الدروس
course cover
الدرس الثاني والعشرون: كشف الشبهة الحادية عشرة وهي احتجاجهم بأنهم يصلون ويصومون ولا ينكرون البعث ولا يكذبون الرسل...
30 Oct 2008
30 Oct 2008

4569

0

0

course cover
كشف الشبهات

القسم الرابع

الدرس الثاني والعشرون: كشف الشبهة الحادية عشرة وهي احتجاجهم بأنهم يصلون ويصومون ولا ينكرون البعث ولا يكذبون الرسل...
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

4569

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الثاني والعشرون: كشف الشبهة الحادية عشرة وهي احتجاجهم بأنهم يصلون ويصومون ولا ينكرون البعث ولا يكذبون الرسل...

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (إِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ عُقُولاً، وَأَخَفُّ شِرْكاً مِنْ هَؤُلاءِ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاءِ شُبْهةً يُورِدُونَها على ما ذَكَرْنا وَهِيَ مِنْ أعْظَمِ شُبَهِهِمْ، فَأَصْغِ سَمْعَكَ لِجَوابِهَا.

وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:

(إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ لا يَشْهَدونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، ويُكَذِّبُونَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُنْكِرونَ البَعْثَ، وَيُكَذِّبُونَ القُرْآنَ وَيَجْعَلُونَهُ سِحْراً، وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَنُصَدِّقُ القُرْآنَ، وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَنُصَلِّي وَنَصُومُ، فَكَيْفَ تَجْعَلونَنا مِثْلَ أُولَئِكَ؟).

فَالجَوَابُ:
أَنَّه لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ كُلِّهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ وَكَذَّبَهُ في شَيْءٍ، أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ في الإِسلامِ.
وَكَذَلِكَ إِذا آمَنَ بِبَعْضِ القُرْآنِ وَجَحَدَ بَعْضَهُ، كَمَنْ أَقَرَّ بِالتَّوحِيدِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الصَّوْمِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الحَجِّ.

وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ في زَمَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلحَجِّ أَنْزَلَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}[آل عمران: 97].

وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذا كُلِّهِ وَجَحَدَ البَعْثَ كَفَرَ بِالإِجْمَاعِ وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ،كَما قالَ تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} الآية [النساء: 150].

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ: أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَهُوَ كَافِرٌ حَقّاً زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.

وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الأحْسَاءِ في كِتَابِهِ الَّذِي أرْسَلَ إِلَيْنَا).

هيئة الإشراف

#2

28 Nov 2008

شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (إِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ عُقُولاً، وَأَخَفُّ شِرْكاً مِنْ هَؤُلاءِ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاءِ شُبْهةً يُورِدُونَها على ما ذَكَرْنا وَهِيَ مِنْ أعْظَمِ شُبَهِهِمْ، فَأَصْغِ سَمْعَكَ لِجَوابِهَا.

وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:

(إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ لا يَشْهَدونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، ويُكَذِّبُونَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُنْكِرونَ البَعْثَ، وَيُكَذِّبُونَ القُرْآنَ وَيَجْعَلُونَهُ سِحْراً، وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَنُصَدِّقُ القُرْآنَ، وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَنُصَلِّي وَنَصُومُ، فَكَيْفَ تَجْعَلونَنا مِثْلَ أُولَئِكَ؟)(1).

فَالجَوَابُ:
أَنَّه لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ كُلِّهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ وَكَذَّبَهُ في شَيْءٍ، أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ في الإِسلامِ.
وَكَذَلِكَ إِذا آمَنَ بِبَعْضِ القُرْآنِ وَجَحَدَ بَعْضَهُ، كَمَنْ أَقَرَّ بِالتَّوحِيدِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الصَّوْمِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الحَجِّ
(2).

وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ في زَمَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلحَجِّ أَنْزَلَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}[آل عمران: 97].

وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذا كُلِّهِ وَجَحَدَ البَعْثَ كَفَرَ بِالإِجْمَاعِ وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ،كَما قالَ تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} الآية [النساء: 150](3).

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ: أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَهُوَ كَافِرٌ حَقّاً زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.

وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الأحْسَاءِ في كِتَابِهِ الَّذِي أرْسَلَ إِلَيْنَا(4)).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (إِذَا تَحَقَّقْتَ) مِمَّا تَقَدَّمَ (أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ عُقُولاً وَأَخَفُّ شِرْكًا مِنْ هَؤُلاَءِ) يَعْنِي: مِن شِرْكِ مُشْرِكِي زَمَانِنَا (فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاَءِ شُبْهَةً يُورِدُونَهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا) يُدْلِي بِهَا بَعْضُ مَنْ في زَمَنِ المُؤَلِّفِ مِن كَوْنِ مَا عَلَيْهِ مُشْرِكُو زَمَانِنَا مِن الشِّرْكِ كشِرْكِ الأَوَّلِينَ؛ بَلْ يَقُولُونَ: إِنَّكُم مَا اقْتَصَرْتُمْ عَلَى أَنْ جَعَلْتُمُونَا مِثْلَهُم بل زِدْتُمْ، يُرِيدُ صَاحِبُ هَذِه الشُّبْهَةِ مِمَّا اعْتَرَضَ بِهِ مِن الفُرُوقِ نَفْيَ مَا قَرَّرَهُ المُصَنِّفُ في هَذِه التَّرْجَمَةِ (وهي مِنْ أَعْظَمِ شُبَهِهِمْ فَأْصْغِ سَمْعَكَ لِجَوَابِهَا) وَقَدْ أَجَابَ عَنْهَا المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ بِتِسْعَةِ أَجْوِبَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَافٍ شَافٍ في رَدِّهَا، لَكِنْ كَثَّرَهَا لِمَزِيدِ كَشْفٍ وَإِيضَاحٍ.
(وَهِيَ أَنَّهُم يَقُولُونَ: إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِمُ القُرْآنُ لاَ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ) يَعْنِي: لاَ يَنْطِقُونَ بالشَّهَادَتَيْنِ (وَيُكَذِّبُونَ الرَّسُولَ) وَيَمْتَنِعُونَ عَنْ طَاعَتِهِ (وَيُنْكِرُونَ البَعْثَ) وَلاَ يُصَدِّقُونَ بِهِ (وَيُكَذِّبُونَ القُرْآنَ ويَجْعَلُونَهُ سِحْرًا) وَلاَ يُصَلُّونَ وَلاَ يَصُومُونَ (وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَنُصَدِّقُ القُرْآنَ، ونُؤْمِنُ بِالبَعْثِ، ونُصَلِّي وَنَصُومُ، فَكَيْفَ تَجْعَلُونَنَا مِثْلَ أُولَئِكَ؟) فَكَيْفَ تُسَوُّونَ مَن يُقِرُّ بِهَذِهِ الأُمُورِ العَظِيمَةِ وبَيْنَ مَن يَجْهَلُهَا؛ يَعْنِي وأَنَّكُمْ سَوَّيْتُم بَيْنَ المُتَفَارِقَيْنِ وَجَمَعْتُمْ بَيْنَ المُخْتَلِفَيْنِ؛ بل مَا اقْتَصَرْتُمْ، بل جَعَلْتُمُونَا أَعْظَمَ جَهْلاً وَضَلاَلاً منهم.
فَعَرَفْتَ أَنَّهُم يُعَارِضُونَ مَا قَرَّرَهُ المُصَنِّفُ ويَقُولُونَ لَسْنَا منهم، وَأَنْتُم جَعَلْتُمُونَا أَعْظَمَ مِنْهُم، كَيْفَ تَجْعَلُونَ مَن كَانَتْ فيه هَذِه الخِصَالُ والفُرُوقُ كَمَنْ لَيْسَ فِيهِ مِنْهَا شَيْءٌ؟
ويَأْتِيكَ جَوَابُ المُؤَلِّفِ لَهُم وَأَنَّ هَذِهِ الفُرُوقَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والإِجْمَاعِ، بَلْ هَذِه الفُرُوقُ مِمَّا يَتَغَلَّظُ كُفْرُهُم بِهَا؛ فَإِنَّ الكَافِرَ الأَصْلِيَّ الذي مَا أَقَرَّ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ أَهْونُ كُفْرًا مِمَّنْ أَقَرَّ بالحَقِّ وجَحَدَهُ، ولذلك المُرْتَدُّ أَعْظَمُ كُفْرًا مِن الكَافِرِ الأَصْلِيِّ في أَحْكَامِهِ.


