الدروس
course cover
الدرس العشرون: كشف الشبهة التاسعة وهي زعمهم أن المشركين إنما كفروا لأنهم قالوا: إن الملائكة بنات الله...
13 Aug 2022
13 Aug 2022

4510

0

0

course cover
كشف الشبهات

القسم الثالث

الدرس العشرون: كشف الشبهة التاسعة وهي زعمهم أن المشركين إنما كفروا لأنهم قالوا: إن الملائكة بنات الله...
13 Aug 2022
13 Aug 2022

13 Aug 2022

4510

0

0


0

0

0

0

0

الدرس العشرون: كشف الشبهة التاسعة وهي زعمهم أن المشركين إنما كفروا لأنهم قالوا: إن الملائكة بنات الله...

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

إِنَّهُمْ لَمْ يَكْفُروا بِدُعَاءِ المَلائِكَةِ وَالأنْبِياءِ، وَإنَّمَا كَفَروا لَمَّا قَالُوا: (المَلائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ) وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ: إِنَّ عَبْدَ القَادِرِ وَلا غَيرَهُ ابنُ اللهِ.
فَالجَوابُ:
أَنَّ نِسْبَةَ الوَلَدِ إِلَى اللهِ تَعَالى كُفرٌ مُسْتَقِلٌّ؛ قَالَ اللهُ تَعالَى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص: 1-2]وَالأَحَدُ: الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ، وَالصَّمَدُ: المَقْصُودُ فِي الحَوائِجِ، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ آخِرَ السُّورَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص: 3]، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ أَوَّلَ السُّورَةِ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ} الآيةَ [المؤمنون: 91]، فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّوعَيْنِ، وَجَعَلَ كُلاًّ مِنْهُمَا كُفْراً مُسْتَقِلاًّ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} الآيةَ [الأنعام: 100]، فَفَرَّقَ بَيْنَ الكُفْرَيْنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلى هَذَا أَيْضاً:
أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِدُعَاءِ اللاَّتِّ - مَعَ كَونِهِ رَجُلاً صَالِحاً - لَمْ يَجْعَلُوهُ ابنَ اللهِ، وَالَّذينَ كَفَروا بِعِبَادَةِ الجِنِّ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ كَذَلِكَ.
وَكَذَلكَ الْعُلَمَاءُ - أَيْضاً - فِي جَميعِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ يَذْكُرُونَ فِي بَابِ حُكْمِ المُرْتَدِّ أَنَّ المُسْلِمَ إِذَا زَعَمَ أَنَّ للهِ وَلَداً فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِاللهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الوُضُوحِ).

هيئة الإشراف

#2

28 Aug 2008

حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين


المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

إِنَّهُمْ لَمْ يَكْفُروا بِدُعَاءِ المَلائِكَةِ وَالأنْبِياءِ، وَإنَّمَا كَفَروا لَمَّا قَالُوا: (المَلائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ) وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ: إِنَّ عَبْدَ القَادِرِ وَلا غَيرَهُ ابنُ اللهِ.
فَالجَوابُ:
أَنَّ نِسْبَةَ الوَلَدِ إِلَى اللهِ تَعَالى كُفرٌ مُسْتَقِلٌّ؛ قَالَ اللهُ تَعالَى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص: 1-2]وَالأَحَدُ: الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ، وَالصَّمَدُ: المَقْصُودُ فِي الحَوائِجِ، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ آخِرَ السُّورَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص: 3]، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ أَوَّلَ السُّورَةِ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ} الآيةَ [المؤمنون: 91]، فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّوعَيْنِ، وَجَعَلَ كُلاًّ مِنْهُمَا كُفْراً مُسْتَقِلاًّ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} الآيةَ [الأنعام: 100]، فَفَرَّقَ بَيْنَ الكُفْرَيْنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلى هَذَا أَيْضاً:
أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِدُعَاءِ اللاَّتِّ - مَعَ كَونِهِ رَجُلاً صَالِحاً - لَمْ يَجْعَلُوهُ ابنَ اللهِ، وَالَّذينَ كَفَروا بِعِبَادَةِ الجِنِّ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ كَذَلِكَ.
وَكَذَلكَ الْعُلَمَاءُ - أَيْضاً - فِي جَميعِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ يَذْكُرُونَ فِي بَابِ حُكْمِ المُرْتَدِّ أَنَّ المُسْلِمَ إِذَا زَعَمَ أَنَّ للهِ وَلَداً فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِاللهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الوُضُوحِ
(1)).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ((1) هذه الشبهة ثابتة في بعض النسخ دون بعض، وقد أغفلها عامة الشراح، وحاصلها: أن الذي كفر به المشركون لم يكن دعاؤهم الملائكة والأنبياء بل لقولهم: الملائكة بنات الله، وإبطال هذه الشبهة - كما ذكر المصنف - رحمه الله - من ثلاثة أوجه:

