الدروس
course cover
الدرس الحادي والعشرون: كشف الشبهة العاشرة وهي احتجاجهم بقول الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} على جواز دعائهم
30 Oct 2008
30 Oct 2008

4693

0

0

course cover
كشف الشبهات

القسم الثالث

الدرس الحادي والعشرون: كشف الشبهة العاشرة وهي احتجاجهم بقول الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} على جواز دعائهم
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

4693

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الحادي والعشرون: كشف الشبهة العاشرة وهي احتجاجهم بقول الله تعالى: {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم} على جواز دعائهم

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِنْ قَالَ:

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس: 62].
فَقُلْ: هَذَا هُوَ الحَقُّ، وَلَكِنْ لا يُعْبَدُونَ، وَنَحْنُ لا نُنْكِرُ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَعَ اللهِ، وَإِشْرَاكَهُمْ مَعَهُ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ وَاتِّبَاعُهُمْ وَالإِقْرَارُ بِكَرَامَاتِهِمْ، وَلا يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِياءِ إِلاَّ أَهْلُ البِدَعِ وَالضَّلالاتِ، وَدِينُ اللهِ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ، وَهُدىً بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، وَحَقٌّ بَيْنَ بَاطِلَيْنِ.

فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الَّذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَنِنا (الاعْتِقَادَ) هُوَ الشِّركُ الَّذي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ وقتنا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لا يُشْرِكونَ وَلا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ أو الأَوْلِياءَ أو الأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ الدِّينَ للهِ، كَمَا قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَِى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء: 67].
-وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُون} إلى قوله {مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 40-41].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَاكانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِن قَبْلُ} الآية [الزُّمر: 8].
-وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} الآية [لقمان: 22].
فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ المَسْألةَ الَّتِي وَضَّحَها اللهُ في كِتَابِهِ؛وَهِيَ أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَلا يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ.
تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ، وَلَكِنْ أيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ المَسْألةَ فَهْماً رَاسِخاً، وَاللهُ المُسْتَعانُ.
الأَمْرُ الثَّاني: أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ إِمَّا نبيّاً، وَإِمَّا وليّاً، وَإِمَّا مَلائِكَةً، أَوْ يَدْعُونَ أَحْجَاراً وأَشْجَاراً مُطِيعةً للهِ تعالى ليْسَت بعَاصِيَةٍ، وَأَهْلُ زَمانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُمُ الفُجُورَ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَرْكِ الصَّلاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالَّذِي يَعْتَقدُ في الصَّالِحِ؛ والَّذي لا يَعْصي - مِثْلِ الخَشَبِ وَالحَجَرِ - أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ ويَشْهَدُ بِهِ).

هيئة الإشراف

#2

28 Nov 2008

شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِنْ قَالَ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس: 62].
فَقُلْ: هَذَا هُوَ الحَقُّ، وَلَكِنْ لا يُعْبَدُونَ، وَنَحْنُ لا نُنْكِرُ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَعَ اللهِ، وَإِشْرَاكَهُمْ مَعَهُ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ وَاتِّبَاعُهُمْ وَالإِقْرَارُ بِكَرَامَاتِهِمْ، وَلا يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِياءِ إِلاَّ أَهْلُ البِدَعِ وَالضَّلالاتِ، وَدِينُ اللهِ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ، وَهُدىً بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، وَحَقٌّ بَيْنَ بَاطِلَيْنِ.

فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الَّذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَنِنا (الاعْتِقَادَ) هُوَ الشِّركُ الَّذي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ وقتنا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لا يُشْرِكونَ وَلا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ أو الأَوْلِياءَ أو الأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ الدِّينَ للهِ، كَمَا قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَِى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء: 67]
(1).
-وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُون} إلى قوله {مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 40-41].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَاكانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِن قَبْلُ} الآية [الزُّمر: 8].
-وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} الآية [لقمان: 22]
(2).
فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ المَسْألةَ الَّتِي وَضَّحَها اللهُ في كِتَابِهِ؛وَهِيَ أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَلا يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ.
تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ، وَلَكِنْ أيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ المَسْألةَ فَهْماً رَاسِخاً، وَاللهُ المُسْتَعانُ
(3).
الأَمْرُ الثَّاني: أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ إِمَّا نبيّاً، وَإِمَّا وليّاً، وَإِمَّا مَلائِكَةً، أَوْ يَدْعُونَ أَحْجَاراً وأَشْجَاراً مُطِيعةً للهِ تعالى ليْسَت بعَاصِيَةٍ، وَأَهْلُ زَمانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُمُ الفُجُورَ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَرْكِ الصَّلاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالَّذِي يَعْتَقدُ في الصَّالِحِ؛ والَّذي لا يَعْصي - مِثْلِ الخَشَبِ وَالحَجَرِ - أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ ويَشْهَدُ بِهِ
(4)).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَانِنَا الاعْتِقَادَ) وَقَد يُسَمُّونَهُ التَّوَسُّلَ (هو الشِّرْكُ) الأَكْبَرُ الذي كَانَ عَلَيْهِ قُرَيْشٌ وَأَضْرَابُهُم (الذِي نَزَلَ فيه القُرْآنُ وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ) وتَحَقَّقْتَ مَا قَدَّمْتُهُ لَكَ مِن كَشْفِ الشُّبَهِ المُتَقَدِّمَةِ (فاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِن شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا بِأَمْرَيْنِ) فَشِرْكُ أَهْلِ زَمَانِنَا أَعْظَمُ وَأَكْبَرُ.

وَكَوْنُ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا أَغْلَظَ وَأَكْبَرَ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ لَيْسَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ لاَ يَتَغَلَّظُ إِلاَّ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ، بل يُرِيدُ أَنَّهُ تَغَلَّظَ بِهَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ.(أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لاَ يُشْرِكُونَ وَلاَ يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ والأَوْلِيَاءَ والأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ للهِ الدُّعَاءَ) وإِنَّمَا كَانَ هَذَا حَالَ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ؛ لأَِنَّهُم أَصَحُّ عُقُولاً وَأَفْهَمُ في هَذِه الأُمُورِ؛ لِعِلْمِهِم أَنَّه لاَ يُنْجِي في المَضَايِقِ والكُرُوبِ إِلاَّ اللهُ فَيُخْلِصُونَ للهِ الدِّينَ، ولِهَذَا لَمَّا سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُصَيْنًا: ((كَمْ إِلَهًا تَعْبُدُ))؟ قَالَ: سَبْعَةً؛ سِتَّةٌ في الأَرْضِ وَوَاحِدٌ في السَّمَاءِ، قَالَ: ((فَمَنِ الَّذِي تُعِدُّ لِرَغْبَتِكَ وَرَهْبَتِكَ؟)) قَالَ: الَّذِي في السَّمَاءِ) (كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}) يَعْنِي: ذَهَبَ عَنْكُم مَن تَدْعُونَ سِوَاهُ {فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ} عن إِفْرَادِهِ بالعِبَادَةِ واللَّجْأِ إِلَيْهِ {وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُورًا}.

(2) (وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمْ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ} إِلَى قَوْلِهِ: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ}.وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}) هذه الآيَاتُ وَنَظَائِرُهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُم في الرَّخَاءِ يُشْرِكُونَ وفي الشِّدَّةِ يُخْلِصُونَ؛ في الشِّدَّةِ لاَ يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَه لاَ شَرِيكَ لَهُ، وأَمَّا في زَمَانِنَا فَشِرْكُهُم في الحَالَتَيْنِ جَمِيعًا، بل إِذَا كَانُوا في الشِّدَّةِ نَسُوا اللهَ بالكُلِّيَّةِ ولَهِجُوا بِمَعْبُودَاتِهِم مِن دونِ اللهِ، والعِيَاذُ باللهِ.
فَأَهْلُ زَمَانِنَا إِذَا رَكِبُوا في البَحْرِ وَتَلاَطَمَتْ عَلَيْهِم الأَمْوَاجُ لَهِجُوا بِمَنْ يَدْعُونَه مِن دونِ اللهِ؛ سَواءٌ كَانَ مِن الأَمْواتِ أَو غَيْرِهِم، هَذَا يَقُولُ: (يَا مَتْبُولِي ، يَا عَيْدَرُوسُ، يا بَدَوِيُّ، يَا عَبْدَ القَادِرِ، يا عَلِيُّ، يَا حُسَيْنُ، يَا فُلاَنُ) أَيْنَ شِرْكُ هَؤُلاَءِ مِن شِرْكِ الأَوَّلِينَ؟! بَيْنَ الشِّرْكَيْنِ فَرْقٌ بَعِيدٌ، بل مُشْرِكُو زَمَانِنَا زَادُوا في شِرْكِهِم بفُنُونٍ زَادُوهَا وضُرُوبٍ جَدَّدُوهَا.

