الدروس
course cover
الإيمان بقرب الله تعالى، وأن قربه ومعيته لا تنافي علوه وفوقيته
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4439

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم الثامن

الإيمان بقرب الله تعالى، وأن قربه ومعيته لا تنافي علوه وفوقيته
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4439

0

0


0

0

0

0

0

الإيمان بقرب الله تعالى، وأن قربه ومعيته لا تنافي علوه وفوقيته

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (فَصْلٌ) وقَدْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الإِيمَانُ بِأَنَّهُ قَرِيبٌ من خلقه ، كَمَا قال تعالى : {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ... يرشدون}[سُورَةُ البَقَرَةِ : 186] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ .)) وَمَا ذُكِرَ فِي الكِتَابِ وَالسُّنَّةِِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ لاَ يُنَافِي مَا ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِه ، فَإِنَّهُ - سُبْحَانَهُ - لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ فِي جَمِيعِ نُعوتِهِ ، وَهُوَ عَلِيٌّ فِي دُنُوِّهِ قَرِيبٌ فِي عُلُوِّهِ).

هيئة الإشراف

#2

20 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ("فَصْلٌ: وَقَدْ دَخَلَ في ذلِكَ الإيمانُ بأنَّهُ قريبٌ مِنْ خَلْقِهِ مُجِيبٌ": (1)
قولُهُ: ((كَمَا جَمَعَ بَيْنَ ذلِكَ في قوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةً الدَّاعِ إذَا دَعَانِ) [البقرة: 186]، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إنَّ الذي تَدْعونَهُ أقْرَبُ إلى أحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِهِ)) )).
((وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ قُرْبِهِ وَمَعِيَّتِهِ لا يُنافي ما ذُكِرَ مِنْ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ؛ فإنَّهُ سُبْحَانَهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ في جَميعِ نُعوتِهِ، وَهُوَ عَلِيٌّ في دُنُوِّهِ، قَريبٌ في عُلُوِّهِ))
).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (فَصْلٌ في قُرْبِ اللهِ تعالَى وإجابتِهِ وأنَّ ذلكَ لَا يُنافِي عُلُوَّهُ وفَوْقِيَّتَهُ
(1) قولُهُ: ((وقَدْ دَخَلَ في ذلِكَ))؛ يعني: فيما وَصَفَ بهِ نفسَهُ:
((الإيمانُ بأنَّهُ قريبٌ مِنْ خلقِهِ مجيبٌ)): الإيمانُ بأنَّهُ قريبٌ في نفسِهِ، ومجيبٌ؛ يعني: لعبادِهِ.
ودليلُ ذلكَ قولُه تعالَى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186].
في هذه الآيةِ ستَّةُ ضمائرَ تعودُ على اللهِ، وعلى هذا؛ فيكونُ القربُ قربَهُ عزَّ وجلَّ، ولكنْ نقولُ في (قَرِيبٌ) كما قُلْنا في المعيَّةِ؛ أنَّهُ لا يستلزمُ أنْ يكونَ في المكانِ الَّذِي فيه الإنسانُ.
وإذا كانَ الرَّسولُ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يقولُ: ((إِنَّهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ))، ولا يلزَمُ أنْ يكونَ اللهُ عزَّ وجلَّ نفسُهُ في الأرضِ بَيْنَهُ وبَيْنَ عُنُقِ راحلتِهِ.
وإذا كانَ قولُ الرَّسولِ عليهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ((فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِ المُصَلِّي)): لا يستلزِمُ أنْ يكونَ اللهُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الجدارِ، إنْ كانَ يصلِّي إلى الجدارِ، ولا بَيْنَهُ وبَيْنَ الأرضِ إنْ كانَ ينظرُ إلى الأرضِ.
فكذلِكَ لا يلزمُ مِنْ قُرْبِهِ أنْ يكونَ في الأرضِ؛ لأنَّ اللهَ لَيْسَ كمثِلِه شيءٌ في جميعِ صفاتِهِ، وهو محيطٌ بكلِّ شيءٍ.
واعلَمْ أنَّ مِنَ العلماءِ مَنْ قَسَّمَ قُرْبَ اللهِ تعالَى إلى قسمَيْنِ؛ كالمعيَّةِ، وقَالَ: القُرْبُ الَّذِي مُقتضاهُ الإحاطةُ قربٌ عامٌّ، والقُرْبُ الَّذِي مقتضاه الإجابةُ والإثابةُ قربٌ خاصٌّ.
ومِنْهُم مَنْ يقولُ: إنّ القُرْبَ خاصٌّ فَقَطْ؛ مقتضٍ لإجابةِ الدَّاعِي وإثابةِ العابدِ، ولا ينقسِمُ.
-ويستدلُّ هؤلاءِ بقولِهِ تعالَى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) [البقرة: 186]، وبقولُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أقربُ ما يكونُ العبدُ مِنْ ربِّهُ وهو سَاجِدٌ))، وأنَّهُ لا يمكنُ أنْ يكونَ اللهُ تعالَى قريباً مِنَ الفَجَرةِ الكفرةِ.
وهذا اختيارُ شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ وتلميذِه ابنِ القيِّمِ رحمَهُما اللهُ تعالَى.
-ولكنْ أُورِدَ على هذا القولِ قولُهُ تعالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ) [ق: 16]؛ فالمرادُ بـ (الإِنسَانَ): كلُّ إنسانٍ، وَلِهَذَا قَالَ في آخِرِ الآيةِ: (لَّقَدْ كُنتَ في غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ اليَوْمَ حَدِيدٌ…) إلى أن قَالَ: (أَلْقِيَا في جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ) [ق: 22-23]؛ فَهُوَ شاملٌ.
-وأُورِدُ عَلَيْهِ أيضاً قولُهُ تعالَى: (فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ، وَنَحنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) [الواقعة: 83-85]، ثُمَّ قَسَّمَ هؤلاءِ الَّذِين بَلَغَتْ أرواحُهُم الحُلْقُومَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ، ومِنْهُم الكافرُ.
-وأُجِيبَ عَنْ ذلِكَ بأنَّ قولَه: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِيدِ) [ق: 16]؛ يعني: بملائكتِنَا، واستدلَّ لذلِكَ بقولِهِ: (إِذْ يَتَلَقَّى المُتَلَقِّيَانِ) [ق: 17]؛ فإنَّ (إِذْ) ظرفٌ متعلِّقٌ بـ (أَقْرَبُ)؛ يعني: ونحنُ أقربُ إِلَيْهِ حِينَ يتلقَّى المتلقِّيانِ، وهذا يدلُّ على أنَّ المرادَ بقربِهِ تعالَى قربُ ملائكتِهِ.
وكذلِكَ قولُهُ في المحتضِرِ: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِليْهِ): المرادُ: قربُ الملائكَةِ، وَلِهَذَا قَالَ: (وَلَكِن لاَّ تُبْصِرُونَ) [الواقعة: 85]، وهذا يدلُّ على أنَّ هذا القريبَ موجودٌ عندَنَا، لكنْ لا نبصرُهُ، وهذا يمتنعُ غايةَ الامتناعِ أنْ يكونَ المرادُ بهِ اللهَ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّ اللهَ في السَّماءِ.
وما ذهَبَ إليه شَيْخُ الإسلامِ؛ فهو عندِي أقربُ، ولكنَّهُ لَيْسَ في القُرْبِ بذاكَ.
قولُهُ: ((كَما جَمَعَ بَيْنَ ذلِكَ)): المشارُ إليه قربُ الإجابةِ.
((نُعُوتِهِ))؛ يعني: صفاتِهِ. هو علِيٌّ مَعَ أنَّهُ دانٍ، قريبٌ مَعَ أنَّهُ عالٍ، ولا تناقضَ في ذلِكَ، وقَدْ سَبَقَ بيانُ ذلِكَ قريباً في الكلامِ على المعيَّةِ).