الأول: أن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل، كما دلت عليه الآيات التي أوردها المصنف رحمه الله.

الثاني: أن الذين كفروا من المشركين الأول بدعاءاللات- مع كونه رجلاً صالحاً - وعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك.
الثالث: أن العلماء في جميع المذاهب الأربعة يذكرون في باب حكم المرتد أن المسلم إذا زعم أن لله ولداً فهو مرتد، وإن أشرك بالله فهو مرتد، فيفرقون بين النوعين مما يدل على أن كل واحدٍ منهما منفرد عن الآخر.

هيئة الإشراف

#3

28 Nov 2008

شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

إِنَّهُمْ لَمْ يَكْفُروا بِدُعَاءِ المَلائِكَةِ وَالأنْبِياءِ، وَإنَّمَا كَفَروا لَمَّا قَالُوا: (المَلائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ) وَنَحْنُ لَمْ نَقُلْ: إِنَّ عَبْدَ القَادِرِ وَلا غَيرَهُ ابنُ اللهِ.
فَالجَوابُ:
أَنَّ نِسْبَةَ الوَلَدِ إِلَى اللهِ تَعَالى كُفرٌ مُسْتَقِلٌّ؛ قَالَ اللهُ تَعالَى: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (1) اللهُ الصَّمَدُ}[الإخلاص: 1-2]وَالأَحَدُ: الَّذِي لا نَظِيرَ لَهُ، وَالصَّمَدُ: المَقْصُودُ فِي الحَوائِجِ، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ آخِرَ السُّورَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ}[الإخلاص: 3]، فَمَنْ جَحَدَ هَذَا فَقَدْ كَفَرَ، وَلَوْ لَمْ يَجْحَدْ أَوَّلَ السُّورَةِ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ} الآيةَ [المؤمنون: 91]، فَفَرَّقَ بَيْنَ النَّوعَيْنِ، وَجَعَلَ كُلاًّ مِنْهُمَا كُفْراً مُسْتَقِلاًّ.
وَقَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ} الآيةَ [الأنعام: 100]، فَفَرَّقَ بَيْنَ الكُفْرَيْنِ.

وَالدَّلِيلُ عَلى هَذَا أَيْضاً:
أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِدُعَاءِ اللاَّتِّ - مَعَ كَونِهِ رَجُلاً صَالِحاً - لَمْ يَجْعَلُوهُ ابنَ اللهِ، وَالَّذينَ كَفَروا بِعِبَادَةِ الجِنِّ لَمْ يَجْعَلُوهُمْ كَذَلِكَ.
وَكَذَلكَ الْعُلَمَاءُ - أَيْضاً - فِي جَميعِ المَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ يَذْكُرُونَ فِي بَابِ حُكْمِ المُرْتَدِّ أَنَّ المُسْلِمَ إِذَا زَعَمَ أَنَّ للهِ وَلَداً فَهُوَ مُرْتَدٌّ، وَإِنْ أَشْرَكَ بِاللهِ فَهُوَ مُرْتَدٌّ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الوُضُوحِ).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (الشبهة التاسعة:
[قال: (فإن قال: إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء، وإنما يكفرون لما قالوا: الملائكة بنات الله فإنا لم نقل: عبد القادر ابن الله ولا غيره) ]قال -رحمه الله- بعد ذلك: (فإن قال) هذا دخول في شبهة جديدة.(فإن قال) يعني: نوع من موردي الشبه (إنهم لا يكفرون بدعاء الملائكة والأنبياء) هذا نوع من الناس يقول: لا، كفرهم كان بشيء آخر، ليس بالشرك بالله ولا بالتوجه إلى الصالحين ولا التوجه للأنبياء، وهذه الأمور جائزة، لكن كفرهم كان بشيء آخر، ما هذا الشيء؟
قال: (وإنما يكفرون لما قالوا: الملائكة بنات الله، فإنا لم نقل عبد القادر ابن الله ولا غيره) وهذه كثيراً ما يوردها الصوفية في أن الأولين كفروا باعتقادهم أن الملائكة بنات الله جل وعلا، وهذا الاعتقاد مبين في القرآن في سور كثيرة؛ كسورة النحل، وسورة الصافات، وسورة الزخرف، وغيرذلك من السور.

