الدروس
course cover
تحريم القول على الله بلا علم
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4847

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم الخامس

تحريم القول على الله بلا علم
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4847

0

0


0

0

0

0

0

تحريم القول على الله بلا علم

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ({فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[سُورَةُ النَّحْلِ : 74] ،
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ منْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[سُورَةُ الأَعْرَافِ : 33]).

هيئة الإشراف

#2

14 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( (فَلاَ تَضرِبُوا للهِ الأَمثَالَ إِنَّ اللهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ) [النحل: 74].
(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثُمَّ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
(1) ).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (1) الآيةُ الحاديةَ عشرةَ: قولُهُ: (فَلاَ تَضرِبُوا لِلَّهِ الأَمثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ) [النحل: 74].
يعني: لاَ تجعلوا لِلَّهِ مثلاً، فتقولونَ: مَثَلُ اللَّهِ كمَثَلِ كذا وكذا! أوْ تجعلوا لَهُ شريكاً فِي العبادةِ.
(إِنَّ اللَّهَ يَعلَمُ وَأَنتُم لاَ تَعلَمُونَ)، بمعنى: أنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يعلمُ بأنَّهُ ليْسَ لَهُ مِثلٌ، وقدْ أخبرَكُم بأنَّهُ لاَ مِثلَ لَه، فِي قولِهِ: (لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ) [الشورى: 11]، وقولِهِ: (وَلَم يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص: 4]، وقولِهِ: (هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيًّا) [مريم: 65] … ومَا أشبَهَ ذلِكَ، فاللَّهُ يعلمُ وأنْتُم لاَ تعلمونَ.
وقَدْ يُقالُ: إنَّ هذِهِ الجملةَ تتضمَّنُ الدَّليلَ الواضحَ عَلَى أنَّ اللَّهَ ليْسَ لَهُ مثلٌ، وأنَّها كضربِ المثلِ فِي امتناعِ المثلِ، لأنَّنَا نَحْنُ لاَ نعلمُ واللَّهُ يعلمُ، فَإِذَا انْتَفَى العلمُ عَنَّا، وثبتَ لِلَّهِ، فأينَ المماثلةُ؟! هَلْ يماثلُ الجاهلُ مَنْ كَانَ عالماً؟!
ويدلُّكَ عَلَى نقصِ علمِنا: أنَّ الإنسانَ لاَ يعلمُ مَا يفعلُه فِي اليومِ التَّالي: (وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً) [لقمان: 34]، وأنَّ الإنسانَ لاَ يعلمُ روحَهُ الَّتِي بَيْنَ جَنْبَيْهِ: (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّى) [الإسراء: 85].
ومَا زالَ الفلاسفةُ والمتفلسفةُ وغيرُهم يبحثوُنَ عَنْ حقيقةِ هذِهِ الرُّوحِ، ولَمْ يَصلِوا إِلَى حقيقَتِها، مَعَ أنهَّا هِيَ مادَّةُ الحياةِ، وَهَذَا يدلُّ عَلَى نقصانِ العِلمِ فِي المخلوقِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [الإسراء: 85].
فإنْ قلْتَ: كَيْفَ تجمعُ بينَ هذِهِ الآيةِ: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [النحل: 74]، وبينَ قولِهِ تَعَالَى: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً وأنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 22]؟!
الجوابُ: أنَّهُ هُناكَ يخاطبُ الَّذِينَ يشركُونَ بهِ فِي الألوهِيَةِ فيقولُ: (فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً) فِي العبادةِ والألوهِيَةِ (وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) أنَّهُ لاَ ندَّ لَهُ فِي الرُّبوبيَّةِ، بدليلِ قولِهِ: (يَاأيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِى جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثُمَّراَتِ رِزْقاً لَّكُمْ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة: 21-22]. أمَّا هُنا، ففِي بابِ الصِّفاتِ: (فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ)، فتقولوا مثلاً: إنَّ يدَ اللَّهِ مثلُ يدِ كذا! وجهُ اللَّهِ مثلُ وجهِ كذا! وذاتُ اللَّهِ مثلُ الذَّاتِ الفلانيَّةِ… ومَا أَشْبَهَ هَذَا؛ لأنَّ اللَّهَ تَعَالَى يعلمُ وأنْتُم لاَ تعلموُن، وقدْ أخبرَكُم بأَنَّهُ لاَ مثيلَ لَه.
أوْ يُقالُ: إنَّ إثباتَ العلمِ لَهم خاصٌّ فِي بابِ الرُّبوبيَّةِ، ونفِيهَِ عَنْهم خاصٌّ فِي بابِ الألوهِيَّةِ، حَيْثُ أشركوا باللَّهِ فِيهِا، فنَزَلوا منزلةَ الجاهلِ.
وهذِهِ الآيةُ تتضمَّنُ مِنَ الكمالِ كمالَ صفاتِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، حَيْثُ إنَّهُ لاَ مثيلَ لَه.
أمَّا الفائدةُ المسلكيَّةُ الَّتِي تؤخذُ مِنْ هذِهِ الآيةِ، فهِيَ كمالُ تعظيمِنا للرَّبِّ عزَّ وجلَّ؛ لأنَّنا إِذَا عَلِمْنا أنَّهُ لاَ مثيلَ لَه، تعلقْنا بهِ رجاءً وخوفاً، وعظَّمْناه، وعلمْنا أنَّهُ لاَ يمكنُ أنْ يماثلَهُ سلطانٌ ولاَ ملكٌ ولاَ وزيرٌ ولاَ رئيسٌ، مهمَا كانَتْ عظمةُ ملكيَّتِهم ورئاستِهم ووزارتِهم؛ لأنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَيْسَ لَهُ مِثلٌ.
