الدروس
course cover
الدرس الرابع والعشرون: الرد على من أنكر تكفير تارك التوحيد
30 Oct 2008
30 Oct 2008

7128

0

0

course cover
كشف الشبهات

القسم الرابع

الدرس الرابع والعشرون: الرد على من أنكر تكفير تارك التوحيد
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

7128

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الرابع والعشرون: الرد على من أنكر تكفير تارك التوحيد

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَيُقَالُ أَيْضاً:

بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ الَّذينَ مَلَكوا المَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَني العَبَّاسِ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَيُصَلُّونَ الجُمُعةَ وَالجَمَاعةَ، فَلمَّا أَظْهرُوا مُخَالفةَ الشَّرِيعةِ في أشْيَاءَ دُون ما نَحْنُ فِيهِ أَجْمَعَ العُلَماءُ على كُفْرِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَأَنَّ بِلادَهُمْ بِلادُ حَرْبٍ، وَغَزَاهُمُ المُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا ما بِأَيْدِيهِم مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ.

وَيُقَالُ أَيْضاً:

إِذَا كَانَ المشركون الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَنَّهُم جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَالقُرْآنِ وَإِنْكَارِ البَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَما مَعْنى البابِ الَّذِي ذَكَرَه العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ: (بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ) -وَهُوَ المُسْلِمُ الذي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلامِهِ- ثُمَّ ذَكَرُوا أَشْيَاء كَثِيرةً، كُلُّ نَوْعٍ مِنْها يُكَفِّرُ وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ ذَكَروا أَشْيَاءَ يَسِيرةً _ عِنْدَ مَنْ فَعَلَها _ مِثْلَ كَلِمةٍ يَذْكُرُها بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ، أَوْ كلمةٍ يَذْكُرُها على وَجْهِ المَزْحِ وَاللَّعِبِ.

وَيُقَالُ أَيْضاً:

الَّذِين قَالَ اللهُ فِيهِم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} أَمَا سَمِعْتَ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ؛ مَعَ كَوْنِهِمْ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ، وَيُصَلُّونَ معه، وَيُزَكُّونَ، وَيَحُجُّونَ، وَيُوحِّدُون الله.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قالَ اللهُ تعالى فِيهِم: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، فَهَؤلاءِ الَّذِينَ صَرَّحَ اللهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَهُمْ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالُوا كلمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُم قَالُوهَا عَلى وَجْهِ المَزْحِ.
فَتَأمَّلْ هذِهِ الشُّبْهَةَ وَهِيَ قَوْلُهُم:تُكَفِّرُونَ المُسْلمينَ؛ أُناساً يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، ويحجُّون، ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَها فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ ما في هَذِهِ الأَوْراقِ).

هيئة الإشراف

#2

28 Nov 2008

شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَيُقَالُ أَيْضاً:

بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ الَّذينَ مَلَكوا المَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَني العَبَّاسِ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَيُصَلُّونَ الجُمُعةَ وَالجَمَاعةَ، فَلمَّا أَظْهرُوا مُخَالفةَ الشَّرِيعةِ في أشْيَاءَ دُون ما نَحْنُ فِيهِ أَجْمَعَ العُلَماءُ على كُفْرِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَأَنَّ بِلادَهُمْ بِلادُ حَرْبٍ، وَغَزَاهُمُ المُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا ما بِأَيْدِيهِم مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ(1).

وَيُقَالُ أَيْضاً:

إِذَا كَانَ المشركون الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَنَّهُم جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَالقُرْآنِ وَإِنْكَارِ البَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَما مَعْنى البابِ الَّذِي ذَكَرَه العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ: (بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ) -وَهُوَ المُسْلِمُ الذي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلامِهِ- ثُمَّ ذَكَرُوا أَشْيَاء كَثِيرةً، كُلُّ نَوْعٍ مِنْها يُكَفِّرُ وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ ذَكَروا أَشْيَاءَ يَسِيرةً _ عِنْدَ مَنْ فَعَلَها _ مِثْلَ كَلِمةٍ يَذْكُرُها بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ، أَوْ كلمةٍ يَذْكُرُها على وَجْهِ المَزْحِ وَاللَّعِبِ(2).

وَيُقَالُ أَيْضاً:

الَّذِين قَالَ اللهُ فِيهِم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} أَمَا سَمِعْتَ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ؛ مَعَ كَوْنِهِمْ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ، وَيُصَلُّونَ معه، وَيُزَكُّونَ، وَيَحُجُّونَ، وَيُوحِّدُون الله.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قالَ اللهُ تعالى فِيهِم: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}(3)، فَهَؤلاءِ الَّذِينَ صَرَّحَ اللهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَهُمْ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالُوا كلمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُم قَالُوهَا عَلى وَجْهِ المَزْحِ.
فَتَأمَّلْ هذِهِ الشُّبْهَةَ وَهِيَ قَوْلُهُم:تُكَفِّرُونَ المُسْلمينَ؛ أُناساً يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، ويحجُّون، ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَها فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ ما في هَذِهِ الأَوْراقِ
(4)).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (ويُقَالُ أَيْضًا) هذا جَوَابٌ خَامِسٌ للشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ (بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ) الذين ادَّعَوْا أَنَّهُم فَاطِمِيُّونَ وَسَاعَدَهُم عَلَى ذَلِكَ مَن سَاعَدَهُم وهم أدْعِيَاءُ لَيْسُوا بِفَاطِمِيِّينَ - أَبُوهُم وَقِصَّةُ تَزَوُّجِهِ المَرْأَةَ وَتَارِيخُهُم مَعْرُوفٌ (الَّذِينَ مَلَكُوا المَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَنِي العَبَّاسِ) وَطَالَتْ لَهُم يَدٌ أَيْضًا على الحَرَمَيْنِ؛ مُلُوكُهُم يُسمَّوْنَ الحَاكِمِيِّينَ؛ الحَاكِمُ فُلاَنٌ والحَاكِمُ فُلاَنٌ (كُلُّهُم يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ويَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ وَيُصَلُّونَ الجُمُعَةَ والجَمَاعَةَ) ويَنْصِبُونَ القُضَاةَ والمُفْتِينَ (فَلَمَّا أَظْهَرُوا مُخَالَفَةَ الشَّرِيعَةِ في أَشْيَاءَ دونَ مَا نَحْنُ فيه) كاسْتِحْلاَلِ بَعْضِ المُحَرَّمَاتِ مِثْلَ تَجْوِيزِهِم الجَمْعَ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ (أَجْمَعَ العُلَمَاءُ) في وَقْتِهِم (عَلَى كُفْرِهِم وقِتَالِهِم) وَلاَ جَعَلُوا الشَّهَادَتَيْنِ والصَّلاَةَ والزَّكَاةَ والجُمُعَةَ والجَمَاعَةَ فَرْقًا مُؤَثِّرًا، بل رَأَوْهُ لاَغِيًا، وذلك أَنَّه وُجِدَ مُكَفِّرٌ فَلَمْ يَنْفَعْهُم مَا هُمْ فِيهِ (و) أَجْمَعُوا في وَقْتِهِم عَلَى (أَنَّ بِلاَدَهُم بِلاَدُ حَرْبٍ) وَأَنَّ جِهَادَهُم أَفْضَلُ جِهَادٍ.(وغَزَاهُم المُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا مَا بِأَيْدِيهِم مِن بُلْدَانِ المُسْلِمَينَ) وَصَنَّفَ ابنُ الجَوْزِيِّ كِتَابًا سَمَّاهُ: (النَّصْرُ عَلَى مِصْرَ) فَكَيْفَ بِمَا نَحْنُ فيه مِن التَّظَاهُرِ بِدِينِ الإِسْلاَمِ مَعَ نَقْضِ أَسَاسِ المِلَّةِ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ؟ وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَن يَكُونُ كُفْرُه عِنَادًا أو جَهْلاً؛ الكُفْرُ منه عِنَادٌ وَمِنْهُ جَهْلٌ.
ولَيْسَ مِن شَرْطِ قِيَامِ الحُجَّةِ عَلَى الكَافِرِ أَنْ يَفْهَمَهَا،بل مَن أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ مِثْلَ مَا يَفْهَمُهَا مِثْلُه فهو كَافِرٌ سَواءٌ فَهِمَها أَوْ لَمْ يَفْهَمْهَا، ولو كَانَ فَهْمُهَا شَرْطًا لَمَا كَانَ الكُفْرُ إلاَّ قِسْمًا وَاحِدًا وهو كُفْرُ الجُحُودِ؛ بل الكُفْرُ أَنْوَاعٌ، منها الجَهْلُ وغَيْرُه، المَقْصُودُ أَنَّ العُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى قِتَالِهِم وكُفْرِهِم، والأُمَّةُ لاَ تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلاَلَةٍ.
وبذلك عَرَفْتَ انْكِشَافَ هذه الشُّبْهَةِ؛ وهو أنَّ النُّطْقَ بالشَّهَادَتَيْنِ لاَ يَكْفِي مَعَ مَا انْضَمَّ إِلَيْهِ مِن فِعْلِ الطَّاعَاتِ إِذَا وُجِدَ أَحَدُ المُكَفِّرَاتِ.

