الدروس
course cover
أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية المنصورة
11 Nov 2008
11 Nov 2008

6382

0

0

course cover
العقيدة الواسطية

القسم الأول

أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية المنصورة
11 Nov 2008
11 Nov 2008

11 Nov 2008

6382

0

0


0

0

0

0

0

أهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية المنصورة

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (أَمَّا بَعْدُ : فَهَذَا اعْتِقادُ الفِرْقةِ النَّاجِيَةِ الْمنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة).

هيئة الإشراف

#2

14 Nov 2008

هيئة الإشراف

#3

14 Nov 2008

التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة لابن سعدي رحمه الله


قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي (ت: 1376هـ): (ثم قال المصنِّفُ: (أمَّا بعدُ: فهذا اعتقادُ الفِرقةِ النّاجيةِ[1] المنصورةِ إلى قيامِ الساعةِ، أهلِ السُّنَّةِ والجماعَةِ، وهو الإيمانُ باللهِ وملائكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ، والبَعثِ بعد الموتِ، والإيمانُ بالقَدَرِ خيرِهِ وشرِّهِ).

يقول المصنِّف رحمه الله إن ما احتوت عليه هذه الرسالة هو العقيدة المُنْجية من الهلاك والشُّرور، المحصلة لخيريْ الدّنيا والآخرة، الموروثة عن محمّد صلى الله عليه وسلم، المأخوذة عن كتاب الله و سُنّة رسوله، وهي التي عليها الصحابة والتّابعون لهم بإحسان إلى يوم القيامة، الذين ضمن الله لهم على لسان رسوله النصر إلى قيام الساعة.
والنصر إنما حصل لهم ببركة هذه العقيدة والعمل بها وتحقيقها بالقيام بجميع أمور الدِّين.


تعليقات ابن باز على شرح السعدي على الواسطية

قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (ت: 1420هـ): (([1]) قوله: " الفرقة الناجية: أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات":
هو إثبات ما جاء في القرآن العظيم والسنة الصحيحة، من أسماء الله وصفاته، على الوجه اللائق بجلال الله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل عملا بقول الله تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]. فنفى عن نفسه المماثلة وأثبت السمع والبصر فدل ذلك على أن مراده سمعٌ وبصر لا يماثلان أسماع الخلق وأبصارهم" اهـ).

هيئة الإشراف

#4

14 Nov 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ مُحمَّد خَليل هَرَّاس رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ([ أَمَّا بَعْدُ؛ فهذا اعْتِقادُ ] الفِرقَةِ النَّاجِيَةِ المَنْصُورَةِ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ: أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ(1)).

الشرح:

قال الشيخ محمد خليل هراس (ت: 1395هـ): ((1) (أَمَّا بَعْدُ): كلمةٌ يُؤتَى بهَا للدَّلاَلَةِ على الشُّروعِ في المقصودِ، وكانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ يستعملُهَا كثيرًا في خُطَبِهِ وكُتُبِهِ، وتقدْيرُهَا عندَ النَّحويِّينَ: مَهمَا يكنْ مِن شيءٍ بعدُ.
والإشَارَةُ بقولِهِ: (هذا) إلى ما تضمَّنَهُ هذا المؤلَّفُ مِن العقائدِ الإيمانِيَّةِ التَّي أجملَهَا في قولِهِ: وهوَ الإِيمانُ باللهِ …
والاعتقادُ: مصدرُ اعتقدَ كذا؛ إذَا اتَّخذَهُ عقيدةً لهُ؛ بمعنى: عَقَدَ عليهِ الضَّميرَ والقلبَ، ودانَ للهِ بهِ، وأصلُهُ مِن (عَقْدِ الحَبْلِ)، ثمَّ استُعْمِلَ في التَّصميمِ والاعتقادِ الجازمِ.
(الفِرقةُ) – بِكَسْرِ الفَاءِ – الطَّائِفَةُ مِنَ النَّاسِ.
ووَصفُهَا بأنَّهَا (النَّاجِيةُ المنصورةُ) أَخْذًا مِن قولِهِ – عليهِ السَّلامُ -:
(( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورَةً، لا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ )).
ومِن قولِهِ في الحديثِ الآخرِ:
(( سَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً, كُلُّهُمْ في النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةٌ، وهيَ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عليهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابي)).
وقولُهُ: (أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ)؛ بدلٌ منِ الفِرقةِ.
والمرادُ بالسُّنَّةِ: الطريقةُ التَّي كانَ عليهَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ وأصحابُهُ قبلَ ظهورِ البدعِ والمقالاَتِ.
والجماعةُ في الأصلِ: القومُ المجتمعونَ، والمرادُ بِهِمْ هنَا سلفُ هذهِِ الأمَّةِ مِن الصَّحابةِ والتَّابِعِينَ، الَّذينَ اجتمَعُوا على الحقِّ الصَّريحِ مِن كتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلمَ.

هيئة الإشراف

#5

14 Nov 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (أمَّا بَعْدُ: فَهذا اعْتِقَادُ الفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ المَنْصُورةِ إِلى قِيامِ السَّاعَةِ.(1)
أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ.(2) ).

الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1)(أمَّا بَعْدُ) هذه الكلمةُ يُؤتى بها للانتقالِ مِن أُسلوبٍ إلى أسلوبٍ آخرَ، ومعناها: مهما يكنْ مِن شيْءٍ. ويُستحبُّ الإتيانُ بها في الخُطبِ والمكاتباتِ؛ اقتداءً بالنَّبيِّ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ حيثُ كان يفعلُ ذلك. (فَهَذَا) إشارةٌ إلى ما تضمَّنته هذه الرسالةُ واحتَوت عليه من العقائدِ الإيمانيّةِ التي أجملها بقولِه: (وَهُوَ الإيمانُ باللهِ ـ إلخ) (اعْتِقَادُ) مصدرُ: اعتقَد كذا، إذا اتَّخذه عقيدةً, والعقيدةُ: هي ما يعْقِدُ عليه المرءُ قلبَه ـ تقولُ اعتقدتُ كذا ـ أي عقْدتُ عليه الْقَلبَ والضَّميرَ ـ وأصلُه مأْخوذٌ مِن: عَقَدَ الحبْلَ إذا رَبطَه. ثم استُعْمِل في عقيدةِ القلبِ وتصميمِه الجازمِ.
(الْفِرْقَةِ) أي: الطَّائفةِ وَالجَمَاعَةِ (النَّاجِيَةِ) أي: التي سَلِمَت مِن الهلاكِ والشُّرورِ في الدُّنيا والآخرةِ، وحصَلَت عَلى السَّعادةِ. وهذا الوصفُ مأخوذٌ مِن قولهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: ((لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ مَنْصُورةً لاَ يَضرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتيَ أَمرُ اللهِ)) رواه البخاريُّ ومسلمٌ.
(المنْصُورةِ): أي المُؤَيَّدَةِ عَلى مَن خَالفَها، (إِلَى قِيَاِم السَّاعَةِ) أي: مَجيءِ سَاعةِ مَوْتهم بمجيءِ الرِّيحِ التي تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤمنٍ، فهذه هي السَّاعةُ في حَقِّ المؤمنين. وأمَّا السَّاعَةُ التي يكونُ بها انتهاءُ الدُّنيا، فهي لا تقومُ إلاَّ عَلى شِرارِ النَّاسِ، لما في صحيحِ مسلمٍ: ((لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ: اللهَُ اللهَُ)) وروى الإمامُ الحاكمُ مِن حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عمروٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وفيه: ((وَيَبْعَثُ اللهُ رِيحاً، رِيحُها رِيحُ المِسكِ، وَمسُّهَا مَسُّ الحريرِ، فَلاَ تَتْرُكُ أَحَداً فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ إِيمانٍ إِلاَّ قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرارُ النَّاسِ، فَعَلَيْهمْ تَقومُ السَّاعةُ)) رواه مسلمٌ.
(2)(أَهْلِ السُّنَّةِ) أهلِ بالكسرِ عَلى أنَّه بَدَلٌ مِن الْفِرْقَةِ، ويجوزُ الرَّفعُ عَلى أنَّه خَبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ تقديرُه (هم) والسُّنَّةُ: هي الطَّريقةُ التي كان عليها رسولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ مِن أقوالهِ وأفعالهِ وتقْرِيراتِه. وسمُّوا أهلَ السُّنَّةِ؛ لانتسابِهم لسنَّةِ الرَّسولِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ دونَ غيرِها مِن المقالاتِ والمذاهبِ، بخلافِ أهلِ البدعِ، فإنَّهم يُنْسَبُون إلى بِدَعِهم وضلالاتِهم؛ كالقدريَّةِ والمُرْجِئةِ، وتارةً يُنْسَبونَ إلى إمامِهم؛ كالجهميَّةِ، وتارةً يُنْسَبُونَ إلى أفعالهِم القبيحةِ؛ كالرَّافِضِة والخوارجِ.
(وَالْجَمَاعَةِ) لغةً: الْفِرْقَةُ المجتَمِعَةُ مِن النَّاسِ. والمرادُ بهم هنا: الَّذين اجتمعوا عَلى الحقِّ الثَّابتِ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وهم الصَّحابةُ والتَّابعون لهم بإحسانٍ، ولو كانوا قِلَّةً-كما قال ابنُ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ ما وافق الحقَّ وإن كُنْتَ وحْدَكَ- فإنَّك أنتَ الجَمَاعَةُ حينئذٍ).

