30 Oct 2008
الدرس التاسع عشر: كشف الشبهة الثامنة وهي قولهم: الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
فَقُلْ لَهُ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؟
أَتَظُنُّ
أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَحْجَارَ وَالأَخْشَابَ
والأشجارَ تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَتُدَبِّرُ أَمْرَ مَنْ دَعَاها؟ فَهَذَا
يُكَذِّبُهُ القُرْآنُ.
فَإِنْ قالَ: إنهم
يَقْصِدونَ خَشَبةً، أَوْ حَجَراً، أَوْ بُنْيَةً على قَبْرٍ أَوْ
غَيْرِهِ، يَدْعُونَ ذَلِكَ وَيَذْبَحُونَ لَهُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ
يُقَرِّبُنا إِلى اللهِ زُلْفَى، وَيَدْفَعُ عَنَّا اللهُ بِبَرَكَتِهِ
ويُعْطِينا بِبَرَكَتِهِ.
فَقُلْ: صَدَقْتَ،
وَهَذا هُوَ فِعْلُكُمْ عِنْدَ الأَحْجَارِ والبِنَا الَّذِي عَلى
القُبُورِ وَغَيْرِها، فَهَذا أَقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُم هَذَا هُوَ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وهو المطْلُوبُ.
وأَيْضاً: قَوْلُكَ: الشِّرْكُ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، هَلْ مُرَادُكَ أَنَّ الشِّرْكَ مخصُوصٌ بِهَذا،
وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلى الصَّالِحِينَ وَدُعَاءَهُمْ لا يَدْخُلُ في
ذَلِكَ؟
فَهَذا يَرُدُّهُ ما ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَعَلَّقَ على الملائِكَةِ أَوْ عِيسَى أَوِ الصَّالِحينَ.
فَلابُدَّ
أَنْ يُقِرَّ لَكَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللهِ أَحَداً مِن
الصَّالِحِينَ فهُوَ الشِّرْكُ المَذْكُورُ في القُرْآنِ، وَهَذَا هُوَ
المَطْلُوبُ.
وَسِرُّ المَسْأَلَةِ: أنَّهُ إِذا قالَ: أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً.
فَقُلْ لَهُ:وَمَا الشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسِّرْهُ لِي.
فَإِنْ قالَ: هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ.
فَقُلْ له: ومَا عِبَادَةُ الأَصْنَامِ؟ فَسِّرْهَا لِي.
وإِنْ قَال: أَنا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ.
فَقُلْ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ وحده لا شريك له؟ فَسِّرْهَا لِي.
- فَإِنْ فَسَّرَها بِمَا بَيَّنْتَهُ فَهُوَ المَطْلُوبُ.
- وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي شَيْئاً وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ؟
-وَإِنْ فَسَّرَها بِغَيْرِ مَعْنَاهَا بَيَّنْتَ
لَهُ الآيَاتِ الوَاضِحَاتِ في مَعْنَى الشِّركِ بِاللهِ وَعِبادَةِ
الأَوْثانِ أَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُونَ في هذا الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ،
وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الَّتِي
يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا وَيصِيحُونَ منه كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُم حَيْثُ
قَالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5]).
شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
فَقُلْ لَهُ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؟
أَتَظُنُّ
أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَحْجَارَ وَالأَخْشَابَ
والأشجارَ تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَتُدَبِّرُ أَمْرَ مَنْ دَعَاها؟ فَهَذَا
يُكَذِّبُهُ القُرْآنُ.
فَإِنْ قالَ: إنهم
يَقْصِدونَ خَشَبةً، أَوْ حَجَراً، أَوْ بُنْيَةً على قَبْرٍ أَوْ
غَيْرِهِ، يَدْعُونَ ذَلِكَ وَيَذْبَحُونَ لَهُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ
يُقَرِّبُنا إِلى اللهِ زُلْفَى، وَيَدْفَعُ عَنَّا اللهُ بِبَرَكَتِهِ
ويُعْطِينا بِبَرَكَتِهِ.
فَقُلْ: صَدَقْتَ،
وَهَذا هُوَ فِعْلُكُمْ عِنْدَ الأَحْجَارِ والبِنَا الَّذِي عَلى
القُبُورِ وَغَيْرِها، فَهَذا أَقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُم هَذَا هُوَ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وهو المطْلُوبُ(1).
وأَيْضاً: قَوْلُكَ: الشِّرْكُ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، هَلْ مُرَادُكَ أَنَّ الشِّرْكَ مخصُوصٌ بِهَذا،
وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلى الصَّالِحِينَ وَدُعَاءَهُمْ لا يَدْخُلُ في
ذَلِكَ؟
فَهَذا يَرُدُّهُ ما ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَعَلَّقَ على الملائِكَةِ أَوْ عِيسَى أَوِ الصَّالِحينَ.
فَلابُدَّ
أَنْ يُقِرَّ لَكَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللهِ أَحَداً مِن
الصَّالِحِينَ فهُوَ الشِّرْكُ المَذْكُورُ في القُرْآنِ، وَهَذَا هُوَ
المَطْلُوبُ(2).
وَسِرُّ المَسْأَلَةِ(3): أنَّهُ إِذا قالَ: أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً.
فَقُلْ لَهُ:وَمَا الشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسِّرْهُ لِي.
فَإِنْ قالَ: هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ.
فَقُلْ له: ومَا عِبَادَةُ الأَصْنَامِ؟ فَسِّرْهَا لِي.
وإِنْ قَال: أَنا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ.
فَقُلْ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ وحده لا شريك له؟ فَسِّرْهَا لِي.
- فَإِنْ فَسَّرَها بِمَا بَيَّنْتَهُ فَهُوَ المَطْلُوبُ.
- وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي شَيْئاً وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ؟
-وَإِنْ فَسَّرَها بِغَيْرِ مَعْنَاهَا بَيَّنْتَ
لَهُ الآيَاتِ الوَاضِحَاتِ في مَعْنَى الشِّركِ بِاللهِ وَعِبادَةِ
الأَوْثانِ أَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُونَ في هذا الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ،
وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الَّتِي
يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا وَيصِيحُونَ منه كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُم حَيْثُ
قَالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5](4)).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (فَإِنْ قَالَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ وَنَحْنُ لاَ نَعْبُدُ الأَصْنَامَ)
فَإِن انْتَقَلَ إِلَى هَذِه الشُّبْهَةِ؛ زَعَمَ أَنَّ الشِّرْكَ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ بِخُصُوصِهِ، وهو في زَعْمِهِ أَنَّه لاَ يَعْبُدُ
الأَصْنَامَ بل وَلِيٌّ، فَجَاوِبْهُ بالاسْتِفْسَارِ والتَّحَدِّي فبه
يَنْدَحِضُ وتَنْكَشِفُ شُبْهَتُهُ، وَيَظْهَرُ جَهْلُهُ وضَلاَلُهُ،
وَأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِمَّا عَلَيْهِ المُرْسَلُونَ وَمَا هو دِينُ
المُشْرِكِينَ.(فَقُلْ لَهُ: مَا مَعْنَى عِبَادَةِ الأصْنَامِ؟) الَّتِي حَصَرْتَ الشِّرْكَ فِيهَا (أَتَظُنُّ أَنَّهُم يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَخْشَابَ والأَحْجَارَ تَخْلُقُ وتَرْزُقُ وَتُدَبِّرُ أَمْرَ مَنْ دَعَاهَا؟)
فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ (فَهَذَا يُكَذِّبُهُ القُرْآنُ) وَيَرُدُّهُ؛ فَإِنَّ القُرْآنَ دَالٌّ عَلَى أَنَّهُم لاَ يَعْتَقِدُونَ فيها ذلك أصلاً.(وَإِنْ
قَالَ: هو مَنْ قَصَدَ خَشَبَةً أو حَجَرًا أَوْ بِنْيَةً عَلَى قَبْرٍ أو
غَيْرِهِ، يَدْعُونَ ذَلِكَ ويَذْبَحُونَ لَهُ، ويَقُولُونَ: إِنَّهُ
يُقَرِّبُنَا إِلَى اللهِ زُلْفَى، وَيَدْفَعُ اللهُ عَنَّا بِبَرَكَتِهِ
أو يُعْطِينَا بِبَرَكَتِهِ) فَهَذَا تَفْسِيرٌ لعِبَادَةِ الأَصْنَامِ صَحِيحٌ. (فَقُلْ: صَدَقْتَ و) لَكِنْ (هَذَا هو) بِعَيْنِهِ (فِعْلُكُمْ) الَّذِي وَقَعْتُمْ فيه (عِنْدَ الأَحْجَارِ والأَبْنِيَةِ الَّتِي عَلَى القُبُورِ وَغَيْرِهَا)، وهَذَا المُطَابِقُ هو حَقِيقَةُ تَفْسِيرِهَا. (فَهَذَا أَقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُم هَذَا هو عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، فَهُو المَطْلُوبُ)
المَطْلُوبُ إِقْرَارُهُ بالْحَقِّ وكَشْفُ شُبْهَتِهِ، وَقَدِ
انْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ وانْدَحَضَتْ حُجَّتُهُ، وَتَبَيَّنَتْ جَهَالَتُهُ
وضَلاَلَتُهُ.