(2) (وَيُقَالُ أَيْضًا) هَذَا جَوَابٌ سَادِسٌ عَلَى الشُّبْهَةِ السَّابِقَةِ (إِذَا كَانَ الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَِنَّهُم جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وتَكْذِيبِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالقُرْآنِ) يَعْنِي: وتَكْذِيبِهِ (وَإِنْكَارِ البَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَمَا مَعْنَى البَابِ الذِي ذَكَرَهُ العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ) المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهَا (بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ) وَعَرَّفُوهُ بتَعَارِيفَ (وهو المُسْلِمُ الَّذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلاَمِهِ) فَهَذَا المَذْكُورُ في هَذَا البَابِ إِجْمَاعٌ مِنْهُم أَنَّه يَخْرُجُ مِن المِلَّةِ، وَلَوْ مَعَهُ الشَّهَادَتَانِ، لأَِجْلِ اعْتِقَادٍ وَاحِدٍ أو عَمَلٍ واحِدٍ أو قَوْلٍ وَاحِدٍ يَكْفِي بِإِجْمَاعِ أَهْلِ العِلْمِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فيه، وَأَنَّهُ لَيْسَ المُرْتَدَّ الَّذِي يَخْرُجُ عن الإِسْلاَمِ بالمَرَّةِ، بل هو قِسْمٌ والقِسْمُ الآخَرُ هو مَا تَقَدَّمَ (ثُمَّ ذَكَرُوا أَنْواعًا كَثِيرَةً) ومَثَّلُوا له أَمْثِلَةً (كُلُّ نَوْعٍ مِنْهَا يُكَفِّرُ وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ) وقَالُوا: مَن قَالَ كَذَا أو اعْتَقَدَ كذا فهو كَافِرٌ، وَأَنَّه لاَ يَنْفَعُه جَمِيعُ مَا عَمِلَ بِهِ (حَتَّى إِنَّهُم ذَكَرُوا أَشْيَاءَ يَسِيرَةً عِنْدَ مَن فَعَلَهَا مِثْلَ كَلِمَةٍ يَقُولُها بِلِسَانِهِ دونَ قَلْبِهِ أو كَلِمَةٍ يَقُولُها عَلَى وَجْهِ المَزْحِ واللَّعِبِ) حَتَّى إِنَّ بَعْضَ أَهْلِ المَذَاهِبِ يُكَفِّرُونَ مَن صَغَّرَ اسْمَ المَسْجِدِ أو المُصْحَفِ.
ومَا ذَكَرُوه وَعَرَّفُوه هو في الجُمْلَةِ: يُوجِدُ أَشْيَاءَ يَكُونُ بِهَا الإِنْسَانُ مُرْتَدًّا، وَلَوْ نَطَقَ بالشَّهَادَتَيْنِ وصَلَّى، بَلْ وَلَوْ أَضَافَ إِلَى ذَلِكَ تَرْكَ المُحَرَّمَاتِ وأَتَى بِمُكَفِّرٍ هَدَمَ جَمِيعَ مَا مَعَهُ مِن الإِسْلاَمِ؛ فَإِنَّ وُجُودَ المُكَفِّرَاتِ الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الرَّجُلُ مُرْتَدًّا كَثِيرَةٌ لاَ تُحْصَرُ.

والوَاحِدُ مِن أَسْبَابِ الرِّدَّةِ كَوْنُه يَجْعَلُ لَهُ واحِدًا مِن حَقِّ رَبِّ العَالَمِينَ كَافٍ في كُفْرِهِ، وَكَوْنُه اتَّخَذَهُ إِلَهًا وَلَوْ لَيْسَ مِن كُلِّ وَجْهٍ، بل يَكْفِي كَوْنُه جَعَلَهُ يَصْلُحُ لِحَقِّ رَبِّ العَالَمِينَ؛ فَلَيْسَ مِن شَرْطِ المُرْتَدِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَطْرَافِ الرِّدَّةِ، أو يَجْمَعَ الشِّرْكِيَّاتِ، أو أَنَّ رَبَّ العَالَمِينَ ومَعْبُودَه واحِدٌ في جَمِيعِ مَا يَسْتَحِقُّ.وبِهَذَا تَنْكَشِفُ شُبْهَتُهُ؛ وهو أَنَّه وَلَوْ نَطَقَ بالشَّهَادَتَيْنِ وصَلَّى وَصَامَ فَإِنَّه يَصِيرُ بِهِ مُرْتَدًّا ويَصِيرُ أَسْوَأَ حَالاً مِمَّن لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَصْلُ الإِسْلاَمِ عِنْدَ جَمِيعِ العُلَمَاءِ.والصَّحِيحُ مِن قَوْلَيِ العُلَمَاءِ أَنَّ كُفَّارَ هَذِهِ الأَزْمَانِ مُرْتَدُّونَ؛فَكَوْنُهم يَنْطِقُونَ بِلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ صَبَاحًا وَمَسَاءً ويَنْقُضُونَهَا صَبَاحًا وَمَسَاءً، فلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ يَدْخُلُ بِهَا في الإِسْلاَمِ في الجُمْلَةِ. والقَوْلُ الثَّانِي:أَنَّهُم كُفَّارٌ أَصْلِيُّونَ؛ فَإِنَّهُم لَمْ يُوَحِّدُوا في يَوْمٍ مِن الأَيَّامِ حَتَّى يُحْكَمَ بِإِسْلاَمِهِم.

(3) (وَيُقَالُ أَيْضًا) هَذَا جَوَابٌ سَابِعٌ عن شُبْهَتِهِم السَّابِقَةِ، والأَجْوِبَةُ السَّابِقَةُ ظَاهِرَةٌ لَكَ في كَشْفِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ (الَّذِينَ قَالَ اللهُ فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} أَمَا سَمِعْتَ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ مَعَ كَوْنِهِم في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ ويُصَلُّونَ مَعَهُ ويُزَكُّونَ وَيَحُجُّونَ ويُوَحِّدُونَ) ويَنْطِقُونَ بالشَّهَادَتَيْنِ، ويَدِينُونَ دِينَ المُسْلِمِينَ في الظَّاهِرِ، فَكَيْفَ بِمَنْ جَعَلَ الأَنْدَادَ مَعَاذَهُ ومَلاَذَهُ ومَلْجَأَهُ في الرَّغَبَاتِ، كَمَا هو الوَاقِعُ مِن القُبُورِيِّينَ والعِيَاذُ باللهِ، فَلِسَانُه يَقُولُ (لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) وعَمَلُهُ يَقُولُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ فَلاَنٌ.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قَالَ اللهُ فِيهِم: {أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فهؤلاء الذين صَرَّحَ اللهُ أَنَّهُم كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِم وهم مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالُوا كَلِمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُم قَالُوهَا عَلَى وَجْهِ المَزْحِ) كَفَرُوا بِسَبَبِ كَلِمَةٍ واحِدَةٍ، وَهُم يَعْمَلُونَ الأَعْمَالَ الشَّرْعِيَّةَ ويَعْمَلُونَ أَعْمَالَ المُسْلِمِينَ، فَصَارُوا بِهَا كُفَّارًا بَعْدَ إِيمَانِهِم؛ لَمَّا صَدَرَ مِنْهُم شَيْءٌ وَاحِدٌ صَارُوا كُفَّارًا مُرْتَدِّينَ، فَبِهَذَا تَنْكَشِفُ شُبْهَةُ المُشَبِّهِ بِهَذِه الشُّبْهَةِ.
(4) (فَتَأَمَّلْ هَذِه الشُّبْهَةَ وهي قَوْلُهُم: تُكَفِّرُونَ مِن المُسْلِمِينَ أُنَاسًا يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ ويُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ، ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَهَا) يَعْنِي مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ عَلَيْهَا مِن الأَجْوِبَةِ (فَإِنَّهُ مِن أَنْفَعِ مَا فِي هَذِه الأَوْرَاقِ) فَإِنَّهُ مِن أَنْفَعِ مَا ذَكَرَهُ المُصَنِّفُ في هَذَا المُؤَلَّفِ؛ وذَلِكَ لأَِنَّهَا شُبْهَةٌ قَدْ تَرُوجُ عَلَى مَن لاَ يَعْرِفُ وَلاَ يَفْهَمُ، فَيَظُنُّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ المُشَبِّهُ فُرُوقٌ مُؤَثِّرَةٌ؛ وَبِمَا ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ يَتَبَيَّنُ لَكَ أَنَّهَا فُرُوقٌ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ، فَإِنَّ أَهْلَ العِلْمِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ هَذِه فُرُوقٌ لاَ تُؤَثِّرُ.

