الدروس
course cover
الإيمان بصفة السمع والبصر لله جل وعلا
11 Nov 2008
11 Nov 2008

4517

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم الثالث

الإيمان بصفة السمع والبصر لله جل وعلا
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

4517

0

0


0

0

0

0

0

الإيمان بصفة السمع والبصر لله جل وعلا

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وَقَوْلُهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[سُورَةُ الشُّورَى : 11] ، {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[سُورَةُ النِّسَاءِ : 58]).

هيئة الإشراف

#2

7 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ }، وقَوْلُهُ: { إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيْعًا بَصِيْرًا }(1)).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ((1) قولُهُ: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ … } إلخ. دلَّ إثباتُ صفتَيِ السَّمعِ والبصرِ لهُ سبحانَهُ بعدَ نفيِ المِثْلِ عنهُ، على أَنَّهُ ليسَ المرادُ مِن نفيِ المِثلِ نفيَ الصِّفاتِ؛ كمَا يدَّعِي ذلكَ المعطِّلةُ، ويحتجُّون بهِ باطلاً، بلِ المرادُ إثباتُ الصِّفاتِ مَعَ نفيِ مُمَاثِلَتِهَا لصفاتِ المخلوقينَ.
قالَ العلاَّمةُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللُهُ:
((قولُهُ: { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ } إنَّمَا قصدَ بهِ نفيَ أنْ يكونَ معهُ شَريكٌ أو معبودٌ يستحقُّ العبادةَ والتَّعظيمَ؛ كمَا يفعلُهُ المُشَبِّهُون والمشرِكون، ولمْ يقصدْ بهِ نفيَ صفاتِ كمَالِهِ، وعُلُوِّهِ على خلقِهِ، وتَكَلُّمِهِ بكتُبِه، وتَكْلِيمِهِ لرسلهِ، ورؤيةِ المؤمنينَ لهُ جهرةً بأبصارِهمْ كمَا تُرى الشَّمسُ والقَمرُ في الصَّحوِ …)) ا هـ.
ومعنى { السَّمِيع }: المدرِكُ لجميعِ الأصواتِ مهمَا خفتتْ، فهوَ يسمعُ السِّرَّ والنَّجوى بِسَمْعٍ هوَ صفةٌ، لا يماثلُ أسماعَ خلقِهِ.
ومعنى { البصير }: المدرِكُ لجميعِ المَرْئِيِّاتِ مِن الأشخاصِ والألوانِ مهمَا لطُفتْ أو بعُدتْ، فلا تُؤثِّرُ على رؤيتِهِ الحواجزُ والأستارُ، وهوَ مِن فَعِيلٍ بمعنى مُفْعلٍ، وهوَ دالٌّ على ثبوتِ صفةِ البصرِ لهُ سبحانَهُ على الوجهِ الذي يليقُ بهِ.
رَوَى أبو دَاودَ في (سُنَنِه)ِ عن أبي هُرَيرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ قرأ هذهِ الآية: ] إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [، فَوَضَعَ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ.
ومعنى الحديثِ أنَّهُ سبحانَهُ يسمعُ بسمعٍ، ويَرَى بعينٍ، فهوَ حُجَّةٌ على بعضِ الأَشَاعرةِ الَّذينَ يجعلون سَمْعَهُ علمَهُ بالمسموعاتِ، وبصرَهُ علمَهُ بالمُبصراتِ، وهوَ تفسيرٌ خاطئٌ، فإنَّ الأَعْمَى يعلمُ بوجودِ السَّماءِ ولا يَرَاهَا، والأصمَّ يعلمُ بوجودِ الأصواتِ ولا يسمعُهَا).

هيئة الإشراف

#3

7 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (إثباتُ السَّمعِ والبصرِ للهِ سبحانَه
وقَوْلُهُ تَعَالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وَقَوْلُهُ: (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً).(1)
).

الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1)(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) أوّلُ الآيةِ قولُه تعالى: (فَاطِرُ السَّماواتِ وَالأرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً ومِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجاً) قال الإمامُ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِه: أي ليس كَخالقِ الأزواجِ كُلِّها شيءٌ؛ لأنَّه الفردُ الصَّمَدُ الذي لا نظيرَ له.اهـ (وَهُوَ السَّمِيعُ) الذي يَسْمعُ جميعَ الأصواتِ (الْبَصِيرُ) الَّذي يَرَى كُلَّ شيءٍ، ولا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ.
قال الإمامُ الشَّوكانيُّ في تفسيرِه: وَمَن فَهِم هذه الآيةَ الكريمةَ حَقَّ فَهْمِهَا وتدبَّرَها حَقَّ تدبُّرِهَا، مشى بها عند اختلافِ المختلفين في الصِّفاتِ عَلى جَادَّةٍ بيضاءَ واضحةٍ، ويزدادُ بصيرةً إذا تأمَّل معنَى قولِه: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) فإنَّ هذا الإثباتَ بعد ذلك النَّفيِ للمُمَاثِلِ، قد اشتمل عَلى بَرْدِ اليقينِ وشِفاءِ الصُّدورِ وانثِلاَجِ القُلوبِ، فاقْدُرْ يا طالبَ الحقِّ قَدْرَ هذه الحجَّةِ النَّيِّرةِ والبُرهانِ القويِّ، فإنك تُحطِّمُ بها كثيرًا مِن البدعِ، وتُهشِّمُ بها رؤوساً مِن الضَّلالةِ، وتُرْغِمُ بها أُنوفَ طوائفَ مِن المتكلِّمين، ولا سِيَّما إذا ضممتَ إليه قولَه تعالى: (وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).
وقولُه (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا) قبلَه قولُه: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهاَ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) (نِعْمَ) مِن ألفاظِ المَدْح و(مَا) قيل: نَكِرَةٌ موصوفةٌ، كأنَّه قيل: نِعْمَ شَيئاً يَعِظُكُمْ بِهِ ـ وقيل: إنَّ ما موصولةٌ ـ أي نعمَ الشيْءُ الذي يعظُكُم به، وقولُه: (يَعِظُكُمْ) أي يأمرُكُم به مِن أداءِ الأماناتِ والحكمِ بين النَّاس بالعدلِ، وقولُه: (إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) أي أنَّه سبحانَه سميعٌ لما تقولون، بصيرٌ بما تفعلون.
الشَّاهدُ مِن الآيتيْن الكريمتيْن: أنَّ فيهما إثباتَ السَّمعِ والبصرِ للهِ، وفي الآيةِ الأولى نفيُ مماثلةِ المخلوقاتِ، ففي ذلك الجمعُ فيما وَصَفَ وَسَمَّى به نفسَه بين النَّفيِ والإثباتِ).

هيئة الإشراف

#4

7 Dec 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( ((قَوْلُهُ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]
وَقَوْلُهُ: (إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعَا بَصِيراً) [النساء: 58]))(1) )
.