هيئة الإشراف

#6

14 Nov 2008

شرح العقيدة الواسطية للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ( ((أمَّا بَعْدُ، فَهذا اعْتِقَادُ الفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ المَنْصُورةِ إِلى قِيامِ السَّاعَةِ؛ أهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ)) (1).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) ((أمَّا بَعْدُ)): (أمَّا) هذِهِ نائبةٌ عن اسِمِ شرطٍ وفِعلِهِ، التَّقديرُ: مَهْمَا يكنْ مِنْ شيءٍ، قَالَ ابنُ مالِكٍ:
أَمَّا كَمَهْمَا يَكُ مِنْ شَيْءٍ وَفَا لِتِلْوِ تِلْوِها وُجوباً أُلِفا
فقولهُمُ: أمَّا بعدُ: التَّقديرُ: مَهْمَا يكنْ مِنْ شيءٍ بعدَ هَذَا، فَهَذَا.
وَعَلَيْهِ، فالفَاءُ هُنَا رابطةٌ للجَوابِ، والجُملةُ بعدَها فِي مَحَلِّ جَزْمِ جوابِ الشَّرطِ، ويُحتمَلُ عِنْدِي أنْ تكونَ: ((أمَّا بَعْدُ، فَهَذَا)) أيْ: أنَّ (أمَّا) حَرفُ شَرطٍ وتَفصيلٍ، أوْ حَرْفُ شَرْطٍ فَقَطْ مجرَّدٌ عَن التَّفصيلِ، والتَّقديرُ: أمَّا بَعْدَ ذِكْرِ هَذَا، فأنا أَذْكُرُ كذا وكذا. ولاَ حاجةَ أنْ نُقدِّرَ فِعلَ شرطٍ، ونقولُ: إنَّ (أَمَّا) حَرفٌ نابَ مَنابَ الجُمْلةِ.
((فهَذَا اعتقادٌ)): ((فَهَذَا)): الإشارةُ لاَ بدَّ أنْ تكونَ إِلَى شيءٍ مَوجودٍ، أنا عِنْدَمَا أقولُ: هَذَا، فأنا أُشيرُ إِلَى شيءٍ مَحسوسٍ ظاهرٍ، وهُنَا المؤلِّفُ كتبَ الخُطْبَةَ قَبْلَ الكتابِ وقبلَ أنْ يُبْرِزَ الكِتابَ لعالَمِ الشَّاهِدِ، فكَيْفَ ذلِكَ؟!
أقولُ: إنَّ العلماءَ يقولونَ: إنْ كَانَ المؤلِّفُ كَتَبَ الكِتابَ ثُمَّ كَتَبَ المقدِّمَةَ والخُطْبَةَ، فالمُشارُ إِلَيْهِ موجودٌ ومحسوسٌ، ولاَ فِيهِ إشكالٌ، وإنْ لمْ يكنْ كتَبَهُ، فإنَّ المؤلِّفَ يُشيرُ إِلَى مَا قَامَ فِي ذِهْنِهِ عن المعانِي الَّتِي سيَكتُبُها فِي هَذَا الكتابِ، وعِنْدي فِيهِ وجهٌ ثالثٌ، وَهُوَ أنَّ المؤلِّفَ قَالَ هَذَا باعتبارِ حالِ المُخَاطَبِ، والمُخَاطَبُ لَمْ يُخاطَبْ بذلِكَ إلاَّ بعدَ أنْ بَرَزَ الكتابُ وصَدَرَ، فكأنَّهُ يقولُ: ((فهَذَا الَّذِي بينَ يَدَيْكَ كذا وكذا)).
هذِهِ إذاً ثلاثةُ أَوْجُهٍ.
((اعتقادٌ)): افتِعالٌ من العَقْدِ، وهوَ الرَّبْطُ والشَّدُّ، هَذَا مِن حَيْثُ التَّصريفُ اللُّغَوِيُّ، وأمَّا فِي الاصطلاحِ عندَهُمْ، فَهُوَ حُكْمُ الذِّهْنِ الجازِمِ، يُقالُ: اعتقدْتُ كذا، يعني: جَزَمْتُ بِهِ فِي قَلَبْي، فَهُوَ حُكمُ الذِّهْنِ الجازِمِ، فإنْ طابَقَ الواقِعَ، فصحيحٌ، وإنْ خَالَفَ الواقِعَ، ففاسِدٌ، فاعتقادُنا أنَّ اللَّهَ إلهٌ واحدٌ صحيحٌ، واعتقادُ النَّصارَى أنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثلاثةٍ باطلٌ؛ لأنَّهُ مخالِفٌ للواقعِ، ووَجْهُ ارتباطِهِ بالمَعْنَى اللُّغويِّ ظاهِرٌ؛ لأنَّ هَذَا الَّذِي حكَمَ فِي قلبِهِ عَلَى شيءٍ مَا كأنَّهُ عقدَهُ علَيْهِ وشَدَّهُ علَيْهِ بحَيْثُ لاَ يتفلَّتُ مِنْهُ.
و((الفِرْقَةُ)) بكَسْرِ الفَاءِ، بمعنى الطَّائفةِ، قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: (فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ) [التوبةُ: 122]، وأمَّا الفُرقةُ بالضَّمِّ، فهِيَ مأخوذةٌ مِن الافتراقِ.
و((النَّاجِيةُ)): اسمُ فاعلٍ مِنْ نَجا، إِذَا سَلِمَ، ناجيةٌ فِي الدُّنْيَا من البِدَعِ سالِمةٌ مِنْهُا، وناجيةٌ فِي الآخرةِ مِن النَّارِ.
ووجْهُ ذلِكَ أنَّ النَّبيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: ((وَسَتَفْتَرِقُ هَذِهِ الأُمَّةُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً)). قَالُوا: مَنْ هِيَ يَا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: (( مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي)).
هَذَا الحديثُ يُبَيِّنُ لنَا معنَى (النَّاجيةُ)، فَمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُهُ، فَهُوَ ناجٍ مِن البِدَعِ. و((كُلُّها فِي النَّارِ إِلاَّ واحدةً)): إذًا هِيَ ناجيةٌ مِن النَّارِ، فالنَّجاةُ هُنَا مِن البِدَعِ فِي الدُّنْيَا، ومِن النَّارِ فِي الآخرةِ.
((المَنْصورةُ إِلَى قيامِ السَّاعَةِ)): عبَّرَ المؤلِّفُ بذلِكَ موافقةً للحَديثِ، حَيْثُ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ((لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ))، وَالظُّهُورُ الانْتِصَارُ، لقولِهِ - تَعَالَى -: (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) ((الصف:14))، والَّذِي يَنْصُرُها هُوَ اللَّهُ وملائكتُهُ والمؤمنونَ، فهِيَ مَنْصورةٌ إِلَى قيامِ السَّاعةِ، منصورةٌ مِن الرَّبِّ - عزَّ وجلَّ -، ومِن الملائكةِ، ومِن عبادِهِ المؤمنينَ، حَتَّى قد يُنْصَرُ الإنسانُ مِن الجِنِّ، ينصرُهُ الجِنُّ ويُرْهِبونَ عَدُوَّهُ.
((إِلَى قيامِ السَّاعةِ))، أيْ: إِلَى يومِ القيامةِ، فهِيَ منصورةٌ إِلَى قيامِ السَّاعةِ.
وهُنَا يرِدُ إشكالٌ، وَهُوَ أنَّ الرَّسولَ - عليْهِ الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ - أخبرَ بأنَّ السَّاعةَ تقومُ عَلَى شِرارِ الخَلْقِ، وأنَّها لاَ تَقومُ حَتَّى لاَ يقالَ: اللَّهُ اللَّهُ، فكَيْفَ نَجمَعُ بينَ هَذَا وبينَ قولِهِ: ((إِلَى قيامِ السَّاعةِ))؟!
والجوابُ: أنْ يُقالَ: إنَّ المرادَ: إِلَى قُرْبِ قيامِ السَّاعةِ، لقولِهِ فِي الحديثِ: ((حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ))، أو: إِلَى قيامِ السَّاعةِ، أيْ: ساعتِهِم، وَهُوَ مَوْتُهُم؛ لأنَّ مَن ماتَ فقد قَامَتْ قيامتُهُ، لكنَّ الأوَّلَ أقْرَبُ، فَهُمْ مَنصورونَ إِلَى قُرْبِ قيامِ السَّاعةِ، وإنَّمَا لَجَأْنا إِلَى هَذَا التَّأويلِ لدَليلٍ، والتَّأويلُ بدليلٍ جائزٌ؛ لأنَّ الكُلَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ.
((أهلُ السُّنَّةِ وَالجَماعةِ)): أضافَهُم إِلَى السُّنَّةِ؛ لأنَّهم مُتمسِّكونَ بِها، والجماعةِ، لأَنَّهُمْ مجتمِعونَ عَلَيْها.
فإنْ قلْتَ: كَيْفَ يقولُ: ((أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ))؛ لأنَّهم جماعةٌ، فكَيْفَ يُضافُ الشَّيءُ إِلَى نَفْسِه؟!
فالجوابُ: أنَّ الأصلَ أنَّ كلمةَ الجماعةِ بمعنَى الاجتماعِ، فهِيَ اسمُ مَصْدرٍ، هَذَا فِي الأصْلِ، ثُمَّ نُقِلَتْ مِنْ هَذَا الأصلِ إِلَى القومِ المجتمِعِينَ، وَعَلَيْهِ فيكونُ معنَى أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ، أيْ: أهلُ السُّنَّةِ والاجتماعِ، سُمُّوا أهلَ السُّنَّةِ، لأنَّهُم متمسِّكونَ بِها، وسُمُّوا أهلَ الجماعةِ، لأنَّهُم مجتمِعونَ عليها.
وَلِهَذَا لَمْ تَفْتَرِقْ هذِهِ الفِرقةُ كَمَا افْتَرَقَ أهلُ البِدَعِ، نَجِدُ أهلَ البِدَعِ، كالجهميَّةِ متفرِّقِينَ، والمعتزلَةِ متفرِّقِينَ، والرَّوافضِ متفرِّقِينَ، وغيرِهِم مِنْ أهلِ التَّعطيلِ متفرِّقِينَ، لكنَّ هذِهِ الفرقةَ مجتمِعةٌ عَلَى الحقِّ، وإنْ كَانَ قد يَحصُلُ بَيْنَهُم خِلافُ، لكنَّهُ خِلافٌ لاَ يَضُرُّ، وهُوَ خِلافٌ لاَ يُضَلِّلُ أحدُهم الآخرَ بِهِ، أيْ: أنَّ صُدورَهم تَتَّسِعُ لَهُ، وإلاَّ فقد اختَلَفوا فِي أشياءَ ممَّا يَتعلَّقُ بالعَقِيدةِ، مِثلُ: هلْ رَأَى النبيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ربَّهُ بعينِهِ أَمْ لَمْ يَرَهُ؟ ومِثلُه: هلْ عَذابُ القبرِ عَلَى البَدَنِ والرُّوحِ أو الرُّوحِ فقطْ؟ ومِثلُ بعضِ الأُمورِ يختلِفونَ فيها، لكنَّها مَسائِلُ تُعدُّ فرعيَّةً بالنِّسبةِ للأصولِ، وليستْ مِن الأصولِ، ثُمَّ هُمُ معَ ذلِكَ إِذَا اخْتلَفوا، لاَ يُضلِّلُ بعضُهم بعضاً، بخلافِ أهلِ البِدَعِ.
إذاً، فَهُمْ مجتمِعونَ عَلَى السُّنَةِ، فَهُمْ أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ.
وَعُلِمَ من كلامِ المؤلِّفِ -رحمَهُ اللَّهُ- أنَّهُ لاَ يَدخُلُ فيهم مَنْ خَالَفَهُم فِي طريقَتِهِم، فالأشاعرةُ مَثَلاً والماتُريدِيَّةُ لاَ يُعَدُّونَ مِنْ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ فِي هَذَا البابِ؛ لأنَّهم مخالِفونَ لِمَا كَانَ عليهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُهُ فِي إجراءِ صِفاتِ اللَّهِ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَى حقيقتِها، وَلِهَذَا يُخْطِئُ مَنْ يقولُ: إنَّ أهلَ السُّنَّةِ والجماعةِ ثلاثةٌ: سَلَفيُّونَ، وأشعريُّونَ، وماتُريديُّونَ، فهَذَا خطأٌ، نقولُ: كَيْفَ يكونُ الجميعُ أَهْلَ سُنَّةٍ وهُمْ مختلِفونَ؟! فمَاذَا بَعْدَ الحقِّ إِلاَّ الضَّلالُ؟! وكَيْفَ يكونونَ أَهْلَ سُنَّةٍ وكُلُّ واحدٍ يردُّ عَلَى الآخَرِ؟! هَذَا لاَ يمكنُ إلاَّ إِذَا أَمْكَنَ الجمعُ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ، فَنَعمْ، وإلاَّ فلاَ شكَّ أنَّ أحدَهُم وَحْدَه هُوَ صاحبُ السُّنَّةِ، فمَنْ هُوَ؟! الأشعريَّةُ؟ أَم الماتريديَّةُ؟ أَم السَّلفِيَّةُ؟! نقولُ: مَن وافَقَ السُّنَّةَ، فَهُوَ صاحِبُ السُّنَّةِ، ومَنْ خَالَفَ السُّنَّةَ، فَليسَ صاحِبَ سُنَّةٍ، فنحنُ نقولُ: السَّلَفُ هُمْ أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ، ولاَ يَصْدُقُ الوَصْفُ عَلَى غيرِهِم أبداً، والكلماتُ تُعْتَبَرُ بمعانِيها. لنِنْظُرَ كَيْفَ نُسمِّي مَنْ خالَفَ السُّنَّةِ أَهْلَ سُنَّةٍ؟! لاَ يُمْكِنُ، وكَيْفَ يُمكِنُ أنْ نَقولَ عن ثلاثِ طوائِفَ مختلفةٍ: إنهَّم مجتمِعونَ؟! فأَيْنَ الاجْتِماعُ؟! فأَهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ هُم السَّلَفُ مُعْتقِداً+، حَتَّى المتأخِّرِ إِلَى يومِ القيامةِ إِذَا كَانَ عَلَى طريقةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابِهِ، فإِنَّهُ سَلَفِيٌّ.

