَتَرَ بهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أَبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغيْرِهِ مِن أَنَّ خَيْرَ هذِهِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها أَبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ويُثَلِّثُونَ بِعُثْمانَ، ويُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثارُ، وكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ في البَيْعَةِ. (1)
مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفوا في عُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما – بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى تَقْدِيمِ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ – أَيُّهُما أَفْضَلُ؟ فقدَّمَ قومٌ عُثْمانَ: وسَكَتُوا، أَو رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وقَدَّمَ قَوْمٌ عَلِيّاً، وقَوْمٌ تَوَقَّفُوا.
لكِنِ اسْتَقَرَّ أَمْرُ أَهْلِ السُّنَّةِ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ، ثُمَّ عَلِيٍّ.
(2)
).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قولُه: (ويقِرُّونَ) الإشارةُ للرَّدِّ على الرَّافِضةِ الذين يُفضِّلونَ عَلياًّ على أبي بكرٍ وعُمرَ، ويَطعَنونَ في خِلافَتِهِما، ويَزْعُمونَ أنَّ عَلياًّ أفْضَلُ منهما، وأَنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أَوْصَى إليه، وقد سُئِلَ عليٌّ عن ذَلِكَ فأنْكَرَ ذَلِكَ، كما روى الإمامُ أحمدُ والبخاريُّ عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ -رضيَ اللَّهُ عنه- أنَّه قال: خيرُ هَذِهِ الأمَّةِ بعدَ نبيِّها أبو بكرٍ وعُمرُ. قال الحافِظُ الذَّهبيُّ: هَذَا متواتِرٌ، والرَّوافِضُ تكذِّبُ هَذِهِ الأخبارَ – لَعَنَهُم اللَّهُ – ما أَجْهلَهم وأضَلَّهُم.
وقال في الفتاوى للشَّيخِ تَقِيِّ الدِّينِ بنِ تيميةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وقد رُوِيَ عن عَلِيٍّ مِن نحوٍ مِن ثمانين وَجْها أو أكثرَ أنَّه قال على مِنْبِر الكوفةِ: خيرُ هَذِهِ الأمَّةِ بعد نَبِيِّها أبو بكرٍ وعُمرُ، وقال في المنهاجِ: وروى الترمذيُّ عنه أنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، ولا رَيْبَ أنَّ عَلياًّ لا يَقْطَعُ بِذَلِكَ إلاَّ عَنْ عِلْمٍ، وروى عنه أنَّه قال: لا أُوتَى بمَن يُفضِّلُني على أبي بكرٍ وعُمرَ إلاَّ جَلدْتُه جَلْدَ المُفْتَرِي.
وروى الشَّيخانِ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ -رضي اللَّهُ عنه- قال: كان أبو بكرٍ أعْلمَنا برسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-، وروى الترمذيُّ عن أنسِ بنِ مالِكٍ -رضي اللَّهُ عنه- قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- لأبي بكرٍ وعمرَ: ((هَذَانِ سَيِّدَا كُهولِ أَهْلِ الجَنَّةِ مِن الأَوَّلِينَ والآخِرِينَ إِلا الأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ))، وروى أبو الدَّرداءِ عن النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه قال: ((مَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وَلاَ غَرَبَتْ بَعْدَ النَّبِيِّينَ والْمُرْسَلِينَ على أَفْضَلَ مِن أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ))، وذكر الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ في غيرِ موضعٍ مِن كتُبِه اتَّفاقَ العلماءِ على أنَّ أَعْلَمَ الصَّحابةِ أبو بكرٍ ثم عُمرُ.
وذكر الإمامُ السَّمعانيُّ أَحدُ الأئمَّةِ السِّتَّةِ في كتابِ (تقويمِ الأدِلَّةِ) أجْمَعَ علماءُ السُّنَّةِ على أنَّ أبا بكرٍ أَعلَمُ مِن عَليٍّ، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ: وما علمتُ أحدًا مِن الأئمَّةِ المشهورِينَ يُنازِعُ في ذَلِكَ. اهـ.
قولُه: (ويُثَلِّثُونَ بعثمانَ ويُرَبِّعون بِعَليٍّ) أي: يُكْمِلون بعثمانَ ثلاثةً ويُكْمِلون بعليٍّ أربعةً، فالخلفاءُ الأربعةُ على هَذَا التَّرتيبِ في الفَضْلِ والخلافةِ، كما روى الشَّيخانِ عن ابنِ عُمرَ -رضي اللَّهُ عنه- قال: كنَّا نُفاضِلُ على عهدِ رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أبو بكرٍ ثم عُمرُ ثم عثمانُ، وفي لفظٍ: يَبْلُغَ ذَلِكَ النَّبيَّ –صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ- وَلا يُنْكِرُهُ، وقال أبو أيوبَ السِّخْتِيانيُّ وأحمدُ بنُ حنبلٍ والدَّارَقُطنيُّ وغيرُهم: مَن قدَّمَ علياًّ على عثمانَ فقدْ أَرْزَى بالمهاجِرينَ والأنصارِ، فهؤلاء الأربعةُ هم الخلفاءُ الرَّاشِدُونَ والأئمَّةُ المهْدِيُّون، كما في حديثِ العِرباضِ بنِ سارِيةَ -رضي اللَّهُ عنه-: ((عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِن بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ …)) الحديثَ.