يقول: (لم نقل عبد القادر) يعني: الجيلاني وهو معظم ومؤلَّه في العراق، وفي الباكستان، والهند، وفي غيرها أيضاً.
إن قال:أنا لم أعتقد في عبد القادر أنه ابن لله، ولا في النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ابن لله، ولا في عيسى أنه ابن لله، ولا في كذا أنه ابن لله، ولا في البدوي أنه ابن لله، ولا في علي -رضي الله عنه- أنه ابن لله، إلى آخر ذلك، وهؤلاء إنما كفروا في أن الملائكة بنات الله، يعني اعتقاد البنوة مثل ما قال البوصيري في قصيدته الميمية المعروفة قال:

دع ما ادعته النصارى في نبيهِمِ = واحكم بما شئت فيه واحتكمِ

أو كما قال.

وقال أيضاً: لو ناسبت قدره يعني: النبي صلى الله عليه وسلم:

لو ناسبت قَدْرَه آياته عظـما = أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم

فيقول: قل ما شئت في النبي -صلى الله عليه وسلم- من وصفه بما شئت، إلا في شيء واحد، وهو أن لا تقول كما قالت النصارى في عيسى إنه ابن الله جل وعلا، ويفهمون هذا على الحديث الذي رواه البخاري وغيره، في قوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، وإنما أنا عبد، فقولوا عبد الله ورسوله)).قالوا: فمعنى الحديث: أنه لا تبلغوا بي مبلغ النصارى في قولهم إن عيسى ابن الله، وما هو غير ذلك فجائز لكم، هكذا يفهمونه، وهذه حجة طائفة كثيرة من غلاة الصوفية، وأصحاب الطرق، في قولهم: إن المحرم والشرك هو ادعاء البنوة، أما غير ذلك فليس من الشرك بالله، كما قال:

دع ما ادعته النصارى في نبيهِمِ = واحكم بما شئت فيه واحتكمِ

أو كما قال.قال: (فالجواب) هذا جواب هذه الشبهة.(أن نسبة الولد إلى الله كفر مستقل) بين أن نسبة الولد إلى الله كفر، لكنها ليست كل الكفر، فقال جل وعلا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.

و(الأحد) الذي لا نظير له {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}(أحد) يعني: لا نظير له في ذاته، ولا نظير له في أسمائه، ولا نظير له في صفاته جل وعلا، واحد في ألوهيته لا شريك له، واحد في ربوبيته لا شريك له، واحد في أسمائه وصفاته، لا سمي له.
{اللَّهُ الصَّمَدُ}والصمد: المقصود في الحوائج.(فمن جحد هذا كفر، ولو لم يجحد السورة)
دلت الآية على نوعين:
النوع الأول:هو من لم يجعل الله واحداً، وجعله اثنين؛ كاعتقاد طائفة من النصارى، أو اعتقده ثلاثة؛ كاعتقاد طائفة أخرى أيضاً من النصارى وغيرهم.
فقوله جل وعلا: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} هذا فيه رد على من اعتقد البنوة.
-وقوله:{اللَّهُ الصَّمَدُ} رد على من اعتقد أنه يُصْمد في الحوائج إلى غيره.