هيئة الإشراف

#7

14 Nov 2008

التنبيهات السنية للشيخ: عبد العزيز بن ناصر الرشيد رحمه الله

المتن:

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): ([ أَمَّا بَعْدُ؛ فهذا اعْتِقادُ ] الفِرقَةِ النَّاجِيَةِ (1)
المَنْصُورَةِ(2)
إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ(3)
أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ(4)).

الشرح:

قال الشيخ عبد العزيز بن ناصر الرشيد (ت: 1408هـ): ((1) قولُه: ( أمَّا بعدُ ): هذه الكلمةُ يُؤْتَى بها للانتقالِ من أسلوبٍ إلى أسلوبٍ آخرَ، ويُنْدَبُ الإِتيَانُ بها: في الخُطَبِ، والُمكَاتَبَاتِ، كما كانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأْتي بها في خُطبِهِ ومُكَاتَبَاتِهِ، رواه عبدُ القاهرِ الرَّهَاوِيُّ في الأربعينَ له، عن أربعينَ صحابيّاً.
قولُه: ( اعتقادُ ): الاعتقادُ لغةً الرَّبْطُ والجَزْمُ، اعْتَقَدْتُ كَذَا عَقَدْتُ عليه القلبَ والضَّميرَ. انتهى مصباحٌ. وعَرَّفه بعضُهم اصطلاحاً بقولهِ: هو حُكْمُ الذِّهنِ الَجازِمِ، فإن طابقَ فصحيحٌ وإلا ففاسدٌ.
قولُه: ( الفرقةِ ): أي الطّائفةِ والجماعةِ، وأمَّا الفُرقةُ بالضّمِّ فمعناه الافتراقُ.
قولُه: ( النَّاجيةَِ ): أي الَّتي سَلِمَتْ من الهلاكِ والشّرورِ في الدّنيا والآخرةِ.
وحصلتْ على السّعادةِ بِسببِ استقامتِها على الحقِّ، وتمسُّكِها بما كان عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – وأصحابُه، كما في حديثِ أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((افْتَرَقَتِ اليَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثنتين وسبعينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتِ النَّصارى عَلَى إِحْدَى أَو ثنتين وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً )) رواهُ أبو داودَ، والتّرمذيُّ، وابنُ ماجه، وحديثُ ابنِ ماجه مختصرٌ، وقالَ التّرمذيُّ: حسنٌ صحيحٌ، وعن معاويةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ أنَّه قال: ألا إنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قامَ فينا فقالَ: (( إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى اثنتين وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَإِنَّ الأُمَّةَ ستفترِقُ عَلَى ثَلاثٍٍ وَسَبْعِينَ: اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الجَنَّةِ وهي الجَمَاعَةُ )) رواهُ أبو داودَ، وفي روايةِ التّرمذيِّ (( كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً )) قَالُوا: مَنْ هي يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: (( مَنْ كانَ عَلَى مِثْلِ ما أنا علَيه اليومَ وَأَصْحَابِي )) وقالَ: هذا حديثٌ غريبٌ مُفَِّسرٌ لا نعرفهُ إلا مِنْ هذا الوجهِ.
وقد أخطأ بعضُهم في تعريفِ الفرقةِ الناجيةِ أنَّها: أهلُ الحديثِ، والأَشْعَرِيَّةِ، والمَاتُرِيدِيَّةِ، فإنَّ لفظَ الحديثِ يَرُدُّ ذلك، فإنَّ قولَهُ: ( وَاحِدَةً ) يُنافي التّعدُّدَ، فتعيَّنَ أنْ تكونَ الفرقةُ النّاجيةُ هم أهلَ الحديثِ فقط، وهم أهلُ السّنَّةِ والجماعةِ.
(2) قولُه: ( المنصورةِ ): أي الـَّتي أعانها سبحانـَه وأيَّدها وقَوَّاها على مَنْ خَالَفَها وعَاداها، وجعلَ العاقبةَ لها لِتَمَسُّكِها بما كانَ عليه الرَّسولُ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأصحابُه، كما في الصَّحيحِ مِن حديثِ المغيرةِ عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ )) وفي حديثِ جابرِ بنِ سَمُرَةَ وجابرِ بنِ عبدِ اللهِ أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (( لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ وَلاَ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ )) رواه مسلمٌ وغيرُهُ.
قالَ البخاريُّ وغيرُه: هذه الطَّائفةُ هم أهلُ العلمِ. وقال أحمدُ: إنْ لم يكونوا أهلَ الحديثِ فلا أدري من هم، وكذا قالَ يزيدُ بنُ هارونَ قالَ: قال القاضي عِيَاضٌ: إنَّما أرادَ أحمدُ أهلَ السّنّةِ والجماعةِ ومَنْ يَعْتقدُ مذهبَ أهلِ الحديث.
ففيهِ أعظمُ بِشارةٍ أَنَّ الحقَّ لا يزولُ بِالكُلِّيَّةِ, وفيه معجزةٌ ظاهرةٌ للنَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإنَّه لم يَزَلْ وللهِ الحمدُ هذا الوصفُ باقياً ولا يزالُ، وهذه سنّةُ اللهِ في خلقهِ أَنَّه ينصرُ عبادَه المؤمنين، كما قالَ سبحانَه: ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنواْ كَذَلِكَ حَقّاً عَلَيْنَا نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ) وفي صحيحٍ البخاريِّ من حديثِ أبي هريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ: أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (( قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَنْ عَادَى لِي وليّاً فَقَدْ بَارَزَنِي بِالحَرْبِ )) ولهذا أهلَكَ اللهُ قومَ نوحٍ، وعاداً، وثمودَ، وأشباهَهم ممن كذَّبَ الرّسلَ، وأنْجى عبادَهُ المؤمنين، وهكذا نصرَ اللهُ نبيَّه محمّداً وأصحابَه على من خالفَهُ وناوَأَهُ وعاداه، فجعل كلمتَهُ العليا، ودينَهُ الظاهرَ على سائرِ الأديانِ، وفتحَ اللهُ عليه مكَّةَ واليمنَ، ودانتْ له جزيرةُ العربِ بِكمالِها وأقامَ اللهُ أصحابَه وخلفاءَه من بعدِه فَبَلَّغُوا عنه دينَ اللهِ، ودَعوْا إلى اللهِ، وفتَحوا البلادَ والأقاليمَ حتَّى انتشرتِ الدَّعوةُ المحمّديّةُ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِهَا، ثمَّ لا يزالُ هذا الدِّينُ قائماً منصوراً إلى قيامِ السّاعةِ، كما قالَ اللهُ سبحانه: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ ) أي يومَ القيامةِ تكونُ النُّصرةُ أعظمَ وأجلَّ.
وعن أبي عُتبةَ الخولانِيِّ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: (( لاَ يَزَالُ اللهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْساً يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ )) رواه ابنُ ماجةَ.