قولُه: (وكما أَجْمعَ الصَّحابةُ على تقديمِ عثمانَ في البيعةِ) فإنَّ الصَّحابةَ رِضوانُ اللَّهِ عليهم اختارُوه وأَجْمَعوا على بَيْعتِه، كما في حديثِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ أنَّه قام ثلاثًا لم يَغْتَمِضْ فيها بِنَوْمٍ يُشاوِرُ الأوَّلِينَ والتَّابِعينَ لهم بإحسانٍ، وشَاوَرُوا أمراءَ الأنصارِ، فأشارَ عليه المسلمونَ بولايةِ عثمانَ -رضي اللَّهُ عنه-، وهَذَا مِن الأدِلَّةِ الدَّالَّةِ على أنَّ عثمانَ أَفْضلُ؛ لأنَّهم قَدَّموه باختيارِهم، وأجمعوا عليه، كما تَقدَّمَ مِن قولِ أبي أيوبَ وأحمدَ والدَّارقطنيِّ وغيرِهم مِن الأئمَّةِ: مَن قدَّمَ علياًّ على عثمانَ فقد أَرْزَى بالمهاجِرينَ والأنصارِ، فأفضلُ الأمَّةِ أبو بكرٍ بإجماعِ أهلِ السُّنَّةِ، ولا يُنازِعُ في ذَلِكَ إلا زائغٌ، واسمُه عبدُ اللَّهِ بنُ عثمانَ بنِ عامرِ بنِ عمرِو بنِ كعبِ بنِ سعدِ بنِ تميمِ بنِ مُرَّةَ، الصِّدِّيقُ لَقَّبَهُ النَّبيُّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بِذَلِكَ، وهُوَ أوَّلُ النَّاسِ إيماناً وتَصدِيقا للنَّبيِّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عَلَى المشهورِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ، وقيل: أوَّلُ النَّاسِ إسلاماً عليٌّ وقيل غيرُ ذَلِكَ.
ورُوِيَ عن الإمامِ أبي حنيفةَ أنَّه قال: الأَوْرَعُ أنْ يقالَ أوَّلُ مَن أَسْلَمَ مِن الرِّجالِ الأحرارِ أبو بكرٍ الصِّديقُ، ومِن الصِّبيانِ عليٌّ، ومِن النِّساءِ خديجةُ، ومِن الموالي زَيدُ بنُ حارثةَ، ومِن العبيدِ بلالٌ، وهكذا رُوِيَ عن إسحاقَ بنِ رَاهُوَيْهِ، وهَذَا مِن أحسَنِ ما قيل لجَمْعِه الأقوالَ، وأبو بكرٍ أوَّلُ مَن وَلِيَ الخلافةَ وأحَقُّ النَّاسِ بها، وأوَّلُ مَن سُمِّيَ خليفةً.
قال الإمامُ الشَّافعيُّ: خلافةُ أبي بكرٍ قَضاهَا اللَّهُ في سمائِه، وَجَمعَ عليها قَلْبَ نَبِيِّه، وقال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في الأعلامِ: ولا يُحْفَظُ لأبي بكرٍ الصِّدِّيقِ خلافُ نَصٍّ واحِدٍ أبدًا، ولا يُحْفَظُ له فَتْوى ولا حُكمٌ مأْخَذُها ضعيفٌ، وهُوَ تحقيقٌ في كونِ خِلافَتِه خلافةُ نُبُوَّةِ. انتهى.
صَحِبَ أبو بكرٍ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن حينِ أَسْلَمَ إلى أنْ تُوُفِّي، وَشَهِدَ معه المَشَاهِدَ كُلَّهَا، ومناقِبُه أشهرُ مِن أنْ تُذْكَرَ، تُوُفِّيَ وله ثلاثٌ وسِتُّونَ سَنةً، وكانتْ خِلافَتُه سَنَتَيْنِ وأشْهُرٍ، ودُفِنَ بجنْبِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-.

ثم بَعدَ أبي بكرٍ عمرُ في الفَضْلِ، وهُوَ عُمرُ بنُ الخطَّابِ بنِ نُفيلِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ رباحِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ قُرطِ بنِ رَزاحِ بنِ عَدِيِّ بنِ كَعْبٍ يجتمِعُ مع النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في كَعْبِ بنِ لُؤَيٍّ، سمَّاه النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- الفارُوقَ، لفَرْقِه بين الحقِّ والباطلِ، أَسلَمَ في السَّنةِ السَّادسةِ مِن البِعْثةِ، وعُمْرُه سبعٌ وعِشرونَ سَنةً، ومناقِبُه أشْهَرُ مِن أنْ تُذكَرَ، وكنَّاه النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بأبي حفصٍ، وهُوَ لغةُ الأسدِ، وهُوَ أوَّلُ مَن سُمِّيَ أميرَ المؤمنينَ لاستِثْقالِهِم خليفةَ خليفةِ رسولِ اللَّهِ، وَلِيَ الخلافةَ بعدَ الصِّدِّيقِ سنةَ ثلاثةَ عشَرَ، وقامَ بها أَتَمَّ قيامٍ، وكثُرت الفتوحُ في مدَّةِ خلافَتِه -رضي اللَّهُ عنه-، وهُوَ أفْضلُ هَذِهِ الأمَّةِ بعد أبي بكرٍ -رضي اللَّهُ عنه- بإجما عِ السَّلَفِ، وسيرةُ عُمرَ قد أَفْرَدَها بعضُ العلماءِ بالتَّأليفِ وبَلَغتْ مجلَّداتٍ، وعَدْلُه يُضربُ بِهِ المثَلُ، فيُقالُ سيرةُ العُمرَيْنِ، والعُمرانِ أبو بكرٍ وعمرُ، وقيل لهما العمرانِ تغلِيباً مِثلَ ما يقالُ القَمرانِ للشَّمسِ والقمرِ، والأبوانِ للأبِ والأُمِّ، ماتَ -رضي اللَّهُ عنه- شَهِيدًا، طَعنَه أبو لؤلؤةَ في المسجدِ سنةَ ثلاثةٍ وعشرين، ودُفِنَ بالحجرةِ النَّبويَّةِ بجنْبِ أبي بكرٍ مع النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-.