(2) (فالجَوَابُ) عَمَّا اعْتَرَضُوا بِهِ مِن هَذِه الفُرُوقِ التي زَعَمُوا أَنَّها تُؤَثِّرُ؛

أَنَّ الفُرُوقَ مُنْقَسِمَةٌ إِلَى قِسْمَيْنِ:
-فَرْقٍ يُؤَثِّرُ.
- وَفَرْقٍ لاَ يُؤَثِّرُ.
فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ أَنَّ هَذِه الفُرُوقَ لاَ تُؤَثِّرُ، (أَنْ) مُخَفَّفَةٌ (لاَ خِلاَفَ بَيْنَ العُلَمَاءِ كُلِّهِم أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ وكَذَّبَهُ في شَيْءٍ أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ في الإِسْلاَمِ) بالإِجْمَاعِ، يَعْنِي: أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَلاَ عِنْدَه مِن الإِسْلاَمِ شَعْرَةٌ؛ فَإِذَا كَذَّبَهُ في وَاحِدٍ وصَدَّقَهُ في الأُلُوفِ مِن الصَّلاَةِ والصَّدَقَةِ ونَحْوِ ذَلِكَ فَهُو قَاضٍ عَلَى تَلِكَ الأُلُوفِز
فَإِذَا كَانَ مَن صَدَّقَهُ في شَيْءٍ وكَذَّبَهُ في شَيْءٍ فهو كَافِرٌ، فَكَيْفَ بالتَّوْحِيدِ الذي هو أَعْظَمُ فَرِيضَةٍ جَاءَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ عَمَدَ إِلَى زُبْدَةِ الرِّسَالَةِ، وجَعَلَ لفَاطِرِ الأَرْضِ والسَّمَاوَاتِ شَرِيكًا في العِبَادَةِ فَصَرْفُهُ لَهُ الدُّعَاءَ الَّذِي هو مُخُّ العِبَادَةِ وخَالِصُهَا، إِمَّا أَنْ يَدْعُوَ غَيْرَه وَحْدَهُ أَوْ يَجْعَلَهُ شَرِيكًا لَهُ.فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الفُرُوقُ لاَ تُؤَثِّرُ فَكَيْفَ بالتَّوْحِيدِ؟ لَكِنْ والعِيَاذُ باللهِ طَمَسَ عَلَى قُلُوبِهِم الشِّرْكُ، وامْتَزَجَتْ بِهِ؛ فَإِنَّ أَهْلَ هَذِه الشُّبِهَةِ مِن أَهْلِ الجَهَالاَتِ والضَّلاَلاَتِ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ النَّظَرِ المُنْصِفَ إِذَا نَظَرَ في أَهْلِ هَذِه الشُّبَهِ لَقِيَهُم مَفَالِيسَ مِن العِلْمِ بالمَرَّةِ (وَكَذَلكَ إِذَا آمَنَ بالقُرْآنِ وجَحَدَ بَعْضَهُ) وَلَوْ حَرْفًا وَاحِدًا، أَنْكَرَهُ وجَحَدَهُ، أَوْ جَحَدَ شَيْئًا مِمَّا ثَبَتَ عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو كُفْرٌ ظَاهِرٌ؛ أي: كُفْرٌ فَوْقَ كُفْرِ تَكْذِيبِ اللهِ وَرَسُولِهِ (كَمَنْ أَقَرَّ التَّوْحِيدَ) لَفْظًا وَمَعْنًى (وَجَحَدَ) فَرْعًا مِن فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ مَعْلُومٌ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِهِ (وُجُوبَ الصَّلاَةِ) الَّذِي يَجْحَدُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسَ كَافِرٌ بِالإِجْمَاعِ، ولو أَنَّهُ يَفْعَلُهَا، وَجَاءَ بالتَّوْحِيدِ (أَوْ أَقَرَّ بالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاَةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ) وَلَوْ كَانَ يُؤَدِّيهَا، فهو كَافِرٌ بإِجْمَاعِ الأُمَّةِ (أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وجَحَدَ الصَّوْمَ) وَلَوْ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ بإِجْمَاعِ الأُمَّةِ لتَكْذِيبِهِ اللهَ ورَسُولَهُ (أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ الحَجَّ) إلى البَيْتِ، وَإِنْ كَانَ يَحُجُّ، فهو كَافِرٌ بالإِجْمَاعِ لتَكْذِيبِهِ اللهَ ورَسُولَهُ ورَدِّهِ إِجْمَاعَ الأُمَّةِ.

(3) (وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ في زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِلحَجِّ) إلى البَيْتِ (أَنْزَلَ اللهُ في حَقِّهِم: {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}) يَعْنِي: وَاجِبٌ للهِ عَلَى المُسْتَطِيعِ مِن النَّاسِ أَنْ يَحُجَّ {وَمَن كَفَرَ} يَعْنِي: تَرَكَ ذَلِكَ {فَإِنَّ اللّه غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ كُفْرٌ؛ فَمَنْ جَحَدَ ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ؛ فَدَلَّ عَلَى فَرْضِيَّةِ حَجِّ الْبَيْتِ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الَّذِي لاَ يَعْتَقِدُ ذَلِكَ كَافِرٌ وَهَذَا بِخِلاَفِ العَاجِزِ.وكَذَلِكَ مَنْعُ الزَّكَاةِ بُخْلاً بِخِلاَفِ الجَاحِدِ.فَأَمَّا تَرْكُ الصَّلاَةِ تَهَاوُنًا، فاخْتِيَارُ أَحْمَدَ وَحَكَى إِسْحَاقُ بنُ رَاهُويَه كُفْرَهُ بالإِجْمَاعِ.
(وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ البَعْثَ) أي: جَحَدَ بَعْثَ هَذِه الأَجْسَامِ بَعْدَ بَلاَئِهَا وإِعَادَةَ أَرْوَاحِهَا إِلَيْهَا يَوْمَ القِيَامَةِ (كَفَرَ بالإِجْمَاعِ) بِإِجْمَاعِ أَهْلِ العِلْمِ (وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ) وَلَمْ يَنْفَعْهُ الإِقْرَارُ بِمَا أَقَرَّ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (150) أُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا} الآيةَ.فَصَرَّحَ اللهُ تَعَالَى في هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهُ الكَافِرُ حَقًّا؛فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا يُشْتَرَطُ أَنْ لاَ يَكُونَ كُفْرًا إِلاَّ إِذَا كَفَرَ بِجَمِيعِ ذَلِكَ كُلِّهِ؛ بل هَذَا كُفْرٌ نَوْعِيٌّ؛ فَإِنَّ الكُفْرَ كُفْرَانِ:

-كُفْرٌ كُلِّيٌّ.