هيئة الإشراف

#3

28 Nov 2008

شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَيُقَالُ أَيْضاً:

بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ(1) الَّذينَ مَلَكوا المَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَني العَبَّاسِ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَيُصَلُّونَ الجُمُعةَ وَالجَمَاعةَ، فَلمَّا أَظْهرُوا مُخَالفةَ الشَّرِيعةِ في أشْيَاءَ دُون ما نَحْنُ فِيهِ أَجْمَعَ العُلَماءُ على كُفْرِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَأَنَّ بِلادَهُمْ بِلادُ حَرْبٍ، وَغَزَاهُمُ المُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا ما بِأَيْدِيهِم مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ.

وَيُقَالُ أَيْضاً(2):

إِذَا كَانَ المشركون الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَنَّهُم جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَالقُرْآنِ وَإِنْكَارِ البَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَما مَعْنى البابِ الَّذِي ذَكَرَه العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ: (بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ) -وَهُوَ المُسْلِمُ الذي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلامِهِ- ثُمَّ ذَكَرُوا أَشْيَاء كَثِيرةً، كُلُّ نَوْعٍ مِنْها يُكَفِّرُ وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ ذَكَروا أَشْيَاءَ يَسِيرةً _ عِنْدَ مَنْ فَعَلَها _ مِثْلَ كَلِمةٍ يَذْكُرُها بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ، أَوْ كلمةٍ يَذْكُرُها على وَجْهِ المَزْحِ وَاللَّعِبِ.

وَيُقَالُ أَيْضاً:

الَّذِين قَالَ اللهُ فِيهِم(3): {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} أَمَا سَمِعْتَ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ؛ مَعَ كَوْنِهِمْ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ، وَيُصَلُّونَ معه، وَيُزَكُّونَ، وَيَحُجُّونَ، وَيُوحِّدُون الله.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قالَ اللهُ تعالى فِيهِم: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، فَهَؤلاءِ الَّذِينَ صَرَّحَ اللهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَهُمْ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالُوا كلمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُم قَالُوهَا عَلى وَجْهِ المَزْحِ.
فَتَأمَّلْ هذِهِ الشُّبْهَةَ وَهِيَ قَوْلُهُم:تُكَفِّرُونَ المُسْلمينَ؛ أُناساً يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، ويحجُّون، ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَها فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ ما في هَذِهِ الأَوْراقِ).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) قولُهُ: (ويُقالُ أيضًا: بَنُو عُبَيْدٍ القدَّاحِ...) إلخ، هذا جوابٌ خامسٌ، وهوَ إجْماعُ العلماءِ على كفرِ بَنِي عُبَيْدٍ القدَّاحِ الَّذين مَلَكُوا المَغْرِبَ ومِصْرَ، وكانوا يَشْهَدونَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، ويُصَلُّونَ الجُمُعةَ والجماعاتِ، ويَدَّعونَ أنَّهم مُسلمونَ، ولكنَّ ذلكَ لمْ يَمْنَعْهم مِنْ حُكْمِ المسلمينَ عليهم بالرِّدَّةِ حينَ أَظْهَروا مُخالَفةَ المسلمينَ فِي أشياءَ دونَ التَّوحيدِ حتَّى قاتَلُوهُم واسْتَنْقَذوا ما بأيدِيهم.

(2) قولُهُ: (ويُقالُ أيضًا: إذا كانَ الأوَّلونَ لمْ يَكْفُروا إلاَّ أنَّهم...) إلخ، هذا جوابٌ سادسٌ، مَضْمونُهُ أنَّهُ إذا كانَ الأوَّلونَ لمْ يَكْفُروا إلاَّ حينَ جَمَعوا جميعَ أنواعِ الكفرِ مِن الشِّركِ والتَّكْذيبِ والاسْتِكْبارِ، فما معنى ذِكْرِ أنواعٍ مِن الكفرِ في (بابِ حُكْمِ المُرْتَدِّ)، كلُّ نوعٍ مِنها يُكَفِّرُ، حتَّى ذَكَروا أشياءَ يَسيرةً عندَ مَنْ فعَلَها مِثلَ كَلِمَةٍ يَذْكُرُها بلسانِهِ دونَ قلبِهِ، أوْ كلمةٍ يَذْكُرُها على وجهِ المَزْحِ واللَّعبِ، فلولا أنَّ الكفرَ يَحْصُلُ بِفعلِ نوعٍ منهُ وإنْ كانَ الفاعلُ مُسْتَقِيمًا في جانبٍ آخَرَ، لمْ يَكُنْ لذِكرِ الأنواعِ فائدةٌ.
يَقولُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: وممَّا يَدْفَعُ شُبَهَ هؤلاءِ، أنَّ الفُقهاءَ في كلِّ مذهبٍ، ذَكَرُوا في كُتبِهم (بابِ حُكْمِ المُرْتَدِّ) وذَكَروا أنواعًا كثيرةً، حتَّى ذَكَروا الكلمةَ يَذْكُرُها الإِنسانُ بلسانِهِ ولا يَعْتَقِدُها بقلبِهِ، أوْ يَذْكُرُها على سبيلِ المَزْحِ، ومعَ ذلكَ كَفَّرُوهم وأَخْرَجُوهم مِن الإِسلامِ بها، وسيَأْتِي لذلكَ مَزِيدُ بَيانٍ وإيضاحٍ.

(3) قولُهُ: (ويُقالُ أيضًا: الَّذين قالَ اللهُ فيهم:

{يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا}...) إلخ، هذا جوابٌ سابعٌ، مَضمونُهُ واقِعَتَانِ:
الأولى: أنَّ اللهَ تعالى حَكَمَ بكُفْرِ المُنافِقِينَ الَّذينَ قالوا كلمةَ الكفرِ، معَ أنَّهم كانوا معَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلُّونَ ويُزَكُّونَ ويَحُجُّونَ ويُجاهِدونَ ويُوَحِّدونَ.
الثَّانيةُ: أنَّهُ حكَمَ بكفرِ المُنافِقِينَ الَّذينَ اسْتَهْزَئُوا باللهِ وآياتِهِ ورسولِهِ وقالُوا: (ما رَأَيْنا مِثلَ قُرَّائِنا هؤلاءِ أَرْغَبَ بُطونًا، ولا أَكْذَبَ أَلْسُنًا، ولا أَجْبَنَ عندَ اللِّقاءِ) يَعْنِي رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابَهُ القُرَّاءَ، فأنْزَلَ اللهُ فيهم: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، فَحَكَمَ بكُفْرِهم بعدَ إيمانِهم معَ أنَّهم ذَكَروا أنَّهم كانوا يَسْتَهْزِئُونَ ولمْ يَقولوا ذلكَ على سبيلِ الجِدِّ، وكانوا يُصَلُّونَ ويَتَصَدَّقونَ.

ثمَّ ذَكَرَ المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ الجوابَ على هذهِ الشُّبْهةِ مِنْ أَنْفَعِ ما في هذهِ الأوْراقِ(1).


حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) لأن هذه الشبهة من أشد شبه أعداء الدعوة، وقد أطال إمام الدعوة في ذكر الأجوبة عنها بما لم يفعله في غيرها، ولهذا قال: (فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق).

ومما يستطرف ذكره أن قوله هنا: (هذه الأوراق) فيه إشارة إلى تقليلها تسهيلاً على المتعلم وترغيباً له في مطالعتها وحفظها.

هيئة الإشراف

#4

28 Nov 2008

شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان 

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَيُقَالُ أَيْضاً:

بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ الَّذينَ مَلَكوا المَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَني العَبَّاسِ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَيُصَلُّونَ الجُمُعةَ وَالجَمَاعةَ، فَلمَّا أَظْهرُوا مُخَالفةَ الشَّرِيعةِ في أشْيَاءَ دُون ما نَحْنُ فِيهِ أَجْمَعَ العُلَماءُ على كُفْرِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَأَنَّ بِلادَهُمْ بِلادُ حَرْبٍ، وَغَزَاهُمُ المُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا ما بِأَيْدِيهِم مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ(1).