(3) (فمَن فَهِمَ هَذِه المَسْأَلَةَ الَّتِي وَضَّحَهَا اللهُ في كِتَابِهِ) حَقِيقَةَ الفَهْمِ، وفَهِمَ عن اللهِ ورَسُولِهِ، وسَلِمَ مِن التَّعَصُّبِ والهَوَى، وَسَلِمَ مِن الجَهْلِ (وهي أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ تَعَالَى ويَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الضُّرِّ والشِّدَّةِ فَلاَ يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ويَنْسَوْنَ سَادَاتِهِم، تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ) يَعْنِي أَنَّ شِرْكَ أَهْلِ زَمَانِنَا أَعْظَمُ وأَكْبَرُ وأَطَمُّ، وَإِنَّمَا ضَلُّوا بِتَرْكِهِم القُرْآنَ والإِعْرَاضِ عَنْهُ والتَّفَهُّمَ والتَّدَبُّرَ (وَلَكِنْ أَيْنَ مَن يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِه المَسْأَلَةَ فَهْمًا جَيِّدًا رَاسِخًا؟!) ليَنْجُوَ مِن الجَهْلِ، وَلاَ يُظَنُّ أَنَّ المُرَادَ أَنَّهُم قَوْمٌ كَانُوا فَبَانُوا.
وفي الحَقِيقَةِ إِنْ كَانُوا وَبَانُوا فَقَدْ أَعْقَبُوا مَن هو شَرٌّ منهم بِكَثِيرٍ (واللهُ المُسْتَعَانُ).

(4) (الأَمْرُ الثَّانِي) تَقَدَّمَ الأَمْرُ الأَوَّلُ الذِي صَارَ بِهِ المُشْرِكُونَ الأَوَّلُونَ أَعْظَمَ شِرْكًا مِن أَهْلِ زَمَانِنَا (أَنَّ) المُشْرِكِينَ (الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاسًا مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ: إِمَّا أَنْبِيَاءَ وَإِمَّا أَوْلِيَاءَ وَإِمَّا مَلاَئِكَةً) أَوْ صَالِحِينَ (أَوْ يَدْعُونَ أحْجَارًا أو أَشْجَارًا مُطِيعَةً للهِ لَيْسَتْ عَاصِيَةً) الكَائِنَاتُ كُلُّهَا مُطِيعَةٌ لله {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ}، {وَللهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ}.(وَأَهْلُ زَمَانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاسًا مِن أَفْسَقِ النَّاسِ) بَلْ مِنْهُم مَن يَدْعُو أُنَاسًا مِن أَكْفَرِ النَّاسِ، بل بَعْضُهُم أَكْفَرُ مِن اليَهُودِ والنَّصَارَى؛ كالذِينَ يَدْعُونَ إِمَامَ أَهْلِ وَحْدَةِ الوُجُودِ ابْنَ عَرَبِيٍّ؛ فَإِنَّ عَلَيْهِ الآنَ قُبَّةً في الشَّامِ (وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُم هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُم الفُجُورَ مِن الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وتَرْكِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ والَّذِي يَعْتَقِدُ في الصَّالِحِ أو الَّذِي لاَ يَعْصِي مِثْلَ: الخَشَبِ والحَجَرِ أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشَاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ وَيَشْهَدُ بِهِ) فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ مَن دَعَا مَعَ اللهِ غَيْرَهُ مِن أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فهو كَافِرٌ، وَصَارِفٌ حَقَّ رَبِّ العَالَمِينَ لِغَيْرِهِ؛ وكَوْنُ ذَلِكَ المَصْرُوفِ لِنَبِيٍّ أَو غَيْرِهِ لاَ يُنْجِيهِ مِن الشِّرْكِ، وَلَكِنَّهُ أَهْونُ مِن الثَّانِي؛ فَإِنَّهُ عَظَّمَ مَن لاَ يُعظَّمُ بِوَجْهٍ، وهو كالمُعَانِدِ أَيْضًا.
النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى نَقْصِ هَذَا وَأَنَّهُ مَرْذُولٌ ومَهِينٌ، وَهَذَا عَاكَسَ الشَّرْعَ وَجَعَلَهُ مُعَظَّمًا، فَصَارَ شِرْكُهُ أَعْظَمَ، وَإِنْ كَانَ الكُلُّ شِرْكًا وَكُفْرًا وَضَلاَلاً.

فَظَهَرَ بِذَلِكَ صِحَّةُ مَا قَالَهُ المُصَنِّفُ،وَأَنَّ شِرْكَ مُشْرِكِي زَمَانِنَا أَعْظَمُ وَأَغْلَظُ مِن شِرْكِ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ؛ لَكِنَّ الأَوَّلِينَ عِنْدَهُم شُبْهَةُ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ وهو أَنَّهُ مُعَظَّمٌ في الجُمْلَةِ.


والَّذِي يَدْعُو فَاسِقًا أو كَافِرًا يَطْلُبُ مِمَّنْ كَانَ مَمْقُوتًا مَذْمُومًا في الشَّرْعِ وَيَعْبُدُهُ فَكَانَ مُعَانِدًا للشَّرْعِ، فاسْتَوَيَا في أَنَّ الكُلَّ شِرْكٌ، وافْتَرَقَا فِيمَنْ هو مُعَظَّمٌ في الجُمْلَةِ، والثَّانِي عَظَّمَ مَن لَيْسَ مُعَظَّمًا بِحَالٍ فَصَارَ أَعْظَمَ شِرْكًا؛ فَإِنَّ الأَوَّلِينَ لَوْ عَظَّمُوهُم بِغَيْرِ الشِّرْكِ لَكَانَ سَائِغًا، والفَاسِقُ ونَحْوُه لو عُظِّمَ بِدونِ عِبَادَةٍ لَهُ لَكَانَ المُعَظِّمُ لَهُ عَاصِيًا إِذَا كَانَ مَعْبُودُهُ تُقَامُ عَلَيْهِ الحُدُودُ أو فَاسِقًا.

هيئة الإشراف

#3

28 Nov 2008

شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِنْ قَالَ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس: 62].
فَقُلْ: هَذَا هُوَ الحَقُّ، وَلَكِنْ لا يُعْبَدُونَ، وَنَحْنُ لا نُنْكِرُ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَعَ اللهِ، وَإِشْرَاكَهُمْ مَعَهُ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ وَاتِّبَاعُهُمْ وَالإِقْرَارُ بِكَرَامَاتِهِمْ، وَلا يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِياءِ إِلاَّ أَهْلُ البِدَعِ وَالضَّلالاتِ، وَدِينُ اللهِ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ، وَهُدىً بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، وَحَقٌّ بَيْنَ بَاطِلَيْنِ.

فَإِذَا عَرَفْتَ(1) أَنَّ هَذَا الَّذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَنِنا (الاعْتِقَادَ) هُوَ الشِّركُ الَّذي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ وقتنا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لا يُشْرِكونَ وَلا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ أو الأَوْلِياءَ أو الأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ الدِّينَ للهِ، كَمَا قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَِى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء: 67].
-وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُون} إلى قوله {مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 40-41]
(2).
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَاكانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِن قَبْلُ} الآية [الزُّمر: 8]
(3).
-وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} الآية [لقمان: 22]
(4).
فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ المَسْألةَ الَّتِي وَضَّحَها اللهُ في كِتَابِهِ؛وَهِيَ أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَلا يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ
(5).
تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ، وَلَكِنْ أيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ المَسْألةَ فَهْماً رَاسِخاً، وَاللهُ المُسْتَعانُ
(6).
الأَمْرُ الثَّاني: أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ إِمَّا نبيّاً، وَإِمَّا وليّاً، وَإِمَّا مَلائِكَةً، أَوْ يَدْعُونَ أَحْجَاراً وأَشْجَاراً مُطِيعةً للهِ تعالى ليْسَت بعَاصِيَةٍ، وَأَهْلُ زَمانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُمُ الفُجُورَ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَرْكِ الصَّلاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
(7).
وَالَّذِي يَعْتَقدُ في الصَّالِحِ؛ والَّذي لا يَعْصي - مِثْلِ الخَشَبِ وَالحَجَرِ - أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ ويَشْهَدُ بِهِ).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (1) قولُهُ: (إذا عَرَفْتَ) يَعْنِي: عَلِمْتَ معنى العبادةِ، وأنَّ ما عليهِ أُولئكَ المشركونَ في زمنِهِ هوَ ما كانَ المشركونَ عليهِ في عهدِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَرَفْتَ أنَّ شركَ هؤلاءِ أَعْظَمُ مِنْ شركِ الَّذين قاتَلَهم النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وجهَيْنِ:

الوجهُ الأوَّلُ: أنَّ هؤلاءِ يُشْرِكونَ باللهِ في الشِّدَّةِ والرَّخاءِ، وأمَّا أولئكَ المشركونَ الَّذين بُعِثَ فيهم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنَّما يُشْرِكونَ في الرخاءِ، ويُخْلِصونَ في حالِ الشدَّةِ، كما قالَ تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ …} الآيةَ، فكانوا إذا رَكِبُوا في الفُلْكِ دَعَوا اللهَ مُخْلِصِينَ لهُ الدينَ لا يَدْعُونَ غيرَهُ ولا يَسْأَلُونَ سِواهُ، ثمَّ إذا أَنْجَاهم إلى البَرِّ إذا همْ يُشْرِكونَ، أوْ فَرِيقٌ مِنهم بربِّهم يُشْرِكونَ، فهذا وَجْهٌ(1).
(2) وهذهِ أيضًا تَدُلُّ على أنَّهم كانوا يُشْرِكونَ في حالِ الرَّخاءِ، وأنَّهم إذا أتَاهم عَذابٌ أوْ أتَتْهم السَّاعةُ فإنَّهم لا يَدْعُونَ غيرَ اللهِ، كما قالَ تعالى: {بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِن شَاءَ وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ} فَهُمْ في هذهِ الحالِ يَنْسَوْنَ
(2) ما يُشْرِكونَ، ولا يَدْعُونَ سِوى اللهِ عزَّ وجلَّ.