هيئة الإشراف

#3

20 Dec 2008

التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وجوب الإيمان بقرب الله من خلْقه وأن ذلك لا يُنافي عُلُوّه وفوقيته
وقد دخل في ذلك الإيمانُ بأنه قريبٌ مُجيبٌ كما جَمعَ بين ذلك في قوله: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [سورة البقرة: الآية 186]. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الّذي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلتِه)) وما ذكر في الكتابِ والسُّنةِ من قُربهِ ومَعِيَّتِهِ لا يُنافي ما ذُكِرَ من عُلُوِّه وفوْقِيَّتِه، فإنه سبحانه ليس كَمِثْلِه شيءٌ في جميعِ نُعوتِهِ وهُوَ عليٌّ في دُنُوِّهِ قريبٌ في عُلُوِّهِ([1])
).

الشرح:

قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): ( ([1]) خصص المصنِّف رحمه الله هذا البحث بهذين الأمرين وذلك لشدة الحاجة إلى الإيمان بقربه وإجابته ليكون العبد مراقباً لله إذا آمن بقربه إيماناً تاماً وكان منيباً إليه على الدّوام إذا آمن بإجابته للسائلين وإثابته للمطيعين، ثم ذكر رحمه الله الجمع بين الإيمان بعلو الله وقُربه ومعيته لئلا يظن الظانّ أن ذلك مثل صفات المخلوقين وأنه إذا قيل إنه عليًّ فوق خلقه كيف يكون معهم وقريباً منهم؟ فأجاب بما تضمنه هذا الأصل الثابت في الكتاب والسُّنة وإجماع الأمة، وهو أن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع نعوته، ومن نعوته اللازمة العلو المطلق والقُرْب العام و الخاص، وأن القُرب والعلو في حقّه يجتمعان لعظمته وكبريائه وإحاطته من كل وجه، فهو العليّ في دُنُوِّه القريب في عُلُوِّه. وهذا الأصل ينفعك في كل ما ورد عليك من صفات الله الثابتة، فأثبتها ولا تتوقف، فإن الذي أثبتها هو الله الذي هو أعلم بنفسه، ورسوله الذي هو أعلم الخلق وأورعهم وأنصحهم للمخلوقين، فإن خطر ببالك تمثيل أو تشبيه فتفطن لقوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ). وكذلك أيضاً فإن الكلام على الصفات مثل الكلام على الذات، فكما أنه لا نظير له ولا مثيل له في ذاته فكذلك لا مثيل له ولا نظير له في صفاته).