وحَاصِلُهُ أَنَّكَ تَقُولُ: هَلْ هُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهَا تَخْلُقُ؟
- فَإِنْ قَالَ:نَعَمْ، فَبَيِّنْ لَهُم الآيَاتِ الوَارِدَةَ. إلخ.
- وَإِنْ قَالَ:هو مَن قَصَدَ.. إلخ؛ فَقُلْ: نَعَمْ، وهَذَا هو فِعْلُكُم.
فهو إِمَّا أَنْ يُفَسِّرَهُ بِبَاطِلٍ؛ فَيُبَيَّنَ له باطِلَهُ، وإِمَّا أَنْ يُقِرَّ أَنَّ فِعْلَهُم مُوَافِقٌ له.
(2) (وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا) هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ لَهُ: (قَوْلُكَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، هَلْ مُرَادُكَ أَنَّ الشِّرْكَ مَخْصُوصٌ بِهَذا؟) مَحْصُورٌ دونَ عِبَادَةِ مَن سِوَاهُم (وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلَى الصَّالِحِينَ) والأَنْبِياءِ والأَوْلِيَاءِ والمَلاَئِكَةِ (ودَعَاءَهُم لاَ يَدْخُلُ في ذَلِكَ) لاَ يَكُونُ شِرْكًا (فهَذَا) أَمْرٌ بَاطِلٌ (يَرُدُّهُ مَا ذَكَرَهُ اللهُ في كِتَابِهِ) ويُبْطِلُهُ (مِن كُفْرِ مَن تَعَلَّقَ عَلَى المَلاَئِكَةِ أو عِيسَى أو الصَّالِحِينَ) فَإِنَّ القُرْآنَ العَزِيزَ بَيَّنَ كُفْرَ مَن تَعَلَّقَ عَلَى هَؤُلاَءِ، وكُفْرَ مَن تَعَلَّقَ عَلَى هَؤُلاَءِ، كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَنَّ عِبَادَةَ الأَصْنَامَ قِسْمٌ مِن أَقْسَامِ الشِّرْكِ (فَلاَبُدَّ) حِينَئذٍ (أَنْ يُقِرَّ لَكَ أَنَّ مَن أَشْرَكَ في عِبَادَةِ اللهِ أَحَدًا مِن الصَّالِحِينَ فَهَذَا هو الشِّرْكُ المَذْكُورُ في القُرْآنِ، وَهَذَا هو المَطْلُوبُ) وَتَبَيَّنَ أَنَّ مَن عَبَدَ صَنَمًا أو وَثَنًا أو غَيْرَ ذَلِكَ فهو مُشْرِكٌ، وبِهَذَا تَنْكَشِفُ شُبْهَتُهُ وتَنْدَحِضُ حُجَّتُهُ.
(3) (وَسِرُّ المَسْأَلَةِ)
يَعْنِي: خَالِصَ وَحَاصِلَ الأَجْوِبَةِ عَن الشُّبَهِ الثَّلاَثِ:
ذَكَرَ المُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ أَوَّلاً جَوَابَ الشُّبَهِ؛ خَصَّ
كُلَّ شُبْهَةٍ بِجَوَابٍ وبَعْضَهَا بِجَوَابَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ
جَوَابَهَا هنا عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ بَعْدَ النَّشْرِ.
يَعْنِي: وَحَاصِلُ الجَوَابِ عَنِ الشُّبَهِ الثَّلاَثِ أَنَّكَ تَتَحَدَّاهُ؛ فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا:
أَنْ يَتَوَقَّفَ، فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ لاَ تَعْرِفُ الحَقَّ مِن
البَاطِلِ، فَإِذَا حَادَ وَلاَ دَرَى وَوَقَفَ؛ فهو كَافٍ في ردِّ
شُبَهِهِ، وحِينَئذٍ كَفَانَا مَؤُونَةَ جَوَابِهِ؛ فَإِنَّ هَذَا حَالُ
كَثِيرٍ مِمَّنْ يَعْبُدُ الأَصْنَامَ؛ لاَ يَدْرِي عن الشِّرْكِ وَلاَ
أَهْلِهِ، وَلاَ دَرَى عن عِبَادَةِ الأَصْنَامِ، وَلاَ مَيَّزَ عِبَادَةَ
الأَصْنَامِ من غَيْرِهَا.
2-وَإِنْ فَسَّرَهَا بِمَا فَسَّرَهُ القُرْآنُ، فَهَذَا أَيْضًا كَفَانَا مَؤُونَتَهُ وَهَدَمَ أَصْلَهُ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ.
3-وإِنْ
فَسَّرَهُ بالبَاطِلِ المُخَالِفِ لتَفْسِيرِ القُرْآنِ بَيَّنْتَ لَهُ
الآيَاتِ الوَاضِحَاتِ في مَعْنَى الشِّرْكِ باللهِ وعِبَادَةِ
الأَوْثَانِ.
فالحَاصِلُ أَنَّهُ يَتَحَصَّلُ مِنْهُ تِسْعُ صُوَرٍ مِن ضَرْبِ ثَلاَثِ الشُّبَهِ في جَوَابِهِ.(وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ) وهو تَوْحِيدُه (هي الَّتِي يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا وَيَصِيحُونَ فيه كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُم حَيْثُ قَالُوا) في إِنْكَارِهِم التَّوْحِيدَ عَلَى الرَّسُولِ لَمَّا دَعَاهُم: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَـهًا وَاحِدًا إِنَّ هَـذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} اسْتَنْكَرُوا أَنْ يَجْعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا.
وبه
تَعْرِفُ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ يَنْتَسِبُ إِلَى الإِسْلاَمِ مِن هذه
الأُمَّةِ لَيْسُوا عَلَى الدِّينِ، إِنَّمَا مَعَهُم اسْمُه فَقَطْ، وَلاَ
يَعْرِفُونَ مَا هو شِرْكُ الأَوَّلِينَ.
فَلَوْ
عَرَفَ أَحَدُهُم شِرْكَ الأَوَّلِينَ وَشِرْكَ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ
لَوَجَدَهُ هو، بل مُشْرِكُو هَذِه الأَزْمِنَةِ أَعْظَمُ مِن شَرْكِ أولئك
بكَثِيرٍ؛ لِمَا يَأْتِيكَ مِن كَلاَمِ المُصَنِّفِ.