(3) وهذِهِ أيضًا كالآيتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلَها، تَدُلُّ على أنَّ الإِنسانَ إذا مَسَّهُ الضُّرُّ دَعا ربَّهُ مُنِيبًا إليهِ، ولكنَّهُ إذا خَوَّلَهُ(3) نِعمةً مِنهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعو إليهِ مِنْ قبلُ، وجعَلَ للهِ أنْدادًا لِيُضِلَّ عنْ سَبيلِهِ،فيُشْرِكُ في حالِ الرَّخاءِ ويُخْلِصُ في حالِ الشِّدَّةِ.

(4) هذهِ أيضًا كالآياتِ السَّابقةِ تَدُلُّ على أنَّ هؤلاءِ المشركينَ إنَّما يُشْرِكونَ باللهِ في حالِ الرَّخاءِ، أمَّا في حالِ الشِّدَّةِ فيَلْجَأُونَ للهِ وحْدَهُ.

(5) يُبَيِّنُ رَحِمَهُ اللهُ أنَّ المُشرِكِينَ في زمانِهِ أشَدُّ شِرْكًا منْ مُشرِكي زمانِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنَّ مُشرِكي زمانِهِ يَدْعُونَ غيرَ اللهِ في الرَّخاءِ وفي الشِّدَّةِ، وأمَّا المشركونَ في عهدِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فإنَّهمْ يَدْعُونَ اللهَ ويَدْعُونَ غيرَهُ في حالِ الرَّخاءِ، وأمَّا في حالِ الشِّدَّةِ فلا يَدْعُونَ إلاَّ اللهَ عزَّ وجلَّ، وهذا يَدُلُّ على أنَّ شركَ المشركينَ في زمانِهِ رَحِمَهُ اللهُ أَعْظَمُ مِنْ شركِ المُشرِكِينَ في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(4).

(6) قولُهُ: (تَبَيَّنَ لهُ الفرْقُ...) إلخ، هذا جوابُ قولِهِ: (فمَنْ فَهِمَ هذهِ المَسْأَلةَ...) إلخ، أيْ: تَبَيَّنَ لهُ الفرْقُ بينَ مُشرِكي زمانِهِ رَحِمَهُ اللهُ والمشركينَ في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنَّ شركَ الأوَّلِينَ أخَفُّ مِنْ شرْكِ أهْلِ زمانِهِ، ولكنْ أينَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ ذلكَ، أَكْثَرُ النَّاسِ في غَفْلةٍ عنْ هذا، وأكثَرُ النَّاسِ يُلَبَّسُ عليهم الحقُّ بالباطِلِ فيَظُنُّونَ الباطلَ حقًّا، كما يَظُنُّونَ الحقَّ باطلاً.

(7) قولُهُ: (الأمرُ الثَّاني) أيْ: في بَيانِ أنَّ شركَ الأوَّلِينَ أخَفُّ مِنْ شرْكِ أهْلِ زمانِهِ رَحِمَهُ اللهُ، أنَّ المُشرِكينَ في عهدِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ أُناسًا مُقَرَّبِينَ مِنْ أولِياءِ اللهِ عزَّ وجلَّ، أوْ يَدْعُونَ أَحْجارًا أوْ أشجارًا مُطِيعةً للهِ ذَلِيلةً لهُ.

أمَّا هؤلاءِ - أَعْنِي المُشرِكينَ في زمانِهِ - فإنَّهمْ يَدْعُونَ مَنْ يَحْكُونَ عنهم الفُجورَ والزِّنا والسَّرِقةَ وغيرَ ذلكَ مِنْ معاصِي اللهِ عزَّ وجلَّ، ومعلومٌ أنَّ مَنْ يَعْتَقِدُ في الصَّالحِ أو الجَمَادِ الَّذي لا يَعْصِي اللهَ تعالى أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فيْمَنْ يُشَاهِدُ فِسْقَهُ ويَشْهَدُ بهِ، وهذا ظاهِرٌ.


حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) كذلك هذه الشبهة مما جاء في بعض النسخ دون بعض، وقد أغفلها عامة الشراح، والمدلي بها عوّل على ذكر ما أثبته الله لأوليائه من الحظوة عنده إلا أنه رفعهم فوق ما يجب لهم، فلا يجحد سنيٌ متبع ما للأولياء من المقام الحسن، لكن الواجب لهم هو حبهم والإقرار بكراماتهم، أما عبادتهم مع الله وإشراكهم معه فهذا لم يأذن الله به.

(2) أي يتركونه عن علم وعمد، وليس المراد مجرد ذهولهم عن المعلوم، فالأول: أبلغ في اطراح معبودا تهم والانصراف عنها والرغبة إلى الله وسؤاله.

(3) التخويل: إعطاء الخول، وهم الأتباع، والرعاة، والزُّراع، انظر: (عمدة الحفاظ) (1/624).

(4) والناس فيمن يلجأون إليه في رخائهم وشدتهم أربعة أقسام:
الأول: من يلجأ إلى الله في رخائه وشدته وهذا هو الموحد.
الثاني: من يلجأ إليه في الشدة فلا يشرك به، أما في الرخاء فيشرك معه غيره كما هو حال المشركين الأولين.
الثالث: من يلجأ إليه وإلى غيره في الرخاء والشدة فيشرك معه في الحالين جميعاً، كما هو حال متأخري المشركين.
الرابع: من لا يلجأ إليه في رخاء ولا شدة، ممن لا يعتقد وجوده من الدهرية والملاحدة، وهؤلاء شر طوائف المشركين.

هيئة الإشراف

#4

28 Nov 2008

شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان 

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِنْ قَالَ: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس: 62].
فَقُلْ: هَذَا هُوَ الحَقُّ، وَلَكِنْ لا يُعْبَدُونَ، وَنَحْنُ لا نُنْكِرُ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَعَ اللهِ، وَإِشْرَاكَهُمْ مَعَهُ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ وَاتِّبَاعُهُمْ وَالإِقْرَارُ بِكَرَامَاتِهِمْ، وَلا يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِياءِ إِلاَّ أَهْلُ البِدَعِ وَالضَّلالاتِ، وَدِينُ اللهِ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ، وَهُدىً بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، وَحَقٌّ بَيْنَ بَاطِلَيْنِ.

فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الَّذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَنِنا (الاعْتِقَادَ) هُوَ الشِّركُ الَّذي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ وقتنا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لا يُشْرِكونَ وَلا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ أو الأَوْلِياءَ أو الأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ الدِّينَ للهِ، كَمَا قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَِى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65](1).
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء: 67].
-وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُون} إلى قوله {مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 40-41].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَاكانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِن قَبْلُ} الآية [الزُّمر: 8].
-وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} الآية [لقمان: 22].
فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ المَسْألةَ الَّتِي وَضَّحَها اللهُ في كِتَابِهِ؛وَهِيَ أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَلا يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ.
تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ، وَلَكِنْ أيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ المَسْألةَ فَهْماً رَاسِخاً، وَاللهُ المُسْتَعانُ.
الأَمْرُ الثَّاني: أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ إِمَّا نبيّاً، وَإِمَّا وليّاً، وَإِمَّا مَلائِكَةً، أَوْ يَدْعُونَ أَحْجَاراً وأَشْجَاراً مُطِيعةً للهِ تعالى ليْسَت بعَاصِيَةٍ، وَأَهْلُ زَمانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُمُ الفُجُورَ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَرْكِ الصَّلاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ
(2).
وَالَّذِي يَعْتَقدُ في الصَّالِحِ؛ والَّذي لا يَعْصي - مِثْلِ الخَشَبِ وَالحَجَرِ - أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ ويَشْهَدُ بِهِ
(3)).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) يَقُولُ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إِذَا عَرَفْتَ مِمَّا سَبَقَ أنَّه لاَ فَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ الَّذِي نَزَلَ فيه القُرْآنُ، والَّذِي قَاتَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ، وشِرْكِ هَؤُلاَءِ المُنْتَسِبينَ إِلَى الإِسْلاَمِ مِن عُبَّادِ القُبُورِ وأَصْحَابِ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ المُنْحَرِفَةِ وَنَحْوِهِم، لاَ فَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ هَؤُلاَءِ وهَؤُلاَءِ إلاَّ في الاسْمِ حَيْثُ يُسَمُّونَهُ الاعْتِقَادَ فَقَطْ، فاعْلَمْ أنَّ شِرْكَ هَؤُلاَءِ المُتَأَخِّرِينَ المُنْتَسِبينَ إلى الإِسْلاَمِ أَشَدُّ وأَغْلَظُ مِن شِرْكِ المُتَقَدِّمِينَ مِن أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ مِن وَجْهَينِ:

الأَوَّلُ: أنَّ شِرْكَ الأَوَّلِين إنَّما يَحْصُلُ في حَالِ الرَّخَاءِ، وأَمَّا فِي حَالِ الشِّدَّةِ فإنَّهُم يَتْرُكُونَ الشِّرْكَ ويُخْلِصُونَ الدُّعَاءَ للهِ لِعِلْمِهِم أَنَّه لاَ يُنْجِي مِن الشَّدَائِدِ إلاَّ اللهُ سُبْحَانَه، كَمَا ذَكَرَ اللهُ عَنْهُم في الآياتِ الَّتِي سَاقَهَا الشَّيْخُ وغَيْرِهَا.

وأَمَّا هَؤُلاَءِ المُشْرِكُونَ المُنْتَسِبُونَ إِلَى الإِسْلاَمِ فَشِرْكُهُم دَائِمٌ في الرَّخَاءِ والشِّدَّةِ،بل إنَّ شِرْكَهُم في الشِّدَّةِ يَزِيدُ عَلَى شِرْكِهِم في الرَّخَاءِ، بِحَيْثُ إِذَا وَقَعُوا في خَطَرٍ وَشِدَّةٍ، ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُم بالشِّرْكِ ودُعَاءِ غَيْرِ اللهِ.
هَذَا هو الوَجْهُ الأَوَّلُ مِن وُجُوهِ الفَرْقِ بَيْنَ المُشْرِكِينَ، والوَجْهُ الثَّانِي سَيَأْتِي.

(2) يَقُولُ -رَحِمَهُ اللهُ-: إنَّه لاَ يُدْرِكُ الفَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ الأَوَّلِينَ وشِرْكِ المُتَأَخِّرِينَ في أنَّ شِرْكَ المُتَأَخِّرِينَ أَغْلَظُ وأَشَدُّ إلاَّ مَن فَهِمَ الآياتِ القُرْآنِيَّةَ الَّتِي تُوَضِّحُ ذلك، وَمَنْ لَمْ يُدْرِكِ الفَرْقَ؛ فإنَّهُ رَاجِعٌ لسُوءِ فَهْمِهِ.

والوَجْهُ الثَّانِي مِن أَوْجُهِ الفَرْقِ:أَنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ أُنَاسًا فِيهِم صَلاَحٌ وتَقَرُّبٌ إِلَى اللهِ مِن المَلاَئِكَةِ والأَنْبِيَاءِ والصَّالِحِينَ، أو يَدْعُونَ أَشْجَارًا أو أَحْجَارًا لَيْسَتْ عَاصِيَةً للهِ.
وأَمَّا المُشْرِكُونَ المُتَأَخِّرُونَ فيَدْعُونَ فَجَرَةَ الخَلْقِ، وأَشَدَّهُم كُفْرًا وفِسْقًا مِمَّن يَزْعُمُونَ لَهُم الكَرَامَاتِ، وسُقُوطَ التَّكَالِيفِ عنهم مِن مَلاَحِدَةِ الصُّوفيَّةِ الَّذِينَ يَسْتَحِلُّونَ المُحَرَّمَاتِ، ويَتْرُكُونَ الوَاجِبَاتِ، كالبَدَوِيِّ والحَلاَّجِ وابْنِ عَرَبِيٍّ وَأَضْرَابِهِم مِن أَئِمَّةِ المَلاَحِدَةِ، فيَعْبُدُونَهُم وهم يُشَاهِدُونَهُم يَفْعَلُونَ الفَوَاحِشَ، ويَتْرُكُونَ الفَرَائِضَ، ويَزْعُمُونَ أنَّ هَذَا مِن كَرَامَتِهِم وفَضْلِهِم حَيْثُ سَقَطَتْ عَنْهُم التَّكَالِيفُ.

(3) هَذِه نَتِيجَةُ المُقَارَنَةِ بَيْنَ شِرْكِ الأَوَّلِينَ وشِرْكِ المُتَأَخِّرِينَ المُنْتَسِبِينَ إلى الإِسْلاَمِ، وهي أَنَّ الشِّرْكَ بِعِبَادَةِ الصَّالِحِينَ والمَخْلُوقَاتِ الَّتِي لاَ تَعْصِي أَخَفُّ مِن الشِّرْكِ بِعِبَادَةِ الفَجَرَةِ والمَلاَحِدَةِ والعُصَاةِ؛ لأَِنَّ ذلك يَدُلُّ عَلَى تَزْكِيَتِهِم ومُوَافَقَتِهِم عَلَى كُفْرِهِم وفُجُورِهِم، واعْتِبَارِه صَلاَحًا وكَرَامَةً، وأيُّ مُحَادَّةٍ للهِ أَشَدُّ مِن هذه المُحَادَّةِ؟! نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ.

هيئة الإشراف

#5

28 Nov 2008

شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَإِنْ قَالَ:

{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس: 62].
فَقُلْ: هَذَا هُوَ الحَقُّ، وَلَكِنْ لا يُعْبَدُونَ، وَنَحْنُ لا نُنْكِرُ إِلاَّ عِبَادَتَهُمْ مَعَ اللهِ، وَإِشْرَاكَهُمْ مَعَهُ، وَإِلاَّ فَالْوَاجِبُ عَلَيْكَ حُبُّهُمْ وَاتِّبَاعُهُمْ وَالإِقْرَارُ بِكَرَامَاتِهِمْ، وَلا يَجْحَدُ كَرَامَاتِ الأَوْلِياءِ إِلاَّ أَهْلُ البِدَعِ وَالضَّلالاتِ، وَدِينُ اللهِ وَسَطٌ بَيْنَ طَرَفَيْنِ، وَهُدىً بَيْنَ ضَلالَتَيْنِ، وَحَقٌّ بَيْنَ بَاطِلَيْنِ.

فَإِذَا عَرَفْتَ أَنَّ هَذَا الَّذي يُسَمِّيهِ المُشْرِكُونَ في زَمَنِنا (الاعْتِقَادَ) هُوَ الشِّركُ الَّذي أُنْزِلَ فِيْهِ القُرْآنُ، وَقَاتَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ عَلَيْهِ، فَاعْلَمْ أَنَّ شِرْكَ الأَوَّلِينَ أَخَفُّ مِنْ شِرْكِ أَهْلِ وقتنا بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الأَوَّلِينَ لا يُشْرِكونَ وَلا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ أو الأَوْلِياءَ أو الأَوْثَانَ مَعَ اللهِ إِلاَّ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَيُخْلِصُونَ الدِّينَ للهِ، كَمَا قال تعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلَِى البَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}[العنكبوت: 65].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي البَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ}[الإسراء: 67].
-وقال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُون} إلى قوله {مَا تُشْرِكُونَ}[الأنعام: 40-41].
-وقال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَاكانَ يَدْعُو إِلَيهِ مِن قَبْلُ} الآية [الزُّمر: 8].
-وقال تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ} الآية [لقمان: 22].
فَمَنْ فَهِمَ هَذِهِ المَسْألةَ الَّتِي وَضَّحَها اللهُ في كِتَابِهِ؛وَهِيَ أَنَّ المُشْرِكِينَ الَّذينَ قَاتَلَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُونَ اللهَ وَيَدْعُونَ غَيْرَهُ في الرَّخَاءِ، وَأَمَّا في الشِّدَّةِ فَلا يَدْعُونَ إِلاَّ اللهَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَيَنْسَوْنَ سَادَاتِهِمْ.
تَبَيَّنَ لَهُ الفَرْقُ بَيْنَ شِرْكِ أَهْلِ زَمَانِنَا وَشِرْكِ الأَوَّلِينَ، وَلَكِنْ أيْنَ مَنْ يَفْهَمُ قَلْبُهُ هَذِهِ المَسْألةَ فَهْماً رَاسِخاً، وَاللهُ المُسْتَعانُ.
الأَمْرُ الثَّاني: أَنَّ الأَوَّلِينَ يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مُقَرَّبِينَ عِنْدَ اللهِ إِمَّا نبيّاً، وَإِمَّا وليّاً، وَإِمَّا مَلائِكَةً، أَوْ يَدْعُونَ أَحْجَاراً وأَشْجَاراً مُطِيعةً للهِ تعالى ليْسَت بعَاصِيَةٍ، وَأَهْلُ زَمانِنَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ أُنَاساً مِنْ أَفْسَقِ النَّاسِ، وَالَّذِينَ يَدْعُونَهُمْ هُمُ الَّذِينَ يَحْكُونَ عَنْهُمُ الفُجُورَ مِنَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَتَرْكِ الصَّلاةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالَّذِي يَعْتَقدُ في الصَّالِحِ؛ والَّذي لا يَعْصي - مِثْلِ الخَشَبِ وَالحَجَرِ - أَهْوَنُ مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فِيمَنْ يُشاهِدُ فِسْقَهُ وفَسَادَهُ ويَشْهَدُ بِهِ).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: ([(وإن قال: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} فقل هذا هو الحق،...) ]