فإذاً: سورة الإخلاص دلت على كفر نوعين من الناس:

-وهم: من لم يجعل الله مختصاً بالأَحَدية.
-ومن لم يجعل الله مختصاً بالصمدية.
والصمد:هو الذي يُصمد إليه في الحوائج، يعني: يقصد وحده دون ما سواه.
قال: (فمن جحد هذا فقد كفر ولو لم يجحد السورة) هذا برهان على أن الشرك في القرآن، وأن المشركين - مشركي العرب وغيرهم - ليسوا معتقدين في البُنُوَّة وحدها؛ بل معتقدين في البنوة، ومعتقدين أيضاً في الشريك مع الله -جل وعلا- في العبادة.(وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}) قال الشيخ رحمه الله: (ففرق بين النوعين وجعل كلاً منهما كفراً مستقلاً) وهذا استدلال واضح قوي، إذ قال الله جل وعلا: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} يعني: قبل أن يخلق الخلق، ولا بعد أن خلق الخلق، ولو اتخذ الرحمن ولداً لعبدنا ذلك الولد طاعة لله -جل وعلا- وامتثالاً لأمره؛ كما قال -سبحانه- في سورة الزخرف:{قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} على الصحيح في تفسيرها أنها على ظاهرها، يعني: أنا أول من يعبد هذا الولد لو اتخذه الرحمن، امتثالاً لأمر الله وطاعة له جل وعلا.
والواقع أن هذا لا يكون ولا يمكن، إذ الله -جل وعلا- ما اتخذ مما يخلق بنات، ولم يتخذ سبحانه ولداً؛ لأنه لم يلد ولم يولد، ولو أراد الله أن يتخذ ولداً لاصطفى مما يخلق ما يشاء؛ لتنزهه -سبحانه وتعالى- عن الولادة بدءاً وأصلاً وفرعاً.فإذاً: قوله: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} هذا نفي للولادة ولاتخاذ الولد.قال: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} وهذا نفي لنوع آخر، وكما هو مقرر في العربية والأصول: أن واو العطف هذه تفيد التغاير، تغاير الذات وتغاير الصفات، فتغاير الذات، كما تقول: دخل محمد وخالد، فذات محمد غير ذات خالد، وتغاير الصفات، كما في قوله جل وعلا: {تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} فهنا القرآن هو الكتاب، ولكن الواو دلت على تغاير الصفة فهو كتاب وهو قرآن.
فقوله -جل وعلا- هنا: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} كما قال الشيخ: (فرق بين النوعين) ودلت الواو على تغاير ذات (الإله) عن ذات الولد باعتبار اعتقاد المشركين، وعلى تغاير صفة (الإله) عن صفة الولد؛ وهذا هو الواقع في اعتقادهم، فإنهم إذا توجهوا للولد إنما يتوجهون إلى الله؛ كما يقول النصارى: أب وابن وروح القدس إله واحد، يجعلون الإله واحد له ثلاثة أقانيم، أو كما يقول طائفة أخرى من النصارى: إنه أب وابن، فيجعلونه أقنومين فقط، فهذا توجه لشيء واحد باختلاف الأقانيم، وهذا داخل في الولادة، حيث قال جل وعلا: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} الشيء الثاني: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ}. فالآلهة:في الواقع هذه مغايرة في الذات للولد، ومغايرة في الصفات، لا يقال: إن الولد متَّخَذ إلهاً؛ لأن قول العلماء: مغايرة في الذات يصدق عليه اختلاف الجمع والمفرد والعام والخاص، فإذا عطف عام على خاص فيعتبر عندهم تغايراً في الذات، مثل ما قال جل وعلا: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ} فعطف جبريل وميكال على الملائكة، وهذا تغاير في الذات؛ لأن الثاني بعض الأول، فالعام إذا جاء بعده خاص يعتبر تغايراً في الذوات {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}هذا تغاير في الصفات.