الآيةُ الثَّانِيَةَ عشْرةَ: قولُهُ: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثُمَّ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33].
(قُل): الخطابُ للنَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أيْ: قُلْ معلناً للنَّاسِ.
(إِنَّمَا): أداةُ حصرٍ، وذلِكَ لمقابلةِ تحريمِ مَنْ حرَّمَ مَا أحلَّ اللَّهُ.
(حَرَّمَ)، بمعنى: منعَ، وأصلُ هذِهِ المادةِ (ح ر م) تدلُّ عَلَى المنعِ، ومِنْهُ: حريمُ البئرِ: للأرضِ الَّتِي تحمِيهِ حولَه؛ لأنَّهُ يمنعُ مِنَ التعدِّي عَلَيْهِ.
(الفَواَحِشَ): جمعُ فاحشةٍ، وهِيَ الذَّنبُ الَّذِي يستفحشُ، مثلُ: الزِّنَى واللواطِ.
الزِّنَى، قَالَ اللَّهُ فِيهِ: (وَلاَ تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً) [الإسراء: 32].
وفِي اللواطِ، قَالَ لوطٌ لقومِهِ: (أتأتُونَ الفَاحِشَةَ) [الأعراف: 80].
ومِنَ الزِّنَى أنْ يتزوجَ الإنسانُ امرأةً لاَ تَحِلُّ لَهُ لقرابةٍ أوْ رضاعٍ أوْ مصاهرةٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَلاَ تَنكِحُوا مَا نَكَحَ ءاَبَاؤُكُم مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَد سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقتًا وَسَاءَ سَبِيلاً) [النساء: 22]، بَلْ إنَّ هَذَا أشدُّ مِنَ الزِّنَى؛ لأنَّهُ وصفهَ بثلاثِة أوصافٍ: فاحشةٍ، ومقتٍ، وساءَ سبيلا، وفِي الزِّنى وصفَهُ اللَّهُ بوصفينِ: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [الإسراء: 32].
وقولُهُ: (مَا ظَهَرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ): قِيلَ: إنَّ المَعْنَى مَا ظهرَ فحشُه ومَا خفيَ، وقِيلَ: المَعْنَى مَا ظهرَ للنَّاسِ ومَا بطنَ عَنْهم، باعتبارِ فعلِ الفاعلِ، لاَ باعتبارِ العملِ، أيْ: مَا أظهرَهُ الإنسانُ للنَّاسِ ومَا أبطَنَهُ.
قولُهُ: (وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، يعني: حرَّمَ الإثمَ والبغيَ بغيرِ الحقِّ.
والإثمَ: المرادُ بهِ مَا يكونُ سبباً لَهُ مِنَ المعاصي.
والبغِيَ: العدوانُ عَلَى النَّاسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظلِمُونَ النَّاسَ وَيَبغُونَ فِى الأَرضِ بِغَيرِ الحَقِّ) [الشورى: 42].
وفِي قولِهِ: (وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ): إشارةٌ إِلَى أنَّ كُلَّ بَغْيٍ فَهُوَ بغيرِ حقٍّ، وليسَ المرادُ أنْ البَغْيَ ينقسمُ إِلَى قسمينِ: بَغْيٌ بحقٍّ، وبَغْيٌ بغيرِ حقٍّ؛ لأنَّ البغيَ كلَّهُ بغيرِ حقٍّ.
وعَلَى هَذَا، فيكونُ الوصفُ هُنَا مِنْ بابِ الوصفِ الكاشفِ، ويسمِّيها العلماءُ صفةً كاشفةً، أيْ: مبيِّنةً، وهِيَ الَّتِي تكونُ كالتعليلِ لموصوفِها.
قولُهُ: (وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً): هذِهِ معطوفةٌ عَلَى مَا سبقَ، يعني: وحرَّمَ ربي أنْ تشركوا باللَّهِ مَا لَمْ ينزلْ بِهِ سلطاناً، يعني: أنْ تجعلوا لَهُ شريكاً لَمْ ينزلْ بهِ سلطاناً، أيْ: حجةً، وسُمِّيَتْ سلطاناً، لأنهَّا سلطةٌ للمحتجِ بهِا.
وَهَذَا القيدُ: (مَا لَم يُنَزّل بِهِ سُلطَاناً): نقولُ فِيهِ كَمَا قلنْا فِي (وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ)، أيْ: أنَّهُ قيدٌ كاشفٌ؛ لأنَّ كُلُّ مَنْ أشركَ باللَّهِ، فليسَ لَهُ سلطانٌ بشركهِ.
قولُهُ: (وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، يعني: وحرَّمَ أنْ تقولوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تعلمونَ، فحرامٌ عَلَيْنَا أنْ نقولَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ نعلمُ، سواءٌ كَانَ فِي ذاتهِ أوْ أسمائهِ أوْ صفاتهِ أوْ أفعالَهِ أوْ أحكامهِ.
فهذِهِ خمسةُ أشياءَ حرَّمَها اللَّهُ عَلَيْنا.
وفِيهَا ردٌ عَلَى المشركينَ الَّذِينَ حرَّموا مَا لَمْ يحرِّمُه اللَّهُ.
إِذَا قَالَ قائلٌ: أينَ الصِّفةُ السَّلبيَّةُ فِي هذِهِ الآيةِ ؟
قُلْنا: هِيَ: (وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)، فالاثنتان جميعًا من باب الصِّفات السَّلبيَّة: ((وَأَن تُشْرِكُواْ)، يعني: لاَ تجعلوا لِلَّهِ شريكًا لكمالَه. (وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) كذلِكَ، لكمالِهِ، فإنَّهُ مِنْ تمامِ سلطانِه أنْ لاَ يقولَ عَلَيْهِ أحدٌ مَا لاَ يعلمُ.
الفائدةُ المسلكيَّةُ مِنْ هذِهِ الآيةِ هِيَ أنْ نتجنَّبَ هذِهِ الأشياءَ الخمسةَ الَّتِي صرَّحَ اللَّهُ تَعَالَى بتحريِمها.
وقَدْ قَالَ أهلُ العلمِ: إنَّ هذِهِ المحرَّماتِ الخمسةَ ممَّا أجمعَتِ الشَّرائعُ عَلَى تحريمِها.
ويدخلُ فِي القولِ عَلَى اللَّهِ بغيرِ علمٍ تحريفُ نصوصِ الكتابِ والسُّنَّةِ فِي الصِّفاتِ وغيرِها، فإنَّ الإنسانَ إِذَا حرَّفَ نصوصَ الصِّفاتِ، مثلَ أنْ يقولَ: المرادُ باليدينِ النِّعمةُ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ يعلمُ من وجْهَيْنِ:
الوجهُ الأوَّلُ: أنَّهُ نفى الظَّاهِرَ بلاَ علمٍ.
والثَّاني: أثبتَ لِلَّهِ خلافَه بغيرِ دليلٍ.
فَهُوَ يقولُ: لَمْ يُردِ اللَّهُ كذا، فنقولُ: هاتِ الدَّليلَ عَلَى أنَّهُ لَمْ يُردْ كذا، وعَلَى أنَّهُ أرادَ كذا! فإنْ لَمْ تأتِ بالدَّليلِ، فإنَّكَ قَدْ قُلْتَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تعلمُ).