وَيُقَالُ أَيْضاً:

إِذَا كَانَ المشركون الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَنَّهُم جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَالقُرْآنِ وَإِنْكَارِ البَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَما مَعْنى البابِ الَّذِي ذَكَرَه العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ: (بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ) -وَهُوَ المُسْلِمُ الذي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلامِهِ- ثُمَّ ذَكَرُوا أَشْيَاء كَثِيرةً، كُلُّ نَوْعٍ مِنْها يُكَفِّرُ وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ ذَكَروا أَشْيَاءَ يَسِيرةً _ عِنْدَ مَنْ فَعَلَها _ مِثْلَ كَلِمةٍ يَذْكُرُها بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ، أَوْ كلمةٍ يَذْكُرُها على وَجْهِ المَزْحِ وَاللَّعِبِ(2).

وَيُقَالُ أَيْضاً:

الَّذِين قَالَ اللهُ فِيهِم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} أَمَا سَمِعْتَ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ؛ مَعَ كَوْنِهِمْ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ، وَيُصَلُّونَ معه، وَيُزَكُّونَ، وَيَحُجُّونَ، وَيُوحِّدُون الله.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قالَ اللهُ تعالى فِيهِم: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، فَهَؤلاءِ الَّذِينَ صَرَّحَ اللهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَهُمْ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالُوا كلمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُم قَالُوهَا عَلى وَجْهِ المَزْحِ.
فَتَأمَّلْ هذِهِ الشُّبْهَةَ وَهِيَ قَوْلُهُم:تُكَفِّرُونَ المُسْلمينَ؛ أُناساً يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، ويحجُّون، ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَها فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ ما في هَذِهِ الأَوْراقِ).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (1) ثَالِثًا: في عَهْدِ العبَّاسِيِّينَ ظَهَرَتْ فِرْقَةُ العُبَيْدِيِّينَ، وهُم طَائِفَةُ الشِّيعَةِ الإِسْمَاعِيلِيَّةِ؛ لأَِنَّهم يَنْتَسِبُونَ إلى إِسْمَاعِيلَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ جَعْفَرٍ، ولذلك سُمُّوا بالإِسْمَاعِيلِيَّةِ والفَاطِمِيَّةِ؛ لأَِنَّهُم يَزْعُمُونَ أنَّهم مِن ذُرِّيَّةِ فَاطِمَةَ، ولذلك يُقَالُ لَهُم: الفَاطِمِيُّونَ، وفي الحَقِيقَةِ أنَّهُم مِن اليَهُودِ أَظْهَرُوا الإِسْلاَمَ، ولَكِنْ ظَهَرَ مِنْهُم كُفْرِيَّاتٌ، وفي النِّهَايَةِ ادَّعَى حُكَّامُهُم الأُلُوهِيَّةَ مِثْلَ: الحَاكِمِ العُبَيْديِّ.

فالصَّحَابَةُ قَاتَلُوا بَنِي حَنِيفَةَ وهُمْ يَشْهَدُونَ أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ويَصُومُونَ ويَحُجُّونَ، لَكِنْ لَمَّا ادَّعَوْا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ نَبِيٌّ كَفَّرُوهُم؛ لأَِنَّ مَن اعْتَقَدَ في شَخْصٍ بَعْدَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أنَّه نَبِيٌّ فَقَدْ كَفَرَ، وإِنْ كَانَ يُصَلِّي ويَصُومُ، ولِذَلِكَ حَكَمَ المُسْلِمُونَ اليَوْمَ بكُفْرِ القَادْيَانِيَّةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ نُبُوَّةَ أَحْمَدَ القَادْيَانِيِّ، فَإِذَا كَانَ مَن رَفَعَ رَجُلاً إِلَى مَرْتَبَةِ النَّبِيِّ كَفَرَ، فكيف لاَ يَكْفُرُ مَن رَفَعَ رَجُلاً إِلَى مَرْتَبَةِ رَبِّ العَالَمِينَ، وصَرَفَ له أَنْواعًا مِن العِبَادَةِ كالذَّبْحِ والنَّذْرِ والدُّعَاءِ والاسْتِغَاثَةِ وغيرِ ذَلِكَ؟!!
وَقَوْلُ الشَّيْخِ: كَمَنْ رَفَعَ تَاجًا، وشِمْسَانَ، ويُوسُفَ، هذه أَسْمَاءُ رِجَالٍ في الرِّيَاضِ والخَرْجِ كَانُوا يُعْبَدُونَ في زَمَانِهِ بِحُجَّةِ أَنَّهُم أَوْلِيَاءُ، ولَهُم شَعْوَذَاتٌ وخَوَارِقُ، وَهُم عَلَى طَرِيقَةِ الحَلاَّجِ وابنِ عَرَبِيٍّ.

(2) الوَجْهُ الثَّالِثُ: أنَّ العُلَمَاءَ -رَحِمَهُم اللهُ- عَقَدُوا بَابًا في كُتُبِ الفِقْهِ سَمَّوْهُ بَابَ الرِّدَّةِ، وذَكَرُوا فيه نَوَاقِضَ الإِسْلاَمِ، وذَكَرُوا أَشْيَاءَ قَدْ تَكُونُ صَغِيرَةً في أَعْيُنِ النَّاسِ، ولكن حَكَمُوا أَنَّ مَن فَعَلَهَا أَوِ اعْتَقَدَهَا يَكْفُرُ، مَعَ أَنَّهُ يُصَلِّي ويَصُومُ ويَعْبُدُ اللهَ، ولَمْ يَحْصُرُوا حُصُولَ الرِّدَّةِ فيما ذَكَرْتُمْ.

- الوَجْهُ الرَّابِعُ: أنَّ اللهَ حَكَمَ بِكُفْرِ أُنَاسٍ لِقَوْلِهِم كَلِمَةً تَكَلَّمُوا بِهَا أَبْطَلَتْ إِسْلاَمَهُم وإِيمَانَهُم، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} فَكَفَّرَهُم بِكَلِمَةٍ مَعَ كَوْنِهِم مَعَ رَسُولِ اللهِ يُصَلُّونَ ويُجَاهِدُونَ.

- الوَجْهُ الخَامِسُ: أنَّ اللهَ كَفَّرَ أُنَاسًا بِسَبَبِ كَلاَمٍ قَالُوهُ عَلَى وَجْهِ المِزَاحِ واللَّعِبِ وأَنْزَلَ في شَأْنِهِم: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ (65)لاَ تعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} مَعَ أَنَّهُم يُصَلُّونَ، وَقَدْ غَزَوْا مَعَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- في غَزْوَةِ تَبُوكَ، لَكِنْ لَمَّا قَالُوا هذه الكَلِمَةَ كَفَرُوا بعدَ إِيمَانِهِم، ولَمْ يَنْفَعْهُم أَنَّهُم يُصَلُّونَ ويَصُومُونَ ويُجَاهِدُونَ.

فَهَذِهِ الوُجُوهُ فيها إِبْطَالُ هذه الشُّبْهَةِ، وفي الحَقِيقَةِ أنَّها مِن أَعْظَمِ الشُّبَهِ، ولكنَّ جَوَابَهَا واضِحٌ وللهِ الحَمْدُ.

وأمَّا قَوْلُهُم: إنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فيهم القُرْآنُ لاَ يَشْهَدُونَ أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، ويُكَذِّبون الرَّسولَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- ويُنْكِرُونَ البَعْثَ، ويُكَذِّبُونَ القُرْآنَ ويَجْعَلُونَهُ سِحْرًا، ونَحْنُ نَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ونُصَدِّقُ القُرْآنَ ونُؤْمِنُ بالبَعْثِ، ونُصَلِّي ونَصُومُ، فكيف تَجْعَلُونَنَا مِثْلَ أُولَئِكَ؟!!
فالجَوَابُ عنه: أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ اللهَ في شَيْءٍ وكَذَّبَهُ في شَيْءٍ فهو كَافِرٌ مُرْتَدٌّ عن الإِسْلاَمِ، كَمَنْ آمَنَ بِبَعْضِ القُرْآنِ وجَحَدَ بَعْضَهُ، وكَمَنْ أَقَرَّ بالتَّوْحِيدِ وجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاَةِ، أو أَقَرَّ بالتَّوْحِيدِ والصَّلاَةِ وجَحَدَ وجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذا كُلِّه وَجَحَدَ الصَّوْمَ، أو أَقَرَّ بِهَذا كُلِّه وجَحَدَ الحَجَّ، وإِنْ كَانَ يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ.
الوَجْهُ السَّادِسُ: أنَّ مَنْ جَحَدَ وجُوبَ الحَجِّ كَفَرَ، وإِنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ ويُصَلِّي ويَصُومُ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلعَالَمِينَ} إلى قَوْلِهِ: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ} فَدَلَّت الآياتُ عَلَى أَنَّ مَن جَحَدَ وُجُوبَ الحَجِّ كَفَرَ، وإِنْ كَانَ يَشْهَدُ أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ، فكيف بِمَنْ جَحَدَ التَّوْحيدَ وأَجَازَ عِبَادَةَ القُبُورِ؟!