-وَكُفْرٌ نَوْعِيٌّ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا؛ مَنْ كَفَرَ بِبَعْضٍ فَكَمَنْ كَفَرَ بالكُلِّ لاَ فَرْقَ.


(4) (فَإِذَا كَانَ اللهُ قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ أَنَّ مَن آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فهو الكَافِرُ حَقًّا زَالَتْ هَذِه الشُّبْهَةُ، وهَذِهِ هي الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الإِحْسَاءِ في كِتَابِهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَيْنَا) وبِهَذَا ظَهَرَ واتَّضَحَ أَنَّهُ يُوجَدُ فُرُوقٌ ولَكِنْ لاَ تُؤَثِّرُ؛ فَإِنَّ الرِّدَّةَ رِدَّتَانِ:
-رِدَّةٌ مُطْلَقَةٌ: وهي الرُّجُوعُ عَمَّا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ جُمْلَةً.

والثَّانِيَةُ: أَنْ يَكْفُرَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ؛ فَإِنَّهُ إِجْمَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ العِلْمِ أَنَّ الَّذِي يَرْتَدُّ عَنْ بَعْضِ الدِّينِ كَافِرٌ؛ بل يَرَوْنَ أَنَّ الاعْتِقَادَ الوَاحِدَ والكَلِمَةَ الوَاحِدَةَ قَدْ تُخرِجُ صَاحِبَهَا عن جُمْلَةِ الدِّينِ. وبِهَذَا انْكَشَفَت الشُّبْهَةُ وعُرِفَ أَنَّ التَّفْرِيقَ بالفُرُوقِ الَّتِي ذُكِرَتْ مِن الفُرُوقِ الَّتِي هي غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ.

هيئة الإشراف

#3

28 Nov 2008

شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (إِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ عُقُولاً، وَأَخَفُّ شِرْكاً مِنْ هَؤُلاءِ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاءِ شُبْهةً يُورِدُونَها على ما ذَكَرْنا وَهِيَ مِنْ أعْظَمِ شُبَهِهِمْ، فَأَصْغِ سَمْعَكَ لِجَوابِهَا.

وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:

(إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ لا يَشْهَدونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، ويُكَذِّبُونَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُنْكِرونَ البَعْثَ، وَيُكَذِّبُونَ القُرْآنَ وَيَجْعَلُونَهُ سِحْراً، وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَنُصَدِّقُ القُرْآنَ، وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَنُصَلِّي وَنَصُومُ، فَكَيْفَ تَجْعَلونَنا مِثْلَ أُولَئِكَ؟)(1).

فَالجَوَابُ:
أَنَّه لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ كُلِّهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ وَكَذَّبَهُ في شَيْءٍ، أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ في الإِسلامِ.
وَكَذَلِكَ إِذا آمَنَ بِبَعْضِ القُرْآنِ وَجَحَدَ بَعْضَهُ، كَمَنْ أَقَرَّ بِالتَّوحِيدِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الصَّوْمِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الحَجِّ.

وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ في زَمَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلحَجِّ أَنْزَلَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}[آل عمران: 97](2).

وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذا كُلِّهِ(3) وَجَحَدَ البَعْثَ كَفَرَ بِالإِجْمَاعِ وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ،كَما قالَ تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} الآية [النساء: 150](4).

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ: أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَهُوَ كَافِرٌ حَقّاً زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.

وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الأحْسَاءِ في كِتَابِهِ الَّذِي أرْسَلَ إِلَيْنَا(5)).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) في هذه الجملةِ يُبَيِّنُ رَحِمَهُ اللهُ شُبْهَةً مِنْ أَعْظَمِ شُبَهِهم، ويُجِيبُ عنها فيَقولُ: (إذا تَحَقَّقْتَ أنَّ المشركينَ في عهدِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أصَحُّ عُقولاً وأخَفُّ شركًا مِنْ هؤلاءِ، فاعْلَمْ أنَّهم يُورِدونَ شُبْهةً) حيثُ يَقولونَ: (إنَّ المشركينَ في عهدِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَشْهَدونَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ، وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، ولا يُؤْمِنونَ بالبعثِ ولا الحسابِ ويُكَذِّبونَ القرآنَ، ونحنُ - يَعْنِي مُشْرِكِي زَمَانِهِ - نَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، ونُصَدِّقُ القرآنَ، ونُؤْمِنُ بالبعثِ، ونُقِيمُ الصَّلاةَ ونُؤْتِي الزَّكاةَ، ونَصومُ رَمضانَ، فكيفَ تَجْعَلُوننا مِثلَهم، وهذهِ شُبْهَةٌ عظيمةٌ).

(2) يَقولُ رَحِمَهُ اللهُ: إنَّهم إذا قالوا هذا، يَعْنِي: أنَّهم يَشْهَدونَ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ … إلخ، يَعْنِي فكيفَ يَكونونَ كُفَّارًا؟
وجوابُهُ أنْ يُقالَ: إنَّ العلماءَ أَجْمَعوا على أنَّ مَنْ كَفَر ببعضِ ما جاءَ بهِ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكَذَّبَ بهِ، فهوَ كَمَنْ كَذَّبَ بالجميعِ وكَفَرَ بهِ، ومَنْ كَفَرَ بنبيٍّ مِن الأنبياءِ فهو كَمَنْ كَفَرَ بجميعِ الأنبياءِ؛ لِقولِ اللهِ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدُونَ أَن يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نَؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}[النساءُ: 150، 151].
وقولِهِ تعالى في بَنِي إسْرائِيلَ: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}[ البقرةُ: 85 ].

ثمَّ ضَرَبَ المؤلِّفُ لذلكَ أمْثلةً:

المثالُ الأوَّلُ: الصَّلاةُ، فمَنْ أقَرَّ بالتَّوحيدِ وأَنْكَرَ وُجوبَ الصَّلاةِ فهوَ كافرٌ.

قولُهُ: (أوْ أقَرَّ بالتَّوحيدِ...) إلخ، هذا هوَ.
المثالُ الثَّاني: وهوَ مَنْ أقَرَّ بالتَّوحيدِ والصَّلاةِ وجَحَدَ وجوبَ الزَّكاةِ فإنَّهُ يَكونُ كافرًا.
المثالُ الثَّالثُ: مَنْ أقَرَّ بوجوبِ ما سَبَقَ وجَحَدَ وجوبَ الصَّومِ فإنَّهُ يَكونُ كافرًا.
المثالُ الرَّابعُ: مَنْ أقَرَّ بذلكَ كلِّهِ وجَحَدَ وجوبَ الحجِّ فإنَّهُ كافرٌ.
واسْتَدَلَّ المؤلِّفُ على ذلكَ بقولِهِ تعالى: {وَ للهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ} يَعْنِي: مَنْ كَفَرَ بِكَوْنِ الحَجِّ واجِبًا أوْجَبَهُ اللهُ على عِبادِهِ {فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آلُ عمرانَ: 97 ].
قولُ المؤلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ: (ولمَّا لمْ يَنْقَدْ...) إلخ، ظاهرُهُ أنَّ للآيةِ سببَ نُزولٍ هوَ هذا، ولمْ أَعْلَمْ لِمَا ذكَرَهُ الشَّيخُ دَليلاً
(1).