هيئة الإشراف

#3

14 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله


قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): (وأَمَّا قولُهُ تعالى: { فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثالَ }؛ فهوَ نهيٌ لهمْ أنْ يشبِّهوهُ بشيء ٍمن خلقِهِ؛ فإنَّهُ سبحانَهُ لهُ المثلُ الأعلى الذي لا يُشركُهُ فيهِ مخلوقٌ.
وقَدْ قدَّمنَا أَنَّهُ لا يجوزُ أنْ يُستعملَ في حقِّهِ مِن الأقيِسَةِ ما يقتضي المُمَاثلةَ أو المساواةَ بينَهُ وبينَ غيرِهِ؛ كقياسِ التَّمثيلِ وقياسِ الشُُّّمولِ.
وإنِّما يُستعملُ في ذلكَ قياسُ الأولى الذي مضمونُهُ أنَّ كلَّ كمَالٍ وُجُوديٍّ غيرَ مستلزمٍ للعدمِ ولا للنَّقصِ بوجهٍ مِن الوُجوهِ اتَّصفَ بهِ المخلوقُ فالخالقُ أولى أنْ يتَّصفَ بهِ؛ لأنَّهُ هوَ الذي وهبَ المخلوقَ ذلكَ الكمَالَ، ولأنَّهُ لو لمْ يتَّصفْ بذلكَ الكمَالِ – معَ إمكانِ أنْ يَتَّصِفَ بهِ – لكانَ في المُمكناتِ مَنْ هوَ أكملُ مِنهُ، وهوَ محالٌ، وكذلكَ كلُّ نقصٍ يتنزَّهُ عنهُ المخلوقُ، فالخالقُ أولى بالتَّنزُّهِ عنهُ.
وأَمَّا قولُهُ: { قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ … } إلخ؛
فـ ( إنَّمَا ) أداةُ حصرٍ تُفيدُ اختصاصَ الأشياءِ المذكورةِ بالحُرمةِ، فيُفْهَمُ أنَّ مَنْ عدَاهَا مِن الطَّيِّباتِ فهوَ مباحٌ لا حرجَ فيهِ؛ كمَا أفادتْهُ الآيةُ التَّي قبلَهَا.
و ( الفَوَاحِشَ ) جمعُ فاحشةٍ، وهيَ الفِعلةُ المتناهيةُ في القبحِ، وخصَّهَا بعضُهمْ بما تضمَّنَ شهوةً ولذَّةً مِن المعاصِي؛ كالزِّنا، واللِّواطِ، ونحوهِمَا مِن الفواحشِ الظَّاهرَةِ، وكالكبرِ والعُجبِ وحُبِّ الرياسةِ مِن الفواحشِ الباطِنَةِ.
وأَمَّا ( الإِثْمَ فمِنْهُمْ مَنْ فسَّرَهُ بمُطلقِ المعصيةِ، فيكونُ المرادُ منهُ ما دونَ الفاحشةِ، ومِنْهُمْ مَنْ خصَّهُ بالخمرِ؛ فإنَّهَا جِماعُ الإِثمِ.
وأَمَّا { البَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ }؛ فهوَ التَّسلُّطُ والاعتداءُ على النَّاسِ مِن غيرِ أنْ يكونَ ذلكَ على جهةِ القصاصِ والمُمَاثلةِ.
وقولُهُ: { وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانَا }، وحرَّمَ أنْ تعبدُوا معَ اللهِ غيرَهُ، وتتقرَّبوا إليهِ بأيِّ نوعٍ مِن أنْواعِ العباداتِ والقُرباتِ؛ كالدُّعاءِ، والنَّذرِ، والذبحِ، والخوفِ، والرجاءِ، ونحوِ ذلكَ مما يجبُ أنْ يُخْلِصَ فيهِ العبدُ قلبَهُ ويُسْلِمَ وجهَهُ للهِ، وحرَّمَ أنْ تتَّخِذوا مِن دونِهِ سبحانَهُ أولياءً يُشرِّعونَ لهمْ مِن الدِّينِ ما لمْ يأذنْ بهِ اللهُ في عباداتِهِمْ ومعاملاتِهِمْ؛ كمَا فعلَ أهلُ الكتابِ معَ الأحبارِ والرُّهبانِ، حينَ اتَّخذُوهمْ أربابًا مِن دونِ اللهِ في التَّشريعِ، فأحلُّوا ما حرَّمَ اللهُ، وحرَّموا ما أحلَّ اللهُ، فاتَّبعوهمْ في ذلكَ.
وقولُهُ: { مَا لَمْ يُنَزِّلْ بهِ سُلْطانَا } قيدٌ لبيانِ الواقعِ؛ فإنَّ كلَّ ما عُبِدَ أو اتُّبِعَ أو أُطيعَ مِن دونِ اللهِ قَدْ فُعِلَ بهِ ذلكَ مِن غيرِ سُلطانٍ.
وأَمَّا القولُ على اللهِ بلا عِلمٍ؛ فهوَ بابٌ واسعٌ جدًّا يدخلُ فيهِ كلُّ خبرٍ عن اللهِ بلا دليلٍ ولا حُجَّةٍ؛ كنفيِ ما أثبتَهُ، أو إثباتِ ما نفاهُ، أو الإِلحادِ في آياتِهِ بالتَّحريفِ والتَّأويلِ.