ذكر الإمام رحمه الله تعالى مسألة جديدة، يوردها المشركون، ويُلقَّنها من يُلقَّنها من عوام المشركين، ومن المتعلمين عندهم، وهذه المسألة: هي مسألة كرامات الأولياء، فإن عُبَّاد الأموات، وعباد غير الله -جل وعلا- في الأعصر المتأخرة يُروِّجون كرامات الأولياء ليدلّوا الناس بذلك على أن هذا الولي الذي صار له من الكرامات كذا وكذا، أنه يستحق أن يدعى، وأن يستشفع به، وأن يستنصر به، وأن يستعاذ به، وأن يتوكل عليه، إلى آخر أنواع العبادة.فجعلوا حصول الكرامات ورؤية من رأى هذه الكرامات، والإقرار بذلك، وأن أهل السنة يقرون بكرامات الأولياء، جعلوا ذلك سلماً لدعوة الناس لعبادة غير الله جل وعلا، وهذه حجة كثيراً ما يرددها الخرافيون؛ فينبغي لأهل التوحيد وللدعاة إليه أن يقفوا عند هذه الشبهة كثيراً، وهذا الوقوف بينه الشيخ -رحمه الله تعالى- أتم بيان، فقال: (وإن قال: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} فقل: هذا هو الحق، ولكن لا يُعبدون) يعني: أن قوله تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} رُتِّب آخره على أوله فجعل الأولياء لهم كرامة، وهذه الكرامة هي أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.فالولي - ولي الله جل وعلا - الذي حقق الولاية بالإيمان والتقوى لا خوف عليه ولا يحزن، وهذا ظاهر الآية، ودل ذلك على أن هؤلاء لهم منزلة خاصة عند أهل الإيمان بل عند الله جل وعلا، وهذه المنزلة إنما هي لأجل إيمانهم ولأجل تقواهم، لهذا قال بعدها في وصف الأولياء: {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}.ففي الآية التي ساقها الشيخ ذِكْر الأولياء، وذكْر أنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهذه يحتج بها كل من يعبد غير الله جل وعلا، ويحتجون بها على أن الولي له ما ليس لغيره، فماذا يصنع الموحد لجواب هذه الشبهة؟

قد ينساق إلى أن يقول: إن هذا الذي تقول إنه ولي ليس بولي أصلاً، وهذا يجعل الموحد في زاوية ضيقة، ويحرج نفسه كثيراً؛ لأنه يخرج عن ميدان الحجة إلى ميدانٍ الحجةُ فيه متوهمة.

فميدان الحجة:أن الولي يَعبد ولا يُعبد، وهو من جهة غيرته يخطئ، فيقول: هذا أصلاً ليس بولي، فمثلاً لو ناقش أحداً عن عبادة البدوي وما يحصل عند قبره من الاستغاثة بغير الله ومن النذور للبدوي، ومن الاستعانة به، ومن طلب كشفه للضر، وأشباه ذلك، لو جاء وناقش من يقول: هذا ولي، والله -جل وعلا- يقول: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}.قد يبتدئ بعض أهل التوحيد فيقول: من قال لك أن هذا ولي، فتنصرف الحجة إلى مسألة يصعب معها الإثبات أو النفي، فيكون ذاك يستدل بما يورده أصحاب الكرامات أنه كان له كذا وكذا وكذا، ونذهب عن أصل المسألة وهي أنه لا يُعبد، سواء كان ولياً أو غير ولي، إلى هل هو ولي أم لا؟
وبعض الموحدين في بعض الأقطار الإسلامية يسلكون هذه الطريقة، وهي غلط،وليست على طريقة أهل العلم وأئمة الدعوة رحمهم الله، وليس كذلك أيضاً ما جاء في القرآن من تقرير التوحيد ومناقشة المشركين في آلهتهم، فإن الذي في القرآن أن الآلهة التي عُبدت أنها لا تستحق العبادة، قال جل وعلا: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} إلى آخره.بين أنها لا تستحق العبادة، وكذلك فيما هو غير ذلك من عبادة من يُعبد، بين أنه لا يستحق العبادة، أما الكلام في ذاته وأحواله فهذا ليس من الدعوة الحقة بل يُترك هذا؛ لأن الغرض هو تقرير التوحيد.
فإذا قال لك: (هذا ولي من أولياء الله) فلو كان عندك ليس بولي بل نقل عنه العلماء ونُقل في التراجم أنه كان يترك الصلاة، وأنه كان يقول كلمات كفرية، أو لم يكن صالحاً، أو كان كافراً إلى آخره، فلا تذهب إلى هذا؛ لأن مصير هذا الرجل عند الله جل وعلا، ولكن اذهب إلى الحق المطلق وهو أن الولي يَعبد ولا يُعبد، وأن الكرامات التي أعطيها الولي له وليست لغيره، وهذا هو الذي بينه الإمام -رحمه الله- هنا.
فقال: (فقل هذا هو الحق) يعني: أن الأولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.(ولكن لا يعبدون) يعني: أن الأولياء في الآية لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأنهم الذين آمنوا وكانوا يتقون، وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لم يذكر أنهم يُعبدون، بل في آيات أخر بين أن من اتخذ ولياً من دون الله فقد ضل وخسر خسراناً مبيناً؛ كما قال جل وعلا: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا} وكقوله جل وعلا: {وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبِيناً} يعني: أن المردَّ ليس هو إلى كونه ولياً أو غير ولي، المردُّ أن العبادة لله -جل وعلا- وحده.
قال سبحانه: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}فهذه الآية قد تنفع أهل التوحيد في الاحتجاج على أهل الشرك في أن الله -جل وعلا- ذكر أن الأولياء لا يُتخذون من دونه {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} يعني: فيكون {مِنْ دُونِهِ} يعني: من دونه في العبادة أولياء فجعلتم الأولياء معبودين، وهذا وإن كان ليس هو من تفسيرها الصحيح ولكنها حجة في رد الاحتجاج بلفظ الأولياء على العبادة، وإلا فمن المعلوم أن قوله تعالى: {قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} لا يقصد به فلان الولي وإنما يقصد به الوَلاية يعني النصرة والمودة وأشباه ذلك، لكن هذه الآية وأشباهها في القرآن يحتج بها على إبطال التعلق بلفظ الأولياء.
والشيخ رحمه الله هنا قال: (فقل هذا هو الحق، ولكن لا يعبدون) يعني: أن الآية دلت على أن هؤلاء الأولياء لهم الكرامة، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولكن ليس في الآية أنهم يُعبدون ولا أنهم يستغاث بهم، ولا أنهم يدعون من دون الله جل وعلا.
قال بعد ذلك: (ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله وشركهم معه) جل وعلا.يعني: أننا لم نتكلم معك في أن هذا ليس بولي، وليس بصالح، وليس له كرامات، بل له كرامات وهو ولي وهو كذا وكذا، لكن ليس معبوداً مع الله جل وعلا.ونحن لم نناقشك في شأنه بل شأنه وكرامته إن حصلت له - والأمر غيـبي - فهو عند الله جل وعلا، ولا يُدرى بماذا خُتم له؟ لكن إن كان مات على الولاية فهو عند الله -جل وعلا- له مقام الأولياء، ونحن لم نتكلم معك في شأن وَلايته هل هو ولي أو ليس بولي؟ إنما الكلام في أنه هل يستحق أن يعبد، هل هو يشرك به مع الله بهذه الأفعال التي تفعلونها أم لا؟فهذا يجعل الموحد منصفاً ويجعله صاحب برهان جيد وواضح، ويجعله أيضاً حاذقاً بألاَّ يجره الخصم إلى ميدان معركة يصرفه فيها عن الحق.مثل مرة أتاني بعض الإخوة وقال: هناك رجل من بعض البلاد الأفريقية يريد أن يبحث بعض الأمور، وأنا ذكرت له أن يأتيك، فجاءني وذكرت له بعض المسائل في التوحيد وتعريف التوحيد، والعبادة وكلام أهل العلم في الشرك، إلى آخره بكلام مطول.فقال: الذي كرَّه الذين يدعون إلى التوحيد في بلادنا، هو أنهم ينشرون في الناس أن هؤلاء الذين يتعلقون بهم أنهم ليسوا بصالحين، وليسوا بأولياء بل هؤلاء الأموات منهم المشرك ومنهم الكافر ومنهم الذي كان يفعل كذا ويفعل الموبقات، فينشرون أشياء عنهم لا يمكن أن نقبل حمية لهم ولهؤلاء الأولياء لا نقبل أن يتكلم أحد فيهم، فأخذتنا الحمية لهم عن سماع ما عند هؤلاء من الكلام في التوحيد.