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) قولُهُ - تَعَالَى -: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11]: هذِهِ الآيةُ ساقَهَا المؤلِّفُ لإثباتِ اسمَيْنِ مِنْ أسماءِ اللَّهِ ومَا تضمنَّاهُ مِن صفةٍ، وهمَا السَّميعُ والبصيرُ، ففِيها ردٌّ عَلَى المعطِّلةِ.
قَوْلُهُ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ): هَذَا نفيٌ، فَهُوَ مِنَ الصِّفاتِ السَّلبيَّةِ، والمقصودُ بِهِ إثباتُ كمالِهِ، يعني: لكمالِهِ لاَ يماثِلُهُ شيءٌ مِنْ مخلوقاتِهِ، وفِي هذِهِ الجملةِ ردٌ عَلَى أهلِ التَّمثيلِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): (السَّمِيعُ) لَهُ معنيانِ: أحدُهما: بمعنى المجيبِ. والثَّاني: بمعنى السَّامعِ للصَّوتِ.
أمَّا السَّميعُ بمعنى المجيبِ، فمثَّلُوا لَهُ بقولِهِ - تَعَالَى - عَنْ إبراهِيَمَ: (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) [إبراهِيَم: 39]، أيْ: لمجيبُ الدُّعاءِ.
وأمَّا السَّميعُ بمعنى إدراكِ الصَّوتِ، فإنَّهُم قسَّمُوه إِلَى عدَّةِ أقسامٍ:
الأوَّلِ: سمعٌ يُرادُ بِهِ بيانُ عمومِ إدراكِ سمعِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، وأَنَّهُ مَا مِنْ صوتٍ إِلاَّ ويسمَعُهُ اللَّهُ.
الثَّاني: سمعٌ يُرادُ بِهِ النَّصرُ والتَّأييدُ.
والثَّالثُ: سمعٌ يُرادُ بِهِ الوعيدُ والتَّهديدُ.
مثالُ الأوَّلِ: قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) [المجادلة: 1]، فَهَذا فِيهِ بيانُ إحاطةِ سَمْعِ اللَّهِ - تَعَالَى - بكُلِّ مسموعٍ، ولِهَذَا قالتْ عائشةُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُا: الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِعَ سمعُهُ الأصواتَ، واللَّهِ إنِّي لَفِي الحُجرةِ، وإنَّ حَديثَها ليَخْفَى عليَّ بعضُهُ)).
ومثالُ الثَّاني: كَمَا فِي قولِهِ - تَعَالَى - لموسَى وهارونَ: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه: 46].
ومثالُ الثَّالثِ الَّذِي يُرادُ بِهِ التَّهديدُ والوعيدُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى -: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) [الزخرف: 80]، فإنَّ هَذَا يُرادُ بِهِ تهديدُهُم ووعيدُهم، حَيْثُ كانوا يُسِرُّونَ مَا لاَ يرضَى مِنَ القولِ.
والسَّمعُ بمعنى إدراكِ المسموعِ مِنَ الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ، وإنْ كَانَ المسموعُ قَدْ يكونُ حادِثاً.
والسَّمعُ بمعنى النَّصرِ والتَّأييدِ مِنَ الصِّفاتِ الفِعليَّةِ؛ لأنَّهُ مَقرونٌ بسببٍ.
والسَّمْعُ بمعنى الإجابةِ مِنَ الصِّفاتِ الفِعليَّةِ أيضاً.
وقُوْلُهُ: (الْبَصِيرُ)، يعني: المُدْرِكَ لجميعِ المُبْصَرَاتِ، ويُطْلَقُ البَصيرُ بمعنى العليمِ، فاللَّهُ - سُبْحَانَهُ وتَعالى - بصيرٌ، يَرَى كُلَّ شيءٍ وإنْ خَفِيَ، وَهُوَ – سُبْحَانَهُ - بصيرٌ بمعنى: عليمٍ بأفعالِ عبادِهِ، قَالَ - تَعَالَى -: (وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحجرات: 18]، والَّذِي نعملُ بعضُه مرئيٌّ وبعضُهُ غيرُ مرئيٍّ، فبصرُ اللَّهِ إذاً: يَنقسمُ إِلَى قِسمَيْنِ، وكلُّهُ داخِلٌ فِي قولِهِ: (الْبَصِيرُ).
فِي هذِهِ الآيةِ: إثباتُ اسمَيْنِ مِنْ أسماءِ اللَّهِ، هُما: السَّميعُ، والبصيرُ، وثَلاثِ صفاتٍ، هِيَ: كمالُ صفاتِهِ مِنْ نَفْيِ المماثلةِ، والسَّمعِ، والبَصرِ.
وفِيها مِنَ الفوائدِ المسلكيَّةِ الكفُّ عَنْ محاولةِ تَمثيلِ اللَّهِ بخلقِهِ، واستشعارُ عظمتِهِ وكمالِهِ، والحَذرُ مِنْ أنْ يَراكَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، أوْ يَسمعَ مِنْكَ مَا لاَ يَرْضاهُ.