شِرْكُ
الأَوَّلِينَ لَيْسَ أَكْثَرَ مِن اعْتِقَادِهِم أَنَّ أَحَدَهُم يَطْلُبُ
مِمَّنْ يَعْتَقِدُ فيه أَنْ يَطْلُبَ لَهُ مِن اللهِ، وَأَنَّهُ بَابُ
وَسَائِطِهِم وَحَوَائِجِهِم إِلَى اللهِ كَمَا قَالَ اللهُ عَنْهُم: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى}.
شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
فَقُلْ لَهُ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؟
أَتَظُنُّ
أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَحْجَارَ وَالأَخْشَابَ
والأشجارَ تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَتُدَبِّرُ أَمْرَ مَنْ دَعَاها؟ فَهَذَا
يُكَذِّبُهُ القُرْآنُ(1).
فَإِنْ قالَ(2): إنهم
يَقْصِدونَ خَشَبةً، أَوْ حَجَراً، أَوْ بُنْيَةً على قَبْرٍ أَوْ
غَيْرِهِ، يَدْعُونَ ذَلِكَ وَيَذْبَحُونَ لَهُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ
يُقَرِّبُنا إِلى اللهِ زُلْفَى، وَيَدْفَعُ عَنَّا اللهُ بِبَرَكَتِهِ
ويُعْطِينا بِبَرَكَتِهِ.
فَقُلْ: صَدَقْتَ،
وَهَذا هُوَ فِعْلُكُمْ عِنْدَ الأَحْجَارِ والبِنَا الَّذِي عَلى
القُبُورِ وَغَيْرِها، فَهَذا أَقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُم هَذَا هُوَ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وهو المطْلُوبُ.
وأَيْضاً: قَوْلُكَ: الشِّرْكُ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، هَلْ مُرَادُكَ أَنَّ الشِّرْكَ مخصُوصٌ بِهَذا،
وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلى الصَّالِحِينَ وَدُعَاءَهُمْ لا يَدْخُلُ في
ذَلِكَ؟
فَهَذا يَرُدُّهُ ما ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَعَلَّقَ على الملائِكَةِ أَوْ عِيسَى أَوِ الصَّالِحينَ(3).
فَلابُدَّ
أَنْ يُقِرَّ لَكَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللهِ أَحَداً مِن
الصَّالِحِينَ فهُوَ الشِّرْكُ المَذْكُورُ في القُرْآنِ، وَهَذَا هُوَ
المَطْلُوبُ.
وَسِرُّ المَسْأَلَةِ(4): أنَّهُ إِذا قالَ: أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً.
فَقُلْ لَهُ: وَمَا الشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسِّرْهُ لِي.
فَإِنْ قالَ(5): هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ.
فَقُلْ له: ومَا عِبَادَةُ الأَصْنَامِ؟ فَسِّرْهَا لِي(6).
وإِنْ قَال: أَنا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ.
فَقُلْ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ وحده لا شريك له؟ فَسِّرْهَا لِي.
- فَإِنْ فَسَّرَها بِمَا بَيَّنْتَهُ فَهُوَ المَطْلُوبُ.
- وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي شَيْئاً وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ؟
-وَإِنْ فَسَّرَها بِغَيْرِ مَعْنَاهَا بَيَّنْتَ
لَهُ الآيَاتِ الوَاضِحَاتِ في مَعْنَى الشِّركِ بِاللهِ وَعِبادَةِ
الأَوْثانِ أَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُونَ في هذا الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ،
وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الَّتِي
يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا وَيصِيحُونَ منه كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُم حَيْثُ
قَالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5]).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) يَعْنِي: إذا قالَ لكَ المُشرِكُ المُشَبِّهُ: الشِّركُ عبادةُ الأصنامِ، ونحنُ لا نَعْبُدُ الأصنامَ، فأَجِبْهُ بجوابَيْنِ:
الأوَّلُ:قُلْ
لهُ: ما هيَ عبادةُ الأصنامِ؟ أتَظُنُّ أنَّ مَنْ عبَدَها يَعْتَقِدُ
أنَّها تَخْلُقُ وتَرْزُقُ وتُدَبِّرُ أمْرَ مَنْ دَعاها؟ فإنْ زَعَمَ ذلكَ
فقدْ كَذَّبَ القرآنَ.
(2) قولُهُ: (وإنْ قالَ...) إلخ، هذا مُقابِلُ قَوْلِنَا: (إنْ زَعَمَ ذلكَ فقدْ كَذَّبَ القُرآنَ) يَعْنِي: إنْ
قالَ: عِبادةُ الأصنامِ أنْ يَقْصِدَ خَشَبةً أوْ حَجَرًا أوْ بِنْيَةً
على قبْرٍ أوْ غيرِهِ، يَدْعونَ ذلكَ، ويَذْبَحونَ لهُ، ويَقولونَ: إنَّهُ
يُقَرِّبُنا إلى اللهِ زُلْفَى.
قُلْنا: صَدَقْتَ، وهذا هوَ فِعْلُكَ سَواءً بسَواءٍ، وعليهِ فتَكونُ مُشرِكًا بإقْرارِكَ على نفْسِكَ، وهذا هوَ المَطْلوبُ.
(3) قولُهُ: (ويُقالُ لهُ أيضًا: قولُكَ: الشِّركُ عبادةُ الأصنامِ) إلى قولِهِ: (وهذا هوَ المُطلوبُ)
هذا هوَ الجوابُ الثَّاني؛ أنْ يُقالَ: هلْ مُرادُكَ أنَّ الشِّركَ
مَخْصوصٌ بهذا، وأنَّ الاعْتِمَادَ على الصَّالحينَ ودُعاءَ الصَّالحينَ لا
يَدْخُلُ في ذلكَ؟
فهذا يَرُدُّهُ القرآنُ؛فلا
بُدَّ أنْ يُقِرَّ لكَ بأنَّ مَنْ أَشْرَكَ في عبادةِ أحدٍ مِن
الصَّالحينَ فهوَ الشِّركُ المَذْكورُ في القرآنِ، وهذا هوَ المطلوبُ.
(4) قولُهُ: (وسِرُّ المسألةِ) يَعْنِي: لُبُّهَا، أنَّهُ إذا قالَ: أنا لا أُشْرِكُ باللهِ؛ فاسْأَلْهُ: ما معْنى الشِّركِ؟ فإنْ قالَ: هوَ عبادةُ الأصنامِ؛ فاسْأَلْهُ: ما معنى عبادةِ الأصنامِ؟ ثمَّ جَادِلْهُ على ما سبَقَ بَيانُهُ.
(5) قولُهُ: (فإنْ قالَ...) إلخ، يَعْنِي: إذا ادَّعَى هذا المشركُ أنَّهُ لا يَعْبُدُ إلاَّ اللهَ وحْدَهُ فاسْأَلْهُ: ما معنى عبادةِ اللهِ وحْدَهُ؟ وحينَئِذٍ لا يَخْلو مِنْ ثلاثِ حالاتٍ:
الأولى: أنْ
يُفَسِّرَها بما دَلَّ عليهِ القرآنُ؛ فهذا هوَ المطلوبُ والمقبولُ، وبهِ
يَتَبَيَّنُ أنَّهُ لم يُحَقِّقْ عبادةَ اللهِ وحْدَهُ حيثُ أَشْرَكَ بهِ.
الثَّانيةُ: أنْ
لا يَعْرِفَ معناها، فيُقالُ: كيفَ تَدَّعِي شَيئًا وأنتَ لا تَعْرِفُهُ؟
أمْ كيفَ تَحْكُمُ بهِ لنفسِكَ، والحُكْمُ على الشَّيءِ فَرعٌ عنْ
تَصَوُّرِهِ؟
الثَّالثةُ:
أن يُفَسِّرَ عبادةَ اللهِ بغيرِ معناها، وحينَئذٍ يُبَيَّنُ لهُ خَطَؤُهُ
بِبَيانِ المعنى الشَّرعيِّ للشِّركِ وعبادةِ الأوثانِ، وأنَّهُ الَّذي
يَفْعَلُونَهُ بعينِهِ ويَدَّعُونَ أنَّهم مُوَحِّدونَ غيرُ مُشرِكِينَ(1).
حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) وهو في هذه الأحوال:
-إما أن يكون عالماً بمعنى العبادة إذا فسرها بما دل عليه القرآن.
-وإما أن يكون جاهلاً بمعناها بعدم معرفته أو بتفسيره لها بغير معناها الصحيح.
فجهله بسيط في الأول، ومركب في الثاني.
شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
فَقُلْ لَهُ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؟
أَتَظُنُّ
أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَحْجَارَ وَالأَخْشَابَ
والأشجارَ تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَتُدَبِّرُ أَمْرَ مَنْ دَعَاها؟ فَهَذَا
يُكَذِّبُهُ القُرْآنُ.
فَإِنْ قالَ: إنهم
يَقْصِدونَ خَشَبةً، أَوْ حَجَراً، أَوْ بُنْيَةً على قَبْرٍ أَوْ
غَيْرِهِ، يَدْعُونَ ذَلِكَ وَيَذْبَحُونَ لَهُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ
يُقَرِّبُنا إِلى اللهِ زُلْفَى، وَيَدْفَعُ عَنَّا اللهُ بِبَرَكَتِهِ
ويُعْطِينا بِبَرَكَتِهِ.
فَقُلْ: صَدَقْتَ،
وَهَذا هُوَ فِعْلُكُمْ عِنْدَ الأَحْجَارِ والبِنَا الَّذِي عَلى
القُبُورِ وَغَيْرِها، فَهَذا أَقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُم هَذَا هُوَ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وهو المطْلُوبُ.
وأَيْضاً: قَوْلُكَ: الشِّرْكُ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، هَلْ مُرَادُكَ أَنَّ الشِّرْكَ مخصُوصٌ بِهَذا،
وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلى الصَّالِحِينَ وَدُعَاءَهُمْ لا يَدْخُلُ في
ذَلِكَ؟
فَهَذا يَرُدُّهُ ما ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَعَلَّقَ على الملائِكَةِ أَوْ عِيسَى أَوِ الصَّالِحينَ.
فَلابُدَّ
أَنْ يُقِرَّ لَكَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللهِ أَحَداً مِن
الصَّالِحِينَ فهُوَ الشِّرْكُ المَذْكُورُ في القُرْآنِ، وَهَذَا هُوَ
المَطْلُوبُ.
وَسِرُّ المَسْأَلَةِ: أنَّهُ إِذا قالَ: أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً.
فَقُلْ لَهُ:وَمَا الشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسِّرْهُ لِي.
فَإِنْ قالَ: هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ.
فَقُلْ له: ومَا عِبَادَةُ الأَصْنَامِ؟ فَسِّرْهَا لِي.
وإِنْ قَال: أَنا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ.
فَقُلْ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ وحده لا شريك له؟ فَسِّرْهَا لِي.
- فَإِنْ فَسَّرَها بِمَا بَيَّنْتَهُ فَهُوَ المَطْلُوبُ.
- وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي شَيْئاً وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ؟
-وَإِنْ فَسَّرَها بِغَيْرِ مَعْنَاهَا بَيَّنْتَ
لَهُ الآيَاتِ الوَاضِحَاتِ في مَعْنَى الشِّركِ بِاللهِ وَعِبادَةِ
الأَوْثانِ أَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُونَ في هذا الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ،
وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الَّتِي
يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا وَيصِيحُونَ منه كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُم حَيْثُ
قَالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5](1)).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1)
يُبَيِّنُ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ الشِّرْكَ لَيْسَ مَقْصُورًا
عَلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؛ لأَِنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ مِنْهُم
مَن يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ، والمَلاَئِكَةُ أَصْلَحُ الصَّالِحِينَ، كَمَا
قَالَ تَعَالَى:
{بَلْ
عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ
يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
(28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
ومنهم مَنْ يَعْبُدُ الصَّالِحِينَ،وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ
أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ عُزَيْرًا والمَسِيحَ مِن الأَنْبِيَاءِ.
وقِيلَ:
نَزَلَتْ في قَوْمٍ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ فَأَسْلَمَ الجِنُّ،
وَلَمْ يَعْلَمْ مَن يَعْبُدُهُم مِن الإِنْسِ أنَّهُم أَسْلَمُوا.
والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ أنَّ
اللهَ ذَكَرَ أنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ منهم مَن يَعْبُدُ
الأَصْنَامَ والأَشْجَارَ والأَحْجَارَ، ومنهم مَن يَعْبُدُ الأَنْبِيَاءَ
والصَّالِحِينَ، وسَوَّى بَيْنَهُم في الحُكْمِ، وحَكَمَ عَلَيْهِم
بالكُفْرِ والشِّرْكِ.
وأَنْتَ
أيُّها المُشَبِّهُ تُرِيدُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ مَن عَبَدَ الأَصْنَامَ
ومَن عَبَدَ الصَّالِحِينَ، فَتُفَرِّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللهُ، وهَذَا
مِن المُحَادَّةِ للهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى.
هَذَا وَجْهُ رَدِّ الشُّبْهَةِ،حَيْثُ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ الأَوَّلِينَ وشِرْكِ
هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ وهُمْ يَعْبُدُونَ القُبُورَ
والأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ؛ لأَِنَّهُم لاَ يَعْرِفُونَ مَعْنَى
العِبَادَةِ، ومَعْنَى الشِّرْكِ، فَصَارُوا يَخْلِطُونَ ويَهْرِفُونَ
بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ، وهَذِه نَتِيجَةُ الجَهْلِ بعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ
الصَّحِيحَةِ، والجَهْلِ بِمَا يُضَادُّهَا مِن الشِّرْكِ، فإنَّ مَن لاَ
يَعْرِفِ الشَّيْءَ يَقَعْ فيه وهو لاَ يَدْرِي.
وَمِنْ هنا تَتَّضِحُ ضَرُورَةُ العِنَايَةِ بِدِرَاسَةِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ ومَا يُضَادُّهَا.
شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ: الشِّرْكُ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وَنَحْنُ لا نَعْبُدُ الأَصْنَامَ.
فَقُلْ لَهُ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؟
أَتَظُنُّ
أَنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ تِلْكَ الأَحْجَارَ وَالأَخْشَابَ
والأشجارَ تَخْلُقُ وَتَرْزُقُ وَتُدَبِّرُ أَمْرَ مَنْ دَعَاها؟ فَهَذَا
يُكَذِّبُهُ القُرْآنُ.
فَإِنْ قالَ: إنهم
يَقْصِدونَ خَشَبةً، أَوْ حَجَراً، أَوْ بُنْيَةً على قَبْرٍ أَوْ
غَيْرِهِ، يَدْعُونَ ذَلِكَ وَيَذْبَحُونَ لَهُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ
يُقَرِّبُنا إِلى اللهِ زُلْفَى، وَيَدْفَعُ عَنَّا اللهُ بِبَرَكَتِهِ
ويُعْطِينا بِبَرَكَتِهِ.
فَقُلْ: صَدَقْتَ،
وَهَذا هُوَ فِعْلُكُمْ عِنْدَ الأَحْجَارِ والبِنَا الَّذِي عَلى
القُبُورِ وَغَيْرِها، فَهَذا أَقَرَّ أَنَّ فِعْلَهُم هَذَا هُوَ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، وهو المطْلُوبُ.