هيئة الإشراف

#5

28 Nov 2008

شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَيُقَالُ أَيْضاً:

بَنُو عُبَيْدٍ القَدَّاحِ الَّذينَ مَلَكوا المَغْرِبَ وَمِصْرَ في زَمَنِ بَني العَبَّاسِ كُلُّهُمْ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَيَدَّعُونَ الإِسْلامَ، وَيُصَلُّونَ الجُمُعةَ وَالجَمَاعةَ، فَلمَّا أَظْهرُوا مُخَالفةَ الشَّرِيعةِ في أشْيَاءَ دُون ما نَحْنُ فِيهِ أَجْمَعَ العُلَماءُ على كُفْرِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَأَنَّ بِلادَهُمْ بِلادُ حَرْبٍ، وَغَزَاهُمُ المُسْلِمُونَ حَتَّى اسْتَنْقَذُوا ما بِأَيْدِيهِم مِنْ بُلْدَانِ المُسْلِمِينَ.

وَيُقَالُ أَيْضاً:

إِذَا كَانَ المشركون الأَوَّلُونَ لَمْ يَكْفُرُوا إِلاَّ لأَنَّهُم جَمَعُوا بَيْنَ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ وَالقُرْآنِ وَإِنْكَارِ البَعْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، فَما مَعْنى البابِ الَّذِي ذَكَرَه العُلَمَاءُ في كُلِّ مَذْهَبٍ: (بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ) -وَهُوَ المُسْلِمُ الذي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلامِهِ- ثُمَّ ذَكَرُوا أَشْيَاء كَثِيرةً، كُلُّ نَوْعٍ مِنْها يُكَفِّرُ وَيُحِلُّ دَمَ الرَّجُلِ وَمَالَهُ، حَتَّى إِنَّهُمْ ذَكَروا أَشْيَاءَ يَسِيرةً _ عِنْدَ مَنْ فَعَلَها _ مِثْلَ كَلِمةٍ يَذْكُرُها بِلِسَانِهِ دُونَ قَلْبِهِ، أَوْ كلمةٍ يَذْكُرُها على وَجْهِ المَزْحِ وَاللَّعِبِ.

وَيُقَالُ أَيْضاً:

الَّذِين قَالَ اللهُ فِيهِم: {يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ} أَمَا سَمِعْتَ اللهَ كَفَّرَهُمْ بِكَلِمَةٍ؛ مَعَ كَوْنِهِمْ في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ، وَيُصَلُّونَ معه، وَيُزَكُّونَ، وَيَحُجُّونَ، وَيُوحِّدُون الله.

وَكَذَلِكَ الَّذِينَ قالَ اللهُ تعالى فِيهِم: {قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، فَهَؤلاءِ الَّذِينَ صَرَّحَ اللهُ فِيهِمْ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَهُمْ مَعَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكٍ قَالُوا كلمَةً ذَكَرُوا أَنَّهُم قَالُوهَا عَلى وَجْهِ المَزْحِ.
فَتَأمَّلْ هذِهِ الشُّبْهَةَ وَهِيَ قَوْلُهُم:تُكَفِّرُونَ المُسْلمينَ؛ أُناساً يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، ويحجُّون، ثُمَّ تَأَمَّلْ جَوَابَها فَإِنَّهُ مِنْ أَنْفَعِ ما في هَذِهِ الأَوْراقِ).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (قال الإمام - رحمه الله - في إيراده للأدلة وتقعيدات على جواب هذه الشبهه: (ويقال أيضاً: بنو عبيدٍ القداح الذين ملكوا المغرب ومصر في زمان بني العباس كلهم يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويدعون الإسلام، ويصلون الجمعة والجماعة، فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه، أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتى استنقذوا ما بأيديهم من بلدان المسلمين)

بنو عبيد القداح:هم الذين يسميهم كثير من المؤرخين الفاطميين، ويسمون دولتهم العبيدية: الدولة الفاطمية، ونسبتهم إلى فاطمة الزهراء -رضي الله عنها- أو إلى علي نسبة مرفوضة، إذ أن المحققين من المؤرخين غلَّطوا هذه النسبة وقالوا: إن هؤلاء من المجوس ومن الفرس ولا ينتسبون إلى علي رضي الله عنه في النسب، ولهذا يقال لهم: العبيديون، ولا يقال لهم الفاطميون، فهم بنو عبيد القداح، وهذا القداح قد نشأ على عقيدة الإسماعيلية، ثم هرب بعقيدته إلى اليمن، وأنشأ فيها دعوة إسماعيلية باقية إلى الآن.
وانتقل بعد ذلك لما طرد إلى المغرب الأقصى فابتدأ فيها دعوته وقوي، ثم مع الزمن كثر أتباعه وجنده فبدؤوا بالحروب، فابتدؤوا من المغرب إلى أن وصلوا إلى مصر، واحتلوا كل هذه البلاد، وغلبوا عليها، وأقاموا فيها الدولة المسماة بالدولة العبيدية.والقرامطة نوع منهم من الإسماعيليين، وكان بينهم وبين بني عبيد القداح صلات قوية وهؤلاء خدم لهؤلاء، لكن حصل بينهم خلاف في آخر الأمر أدى إلى استقلال هؤلاء وهؤلاء، والقرامطة هم الذين غزوا البيت الحرام، وقتلوا الناس فيه، مثل ما قال كبيرهم:

أنا الله والله أنا يَخلُق الخلق وأُفنيهم أنا

وهذا لأجل اعتقادهم في نوع من الحلول، واعتقاداتُهم الباطنية كفَّرهم العلماء بها.لما وَلُوا مصر وكانت شوكتهم فيها، لم يتقدموا إلى الشام ولا إلى العراق وإنما كانت شوكتهم فيها، ودام حكمهم نحو مائتين من السنين، ابتلوا العلماء في عقائد باطنة، حتى ذكر الحافظ الذهبي في (العبر) وفي غيره؛ أنهم يأتون بالعالم السني فيذكرون له أشياء من عقائدهم الباطنية فإن لم يُقر سُلخ جلده أمام الناس، يعني: أحميت النار والحديد وسلخ جلده كما تسلخ الذبيحة، وعظم هذا في الناس جداً وأسسوا للدعوة إلى دين الباطنية الأزهر المعروف الآن، ومضى عليه قرون وهو على طريقة الإسماعيلية، ثم بعد ذلك لما انتهت الدولة العبيدية رجع إلى يد جملة أهل السنة في مقابلة طوائف الباطنية.فكانت عقائدهم في الباطن عقائد إلحادية من جنس عقائد الذين حرقهم علي -رضي الله عنه- وخدَّ لهم الأخاديد، ومنهم ظهرت النصيرية، ومنهم ظهر الدروز الذين يؤلهون الحاكم بأمر الله العبيدي، ويعتقدون - ولم يظهروا ذلك - أن (الإله) يحل في الأشخاص، وأنه تنقل في سبعة حتى كان آخر هؤلاء السبعة هو الحاكم بأمر الله العبيدي؛ لأنهم يعتقدون في هذا الرقم سبعة، وأول ما يدعون مَن يدعون إلى الحكمة من الرقم سبعة، ويذكرون له - لهم كتب كثيرة ومطبوعة وموجودة، يعني: بينت مذاهبهم على الحقيقة - يذكرون له الرقم سبعة وما فيه.يقولون مثلاً: هل تعتقد أن الله -جل وعلا- الحكيم يخلق سبع سماوات، ويخلق سبع أرضين، ويجعل أيام الأسبوع سبعة، ويجعل الطواف سبعة، ويجعل السعي سبعة، ويجعل كذا سبعة وسبعة وسبعة، ويترك الأئمة بلا عدد سبعة، فلابد أن الإمامة تقف عند سبعة؛ لأن الإمامة أعظم من هذه الأشياء، فإذا أقر لهم بهذه المقدمة قالوا: الأئمة السبعة آخرهم إسماعيل.فبنو عبيد القداح لما أقاموا دولتهم دعوا في الباطن إلى نحلتهم بتفاصيل الأحكام الشرعية التي هي عند الإسماعيلية؛ ومعلوم أن حكم الإسماعيلية من جهة الفقه خارج عن نصوص الكتاب والسنة، فمن جهة فهمهم للأدلة واستنباط الأحكام من الأدلة إنما هو بالاعتقادات الباطنة؛ لأنهم جعلوا لكل نص ظاهراً وباطناً، كذلك عندهم نصوص من الأثر الذي يعتمدون عليه خلاف ما عند السنة.فصار أمرهم إذاً نبذ أحكام كثيرة من الشريعة التي جاءت في الكتاب والسنة وقررها أئمة السنة.فحاصل أمرهم أنهم في الباطن ملاحدة زنادقة،وفي الظاهر دعوا الناس إلى نبذ أحكام كثيرة من الشريعة، وإبطال كثير من الأحكام التي دلت عليها السنة، فرجع أمرهم إلى أنهم لم يلتزموا أحكام الكتاب والسنة، وامتنعوا عن أحكام الكتاب والسنة في كثير بل في الأكثر من المسائل الفقهية وكذلك العقدية.فصار إذاً حكمهم حكم الممتنعين عن تحكيم الكتاب والسنة في المسائل، وصار حكمهم حكم المشرعين الذين أتوا بدين جديد للناس وألزموا به الناس، فينطبق عليهم قاعدة الطائفة الممتنعة الذين لم يلتزموا الأحكام الشرعية، بل هم أبلغ من غير الملتزمين؛ لأنهم جحدوا الأحكام، وعذبوا الأئمة والعلماء في مصر على تلك المسائل.فإذاً قول الشيخ رحمه الله: (فلما أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه) يعني: بإظهار مخالفة الشريعة، يعني: أظهروا عدم الالتزام، وأظهروا جحد الشريعة في الأحكام الشرعية التي هي دون ما نحن فيه من مسألة التوحيد والعبادة، ومن عرف حقيقة أمرهم عرف أن كفرهم وقتال العلماء لهم، وتكفير العلماء للدولة العبيدية كان من جهة أنها دولة باطنية في عقيدتها، مؤلهة لغير الله جل وعلا، هذا في الباطن.وفي الظاهر أظهروا جحد الشريعة، وعدم الالتزام بأحكامها، وعدم الانقياد لها بضابط الانقياد والالتزام الذَينِ ذكرتهما لك آنفاً.فلا شك أن من ألَّه غير الله، وتوجه إلى غير الله، فحكمه الردة أولى من هؤلاء بحسب الظاهر.لهذا قال الشيخ رحمه الله: (فقد أظهروا مخالفة الشريعة في أشياء دون ما نحن فيه).