واعلمْ أنَّ النُّحاةَ خاضُوا خوضاً كثيراً فِي قولِهِ (كَمِثْلِهِ)، حَيْثُ قالُوا: الكافُ داخلةٌ عَلَى (المِثلِ)، وظاهرُه أنَّ لِلَّهِ مِثلاً ليسَ لَهُ مِثلٌ؛ لأنَّهُ لَمْ يَقُلْ: ليسَ كهُوَ، بلْ قالَ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ)، فهَذَا ظاهرُ الآيةِ مِنْ حَيْثُ اللَّفظِ لاَ مِنْ حَيْثُ المعنَى، لأنَّنا لوْ قلْنَا: هَذَا ظاهرُها مِنْ حَيْثُ المعنَى، لكَانَ ظاهرُ القرآنِ كُفراً، وَهَذَا مستحيلٌ، وَلِهَذَا اختَلَفَتْ عباراتُ النَّحويِّينَ فِي تخريجِ هذِهِ الآيةِ عَلَى أقوالٍ:
القولُ الأوَّلُ: الكافُ زائدةٌ، وأنَّ تقديرَ الكلامِ: ليسَ مِثلَهُ شيءٌ، وَهَذَا القولُ مُريحٌ، وزيادةُ الحروفِ فِي النَّفيِ كثيرةٌ، كَمَا فِي قولِهِ - تَعَالَى -: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى) [فاطر: 11]، فيقولُونَ: إنَّ زيادةَ الحُروفِ فِي اللُّغةِ العربيَّةِ للتَّوكيدِ أمْرٌ مطَّرِدٌ.
والقولُ الثَّاني: قالوا العكسُ، قالُوا: إنَّ الزائدَ (مِثلِ)، ويكونُ التَّقديرُ: ليسَ كَهُوَ شيءٌ، لكنَّ هَذَا ضعيفٌ، يضعِّفُهُ: أنَّ الزِّيادةَ فِي الأسماءِ فِي اللُّغةِ العربيَّةِ قليلةٌ جدًّا أوْ نادرةٌ، بخلافِ الحروفِ، فَإِذَا كُنَّا لاَ بدَّ أنْ نقولَ بالزِّيادةِ، فليكُن الزَّائدُ الحرفَ، وهِيَ الكافُ.
والقولُ الثَّالثُ: أنَّ (مِثلَ) بمعنى: صفةٍ، والمعنى: (ليسَ كصِفَتِهِ شيءٌ))، وقالوا: إنَّ المِثْلَ والمَثَلَ والشِّبْهَ والشَّبَهَ فِي اللُّغةِ العربيَّةِ بمعنًى واحدٍ، وقَدْ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ) [محمد: 15]، أيْ: صفةُ الجنَّةِ، وَهَذَا ليسَ ببعيدٍ مِنَ الصَّوابِ.
القولُ الرَّابعُ: أنَّهُ ليسَ فِي الآيةِ زيادةٌ، لكنْ إِذَا قلتَ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، لَزِمَ مِنْ ذلِكَ نَفْيُ المِثلِ، وإِذَا كَانَ ليسَ للمِثْلِ مِثلٌ، صارَ المَوجودُ واحداً، وعَلَى هَذَا، فلاَ حاجةَ إِلَى أنْ نقدِّرَ شيئاً، قالُوا: وَهَذَا قَدْ وجدَ فِي اللُّغةِ العربيَّةِ، مِثلُ قولِهِ: ليسَ كمِثلِ الفَتَى زهِيَرٍ.
والحقيقةُ أنَّ هذِهِ البحوثَ لَوْ لَمْ تُعرَضْ لكُمْ لكَانَ معنَى الآيةِ واضحاً، ومعنَاها أنَّ اللَّهَ ليسَ لَهُ مثيلٌ، لكنَّ هَذَا وجِدَ فِي الكتبِ، والرَّاجِحُ: أنْ نقولَ، إنَّ الكافَ زائدةٌ، لكنَّ المَعْنَى الأخيرَ لِمَنْ تمكَّنَ مِنْ تصوُّرِهِ أَجْوَدُ.
وقَوْلُهُ: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعَا بَصِيراً) [النساء: 58].
هذِهِ الآيةُ تَكمِلةٌ لقولِهِ - تَعَالَى -: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ) [النساء: 57]، فأمرَ - عزَّ وجلَّ - بأنْ نؤدِّيَ الأماناتِ إِلَى أهلِها، ومِنْها الشَّهادةُ للإنسانِ لَهُ أوْ عَلَيْهِ، وأنْ نَحكُمَ - إِذَا حَكمْنا بَيْنَ النَّاسِ - بالعَدلِ، فبيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَ- تَعَالَى - أنَّهُ يأمرُنا بالقيامِ بالواجبِ فِي طريقِ الحُكمِ وفِي الحُكمِ نَفْسِهِ، وطريقُ الحُكمِ الَّذِي هُوَ الشَّهادةُ تَدخلُ فِي عمومِ قولِهِ: (أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، والحُكمُ: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ)، ثُمَّ قَالَ – سُبْحَانَهُ -: (إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ)، أصلُها: نِعْمَ مَا، ولكنْ أُدغِمت الميمُ بالميمِ مِنْ بابِ الإدغامِ الكبيرِ؛ لأنَّ الإدغامَ لاَ يكونُ بينَ جنسَيْنِ إِلاَّ إِذَا كَانَ الأوَّلُ ساكناً، وهُنَا صارَ الإدغامُ مَعَ أنَّ الأوَّلَ مفتوحٌ.