(3) قولُهُ: (ومَنْ أقَرَّ بهذا كُلِّهِ) أيْ: بشهادةِ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ووجوبِ الصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحجِّ، لكنَّهُ كَذَّبَ بالبعثِ، فإنَّهُ كافرٌ باللهِ؛ لِقولِ اللهِ تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ}[ التَّغَابُنُ: 7 ]، وقدْ حَكَى المؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ الإِجماعَ على ذلكَ.

(4) قولُهُ: (كما قالَ اللهُ تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ} الآيةَ، سبَقَ الكلامُ على هذهِ الآيةِ، وقدْ ساقَها المؤلِّفُ مُسْتَدِلاًّ بها على أنَّ الإِيمانَ ببعضِ الحقِّ دونَ بعضٍ كفرٌ بالجميعِ كما قَرَّرَهُ بقولِهِ.

(5) لا أَعْلَمُ عنْ هذا الكتابِ شيئًا فَلْيُبْحَثْ عنهُ(2).


حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) كأنه أراد -رحمه الله- دليلاً صحيحاً، إذ جاء في المنقول ما يشهد لما ذكره إمام الدعوة وذلك فيما أخرجه ابن جرير في (تفسيره) وسعيد بن منصور في (السنن) عن عكرمة مولى ابن عباس قال: (لما أنزل الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} قالت اليهود والنصارى: فنحن مسلمون، فأنزل الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} فقالوا: لا نحج فقال تعالى: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}).

(2) لعله أحمد بن عبد الكريم الوارد ذكره في رسالة موردة في مؤلفات الشيخ (5/12 ـ 224) ردّ فيها على من يزعم أن من أظهر الإسلام لا يكفر ولا يقتل، وإن صدر منه ناقض من نوا قض الإسلام.

هيئة الإشراف

#4

28 Nov 2008

شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (إِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ عُقُولاً، وَأَخَفُّ شِرْكاً مِنْ هَؤُلاءِ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاءِ شُبْهةً يُورِدُونَها على ما ذَكَرْنا وَهِيَ مِنْ أعْظَمِ شُبَهِهِمْ، فَأَصْغِ سَمْعَكَ لِجَوابِهَا.

وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:

(إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ لا يَشْهَدونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، ويُكَذِّبُونَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُنْكِرونَ البَعْثَ، وَيُكَذِّبُونَ القُرْآنَ وَيَجْعَلُونَهُ سِحْراً، وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَنُصَدِّقُ القُرْآنَ، وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَنُصَلِّي وَنَصُومُ، فَكَيْفَ تَجْعَلونَنا مِثْلَ أُولَئِكَ؟).

فَالجَوَابُ:
أَنَّه لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ كُلِّهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ وَكَذَّبَهُ في شَيْءٍ، أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ في الإِسلامِ.
وَكَذَلِكَ إِذا آمَنَ بِبَعْضِ القُرْآنِ وَجَحَدَ بَعْضَهُ، كَمَنْ أَقَرَّ بِالتَّوحِيدِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الصَّوْمِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الحَجِّ.

وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ في زَمَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلحَجِّ أَنْزَلَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}[آل عمران: 97].

وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذا كُلِّهِ وَجَحَدَ البَعْثَ كَفَرَ بِالإِجْمَاعِ وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ،كَما قالَ تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} الآية [النساء: 150].

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ: أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَهُوَ كَافِرٌ حَقّاً زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.

وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الأحْسَاءِ في كِتَابِهِ الَّذِي أرْسَلَ إِلَيْنَا(1)).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) مَازَالَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- يُوَاصِلُ الرَّدَّ عَلَى شُبُهَاتِ المُشَبِّهِينَ في مَسْأَلَةِ الشِّرْكِ والتَّوْحِيدِ، فانْتَهَى إِلَى هَذِه الشُّبْهَةِ العَظِيمَةِ الَّتِي هي مِن أَعْظَمِ شُبَهِهِم وأَخْطَرِهَا، أَلاَ وهي قَوْلُهُم: (إنَّ مَن شَهِدَ أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وصَلَّى وَصَامَ وحَجَّ وأَدَّى الأَعْمَالَ أَنَّه لاَ يَكْفُرُ ولو فَعَلَ مَا فَعَلَ مِن أَنْوَاعِ الرِّدَّةِ.
أَمَّا الَّذِينَ نَزَلَ فيهم القُرْآنُ وهم المُشْرِكُونَ الأَوَّلُونَ فإنَّهم لَيْسُوا مِثْلَ هَؤُلاَءِ، فَهُم لَمْ يَشْهَدُوا أَن لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، ولَمْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلاَمِ، فَهُم لاَ يُؤْمِنُونَ باللهِ ولاَ بالرَّسُولِ ولاَ بالإِسْلاَمِ ولاَ بالقُرْآنِ.
أَمَّا هَؤُلاَءِ فأَظْهَرُوا الإِيمَانَ بالبَعْثِ ويُصَلُّونَ ويَصُومُونَ ويَحُجُّونَ ويُزَكُّونَ ويَذْكُرُونَ اللهَ كَثِيرًا، فالشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- عِنْدَ هذه الشُّبْهَةِ خَاصَّةً قَالَ: أَصْغِ سَمْعَكَ لِجَوَابِهَا؛ فإِنَّها مِن أَعْظَمِ شُبَهِهِم.
فالشَّيْخُ رَدَّ عَلَى هَذِه الشُّبْهَةِ مِن سِتَّةِ وُجُوهٍ مُهِمَّةٍ:

الوَجْهُ الأَوَّلُ:أَنَّه مَن آمَنَ بِبَعْضِ الأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وكَفَرَ بِبَعْضِهَا الآخَرِ فهو كَافِرٌ بالجَمِيعِ؛ لأَِنَّهُم أَنْكَرُوا التَّوْحِيدَ الَّذي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وهو إِفْرَادُ اللهِ بالعِبَادَةِ، فَهَؤُلاَءِ لَمْ يُفْرِدُوا اللهَ بالعِبَادَةِ، وإِنَّمَا أَشْرَكُوا مَعَهُ غَيْرَه مِن الأَوْلِيَاءِ والصَّالِحِين.

فالإِسْلاَمُ لاَ يَقْبَلُ التَّجْزِئَةَ ولاَ التَّفْرِقَةَ،وأَعْظَمُ الإِسْلاَمِ التَّوْحِيدُ وهو دَعْوَةُ جَمِيعِ الرُّسُلِ، وهَؤُلاَءِ جَحَدُوا أَعْظَمَ شَيْءٍ وهو تَوْحِيدُ العِبَادَةِ، وقَالُوا: لاَ بَأْسَ أَنْ يَنْذُرَ الإِنْسَانُ لِفُلاَنٍ، ويَذْبَحَ لِفُلاَنٍ؛ لأَِنَّهُ وَلِيٌّ، والوَلِيُّ يَنْفَعُ ويَضُرُّ، مِمَّا هو مِثْلُ فِعْلِ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ.