هيئة الإشراف

#4

20 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (فصلٌ: وقَدْ دَخَلَ في ذلكَ الإِيمَانُ بأَنَّهُ قَريبٌ [ مِنْ خَلْقِهِ ] مُجيبٌ؛ كَمَا جَمَعَ بينَ ذلكَ في قَوْلِهِ: { وإِذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنِّي قَرِيبٌ … } الآيةَ وقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الَّذي تَدْعونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِه)).
وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُرْبهِ ومعيَّتِهُ لا يُنافي ما ذُكِرِ مِنْ عُلوِّهِ وفوقيَّتِه؛ فإِنَّهُ سبحانَهُ ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ في جَميعِ نُعوتِه، وهُوَ عَليٌّ في دُنُوِّهِ، قريبٌ في عُلُوِّهِ )( 60)
).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ( (60) قولُهُ: ( وقَدْ دَخَلَ في ذلكَ الإِيمانُ … ) إلخ. يجبُ الإِيمانُ بما وصفَ اللهُ بهِ نفسَهُ مِن أَنَّهُ قريبٌ مجيبٌ، فهوَ سبحانَهُ قريبٌ ممَّنْ يدعُوهُ ويُنَاجيِهِ، يسمعُ دعاءَهُ ونجواهُ، ويجيبُ دعاءَهُ متى شاءَ وكيفَ شاءَ، فهوَ تعالى قريبٌ قربَ العلمِ والإِحاطةِ؛ كمَا قالَ تعالى:
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ ونَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بهِ نَفْسُهُ ونَحْنُ أَقْرَبُ إِليهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ }.
وبهذا يتبيَّنُ أَنَّهُ لا مُنَافَاةَ أصلاً بينَ ما ذُكِرَ في الكتابِ والسُّنَّةِ مِن قُربهِ تعالى ومعيَّتهِ وبينَ ما فيهمَا مِن عُلُوِّهِ تعالى وفوقيَّتِهِ.
فهذهِ كلُّهَا نعوتٌ لهُ على ما يليقُ بهِ سبحانَهُ، ليسَ كمثلِهِ شيءٌ في شيءٍ منهَا).

هيئة الإشراف

#5

20 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (قال رحمه الله: وقَدْ دَخَلَ في ذلكَ الإِيمَانُ بأَنَّهُ قَريبٌ مُجيبٌ؛ كَمَا جَمَعَ بينَ ذلكَ في قَوْلِهِ: ( وإِذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنِّي قَرِيبٌ أجيب دعوة الدَّاعِ إذا دعان … ) الآية، وقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الَّذي تَدْعونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِه)).وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُرْبهِ ومعيَّتِه لا يُنافي ما ذُكِرَ مِن عُلوِّهِ وفوقيَّتِه؛ فإِنَّهُ سبحانَهُ ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ في جَميعِ نُعوتِه، وهُو عَليٌّ في دُنُوِّهِ، قريبٌ في عُلُوِّه ).(1) ).

الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) لَمَّا قرَّرَ المصنِّفُ وجوبَ الإيمانِ بعُلُوِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ على خَلقِه، واستوائِه على عرشِه نَبَّهَ في هَذَا الفصْلِ إلى أَنَّهُ يَجِبُ مع ذَلِكَ الإيمانُ بأَنَّهُ قريبٌ مِن خَلْقِه، وقولُه: (وقد دخَلَ في ذلك) أيْ: في الإيمانِ باللَّهِ (الإيمانُ بأَنَّهُ قريبٌ) أيْ: مِن خَلقِه (مجيبٌ) لِدُعائِهِم (كما جَمَعَ بَيْنَ ذَلِكَ) أيْ: بَيْنَ القُربِ والإجابةِ في قولِه (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) وَرَدَ في سببِ نزولِ هَذِهِ الآيةِ أنَّ رجُلا جاءَ إلى النَّبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فقال: يا رسولَ اللَّهِ، أقريبٌ ربُّنا فنُناجِيهِ أمْ بَعيدٌ فنُنادِيهِ؟ فسكَتَ النَّبيُّ صلى اللهُ عليه وسلم فنَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ (فَإِنِّي قَرِيبٌ) مِن الدَّاعِي (أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ).
وهَذَا يدُلُّ على الإرشادِ إلى المناجاةِ في الدُّعاءِ بدونِ رَفْعِ صَوتٍ كما في قولِه صلى اللهُ عليه وسلم: (( إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ )) سَبَقَ شرحُه.
وفي هَذِهِ الآيةِ وهَذَا الحديثِ دلالةٌ على قُربِ اللَّهِ تعالى مِن الدَّاعِي بإجابَتِهِ، وهَذَا القُربُ لا يناقِضُ عُلُوَّه، ولهَذَا قال المصنِّفُ: (وما ذُكِرَ في الكتابِ والسُّنَّةِ مِن قُربِه ومَعِيَّتِه لا يُنافِي ما ذُكِرَ مِن عُلُوِّه وفَوْقِيَّتِه) لأنَّ الكُلَّ حَقٌّ، والحقُّ لا يَتناقَضُ؛ ولأنَّ اللَّهَ تعالى: (لَيْسَ كمِثْلِه شيءٌ في جميعِ نُعُوتِه) أيْ: صفاتِه، فلا يُقالُ: إذا كان فَوْقَ خَلقِه فكَيْفَ يكونُ معهم؛ لأنَّ هَذَا السُّؤالَ ناشئٌ عن تَصَوُّرٍ خاطئٍ، هُوَ قياسُه سُبْحَانَهُ بخَلقِه، وهَذَا قياسٌ باطلٌ؛ لأنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ).
فالقُربُ والعُلُوُّ يجتمعانِ في حَقِّه لِعظَمَتِه وكبريائِه وإحاطَتِه، وأنَّ السَّماواتِ السَّبْعَ في يدِه كخَرْدلةٍ في يدِ العبدِ، فكَيْفَ يَستحيلُ في حَقِّ مَن هَذَا بعضُ عَظَمتِه أنْ يكونَ فَوْقَ عرشِه ويَقْرُبُ مِن خَلقِه كَيْفَ يشاءُ، وَهُوَ على العرشِ. (وَهُوَ عَلِيٌّ في دُنُوِّه قريبٌ في عُلُوِّه) سُبْحَانَهُ وتعالى كما دَلَّتْ على ذَلِكَ نصوصُ الكتابِ والسُّنَّةِ، وأجْمَع عليه عُلماءُ الملَّةِ، وَهُوَ مِن خصائصِه سُبْحَانَهُ (عليٌّ في دُنُوِّه) أيْ: في حالِ قُربِه مِن خَلقهِ (قريبٌ في عُلُوِّه) أيْ: قريبٌ مِن خَلقِه في حالِ عُلُوِّه على عرشِه).