نقلَ نعيمُ بنُ طريفٍ رحمَهُ اللهُ عن أحمدَ أنَّه قالَ: هم أصحابُ الحديثِ، وفي السُنَنِ (( إِنَّ اللهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ فِي رَأْسِ كُلِّ مائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا )) وقال عَليٌّ رَضِي اللهُ عَنْهُ: لن تخلوَ الأرضُ من قائمٍ للهِ بحجَّتِه.
(3) قولـُه: ( إلى قيامِ السـَّاعةِ ): أي ساعةِ موتِهم بمجيءِ الرِّيحِ الَّتي تَقْبِضُ رُوحَ كلِّ مؤمنٍ وهي السَّاعةُ في حقِّ المؤمنين وإلا فالسَّاعةُ لا تقومُ إلا على شِرارِ الخلقِ كما في صحيحٍ مسلمٍ: (( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لاَ يُقَالَ فِي الأَرْضِ اللهَ اللهَ)) والمُرادُ بالرِّيحِ ما روَى الحاكمُ أَنَّ عبدَ اللهِ بنَ عمروٍ قال: (( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ عَلَى شِرَارِ الخَلْقِ، هُمْ شَرُّ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ )) وقال عقبةُ لعبدِ اللهِ: اعلمْ ما تقولُ، وأَمَّا أَنَا فسمِعْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ علَيه وَسَلَّمَ يقولُ: (( لاَ تَزَالُ عِصابةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ))، قال عبدُ اللهِ: ويبعثُ اللهُ ريحاً ريحُها ريحُ المسكِ ومَسُّها مَسُّ الحريرِ فلا تتركُ أحداً في قلبِهِ مثقالُ ذرّةٍ من إيمانٍ إلا قبضتهُ ثمَّ يبقى شِرارُ النَّاسِ فعليهم تقومُ السَّاعةُ.
(4) وقولُه: ( أهلُ السـّنـّةِ ): أي المُخْتَصُّون والمُتَمسِّكون بها والمُعْتنون بدراستِها وفَهْمِها، الُمحَكِّمُون لها في القليلِ والكثيرِ، والسّنّةُ لغةً: الطّريقةُ، وشرعاً: هي أقوالُ النَّبيِّ وأفعالهُ وتَقْرِيرَاتُه، وسُمّوا أهلَ السّنّةِ لانْتِسَاِبِهم لسنَّتِه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دونَ المقالاتِ كلِّها والمذاهبِ، وقد سُئِل بعضُهُم عن أهلِ السّنّةِ فقال ما لا اسمَ له سوى السّنّةِ، يعني أَنَّ أهلَ السُّنةِ ليس لهم اسمٌ ينتسبون إليه سِواهَا خلافاً لأهلِ البدعِ، فإنَّهم تارةً ينتسبون إلى المَقَالَةِ كالْقَدَرِيَّةِ والمُرْجِئَةِ، وتارةً إلى القَائِل كَالْجَهْمِيَّةِ والنَّجَّاريَّةِ، وتارةً إلى الفعلِ كالرَّوَافِضِ والْخَوارِجِ، وأهلُ السّنّةِ بريئون من هذه النِّسَبِ كلِّها، وإنَّما نسبتُهُم إلى الحديثِ والسّنّةِ.
قوله: ( والجماعةُ ): لغةً: الفِرقةُ من النّاسِ، والمرادُ بهم هنا أصحابُ النّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ القيامةِ، وقد تكاثرتِ الأدلَّةُ في الحثِّ على لزومِ الجماعةِ فروَى التِّرْمِذِيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعاً: (( إِنَّ يَدَ اللهِ عَلىَ الْجَمَاعَةِ))، وعن أبي ذَرٍّ مرفوعاً: (( عَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْمَعْ أُمَّتِي إِلاَّ عَلَى هُدًى )) رواه أحمدُ. وعن أبي ذَرٍّ مرفوعاً: (( مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْراً فَقَدْ خَلَعَ ربقةَ الإِسْلاَمِ مِنْ عنقِهِ )) رواه أحمدُ وأبو داودَ.
قال أبو محمّدٍ عبدُ الرَّحمنِ بنُ إسماعيلَ المعروفُ بأبي شَامَةَ في كتابِ (( البَاعِثُ عَلى إِنْكَارِ الْبِدَعِ وَالحَوَادِثِ )) حيث جاء الأمرُ بلزومِ الجماعةِ، فإنّ المرادَ بها لزومُ الحقِّ، وإنْ كانَ المُتَمَسِّكُ به قليلاً والمُخَالِفُ له كثيراً؛ لأنَّ الحقَّ هو الذي كانَتْ عليه الجماعةُ الأولى من عهدِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولا نظرَ إلى كثرةِ أهلِ الباطل بعدَهم، وقال مَيْمُونُ بنُ مِهْرَانَ: قال ابنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ: الجَمَاعَةُ ما وَافَقَ الحَقَّ وإن كنتَ وَحْدَكَ. وقال نعيمُ بنُ حَمَّادٍ: إذا فَسَدَتِ الجماعة فعليكَ بما كانَتْ عليه الجماعةُ قبلَ أن تفسدَ وإن كنتَ وحدك، فإنَّكَ أنتَ الجماعةُ حينئذٍ، ذكره البَيْهَقِيُّ وغيرُهُ.
قال ابنُ القيّمِ في كتابِه (( أَعْلاَمُ المُوَقِّعِينَ )): واعلمْ أَنَّ الإجماعَ والحُجَّةَ والسَّوَادَ الأعظمَ هو العَالِمُ صاحبُ الحقِّ وإنْ كانَ وحدَه، وإنْ خالفَه أهلُ الأرضِ، وقد شَذَّ النَّاسُ كلُّهم زمنَ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ إلا نفراً يسيراً فكانوا همُ الجماعةَ، وكانَ الفقهاءُ والمفتونُ والخليفةُ وأتباعهُ هم الشَّاذّين، وكانَ الإمامُ أحمدُ وحدَه هو الجماعةَ، ولمَّا لم يَتَحَمَّلْ هذا عقولُ النّاسِ قالوا للخليفةِ: يا أميرَ المؤمنين تكونُ أنتَ وقُضَاتُكَ وَوُلاتُكَ والفقهاءُ والمفتون كلُّهم على الباطلِ، وأحمدُ وحدَه على الحقِّ، فلم يَتَّسِعْ علمُه لذلك، فَأَخَذَهُ بالسِّياطِ والعُقوبةِ بعد الحبسِ الطَّويلِ، فلا إلهَ إلا اللهُ ما أشبهَ الليلةَ بالبارحةِ، وهي السبيلُ المُهيعُ لأهلِ السُّنةِ والجماعةِ حتَّى يَلْقَوْا ربَّهُم، مضَى عليها سَلَفُهم وينتظرُها خَلَفُهُم (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً ) ولا حولَ ولا قوَّةَ إلا باللهِ. انتهى بِتَصَرُّفٍ.
ذكرَ المصنِّفُ رحمهُ اللهُ أَنَّ الاعتقادَ النَّافعَ المنجِّيَ من الشّرورِ الَّذي هو سببُ العزّةِ والنَّصرِ والتَّأييدِ والرِّفْعةِ والشّرفِ هو الاعتقادُ المأخوذُ من الكتابِ والسّنّةِ، وهو الَّذي عليه الصَّحابةُ وتابعوهم بإحسانٍ، وأصلُه الَّذي يُبْنىَ عليه هو هذه الأصولُ السّتّةُ المذكورةُ في حديثِ جبريلَ، في هذه الرّسالةِ من أوَّلِها إلى آخرِهَا، تفصيلٌ لهذه الأصولِ السّتّةِ المذكورةِ في هذا الحديثِ وغيرِهِ من الآياتِ، قال تعالى: (آمَن الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ ) الآية، وقال: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) الآية، وهذه الأصولُ السّتّةُ اتَّفقَتْ عليها الأنبياءُ والمرسلون عليهمُ الصّلاةُ والسّلامُ، ولم يؤمنْ بها حقيقةَ الإيمانِ إلا أتباعُ الرّسلِ، وأمَّا أعداؤهم ومن سلكَ سبيلَهُم من الفلاسفةِ وأهلِ البدعِ فهم مُتَفَاوِتُون في جَحْدِها وإنكارِها.