هيئة الإشراف

#5

28 Nov 2008

شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (إِذَا تَحَقَّقْتَ أَنَّ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصَحُّ عُقُولاً، وَأَخَفُّ شِرْكاً مِنْ هَؤُلاءِ، فَاعْلَمْ أَنَّ لِهَؤُلاءِ شُبْهةً يُورِدُونَها على ما ذَكَرْنا وَهِيَ مِنْ أعْظَمِ شُبَهِهِمْ، فَأَصْغِ سَمْعَكَ لِجَوابِهَا.

وَهِيَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ:

(إِنَّ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ لا يَشْهَدونَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، ويُكَذِّبُونَ رَسُولَ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيُنْكِرونَ البَعْثَ، وَيُكَذِّبُونَ القُرْآنَ وَيَجْعَلُونَهُ سِحْراً، وَنَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَنُصَدِّقُ القُرْآنَ، وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ، وَنُصَلِّي وَنَصُومُ، فَكَيْفَ تَجْعَلونَنا مِثْلَ أُولَئِكَ؟).

فَالجَوَابُ:
أَنَّه لا خِلافَ بَيْنَ العُلَماءِ كُلِّهِمْ أَنَّ الرَّجُلَ إِذا صَدَّقَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في شَيْءٍ وَكَذَّبَهُ في شَيْءٍ، أَنَّهُ كَافِرٌ لَمْ يَدْخُلْ في الإِسلامِ.
وَكَذَلِكَ إِذا آمَنَ بِبَعْضِ القُرْآنِ وَجَحَدَ بَعْضَهُ، كَمَنْ أَقَرَّ بِالتَّوحِيدِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الصَّلاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ وَالصَّلاةِ وَجَحَدَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الصَّوْمِ، أَوْ أَقَرَّ بِهَذَا كُلِّهِ وَجَحَدَ وجوب الحَجِّ.

وَلَمَّا لَمْ يَنْقَدْ أُنَاسٌ في زَمَنِ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلحَجِّ أَنْزَلَ اللهُ تعالى في حَقِّهِمْ {وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ}[آل عمران: 97].

وَمَنْ أَقَرَّ بِهَذا كُلِّهِ وَجَحَدَ البَعْثَ كَفَرَ بِالإِجْمَاعِ وَحَلَّ دَمُهُ وَمَالُهُ،كَما قالَ تَعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُريدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ} الآية [النساء: 150].

فَإِذَا كَانَ اللهُ تعالى قَدْ صَرَّحَ في كِتَابِهِ: أَنَّ مَنْ آمَنَ بِبَعْضٍ وَكَفَرَ بِبَعْضٍ فَهُوَ كَافِرٌ حَقّاً زَالَتْ هَذِهِ الشُّبْهَةُ.

وَهَذِهِ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ الأحْسَاءِ في كِتَابِهِ الَّذِي أرْسَلَ إِلَيْنَا).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (قال: (وإذا تحققت أن الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أصح عقولاً وأخف شركاً من هؤلاء، فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا وهي من أعظم شبههم فأصغ سمعك لجوابها، وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدق القرآن ونؤمن بالبعث ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟)

فهذه شبهة جديدة ذكرها إمام الدعوة -رحمه الله تعالى- مما يورده الخصوم، وهذه الشبهة شبهة العلماء؛ لأن الذي يوردها من أهل العلم، فإن الشبه التي ذكرنا فيما سبق وإن جوابها الذي ذكره الشيخ، أقر بحسنه جمع كثير من أهل العلم في الأمصار؛ كما قال إمام الدعوة رحمه الله تعالى: (وقد عرضت ما عندي على علماء الأمصار فوافقوني في التوحيد وخالفوني في التكفير والقتال).
يعني: وافقوه في معنى العبادة، وفي معنى التوحيد، وفي معنى الشرك بالله جل وعلا، لكن خالفوا في أن عُبّاد القبور، عبَّاد الأضرحة والأوثان والأشجار والأحجار، إلى آخره، خالفوا في أن هؤلاء مشركون تقام عليهم الحجة فإن استجابوا وإلا قوتلوا.


خالفوا لشبهة وهي أن هؤلاء ليسوا كالأولين؛ لأن الأولين الذي بُعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبُعثت إليهم الأنبياء، هؤلاء يقرون بأنهم اتخذوا آلهة مع الله -جل وعلا- ولم ينقادوا للرسل، بل قالوا: إن هناك آلهة مع الله؛ كما قال سبحانه مخبراً عن قولهم: {إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ}.
وكقول الله جل وعلا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (5) وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}.


وكقوله -جل وعلا- في سورة هود: {إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ} إلى آخر الآيات في هذا الباب التي فيها اعتقاد أولئك بأن هناك آلهة مع الله جل وعلا.


قال طائفة من الناس من المنتسبين للعلم: إن المشركين من هذه الأمة من عباد القبور هؤلاء وقعوا في الشرك، ولكن هذا الشرك ليس كفراً منهم؛ لأنهم يشهدون (أن لا إله إلا الله) فإذا سألت الواحد منهم هل هناك إله مع الله؟ قال: لا، فحين يفعل، يفعل الشيء مع عدم اعتقاد أنه تأليه لغير الله جل وعلا، فخالف صنيع أولئك المتقدمين الذين اعتقدوا بإلهين، بل اعتقدوا بآلهة مع الله جل جلاله.

كذلك قالوا: هؤلاء إن وقعوا في هذه الأشياء، فهي كفر عملي لا يخرج من الملة، ككفر من قاتل مسلماً، وكفر من أتى حائضاً، وكفر من أتى امرأة في دبرها، وكفر كذا وكذا مما جاء في النصوص تسميته كفراً وليس بالكفر الأكبر بل هو كفر أصغر، وأشباه ذلك.

وقالوا أيضاً: إن هؤلاء الذين من هذه الأمة فعلوا تلك الشركيات هؤلاء لا يكذِّبون الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا ينكرون البعث، ولا يكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ولا يقولون بإنكار الزكاة والصلاة، أو بعدم تحريم الخمر، أو بعدم تحريم الزنى؛ كفعل المشركين في الزمن الأول، بل هم مقرون بكل هذه التفاصيل لكنهم فعلوا ما فعلوا، وهذا يعني أنه لا يخرجهم من الملة، وليسوا بمشركين الشرك الأكبر.
وإذا تقرر هذا:فإن هذه الشبهة كما ذكر الإمام رحمه الله تعالى - وما أعرفه بشبه القوم - قال: (فاعلم أن لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا، وهي من أعظم شبههم، فأصغ سمعك لجوابها).
في هذه الجملة ذكر أن هذه الشبهة يوردونها على ما ذكر الإمام، يعني ما ذكره في المحاجة ورد الشبه في التوحيد، في معنى التوحيد، ومعنى الشرك، ومعنى عبادة غير الله، ومعنى الالتجاء إلى الصالحين، وهل الالتجاء إلى الصالحين شرك أم لا؟ ومعنى التوسل، وأشباه ذلك، وتفاصيله مما ذُكر من أول الرسالة إلى هذا الموضع.
فإذا تبين ذلك قال: (لهؤلاء شبهة يوردونها على ما ذكرنا) يعني من كل جواب الشبه السالفة، فإن مُحصلة الشبه السالفة أن يقال: أنت محقٌ في هذا الجواب، وأنّ هذا الذي يفعل شرك، وأن الالتجاء إلى الصالحين شرك، وأن طلب الشفاعة من الأموات شرك، إلى آخر ذلك، وأن صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله شرك، فأنت محق، وهؤلاء الذين أدلوا بالشبه في استحسان هذه الأفعال مبطلون، وما ذكرته صواب في أن هذه الأشياء شرك، لكن هذه الأشياء شرك ولكنها لا تخرج من الملة من فعلها، وهذا هو جواب هذه الشبهة فيما يأتي من كلام الإمام رحمه الله تعالى.
قال الشيخ رحمه الله: (وهي من أعظم شبههم).
لم صارت من أعظم الشبه؟