هيئة الإشراف

#6

20 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله


قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (وَقَوْلُه تَعَالَى:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ } فِي هَذِهِ الآيَةِ وَكَذَلكَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى كَمَا تَقَدَّمَ دَلالَةٌ عَلَى قُرْبِ اللَّهِ تَعَالَى مِن الدَّاعِي بِإِجَابَتِهِ وَمِنْ العَابِدِ بِإِنَابَتِهِ، وَقُرْبُهُ تَعَالَى لا يُنَاقِضُ عُلُوَّهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَنَّ الصَّحَابَةَ قَـالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: رُبُّنَا قَرِيبٌ فَنُنَاجِيه أَمْ بَعِيدٌ فَنُنَادِيه فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إِرْشَادِهِمْ للْمُنَاجَاةِ فِي الدُّعَاءِ لا النِّدَاءِ الذي هُوَ رَفْعُ الصَّوْتِ فَإِنَّهُمْ عَنْ هَذَا سَأَلُوهُ فَأُجِيبُوا بِأَنَّ رَبَّهُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَرِيبٌ لا يَحْتَاجُ فِي دُعَائِهِ وَسُؤَالهِ إِلَى النِّدَاءِ، وَإِنَّمَا يُسْأَلُ مَسْأَلَةَ القَرِيبِ المُنَاجَى لا مَسْأَلَةَ البَعِيدِ المُنَادَى.
وَهَذَا القُرْبُ مِن الدَّاعِي هُوَ قُرْبٌ خَاصٌّ ليْسَ قُرْباً عَامًّا مِن كُلِّ أَحَدٍ، فَهُوَ قَرِيبٌ مِن دَاعِيهِ وَقَرِيبٌ مِن عَابِدِهِ، وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَهُوَ أَخَصُّ مِن قُرْبِ الإِنَابَةِ وَقُرْبِ الإِحَاطَةِ الذي لمَ يُثْبِتْ أَكْثَرُ المتَكلَّمَينَ سِوَاهُ. بَلْ هُوَ قُرْبٌ خَاصٌّ مِن الدَّاعِي وَالعَابِدِ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راوياً عَن رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: " مَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً " فَهَذَا قُـرْبُهُ مِن عَابِدِهِ، وَأَمَّا قُـرْبُهُ مِن دَاعِيهِ وَسَائِلهِ فَكَمَا قَالَ:{ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }، وَقَوْلِهِ:{ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً } فَفِيهِ الإِشَارَةُ وَالإِعْلامُ بِهَذَا القُرْبِ. وَأَمَّا قُرْبُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِن مُحِبِّهِ فَنَوْعٌ آخَرُ وَبِنَاءٌ آخَرُ وَشَأْنٌ آخَرُ. وَإِذَا كَانَ الدُّعَاءُ المَأْمُورُ بِإِخْفَائِهِ يَتَضَمَّنُ دُعَاءَ الطَّلَبِ وَالثَّنَاءِ وَالمَحَبَّةِ وَالإِقْبَالِ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ مِن أَعْظَمِ الكُنُوزِ الَّتِي هِيَ أَحَقُّ بِالإِخْفَاءِ وَالسَّتْرِ عَن أَعْيُنِ الحَاسِدِينَ.
فَإِنَّ الدُّعَاءَ هُوَ ذِكْرٌ للْمَدْعُوِّ سُبْحَانَهُ مُتَضَمِّنٌ للطَّلَبِ مِنْهُ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِأَسْمَائِهِ وَأَوْصَافِهِ فَهُوَذِكْرٌ وَزِيَادَةٌ كَمَا أَنَّ الذِّكْرَ سُمِّيَ دُعَاءً لتَضَمُّنِهِ الطَّلَبَ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَفْضَلُ الدُّعَاءِ الحَمْدُ للَّهِ " فَسَمَّى الحَمْدَ دُعَاءً وَهُوَ ثَنَاءٌ مَحْضٌ لاِنَّ الحَمْدَ يَتَضَمَّنُ الحُبَّ وَالثَّنَاءَ، وَالحُبُّ أَعْلَى أَنْوَاعِ الطَّلَبِ لِلمَحْبُوبِ، فَالحَامِدُ طَالِبٌ لِمَحْبُوبِهِ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ يُسَمَّى داعياً مِن غَيْرِهِ مِن أَنْوَاعِ الطَّلَبِ الذِي هُوَ دُونَهُ.
وَالمَقْصُودُ أَنَّ كُلَ وَاحِدٍ مِن الدُّعَاءِ وَالذِّكْرِ يَتَضَمَّنُ الآخَرَ وَيَدْخُلُ فِيهِ. وَتَأَمَّلْ كَيْفَ قَالَ فِي آيَةِ الذِّكْرِ: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً }، وَفِي آيَةِ الدُّعَاءِ:{ ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً }، فَذَكَرَ التَّضَرُّعَ فِيهِمَا معاً وَهُوَ التَّذَلُّلُ وَالتَّمَسْكُنُ وَالاِنْكِسَارُ وَهُوَ رُوحُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ. وَأَخْبَرَ عَن الرَّحْمَةِ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ بِالتَّاءِ بِقَوْلهِ: ( قَرِيبٌ ) وَهُوَ مُذَكَّرٌ؛ لأَنَّ الرَّحْمَةَ صِفَةٌ مِن صِفَاتِ الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَالصِّفَةُ قائِمَةٌ بِالمَوْصُوفِ لا تُفَارِقُهُ؛ لأَنَّ الصِّفَةَ لا تُفَارِقُ مَوْصُوفَهَا فَإِذَا كَانَتْ قَرِيبَةً مِن المُحْسِنِينَ فَالمَوْصُوفُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوْلَى بِالقُرْبِ مِنْهُ بَلْ قُرْبُ رَحْمَتِهِ تَبَعٌ لقُرْبِهِ هُوَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِن المُحْسِنِينَ فَإِنَّ اللَّهَ قَرِيبٌ مِن أَهْلِ الإِحْسَانِ بِإِثَابَتِهِ، وَمِنْ أَهْلِ سُؤَالهِ بِإِجَابَتِهِ.