المقصود:أن استدلال الشيخ في محله، بل حجة واضحة، حيث قال: (ففرق بين النوعين وجعل كلاً منهما كفراً مستقلاً)
(وقال تعالى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ}) {وَخَلَقَهُمْ} يعني: مع خلقه لهم جعلوا له شركاء الجن.
{وَخَرَقُوا لَهُ} وفي القراءة الأخرى: {وَخَرَّقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ}.(ففرق بين كفرين) فجعل الشرك بالجن هذا نوع، وجعل خرق البنين والبنات له سبحانه نوعاً آخر.
قال: (ففرق بين كفرين).
(والدليل على هذا أيضاً: أن الذين كفروا بدعاء اللات) إلى آخره.
المقصود من هذه الأدلة:أن قول القائل: ما كفرت العرب ولا النصارى ولا اليهود، إلى آخره، إلا باعتقاد البنوة، فهذا الكلام باطل، وهذه الشبهة مردودة على أصحابها بالأدلة التي ذكر.
وتوسع الشيخ -رحمه الله- فقال: (والدليل على هذا أيضاً: أن الذين كفروا بدعاء اللات مع كونه رجلاً صالحاً لم يجعلوه ابناً لله، والذين كفروا بعبادة الجن لم يجعلوهم كذلك، وكذلك أيضاً العلماء في جميع المذاهب الأربعة، يذكرون في باب حكم المرتد: أن المسلم إذا زعم أن لله ولداً فهو مرتد، ويفرقون بين النوعين، وهذا في غاية الوضوح)
الأمة مجمعة والفقهاء والأئمة مجمعون على أن الردة ليست مخصوصة باعتقاد الولد لله جل وعلا، فدل هذا على بطلان هذه الشبهة، وهذا إيراد أو استدلال واضح بين والحمد لله؛ كما قال الشيخ في آخره: (وهذا في غاية الوضوح).وأكرر في أنَّ الانتفاع بما نذكر يعظم عندما تعرف (كتاب التوحيد) وشرحه، وخاصة ما ذكرناه من الأدلة وأوجه الاستدلال في شرحي على (كتاب التوحيد) لأن فهم (كشف الشبهات) مبني على فهم (كتاب التوحيد) لأنك إذا قلت: ما معنى عبادة الأصنام؟ الشفاعة؟ كل هذه تفصيلها هناك، وليس تفصيلها في هذا الكتاب.المغايرة:الواو تقتضي في اللغة مطلق الجمع والمغايرة، وإذا قلنا: مطلق الجمع فالمراد بلا ترتيب في الزمان ولا في المكان ولا في الفضل، وتفيد أيضاً المغايرة، والمغايرة تعني: أن ما بعد الواو غير ما قبل الواو، وقد يكون ما بعد الواو - يعني المعطوف - والمعطوف عليه - ما قبل الواو - قد يكون هذا وهذا من الذوات.
- فإذاً: الثاني غير الأول،مثل ما مثلت لكم، دخل محمد وخالد{مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ} كل شيء مختلف عن الثاني، هذا تغاير في الذوات.
الثاني:التغاير في الصفات.وذكرت لك أن التغاير في الذوات لا يَسقط بأن يكون الأول بعض الثاني، ولا أن يكون الثاني بعض الأول، يعني: إذا جاء عام بعد خاص معطوفاً بالواو فيصدق عليه أنه تغاير ذوات؛ لأن الذات الثانية أعظم وأكثر من الذات الأولى في عطف العام على الخاص، أو الأولى أكثر ذواتاً من الثانية.فإذاً: تغايرٌ في الذوات، يعني: هذا ليس هو هذا من جهة الذات.
والثاني:تغاير في الصفات، والتغاير في الصفات يكون في المعاني، مثل ما ذكرت لكم {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}الإيمان والعمل الصالح ليس ذاتاً وإنما هو معنى، أليس كذلك؟ الإيمان هل هو ذات ترى؟ العمل الصالح ذات ترى؟ ليس عيناً ولا ذاتاً وإنما هو معنى.