وأَيْضاً: قَوْلُكَ: الشِّرْكُ
عِبَادَةُ الأَصْنَامِ، هَلْ مُرَادُكَ أَنَّ الشِّرْكَ مخصُوصٌ بِهَذا،
وَأَنَّ الاعْتِمَادَ عَلى الصَّالِحِينَ وَدُعَاءَهُمْ لا يَدْخُلُ في
ذَلِكَ؟
فَهَذا يَرُدُّهُ ما ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى في كِتَابِهِ مِنْ كُفْرِ مَنْ تَعَلَّقَ على الملائِكَةِ أَوْ عِيسَى أَوِ الصَّالِحينَ.
فَلابُدَّ
أَنْ يُقِرَّ لَكَ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ فِي عِبَادَةِ اللهِ أَحَداً مِن
الصَّالِحِينَ فهُوَ الشِّرْكُ المَذْكُورُ في القُرْآنِ، وَهَذَا هُوَ
المَطْلُوبُ.
وَسِرُّ المَسْأَلَةِ: أنَّهُ إِذا قالَ: أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً.
فَقُلْ لَهُ:وَمَا الشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسِّرْهُ لِي.
فَإِنْ قالَ: هُوَ عِبَادَةُ الأَصْنَامِ.
فَقُلْ له: ومَا عِبَادَةُ الأَصْنَامِ؟ فَسِّرْهَا لِي.
وإِنْ قَال: أَنا لا أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ.
فَقُلْ: ما مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ وحده لا شريك له؟ فَسِّرْهَا لِي.
- فَإِنْ فَسَّرَها بِمَا بَيَّنْتَهُ فَهُوَ المَطْلُوبُ.
- وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَكَيْفَ يَدَّعِي شَيْئاً وَهُوَ لاَ يَعْرِفُهُ؟
-وَإِنْ فَسَّرَها بِغَيْرِ مَعْنَاهَا بَيَّنْتَ
لَهُ الآيَاتِ الوَاضِحَاتِ في مَعْنَى الشِّركِ بِاللهِ وَعِبادَةِ
الأَوْثانِ أَنَّهُ الَّذِي يَفْعَلُونَ في هذا الزَّمَانِ بِعَيْنِهِ،
وَأَنَّ عِبَادَةَ اللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ هِيَ الَّتِي
يُنْكِرُونَ عَلَيْنَا وَيصِيحُونَ منه كَمَا صَاحَ إِخْوَانُهُم حَيْثُ
قَالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}[ص: 5]).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: ([قال: (فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئا حاشا وكلا، ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك)] فهذا الكلام الذي سمعناه جواب على شبهة أدلى بها طائفة أخرى، وهذه الشُبه التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- تجد فيها تكريراً؛ وذلك لأنه أورد ما أورده الناس من الشبه على التوحيد، وقد يكون ما قاله فلان يدخل بعضه فيما قاله الآخر؛ ولهذا ترى أن فيها نوع تكرير ونوع إعادة؛ لأن الشبه متداخلة.
وهذا يدل على أن القوم يتواردون على شُبهٍ أصلها واحد،فإذا
أحكم طالب العلم المقدمات التي ذكرناها في أول هذا الشرح وجواب الشبه
الثلاث التي هي أكبر ما عندهم، سهل عليه الجواب عن الشبه الأخرى، مهما
اختلفت وتلونت.
وهذا الذي ذُكر هنا جواب الشبهة التي يمكن أن تُعنْون بقولهم:الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، وأن الشرك مخصوص بعبادة الأصنام.
وفي الحقيقة أن
الذين عبدوا غير الله -جل وعلا- لا يعرفون معنى الشرك، كجهلهم بعلوم
الشريعة وبأصول الدين، فإنهم لا يعرفون معنى العبادة ولا يعلمون معنى
الشرك، ولا يعلمون معنى التوحيد؛ لهذا قد ينكرون شيئاً وهم واقعون فيه.
وقد
ذكر الشوكاني -رحمه الله- في رسالته (الدر النضيد): أن عباد القبور عندهم
تغيير للأسماء، فيسمونها بغير اسمها، فيسمون الشرك توسلاً، ويسمون طلب
الشفاعة من الأولياء توسلاً، ويسمون إنزال الحاجات بالأولياء والأنبياء
التجاءً إلى الصالحين؛ لأنهم عند الله -جل وعلا- لهم المقامات العالية
وأشباه ذلك.
قال
الشوكاني: (وهذا لا يغير من الحقائق شيئاً، إذ العبرة بالحقائق لا
بالأسماء، العبرة بالمسميات لا بالأسماء) فلو سميت الخمر ماء -هذه تتمة من
عندي- فلو سميت الخمر ماءً فإنها خمر، ولو سمي سرقة الأموال هدايا فإنه
سرقة، فالأسماء لا تغير في الأحكام الشرعية، إذ الأحكام مرتبطة بحقائق
الأمور، فإذا وجدت حقيقة الأمر الذي حرمه الشرع، أو أمر به الشرع، فإنه هو
المقصود بالتحريم، وهو المقصود بالأمر، وإن اختلفت الأسماء، إذ لا عبرة
باختلاف الأسماء.
هنا تفريعاً على ذلك،قال
الإمام رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة: (فإن قال - يعني: المدلي
بالشبهة - أنا لا أشرك بالله شيئاً، حاشا وكلا) وهذا صنيع كل من يعبد غير
الله، يعبد الأولياء والأنبياء ويتقرب إليهم، أو يتقرب إلى المشاهد، أو إلى
الجن، أو إلى ما شابه ذلك من أنواع المعبودات من دون الله، كلهم يقولون:
نحن لا نشرك؛ إذ لا أحد يقر على نفسه بالشرك والكفر.
قال:
(فإن قال - يعني: بعد ما ذكرنا من مسألة الشفاعة أو من أدلى بهذه الشبهة -
أنا لا أشرك بالله شيئاً حاشا وكلا) يعني: أنا لست من المشركين، وعندي إباء
أن أكون من أهل الشرك، أو أن أفعل الشرك، فحاشا وكلا أن أشرك بالله شيئاً،
لِمَ؟
قال: (لأن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك).
إذاً: رجع أمر هذه الطائفة إلى أنهم يتبرؤون من شيء يفعلونه،وإذا
كان هذا المُتبَرأُ منه من أصول الدين، من التوحيد، فإن فعله يدل على أنهم
لم يعلموا معنى الشرك ومعنى التوحيد، فلا بد لهم إذاً من إقامة الحجة؛
لأنه ينفي عن نفسه أن يكون من المشركين، ويكره الشرك، ويكره الكفر، لكنه
واقع فيه، فلابد من البيان له والتعليم وإقامة الحجة عليه في أن ما يفعله
داخل فيما نفاه عن نفسه.
قال
رحمه الله: (فقل له) هذا ابتداء جواب الشبهة.(إذا كنت تقر أن الله حرم
الشرك أعظم من الزنى، وتقرُّ أن الله لا يغفره) إلى آخر الكلام. هذا الجواب للشبهة مبني على مراتب: ولهذا تجد أن في القرآن كثيراً ما يُحتج على المشركين بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية،
الأولى: هذه المرتبة التي سمعت، وهي: أن يطلب منه تفسير الشرك، ما هو هذا الشرك الذي لا يغفره الله وأنت تنفيه عن نفسك؟ هات معنى الشرك.
المرتبة الثانية: أن يفسِّر الشرك بعبادة الأصنام، فيُسأل ما معنى عبادة الأصنام؟
الثالثة: هل الشرك مخصوص بعبادة الأصنام، أم لا؟
فهذه
ثلاث مراتب لجواب هذا الإشكال، فمن قال: إن التوسل بالصالحين ليس بشرك،
يعني التوسل الشركي الذي يفعله عباد القبور والخرافيون، ويعدونه توسلاً،
وهو دعاء غير الله -جل وعلا- وطلب الشفاعة من الأموات، هذا مبني على هذه
الثلاث مراتب، فنأتيها واحدة واحدة.