هيئة الإشراف

#8

11 Jan 2009

شرح العقيدة الوسطية للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ( مفرغ )


قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (ثم قال: (أما بعد.., فهذا اعتقاد الفرقة الناجية)،
(أما بعد:) هذه كلمة يؤتى بها للانتقال, قد استعملها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه واستعملها الصحابة, وقد قيل إنها فصل الخطاب الذي أوتيه داود في قوله جل وعلا: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}, لكن هذا ليس بصحيح.
قال هنا: (فهذا) إشارة إلى ما سيأتي في هذه العقيدة يعني هذا اعتقاد, يعني هذا الذي ستراه في هذه الورقات اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة، والاعتقاد ما يُعقد عليه القلب، أو ما يعقِد القلب عليه, من الأمور التي تُعتقد, وأصلها من العلم الجازم؛ لأن الاعتقاد فيه جزم عن العلم فإذا علمت شيئاً وجزمت به صرت معتقداً له, وخُص هذا الاسم الاعتقاد بشرح أركان الإيمان الستة، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر وبالقدر خيره وشره من الله تعالى. وما أضيف إلى ذلك من المسائل التي تميز بها أهل الاعتقاد الحق بأسماء الله وصفاته وفي أركان الإيمان الستة ما تميز بها أهل السنة والجماعة عن ما سواهم من المبتدعة والزائغين من أهل الفرق المختلفة، من مثل كلام كما ذكرت لكم في مسائل الإمامة والصحابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأخلاق ونحو ذلك.
قال: (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية), (الفرقة): هي الطائفة من الناس أو الطائفة من أي شيء، يقال: فرقة من الطير، كما جاء في الحديث الصحيح ((أن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة تظللان صاحبهما كأنهما غيايتان أو قال غيابتان أو غمامتان أو فرقان من طير صواف)) يعني: طائفتان من طير صواف، هذا كما قال جل وعلا: {فكان كل فرق كالطود العظيم} وقال: {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين} فإذاً الفرقة: الطائفة. {كالطود العظيم} الطود: الجبل {فكان كل فرق كالطود العظيم} يعني انفلق البحر فكان هذا كالجبل العظيم وهذا كالجبل العظيم وما بينهما يابس آية لموسى عليه السلام.
(الفرقة الناجية): سميت فرقة لأجل أنها طائفة؛ لأنها مقابلة بالفرق الأخرى ولم يرد فيما أعلم هذا النص (الفرقة الناجية) في الحديث لكنّ العلماء أخذوه مما جاء في حديث معاوية وغيره بحديث الافتراق المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا وإن اليهود افترقت على إحدى وسبعين فرقة، وإن النصارى افترقت على ثنتين وسبعين فرقة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة)) هذا لفظ أبي داود في سننه, فيُفهم من هذا الحديث أن هذه الفرقة التي هي الجماعة -هي الفرقة الناجية وغيرها من الفرق فرق هالكة؛ ولهذا قال أهل العلم في وصف من اعتقد الاعتقاد الحق وكان مع الجماعة أنه من الفرقة الناجية.
ووصفُها بأنها (ناجية), يعني: ناجية من النار, وهي ناجية في الدنيا من عقاب الله جلّ وعلا ومن أنواع عقوباته وسخطه, وناجية في الآخرة من النار لقوله عليه الصلاة والسلام: ((كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة))، فكل الفرق مُتوعدة بالهلاك وأما هذه الفرقة فهي الناجية, فإذن الناجية الأكثر أنه من صفات الآخرة, يعني: ناجية في الآخرة, وأما صفتها في الدنيا فهي أنها منصورة كما قال شيخ الإسلام هاهنا ناعتاً هذه الفرقة بنعتين أنها: ناجية ومنصورة.

قال: (أما بعد.., فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة) فأهل السنة والجماعة هم الفرقة الناجية وهم الطائفة المنصورة, والفرقة الناجية والطائفة المنصورة بمعنى واحد ولكن وصفها بأنها ناجية باعتبار الآخرة وفي ذلك أيضا نجاة في الدنيا ووصفها بأنها منصورة باعتبار الدنيا وهذا لأجل ما جاء في الأحاديث الكثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم, قال: ((لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)) فهي طائفة منصورة هم ظاهرون ومنصورون, ينصرهم الله جل وعلا على من عاداهم إما بالحجة وإما بالسنان,
إما باللسان: نصر بيان ولسان,
وإما نصر سنان إذا كان ثم جهاد قائم,
وإما نصر حجة وبيان وهذا لا يخلو منه أهل السنة والجماعة, وقد قال الإمام أحمد وغيره في تحديد من هي الفرقة الناجية المنصورة قال الإمام أحمد: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم"، وذلك لأن أهل الحديث في زمن الإمام أحمد كانوا هم القائمين بنصرة الدين والمنافحة عن الاعتقاد الصحيح والرد على المخالفين من أهل البدع الذين أدخلوا في الإسلام ما ليس منه الذين راموا تحريف الكلم عن مواضعه. وقال البخاري رحمه الله: "هم أهل العلم", وإليه مال الترمذي في جامعه وغيره, فالفرقة الناجية المنصورة هم أهل الحديث كما عليه أقوال أكثر أهل العلم, وهم أهل العلم, وهم الذين اعتقدوا الاعتقاد الحق, فمن اعتقد الاعتقاد الحق فهو ناج بوعد الله جل وعلا له ووعد الرسول صلى الله عليه وسلم له في الآخرة وهو منصور في الدنيا ومنصور في الآخرة كما قال تعالى: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد } فهم منصورون في الدنيا ومنصورون في الآخرة.
إذن فنعت -هذا النعت الذي عبر به شيخ الإسلام رحمه الله ينبئ عما كان كالإجماع عند أهل السنة والجماعة وعند أهل الحديث وعند أئمة الإسلام أن الفرقة الناجية والطائفة المنصورة كلها تدل على طائفة واحدة وعلى فرقة واحدة وهم الذين اعتقدوا الاعتقاد الحق وساروا على نهج السلف الصالح رضوان الله عليهم.
وقد عقد لشيخ الإسلام مجلس محاكمة على هذه العقيدة لمَّا ألَّفها وقيل له: إنك تقول في هذا الاعتقاد (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة)، فهل معنى ذلك أنك تقول إن من لم يعتقد هذا الاعتقاد فليس بناج من النار ؟