وَالإِحْسَانُ يَقْتَضِي قُرْبَ الرَّبِّ مِنْ عَبْدِهِ كَمَا أَنَّ العَبْدَ قَرُبَ مِن رَبِّهِ بِالإِحْسَانِ فَالرَّبُّ تَعَالَى قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ، وَرَحْمَتُهُ قَرِيبَةٌ مِنْهُمْ وَقُرْبُهُ مُسْتَلْزِمٌ قُرْبَ رَحْمَتِه،ِ فَفِي حَذْفِ التَّاءِ هَهُنَا تَنْبِيهٌ عَلَى هَذِهِ الفَائِدَةِ الجَليلَةِ وَأَنَّ اللَّهَ قَرِيبٌ مِن المُحْسِنِينَ وَذَلكَ يَسْتَلْزِمُ القُرْبَيْنِ: قُرْبَهُ وَقُرْبَ رَحْمَتِهِ، وَلَوْ قَالَ: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبَةٌ مِن المُحْسِنِينَ لمْ يَدُلَّ عَلَى قُرْبِهِ تَعَالَى مِنْهُمْ؛ لأَنَّ قُرْبَهُ تَعَالَى أَخَصُّ مِنْ قُرْبِ رَحْمَتِهِ، وَالأَعَمُّ لا يَسْتَلْزِمُ الأَخَصَّ بِخِلافِ قُرْبِهِ، فَإِنَّهُ لمَّا كَانَ أَخَصَّ اسْتَلْزَمَ الأَعَمَّ وَهُوَ قُرْبُ رَحْمَتِهِ. وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ: قُرْبُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِن المُحْسِنِينَ وَقُرْبُ رَحْمَتِهِ مِنْهُمْ مُتَلازِمَانِ لا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الآخَر،ِ فَإِذَا كَانَتْ رَحْمَتُهُ قَرِيبَةً مِنْهُمْ فَهُوَ أيضاً قَرِيبٌ مِنْهُمْ وَإِذَا كَانَ المَعْنَيَانِ مُتَلازِمَيْنِ صَحَّ إِرَادَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَكَانَ فِي بَيَانِ قُرْبِهِ سُبْحَانَهُ مِنَ المُحْسِنِينَ مِنَ التَّحْرِيضِ عَلَى الإِحْسَانِ وَاسْتِدْعَائِهِ مِن النُّفُوسِ وَتَرْغِيبِهَا فِيهِ غَايَةُ حظٍّ لهَا وَأَشْرَفُهُ وَأَجَلُّهُ عَلَى الإِطْلاقِ وَهُوَ أَفْضَلُ إِعْطَاءٍ أُعْطِيَهُ العَبْدُ وَهُوَ قُرْبُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنَ عَبْدِهِ الذي هُوَ غَايَةُ الأَمَانِي وَنِهَايَةُ الآمَالِ وَقُرَّةُ العُيُون،ِ وَلَمَّا ظَهَرَتِ الجَهْمِيَّةُ المُنْكِرَةُ لمُبَايَنَةِ اللَّهِ وَعُلُوِّهِ عَلَى خَلْقِهِ افْتَرَقَ النَّاسُ فِي هَذَا البَابِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ: فَالسَّلَفُ وَالأَئِمَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّ الَّلهَ فَوْقَ سَمَاوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلكَ الكِتَابُ وَالسُّنَّة وَإِجْمَاعُ سَلَفِ الأُمَّةِ، وَكَمَا عُلِمَ العُلُوُّ وَالمُبَايَنَةُ بِالمَعْقُولِ الصَّرِيحِ المُوَافِقِ للْمَنْقُولِ الصَّحِيحِ وَكَمَا فَطَرَ اللَّهُ عَلَى ذَلكَ خَلْقَهُ فِي إِقْرَارِهِمْ بِهِ وَقَصْدِهِمْ إِيَّاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَالقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ مُعَطِّلَةِ الجَهْمِيَّةِ ونُفاتِهِمْ وَهُمُ الذين يَقُولُونَ لا دَاخِـلُ العَالَمِ وَلا خَارِجُهُ وَلا مُبَايِنٌ لهُ وَلا مُحايِثٌ لهُ فَيَنْفُونَ الوَصْفَيْنِ المُتَقَابِلَيْنِ لِلَّذِينَ لا يَخْلُو مَوْجُودٌ عَنْ أَحَدِهِمَا كَمَا يَقُولُ ذَلكَ أَكْثَرُ المُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِن غَيْرِهِمْ.
والقَوْلُ الثَّالثُ: قَوْلُ حُلُوليَّةِ الجَهْمِيَّةِ الذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ بِذَاتهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ كَمَا تَقُولُ ذَلكَ النَّجَّاريةُ أَتْبَاعُ حُسَيْنِ النَّجَّارِ وَغَيْرُهُمْ مِنَ الجَهْمِيَّةِ، وَهَؤُلاءِ القَائِلُونَ بِالحُلُولِ وَالاتِّحَادِ مِن جِنْسِ هَؤُلاءِ، فَإِنَّ الحُلُولَ أَغْلَبُ عَلَى عُبَّادِِ الجَهْمِيّةِ وَصُوفِيَّتِهِمْ وَعَامَّتِهِمْ، وَالنَّفْيُ وَالتَّعْطِيلُ أَغْلَبُ عَلَى نُظَّارِهِمْ وَمُتَكَلِّمِيهِمْ، كَمَا قِيلَ: مُتَكَلِّمَةُ الجَهْمِيّةِ لا يَعْبُدُونَ شيئاً، وَمُتَصَوِّفَةُ الجَهْمِيّةِ يَعْبُدُونَ كُلَّ شَيْءٍ،وَذَلكَ لأَنَّ العِبَادَةَ تَتَضَمَّنُ القَصْدَ وَالطَّلَبَ وَالإِرَادَةَ وَالمَحَبَّةَ وَهَذَا لا يَتَعَلَّقُ بِمَعْدُومٍ.
وَالقَوْلُ الرَّابِعُ قَوْلُ مَن يَقُولُ: إِنَّ الَّلهَ بِذَاتِه فَوْقَ العَالَمِ وَهُوَ بِذَاتِهِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَهَذَا قَوْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الكَلامِ وَالتَّصَوُّفِ كَأَبِي مُعَاذٍ وَأَمْثَالهِ).