فالأولى: قال
الشيخ رحمه الله: (إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من الزنى، وتقر أن
الله لا يغفره، فما هذا الأمر الذي عظمه الله وذكر أنه لا يغفره؟ فإنه لا
يدري) هذا تنزيل لطائفة، إذا قلت له: ما هذا الشرك الذي حرمه الله وعظمه،
وبين أنه لا يغفره، وأنه أعظم من الزنى ومن شرب الخمر، ومن إتيان المحارم،
إلى غير ذلك؟.
فطائفة منهم يقولون: لا ندري، ما هذا الشرك؟ لا نعلم ما هذا الشرك!
فإذاً: هذه الطائفة يقال لها: (كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟) إذا كنت لا تعرف حقيقة الشرك، فكيف تقول: أنا لا أشرك بالله شيئاً؟
ومعلوم أن المشركين الذين
بعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفون عن أنفسهم الكفر، وينفون
عن أنفسهم الشرك بالله جل وعلا؛ لأن هذا الشريك الذي دعوه مع الله -جل
وعلا- هو لله جل وعلا، فنفوا أن يكونوا مشركين على الحقيقة، مثل ما قال
قائلهم وهو يلبي: (إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك).
فإذا كان الشريك لله، فإن سؤاله لا يعد سؤالاً لأحد غير الله جل وعلا، مثل اعتقاد النصارى، والاعتقاد في الملائكة، أي: أنها بنات الله، وكذلك الاعتقاد في الأصنام والأوثان.
فهم إذاً لا أحد يقرّ على نفسه بأنه مشرك مطلقاً،
إذ يلزم من ذلك أن الشرك المطلق يعني أنه يقر بأن ثمة مصرفاً للأمور غير
الرب جل وعلا؛ والمشركون مقرّون بأن المصرف للأمور هو الله -جل وعلا- وحده،
إذ يلزم لازماً عقلياً واضحاً وأيضاً شرعياً؛ أن من اعتقد بأن مع الله
إلهاً آخر يلزمه أن يعتقد أنه رب، وأنه يعطي ويمنع، وأنه هو الذي يدبر
الأمر، وهو الذي يسخر السحاب وينزل المطر.
فهم
خروجاً من هذا الإلزام، قالوا: إن هذه الآلهة لله -جل وعلا- فهو يملكها وهي
تحت تصرفه، وهم ينقلون ما يحتاجه خلقه إلى الله جل وعلا، مثل ما فعل غلاة
المتصوفة، حيث قالوا: إن العالم له أقطاب أربعة، فوض الله إليهم رفع حاجات
أهل الأرض، فالقطب الفلاني في مصر، والقطب الثاني في الهند، والقطب الثالث
في الشمال، والقطب الرابع في الجنوب، يعني: أن هؤلاء فوض الله إليهم أمر
رفع الحاجات.
فنخلص من ذلك: أن
من وقع في الشرك فإنه قد يقول: أنا لم أقع في الشرك، وحاشاي أن أشرك، فإذا
طلب منه تفسير الشرك لم يعرف تفسيره، وهذه مرتبة العوام، فهؤلاء جوابهم أن
يقال: كيف تبرئ نفسك من شيء وأنت لا تعرفه؟ (كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت
لا تعرفه؟ كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا
تعرفه؟).
لا شك
أن هذا يدل على عدم رغبة في الخير، بل يدل على عدم معرفة وعلم بما خلق
الله -جل وعلا- العباد له، فإنه إذا علم أن الشرك محرم، وأنه لا يغفره
الله، وأن أهله مخلدون في النار إن لم يتوبوا، فكيف يقول: أنا لا أعرف هذا
الشرك؟
فهذا إعراض عن الدين؛ كما قال الله جل وعلا: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}
فإذاً:كيف
لا تسأل عنه؟ كيف لا تتعرفه؟ (أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟) وهذا في
الحقيقة جواب يصلح للعوام؛ لأن العامي لا يصلح له ما يصلح لمن يجادل ببعض
الشبه العلمية.
فيقال له:كيف تنفي عن نفسك شيئاً وأنت لا تعرفه؟.
فهذا يكفي في جواب هذا العامي أن يجعلك معلماً له،
وكما ذكرنا لك في السابق: إذا استطعت في مجادلة عوام المشركين، في أن
تجعلهم في مرتبة أدنى منك، فتكون معلماً بحسن عبارة، في أن تجره إلى أن
يعترف على نفسه بالجهل، ثم تنتقل من مناظر إلى معلم، فهذا من أعظم الوسائل
للإقناع ولإحداث الخير وإقامة الحجة وبيان المحجة.
فلا يُنزل العامي منزلة العالم،لا
ينزل من هو خال من الحجة أصلاً، جاهل، منزلة من هو عنده شبه، فإذا عاملت
هذا معاملة هذا فإنك تخسر، بل ينبغي أن تسلك ما ذكره الشيخ -رحمه الله- هنا
في أن تطلب منه تفسير الشيء، فإذا كان عنده علم ناقِشه برد تفسيره، وإذا
لم يكن عنده علم؛ فتقول له: كيف تكون على هذه الحال، تنفي عن نفسك شيئاً
وأنت واقع فيه، وأنت جاهل بمعناه؟
فإذاً:تنتقل معه إلى التعليم، لهذا تقول له كما قال الشيخ رحمه الله: (أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟)
فلا شك أنه سيقول: لا،
بل إن الله إذا حرم علينا هذا فهو سيبينه لنا، فتبدأ معه في بيان التوحيد،
ومعنى (لا إله إلا الله) والشرك، والكفر بالطاغوت، والعبادة، إلى غير ذلك.
ثم
قال - وهي المرتبة الثانية - في أناس من أهل هذه الشبهة، وهم الذين يقولون
نحن لسنا مشركين، وحاشانا من ذلك، والالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، أهل
المرتبة الثانية من هذه الطائفة هم الذين يقولون: (الشرك عبادة الأصنام ونحن لا نعبد الأصنام).
إذاً: أصول الشبهات مختلفة،وقد يشترك أهلها في الإيراد في طوائف منهم؛ كما يمر معنا هنا.
فإن قال: لا أعلم معنى عبادة الأصنام.
فنقول له: كيف تفسر شيئاً بشيء وتحتج عليه، وأنت لا تعلمه؟
فإما أن يقول:لأنهم اعتقدوا فيها الخلق والرزق والإحياء والإماتة.
فقل:هذا يكذبه القرآن، وتسرد له الأدلة.
وإن قال:- هذا احتمال ثاني - هو من قصد (خشبة أو حجراً أو بِنْية على قبر أو غيره يدعون ذلك، ويذبحون له) فإنه
قد يقول هذا نتيجة لعلم له بحال المشركين، بأنه يقصد الخشبة، يقصد الحجر،
يقصد البنية على القبر؛ على أنواع مَن أُشرك بهم في الجاهلية، يدعون ذلك،
مثل ما أخبر الله -جل وعلا- في كتابه بقوله: {فَإِذَا
رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ
فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ}.
فإذاً: صار الشرك في الدعاء؛ لأنه قال: {دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} ثم قال: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} يعني: الشرك في الدعاء.
فإذا
فسره بهذا التفسير، بأنه قَصْد الخشبة أو الحجر أو البنية على قبر، يعني
قصد هذه الأشياء، لم يقصد من في القبر، قصد الخشب، قصد الحجر، قصد نفس
البناء، يدعون ذلك، ويذبحون له، ويقولون: إنه يقربنا إلى الله زلفى، ويدفع
عنا ببركته ويعطينا ببركته.(فقل: صدقت) هذا هو
الشرك، وهم ما قصدوا خشبة يدعونها لاعتقاد في الخشبة، بل لاعتقاد في الروح
التي تحل في الخشب حين السؤال، فالمشركون يعتقدون أنه إذا سُئلت الخشبة
التي هي ممثلة على صورة كوكب من الكواكب المؤثرة في اعتقادهم، أو على صورة
ملك، أو على صورة نبي، أو على صورة ولي، أو على صورة صالح، أو على صورة من
يعتقدون فيه، فإن هذا الصنم أو الوثن إذا سئل تكلم، وهذا الكلام منه إنما
هو من شيطان.