وهم الذين سنوا في الناس الموالد المختلفة فجعلوا لكل ليلة مولداً، هذا مولد لفلان، وهذا مولد لفلان، وهم الذين سنوا السنة السيئة بالاحتفال بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبمولد الحسين، وبمولد فلان وفلان من الأئمة، إلى آخر أمورهم.


المقصود: أن كفرهم جاء من جحدهم للشريعة،وتكذيبهم لتفسير الأئمة للنصوص، وتفسيرهم لآيات القرآن وأحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- بتفسيرات باطنية مبتدعة، فلا شك أن هذا إظهار للكفر.
والرافضة افترقوا فرقتين - يعني أبناء جعفر - الرافضة بعد جعفر الصادق افترقوا فرقتين:
- فرقة تسمى الجعفرية.
- وفرقة تسمى الإسماعيلية.
وكانت القاعدة في بنِيهم - لو فصَّلنا بعض الشيء - كانت القاعدة في الإمامة فيهم أن الإمام هو الولد الأكبر بعد الإمام الذي قبله، وكان جعفر الصادق الإمامة منعقدة عند الرافضة والشيعة له، وكان ولده الأكبر إسماعيل وولده الأصغر موسى، فغاب إسماعيل في حياة والده جعفر الصادق، في نحو سنة ثمان وأربعين ومائة، ذهبت به أمه وغابت به؛ لأن الذين كانوا يحبون أن تكون الولاية في موسى كادوا لأمه، في قصة تاريخية، المهم أنها هربت وغاب إسماعيل عن الناس، فلما غاب إسماعيل مات جعفر الصادق رحمه الله تعالى، وهو من العلماء الأخيار والفقهاء، لما مات رحمه الله - جعفر الصادق - اختلفوا من الإمام بعده؟ فقال طائفة:القاعدة أن الإمام هو الولد الأكبر، فإسماعيل هو الإمام.
وقال آخرون:إسماعيل لا ندري أمره، فهل نبقي الناس بلا إمام؟
فمن قال ببقاء الإمامة في الولد الأكبر وأن إسماعيل هو الإمام وأنه هو المستحق فنقف بالإمامة حتى يرجع، سمي هؤلاء إسماعيلية، ومن قال بإمامة موسى إذ إن الابن الأكبر لجعفر مات أو انقطعت أخباره، سموا موسوية.ولهذا تجد أن الرافضة الاثني عشرية يركزون على نسبتهم إلى الاثني عشرية الموسوية الجعفرية، فبنسبتهم إلى جعفر يخرجون عن أهل السنة، وبنسبتهم إلى موسى يُخْرِجُون الإسماعيلية، وبنسبتهم إلى الأئمة الاثني عشر يُخرجون كثيراً من طوائف الشيعة التي كانت في الزمن الأول لا تقول ببقاء الإمامة في اثني عشر فقط، بل إنها تتسلسل وآخر أئمتهم العسكري، حصل له مثل ما حصل لإسماعيل في الاختفاء.حصل للطائفتين اعتقادات مختلفة في أن هذا الغائب هو المهدي المنتظر، فالإسماعيلية اعتقدوا في إسماعيل وأنه هو الإمام المنتظر، فدعوا في مواجهة الموسوية إلى نحلتهم سراً، فأصبح لهم عقائد باطنية مختلفة، وأصبح لهم تفسيرات غير ظاهرة، فهم من جهة تفسير النصوص أكثر غلواً من الرافضة؛ لأنهم يجعلون لكل نص ظاهراً وباطناً، فالظاهر للعامة - يعني للسنة - والباطن لأهل الحكمة وهم الإسماعيلية.
قال: (أجمع العلماء على كفرهم وقتالهم وأن بلادهم بلاد حرب) وقوله: (وأن بلادهم بلاد حرب) لأن هؤلاء تغلبوا عليها وحكموها بتلك العقيدة الباطنية والشريعة الإسماعيلية وغلب هذا، والبلاد التي فيها اختلاط مابين أحكام المسلمين وأحكام الكفار اختلف العلماء: هل تسمى بلاد حرب أم لا؟.
فقالت طائفة: إنها تسمى بلاد مسلمين باعتبار الأصل، دار إسلام باعتبار الأصل مالم يغلب حكم الكفر.وقال آخرون: إنها دار إسلام مادام يسمع فيها الأذان.
وقال آخرون من أهل العلم: إن دار الإسلام ودار الحرب، يعني البلد التي فيها هذا وفيها هذا لا يطلق عليها، يتوقف في أن يطلق عليها اسم دار الإسلام أواسم دار الحرب، بل يعامل كل فيها بحسبه، ولا تعامل معاملة دار الإسلام من كل وجه، ولا معاملة دار الحرب من كل وجه؛ في البلاد المختلطة.
وقال آخرون من أهل العلم: إن أحكام الإسلام إذا غلبت فالدار دار إسلام، وإذا غلبت أحكام الكفر فالدار دار كفر، فالمدار على ما يغلب منهما، وهذا الأخير يذهب إليه أكثر أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى، والذي قبله من أنه لا يعطى هذا ولا هذا هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية: لما سئل عن بلد أظنها (دَارِين) في سؤال بأن فيها أحكام الإسلام وفيها أحكام التتر.
قول الشيخ رحمه الله: (وأن بلادهم بلاد حرب) لأن أحكام غير الإسلام غلبت فيها.
هذا الذي ذكره الإمام -رحمه الله تعالى- واضح الدلالة فيما نحن فيه، من أن العلماء لم يجعلوا من أظهر الشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وبعض العبادات أنه لا يكفر مطلقاً، بل نصوا على أنه يكفر في باب حكم المرتد إذا فعل أشياء أو اعتقد أشياء، أو قال أشياء، كذلك هذه الأمة حصل منها تكفير لطوائف، كفَّروا من قال برسالة مسيلمة وقاتلوهم، وكفروا مانعي الزكاة غير الممتنعين عن الالتزام بها، وكفروا بني عبيد القداح لعقائدهم الباطلة، وتأليههم لعلي -رضي الله عنه- وللأئمة.وعلي -رضي الله عنه- كفَّر من ألهه، وحرقهم بالنار.فهذا كله يدل بوضوح على أن ما ذكره صاحب الشبهة من أن المسلم الذي يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله ويصلي ويزكي ويصوم ويحج أنه لا يكفر بحال، أن هذا باطل بالأوجه الكثيرة التي أوردها في الدرس السابق وفي هذا الدرس.

(ويقال أيضاً: إذا كان الأولون لم يكْفُروا إلا لأنهم جمعوا بين الشرك وتكذيب الرسول -صلى الله عليه وسلم- والقرآن وإنكار البعث وغير ذلك، فما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب: (باب حكم المرتد): وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، ثم ذكروا أنواعاً كثيرة كل نوع منها يُكفِّر ويحل دَمَ الرجل وماله، حتى إنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب).