لأنها كما ذكرت شبهة العلماء التي يذكرونها ويروجون على العامة هذا الأمر، فكثيرون من الذين ردوا على الشيخ نقلوا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية وكلام ابن القيم وقالوا: (أنت محق فيما تقول، لكن كون هؤلاء يكفرون الكفر الأكبر هذا ليس بصحيح، بل هؤلاء على كفر أصغر، هؤلاء على شرك أصغر؛ وليسوا بمشركين الشرك الأكبر).

هذا تقرير الشبهة على حسب ما يوردونها، وهذه الشبهة أجاب عنها الإمام رحمه الله تعالى هنا إجابة مختصرة، وفي ردود أئمة الدعوة ابتداءً من الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في كتابه (إفادة المستفيد في كفر تارك التوحيد) وكتب تلامذته وأبنائه وتلاميذهم إلى هذا الزمن ما يبين رد هذه الشبهة، فإن هذه الشبهة من أعظم هذه الشبه، فتفصيل رد هذه الشبهة في ردود أئمة الدعوة المختلفة من وقت الشيخ محمد -رحمه الله- إلى زماننا هذا، فيها تفصيل الرد على هذه الشبهة، ولا يتسع المقام لإيراد كل ما ذكروه، لكن نذكر تقرير ما ذكره الإمام رحمه الله تعالى، وهو أصل هذه الردود، وبه كفاية.

قال: (وهي أنهم يقولون: إن الذين نزل فيهم القرآن - يعني من المشركين - لا يشهدون أن لا إله إلا الله، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، وينكرون البعث، ويكذبون القرآن ويجعلونه سحراً، ونحن - يعني: نفارق أولئك - ونحن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ونصدق القرآن، ونؤمن بالبعث، ونصلي ونصوم، فكيف تجعلوننا مثل أولئك؟).

وهذه لاشك أنه إذا أُتي إليها من جهة عاطفية فإنها تروج؛ لأن الناظر نظراً عاطفياً مجرداً عـن الحجة والبرهان قد يروج عليه ذلك فيقول: هؤلاء يصلون ويصومون، وقد يكون بعضهم في جبهته أثر السجود، وبعضهم يصوم يوماً ويفطر يوماً، وبعضهم تصدَّق بكل ماله، وبعضهم مجاهد في سبيل الله وحارب الكفار وفعل ما فعل من أنواع الجهاد، وبعضهم كذا وكذا، فيذكر جملة الأعمال الصالحة التي عملها، فيقول: كيف تجعله مثل أبي جهل؟ وكيف تجعله مثل أبي لهب؟ كيف تجعله مثل فلان وفلان؟ كيف تجعله مثل المشركين؟

وهذه حجة عاطفية، ومعلوم أن الديانة قامت على البرهان، والبرهان العاطفي أو القضية العاطفية ليست برهاناً باتفاق العقلاء؛ لأن العاطفة للهوى مدخل عليها، والبراهين خارجة عن مقتضى الهوى، البرهان يقام بالحجة المتفق على الاحتجاج بها، شرعية سمعية أو عقلية، في كلام العقلاء وكلام النُظّار من جميع الفرق، يعني في كون الحجة تمضي والحجة العاطفية ليست بحجة؛ لأنها ناشئة عن رغبة وهوى.
فلذلك نقول: هذه الشبهة ينبغي أن يتخلص صاحبها أولاً من العاطفة، والعاطفة لا مدخل لها في الدين؛ لأنها ليست أحد الأدلة، وإنما الأدلة على المسائل التي يحتج بها في هذه الشريعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح والعقل الصريح وأقوال الصحابة، إلى آخر الأدلة المتفق عليها والمختلف فيها، يعني: أن الحجج في الشريعة ليست فيها الحجة العاطفية: كيف نجعل هذا مثل هذا؟ هذا أمره عظيم، هذا فيه كذا وفيه كذا، فكيف يجعل على شبه بأولئك؟

فقال الشيخ -رحمه الله- مبدياً حجة علمية، وإبطالاً لهذه الإيرادات العاطفية، قال: (فالجواب: أنه لا خلاف بين العلماء كلهم أن الرجل إذا صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شيء وكذبه في شيء أنه كافر لم يدخل في الإسلام) وهذا حكاية للإجماع، وهذا القدر من الحجة صحيح كما أورده الإمام -رحمه الله- تعالى في أن الإجماع انعقد باتفاق الأئمة الأربعة وأتباعهم وكذلك غيرهم؛ في أنه من أراد الدخول في الإسلام فقال: أنا أدخل مصدقاً بأشياء ومكذباً في أشياء، أنه لا يدخل في الإسلام وإن قال: أشهد (أن لا إله إلا) الله وأن محمداً رسول الله، فإن تصديقه ببعض الأشياء في الدين، وتكذيبه ببعض آخر لا يدخله في الإسلام أصلاً، وهذا من جهة أول ما يدخل في الإسلام.كذلك من دخل في الإسلام فشهد (أن لا إله إلا الله) وأن محمداً رسول الله، ثم كذب ببعض القرآن ولو بحرف واحد متفق عليه من القرآن فإنه لا يدخل في الملة؛ ويخرج منها بتكذيبه؛ لأن العلماء نصوا على أنّ من أنواع الردة أنْ يكون مكذباً أو شاكاً أو جاحداً، فمن كذب بشيء، ولو بحرف واحد من القرآن متفق عليه؛ فإنه كافر ولا تنفعه صلاته ولا صيامه بالاتفاق.قال: (وكذلك إذا آمن ببعض القرآن وجحد بعضه) (آمن ببعض القرآن) يعني: من حيث الألفاظ.(وجحد بعضه) يعني: من المتفق عليه، ولم يؤمن به، بل قال: هذا ليس من القرآن، والأمة متفقة على أن هذا الذي جحده من القرآن - يعني: لفظاً - فإنه يكون كافراً بالإجماع.وكذلك من آمن ببعض أحكام القرآن المتفق عليها وجحد بعض أحكام القرآن المتفق على معناها، يعني: التي دلالتها قطعية، فإنه يكون أيضاً كافراً خارجاً من الدين باتفاق العلماء وبالإجماع، حتى من أورد هذه الشبهة فإنه لا ينكر هذا الإجماع.
مثل لهذا بقوله: (كمن أقر بالتوحيد وجحد وجوب الصلاة) من أقر بالتوحيد، موحد مؤمن بأنه (لا إله إلا الله) وبأن محمداً رسول الله، وكثير الزكاة والصدقات ويصوم فرضاً ونفلاً ويحج بيت الله -جل وعلا- كل سنة، لكن قال: هذه الصلاة ليست بواجبة، إما مطلقاً أو ليست بواجبةٍ عليه، فإن هذا يعد كفراً بالإجماع؛ لأنه جحد معلوماً من الدين بالضرورة، وبالإجماع لا يشفع له توحيده، وبالإجماع لا يشفع له كثرة زكاته وصدقاته، وبالإجماع لا يشفع له صيامه الفرض والنفل، وبالإجماع لا يشفع له التزامه ببقية أحكام الشريعة؛ لأنه جحد وجوب الصلاة إما مطلقاً أو عليه.فإذا كان كذلك،صارت هذه القاعدة التي أوردوها، أو هذه الشبهة منتقضة بالإجماع، إذ إنهم قالوا: كيف تجعلون من جحد الرسالة من المشركين ومن لم يؤمن بالله إلها واحداً ومن كذب الرسول ومن كذب بالبعث، يعني: لم يؤمن بالبعث، كيف تجعلونه كالذي يصلي ويصوم ويفعل ويفعل من هذه الأفعال والأعمال الصالحة؟