فهم يعتقدون أنهم إذا خاطبوه ودعوه فإن روحانية هذا الكوكب تتكلم،
أو روحانية الملك تتكلم، أو روحانية الولي والنبي تتكلم، حتى ربما إنه
ينطق الجني على لسان الميت وهم يعرفون أن هذا هو كلامه، فيقولون: سمعنا من
القبر كذا وكذا وكذا، بصوت الولي فلان الذي نعرفه، ويكونون قد صدقوا فيما
سمعوا؛ لأنهم سمعوا صوت الولي نفسه، ولكنهم لم يسمعوا الولي نفسه، وإنما
سمعوا صوته الذي قلده الشيطان والجني.
ومعلوم أن شياطين الجن عندها قدرة على التشكل في الصور،وعندها
قدرة على التشكل في الأصوات، وعندها قدرة أيضاً على أن تُري الأشياء على
غير حقيقتها، وهذا مما أقدرهم الله -جل وعلا- عليه ليحصل الابتلاء وتحصل
الفتنة.
فإبليس -
عليه لعنة الله - حصل منه ما حصل من التشكل في صورة رجل وصورة شيخ نجدي
عند المشركين، إلى آخره، وفي يوم بدر كذلك، والجن يتشكلون، ربما أتاك جني
في صورة آدمي وأنت لا تعلم، ربما تكلم من تكلم بصوت وهو شيطان.
فإذاً: ما يذكرونه من
أنهم حين يسألون الأخشاب أو الأحجار أو الغرف التي على القبور أو المشاهد؛
أو يأتون إلى القبر، وأن هناك من تكلم وقال: سألبي حاجتكم، أو أمرهم
بأشياء، فهم صادقون، لكن هذا من الجن، ودخولهم في هذا الأمر إنما هو من
جراء الشرك بالله جل وعلا.
كما قال -سبحانه- في آخر سورة سبأ: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}يعني في الحقيقة، مع أنهم إنما دعوا الملائكة {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} لأنهم كانوا يطلبون من الملائكة، فقالت الملائكة: {سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ} يعني:
في الحقيقة أنهم كانوا يعبدون الجن؛ لأن الذي تكلم وخاطب هو الجني، وهم
تقربوا لمن خاطبهم وهو الجني، ففي الحقيقة العبادة توجهت للجن لا إلى
الملائكة؛ كما قال جل وعلا: {بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ}.
وكما قال سبحانه في سورة الأنعام:{وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} جعلوا
له شركاء الجن، فالجن اتخذت شركاء وإن لم يعتقدوا ذلك هم أنهم عبدوا
الصنم، يعني عبدوا الجن، لكن في الحقيقة هم عبدوا ذلك واتخذوهم شركاء.
فإذاً:
الذي فعله أولئك الأولون عند الأصنام والأوثان والخشب والحجر والبنا التي
على القبور، هو الذي فعله أهل هذه الأزمان عند البنايات التي على القبور.(فقل له صدقت، وهذا هو فعلكم عند الأحجار والبنايات التي على القبور، فهذا أقرّ أن فعلهم هذا هو عبادة الأصنام، وهو المطلوب) وهذه حجة واضحة بينة.
إن كابر وقال:
لسنا معتقدين فيهم الاستقلال، بل نعتقد فيهم الأسباب، مثل ما يقول طائفة،
يقولون: نحن لا نعتقد أنهم يعطوننا استقلالاً ولا يغفرون لنا، ولا يشفون
مرضانا ولا يدفعون عنا الضر بأنفسهم، وإنما هم أسباب؛ فكما أن الله -جل
وعلا- جعل أسباباً تقينا الحر وأسباباً تقينا البرد، وأسباباً تقينا كذا
وأسباباً تجلب لنا كذا، فإن الله -جل وعلا- جعل هؤلاء أسباباً.
فيجاب بما أجبته لك مفصلاً من قبل ومطولاً، فيجاب بأن هذا السبب هو عينه الذي تعلق به المشركون، فإنهم قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} وهذا هو معنى السببية بنفسها، وهذا هو معنى طلب الوساطة وطلب الجاه.(ويقال له أيضاً) وهذه الفئة الثالثة من أهل هذه الشبهة.
(قولك)
واضح التعلق بين هذا القول وبين قوله: الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك؛
لأن الالتجاء معناه عندهم الدعاء، دعاء الصالحين، طلب بركة الصالحين،
بسؤالهم، بطلب الشفاعة عندهم، الالتجاء إليهم، بالذبح لهم، مثل ما فسره
هنا.
فإذاً
قوله: (الالتجاء) مساو لقوله: (يدعون ذلك ويذبحون له ويقولون إنه يقربنا
إلى الله زلفى، ويُدْفع عنا ببركته، ويعطينا ببركته) هذا هو الالتجاء إلى
الصالحين، وهذا هو عين ما يفعل عند الأصنام والأوثان والآلهة المختلفة. (ويقال له أيضاً: قولك: الشرك عبادة الأصنام) هذا تتمة لهذا الجواب، لكنه في طائفة ثالثة، فيمن يقول: الشرك مخصوص بعبادة الأصنام.(هل مرادك أن الشرك مخصوص بهذا، وأن الاعتماد على الصالحين ودعاءهم لا يدخل في ذلك؟) فإذا قال: نعم، الشرك مخصوص بعبادة الأصنام.(فهذا يرده ما ذكره الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة، أو عيسى، أو الصالحين)
وهذا قد قدمناه بوضوح في أن أنواع الشرك عند أهل الجاهلية متنوعة، ليست
نوعاً واحداً، فمنها الأصنام وفيها أدلة في القرآن كثيرة، ومنها الأوثان
المصورة للأنبياء والأولياء وما شابه ذلك، ومنها الاعتقاد في الأحجار
والأشجار المصورة على صور الكواكب، وأشباه ذلك.
قال: (فهذا
يرده ما ذكره الله في كتابه من كفر من تعلق على الملائكة أو عيسى أو
الصالحين، فلابد أن يقرّ لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين،
فهو الشرك المذكور في القرآن، وهذا هو المطلوب) يعني: تقول لهذا الذي قال: الشرك مخصوص بعبادة الأصنام: هل عيسى -عليه السلام- أُشرك به، أم لا؟فإن قال: لا.
فقل: بل أشرك به؛ كما قال الله -جل وعلا- في القرآن: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} وكذلك كقوله تعالى: {اتَّخَذُوا
أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ
وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً
وَاحِداً} والآيات في هذا الباب كثيرة.
فإذاً: قل له:هل عيسى عُبِدَ - عليه السلام- واتخذ إلهاً أم لا؟
وإن قال: نعم، فهو المقصود - أيضاً - وعلى كل من الاحتمالين مع الجواب فإنه يرد هذا تخصيصه الشرك بعبادة الأصنام.
وهذه الكلمة: (الشرك عبادة الأصنام)
تراها في كثير من تفاسير المتأخرين، فقلَّ أن ترى تفسيراً من تفاسير
المتأخرين إلا وإذا ذكر الشرك بالله في القرآن وعبادة غير الله فسروها
بأنها عبادة الأصنام.
قال: (فلابد أن يقر لك أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك) لأنه إذاً يكون قوله: الشرك مخصوص بعبادة الأصنام، يكون غلطاً.
فتقول له: إذاً (لابد أن تقر أن من أشرك في عبادة الله أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن، وهذا هو المطلوب).