قالَ العلاَّمةُ ابنُ القَيِّمِ في كتابِهِ ( إعلامُ المُوَقِّعينَ ): (( وقَدْ حرَّمَ اللهُ القولَ عليهِ بغيرِ علمٍ في الفُتيا والقضاءِ وجعلَهُ مِن أعظمِ المحرَّماتِ، بلْ جعلَهُ في المَرْتَبةِ العُليا منهَا؛ قالَ تعالى: ] قُلْ إنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ … [ الآية، فرتَّبَ المحرِّماتِ أربعَ مراتبَ، وبدأَ بِأَسهلِهَا، وهوَ الفواحشُ، وَثَنَّى بما هوَ أشدُّ تحريمًا منهُ، وهوَ الإِثمُ والظُّلمُ، ثمَّ ثَلَّثَ بما هوَ أعظمُ تحريمًا مِنْهُمْا، وهوَ الشِّركُ بهِ سبحانَهُ، ثمَّ ربَّعَ بما هوَ أعظمُ تحريمًا مِن ذلكَ كلِّهِ، وهوَ القولُ عليهِ بِلا عِلمٍ، وهذا يعمُّ القولُ عليهِ سبحانَهُ بلا علمٍ في أسمائِهِ وصفاتِهِ وأفعالِهِ وفي دينِهِ وشرعِهِ )) ).

هيئة الإشراف

#4

14 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان


قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: (قولُه: (فَلا تَضْرِبوا للهِ الأَمْثَالَ) ينهى سبحانَه عَن ضربِ الأمثالِ له. وضربُ المثلِ هو تشبيهُ حالٍ بحالٍ، وكان المشركون يقولون: إنَّ اللهَ أَجَلُّ مِن أن يعبدَه الواحدُ مِنَّا، فلابدَّ مِن اتِّخاذِ واسطةٍ بيننا وبينَه، فكانوا يتوسَّلُون إليه بالأصنامِ وغيرِهَا تشبيهاً له بملوكِ الدُّنيا، فنهى سبحانَه عَن ذلك؛ لأنَّه سبحانَه لا مِثلَ له فلا يُمَثَُّل بخلقِه ولا يُشَبَّه بهم
(إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ) أنَّه لا مِثلَ له
(وأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ففعلُكُم هذا صدَر عَن توهُّمٍ فاسدٍ وخاطرٍ باطلٍ. ولا تعلمون أيضاً ما في عبادةِ الأصنامِ مِن سوءِ العَاقبةِ.
وقولُه: (قُلْ) الخطابُ للنبيِّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، وفي ذلك دليلٌ عَلى أنَّ القرآنَ كَلامُ اللهِ، وأنَّ النبيَّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ مُبَلِّغٌ عَن اللهِ.
(إِنَّما) أَداةُ حَصْرٍ
(حَرَّمَ رَبّيَ الفَوَاحِشَ) أي: جعَلَها حَرَاماً، والفواحشُ جمع ُفَاحِشةٍ، وهي ما تناهى قبحُه مِن المعاصي
(ما ظَهَرَ مِنْهاَ وَمَا بَطَنَ) أي ما أُعْلِنَ منها وما أُسِرَّ
(والإِثْمَ) كُلَّ معصيةٍ يتسبَّبُ عنها الإثمُ، وقيل: هو الخمرُ خَاصَّةً
(وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) أي: الظُّلْمَ المجاوزَ للْحَدِّ والتَّعدِّيَ عَلى النَّاسِ
(وأَنْ تُشْرِكُوا باللهِ) أي تجعلوا له شريكاً في العبادةِ.
(مَالَمْ يُنَزِّلْ به سُلْطَاناً) أي حُجَّةً وبُرْهَانًا. وهذا موضعُ الشَّاهدِ مِن الآيةِ،
(وأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) مِن الافتراءِ والكذبِ مِن دعوى أنَّ له ولدًا ونحوِ ذلك مما لا عِلْمَ لكم به، ومثلِ ما كانوا يَنْسِبُونَ إليه مِن التَّحليلاتِ والتَّحريماتِ التي لم يَأذنْ بها.
الشَّاهدُ مِن هذه الآياتِ الكريمةِ: أنَّ فيها نفيَ الشَّريكِ عَن اللهِ تعالى وإثباتَ تفرُّدِه بالكمالِ، ونفيَ الولدِ والمثلِ عنه سبحانَه، وأنَّ جميعَ مخلوقاتِه تنزِّهُه عَن ذلك وتقدِّسُه، كما أنَّ فيها إقامةَ الحجَّةِ عَلى بُطْلانِ الشِّرْكِ، وأنَّه مبنىٌّ عَلى جَهْلٍ وخَيَالٍ، وأنَّه سبحانَه لا مِثْلَ له ولا شبيهَ له.واللهُ أعلمُ).