وقَوْلُهُ: (نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ): جَعَلَ اللَّهُ – سُبْحَانَهُ - الأمرَ بهذَيْنِ الشَّيئَيْنِ –أداءِ الأمانةِ والحكمِ بالعدلِ- موعظةً؛ لأنَّهُ تصلحُ بِهِ القلوبُ، وكُلُّ مَا يُصلِحُ القلوبَ فَهُوَ موعظةٌ، والقيامُ بهذِهِ الأوامرِ لاَ شكَّ أنَّهُ يُصلِحُ القلبَ.
ثُمَّ قالَ: (إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعَا بَصِيراً)، وَقوْلُهُ: (كَانَ): هذِهِ فعلٌ، لكنَّها مسلوبةُ الزَّمنِ، فالمُرادُ بِهَا الدَّلالةُ عَلَى الوصفِ فَقَطْ، أيْ: أنَّ اللَّهَ متَّصفٌ بالسَّمعِ والبصرِ، وإنَّمَا قلْنا: إنَّها مسلوبةُ الزَّمنِ، لأنَّنا لو أبقيْنَاها عَلَى دلالتِها الزَّمانيةِ، لكَانَ هَذَا الوصفُ قدْ انتهى، كَانَ فِي الأوَّلِ سَميعاً بصيراً، أمَّا الآنَ فليسَ كذلِكَ! ومعلومٌ أنَّ هَذَا المَعْنَى فاسدٌ باطلٌ، وإنمَّا المرادُ أنَّهُ متَّصفٌ بهذَيْنِ الوصفَيْنِ السَّمعِ والبصرِ عَلَى الدوامِ، و(كان) فِي مثلِ هَذَا السِّياقِ يُرادُ بها التَّحقيقُ.
قَوْلُهُ: (سَمِيعَا بَصِيراً): نقولُ فِيها كَمَا قُلْنا فِي الآيةِ الَّتِي قَبْلَها: فِيهِا إثباتُ السَّمْعِ لِلَّهِ بقسميهِ، وإثباتُ البَصرِ بقسمَيْهِ.
قرأَ أبو هريرةَ هذِهِ الآيةَ، وقالَ: إنَّ الرَّسولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وضعَ إبهامَهُ وسبَّابَتَهُ عَلَى عَيْنِهِ وأُذُنِهِ. والمرادُ بهَذَا الوضعِ تحقيقُ السَّمعِ والبصرِ، لاَ إثباتُ العَيْنِ والأُذُنِ، فإنَّ ثُبوتَ العَيْنِ جاءتْ فِي أدلَّةٍ أخرَى، والأُذُنُ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ لاَ تُثبَتُ لِلَّهِ ولاَ تُنْفَى عَنْهُ لعدمِ وُرودِ السَّمعِ بذلِكَ.
فإنْ قلْتَ: هلْ لي أنْ أفعلَ كَمَا فعلَ الرَّسولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟
فالجوابُ: مِنَ العلماءِ مَنْ قالَ: نَعَمْ، افْعِلْ كَمَا فَعَلَ الرَّسولُ، لستَ أَهْدَى للخَلْقِ مِنْ رسولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ولستَ أشدَّ تَحرُّزاً مِنْ أنْ يُضافَ إِلَى اللَّهِ مَا لاَ يليقُ بِهِ مِنَ الرَّسولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
ومِنْهُم مَنْ قالَ: لاَ حاجةَ إِلَى أنْ تَفعلَ مَا دُمْنا نَعلمُ أنَّ المقصودَ هُوَ التَّحقيقُ، فهذِهِ الإشارةُ إذاً غيرُ مقصودةٍ بنَفْسِها، إنَّمَا هِيَ مقصودةٌ لغيرِها، وحينئذٍ لاَ حاجةَ إِلَى أنْ تُشِيرَ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ يُخْشَى مَنْ هذِهِ الإشارةِ توَهُّمُ الإنسانِ التَّمثيلَ، كَمَا لو كَانَ أمامَكَ عامَّةٌ منَ الخَلقِ لاَ يَفهمونَ الشَّيءَ عَلَى مَا ينبغِي، فهَذَا ينبغِي التَّحرُّزُ مِنْهُ، ولكُلِّ مقامٍ مقالٌ.
وكذلِكَ مَا وردَ فِي حديثِ ابن عُمَرَ كَيْفَ يحكِي رسولُ اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قالَ: ((يَأْخُذُ اللَّهُ - عزَّ وجلَّ - سَمَاوَاتِهِ وَأَرَضِيهِ بيدَيْهِ، فيقولُ: أَنَا اللَّهُ))، ويَقْبِضُ أصابعَهُ ويَبسُطُها، فيقالُ فِيهِ مَا قِيلَ: فِي حديثِ أبي هريرةَ.
والفائدةُ المسلكيَّةُ مِنَ الإيمانِ بصفتَيِ السَّمعِ والبَصرِ: أنْ نَحْذَرَ مُخالَفةَ اللَّهِ فِي أقوالِنَا وأفعالِنَا.
وفِي الآيةِ مِنْ أسماءِ اللَّهِ إثباتُ اسمَيْنِ هما: السَّميعُ، والبصيرُ. ومِنَ الصِّفاتِ: إثباتَ السَّمعِ، والبصرِ، والأمرِ، والموعظةِ).