فنقول: بالإجماع هذه منتقضة بالصلاة، وكذلك منتقضة بالزكاة بالإجماع، فإنه لو كان مصلياً كثير الصلاة وجحد وجوب الزكاة إما مطلقاً - يعني: على الناس جميعاً - وإما عليه بخاصةٍ فلم يلتزم، فإنه يكون: كافراً بالاتفاق.
فإذاً: يدل على أن الإيراد العاطفي الذي أوردوه ليس بوارد شرعاً باتفاق أهل العلم.
قال: (أو أقر بالتوحيد والصلاة، وجحد وجوب الزكاة، أو أقر بهذا كله وجحد الصوم، أو أقر بهذا كله وجحد الحج) العلماء من كل مذهب من المذاهب الأربع المتبوعة، مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى جميعاً، وكذلك غيرهم من المذاهب المهجورة كمذهب سفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وإسحاق بن راهويه وابن جرير وجماعات أهل العلم، وكذلك مذهب الظاهرية الذي ألف فيه ابن حزم وقبله داود الظاهري، متفقون على أن المسلم الذي يشهد (أن لا إله إلا الله) وأن محمداً رسول الله يخرج من الإسلام بقول أو فعل أو اعتقاد أو شك، فذكروا أنّ المكفرات بالاتفاق أربعة تخرج الموحد من الدين، وهي:
1-القول.
2-والفعل.
3-والاعتقاد.
4-والشك.
وذلك لأنهم اتفقوا على أن من قال قولاً يناقض الشهادة، أو يناقض أصل توحيده، أو يناقض أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، فإنه يخرج من الدين.
وكذلك إذا عمل عملاً أو اعتقد اعتقاداً - يعني: مكفراً، يعني: شركاً - اعتقد في الله بأنه جسم كالأجسام، أو اعتقد في الله صفةً قبيحة، أو شك في أمر من الأمور فإنه يكفر ولو كان يشهد (ألا إله إلا الله) وأن محمداً رسول الله.
إذاً الأئمة متفقون على أن المسلم الذي يعمل بأركان الإسلام ويعمل بفروعه قد يكفر بعمل، أو قول، أو اعتقاد، أو شك.
فإذاً: هذه الشبهة التي أوردوها مخالفة أيضاً لإجماع العلماء الذين ألفوا في هذا الباب، وفي كل مذهب تجد باباً خاصاً بهذا، وهو باب حكم المرتد، وهو الذي يكفر بعد إسلامه.
وفي الحقيقة: قولنا عن هؤلاء - يعني: عباد القبور الذين نشأوا على ذلك - إنهم مرتدون أصعب من أن نقول: إنهم كفار أصليون، ولهذا ذهب جمع من علماء الدعوة بل الأكثر منهم ومن غيرهم أن هؤلاء الذين لم يعرفوا التوحيد أصلاً، ونشأوا عليه وشبوا عليه، وكانوا مشركين بالله -جل وعلا- ولم يعرفوا الإسلام الصحيح أنهم لم يدخلوا في الدين أصلاً حتى يقال: إن أحكام المرتد تجري عليهم، بل هم كفار أصليون، ومعلوم أن الكافر الأصلي في أحكامه أخف من أحكام المرتد؛ لأن لهم في ذلك تفاصيل معلومة في بابها.
نقول هنا: الإجماع إذاً منعقد على هذا، ومن احتج بهذا القول من أتباع مذهب مالك أو الشافعي أو أبي حنيفة أو الإمام أحمد يقال لهم ما قاله علماؤهم في كتب مذاهبهم فإنه سَيَقِفْ.
ولهذا يناسب أن يقوم الدعاة إلى الله -جل وعلا- في كل بلد فيه أنواع الشرك بالله، بالمقبورين، والمدفونين، والأولياء، وغيرهم؛ أن يوردو الأدلة والأقوال من أقوال علماء مذهبهم ويجمعونها وينشرونها في الناس ؛ لأن في هذا إقامة للحجة عليهم، ولأن في هذا أيضاً إبعاداً للشبهة التي أوردها هذا المورد، فإنه قد يتخيل بعض من لم يحقق من طلبة العلم أو بعض العوام أن هذا القول إنما جاء به الوهابية وليس عليه علماء المذاهب، فإذا جمعت هذه الأقوال ونشرت في البلد، البلد الذي يشيع فيه مذهب الإمام مالك؛ ينقل فيه كلام المالكية - والمالكية عندهم توسع في هذا أيضاً - والحنفية أيضاً أكثر منهم، والشافعية والحنابلة في باب التكفير أقل، يعني: فيما يحصل به الكفر، فيُنقل من كتبهم ما به يكون رد هذه الشبهة حتى لا يتوهم أن هذا القول تفرد به الوهابية كما يزعمون.
والدعوة السلفية بعامة في كل بلد إنما عمدتها الكتاب والسنة وإجماع هذه الأمة، إجماع علمائها، وما كان عليه سلفنا الصالح وما عقده أئمة أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح وأتباع الأثر، هذه عمدتهم في أي بلد، فالوسيلة التي يقررون بها الحجة ويضعفون بها الشبهة ينبغي لهم أن يسلكوها؛ لأن الحق أحق أن يتبع.
قال رحمه الله بعد ذلك: (ولما لم ينقد أناس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- للحج أنزل الله في حقهم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}) قوله: (ولما لم ينقد أناس) عبرَّ -رحمه الله- بالانقياد الذي معناه الالتزام، وإلا فإن عدم الحج مع الانقياد للحكم - يعني مع اعتقاد وجوبه على المخَاطب به - ليس بكفر، وإنما يكفر من جحده أو لم يلتزم به، يعني قال: لا يجب علي وإنما يجب على غيري، من لم ينقد للحكم، قال: هو واجب على الناس، واجب على غيري، وأنا لا يجب علي الحج، فهذا غير ملتزم به؛ كحال الرجل الذي نكح امرأة أبيه بعد نزول قول الله جل وعلا: {وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً}لم يلتزم بالحكم، لم ينقد له فقال: أنا غير مخاطب بذلك، ولم يلتزم به ولم ينقد له فصار كافراً، خلاف من لو التزم وانقاد يعني قال: أنا مخاطب به وهذا حرام علي لكن فعَله، فهذا له حكم أمثاله من أهل الكبائر.
فقول الشيخ رحمه الله: (ولما لم ينقد) هذا تعبير دقيق، ولهذا قرأتم في شروط (لا إله إلا الله) وتعلمتم أن من شروطها الانقياد، فالانقياد معناه: الالتزام، الالتزام بما دلت عليه ولو لم يفعل، لكنه يلتزم بأن يقول: هذا واجب وأنا مخاطب به، وهذا محرم وأنا مخاطب بتحريم كذا، لكنه لم يفعل، فله حكم أمثاله من أهل الكبائر.
لكن إن قال: (هذا غير واجب علي) (أنا ممن ارتفعت عنه التكاليف) (هذا يجب على الناس وأما أنا فلا يجب علي) (هذا يحرم على الناس وأما أنا لا يحرم علي) فيعتقد أنه واجب في نفسه، يعني هذا الأمر محرم في نفسه، يعني المحرم لكن يقول: (أنا لا ألتزمه لأني غير مخاطب به) كفعل طوائف في هذه الأمة، فهؤلاء لم ينقادوا للحكم الشرعي.