هيئة الإشراف

#5

14 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله


قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (قولُه : { فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأَمْثَالَ } قَالَ ابنُ الأثيرِ في النهايةِ : ضربُ المَثلِ : اعتبارُ الشَّيْءِ بغيرِه ، وتَمثيلُه به ، والضربُ: المِثالُ اهـ .
واللَّهُ تَعالَى نَهَى أنْ يضـرِبَ عبادُه له الأمثـالَ فلا يُقاسُ بِخَلْقِه . وما ابتدعَ مَن ابتدَعَ إلاَّ مِن ضـربِ الأمثالِ له سُبْحَانَهُ ، وأهـلُ الكلامِ المُحْدَثِ المُبدَعِ ضَـربوا له الأمثالَ الباطلةَ في الخبَرِ عنه وعما يُوصَفُ به ، وأصحـابُ الإرادةِ المنحرفةِ ضَربوا له الأمثالَ في الإرادةِ والطَّلبِ ، وكِلاهما على بِدعةٍ وخطأٍ "فنَهَى تَعَالَى أنْ يَضرِبوا له مَثلاً مِن خَلْقِه، ولم يَنْهَهُمْ أنْ يَضرِبوه هو مَثلاً لِخَلْقِه ، فإنَّ هذا لم يَقُلْه أحدٌ ولم يكونوا يَفعلُونَه . فإنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ أجَلُّ في صُدورِهم وأعْظَمُ وأكْبَرُ مِن كلِّ شيءٍ في فِطَرِ النَّاسِ كلِّهم ، ولكنِ المشبِّهون المشركونَ يَغْلُون فيمَن يُعظِّمونه ، فيشبِّهونَهم بالخالِق، واللَّهُ تَعَالَى أجَلُّ في صدورِ جميعِ الخَلْقِ مِن أنْ يَجْعَلوا غيرَه أصْلاً ثم يشبِّهونَه سُبْحَانَهُ بغيرِه . فالَّذِي يُشبِّهُه بغيرِه إِنْ قَصَد تعظيمَه لم يكُنْ في هذا تعظيمٌ؛ لأنه مَثَّلَ أعْظَمَ العظماءِ بما دُونَه ، بل بما لَيْسَ بينَه وبينَه نِسبةٌ في العَظَمةِ والجَلالةِ ، وعاقِلٌ لا يَفْعَلُ هذا . وإنْ قَصَدَ التَّنقيصَ شبَّهَه بالنَّاقِصينَ المَذْمومِينَ لا بالكامِلِينَ المَمْدوحينَ ؛ ومِن هنا يُعْلَمُ إثباتُ صِفَاتِ الكمالِ لا يتضمَّنُ التَّشبيهَ والتَّمثيلَ لا بالكامِلِينَ ولا بالنَّاقِصينَ ، وأنَّ نفْيَ تلك الصِّفَاتِ يستلْزِمُ تشبِيهَهُ بأنْقَصِ النَّاقِصينَ، فانْظُرْ إلى الجَهْمِيَّةِ وأَتْباعِهِم جاءوا إلى التَّشبيهِ المذمومِ فأَعْرَضوا عنه صَفْحاً ، وجاءوا إلى الكمالِ والمدحِ فجَعَلوه تشبيهاً وتمثيلاً عَكْسَ ما يُثبِتُه القرآنُ وجَاءَ به مِن كلِّ وجهٍ .
قولُه :{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}. الفواحِشُ : كِبارُ الذُّنوبِ،
والإثمُ: المعصيةُ،
والبَغْيُ : العُدوانُ على النَّاسِ وظُلْمُهم . وفي "الصَّحيحَيْنِ" عن ابنِ مسعودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لاَ أَحَدَ أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ، وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ " . قَالَ ابنُ كثيرٍ : "وحاصِلُ ما فُسِّرَ به الإثمُ أنه الخَطَايا المتعَلِّقةُ بالفاعلِ، والبَغْيُ هو المتعدِّي إلى النَّاسِ . فحرَّمَ اللَّهُ هذا وهذا . وقولهُ : {وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً}. أي: تَجْعَلوا له شُركاءَ في عبادَتِه
:{وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}. مِن الافتراءِ والكَـذِبِ مِن دعـوى أنَّ له وَلَداً ، ونحـوِ ذلك ممَّا لا عِلْمَ لكم به اهـ .
وهذه المُحَرَّماتُ الخَمْسُ هي الَّتِي اتَّفقَتْ عليها الرُّسُلُ والشَّرائِعُ والكُتُبُ الإلهيَّةُ ، وهي المذْكُورةُ في قولِه تَعَالَى :{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } الآيةَ . فهذه مُحَرَّماتٌ على كلِّ واحدٍ في كُلِّ حالٍ على لسانِ كُلِّ رَسُولٍ لا تُباحُ قطُّ ، ولهذا أَتَى فيها بإنَّمَا المفيدةِ للحَصْر1ِ مُطْلَقاً ، وغيرُها مَحَرَّمٌ في وقْتٍ مُباحٌ في غيرِه كالمَيْتةِ والدَّمِ ولحمِ الخِنزيرِ ، ونحوِه ، فهذه لَيْسَت مُحرَّمةً على الإطلاقِ والدَّوَامِ ، فلم تدْخُلْ تحت التَّحريمِ المحصورِ المُطْلَقِ "ورَتَّبَ هذه المُحرَّماتِ أربعَ مَراتبَ ، وبَدأَ بأَسهلِها وهو الفواحشُ ، ثم ثَنَّى بما هو أَشدُّ تحريماً منه ، وهو الإثمُ والظُّلمُ . ثم ثَلَّثَ بما هو أَعْظمُ منهما وهو الشِّرْكُ به سُبْحَانَهُ ، ثم رَبَّعَ بما هو أشدُّ تحريماً مِن ذلك كلِّه ، وهو القولُ عليه بلا عِلْمٍ . وهذا يَعُمُّ القولَ عليه سُبْحَانَهُ بلا عِلْمٍ في أسمائ%fه وصفاتِه وأفعالِه ، وفي دِينِه وشَرْعِه" .
وأصلُ الشِّرْكِ والكفرِ هو القولُ على اللَّهِ بلا عِلْمٍ . فكُلُّ مُشْرِكٍ قائلٌ على اللَّهِ بلا عِلمٍ دُونَ العكسِ ؛ إذِ القولُ على اللَّهِ بلا عِلمٍ قد يَتضمَّنُ التَّعطيلَ والابتداعَ في دِينِ اللَّهِ فهو أعَمُّ مِن الشِّرْكِ ، والشِّرْكُ فَرْدٌ مِن أفرادِه "والمقصودُ أنَّ هاتَيْنِ الطَّائفتَيْنِ - أهلَ الشِّرْكِ وأهلَ التَّعطيلِ - هم أهلُ التَّنقُّصِ في الحقيقةِ . بل هم أَعْظمُ النَّاسِ تَنقُّصاً ، لَبَّسَ عليهمُ الشيطانُ حَتَّى ظنُّوا أنَّ تنقُّصَهم هو الكمالُ . ولهذا كانت البدعةُ قرينةَ الشِّرْكِ في كتابِ اللَّهِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } الآيةَ ، فالإثمُ والبَغْيُ قَرِينانِ والشِّركُ والبِدعةُ قَرينانِ").