قال رحمه الله: (وسر المسألة أنه إذا قال: أنا لا أشرك بالله.فقل له: وما الشرك بالله؟ فسره لي؟فإن قال: هو عبادة الأصنام.فقل له: وما معنى عبادة الأصنام؟ فسرها لي.فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله وحده.فقل: ما معنى عبادة الله وحده؟ فسرها لي.فإن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب، فإن لم يعرفه فكيف يدعي شيئاً وهو لا يعرفه؟وإن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات الواضحة).
قل له:وما الشرك بالله؟
دائماً تسأله: ما هذا الذي نفيته؟
إن قال:هو عبادة الأصنام.
فقل:ما عبادة الأصنام؟
إن قال: أنا لا أعبد إلا الله؟
فقل: ما عبادة الله وحده؟
إن فسر ذلك-
هذه الحال الثالثة، وهذه خاصة بأهل العلم ومن يدلون الشبه من المنتسبين
إلى العلم وعلمهم غير نافع - إن فسر ذلك بغير معناه بينت له الآيات
الواضحات في معنى الشرك بالله، إن فسَّر الشرك بغير معناه الصحيح تذكر له
الآيات الواضحة في معنى الشرك، وأن الشرك يكون بأنواع؛ كما جاء في القرآن؛
وكما بينه الشيخ -رحمه الله- في (كتاب التوحيد).
أسئلة:
[جواب]: بالنسبة
للذين يكتبون وعليهم أخطاء، ننظر فيه -يعني: فيما يخص بحثنا اليوم- ننظر:
هل هو معادٍ للتوحيد؟ هل هو يحسِّن الشرك أو يهون من شأنه؟ فإن كان كذلك:
فلا كرامة، أو على الأقل نقول مثل ما يقول علماؤنا الأوائل، إذا واحد -
مثلاً - ما يعرفونه بتحقيق التوحيد، ولا بنصرة التوحيد، يقولون: ما نعرفه
بشيء، يسكتون عنه، لا يمدحون ولا يذمون، إذا ما حقق التوحيد ولا دعا إليه
في بلدٍ فيها الشرك بالله جل وعلا.
وكلمة
(منهجه غير إسلامي) لأن كلمة إسلامي هذه دخل فيها فئات كثيرة، دخل فيها
أصناف من الناس، منهم من هو قريب، ومنهم من هو متوسط، ومنهم من هو بعيد،
فهي كلمة لا تقال، يعني: منهجه غير إسلامي كلمة فيها سعة.
[جواب]: لا،
علماء المشركين لا تنتفع منهم بشيء؛ لأن الانتفاع منهم بشيء يجعل في القلب
شيئاً من التعاطف معهم، وهذا مخالف لما يجب من البراءة منهم، فمثل كتاب
أحمد زيني دحلان هذا في النحو ليس بشيء، وثَّم كتب كثيرة جداً بالمئات تغني
عنه.
كان
إذا أتى الناس إلى الحج جمعهم مفتي الشافعية، يجمع الجاوه مثلاً، ويجمع أهل
مصر، ويجمع أهل الشام، ويجمع أهل أفريقيا، ويجمع ويجمع، ويعطيهم نسخاً من
هذا الكتاب، ويقول: ظهر في جهتنا رجل يقال له كذا، أصحابه يقال لهم
الوهابية، هؤلاء خوارج وهؤلاء يدعون إلى كذا، إلى آخره.
قال
بعدها: وهذا الحديث وإن لم يعرف من خرجه، لكن شواهد الصحة تدل عليه، وما هو
بموجود إلا في كتابه ومن نقل عنه، فهؤلاء علماء مشركون حقيقة، يعني: حسنوا
الشرك، دافعوا عنه، ردوا على أهل التوحيد، طعنوا في الدعوة، وفي أئمة
الدعوة رحمهم الله تعالى، فماذا يبقى في حالهم؟ لا شك أنه أقل ما يجب
العداوة القوية والمفاصلة والبراء منهم، إذ هذا هو معنى قوله: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} إلى قوله: {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ}.
[سؤال]: إذا مات عالم يروج شبهة فما موقف أهل السنة والجماعة منه؟
[سؤال]: هناك
من العلماء من أخطأ في توحيد الأسماء والصفات، وقد أولوا بعض الصفات،
وهؤلاء العلماء لهم جهود كبيرة في خدمة هذا الدين والعلم والعلماء، فهل
نحكم عليهم حكمنا على أهل الشرك من العلماء؟
هذا تحقيق في مسألة ما أشيع أو كثر الكلام فيه، في مسألة الحسنات والسيئات، وفي ذكر الحسنات والسيئات.
فيكون تحقيق المقام أن هذا يختلف، فإذا
كان المقام مقام تقييم له فيذكر ما له وما عليه، وإذا كان المقام مقام رد
عليه فلا تذكر حسناته إذا كان في ذكرها إغراء بقبول ما قال ولو عند بعض
الجهلة؛ لأن هذا يحجز عن قبول الحق الذي يأتي به الراد.
[سؤال]: من
المعلوم أن العقيدة من الأمور التي لا يجوز فيها التقليد البتة، وهناك من
العلماء من أراد الوصول إلى الحق ولم يعرف بعدائه للتوحيد، ولكن لمعرفته
بأن العقيدة لابد فيها التحرير حصل ما كان مخالفاً للصواب، فهل نحمل ذلك
على التأويل وأنه كان متأولاً؟ أرجو البيان، علماً أن من أعداء الدعوة من
قصد الوصول إلى الحق، ولعل منهم من رجع وتاب، إلى آخره.
فالمقصود:أن
الرؤساء هؤلاء - رؤساء الضلال والكفر والشرك من الذين حسنوا الشرك ودعوا
إليه وأبطلوا التوحيد أو أبطلوا حجج أهل التوحيد ودعوا الناس لمعاداة أهل
التوحيد - هؤلاء طواغيت مشركون.
العناصر
الشبهة الثامنة: قولهم: الشرك: عبادة الأصنام، ونحن لا نعبد الأصنام
كشف الشبهة الثامنة
الجواب الأول
- سؤاله: ما معنى عبادة الأصنام؟
- عُبَّاد الأصنام لم يعتقدوا فيها أنها تخلق وترزق وتدبر أمر من دعاها
- عبادة الأصنام كانت بدعائها والذبح لها والاعتقاد فيها أنها تقرب إلى الله
- ما يفعله عباد الأصنام هو ما يفعله هؤلاء عند القبور والأضرحة
الجواب الثاني
- سؤاله: هل مرادك أن الشرك مخصوص بعبادة الأصنام؟
- الله تعالى كفر من تعلق بعيسى أو الملائكة أو الصالحين وهؤلاء ليسوا أصناماً
- من أشرك في عبادة الله تعالى أحداً من الصالحين فهو الشرك المذكور في القرآن
الجواب عن دعوى المشرك أنه لا يشرك بالله
- يطلب منه تفسير الشرك
- إن قال: الشرك عبادة الأصنام؛ يقال: ما معنى عبادة الأصنام؟
- يطلب منه بيان معنى عبادة الله وحده
ثلاث احتمالات لإجاباته
- إن فسرها بما بينه القرآن فهو المطلوب
- إن لم يعرفه فكيف يدعي شيئاً وهو لا يعرفه
- إن فسرها بغير الحق بين له تفسيرها بالدلائل الواضحة
الأسئلة
س2: ما هو الشرك؟
س3: ما هي العبادة؟
س4: إذا قال لك المشرك: (الشرك عبادة الأصنام، ونحن لا نعبد الأصنام) فكيف تجيبه؟
س5: إذا قال لك المشرك: (أنا لا أشرك بالله) فكيف تجيبه؟
س6: هل يمكن أن يشرك الإنسان وهو لا يعلم أنه من المشركين؟