هيئة الإشراف

#7

20 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (فصلٌ: وقَدْ دَخَلَ في ذلكَ الإِيمَانُ بأَنَّهُ قَريبٌ [ من خلقهِ ] مُجيبٌ؛ كَمَا جَمَعَ بينَ ذلكَ في قَوْلِهِ: ( وإِذا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنِّي قَرِيبٌ … ) الآية.(1)
وقولِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (( إِنَّ الَّذي تَدْعونَهُ أَقْرَبُ إِلى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ راحِلَتِه)).
وَمَا ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِنْ قُرْبهِ ومعيَّتِه لا يُنافي ما ذُكِرِ مِن عُلوِّهِ وفوقيَّتِه؛ فإِنَّهُ سبحانَهُ ليسَ كَمِثْلِهِ شيءٌ في جَميعِ نُعوتِه، وهُو عَليٌّ في دُنُوِّهِ، قريبٌ في عُلُوِّه ).(2)
).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) فَصلٌ
قولُه: (وقد دَخلَ في ذَلِكَ) أيْ: في الإيمانِ باللَّهِ بأنَّه قريبٌ مجيبٌ كما جمعَ بين ذَلِكَ في الآيةِ والحديثِ. وسببُ نزولِ الآيةِ أنَّ أعرابِيًّا قال: يا رسولَ اللَّهِ، أقريبٌ ربُّنا فنُناجِيه أَمْ بعيدٌ فنُنادِيه؟ فسَكَتَ النَّبيُّ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- فأنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيةَ. رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ وابنُ جريرٍ، وروى الإمامُ أحمدُ عن أبي موسى قال: كُنَّا مع رسولِ اللَّهِ –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- في غزوةٍ، فجَعَلْنا لا نَصْعَدُ شَرَفاً ولا نَعْلُو شَرَفاً ولا نَهبِطُ واديًا إلا رَفَعْنا أصواتَنا بالتَّكبيرِ، قال: فدَنَا منا فقال: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ ولا غَائِباً، إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًا، إنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ، يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلاَ أُعَلِّمُكَ كَلِمَةَ كُنُوزِ الجَنَّةِ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ)) خَرَّجاهُ في "الصَّحيحَيْنِ" وبقيَّةُ الجماعةِ.
قولُه: (ارْبَعُوا) بهمزةِ وصْلٍ وبفتحِ الباءِ الموحَّدةِ، معناه ارْفُقوا بأنْفُسِكم، واخفِضوا أصواتَكم، فإنَّ رَفعَ الصَّوتِ إِنَّما يَفعَلُه الإنسانُ لبُعدِ مَن يخاطِبُه ليَسمَعُه، وأنتم تَدْعُونَ اللَّهَ، وليس هُوَ بأصمَّ ولا غائبا، بل هُوَ سميعٌ قريبٌ. ففيه النَّدبُ إلى خفضِ الصَّوتِ بالذِّكْرِ إذا لم تَدْعُ حاجةٌ إلى رَفعِه، فإنَّه إذا خفَضَه كان أبلغَ في تَوقِيرِه وتعظيمِه، فإنْ دَعَت الحاجَةُ إلى الرَّفعِ رَفَعَ كما جاءتْ به أحاديثُ، كما في التَّلبِيةِ وغيرِها، فقد وَرَدَ الشَّرْعُ برَفعِه فيها.
قولُه: (هُوَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ) المرادُ به قُربُ الإحاطةِ والعِلمِ، كما في قولِه: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) انتهى. نَووِيٌّ.
ومِن أسمائِه -سُبْحَانَهُ- القريبُ، وقُربُه -سُبْحَانَهُ- نوعانِ:
قُربٌ عامٌّ، وهُوَ إحاطةُ عِلمِه بجميعِ الأشياءِ كما في الحديثِ المتقَدِّمِ، وقولُه سُبْحَانَهُ: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). وقيل: إنَّ المرادَ قُربُ ملائكَتِه منه، وأضافَ ذَلِكَ إلى نَفْسِه بِصيغةِ الجمعِ على عادةِ العظماءِ في إضافةِ أفعالِ عَبيدِها إليها، ورَجَّحَه ابنُ القيِّمِ، واختارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ.