ثم بعدَ عمرَ في الفضلِ عثمانُ بنُ عفانَ بنِ الحارثِ بنِ أميَّةَ بنِ عبدِ شمسِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وُلِدَ في السَّنةِ السَّادِسةِ مِن الفيلِ، وأَسلَمَ قَديماً، وهاجَرَ الهِجرتَيْنِ، وتَزوَّجَ بِنْتَيِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فسُمِّي ذا النُّورَيْنِ، وَجَمعَ -رضي اللَّهُ عنه- القرآنَ، وجَهَّزَ جيشَ العُسرةِ، وَلِيَ الخلافةَ بعدَ عُمرَ بإجماعِ الصَّحابةِ -رضي اللَّهُ عنهم- وفَضائِلُه كثيرةٌ، استُشْهِدَ في دارِه سنةَ خمسٍ وثلاثينَ وله بِضعٌ وثمانونَ سَنةً، تجمَّعَتْ أوباشٌ وأنذالٌ مِن أوباشِ العراقِ ومِصرَ والشَّامِ فحاصَرُوه في بيتِه، وأخيرًا اقْتَحَمُوا عليه وقَتَلُوه شَهِيدًا -رضي اللَّهُ عنه-.
ثم بعدَ عثمانَ في الفَضلِ عليُّ بنُ أبي طالبٍ -رضي اللَّهُ عنه- ابنُ عَمِّ رسولِ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- وزَوجُ بِنْتِه فاطمةَ الزَّهراءِ، ومناقِبُه كثيرةٌ، بايَعهُ النَّاسُ بعد قَتلِ عُثمانَ -رضي اللَّهُ عنهما-، واتَّفقَ السَّلَفُ على فَضلِه وخِلافَتِه بعد عثمانَ.
قال الإمامُ أحمدُ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: عليٌّ رابِعُهم في الخلافةِ والتَّفضيلِ، وهُوَ أوَّلُ خليفةٍ مِن بني هاشِمٍ، وقيلَ: إنَّه أوَّلُ مَن أَسْلَمَ، ونَقَل بَعضُهم الإجماعَ عليه، وتقدَّمَ الكلامُ في أوَّلِ مَن أَسلَمَ في مناقِبِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، ومناقِبُه كثيرةٌ وفضائِلُه شهيرةٌ، حتى قال أحمدُ بنُ حنبلٍ: ما جاء لأحدٍ مِن الفضائلِ ما جاءَ لِعَليٍّ -رضي اللَّهُ عنه-، ماتَ ليلةَ الأحدِ لتِسعَ عشْرةَ مضتْ مِن رمضانَ سنةَ أربعينَ، قتَلَه عبدُ الرحمنِ بنُ مُلجِمٍ قبَّحه اللَّهُ، وعُمرُه ثلاثةٌ وستونَ سَنةً، وخلافَتُه خمسُ سِنينَ إلا نحوَ أربعةِ أشهرٍ.

(2) قولُه: (مع أنَّ بعضَ أهلِ السُّنَّةِ) إلخ: فرُوِيَ عن أبي حنيفةَ تقديمُ عليٍّ على عثمانَ، ولكن ظاهِرُ مذهَبِه تقديمُ عثمانَ، وَكَذَلِكَ رُوِي عن سفيانَ الثَّورِيِّ تقديمُ عليٍّ على عثمانَ، ويُقالُ إنَّه رَجَعَ عنه لما اجْتَمَعَ بِهِ أبو أيوبَ السِّختيانيُّ، وقال: مَن قدَّمَ علياًّ على عثمانَ فقد أَرْزَى بالمهاجِرينَ والأنصارِ، وقِيلَ لا يُفضَّلُ أحدُهما على الآخَرِ، قال مالكٌ في المدوَّنةِ وتَبِعَه جماعةٌ منهم يحيى القَطَّانُ، ومِن المتأخِّرينَ ابنُ حزمٍ،: والذي عليه جمهورُ أهلِ السُّنَّةِ، بل استقَرَّ أمرُ أهلِ السُّنَّةِ عليه تقديمُ عثمانَ علي عليٍّ -رضي اللَّهُ عنهما-، كما أشارَ إليه المصنِّفُ، قال في المنهاجِ: وسائِرُ أئمَّةِ أهلِ السُّنَّةِ على تقديمِ عثمانَ، وهُوَ مذهبُ جماهيرِ أهلِ الحديثِ، وعليه يَدُلُّ النَّصُّ والإجماعُ والاعتبارُ. انتهى.