فقال رحمه الله مجيباً في المجلس الذي حوكم فيه من قبل القضاة ومشايخ زمنه وولاة الأمر في زمنه, قال: لم أقل هذا ولم يقتضه كلامي، أو قال: لا يقتضيه كلامي، فإنما قلت فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة فمَن اعتقد هذا الاعتقاد كان موعوداً بالنجاة، ومن لم يعتقد هذا الاعتقاد لم يكن موعوداً بالنجاة وكان متوعداً بالعذاب، وقد ينجو بأسباب؛ منها: صدق المقام في الإسلام, وكثرة الحسنات الماحية في الجهاد لنصرة الإسلام.
وذلك عند من عنده نوع مخالفة لهذا الاعتقاد كما هو عند طائفة من أهل العلم، فإنهم قد يكون عندهم -كما قال شيخ الإسلام- من الحسنات الماحية ومن صدق المقام في نصرة الإسلام ما يكفر الله جل وعلا به عنهم المعصية والكبيرة التي عملوها وهي بسوء الاعتقاد الذي اعتقدوه ولم يعتقدوا ما كان عليه أهل السنة والجماعة.
قال هنا: (المنصورة إلى قيام الساعة) والمراد بها قيام ساعتهم يعني ساعة المؤمنين ساعة الطائفة المنصورة, وقيام ساعة المؤمنين وساعة الطائفة المنصورة يكون قبل طلوع الشمس من مغربها بزمن قليل عند كثير من أهل العلم، وذلك كما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه في الحديث: ((إنه يبعث الله جل وعلا قبل قيام الساعة ريحاً تقبض أرواح المؤمنين فلا يبقى مؤمن إلا قبضت روحه)) ونكتفي بهذا القدر من الشرح.
أسأل الله جل وعلا أن ينفعني وإياكم بما سمعنا وأن يبصرنا بما يجب وما ينبغي وأن يلزمنا الهدى والتقى والعفاف؛ إنه ولي ذلك وأكرم مسئول.
وفي هذا الشرح سوف تأتي إن شاء الله تعالى تفصيلات وتدقيقات في الصفات وفي مسائل الاعتقاد بما يكون –إن شاء الله تعالى- جامعا للشروح لهذه العقيدة وشافياً في بيان معتقد أهل السنة والجماعة والرد على المخالفين فيما خالفوا فيه أهل السنة والجماعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.


مجلس آخر
قال الشيخ: (بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له, الملك الحق المبين, وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله وخيرته من خلقه وصفوته من بريته, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما مزيدا إلى يوم الدين, أما بعد..,)
فقد مرت معنا مقدمة هذه الرسالة الوجيزة في ألفاظها الكبيرة في معانيها, وقد ذكر رحمه الله تعالى أن هذا الاعتقاد الذي في هذه الرسالة هو اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة: (أهل السنة والجماعة), فهذا الاعتقاد كما ذكر هو اعتقاد الفرقة الناجية، يعني التي ستنجو من النار بوعد الله جل وعلا لها بذلك يوم القيامة, وهي ناجية في الدنيا من الانحراف ومن الفرقة والاختلاف, وهم الطائفة المنصورة التي نصرها الله جل وعلا في الدنيا باللسان أو بالسنان أو بهما معاً, وهي الطائفة المنصورة يوم القيامة على جميع المخالفين لها كما قال سبحانه: {إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد }, وبين أن هؤلاء هم أهل السنة والجماعة كما قال: (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة)، فإذن هذا الاعتقاد الذي سيأتي في هذه الرسالة مفصلاً، هو اعتقاد الفرقة الناجية وهو اعتقاد الطائفة المنصورة.
وقد مر بك معنى كونها فرقة ناجية ومعنى كونها طائفة منصورة.
أما هذا اللفظ وهذا الوصف الثالث الذي تميز به هؤلاء وهو أنهم (أهل السنة والجماعة)، ومعنى أهل السنة والجماعة أنهم أصحاب السنة الذين لزموها في اعتقادهم ولزموها في أقوالهم وأعمالهم, يعني في الجملة, وتركوا غير ما دلت عليه السنة، والسنة هي الطريقة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه المنتخبون الخيرة ومن سار على نهجهم، والسنة عند أهل الأصول: هي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو وصف, فهذا يطلق عليه السنة, والمراد هنا ما كان عليه النبي عليه الصلاة والسلام من الأقوال والأعمال والتقريرات فهذا يُنسب إليه بهذا الاعتبار أهل السنة فيقال: هم أهل السنة يعني هم أهل اتباع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأهل اتباع أفعاله عليه الصلاة والسلام وأهل اتباع تقريراته.
و(أهل السنة): هذا اللفظ يطلق باعتبارين:
فتارةً يطلق ويراد به من خالف الرافضة وفرق الرافضة, من خالف الشيعة والرافضة وما تفرع من ذلك, هذا إطلاق فيدخل في هذا الإطلاق يدخل فيه أهل الأثر, أهل الحديث ويدخل فيه الأشاعرة ويدخل فيه الماتُريدية ويدخل فيه كل من خالف الرافضة, فيدخل في أهل السنة الذين عندهم نوع احتجاج بالحديث؛ فيخرج الرافضة والشيعة والخوارج والمعتزلة ونحو ذلك, هذا باعتبار المقابلة, باعتبار مقابلة هذا اللفظ بأهل التشيع, فيقال: السنة والشيعة, وأهل السنة وأهل التشيع، فيدخل في هذا اللفظ أهل السنة من وصفت لك.
ثم يطلق باعتبار آخر: وهو أنهم كما ذكرت لك في التعريف الأول: أنهم أهل اتباع النبي عليه الصلاة والسلام في الأقوال والأفعال والتقريرات, الذين لا يقدمون شيئاً من العقول على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، سواء في الأخبار أو في الأحكام أو في السلوك والأخلاق وهذا هو الذي يُعنى به هذه الطائفة وهم طائفة أهل الأثر، طائفة أهل السنة والجماعة, طائفة أهل الحديث الذين تميزوا بهذا الاعتقاد الذين هم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة إلى قيام الساعة, فتلخص إذن أن هذا اللفظ وهو أهل السنة دون لفظ الجماعة، دون أن تعطف الجماعة عليها يطلق بأحد هذين الاعتبارين: قد يطلق ويراد به ما عدا الرافضة، وقد يطلق -وهو الأصل- ويراد به من لازم السنة على ما وصفت لك.
وأما قوله: (والجماعة) فإن هذا اللفظ استعمله طائفة من أئمة السنة المتقدمين من طبقة مشايخ أحمد وطبقة الإمام أحمد ومن بعدهم, وقد جاء في الأحاديث الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل لفظ الجماعة فمنها: أنه ذكر أن الفرقة الناجية، في حديث الافتراق المشهور؛ حيث قال بعدما ساق الافتراق قال: ((كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة)), وفي لفظ آخر قال: ((كلها في النار إلا واحدة)), قالوا: من هي يا رسول الله قال: ((من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي))، وفي رواية أخرى زاد لفظ ((اليوم)) بقوله: ((من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي)) فهذا اللفظ, لفظ الجماعة, قد جاء الحث بالتمسك به بالتمسك بالجماعة ولزوم الجماعة في أحاديث كثيرة, والآيات التي فيها النهي عن التفرق فيها الأمر بلزوم الجماعة بالمفهوم, وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الجماعة رحمة والفُرقة عذاب)) والنصوص في ذكر الجماعة كثيرة وفي الحث عليها والحض على لزومها والتحذير من مخالفة الجماعة, وقد اختلف أهل العلم من المتقدمين، اختلفوا في معنى الجماعة وفي تفسير الجماعة؛
ففسرها طائفة بأن الجماعة هي السواد الأعظم, وهذا التفسير منقول عن ابن مسعود الهذلي الصحابي المعروف رضي الله عنه وعن أبي مسعود الأنصاري البدري رضي الله عنهما، ساق ذلك عنهما جمع منهم اللالكائي في كتابه (شرح اعتقاد أصول أهل السنة والجماعة)، قال: "إن الجماعة هي السواد الأعظم" وقد جاء في بعض الأحاديث -وفي إسنادها من لا يحتج به- أنه قال عليه الصلاة والسلام: ((عليكم بالسواد الأعظم)) فأخذوا أن الجماعة هي السواد الأعظم، ويعنون بالسواد الأعظم: السواد الأعظم في وقتهما، وذلك أنه في وقت ابن مسعود في أواخره بدأ ظهور الذين يقومون على عثمان من الخوارج ومن شابههم, وحثوا على لزوم السواد الأعظم وهو سواد عامة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفسر طائفة الجماعة وهذا هو التفسير الثاني, بأن الجماعة هم جماعة أهل العلم والسنة والأثر والحديث سواء كانوا من أهل الحديث تعلماً وتعليماً أو كانوا من أهل الفقه تعلما أوتعليما أو كانوا من أهل اللغة تعلما وتعليما، فأهل الجماعة هم أهل العلم والفقه والحديث والأثر، هؤلاء هم الجماعة، هذا القول هو مجموع أقوال عدد من الأئمة حيث قالوا: إن الجماعة وإن الفرقة الناجية هم أهل الحديث كما ذكر ذلك الإمام أحمد بقوله: "إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم". وذكر ذلك أيضا عبد الله بن المبارك ويزيد بن هارون وجماعة من أهل العلم, وقال آخرون: "هم أهل العلم" كما ذكره البخاري.
محصل هذا, هذا القول أن الجماعة هم أهل العلم وأهل الحديث وأهل الأثر، ساق تلك الأقوال الخطيب البغدادي في كتابه ( شرف أصحاب الحديث ) بأسانيدها إلى من قالها, وهذا هو الذي اشتهر عند العلماء بل عُد إجماعا أن المعني بالجماعة وبالفرقة الناجية أنهم هم أهل الحديث والأثر يعني: في زمن الإمام أحمد وما قاربه؛ لأنهم هم الذين نفوا عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وهم الذين نصروا السنة ونصروا العقيدة الحقة وبينوها وردوا على من خالفها وأعلوا عليه النكير من كل جهة.
القول الثالث: أن الجماعة هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهذا القول منسوب إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز الأموي رضي الله عنه ورحمه رحمة واسعة, وهذا القول دليله واضح وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام قال في بعض ألفاظ حديث الافتراق: ((هي الجماعة)). وقال في ألفاظ أُخر: ((ما وافق ما كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي)), ومعنى ذلك أن الجماعة هي الصحابة.
القول الرابع: وهو قول نذكره لكنه لا دليل عليه أن الجماعة هم أمة الإسلام بعامة لكن هذا باطل؛ لأن هذا يناقض حديث الافتراق, فإن حديث الافتراق يبين أن أمة الإسلام يعني أمة الإجابة -تفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، وعدُّ الجماعة هي أمة الإسلام يناقض هذا الحديث مناقضة واضحة صريحة.
القول الأخير: أن الجماعة يراد بها عصبة المؤمنين الذين يجتمعون على الإمام الحق فيدينون له بالسمع والطاعة ويعقدون له البيعة الشرعية. واختار هذا القول ابن جرير الطبري -رحمه الله تعالى- وجماعة كثيرون من أهل العلم قالوا: لأنه بهذا يحصل الاجتماع والائتلاف إذا كان على إمام حق.
إذا كان كذلك فهذه الأقوال كما ترى متباينة ولكن في هذا القول وهو تحديد من هم أهل السنة والجماعة -نحتاج إلى أن نعلم هذه الأوصاف التي ذكرت في هذه الأقوال,