وهذه في الحقيقة أفادت كثيراً مع أنها واضحة في (كشف الشبهات) لكن أفادت من حيث التطبيق، فإن الذي ينبغي على طالب العلم أن يكون صبوراً في دعوته، وألا يستجره الخصوم إلى ميدان ليس هو ميدان الدعوة، بل يركز على الأصل الذي دعا الناس إليه.أما الكلام في فلان وهل هذا كان ولياً أو ليس بولي، صالح أوليس بصالح ليس الكلام في هذا، أولياء الله -جل وعلا- عندنا لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، ولهم الكرامات، ولكن الكلام أنه هل يجعل الولي معبوداً مع الله؟ هل يدعى الولي؟ هل يستغاث بالولي؟ هل يذبح للولي؟وإلا فلا شك أن الولي له المقام عند الله -جل وعلا- إذا ختم له بخير.وهذا يجعل الموحد يحتج بحجة واضحة ولا ينساق بعاطفته إلى إثبات شيء أو إبطاله لا صلة له بمحض الحق، أو ربما يكون هذا متأخراً من حيث الاحتجاج.
قال: (فقل هذا هو الحق ولكن لا يعبدون ونحن لم نذكر إلا عبادتهم مع الله وشركهم معه).وهنا لو قال: كيف أُشرك بهم؟ هل عُبدوا؟ لم يُعبدوا، ترجع إلى المسائل التي مرت في الدرس الماضي بتفصيلاتها.
قال: (وإلا فالواجب عليك حبهم واتباعهم والإقرار بكراماتهم) الواجب علينا جميعاً حب أولياء الله -جل وعلا- إجمالاً وتفصيلاً، فيمن علمنا أنه من أهل الإيمان والتقوى، واتباعهم على ما هم عليه من العمل، ولأنهم لم يكونوا أولياء إلا باتباع محمد عليه الصلاة والسلام، فلهذا نتبعهم فيما به صاروا أولياء، فنحب نبينا عليه الصلاة والسلام، ونتبع سنته، ونحكم ما جاء فيها على مرادات القلب وعلى الظاهر وعلى المقامات والأحوال التي تعرض.(والإقرار بكراماتهم) يعني: الواجب أن نقر بكرامات الأولياء؛ لأنه لا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال.
وذكرنا لك في الكلام على (الواسطية) معنى كرامات الأولياء، ومن هو الولي؟، وما شروط الولاية؟ ومذهب أهل السنة في كرامات الأولياء، والمذاهب في ذلك.فقول الشيخ رحمه الله: (ولا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال).يعني بهم الخوارج والمعتزلة، فإنهم الذين ينكرون كرامات الأولياء، كما سبق.

قال: (ودين الله وسط بين طرفين) هذا بعامة، دين الله وسط بين الغالي والجاف، الإسلام وسط ما بين غلو النصارى وما بين جفاء اليهود، وأهل السنة وسط ما بين الفرق، ما بين الخوارج والمرجئة، وما بين المجسمة والمعطلة، وما بين الطوائف المختلفة في هذا الباب، في الإيمان وفي أسماء الله -جل وعلا- وصفاته، وفي الأسماء والأحكام، وفي الصحابة، وفي أمهات المؤمنين وفي الفتن، إلى آخره، أهل السنة أيضاً وسط؛ لأن دين الله جل وعلا وسط.قال: (وهدى بين ضلالتين وحق بين باطلين) أشار بذلك إلى أن مسألة الأولياء منهم من غلا فيها فجعل الولي ينازع الله في الألوهية أو له نصيب من الألوهية، كقول غلاة الصوفية والباطنية وطوائف جعلوا الولي له شيء من خصائص الألوهية، بل جعلوا الولي يفوض إليه شيء من الربوبية والعياذ بالله، فهذا الجهة الغالية.والجهة الجافية كالخوارج والمعتزلة الذين أنكروا كرامات الأولياء، وذكرنا لكم أنهم أنكروا كرامات الأولياء حتى لا تشتبه حجج الأنبياء والآيات والبراهين والمعجزات التي أعطيها الأنبياء بكرامات الأولياء.

-أهل السنة يقرون بأن الأولياء لهم كرامات.

- وأنهم مُكرَّمون عند الله.

- وأن لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، كما أخبر الله -جل وعلا- بذلك عنهم، لكن لا نغلو في ذلك فنجعل لهم صفات ليست في البشر، ولا نجفوا عنهم وننكر كراماتهم، بل نحن وسط بين الجافين والغالين.فهم يَعبدون ولا يُعبدون، ويُرزقون ولا يرَزقون،ويدعونه جل وعلا رغباً ورهباً وكانوا له -جل وعلا- خاشعين، ويدعون الناس إلى محبته جل وعلا، وإلى توحيده، وإلى نصرته، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية عن نفسه أن أصحابه وقعوا مرة في دمشق ومرة في خارجها في شدة فظهر لهم الشيطان في صورة شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال: أتحتاجون شيئاً ؟ أأنصركم؟ فمنهم من طلب منه، فلما ذكروا ذلك لشيخ الإسلام ظن بعضهم أنه كان في دمشق وأنه جاءهم فقال: لا، أنا لم أبرح مكاني وهذا شيطان عرض لكم ليوقعكم في الشرك.وإذا تأملت إلى سيرة الأولياء الصالحين من الصحابة فمن بعدهم ومن آل البيت وجدتهم جميعاً ينكرون الشرك بالله جل وعلا، ويأمرون أتباعهم بالإخلاص - إخلاص الدين- لله، واتباع السنة، وعدم مخالفة الكتاب والسنة، والرغب فيما عند الله وحده، وأن لا يعظم البشر كتعظيم الله -جل وعلا- التعظيم الذي لا يجوز له.فمن جمع كلام الأولياء في التوحيد وجد أنهم أقاموا الحجة على من اقتدى بهم أو من اتبعهم.
ومعلوم أن الفرق الصوفية والطرق المختلفة بَنَت كل طريقة على أقوال شيخ لها اعتقدوه ولياً، فأخذوا كلامه، فيناسب الموحد في البلد الذي يكون فيها طائفة من هذه الطوائف الصوفية أو الطريقة أن يجمع كلمات هذا في مؤلف وينشرها بينهم؛ لتكون حجة على من أخذ بطريقة هذا الشيخ، فمثلاً: في البلاد التي فيها عبد القادر الجيلاني، عبد القادر له كتب طيبة، (الغُنية) وغيرها و(الفتوحات) كتب فيها التوحيد وفيها الأمر بعبادة الله وحده، فلو استخرجت لكان في ذلك حجة على أقوامهم.شيخ الإسلام ابن تيمية هو الذي لفت النظر إلى هذه الطريقة حيث كتب (الرسالة السُّنية) المعروفة المسماة (بالوصية الكبرى لأتباع عدي بن مسافر)وعدي بن مسافر يغلو أصحابه فيه، وطائفته يقال لهم: العدوية في الشام، كذلك نقل عن أحمد الرفاعي كلمات في الأمر بالسنة والنهي عن البدع والنهي عن الشرك.فيحسن أن تكون طريقة الداعية في البلد أن يجمع كلام هؤلاء الأولياء - إذا كانوا بحق أولياء - ويقول للناس: هذا كلام الأولياء في التوحيد، فهذا فيه حجة في هذه المسألة، ويعطي الحقيقةَ المخالف أننا نحب أولياء الله بعامة، وأننا نتولاهم ولا نرد كل ما يقولون، وإنما نرد ما خالفوا فيه الحق فقط.


قال: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن، وقاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- النَّاس عليه).
قوله: (الذي يسميه المشركون في زماننا هذا الاعتقاد) أو الاعتقاد الكبير أو كبير الاعتقاد، يعني اعتقاد الناس في الأولياء ومالهم من الكرامات، فإن الاعتقاد قسمان عند الضُّلال، عند الخرافيين:


1- الاعتقاد العام: وهو الاعتقاد في الله -جل وعلا- العقيدة المعروفة كلٌّ بحسب مذهبه، الأشعري على أشعريته، والماتريدي على ماتريديته، بحسب البلد الذي هو فيه.