فالشيخ -رحمة الله- عبر بالانقياد وهو تعبير علمي له دلالته في الأحكام الفقهية وفي التوحيد.

قال: (ولما لم ينقد أناس في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- للحج أنزل الله في حقهم: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}) وقوله: {عَلَى النَّاسِ} هذا من ألفاظ الوجوب عند الأصوليين (لله على الناس) (عليك كذا) وأشباه هذا فإن ألفاظ الوجوب عندهم كثيرة متعددة، ومنها كلمة (عليك) و(على) وأشباه ذلك.

{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ} يعني يجب عليهم {حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ}بهذا الحكم، فلم ينقد له{فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}.

بعد ذلك قال الإمام رحمه الله: (ومن أقر بهذا كله وجحد البعث، كفر بالإجماع).

ما رأيكم فيمن قال: (أنا موحد أقول (لا إله إلا الله)محمد رسول الله، لا أعبد إلا الله، ومقر لله بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته، ومقر للنبي -صلى الله عليه وسلم- وشاهد له بالرسالة وبأنه خاتم المرسلين، وأصلي وأزكي وأصوم وأحج، لكن مسألة البعث هذه فيها نظر عندي، والأقرب ألا بعث بعد الموت) ولو كان من أتقى الناس في تلك الأمور لكنه قال: (أنا أتعبد لله وأصلي وأصوم - طاعة لله جل وعلا- لكن لا بعث) فإنه بالإجماع كافر، ويحل دمه وماله لإجماع المسلمين على ذلك، كما قال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً}.
فهذه الآية دلت على أن من فرق بين حكم وحكم فجحد حكماً وقبل حكماً فإنه يكون كافراً لقوله تعالى: {أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا}.
قال رحمه الله: (فإذا كان الله قد صرح في كتابه أن من آمن ببعض وكفر ببعض فهو الكافر حقاً، وأنه يستحق ما ذكر، زالت الشبهة) لم؟لأن الذي قال: (إن عبادة غير الله -جل وعلا- ليست شركاً أكبر، وإنما هي شرك أصغر) فإنه لم يؤمن بقول الله جل وعلا: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}.وبقول الله -جل وعلا- في سورة الحج: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}ونحو ذلك من الآيات الكثيرة في هذا الباب، فآمن بأن المشرك بدعاء غير الله مشرك، لكنه ليس بالمشرك الشرك الأكبر الذي يستحق معه النار، فإن هذا لاشك جحْد، أو عدم إيمان ببعض ما أنزل الله جل وعلا.

-------------------

[ سؤال]: ماذا تعلمون عن الرسالة التي أرسلت إلى الشيخ من الأحساء ؟

[جواب]: هناك عدة رسائل تأتي للشيخ من بعض علماء الإحساء، وأخص منهم الشيخ عبد الله بن محمد بن عبداللطيف الأحسائي وله عدة رسائل مع الشيخ، والشيخ -رحمه الله- لما رجع من البصرة مرّ عليه في الإحساء؛ وجلس عنده عدة ليالي، وفرح الشيخ -رحمه الله- بعبد الله بن عبد اللطيف فرحاً عظيماً؛ لأنه وجده يخالف الأشاعرة الذين نشأ على طريقتهم في مسائل الإيمان حيث قال له مرة في رسالة له: (ولما كنت جئتك ورأيتك كتبت على أول (صحيح البخاري) في مسائل الإيمان: هذا هو الحق الذي يجب القول به، فرحت بذلك؛ لأنك خالفت ما عليه أهل بلدتك من كلام الأشاعرة، يعني: في مسألة الإيمان). وقال الشيخ -رحمه الله- في رسالته أيضاً لعبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الإحسائي - هذه - (وأنا كثير الدعاء لك، وأدعو لك في سجودي، وكنت أقول: أرجو أن تكون فاروقاً لهذه الأمة في آخرها كما كان عمر بن الخطاب فاروقاً للأمة في أولها) ورسائله مع عبد الله بن محمد بن عبد اللطيف الأحسائي هذه فيها فوائد كثيرة في العلم تبين لك عظم علم الشيخ؛ لأن إمام الدعوة إذا كاتب العلماء كاتبهم بلهجة علمية قوية وتفصيل في المسائل، وإذا خاطب العوام أو المتوسطين في العلم خاطبهم بما يعرفون (حدثوا الناس بما يعرفون).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

28 Nov 2008

العناصر

الشبهة الحادية عشرة: زعمهم أن المشركين الأولين إنما كفروا لأنهم لا يشهدون أن لا إله إلا الله ويكذبون الرسل وينكرون البعث

من الحكمة في التعليم: تهيئة نفس المتعلم لتلقي العلم
فائدة تعدد الأجوبة على الشبهة الواحدة
- المرتد أعظم كفراً من الكافر الأصلي
- أنواع الردة

الجواب الأول عن هذه الشبة الحادية عشر
- لا خلاف بين العلماء أن من صدق الرسول في شيء وكذبه في شيء فهو كافر
- من جحد بعض الشرائع كفر بالإجماع
- من أقر بالشرائع وجحد البعث كفر بالإجماع
- صرح الله تعالى في كتابه أن من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض فهو الكافر حقاً
- النتيجة: إنكار التوحيد أعظم كفراً من إنكار بقية الشرائع
- لا فرق بين الكفر الكلي والكفر النوعي

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

28 Nov 2008

الأسئلة

س1: بيّن الشبهة التاسعة لهؤلاء المشركين، وبيّن الجواب عنها من خلال دراستك لهذا الدرس.

س2: ما حكم من كذَّب الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر من الأمور، وصدّقه في بقية الأمور؟
س3: ما الفرق في الحكم بين التارك للحج الملتزم لوجوبه؛ والتارك له غير الملتزم بوجوبه عليه؟
س4: هل تشترط نيّة الكفرإذا ارتكب العبد مكفّراً ؟ وضح إجابتك مع الاستدلال.