هيئة الإشراف

#6

14 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (قوله: ( فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وأَنْتُم لاَ تَعْلَمونَ )، ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَواَحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالبَغْيَ بِغَيْرِ الحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا باللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وأَنْ تَقُولوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمونَ ).(1)).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قَولُهُ: (فَلاَ تَضْرِبُوا للهِ الأمْثالَ): يعني: الأشبَاهَ فَتُشَبِّهونَهُ بخلقِه، وتجعلونَ له شريكًا فإنَّه -سُبْحَانَهُ- لا مِثلَ له ولا نِدَّ له لا في ذاتِه ولا في أسمائِه وصفاتِه ولا في أفعالِه، وضربُ المثلِ هو تشبيهُ حالٍ بحالٍ، فلا يُمَثَّلُ -سُبْحَانَهُ وتعالَى- بخلقِه، ولا يُشبَّهُ بهم -سُبْحَانَهُ وتعالَى-، فإنَّهُ -سُبْحَانَهُ- لا مثلَ له.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ تيميةَ في أثناءِ كلامٍ له: واللهُ -سُبْحَانَهُ- لا تُضْرَبُ له الأمثالُ الَّتي فيها مماثلةٌ لخلقِه فإنَّ اللهَ لا مثلَ له، بل له المثلُ الأعلى، فلا يجوزُ أن يُشرَكَ هو والمخلوقُ في قياسِ تمثيلٍ ولا قياسِ شمولٍ تستوي أفرادُه، بل يُستعمَلُ في حقِّه المثلُ الأعلى، وهو أنَّ كلَّ ما اتَّصفَ به المخلوقُ من كمالٍ فالخالقُ أولى به، وكلَّ ما يُنَزَّهُ عنه المخلوقُ من نقصٍ فالخالقُ أوْلى بالتَّنـزيه، قال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ ) وهذا يُبيَّنُ أنَّ العالِمَ أكملُ ممَّن لا يعلمُ، وحينئذٍ فالمتَّصفُ به أولى، وللهِ المثلُ الأعلى، وقال تعالى: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا) فدلَّ على أنَّ السَّميعَ البصيرَ الغنيَّ أكملُ، وأنَّ المعبودَ يجبُ أنْ يكونَ كذلك، فمن جعلَ الواجبَ الوجودَ لا يقبلُ الاتَّصافَ بصفاتِ الكمالِ المذكورةِ فقد جعله من جنسِ الأصنامِ الجامدةِ الَّتي عابها اللهُ وعابَ عابِديها، واللهُ -سُبْحَانَهُ- لم يذكرْ هذه النُّصوصَ لمجرَّدِ تقريرِ صفاتِ الكمالِ، بل ذَكرها لبيانِ أنَّه المستحقُّ للعبادةِ دونَ مَن سِواه، فأفادَ الأصليْنِ اللذين بهما يتمُّ التَّوحيدُ، وهو إثباتُ صفاتِ الكمالِ ردًّا على أهلِ التَّعطيلِ، وبيانُ أنَّه المستحقُّ للعبادةِ لا إلهَ إلا هو ردًّا على المُشركين. انتهى.
وقَولُهُ: (إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وأَنْتُم لاَ تَعْلَمونَ): أي يعلمُ أنَّه لا مثلَ له ولا ندَّ، وأنَّه الإلهُ الحقُّ لا إلهَ غيرُه، وأنتم بجهلِكُم تُشركون به غيرَه من الأوثانِ والأندادِ وتشبِّهونها به.