هيئة الإشراف

#5

7 Dec 2008

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله

المتن:

قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}، وقَوْلُهُ: {إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} ).


الشرح:

قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الذَّاتيَّةِ : السَّمْعُ والبصَرُ ، والسَّميعُ البَصيرُ اسمانِ مِن أسمائِه تَعَالَى ، وهو تَعَالَى له سمعٌ يَسمَعُ به، وبصَرٌ يُبْصرُ به حقيقةً ، على ما يَلِيقُ بجَلالِه .
وقولُه سُبْحَانَهُ :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } أحسَنُ ما قِيلَ في الكافِ هنا : أنها صِلَةٌ . فيكونُ " مِثْلَهُ " خَبَرَ "لَيْسَ شيءٌ" وهذا وجهٌ قويٌّ حسَنٌ تَعرِفُ العربُ معناه في لُغَتِها ، ولا يَخفَى عنها إذا خُوطِبَتْ به . وقِيلَ : إنه مِن بابِ قولِهم : مِثْلُكَ لا يَفعلُ كذا . أيْ أنتَ لا تَفعلُه ، وأتى بمِثْلٍ للمبالَغةِ . أيْ لَيْسَ كمِثْلِه مِثْلٌ . لو فُرِضَ المِثْلُ فَكَيْفَ : ولا مِثْلَ له ؟ والأَولُ أَوْلى فقوله :{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إنما سَبَقَ لإثباتِ الصِّفَاتِ وعظَمَتِها ، لا لنَفْيِها. كما قَالَ عثمانُ بنُ سعيدٍ الدَّارِميُّ في قولِه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} قَالَ معناه : هو أحسَنُ الأشياءِ وأجمَلُها. وقالتِ الجَهْمِيَّةُ معناه: لَيْسَ هناك شيءٌ . وقَالَ ابنُ القيِّمِ قولُه : {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} إنما قُصِدَ به نفْيُ أنْ يكونَ معه شريكٌ أو معبودٌ يستحِقُ العِبادةَ والتَّعظيمَ ، كما يَفعلُه المشبِّهونَ والمُشْرِكونَ ، ولم يُقْصَدْ به نفيُ صِفَاتِ كمالهِ وعُلُوِّه على خَلْقِه ، وتكلُّمِه بكُتُبِه ، وتكلِيمِه لرسُلِه ، ورؤيةِ المؤمنين له جهرةً بأبْصارِهم كما ترى الشَّمْسَ والقمرَ في الصَّحْوِ اهـ .
وعن أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ هذه الآيةَ :{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } فوَضَعَ إبهامَه على أُذُنِه ، والَّتِي تَلِيها على عَيْنِه ، رواه أبو داودَ ، وإنَّما وضَعَ إبْهامَهُ على أُذُنِه وعَيْنِه رَفْعاً لِتَوَهُّمِ مُتَوَهِّمٍ أنَّ السمْعَ والبَصَرَ غيرُ العَيْنَيْنِ المَعلومَتَيْنِ . وأمثالُ ذلك كثيرةٌ في الكِتابِ والسُّنَّةِ .
وقد عابَ اللَّهُ المُشْرِكينَ في عِبادتِهم ما لا يَسْمَـعُ ولا يُبْصِـرُ ، فَقَالَ :{ أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا } وأَنْكَرَ الخليلُ عليه السَّلامُ على أبيه وقَوْمِه عِبادةَ أصنامٍ لا تَسْمعُ ولا تُبْصِرُ فَقَالَ :{ يأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يَبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً } فقد ثَبَتَ وصْفُ اللَّهِ بالسَّمْعِ والبَصَرِ ، وهما صِفَتا كَمالٍ ، وعَدَمُهما نقصٌ يَِتَنَزَّهُ اللَّهُ عنه . وله المَثَلُ الأعلى في السَّمَاواتِ والأرْضِ . وفي ذلك إبطالٌ لقوْلِ الجَهْمِيَّةِ والمعتزلةِ ونحوِهم مِن مُعَطِّلَةِ الصِّفَاتِ الَّذِين يَنْفُونَ عن اللَّهِ سمْعَه وبَصَرَهُ . وفي قوله :{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } رَدٌّ لقوْلِ المُشَبِّهَةِ ، فإنه تَعالَى لا يُماثِلُه شيءٌ مِن مَخْلُوقاتِه في ذاتِه ولا في صِفاتِه ولا في أفْعالِه ، وقولُه [وهو السميعُ البصيرُ ] ردٌّ لقوْلِ المُعَطِّلةِ
قوْلُه :{ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ } أيْ : نِعْمَ الشَّيْءُ الَّذِي يَعِظُكُمْ به ويأمُرُكُم به مِن أداءِ الأماناتِ والحُكْمِ بالعَدْلِ بين النَّاسِ ، وغيرِ ذلك مِن كُلِّ ما يأْمُرُكُم به ، ويُشَرِّعُه لكم .