فإذاً: العطف بالواو بين المعاني يدل على تغاير الصفات،يكون الأول غير الثاني من جهة الصفة، ولهذا نقول: إنه إذا قيل: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} على تعريف أهل السنة للإيمان ودخول العمل في مسماه، هذا يُفهم من وجهين:

الأول: أن العمل خاص بعد عام، فالإيمان عام والعمل خاص، فحصل تغاير في الصفة من جهة الشمول.
والثاني: أن الإيمان إذا قرن به العمل الصالح، فيُعنى بالإيمان: التصديق الجازم بالأشياء، والعمل الصالح هو العمل، فهذا يغاير ذاك في الحيثية.
والثاني اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا} يُعنى: بالإيمان الأصل اللغوي ومعناه، وهو أيضاً الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، إلى آخره، يعني: ما هو قسيم للإسلام، الإسلام العمل الظاهر، الإيمان الاعتقاد الباطن، {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}تغاير في الصفة إذ الأول يدل على العمل الباطن، والثاني يدل على العمل الظاهر، مثل قوله جل وعلا: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ}.
بعض المعاصرين الجهلة قال:هذا يدل على أن القرآن غير الكتاب؛ لأن الواو تقتضي المغايرة، فالقرآن شيء والكتاب شيء، والقرآن هو مالا يقبل التغيير، وأما الكتاب فيقبل التغيير، في مؤلف ألفه، باطل معروف، هذا ناتج من الجهل باللغة، فقوله: {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ}{تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ} في سورتين، هذا يدل - العطف بالواو ـ على تغاير صفة الكتاب عن صفة القرآن، لا على تغاير القرآن عن الكتاب.
والصفة التي حصل بها التغاير:أن القرآن فيه صفة القراءة، والكتاب فيه صفة الكتابة، فإذاً هذا دليل على أنه مكتوب وأنه سيقرأ حيث كان مكتوباً، وهذا البحث يُبحث في الأصول وأيضاً في النحو وفي كتب حروف المعاني، والبحث معروف، ومهم؛ لأن فهم الاستدلال مبني عليه.
الآية في قوله جل وعلا: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} ما وجه المغايرة في الصفات؟
الجواب: أن الإلهية غير صفة اتخاذ الولد {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} فالاتخاذ - اتخاذ الولد - شيء غير كون إله معه، فاتخاذ الولد من الله، كما يقول أولئك: اتخذ الله عيسى ولداً، أو اتخذ الله العزير ولداً، فإذا جعلوا عيسى ولداً ليس بدعواهم ولكن باتخاذ الله له، وأما وجود الإله {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} فهذا وجود لإلهٍ حق مع الله جل وعلا، فمِن هذه الجهة كان غير متخذ، فالأولى فيها الاتخاذ والثانية فيها وجود الإله، فهذا كفر وهذا كفر.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#4

28 Nov 2008

العناصر

الشبهة التاسعة: زعمهم أن أولئك إنما كفروا لادعائهم الولد لله تعالى

كشف الشبهة التاسعة
- نسبة الولد إلى الله تعالى كفر مستقل
- معنى اسم الله "الأحد"
- معنى اسم الله "الصمد"
- من جحد تفرد الله تعالى بالأحدية والصمدية كفر وإن لم يدع الولد لله تعالى
- من ادعى الولد لله تعالى كفر وإن لم ينكر توحيد العبادة
- دلالة سورة الإخلاص على نوعين من الكفر
- دلالة قول الله تعالى: (ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله) على التفريق بين هذين النوعين من الكفر
- دلالة قول الله تعالى: (وجعلوا لله شركاء الجن ...) الآية، على التفريق بين الكفرين
- الإجماع على أن الكفر غير مختص بادعاء الولد لله تعالى
- الفرق بين مغايرة الذات ومغايرة الصفات
- الذين كفرهم الله تعالى بدعائهم اللات - وهو رجل صالح - لم يزعموا أنه ابن الله
- الذين كفروا لعبادتهم الجن لم يزعموا أنهم أبناء الله
- تفريق الفقهاء في جميع المذاهب بين هذين النوعين من الكفر
- بيان وضوح الجواب على هذه المسألة

عبد العزيز بن داخل المطيري

#5

28 Nov 2008

الأسئلة

س1: كيف ترد على من زعم أن المشركين لم يكفروا بدعاء الملائكة والأنبياء وإنما كفروا لمّا قالوا: الملائكة بنات الله؟

س2: فسر سورة الإخلاص باختصار، مع بيان وجه استدلال المؤلف رحمه الله تعالى بها.
س3: فسر باختصار قول الله تعالى: {ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله} وبيّن وجه استدلال المؤلف به.
س4: اذكر أنواع المغايرة، مع التمثيل.
س5: بين وجه استدلال المؤلف رحمه الله تعالى بقول الله جل وعلا: {وجعلوا لله شركاء الجن...} الآية.
س6: تحدث عن أهمية تعدد الأدلة في كشف الشبهة.