وتحصيل هذا: أن العلماء من جميع المذاهب المتبوعة، من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية، كل هؤلاء من المذاهب المتبوعة الباقية ومن المذاهب المنقرضة أيضاً، كمذهب ابن جرير ومذهب سفيان ومذهب الأوزاعي ومذهب الليث إلى غير ذلك، هؤلاء عندهم أن المسلم الذي يشهد (أن لا إله إلا الله) وأن محمداً رسول الله، قد يكفر بعد إسلامه، وجماع أنواع الكفر عندهم - يعني: عند جمهور هؤلاء - ترجع إلى أربعة:

الأول: الاعتقاد.
والثاني: القول.
والثالث: الفعل.
والرابع: الشك.
فيُرجعون جميع أنواع المكفرات إلى أحد هذه الأنواع، إما باعتقاد يضاد
(لا إله إلا الله)محمد رسول الله ولوازم الشهادتين، وإما بقول يضاد الإسلام، أو بفعل يضاد الإسلام، أو بشك فيما أنزل الله -جل وعلا- على رسوله صلى الله عليه وسلم.
فمن اعتقد عقيدة تضاد الإسلام من أصله خرج من الدين،ومن قال قولاً يضاد الإسلام من أصله خرج من الدين وكفر بعد إسلامه؛ ولهذا قالوا: (باب حكم المرتد) وهو المسلم الذي كفر بعد إسلام، قالوا: ويكفر المسلم - وبعضهم يقول: يرتد المسلم - باعتقادٍ ككذا وكذا، أو قول ككذا وكذا، أو فعل أو شك، فهذه الأربعة جعلوها أنواعاً لأصول المكفرات.
وإذا كان كذلك فإن العلماء بهذا مجمعون على أن من كان مسلماً فإنه قد يكفر ببعض ما يعرض له مما يضاد الإيمان من أصله، أو يضاد الشهادتين من أصلهما، أو يضاد الإسلام من أصله، والجميع بمعنى واحد، فإذا كان كذلك لم يكن لهذه الشبهة معنى عند الأئمة وعند أتباع الأئمة؛ لأنهم نصوا على كفر المسلم إذا أتى بشيء من المكفرات.فإذاً قولهم: لا يكفر من عبد غير الله، لا يكفر من استغاث بالأموات، لا يكفر من ذبح لغير الله، لا يكفر من استعاذ بغير الله (بشرطه) لا يكفر من استغاث بالأموات، لا يكفر من استعاذ بالأموات، لا يكفر من توكل على الميت، لا يكفر كذا وكذا، لأنه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، فنقول هذا باطل.ثم إن شيخ الإسلام ابن تيمية وجماعة من أهل العلم تتابعوا على نقل الإجماع على أن من اتخذ مع الله -جل وعلا- وسائط يدعوهم أو يتوكل عليهم فقد كفر إجماعاً.وهذا إجماع أقره عليه علماء الحنابلة وطائفة من علماء الشافعية وغير هؤلاء من علماء المذاهب الأخَر، وهذا من الإجماع المعلوم من الدين بالضرورة المعروف؛ لأن معنى التوحيد، معنى الشهادتين: أن يوحد الله -جل وعلا- في العبادة، فمن اتخذ مع الله -جل وعلا- وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم فمعنى ذلك أنه توجه بالعبادة لغير الحق جل وعلا، ومن توجه بالعبادة لغير الحق -جل وعلا- فإنه مشرك كافر.

فإذاً:هذه الشبهة التي أوردوها يقال لهم فيها: ما معنى الباب الذي ذكر العلماء في كل مذهب (باب حكم المرتد)؟ولهذا من العلم الجيد أن يفرد من كل مذهب أنواع المكفرات التي يقولها أئمة ذلك المذهب في كتبهم، سواء منهم المتأخرون أو المتقدمون، فإنك ستجد أن الجميع قد أقر بأن المسلم الذي ثبت إسلامه قد ينتقل عنه بنوع من أنواع المكفرات.

قال: (ثم ذكروا أنواعاً كثيرة كل نوع منها يكفر ويحل دم الرجل وماله) وإحلال الدم والمال في المكفرات فيه تفصيل، منها ما يحتاج معه إلى إقامة حجة، ومنها ما لا يحتاج معه إلى إقامة حجة، ومنها ما يستتاب فيه، ومنها مالا يحُتاج معه إلى استتابة.فمثل المعلوم من الدين بالضرورة، يعني الذي لا يحتاج فيه إلى الاستدلال -يُعلم ضرورة- لا يحتاج لإثباته استدلال، إذ كل مسلم ثبت إسلامه فإنه يعلم هذه المسائل بالاضطرار، يعني: علمها لأن أصل دخوله في الدين متوقف عليها إلا في حالات نادرة، من نشأ ببادية بعيدة أو ما أشبه ذلك.لكن المسائل المعلومة من الدين بالضرورة، يعني: التي لا يُحتاج لإثباتها لاستدلال بل هي شائعة في المسلمين، مثل وجوب الصلوات الخمس، ووجوب الزكاة في الجملة، وتحريم الزنى، وتحريم الخمر، وأشباه ذلك، فإن هذا لا يحتاج معه إلى دليل؛ لأن كل مسلم نشأ على الإسلام أو دخل في الدين وفهمه فإنه يقر بوجوب هذه، ويحرم تلك المحرمات، فليست مما تقع فيه الشبهة.

فإذاً: التكفير قد يكون في مسائل يُحتاج إلى إقامة حجة، وفي مسائل لا يُحتاج معه إلى إقامة حجة،والذي يكفر ويحل الدم والمال هو الحاكم الشرعى، يعني: القاضي أو العالم المفتي فإنه هو الذي يفتي بكفره وحل دمه وماله، وهذا ليس إلى آحاد الناس؛ لأن التكفير حكم شرعي يحتاج في إثباته إلى وجود شرائط، وانتفاء موانع، وإزالة شبهة فيما يحتاج معه إلى إزالة شبهة، إلىغير ذلك، فيحتاج في ذلك إلى حكم حاكم.ثم كما ذكرت لك منها ما يُحتاج فيه إلى استتابة - يعني: في القتل - ومنها مالا يحتاج فيه إلى استتابة، فلو تاب تكون توبته بينه وبين ربه جل وعلا، وأما في الظاهر ففي مسائل لا تقبل التوبة ظاهراً وإن كان يجوز أن تقبل باطناً، يعني إذا صدق في توبته.قال: (حتى إنهم ذكروا أشياء يسيرة عند من فعلها، مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه) وهذا متفق عليه ما بين علماء المذاهب الأربعة، والأئمة الأربعة، في أن الكفر قد يكون بالكلمة دون اعتقاد القلب، فليس من شرط الخروج من الدين أن يعتقد بقلبه؛ بل قد يقول كلمة يذكرها بلسانه دون اعتقاد القلب لما دلت عليه فيكون كافراً بذلك، أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب ولا يواطئ قلبه عليها؛ لأن حماية الشريعة واجبة، ولأن من فعل ذلك فقد ترك التعظيم الواجب.
وأصل الديانة والتوحيد هو تعظيم الله جل وعلا، فإذا وقع في كلمة مكفرة فإن بعض الكلمات لا يحتاج معه إلى اعتقاد القلب، مثل سب الله -جل وعلا- أو سب الرسول -صلى الله عليه وسلم- معيناً، أو سب دين الإسلام هكذا بالإطلاق، أو ما أشبه ذلك، فإن هذا لا يحتاج معه إلى أن يعتقد، بل إذا سب الله -جل وعلا- كفر، ولو لم يعتقد؛ وكذلك إذا سب الرسول -صلى الله عليه وسلم-كفر ولو لم يعتقد، كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه (الصارم المسلول على شاتم الرسول).(أو كلمة يذكرها على وجه المزح واللعب) هذا من جنس المستهزئين الذين قال الله -جل وعلا- فيهم: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}

قال الشيخ رحمه الله بعد ذلك: (ويقال أيضاً) وهذا جواب آخر لأصل الشبهة (الذين قال الله فيهم: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} أما سمعت أن الله كفرهم بكلمة مع كونهم في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ يجاهدون معه، ويصلون، ويزكون، ويحجون، ويوحدون) وهذا الذي نسبه الإمام -رحمه الله- إليهم قد يكون باعتبار الظاهر والباطن جميعاً، وقد يكون باعتبار الظاهر، فإن العلماء اختلفوا هل هؤلاء كانوا من المنافقين أصلاً؟ أو لم يكونوا من المنافقين؟ يعني الذين نزل فيهم قوله: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} وعلى كلٍ فإن قوله: {وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ} حيث جعل الكفر بعد الإسلام - والإسلام هو الظاهر - دل على أن الكفر حصل منهم بمنافاة ما قالوا للإسلام الظاهر.