الثَّاني: قُرْبٌ خاصٌّ، ويَنقَسِمُ إلى قِسمَيْنِ: قُربُه مِن داعِيه بالإجابةِ، وقُرْبُه مِن عابِدِه بالإثابةِ، فالأوَّلُ: كقولِه: (وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي) الآيةَ. ولهَذَا نَزَلَتْ جوابًا للصَّحابةِ، وقد سألوا رسولَ اللَّهِ: أقريبٌ ربُّنا فنُناجيهِ أَمْ بعيدٌ فنُناديه؟ والثَّاني: كقولِه –صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنْ عَبْدِهِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ)). فهَذَا قُربُه مِن أهلِ طاعَتِه، وأمَّا حديثُ أبي موسى المتقدِّمِ ففيه القُربُ الخاصُّ بالدَّاعِينَ دعاءَ العِبادةِ والثَّناءِ، وهَذَا القُربُ لا يُنافي كمالَ مبايَنَتِه –سُبْحَانَهُ- لخَلقِه واستوائِه على عرشِه، بل يجامِعُه ويُلازِمُه، فإنَّه ليس كقُربِ الأجسامِ بعضِها مِن بعضٍ، تعالى اللَّه عن ذَلِكَ عُلُواًّ كبيرًا، ولكنَّه نوعٌ آخَرُ.
قال ابنُ القيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في (المدَارجِ) على قولِه: وأنتَ الباطنُ فليسَ دُونَكَ شَيءٌ، قال: فهَذَا قُربُ الإحاطةِ العامَّةِ، وأمَّا القُربُ المذكورُ في الكِتابِ والسُّنَّةِ فقُربٌ خاصٌّ مِن عابِديه وسائلِيه وداعِيه، وهُوَ مِن ثمرةِ التَّعبُّدِ باسِمه الباطنِ، قال تعالى: (وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فإِنَّي قَرِيبٌ) الآيةَ، وفي الصَّحيحِ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وهُوَ سَاجِدٌ)). فهَذَا قُربٌ خاصٌّ غيرُ قُربِ الإحاطةِ وقُربِ البُطونِ. انتهى.
قولُه: (مجيبٌ) أي: المجيبُ لدُعاءِ الدَّاعِينَ وسؤالِ السَّائلِينَ، وإجابَتُه -سبحانَهُ وتعالَى- نوعانِ:
(الأوَّلُ) إجابةٌ عامَّةٌ لِكُلِّ مَن دَعاه دُعاءَ عِبادةٍ أو دُعاءَ مسألةٍ، كما قال: (وَقَالَ رَبُّكُـمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ). فهَذَا يَقعُ مِن البَرِّ والفاجرِ، ويَستجيبُ اللَّهُ –سُبْحَانَهُ- لِكُلِّ مَن دعاهُ بحسَبِ الحالِ المقتضِيَةِ، وبحسَبِ ما تقتضيه حِكمتُه سُبْحَانَهُ، وهَذَا مما يُستَدَلُّ به على كَرَمِ المَوْلَى –سُبْحَانَهُ- وشُمولِ إحسانِه، ولا يَدلُّ على حُسْنِ حالِ الدَّاعي إنْ لم يَقْتَرِنْ بِذَلِكَ ما يَدلُّ عليه، كسؤالِ الأنبياءِ ودُعائِهم على قَومِهم ولِقومِهم فيجيبُ –سُبْحَانَهُ- فإنَّه يدلُّ على صِدقِهم فيما أخَبْروا به، وكرامِتهم على اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- وتعالى.
(الثَّاني) إجابةٌ خاصَّةٌ، ولها أسبابٌ عديدةٌ، منها دعوةُ المضْطرِّ، قال اللَّهُ –سُبْحَانَهُ-: (أمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ) ومِن أسبابِها: طُولُ السَّفَرِ والتَّوسُّلُ إلى اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- بأَحَبِّ أسمائِه وصِفاتِه ونِعَمِه، وَكَذَلِكَ دَعوةُ المريضِ والمظلومِ والصَّائمِ والوالدِ على ولَدِه أو له، وفي الأوقاتِ والأحوالِ الفاضِلةِ، وفيما تَقدَّمَ دليلٌ على أنَّ الدُّعاءَ مِن أقوى الأسبابِ في جَلْبِ المنافِعِ ودَفْعِ المَضارِّ، وفيه الرَّدُّ على مَنْ زَعَم مِن المتصوِّفَةِ وأتباعِهم أنَّ الدُّعاءَ لا يَنفعُ، وقولُهم باطلٌ مردودٌ بأدِلَّةِ الكِتابِ والسُّنَّةِ المتواتِرةِ، والعقلِ، وتجاربِ الأُمَمِ، وفيه أنَّ الدُّعاءَ يُطلَقُ على السُّؤالِ والطَّلَبِ، ويُطلَقُ على العِبادةِ، فالدُّعاء معناه لغةً: السُّؤالُ والطَّلَبُ، وينقسِمُ إلى قسمينِ: دُعاءُ عبادةٍ ودُعاءُ مسألةٍ، فدُعاءُ المسألةِ "هُوَ طَلَبٌ ما يَنفعُ الدَّاعي مِن جَلْبِ نفعٍ أو دَفعِ ضُرٍّ، وأمَّا دعاءُ العبادةِ فهُوَ سائرُ العباداتِ مِن تسبيحٍ وتهليلٍ وتكبيرٍ وصلاةٍ وغيرِ ذَلِكَ؛ لأنَّ العابِدَ سائلٌ في المعنى، فيكونُ داعيًا عابدًا.