2-وهناك شيء يتفقون عليه وهو الاعتقاد الكبير، أو كبير الاعتقاد، وهو: الاعتقاد في الموتى وفي تصرف أرواحهم، وأن أرواحهم لها من التصرف والجَوَلان في الملكوت ما يمكنها أن تسمع نداء من يناديها، وأن تجيب طلب من يطلب منها، وأن لها التصرف في الكون، وأنها تطلب من الله، وأن الله -جل وعلا- لا يرد لها طلباً، إلى آخره.
ويدخلون هذا في الحديث عن الأولياء، بل يجعلون كرامات الأولياء منشأ هذا الاعتقاد، فيذكرون الكرامات، ثم يبعثون هذا الاعتقاد، وكان هذا موجوداً في نجد، وهناك كتب أورسائل مؤلفة في هذا في ذلك الزمان.


قال: (فإذا عرفت أن هذا الذي يسميه المشركون في زماننا الاعتقاد، أو كبير الاعتقاد هو الشرك الذي أنزل فيه القرآن، وقاتل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-الناس عليه فاعلم أن شرك الأولين أخف من شرك أهل زماننا بأمرين):


الأول: التفريق ما بين حال المشركين في هذا الزمان وفي زمان العرب الأول، بأن أولئك لا يشركون إلا في السراء، وأما إذا جاءت الشدة والكرب يعلمون أنه لا منجي إلا الله، ويخافون أن يفوت الوقت عليهم باتخاذ الواسطة، فيقولون: هذا متى يصل إليه؟ ومتى يرفع؟ وهل سيرفع الآن؟ أم لا يرفع الآن حاجاتهم؟ فيجعلون التشفع في وقت السعة والإخلاص في وقت الضيق؛ كما أخبر الله -جل وعلا- عنهم بقوله: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} قال -جل وعلا- في الآيات التي ساقها الشيخ: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً}.
وهذه المسألة مبينة على التفصيل في شرحنا (للقواعد الأربع) فهذه هي القاعدة الرابعة الأخيرة في (القواعد الأربع).
أهل هذا الزمان من المشركين عندهم أن الإشراك يكون في السراء والضراء على السواء،

بل ربما عَظُم الرغب في وقت الضر، فكانوا مثلاً: يعتقدون حتى في الكتب، مثل ما ذُكر في بعض التراجم أن أهل بلد -سموها- كانوا لا يرحلون في البحر إلا وقد وضعوا نسخة من (كتاب الشفا)للقاضي عياض المغربي المعروف في السفينة، فهو ليس اعتقاداً أيضاً في شخص، ولكن هو في كتابه؛ لما اشتمل عليه الكتاب من حقوق النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه تراجع في شرح (القواعد الأربع).


قال في آخرها: (ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً ؟ والله المستعان) صحيح، فإن كثيرين ممن عارضوا الدعوة استغربوا من الشيخ أن يقول: شرك هؤلاء أعظم من شرك الأولين، قالوا: ما اكتفيت أن جعلتنا مساوين لأهل الجاهلية في الشرك حتى تجعل شرك أهل الإسلام أعظم من شرك أهل الجاهلية؟.
فقال: (أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً؟).


وفي قول الشيخ: (أين من يفهم قلبه) فيه إشارة للمذهب الحق، وهو أن الفهم والإدراك وأشباه ذلك مردها إلى القلب، وليس إلى الذهن أو المخ أو العقل أو أشباه ذلك، يعني الذي هو الدماغ، ولكن العقل إدراكه من جهة القلب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))والقلب ليس محط الإدراك لأنه مضغة، ولكن لأنه المكان الذي فيه أصل انتشار الروح في البدن، تعلق الروح بالبدن، ومعلوم أن الإدراكات تبع للروح، فالروح هي المدركة، ووسيلة الإدراك الآلات التي في البدن، فكما أن اليد وسيلة تناول الشيء والمحرك الروح، فكذلك المحرك الروحُ للسان بالكلام الطيب، أو بالكلام الخبيث، المحرك الروح في التصرفات، والبدن أعضاؤه - هذه- وسائل لتنفيذ ما قام في النفس.


لهذا: المدرك في الحقيقة ليس هو البدن، إنما المدرك الروح، والبدن وسيلة، البدن آلات، العينان آلة، واللسان آلة، والشم آلة، والمخ والدماغ آلة، والقلب آلة، إلى آخره، آلة لتحصيل المعارف للروح، وهذه مسألة طويلة معروفة.


قال الشيخ -رحمه الله- هنا: (ولكن أين من يفهم قلبه هذه المسألة فهماً راسخاً؟).


لا شك أن من فهم هذه المسألة فهماً راسخاً علم أن هذا الذي قاله الشيخ حق، وأن شرك هذا الزمان أعظم من شرك الأولين، لكن أين من يفهم؟

والمطلوب من كل طالب علم بعد معرفته لدلائل التوحيد، والحجج، أن يمرن نفسه على جواب الشبه بعد إحكام الأصل، الإخوة الذين لم يحكموا (كتاب التوحيد) ولم يحكموا (ثلاثة الأصول) ودخلوا في (كشف الشبهات) مباشرة، أو ما ضبطوا تلك الكتب، فلا يحسنوا أن يجيبوا عن الشبه إلا بعد أن يحكموا الأصول؛ لأن هذه فرع عن تلك، من أحكم تلك يدرب نفسه على جواب هذه الشبه على طريقة الشيخ رحمه الله، يتأنى ويكون حليماً، يعرف موقع الاحتجاج، يعرف كيف يجر المخالف إلى الحجة الصحيحة، يعرف كيف يخلي القلب - قلب المخالف - من الحجة، ثم يبتدئ يعطيه الحق، إلى آخر ذلك، فتحتاج إلى دربة.

والملاحظ أن كثيرين يغضبون، وهم محمود غضبهم لله جل وعلا، لكن يكون جوابهم للشبهات ليس على أصوله، فيوقعون المجادِل في شبهةٍ جديدة، بل قد يقتنع أن ما عليه حق؛ لأن هذا ما استطاع أن يجيب بجواب جيد.

فالواجب على طالب العلم أن يكون متأنياً في جواب الشبهات، حاذقاً يعرف كيف يسوق المجادَل أو يسوق الخصم إلى ميدان الحجة دون أن يَلزَمه شيء، فيقيده حتى نجمعه في الآخر يكون كالمقدمة أو الخاتمة لهذا الكتاب.

ذكرنا أربع أو خمس فيما مضى، وهذه الآن واحدة جديدة، لعل أحدكم تنهض همته فيجمع هذه الأصول العامة في كيفية المناقشة، يعني: كيف يجمع الموحد نفسيته ليواجه الخصوم.

----------------

قال: (والأمر الثاني: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله إما أنبياء وإما أولياء وإما ملائكة، ويدعون أشجاراً أو أحجاراً مطيعة لله ليست عاصية، وأهل زماننا يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس، والذين يدعون هم الذين يحكون عنهم الفجور من الزنى والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به).

هذه المسألة لأهل التوحيد وليست للجواب على أهل الشبهات، بل هذه ليفهمها أهل التوحيد فهماً راسخاً، وهي: أن الأولين يدعون مع الله أناساً مقربين عند الله، أو يدعون أشياء مطيعة لله -جل وعلا-إما يدعون أنبياء مثل ما كان يدعى موسى، ويدعى عيسى، وتدعى أنبياء بني إسرائيل، ويدعى إبراهيم عليه السلام؛ أو أولياء من الصالحين كـاللات وكغيره، وإما الملائكة، ويدعون أشجاراً أو أحجاراً مطيعة لله ليست بعاصية، يدعون أشياء مسبحة لله مطيعة، لم تخرج عن توحيده وطاعته.

وأما أهل الزمان هذا فيدعون مع الله أناساً من أفسق الناس.
فمثلاً: قوله: (من أفسق الناس) قد يكون من جهة أنه عُرف عنه في حياته الفسق والفجور بدعوى أنه سقطت عنه التكاليف، أو بكونه كان مجنوناً وكان يفعل الأشياء بجنونه، يفعل أشياء من الفسق والمنكرات والكبائر لجنونه، أو لكونه محاداً معانداً فاسقاً فاجراً، أو كافراً في نفس الأمر، وهذا نوع.

والنوع الثاني: قد يدعون أشياء في محلات يكون الدعاء منصباً على نصراني، أو يكون الدعاء منصباً على حيوان أو يكون الدعاء منصباً على يهودي، أو نحو ذلك.

وهذه المسائل تختلف باختلاف التحقيق فيها، يعني أن يقال: هذا الذي يدعى ليس بصالح؛ بل هو نقل عنه أنه قال لأتباعه كذا وكذا، أو ذكر عن نفسه أنه سقطت عنه التكاليف، كان يعاشر المردان أو النساء فيفعل كذا وكذا من الفواحش، كان يشرب الخمر، كان لا يصلي، كان يسرق، كان يحتال، إلى آخر ذلك، وهؤلاء لا شك أنهم ليسوا بأولياء، وليسوا بصالحين، بل هم فسقة فجار، وقد يكونون كفاراً.
صنف من هؤلاء يُدعى الآن ويُسأل، وهذا عند التحقيق إذا جمعت الكلام وجدت هذا الكلام صحيحاً.