وفي الصَّحيحِ عنِ ابنِ عمرَ قال: كنا نقولُ -ورسولُ اللَّهِ حَيٌّ-: أفضلُ أمَّةِ النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- بعدَه أبو بكرٍ ثم عَمرُ ثم عثمانُ ثم عليٌّ، وفي لفظٍ: يَبلُغُ ذَلِكَ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- ولا يُنْكِرُه، وقال عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ لِعليٍّ -رضي اللَّهُ عنه- إني نَظَرْتُ أمرَ النَّاسِ فلم أَرَهُمْ يَعدِلون بعثمانَ، وقال أبو أيوبَ: مَن لم يقدِّمْ عثمانَ على عَليٍّ فقد أَرْزَى بالمهاجِرين والأنصارِ. وقد تقدَّمَ، وهَذَا دليلٌ على أنَّ عثمانَ أَفْضلُ؛ لأنَّهم قدَّمُوه باختيارِهم واشتوارِهم، وعليٌّ -رضي اللَّهُ عنه- مِن جُملةِ مَن بايعَ عثمانَ وغزا معه، وكان يُقيمُ الحدودَ بين يَدَيْهِ.
قولُه: (بعد اتِّفاقِهم) إلخ أي: أنَّ أهلَ السُّنَّةِ متَّفِقون على تقديمِ أبي بكرٍ وعمرَ على عثمانَ، وَذَلِكَ لما لأبي بكرٍ وعُمرَ مِن الفضائلِ التي لم يُشارِكْهُما فيها أحدٌ مِن الصَّحابةِ لا عثمانُ ولا عليٌّ ولا غيرُهما، وهَذَا كان متَّفقاً عليه في الصَّدْرِ الأوَّلِ إلاَّ أنْ يكونَ خِلافا شاذاًّ لا يُعْبَأُ به).

هيئة الإشراف

#6

26 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله


قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (* الخلفـاءُ الراشِـدونَ *

(وَيُقِرُّونَ بِمَا تَواَتَرَ بهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيْرِ المُؤمِنينَ عليِّ بنِ أَبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وغيْرِهِ مِن أَنَّ خَيْرَ هذِهِِ الأمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّها أَبو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ.
ويُثَلِّثُونَ بِعُثْمانَ، ويُرَبِّعُونَ بِعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عنهُمْ ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الآثارُ، وكَمَا أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ عَلى تَقْدِيمِ عُثْمانَ في البَيْعَةِ مَعَ أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَانُوا قَدِ اخْتَلَفوا في عُثْمانَ وعَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - بَعْدَ اتِّفاقِهِمْ عَلى تَقْدِيمِ أَبي بَكْرٍ وعُمَرَ - أَيُّهُما أَفْضَلُ؟ فقدَّمَ قومٌ عُثْمانَ: وسَكَتُوا، أَو رَبَّعُوا بِعَلِيٍّ، وقَدَّم قومٌ عَلِيًّا، وقَوْمٌ توقَّفوا لكنِ استقرَّ أَمْرُ أهلِ السُّنَّةِ على تقديمِ عثمانَ ثُمَّ عَلِيٍّ.
وإن كانت هذه المَسْألةُ - مسألةُ عثمانَ وعَلِيٍّ ـ ليست مِن الأُصُولِ التي يضللُ المُخَالِفُ فيه عندَ جمهورِ أهلِ السُّنَّةِ لكنَّ التي يضللُ المُخَالِفُ فيها مسألةُ الخِلَافةِ وذلك أنَّهمْ يؤمِنُونَ أنَّ الخليفةَ بعدَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبو بكرٍ ثمَّ عُمَرُ ثمَّ عثمانُ ثمَّ عَلِيٌّ ومَن طَعَنَ فِي خِلَافةِ أحَدٍ مِن هؤلاءِ فَهُوَ أَضَلُّ مِنْ حِمارِ أَهْلِهِ)
إحْدَاهُمَا: مَسْأَلةُ الخِلافَةِ.
والثَّانيةُ: مَسْأَلةُ التَّفضيلِ فقَدْ أجْمَعَ أهلُ السُّنَّةِ على أنَّ الخليفةَ بعدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ، واتَّفقُوا على أنَّ أفضلَ الصَّحَابَةِ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وهُوَ الأحقُّ بالخِلافَةِ ثُمَّ يَلِيه فِي الأفضليَّةِ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ ثُمَّ اختلفوا فِي عُثْمَانَ وعَلِيٍّ أيُّهما أفضلُ؟ واستقَرَّ أمْرُهم أخيرِاً على تفضيلِ عُثْمَانَ فَتَرْتِيبُهم فِي الفضلِ كتَرْتِيبهم فِي الخِلافَةِ.
وروى الْبُخَارِيُّ عَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: كُنَّا نَقُولُ فِي زمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا نَعْدِلُ بأَبِي بكرٍ أحداً ثُمَّ عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ ثُمَّ نَتركُ أصحابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا نُفاضِلُ بَيْنَهُمْ.
وروى أبو دَاوُدَ عَنْهُ: كُنَّا نَقُولُ ورَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيُّ: أفضلُ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَه أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ ثُمَّ عُثْمَانُ رَضِيَ الله عَنْهُمْ أجمَعِينَ. زَادَ الطَّبَرانيُّ فِي روايةٍ: فَيَسْمعُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فلا يُنْكِرُ.
وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: مَن زَعمَ أنَّ عَلِياًّ كَانَ أحقَّ بالولايةِ منهما فقَدْ خَطَّأَ أبا بَكْرٍ وعُمَرَ والمُهاجِرينَ والأنْصارَ، وما أرَاهُ يَرتفِعُ لَهُ مَعَ هَذَا عملٌ إِلَى السَّماءِ، ذَكَرَه أبو دَاوُدَ. وقَالَ شريكُ بنُ أَبِي نَمِرٍ: واللهِ لقَدْ رَقَى عَلِيٌّ هَذِهِ الأعوادَ؟ فقَالَ: ألا إنَّ خيرَ هَذِهِ الأُمَّةِ بعدَ نَبِيِّها أَبُو بَكْرٍ وعُمَرُ أفكُنَّا نَرُدُّ قولَهُ؟ أفكُنَّا نُكَذِّبُه؟ واللهِ ما كَانَ كَذَّاباً.
وقَالَ مالكُ بنُ أنسٍ: ما رأيتُ أحداً يَشكُّ فِي تَقْديمِهما - يعني أبا بَكْرٍ وعُمَرَ. وقَالَ الشَّافِعِيُّ: لم يختلفِ الصَّحَابَةُ والتَّابعون فِي تقديمِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ.
وفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: " بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ مِنْهَا ذَنُوباً أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ واللهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ اسْتَحَالَتْ غَرْباً فَأَخَذَهَا ابْنُ الخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِياًّ مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فِرْيَةً حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ ". وفِي سُننِ أَبِي دَاوُدَ وغيرِهِ عَن أَبِي بَكْرةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذاتَ يومٍ " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ رُؤْيَا؟ فقَالَ رَجُلٌ: أنا رَأَيتُ مِيزاناً أُنزِلَ مِن السَّمَاءِ فَوُزِنتَ أَنْتَ وأَبُو بَكْرٍ فرَجَحْتَ أَنْتَ بأَبِي بَكْرٍ ثُمَّ وَزَنَ عُمَرُ وعُثْمَانُ فرَجَحَ عُمَرُ ثُمَّ رُفِعَ فرَأيتُ الكرَاهيةَ فِي وجهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: " خِلاَفةٌ ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ الْمُلْكَ مَنْ يَشَاءُ " ؛ فبَيَّنَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ ولايةَ هؤلاءِ خِلَافةُ نُبُوَّةٍ ثُمَّ بعدَ ذَلِكَ مُلْكٌ، وليسَ فيه ذِكْرُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لأنَّهُ لم يَجتمعِ النَّاسُ فِي زمَانِهِ. بَل كانوا مُختلِفينَ لم يَنتظمْ فيه خِلافَةُ النُّبُوَّةِ ولا الْمُلكُ.
وروى أبو دَاوُدَ أيضاً عَن جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّهُ كَانَ يُحدِّثُ: أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: رَأَى اللَّيْلَةَ رَجُلٌ صَالِحٌ أنَّ أبَا بَكْرٍ نَيطَ برَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنِيطَ عُمَرُ بأَبِي بَكْرٍ وَنِيطَ عُثْمَانُ بِعُمَرَ " ؛ قَالَ جَابِرٌ: فَلَمَّا قُمنَا مِن عندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْنَا: أمَّا الرَّجُلُ الصَّالحُ فرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأمَّا المَنوطُ بَعْضُهم ببعضٍ فهم وُلاةُ هَذَا الأمرِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ به نَبِيَّهُ.
وعَن سَعِيدِ بنِ جَهْمانَ عَن سَفينةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلاَثُونَ سَنَةً ثُمَّ يُؤْتِي اللهُ مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ أَوِ الْمُلْكَ ؛ قَالَ سَعِيدٌ قَالَ لي سَفينةُ: أَمْسَكُ مدَّةِ أَبِي بَكْرٍ سَنتانِ وعُمَرَ عَشْرٌ وعُثْمَانَ اثنَتَا عَشْرَةَ وعَلِيٍّ كَذا.
((وقَدْ ذَهَبَتْ طوائفُ مِن أهلِ السُّنَّةِ إِلَى أنَّ إمامةَ أَبِي بَكْرٍ ثَبَتتْ بالنَّصِّ، والنِّزاعُ فِي ذَلِكَ معروفٌ فِي مذهبِ أحمدَ وغيرِه مِن الأَئِمَّةِ وقَدْ ذَكَرَ القَاضِي أبو يَعْلَى وَغَيْرُه فِي ذَلِكَ رِوايتَيْنِ عَن الإِمَامِ أَحْمَدَ.
إحْدَاهُمَا: إِنَّها ثَبَتت بالاختِيارِ. قَالَ وبهَذَا قَالَ جماعةٌ مِن أهلِ الْحَدِيثِ والمُعْتَزلةِ والأشْعَريَّةِ وهَذَا اختيارُ القَاضي أَبِي يَعْلى وغيرِه.
والثَّانِيَةُ: إنَّهَا ثَبَتَتْ بالنَّصِّ الخَفِيِّ والإشارةِ، قَالَ: وبهَذَا قَالَ الحسنُ البَصْـرِيُّ وجماعةٌ مِن أهـلِ الْحَدِيثِ والْبُهَيسِيَّةِ مِن الخَوارِجِ، وقَالَ شَيْخُهُ أبو عبدِ اللهِ بنُ حامدٍ. فَأَمَّا الدَّلِيلُ على استحقاقِ أَبِي بَكْرٍ الخِـلافَةَ دونَ غَيرِه من أهلِ البيتِ والصَّحَابَةِ ؛ فَمِن كتابِ اللهِ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ. قَالَ: واخْتَلفَ أصحابُنا فِي الخِلافَةِ هَل أُخِذَتْ من حيثُ النَّصُّ أوِ الاستدلالُ؟ فذَهَبَ طَائِفةٌ مِن أصْحابِنا إِلَى أنَّ ذَلِكَ بالنَّصِّ، وأنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ ذَلِكَ نَصاًّ وقَطَعَ البَيانَ على عَيْنِه حَتْماً.