(2) قولُه: (وما ذُكِرَ في الكِتابِ والسُّنَّةِ مِن قُربِه لا يُنافي ما ذُكِرَ مِن عُلُوِّه وفوقِيَّتِه). فإنَّ عُلُوَّه -سُبْحَانَهُ- مِن لوازِمِ ذاتِه، فلا يكونُ قطُّ إلا عاليًا، ولا يكونُ فوقَه شيءٌ ألْبتَّة، كما قال أَعْلمُ الخَلقِ بربِّه: ((وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ)). فهُوَ -سُبْحَانَهُ- قريبٌ في عُلُوِّه عالٍ في قُربِه، فأخبَرَ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- أنَّه أَقْربُ إلى أحِدِهم مِن عُنُقِ راحلِتِه، وأخبَرَ أنَّه فوقَ سماواتِه على عرشِه مطَّلِعٌ على خَلقِه يرى أعمالَهم، وهَذَا حقٌّ لا يُناقِضُ أحدُهما الآخَرَ، والذي يُسَهِّلُ عليكَ فَهْمَ هَذَا معرفةُ عظمَتِه -سُبْحَانَهُ- وإحاطتِه بخَلقِه، وأنَّ السَّماواتِ السَّبعِ في يدِه كخَردلَةٍ في يدِ العبدِ، فكَيْفَ يَستحِيلُ في حقِّ مَن هَذَا بعضُ عظمَتِه أنْ يكونَ فوقَ عرشِه، ويَقُربُ مِن خَلقِه كَيْفَ شاءَ وهُوَ على العرشِ. انتهى. مِن "الصَّواعِقِ".
قولُه: (في دُنُوِّه) أي: قُرْبِهِ.
قولُه: (في نُعوتِه) أي: في صفاتِه، فالوصْفُ والنَّعتُ مترادِفانِ، وقيل متقارِبانِ، فالوصفُ للذَّاتِ والنَّعتُ للفِعِل).