وهذا يشمل أن يكونوا منافقين، أو أن يكونوا غير منافقين؛ لأن المنافق أسلم ظاهراً ولم يؤمن باطناً، وهو إذا أظهر شيئاً مما يخالف أصل الدين يكفر بعد إسلامه، وكذلك إذا كان من غير المنافقين فإن كلمته تلك جعلته يكفر بعد إسلامه.


قال: {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ} وهذا يدل على أن الكفر يكون بالكلمة، ولم يُشترط هنا ولا في آية الاستهزاء الاعتقاد، ولهذا بنى العلماء قولهم: (إن المسلم يكفر باعتقاد، أو قول، أو فعل، أو شك) على أدلة منها هذه الآية.

أيضاً يضاف إلى ما سبق في تقرير الجواب الأول:أنه قال جل وعلا: {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ} قوله جل وعلا:{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا} دل على أن الكفر معتبر فيه القول، ولو كان يحميهم منه عدم الاعتقاد لنفوا عن أنفسهم الاعتقاد، وأقروا بالقول؛ لأنهم يقصدون البعد عن الكفر، فلما لم يحتجوا باعتقادهم الباطن، ولا بإيمانهم الباطن، دل على حصول الكفر منهم بالظاهر، بالكلمة الظاهرة.

فقوله جل وعلا:{يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُوا} احتاجوا إلى الحلف بالله أنهم لم يقولوا؛ لأن الكفر يعلمون أنه يحصل بقولهم، ولو علموا أنهم لو حلفوا بأنهم لم يعتقدوا، أو لم يقروا بهذا، أو لم يلتزموه في قلوبهم، يعني: لو علموا أنهم لو أحالوا على ما في قلوبهم لنجوا، لأحالوا على ما في قلوبهم، ولكن الله - جل وعلا- بين أنهم حلفوا على انتفاء قولهم أصلاً؛ وذلك لأجل أن يسلموا من الكفر، وقد قال -جل وعلا- بعدها: {وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ}.

(كذلك الذين قال الله فيهم:

{قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُم} ففي هذه الآية صرح الله -جل وعلا- أنهم كفرو بعد إيمانهم وهم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة تبوك، قالوا كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح) وهؤلاء كانوا من المنافقين؛ كما قال الله جل وعلا: {يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً}.
فدلت هذه الآيات على أن هؤلاء كانوا منافقين،وأن تكفيرهم لأجل ما حصل منهم من الاستهزاء بالله، والآيات، والرسول صلى الله عليه وسلم، فتعليق حكم التكفير في الآية بالاستهزاء بهذه الثلاثة؛ دل على أن المسلم الذي يُحكم بإسلامه ظاهراً إذا استهزأ بالله فإنه يكفر بعد إيمانه، أو استهزأ بآيِ الله المتلوة - يعني: بالقرآن - فإنه يكفر بعد إيمانه، أو استهزأ بالرسول -صلى عليه وسلم- فإنه يكفر بعد إيمانه.
{قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ} فدل هذا على تعليق التكفير بالاستهزاء بهذه الثلاثة، وهي:
-الاستهزاء بالله، ويدخل في ذلك السب، واللعن، وأشباه ذلك.
-أو الاستهزاء بالقرآن، أو بالآي نفسها، أو بسورة من القرآن.
-أو استهزاء بالرسول صلى عليه وسلم، أو سب القرآن أو سب الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه لا يقبل منه اعتذاره بأنه لم يعتقد، أو أنه إنما قالها على وجه المزح واللعب {لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} فدل هذا على أن من حصلت منه كلمة الكفر فإنه يكفر بعد إسلامه، ويكفر بعد إيمانه، وهذا هو المراد من تقرير هذا الجواب.


قال -رحمه الله- بعد ذلك: (فتأمل هذه الشبهة، وهي قولهم: تكفرون من المسلمين أناساً يشهدون أن لا إله إلا الله ويصلون ويصومون، ثم تأمل جوابها، فإنه من أنفع ما في هذه الأوراق).
وهذه الأجوبة -أظنها تبلغ تسعة أو عشرة- التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- في جواب هذه الشبهة، وهي لاشك مثل ما وصفها الإمام رحمه الله أنها من أنفع ما في هذه الأوراق؛ لأن الأكثرين ممن أقروا بالتوحيد واعتقدوا صحته صعب عليهم أن يُخرجوا أحداً ممن أظهر الإسلام عن إسلامه بدعوة غير الله، ودعاء الأموات، والذبح لهم، وأشباه ذلك مما فيه صرف العبادة لغير الله؛ لأجل أن هؤلاء مسلمون يشهدون (أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله) ويصلون إلى آخره، حتى إن بعضهم في جبهته أثر العبادة، وحتى إن بعضهم يصوم يوماً ويفطر يوماً.


فيقول:كيف تحكمون عليه بالخروج من الدين وهذه حاله، وهذا ديدنه في العبادة وفي الطاعة وقيام الليل والصيام وكثرة التلاوة وكثرة الصلاة، لأجل أنه دعا غير الله، أو استغاث بغير الله، أو اعتقد في الولي الفلاني أنه يملك له نفعاً أو ضراً، أو أنه يتصرف في شيء من العالم؟ كيف تكفرونه وهو من أهل الصلاح؟

والجواب:أن العلماء - كما ذكر - ذكروا أجوبة كثيرة على هذا، وكل مسلم مهما كانت منزلته فإنه يكفر بعد إسلامه بالشرك؛ باعتقاد باطل، أو بقول باطل يضاد الإسلام من أصله، أو بعمل يضاد الإسلام من أصله كالسجود لصنم، أو رمي المصحف في القاذورات متعمداً عالماً، وأشباه ذلك، فإنه يكفر بعد إسلامه؛ لأنه فعل هذه الأشياء، والله -جل وعلا- قال لنبيه -عليه الصلاة والسلام- وهو أكرم الخلق: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (65) بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ}.
قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ} يا محمد{لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} وفسر الشرك بعد ذلك بقوله: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} يعني: أن من عبد غير الله فهو المشرك الذي حبط عمله فقال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} يعني: الذين خسروا عبادتهم، وخسروا دنياهم، وخسروا آخرتهم {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} يعني: اعبد الله وحده دون ما سواه {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ}.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

28 Nov 2008

العناصر

الجواب الخامس عن الشبهة الحادية عشرة
- بنو عبيد القداح لما أظهروا مخالفة الشريعة أجمع العلماء على كفرهم

الجواب السادس عن الشبهة الحادية عشرة
- عقد الفقهاء في كل مذهب باباً لحكم المرتد وهو المسلم الذي يكفر بعد إسلامه
- ذكر العلماء أنواعاً كثيرة من المكفرات

- قد يكفر الإنسان بكلمة يقولها بلسانه دون قلبه

الجواب السابع عن الشبهة الحادية عشرة

- قد كفر الله تعالى بعض من خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم في جهاده بكلمة قالوها
- اختلاف العلماء في الذين قالوا تلك الكلمة هل كانوا منافقين أصلاً أو كانوا مؤمنين
- الفرق بين الكفر الظاهر والباطن
- الفرق بين الإسلام والإيمان
- الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الشك أو الاعتقاد
- قد يكفر العبد بكلمة يقولها
- حلف أولئك كذباً بأنهم {ما قالوا} يدل على إقرارهم بأن قولهم كفري

الجواب الثامن عن الشبهة الحادية عشرة
- قد كفر الله تعالى أناساً بسبب كلمة ذكروا أنهم قالوها على وجه المزح واللعب
- إذا ارتكب العبد مكفراً لم تنفعه صلاته ولا صيامه ولا سائر عباداته .

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

28 Nov 2008

الأسئلة

س1: من هم بنو عبيدٍ القداح؟ ولماذا كفّرهم العلماء؟

س2: هل يمكن أن يكفر الإنسان بكلمة يقولها بلسانه دون قلبه؟ بيّن ذلك بالتمثيل.
س3: متى يحتاج إلى إقامة الحجة على المعيّن للحكم بكفره؟
س4: اذكر تفسيراً مختصراً للآيات التالية مع بيان وجه الاستدلال بها:
أ: قول الله تعالى: {قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزؤن (65) لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم}.
ب: قول الله تعالى: {يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم}.
س5: ما الفرق بين منع الزكاة؛ والامتناع عن الزكاة؟
س6: متى يحكم على بلاد معينة بأنها دار كفر أو دار إسلام؟

س7: ما حكم من استهزأ بشيء من دين الله عز وجل؟
س8: ما حكم من استهزأ بالصحابة رضي الله عنهم؟
س9: ما الفرق بين الكفر الظاهر والكفر الباطن؟
س10: ما الذي يفيده قوله تعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ) في الحكم بتكفير قائلي تلك الكلمة؟
س11: ما الفرق بين الإسلام والإيمان؟