ومِن أصْحَـابِنا مَنْ قَالَ: إنَّ ذَلِكَ بالاستـدلالِ الجَلِيِّ. وقَالَ أبو مُحَمَّـدِ بنُ حَـزْمٍ: اختلفَ النَّاسُ فِي الإِمَامةِ بعدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقالتْ طائفةٌ: إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يَستخِلفْ أحَداً ثُمَّ اختلَفُوا فقَالَ بعضُهم: لَكِنْ لَمَّا اسْتَخلَفَ أبا بَكْرٍ على الصَّلاةِ كَانَ ذَلِكَ دليلاً على أنَّهُ أوْلاهُم بالإِمَامَةِ والخِلافَةِ على الأمْرِ ؛ وقَالَ بَعْضُهُمْ: لا ؛ ولكنْ كَانَ أَثْبَتَهم فَضلاً فَقدَّمُوه لذَلِكَ، وقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَل نَصَّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على استخلافِ أَبِي بَكْرٍ بِعِدَهُ على أمورِ النَّاسِ نَصاًّ جَلِياًّ، قَالَ أبو مُحَمَّدٍ: وبهَذَا نَقُولُ.
والمقصودُ أنَّ كثيراً من أهلِ السُّنَّةِ يَقُولونَ: إنَّ خِلافَةَ أَبِي بَكْرٍ ثَبَتَتْ بالنَّصِّ وهم يَسندونَ ذَلِكَ إِلَى أحاديثَ صحيحةٍ معروفةٍ ولا رَيبَ أنَّ قولَ هؤلاء أَوجَهُ مِن قولِ مَن يقولُ: إنَّ خِلاَفَة َ عَلِيٍّ أو العبَّاسِ ثَبَتَتْ بالنَّصِّ. فإنَّ هؤلاء لَيْسَ معَهم إلا مُجَرَّدُ الكَذِبِ والبُهْتَانِ الَّذِي يَعْلمُ بُطلانَهُ بالضَّرورةِ كُلُّ مَن كَانَ عَارفاً بأحوالِ الإسْلاَمِ، أو الاستدلالِ بألفاظٍ لا تَدُلُّ على ذَلِكَ كحَدِيثِ استخلافِهِ فِي غزوةِ تَبُوكَ ونحوِهِ.
والتَّحقيقُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَلَّ المُسْلِمِينَ على استخلافِ أَبِي بَكْرٍ وأَرْشَدَهم إِلَيْهِ بأمورٍ متعَدِّدةٍ مِن أقوالِهِ وأفْعالِهِ وأخْبرَ بِخلافتِهِ إخبارَ راضٍ بذَلِكَ حامِدٍ لَهُ وعَزَمَ على أنْ يَكْتُبَ بذَلِكَ عهْداً ثُمَّ عَلِمَ أنَّ المُسْلِمِينَ يجْتَمِعونَ عَلَيْهِ فَتَرَكَ الكتابَ اكتفاءً بذَلِكَ ثُمَّ عَزَمَ على ذَلِكَ فِي مَرَضِهِ يومَ الخَميسِ ثُمَّ لمَّا حَصَلَ لبَعْضِهِمْ شَكٌّ هَل ذَلِكَ القولُ من جِهةِ المرضِ أو هُوَ قولٌ يَجبُ اتِّباعُه تَرَكَ الكتابةَ اكْتِفَاءً بِما عَلِمَ أنَّ اللهَ يَختارُه والمُؤمِنونَ من خِلَافَة ِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ الله عَنْهُ.
فلو كَانَ التَّعْيِينُ مِمَّا يَشْتَبِهُ على الأُمَّةِ لبَيَّنه رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَياناً قاطِعاً للعُذْرِ لكِنْ لَمَّا دَلَّهُم دلالاتٌ متعدِّدةٌ على أنَّ أبا بَكْر] هُوَ المُتعَيَّنُ، وفَهِمُوا ذَلِكَ حَصَلَ المقصودُ، ولهَذَا قَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فِي خُطبتِه التي خَطَبها بِمَحْضرٍ مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ، ولَيْسَ فيكم مَن تُقطعُ إِلَيْهِ أعناقُ الإبلِ مِثلُ أَبِي بَكْرٍ ؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، ومُسْلِمٌ.