وقَالَ البُخاريُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في صحيحِه ( بابُ ) وكان اللَّهُ سميعاً بَصيراً ، وروى فيه حديثَ عائشةَ قالتْ : الحمدُ لِلَّهِ الَّذِي وَسِـعَ سَمْعُه الأصواتَ ، فأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا } . وحدِيثُها أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ جبريلَ عليه السَّلامُ ناداني قَالَ : إنَّ اللَّهَ قد سَمِعَ قَوْلَ قوْمِكَ وما رَدُّوا عليكَ ، وأحاديثَ أُخَرَ .
قَالَ ابنُ بطَّالٍ : غَرَضُ البُخاريِّ في هذا البابِ الردُّ على مَنْ قَالَ : إنَّ معنَى سميعٍ بصيرٍ عليمٍ قَالَ : ويَلْزَمُ مَن قَالَ ذلك أنْ يُسَوِّيَهُ بالأعمَى الَّذِي يَعلَمُ أنَّ السَّمَاءَ خضراءَ ولا يَراها ، والأَصَمِّ الَّذِي يَعلَمُ أنَّ في النَّاسِ أصواتاً ولا يَسْمَعُها ، ولا شكَّ أنَّ مَنْ سَمِعَ وأبْصَرَ وأُدْخِلَ في صفةِ الكمالِ ممَّن انفردَ بأحدِهما دُون الآخَرِ . فصَحَّ أنَّ كَوْنَهُ سميعاً بصيراً يُفِيدُ قَدْراً زائداً على كَوْنِه عليماً . وكَوْنُه سميعاً بصيراً يتضمَّنُ أنه يسْمَعُ بسَمْعٍ ، ويُبْصِرُ ببَصَرٍ ، كما تضمَّنَ كوْنُه عليماً أنه يَعلَمُ بعِلمٍ . ولا فَرْقَ بين إثباتِ كوْنِه سميعاً بصيراً، وبين كَوْنِه ذا سَمْعٍ وبَصَرٍ . قَالَ : وهذا قولُ أهلِ السُّنَّةِ قاطِبةً . انتهى .
وقَالَ الْبَيْهَقِيُّ في الأسماءِ والصِّفَاتِ : السميعُ : مَن له سَمْـعٌ يُدْرِكُ به المسموعاتِ . والبَصـيرُ : مَن له بَصَـرٌ يُدْرِكُ به المَرْئياتِ . وكُلٌّ منهما في حَقِّ الباري صفةٌ قائمةٌ بِذاتِه ، وقد أفادَتِ الآيةُ وأحاديثُ البابِ الردَّ على مَن زَعَمَ أنه سميعٌ بصيرٌ بمعنى عليمٍ ، ثم ساقَ حديثَ أبي هُرَيْرَةَ الَّذِي أخْرَجَه أبو داودَ بسَنَدٍ قَويٍّ على شَرْطِ مُسْلمٍ مِن روايةِ أبي يونُسَ عن أبي هُرَيْرَةَ : رأيتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقْرَؤُها يعني قولَه تَعَالَى :{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } إلى قولِه :{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً } ويضَعُ أصبعَيْه . قَالَ أبو يونُسَ : وضَعَ أبو هُرَيْرَةَ إبْهامَه على أُذُنَيْهِ والَّتِي تَلِيها على عَيْنِه . قَالَ البَيْهقِيُّ : وأرادَ بهذه الإشارةِ تحقيقَ إثباتِ السَّمْعِ والبَصَرِ لِلَّهِ ببَيانِ محَلِّهِما مِن الإنسانِ ، يُريدُ أنَّ له سَمعـاً وبَصَـراً . لا أنَّ المـرادَ به العِلمَ ، فلو كان كذلك لأَشارَ إلى القلْبِ لأنه محَلُّ العِلمِ ، ثم ذَكَرَ شاهداً لِحديثِ أبي هُرَيْرَةَ مِن حديثِ عقبةَ بنِ عامرٍ ، سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ على المِنْبَرِ : " إِنَّ رَبَّنَا سَمِيعٌ بَصِيرٌ " وأَشارَ إلى عَيْنَيْهِ ، وسنَدُه حسَنٌ ، وفي صحيحِ مُسْلمٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رَفَعه : " إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ " وفي حديثِ أبي جُرَيٍّ الهُجَيْمِيِّ رَفَعه : " أنَّ رَجُلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لَبِسَ بُرْدَتَيْنِ يَتَبَخْتَرُ فِيهمَا ، فَنَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ فَمَقَتَهُ " الحديثَ . وحديثُ ابنِ عُمَرَ رَفَعه " لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ " وفي الكتابِ العزيزِ ( وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ ) وورَدَ في السمعِ قولُ المُصلِّي : سمِعَ اللَّهُ لِمَن حَمِدَه ، وسنَدُه صحيحٌ متَّفقٌ عليه بلْ مَقْطوعٌ بمَشروعيَّتِه في الصَّلاةِ).