وتحقيق المقام:أن الأقوال الثلاثة الأول، وهي: القول بأن الجماعة هم السواد الأعظم, أو وأن الجماعة هم أهل العلم والحديث والأثر، أو أن الجماعة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه الأقوال متقاربة وهي من اختلاف التنوع؛ لأن الجماعة الذين هم السواد الأعظم كما فسرها ابن مسعود وأبو مسعود البدري رضي الله عنهما هذا يعنون به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن فسرها وهم أكثر أهل العلم بأن الجماعة هم أهل العلم والأثر والحديث هؤلاء لأنهم تمسكوا بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد, والجماعة المراد بها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتحصّل إذن أن هذه الأقوال الثلاثة ترجع إلى معنى واحد وأن أهل السنة والجماعة هم الذين تابعوا صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعوا أهل العلم والحديث والأثر في أمورهم.
أما قول ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى فهذا صحيح وهو أن الجماعة هم عصبة المؤمنين الذين اجتمعوا على الإمام الحق وتبيان ذلك مما يبين حصيلة هذا الكلام ويقرره أتم تقرير وأوضح تقرير- أن الجماعة مقابلة للفُرقة والافتراق يقابله الاجتماع.
وقد ذكر الخطابي رحمه الله تعالى في كتابه (العزلة) كلمة فائقة فيها تحرير هذا المقام قال: إن الافتراق ينقسم إلى افتراق في الآراء والأديان, وافتراق في الاجتماع والأبدان أو في الأشخاص والأبدان، الافتراق تارة يكون في الآراء والأديان وتارة يكون في الأشخاص والأبدان، هكذا قال، وهذا كلام دقيق متين قال: والاجتماع يكون اجتماعاً بمقابل ذلك في الآراء والأديان ويكون اجتماعا في الأشخاص والأبدان. والاجتماع في الأشخاص والأبدان هذا ينقسم إلى آخر ما يحصله كلامه رحمه الله تعالى.
نأخذ من هذا أنه لفهم معنى الجماعة فهما دقيقاً لأنه ينبني على هذا الفهم معنى أهل السنة والجماعة حتى لا يُدخل فيهم من ليس منهم، تحريره أن الجماعة تطلق باعتبارين: جماعة باعتبار العقائد والأديان باعتبار الآراء والأديان فإذا نظرت إلى هذا المعنى في الاجتماع فإنه مأمور به والاجتماع على الآراء والأديان، الأقوال في الدين وعلى الأحكام وعلى العقائد وعلى المنهج ونحو ذلك فهذا لا بد أن يكون له مرجع, ومرجعه في فهم نصوص الكتاب والسنة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يلتقي هذا الفهم مع أقوال أهل العلم الذين قالوا: إن الجماعة هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعلى هذا فالذين أخذوا بما قالته الصحابة وما بينته الصحابة من أحكام الشرع من الأحكام الخبرية يعني من العقائد فإنه على الحق وهو الذي لم يكن مع الفرق التي فارقت الجماعة وهؤلاء الذين هم مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هم مع السواد الأعظم قبل أن يفسد السواد الأعظم ومعلوم أنه لا يحتج بالسواد الأعظم في كل حال, وإنما السواد الأعظم الذي يحتج به هو السواد الأعظم لصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه مسألة في غاية الأهمية إذ الاحتجاج بالسواد الأعظم إنما يراد به السواد الأعظم للمهتدين وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تابعهم في أمور الدين فصار, إذن ههنا قولان رجعا إلى هذا المعنى. كذلك من قال: إن الجماعة هم أهل العلم والحديث والأثر ومن سار على نهجهم من الفقهاء وأهل اللغة ونحو ذلك فهؤلاء إنما أخذوا بأقوال الصحابة رضوان الله عليهم وساروا على ما قرروه فإذن هم مع الجماعة قبل أن تفسد الجماعة ومع السواد الأعظم قبل أن يتفرق الناس عنهم.
لهذا جاء ما جاء في أن الجماعة ما كان على الحق وإن كنت وحدك، الجماعة ما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد الجماعة كما قاله طائفة من علماء السلف, وهذا يريدون به ما كان عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يفسد الناس؛ لأنه حصلت فتن وحصلت في الناس أمور منكرة وافتراق في الدين فكيف تضبط هذه المسألة وهي أعظم المسائل التي هي مسألة الاعتقاد وما يجب اعتقاده وما ينهج في الحياة ؟ قال أهل العلم: إن الجماعة يعني التي من تمسك بها فهو على الجماعة ومن حاد عنها فهو من أهل الفرقة، قالوا هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا ظاهر كما ترى.
المعنى الثاني للاجتماع، اجتماع في الأشخاص والأبدان كما عُبر عنه وهذا هو الذي فهمه ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى ولا شك أن هذا مأمور به في نصوص كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالجماعة بهذا المعنى, الاجتماع على الإمام وعدم التفرق عليه وترك الخروج عليه والبعد عن الفتن التي تفرق المؤمنين وهذا مما تميز به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتميز به أهل السنة في كل عصر، فنظر نظر ابن جرير- رحمه الله تعالى- في هذا المعنى إلى ما فعله الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- مع ما حصل من المأمون والمتوكل والواثق فإنه لم ينـزع يداً من طاعة؛ لأنه رأى أن الاجتماع إنما يحصل بذلك فأخذ بما جاء في النصوص بهذا المعنى وهكذا أهل السنة والجماعة هم على هذين الأمرين، فإذن أهل السنة والجماعة تحصل على أن معنى الجماعة وإن تعددت الأقوال فيه فإن هذه الأقوال كاختلاف التنوع؛ لأن جميعها صحيح دلت عليه نصوص الشرع فباجتماع هذه الأقوال يحصل لنا المعنى الصحيح لأهل السنة والجماعة، فغلِط من غلط في معنى [أهل السنة والجماعة فأدخل في أهل السنة والجماعة الفرق بعض الفرق الضالة،كالأشاعرة والماتردية ومن أمثال من غلط من المتقدمين السفاريني في شرحه (لوامع الأنوار البهية) فقال:أهل السنة والجماعة ثلاث فرق:الأولى الأثرية اتباع الأثر] والثانية الأشعرية اتباع أبي الحسن الأشعري والثالثة الماتريدية أتباع أبي منصور الماتريدي, وإذا كان كذلك فإنه على هذا الكلام إن الأشعرية والماتريدية وأهل الأثر هم جميعاً من الجماعة وهذا باطل لأن أهل الأثر هم الذين تمسكوا بما كانت عليه الجماعة, وأما الأشاعرة والماتريدية فهم يقولون قولتهم المشهورة يقولون: كلام السلف أسلم ولكن كلام الخلف أعلم وأحكم.
وهذا لا شك أنه فيه افتراق وفرقة وخلاف واختلاف عما كانت عليه الجماعة قبل أن يذر نجم الابتداع في هذه الأمة، فإذن هذا الكلام من الكلام الذي هو غلط على أهل السنة والجماعة ولم يقل به أحد من أئمة أهل السنة الذين يفهمون كلام أهل السنة وكلام المخالفين، فإذن أهل السنة والجماعة فرقة واحدة, طائفة واحدة لا غير وهم الذين يعتقدون هذا الاعتقاد الذي سيبينه شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- في هذه الرسالة وإذا تبين لك أن من لم يكن على هذه الجماعة فإنه على الفُرقة والضلال والاختلاف فهذا يعطيك أهمية العناية بهذه الرسالة التي تشرح لك اعتقاد أهل السنة والجماعة قبل أن يخالفها المخالفون وقبل أن يكثر الفساد والاختلاف في هذه الأبواب، وأن تلتزم بطريقتهم ونهجهم في هذه الأمور التي سيبينها شيخ الإسلام في هذه الرسالة العظيمة، كل ما سيأتي في هذه الرسالة هو تفصيل لاعتقاد أهل السنة والجماعة مع شيء من الاقتضاب يناسب هذه الرسالة.