قَولُهُ: (قُلْ): أي قلْ يا محمَّدُ، ففيه دليلٌ على أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ ليسَ كلامَ محمَّدٍ ولا غيرِه، وإنَّما محمَّدٌ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ مُبَلِّغٌ لكلامِ اللهِ.
قَولُهُ: (إِنَّمَا): أداةُ حصرٍ تُثبتُ المذكورَ وتَنفي ما سواه.
قَولُهُ: (حَرَّمَ): أي جعلَه حرامًا ومنعَ منه، والحرامُ شرعًا: هو ما أُثيبَ تاركُهُ وعُوقِبَ فاعلُه، وبمعناه المحظورُ والممنوعُ، والتَّحريُم ينقسمُ إلى قسمينِ: شرعيٍّ كما في هذه الآيةِ، وكونيٍّ قدريٍّ كما في قَولِهِ تعالى: (وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يَرْجِعُونَ).
قَولُهُ: (رَبِّيَ): الرَّبُّ هو الخالقُ الرَّازقُ المُحيي المميتُ المدبِّرُ لجميعِ الأمورِ، وإذا أُفرِدَ أو عُرِّفَ لم يطلقْ إلا على اللهِ -سُبْحَانَهُ- وتعالى، أمَّا إذا أُضيفَ فيطلقُ على غيرِه، كما يقالُ ربُّ الدَّارِ، وربُّ الدَّابَّةِ ونحوُ ذلك.
قَولُهُ: (الفَواَحِشَ): هي جمعُ فاحشةٍ، وهو ما استعظم من الذَّنوبِ والمعاصي كالزِّنا واللواطِ وقتلِ النَّفسِ ونحوِ ذلك، سمَّاه اللهُ فاحشةً لتَنَاهي قبحِه.
قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ في كتابِه ((المدارجِ)): فيه دليلٌ على أنَّ الأفعالَ الَّتي تُوصفُ بأنَّها حسنةٌ وقبيحةٌ، كما أنَّها نافعةٌ وضارَّةٌ ولكن لا يترتَّبُ عليها ثوابٌ ولا عقابٌ إلا بالأمرِ والنَّهيِ، قال تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) وقال: (ذلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ) وعلى أحدِ القولينِ هو أنَّ المعنى لم يهلكْهم بظلمٍ قبل إرسالِ الرُّسلِ، فتكونُ الآيةُ دالَّةً على الأصلينِ، أنَّ أفعالَهم وشركَهُم قبيحٌ قبلَ البعثةِ، وأنَّه لا يُعاقِبُهُم إلا بعدَ الإرسالِ.
قَولُهُ: (مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ): أي ما أُعلنَ منها وما أُسرَّ.
قَولُهُ: (وَالإِثْمَ): أي الذَّنبَ تعميمٌ بعد تخصيصٍ، وقيل المرادُ بالإثمِ: الخمرُ
كما قال الشَّاعرُ:

شربتُ الإثمَ حتَّى ضَلَّ عقلي كذاك الإثمُ تذهبُ بالعُقولِ

قَولُهُ: (وَالبَغْيَ): هو التَّعدِّي على النَّاسِ.
قال ابنُ القيِّمِ في ((المدارجِ)): وأمَّا الإثمُ والعدوانُ فهما قرينانِ، قال تعالى: (وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فكلٌّ منهما إذا انفردَ تضمَّنَ الآخرَ، فكلُّ إثمٍ عدوانٌ، إذ فعلُ ما نهى اللهُ عنه وتركُ ما أمَر اللهُ به فهو عدوانٌ على أمرهِ ونهْيهِ، وكلُّ عدوانٍ إثمٌ، فإنَّه يَأْثَمُ به صاحبُه، ولكن عند اقترانِهما فهما شيئانِ بِحسبِ متعلَّقِهما ووصفِهما، فالإثمُ: ما كان مُحَرَّمَ الجنسِ، كالكذبِ والزِّنا وشربِ الخمرِ، والعدوانُ: ما كان مُحَرَّمَ القدرِ والزَّيادةِ، فالعدوانُ تعدِّي ما أبيحَ منه إلى القدرِ المحرَّمِ، كالاعتداءِ في أخذِ الحقِّ ممَّن هو عليه، إمَّا أنْ يتعدَّى على مالِه أو بدنِه أو عِرضِه وهذا نوعانِ: عدوانٌ في حقِّ اللهِ، وعدوانٌ في حقِّ العبدِ.
فالعدوانُ في حقِّ اللهِ كما إذا تعدَّى ما أُبيحَ له من الوطءِ الحلالِ في الأزواجِ والمملوكاتِ إلى ما حُرِّمَ عليه من سِواهما، والإثمُ والعدوانُ هما الإثمُ والبغيُ المذكورانِ في سورةِ الأعرافِ، مع أنَّ الغالبَ استعمالُه في حقوقِ العبادِ والاستطالةِ عليهم، وعلى هذا فإذا اقترنَ بالعدوانِ كان البغيُ ظُلمَهم بمحرَّمِ الجنسِ، كالسَّرقةِ والكذبِ والبهتِ، والعدوانِ تعدِّي الحقِّ في استيفائِه إلى أكبرَ منه، فيكونُ البغيُ والعدوانُ في حقِّهم كالإثمِ والعدوانِ في حدودِ اللهِ. انتهى. بتصرُّفٍ.
قَولُهُ: (وَأَنْ تُشْرِكُوا باللهِ): أي تُصرِفوا شيئًا من حقِّ اللهِ -سُبْحَانَهُ- إلى غيرِه من الأوثانِ والأندادِ، والشِّركُ باللهِ هو أعظمُ الذُّنوبِ على الإطلاقِ وأجهلُ الجهلِ وأظلمُ الظُّلمِ، كما في الصَّحيحِ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قال: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟)) قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: ((الإِشْرَاكُ وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ))، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ: ((أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ أَلاَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ)) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ، وفي الصَّحيحِ من حديثِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: أَيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللهِ أَعْظَمُ؟ فَقَالَ: ((أَنْ تَجْعَلَ للهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ)) قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ((أَنْ تَقْتلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يطْعَمَ مَعَكَ)) قالَ: قلتُ: ثُمَّ أَيُّ؟ قَالَ: ((أَنْ تُزَانِيَ بِحَلِيلَةِ جَارِكَ)).
والشِّركُ ينقسمُ إلى قِسمينِ: أكبرَ وأصغرَ، فحدُّ الشِّركِ الأكبرِ "هو تسويةُ غيرِ اللهِ باللهِ فيما هو خاصٌّ باللهِ".
قال ابنُ القيِّمِ رحمه اللهُ: هو التَّشبَّهُ باللهِ أو تشبيهُ غيرِه به، والتَّعريفانِ مُتقاربانِ. وأمَّا الشِّركُ الأصغرُ فحدُّه ما وردَ في النُّصوصِ تسميتُه شركًا، ولم يصلْ إلى حدِّ الشِّركِ الأكبرِ.
وينقسمُ الشَّركُ الأكبرُ إلى قسمين: شركٍ يتعلَّقُ بذاتِ المعبودِ وأسمائِه وصفاتِه، وقسمٍ يتعلَّقُ بمعاملتِه.
فالنَّوعُ الأوَّلُ ينقسم إلى قسمين: شِركِ تعطيلٍ وشركِ تمثيلٍ.
فشركُ التَّعطيلِ ينقسمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: تعطيلِ المخلوقِ من خالقِه، وتعطيلِ الصَّانعِ من كمالِه المقدَّسِ بتعطيلِ أسمائِه وصفاتِه، وتعطيلِ حقِّ معاملتِه، وقد تقدَّمتِ الإشارةُ إلى ذلك.
القسمِ الثَّاني: شركُ التَّمثيلِ وينقسمُ إلى قسمين: تَشبيهِ المخلوقِ بالخالقِ، كشِركِ النَّصارى وعَبَدَةِ الأوثان، شبَّهوا أوثانَهم باللهِ وعبدُوها معه، القسمِ الثَّاني: تشبيهُ الخالقِ بالمخلوقِ، كأنْ تقولَ: يدُ اللهِ كأيدينا. وعينُ اللهِ كأعينِنَا ونحوُ ذلك، وقد تقدَّمَتِ الإشارةُ إلى ذلك.
النَّوعُ الثَّاني: شركٌ يتعلَّقُ بمعاملتِه -سُبْحَانَهُ- وهذا ينقسمُ إلى أقسامٍ:
الأوَّلِ: شركُ الدَّعوى، كقَولِهِ تعالى: (فَإِذَا رَكِبُواْ فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ).
الثَّاني: شركُ المحبَّةِ كقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبُّ اللَّهِ ) الآيةَ.
الثَّالثِ: شركُ الطَّاعةِ، كقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ) الآيةَ.
الرَّابعِ: شركُ الإرادةِ والقصدِ، كقَولِهِ سُبْحَانَهُ: (مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ * أُولَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ).
ويفترقُ الشِّركُ الأكبرُ عن الشِّركِ الأصغرِ في أمورٍ، منها أنَّ الشِّركَ الأكبرَ لا يُغْفَرُ لصاحبِه، لقَولِهِ تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ ). أمـَّا الشـِّركُ الأصغرُ فهو تحتَ مشيئةِ اللهِ سُبْحَانَهُ، ومنها أنَّ الشـِّركَ الأكبرَ محبطٌ لجميعِ الأعمالِ، لقَولِهِ تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) وقَولِهِ: (وَلَقَدْ أُوْحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ) الآيةَ. وأمـَّا الشـِّرْكُ الأصغرُ فلا يُحبِطُ إلا العملَ الَّذي قارَنَه.
ومنها أنَّ الشِّركَ الأكبرَ مُخرجٌ من الملَّةِ الإسلاميَّةِ، والأصغرَ لا يُخرجُ من الملَّةِ الإسلاميَّةِ.
ومنها أنَّ المشركَ شركًا أكبرَ خالدٌ مخلَّدٌ في النَّارِ، أمَّا المشركُ شركًا أصغرَ فهو كغيرِه من الذُّنوبِ.
قَولُهُ: (مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطانًا): أي برهانٌ وحجَّةٌ، بل أنزلَ البرهانَ والحجَّةَ في تحريمِه، وأنَّه أعظمُ الذُّنوبِ على الإطلاقِ، والسُّلطانُ والبرهانُ والحُجَّةُ والدَّليلُ ألفاظٌ مترادفةٌ، وسلطانٌ يأتي بمعنى الحجَّةِ، كما في هذه الآيةِ، ويأتي بمعنى المَلِكِ كقَولِهِ: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) ويأتي بمعنى التَّسلُّطِ والسَّيطرةِ كقَولِهِ: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنواْ) الآيةَ.
قَولُهُ: (وأَنْ تَقُولوا عَلَى اللهِ مَا لا تَعْلَمونَ): أي وأن تقولوا على اللهِ من الافتراءِ والكذبِ ما لا عِلْمَ لَكُمْ به، فختمَ هذه المحرَّماتِ بالقولِ على اللهِ بلا علمٍ؛ لأنَّه أصلُها وأعظمُها، وأصلُ كلِّ بدعةٍ وحدثٍ في الدِّينِ، ففيه تحريمُ القولِ على اللهِ بلا علمٍ، في أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه وشرعِه وقدرِه ووصفِه بضدِّ ما وصَفَ به نفسَهُ. اهـ.
وفي هذه الآيةِ رَتَّبَ المحرَّماتِ أربعَ مراتبَ وبدأ بأسْهلِها، وهي الفواحشُ، ثمَّ ثنَّى بما هو أشدُّ تحريمًا، وهو الإثمُ والظُّلمُ، ثمَّ ثلَّثَ بما هو أعظمُ تحريمًا منهما، وهو الشِّركُ باللهِ، ثمَّ ربَّعَ بما هو أعظمُ تحريمًا من ذلك كلِّه وهو القولُ على اللهِ بلا علمٍ، في أسمائِه وصفاتِه وأفعالِه وفي دينِه وشرعِه. انتهى. مِن كلامِ ابنِ القيِّم رحمه اللهُ).