وفِي الصَّحِيحَيْنِ أيضاً عَنْهُ أنَّهُ قَالَ يومَ السَّقِيفةِ بِمَحْضَرٍ مِن المُهاجِرينَ والأنصارِ: أَنْتَ خَيْرُنا وأحبُّنا إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولم يُنْكِرْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أحدٌ ولا قَالَ أحدٌ مِن الصَّحَابَةِ: إنَّ غيرَ أَبِي بَكْرٍ أحقُّ بالخِلَافَةِ مِنه، ولمْ يُنازِعْ أحدٌ فِي خِلافتِه إلا بعضَ الأنصارِ طَمعاً فِي أنْ يكونَ مِن الأنصارَ أمِيراً ومِن المُهاجِرينَ أميراً. وهَذَا مِمَّا ثَبَتَ بالنُّصوصِ المُتواترةِ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُطْلانُهُ. ثُمَّ الأنصارُ جميعُهم بايَعُوا أبا بَكْرٍ إلا سعدَ بنَ عُبادةَ لِكونِه هُوَ الَّذِي كَانَ يطلبُ الولايةَ ولم يَقُلْ أحدٌ مِن الصَّحَابَةِ قطُّ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَصَّ على غيرِ أَبِي بَكْرٍ، لا على العبَّاسِ، ولا على عَلِيٍّ، ولا على غيرِهما، ولا ادَّعى العبَّاسُ، ولا عَلِيٌّ، ولا أحدٌ مِمَّنْ يُحِبُّهما الخِلَافَة َ لِواحدٍ منهما، ولا أنَّهُ مَنصوصٌ عَلَيْهِ. بَل ولا قَالَ أحدٌ مِن الصَّحَابَةِ إنَّ فِي قُرَيْشٍ مَن هُوَ أحقُّ بها من أَبِي بَكْرٍ، لا مِن بني هاشمٍ، ولا مِن غَيْرِ بني هاشمٍ.
وهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَعلمُه العُلماءُ العَامِلونَ بالآثارِ والسُّنَنِ والْحَدِيثِ وهُوَ معلومٌ عندَه بالإِضْطِرارِ، وقَدْ نُقِلَ عَن بعضِ بني عبدِ مَنافٍ مِثلِ أَبِي سُفْيَانَ، وخالدِ بنِ سَعِيدٍ: أنَّهُمْ أرادُوا أنْ لا تكونَ الخِلَافَة ُ إلا فِي بني عبدِ مَنافٍ وأنَّهُمْ ذَكَرُوا ذَلِكَ لعُثْمَانَ وعَلِيٍّ فلم يَلْتفِتا إِلَى مَن قَالَ ذَلِكَ لِعلمِهِما وعِلْمِ سائرِ المُسْلِمِينَ أنَّهُ لَيْسَ فِي القومِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ. ففِي الجُمْلةِ جَمِيعُ مَنْ نَقَلَ عَنْهُ مِن الأنصارِ أنَّهُ طَلَبَ تولِيةَ غيرِ أَبِي بَكْرٍ لم يَذْكرْ حُجَّةً دِينيَّةً شَرْعِيَّةً، ولا ذَكَـرَ أنَّ غيرَ أَبِي بَكْرٍ أحقُّ بِها وأفضلُ من أَبِي بَكْرٍ ؛ وإنَّمَا نَشأَ كلامُهُ عَن حُبٍّ لقَوْمِه وقَبِيلتِه وإرَادَةٍ مِنه أنْ تكونَ الإِمَامةُ فِي قبيلَتِه، ومعلومٌ أنَّ مِثْلَ هَذَا لَيْسَ من الأدلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، ولا الطُّرقِ الدِّينيَّةِ، ولا هُوَ مِمَّا أمَرَ اللهُ ورسولُهُ الْمُؤْمِنينَ باتِّباعِه ؛ بَل هُوَ شُعبةٌ جَاهلِيَّةٌ ونوعُ عَصبِيَّةٍ للأنسابِ والقبائِلِ. وهَذَا مِمَّا بَعَثَ اللهُ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهَجْرِه وإِبْطالِهِ. وأمَّا كونُ الخِلاَفَةِ فِي قُرَيْشٍ فلَمَّا كَانَ هَذَا مِن شَرْعِه ودِينِه كَانَتِ النُّصوصُ بذَلِكَ معروفةً منقولةً مأثورةً تَذكرُها الصَّحَابَةُ ؛ بخلافِ كونِ الخِلَافَة ِ فِي بَطْنٍ مِن قُرَيْشٍ أو غيرِ قُرَيْشٍ فَإنَّهُ لم يَنقلْ أحدٌ مِن الصَّحَابَةِ فيه نَصاًّ ؛ بَل ولا قَالَ أحدٌ إِنَّهُ كَانَ فِي قُرَيْشٍ مَن هُوَ أحقُّ بالخِلَافَةِ فِي دِينِ اللهِ وشَرْعِه مِن أَبِي بَكْرٍ، ومثلُ هَذِهِ الأمورِ كلَّما تَدَبَّرَها العالِمُ تَدَبَّرَ النُّصوصَ الثَّابتِةَ وسائِرُ الصَّحَابَةِ حَصَلَ لَهُ علومٌ ضرورِيَّةٌ لا يُمْكِنُه دَفعُها عَن قَلبِه : أنَّهُ كَانَ من الأمورِ المشهورةِ عندَ المُسْلِمِينَ أنَّ أبا بَكْرٍ مُقدَّمٌ علَى غيرِهِ، وأنَّهُ كَانَ عِندَهم أحقَّ بخِلَافَةِ النُّبُوَّةِ وأنَّ الأمرَ فِي ذَلِكَ بَيِّنٌ ظَاهِرٌ عندَهم لَيْسَ فيه اشْتِباهٌ عليهم.
ولهَذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَأْبَى اللهُ وَالْمُؤْمِنونَ إلا أبَا بَكْرٍ " ومعلومٌ أنَّ هَذَا العِلْمَ الَّذِي عِنْدَهُمْ بِفَضْلِهِ وَتَقَدُّمِه إنَّمَا اسْتَفادُوه مِن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأمورٍ سَمِعوها وعايَنُوها وَحَصَلَ بها لهم مِن العِلمِ ما عَلِمُوا بِه أنَّ الصِّدِّيقَ أحقُّ الأُمَّةِ بخِلَافَة ِ نَبِيِّهم وأفضلُهم عندَ نَبِيِّهم.
وأنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَن يُشابِهُـه حَتَّى يحْتاجَ فِي ذَلِكَ إِلَى مُناظرَةٍ، ولمْ يَقلْ أحَدٌ مِن الصَّحَـابَةِ: إِنَّ عُمَـرَ بنَ الخَطَّابِ أو عُثْمَانَ أو عَلِياًّ أو غَيرَهم أفضـلُ مِن أَبِي بَكْرٍ أو أحقُّ بالخِـلاَفَةِ منه، وكيفَ يقـولُ ذَلِكَ وهم دَائماً يَروْنَ مِن تَقـديمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ على غَيْرِه وتَفضيلِهِ لَهُ وتَخْصِيصِه بالتَّعْظيمِ ما قَدْ ظَهَرَ للخاصِّ والعامِّ؟ حَتَّى إنَّ أعداءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن المُشرِكينَ وأهلِ الكِتابِ والمُنافِقين يعلَمُونَ أنَّ لأَبِي بَكْرٍ مِن الاختِصاصِ ما لَيْسَ لغيرِهِ.
فقَدْ ظَهَرَ لعامَّةِ الخَلائِقِ أنَّ أبا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ أخصَّ النَّاسِ بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهَذَا النَّبِيُّ وهَذَا صِدِّيقُه فإذا كَانَ مُحَمَّدٌ أفْضلَ النَّبيِّينَ فَصِدِّيقُه أفضلُ الصِّدِّيقينَ. فخِلَافَةُ أَبِي بَكْرٍ دلَّتِ النُّصوصُ الصَّحِيحَةُ على صِحَّتِها وثُبوتِها ورِضَا اللهِ ورسُولِهِ لَهُ بها، وانعقَدَتْ بِمُبايعةِ المُسْلِمِينَ لَهُ واخْتيارِهم إيَّاه اختِياراً اسْتَنَدُوا فيه إِلَى ما عَلِمُوه مِن تفضيلِ اللهِ ورسولِهِ، وأنَّهُ أحَقُّهم بهَذَا الأمْرِ عِندَ اللهِ ورسولِهِ. فصَارَتْ ثَابِتةً بالنَّصِّ والإجماعِ جَميعاً لكنَّ النَّصَّ دلَّ عَلَى رِضَا اللهِ ورسولِهِ بها، وإنَّهَا أحقُّ، وأنَّ اللهَ أَمَرَ بها وقَدَّرَها، وأنَّ الْمُؤْمِنينَ يَخْتارونَها، وكَانَ هَذَا أبلغَ مِن مُجَرَّدِ العَهْدِ بها لأنَّهُ حينئذٍ يكونُ طَريقُ ثُبوتِها مُجَرَّدَ العَهْدِ، وأمَّا إذا كَانَ المُسْلِمونَ قَدِ اخْتَاروه مِن غيرِ عَهْدٍ ودَلَّتِ النُّصُوصُ على صَوابِهم فِيما فَعَلوه ورِضَا اللهِ ورسولِهِ بذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ دَليلاً على أنَّ الصِّدِّيقَ كَانَ فيه مِن الفضائلِ التي بَانَ بها عَن غيرِه ما عَلِمَ المُسْلِمونَ به وأنَّهُ أحقُّهم بالخِلَافَةِ فإنَّ ذَلِكَ لا يُحتاجُ فيه إِلَى عَهْدٍ خاصٍّ.
كما قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمَّا أرَادَ أنْ يَكتبَ لأَبِي بَكْرٍ فقَالَ لعائِشَةَ: ادْعِى لِي أبَاكِ وَأخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ لأَبِي بَكْرٍ كِتَاباً فإنِّي أَخَافُ أنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ: أَنَا أوْلَى؟ ويَأْبَى اللهُ والمُؤمِنونَ إلا أبا بَكْرٍ. أخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ. فَبَيَّن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ يُريدُ أنْ يَكتبَ كِتاباً خَوْفاً، ثُمَّ عَلِمَ أنَّ الأمرَ واضِحٌ ظاهِرٌ لَيْسَ مِمَّا يَقبلُ النِّزاعَ فيه، والأُمَّةُ حَدِيثَةُ عَهْدٍ بِنَبِيِّها، وهم خيرُ أُمَّةٍ أُخرِجَتْ للنَّاسِ وأفضلُ قرونٍ الأُمَّةِ فلا يَتَنَازعون فِي هَذَا الأمرِ الواضحِ الجَلِيِّ. فإنَّ النِّزاعَ إنَّمَا يكونُ لِخَفَاءِ الْعِلْمِ، أو لِسُوءِ القَصْدِ، وكِلَا الأمْرَينِ مُنتَفٍ، فإنَّ الْعِلْمَ بفضيلةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ واسْتخلافِه لهَذَا الأمْرِ يُغنِي عَن العَهْدِ فلا يُحتاجُ إِلَيْهِ فَتَرْكُه لعَدَمِ الحاجَةِ وظُهورِ فَضيلةِ الصِّدِّيقِ واستحقاقِهِ. وهَذَا أبلغُ مِن العَهْدِ).