هيئة الإشراف

#9

15 Aug 2022

الروضة الندية للشيخ: زيد بن عبد العزيز بن فياض رحمه الله

المتن:

قال أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحراني (ت: 728هـ): (أَمَّا بَعْدُ: فَهَذَا اعْتِقادُ الفِرْقةِ النَّاجِيَةِ الْمنْصُورَةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ ، أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَة).


الشرح:

قال الشيخ زيد بن عبد العزيز بن فياض (ت: 1416هـ): (" أمَّا بعدُ " كلِمةٌ يُؤْتَى بها للانتِقالِ مِن أُسلُوبٍ إلى غيْرِهِ، وقد كان النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأْتِي بها كَثيراً في خُطَبِهِ ومُكاتَباتِهِ، ومعناها مَهْمَا يَكُنْ مِن شَيءٍ .
والعَقيدةُ : هي ما يَعْقِدُ عليه المَرْءُ ، ويَدِينُ به، قَالَ فِي المِصْباحِ المُنِيرِ :((اعتقدْتُ كَذَا عقَدْتُ عليه الضَّميرَ والقلبَ ، والمَشهورُ أنَّ الصَّلاةَ مِن الملائكةِ معناها الاستِغْفارُ ، ومِن الآدمِيِّينَ الدُّعَاءُ)) .
وقالَ ابنُ القيِّمِ في بَدائعِ الفوائدِ (ج1 ص26-27) : وهو مُشْكِلٌ مِن وُجوهٍ أحدُها : أَنَّ الدُّعاءَ يكونُ بالخيْرِ والشرِ ، والصَّلاةُ لا تكونُ إلاَّ بالخيْرِ ، والثَّاني : أَنَّ " دَعَوْت " تُعَدَّى باللامِ " وصلَّيْت " لا تُعَدَّى إلا بِعَلَى ، و" دَعَا " المُعَدَّى بِعَلَى لَيْسَ بمعنى " صلَّى " وهذا يَدلُّ على أنَّ الصَّلاةَ لَيْسَت بمعنى الدُّعَاءِ ، الثَّالثُ : أنَّ فِعْلَ الدُّعَاءِ يقْتَضِي مَدْعُوًّا ومَدْعُوًّا له تقولُ: دعوتُ اللَّهَ لك بخيْرٍ ، وفِعْلَ الصَّلاةِ ، حتَّى قِيلَ : العقيدةُ ما يَدِينُ الإنسانُ به رَبَّهُ ، وله عقيدةٌ حسَنةٌ سالِمةٌ مِن الشكِّ ، وأصْلُهُ في عقْدِ البَيْعِ ونحوِهِ ، ثم استُعْمِلَ في التَّصْمِيمِ والاعتقادِ الجازِمِ ، فهو يُطْلَقُ على التَّصْدِيقِ مُطْلَقاً ، وعلى ما يُعْتقَدُ مِن أمُورِ الدِّينِ .
والفِـرقةُ بالكَسْـرِ الطَّائِفَةُ مِن النَّاسِ ، والنَّاجيةُ المنصـورةُ . هذا مِن أوْصافِ أهلِ السُّنَّـةِ والجماعـةِ ، كمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لا تَزالُ طائِفةٌ مِن أُمَّتِي على الحقِّ منصورةً لا يَضُرُّهم مَنْ خذَلَهم ولا مَن خالَفَهم حَتَّى يَأتيَ أمْرُ اللَّهِ " .
وأهلُ بَدَلٌ مِن الفِرقةِ بالكسرِ ويَجُوزُ فيه الرَّفْعُ على أنَّه خبَرٌ لمُبتدَأٍ محذوفٍ تقديرُهُ هُمْ ، وبالنَّصْبِ على إضْمارِ فِعْلٍ تقديرُهُ أعْنِي أهْلَ السُّنَّةِ .
وسَيَأْتِي لهذا مَزيدُ بحْثٍ في آخِرِ العَقِيدةِ إنْ شاءَ اللَّهُ .
قالَ الشَّيْخُ في مُناظَرتِهِ لمَنِ اعترَضَ نعْتَهُ لِأهْلِ السُّنَّةِ بأنَّهمُ الفِرقةُ النَّاجيةُ : وزَعمَ أنَّه إذا كان هذا قولُ الفِرقةِ النَّاجيةِ خرجَ عن ذلك مَن لم يقُلْ ذلك مِن المتكَلِّمينَ ، قَالَ الشَّيْخُ : قلتُ لهم ولَيْسَ كُلُّ مَن خالَفَني في شيءٍ مِن هذا يكونُ هالِكاً ، فإنَّ المُنَازِعَ قد يَكونُ مجتَهِداً مُخطِئاً يَغفِرُ اللَّهُ خطاياه ، وقد لا يكونُ بَلَغَهُ في ذلك مِن العِلْمِ ما تَقُومُ عليه الحُجَّةُ ، وقد يكونُ له من الحَسناتِ ما يَمْحُو اللَّهُ به سيِّئاتِهِ ، وإذا كانتْ ألفاظُ الوعيدِ المُتَناوَلةُ لا يجِبُ أنْ يَدْخُلَ فيها المُتَأَوِّلُ ، والقانِتُ ، وذُو الحَسناتِ الماحيةِ ، والمغفورُ له ، وغيرُ ذلك ، فهذا أوْلى ، بلْ مُوجِبُ الكلامِ أنَّ مَنِ اعتقَدَ ذلك نَجَا في هذا الاعتِقادِ ، ومَنِ اعتقَدَ ضِدَّهُ فقدْ يكونُ ناجِيـاً ، وقد لا يكونُ ناجيـاً كما يُقالُ : مَنْ صَمَتَ نَجَا ، وهِي الإيمـانُ باللَّهِ إلخ.