هيئة الإشراف

#6

7 Dec 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (وقَوْلُهُ: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهُوَ السَّمِيْعُ البَصِيْرُ )، وقَوْلُهُ: ( إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيْعاً بَصِيْراً ).(1)).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((42) قولـُه: (ذُو القُوَّةِ): أي صاحبُ القوَّةِ التَّامَّةِ الَّذي لا يعتريهِ ضعفٌ، وهو بمعنى العزيزِ. انتهى. والقوَّةُ من صفاتِ الذَّاتِ، وهو بمعنى القدرةِ، لم يزلْ -سُبْحَانَهُ- ذا قوَّةٍ وقدرةٍ، والمعنى في وصفِه بالقوَّةِ أنَّه القادرُ البليغُ الاقتدارِ على كلِّ شيءٍ. انتهى. من ((الفتحِ)).
قولُه: (المَتْيِنُ): أي الَّذي له كمالُ القوَّةِ، قال البيهقيُّ: القويُّ: التَّامُّ القدرةِ لا يُنسَبُ إليه عَجزٌ في حالٍ من الأحوالِ. انتهى. فهذه الآيةُ فيها إثباتُ صفةِ الرَّزَّاقِ، وهي من الصِّفاتِ الفعليَّةِ، وفيها إثباتُ صفةِ القوَّةِ، وهي من الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ.
قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ): هذه الآيةُ قد تقدَّمَ الكلامُ عليها.
قوله: (نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ): نِعمَ من ألفاظِ المدحِ و ((ما)) قيلَ نكرةٌ موصوفةٌ، كأنَّه قيل: نعمَ شيئًا يعظُكم به، أو موصولةٌ، أي نعمَ الشَّيءُ الَّذي يعظُكُم به.
قولُه: (يَعِظُكُمْ): أي يأمُركُم به من أداءِ الأماناتِ، والحُكمِ بين النَّاسِ بالعدلِ.
قولُه: (إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا): أي إنَّه -سُبْحَانَهُ- سَميعٌ لِما تقولونَ، وبصيرٌ بما تفعلونَ، فهذه الآيةُ وما قبلَها من الآياتِ تدلُّ على إثباتِ السَّمعِ والبصرِ للهِ حقيقةً، كما يليقُ بجلالِ اللهِ وعظمتِه، وفيه دليلٌ على أنَّ صفةَ السَّمعِ غيرُ صفةِ البصرِ، إذ العطفُ يقتضي المغايرةَ، فالصِّفاتُ بالنَّظرِ إلى الذَّاتِ مترادفةٌ، لأنَّها كلَّها صفاتٌ لذاتٍ واحدةٍ، وبالنَّظرِ إلى الصِّفاتِ متباينةٌ لأنَّ كلَّ صفةٍ غيرُ الصِّفةِ الأخرى، فالسَّمعُ غيرُ البصرِ، وكذلك العلمُ وهَلُمَّ جَرَّا.
عن أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أَنَّه سَمِعَ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يَقْرَأُ هذه الآيةَ وَيَضَعُ إبهامَهُ على أُذُنِهِ والَّتي تَليها على عَيْنِهِ وَيَقُولُ: هَكَذَا سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يَقْرَؤُهَا وَيَضَعُ إصْبَعَيْهِ، رَوَاهُ أبو داودَ، وابنُ حبَّانَ في صحيحِه، والحاكمُ في مستدركِه. وعملُ النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- هذا دليلٌ على إثباتِ هاتينِ الصِّفتين، وأنَّهما غيرُ صفةِ العلمِ، وإلا لأشارَ إلى صدرِه، ووضعُه إبهامَيْه تحقيقًا لصفةِ السَّمعِ والبصرِ، وأنَّهما حقيقةٌ لا مجازٌ، خلافًا لأهلِ البدعِ).