المعارضون أو الخرافيون ينقسمون تجاه هذا الكلام إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول:من يقول: هذا الذي تقولون عنه ليس بصحيح أصلاً، الذي ينقل عن عبد الوهاب الشعراني أنه قال كذا وكذا وكذا، يقولون: هذا مدسوس على كتبه، ليس من كتبه أصلاً.

والصنف الثاني من المتأولين، من يقول: هذا الكلام لأهله فيه تأويل، فإن اصطلاحات الصوفية تختلف عن اصطلاحات غيرهم، فقد يقولون العبارات التي فيها كفر؛ وليسوا يعنون ظاهرها، إنما يعنون معاني باطنة أخرى يفهمها القوم، مثل ما اعتذر عن ابن عربي بأنه كذا وكذا أراد مقاصد طيبة، لكن فهم كلامه على ظاهره، وهو لم يرد الظاهر، ومثل ما ينقل عن العفيف التلمساني وابن سبعين وأشباه هؤلاء.


والطائفة الثالثة من تقول: هؤلاء سقطت عنهم التكاليف أصلاً، والتكليف يراد منه أن يصفو الباطن ويفنى عن شهود السِّوى، يفنى عن شهود غير الله جل وعلا، فإذا وصل إلى هذه المرتبة فلم ير إلا الله جل وعلا، ولم يتجه إلا إلى الله جل وعلا، فإن التكاليف: الصلاة وتحريم الفواحش إنما هي لإصلاح نفسه، ونفسه قد بلغت المرتبة العليا فليس لإصلاحها مجال، وهذا قول الغلاة منهم، فيقول: (لا بأس لو فعل هذه الأفعال، هو أصلاً وصل وسقطت عنه التكاليف).
وهؤلاء الطوائف الثلاثة موجود - حتى في المؤلفات - من يتجه إلى فئة من هذه الفئات الثلاث، وهناك من المدفونين من الموتى من يُتَّجه إليه على أن المدفون فلان الولي ويكون المدفون غيره، مثل ما ذكر شيخ الإسلام عن قبر الحسين بن علي -رضي الله- عنه في القاهرة، فقد حقق -والعلماء كذلك حققوا والمؤرخون- أنه لم يصل القاهرة، وإنما سيق من العراق إلى دمشق إلى يزيد بن معاوية رحمه الله تعالى، ودفن هناك، والآن تجد قبراً للحسين في العراق ومشهد عظيم، وفي الشام وفي القاهرة.
قال: (إن المدفون في القاهرة رجل يهودي في المكان هذا).
وقالت طائفة: المدفون حيوان أصلاً في هذا المكان.
فإذاً:هم اعتقدوا في يهود، اعتقدوا في حيوانات، وهذا الصنف لم يكن يحوم حوله ذهن أو قلب أهل الجاهلية أصلاً، فلهذا صار هؤلاء أعظم وأقبح.
وهناك عمود كان في دمشق يُذهب إليه بالحيوانات، أو بأنواع من الحيوانات، مثل البقر، أو الجاموس، أو الأغنام، أو الإبل، أو أشباه ذلك، التي لم تلد، يعني: طالت ولادتها أو صار فيها مرض أو أشباه ذلك، فيطوِّفونها على هذا العمود فتلقي ما في بطنها فوراً، فيظنون أن هذا من بركة ما تحت العمود، ويقولون: هذا العمود كان يتعبد عنده رجل صالح.


وشيخ الإسلام -رحمه الله- بَيَّن قال:(هذا العمود دفن تحته رجل نصراني وساق الأدلة على ذلك، والحيوانات تسمع تعذيب النصراني في قبره، فلذلك إذا سمعت العذاب لم تتحمل، فاستطلق بطنها؛ لأنه قد جاء في الحديث:((أنه إذا تولى عنه أهله طرق بمطرقة يسمعها من يليه إلا الثقلان)).فالجن والإنس لا يسمعون العذاب؛ لأنهم مكلفون، ولو سمعوا لهلكوا ولرعبوا ولما استقامت لهم الحياة، أما الحيوانات فربما وصلها من ذلك شيء، وربما سمعت).
فكان تعلقهم ليس بولي وليس بنبي، وإنما بمكان تحته رجل نصراني، وأشباه ذلك.
وهذه الأشياء لم يكن عليها شرك الأولين، فالأولون لم يسألوا رجلاً، يعني: ما اتخذوا لـعمرو بن لحي المشرك، الذي أول من سيب السوائب وساق الآلهة، ما اتخذوا له قبراً يعبدونه ولا سألوه، إلى آخر أصناف عظمائهم المشركين، لكن أهل الأزمنة المتأخرة اعتقدوا في أنواع من الناس من فسقة هذه الأمة، أو ممن ارتد، أو من النصارى، أو من اليهود؛ لهذا قال الشيخ -رحمه الله تعالى- هنا: (والذين يدعونهم هم الذين يحكون عنهم الفجور) وفي النسخة التي عندي: (هم الذين يحلون لهم الفجور) ماذا عندك؟(يحكون عنهم الفجور) هذا الذي أعرفه، لكن هذه (يحلون لهم).
(يحكون عنهم الفجور من الزنى والسرقة وترك الصلاة وغير ذلك، والذي يعتقد في الصالح أو الذي لا يعصي مثل الخشب والحجر، أهون ممن يعتقد فيمن يشاهد فسقه وفساده ويشهد به) لا شك، يراه يزني ويعتقد أنه ولي من أولياء الله، يراه لا يصلي ويعتقد أنه من أولياء الله، هذا لاشك أنه ضلال فوق الضلال، ويسأله ويدعوه ويرى أنه يستشفع به، لا شك أن هذا أعظم وأبشع مما يذكر عن أهل الجاهلية.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

28 Nov 2008

العناصر

الشبهة العاشرة: احتجاجهم بالآيات التي فيها مدح الأولياء على جواز عبادتهم

كشف الشبهة العاشرة
- الأولياء ليس لهم حق في العبادة (يَعبدون ولا يُعبدون)
- نحن لا ننكر إلا عبادتهم من دون الله تعالى
- أهمية الحكمة في دعوة عُبَّاد الأولياء
- إبطال احتجاج عُبَّاد الأولياء بالآيات التي فيها مدح الأولياء
- شرح قوله: (ونحن لا ننكر إلا عبادتهم مع الله ...)
- الواجب علينا تجاه الأولياء والصالحين
- جمع كلام الأولياء والصالحين في النهي عن الشرك نافع جداً في دعوة من يعبدهم
- الواجب حب الأولياء واتباعهم والإقرار بكراماتهم
- لا يجحد كرامات الأولياء إلا أهل البدع والضلال

- شرح قوله: (دين الله وسط بين طرفين...)

اختلاف الألفاظ والتسميات لا يغير المعاني والحقائق
بيان معنى "الاعتقاد" عند الخرافيين
شرك الأولين أخف من شرك المتأخرين
بيان الفرق بين شرك الأولين وشرك المتأخرين
الفرق الأول:
- المشركون الأولون كانوا يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة
- المشركون المتأخرون يشركون في الرخاء والشدة
الفرق الثاني:
- المشركون الأولون يدعون مع الله أناساً مقربين
- المشركون المتأخرون يدعون مع الله أناساً من أفسق الناس وأخبثهم
- فائدة معرفة الفرق بين شرك الأولين وشرك المتأخرين
تفسير قول الله تعالى: (وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه..) الآية
تفسير قول الله تعالى: ( وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه ...) الآية

تفسير قول الله تعالى : ( وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ...) الآية

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

28 Nov 2008

الأسئلة

س1: كيف ترد على من استدل بالآيات التي فيها مدح الأولياء على جواز عبادتهم؟

س2: بين الواجب على المسلم تجاه الأولياء والصالحين.
س3: بين مذهب أهل السنة في كرامات الأولياء.
س4: اذكر أنواع الكرامات.
س5: ماهي الفِرَق المخالفة لأهل السنة في كرامات الأولياء؟
س6: تحدث باختصار عن وسطية دين الله تعالى، وما وجه ذكر المؤلف لهذا الأمر في هذا الموضع؟

س7: بيّن الفرق بين شرك الأولين وشرك المتأخرين.
س8: اذكر تفسيراً مختصراً للآيات التالية:
أ: قول الله تعالى: {وإذا مسّكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه}.
ب: قول الله تعالى: {وإذا مسّ الإنسان ضر دعا ربّه منيباً إليه}.
ج: قول الله تعالى: {وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين …} الآية.
س9: ما حكم الطواف حول قبور الشهداء؟