28 Nov 2008
الدرس الثامن عشر: كشف الشبهة السابعة وهي زعمهم أن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:
أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً حاشَا وَكلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إِلى الصَّالِحينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا
كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظمَ مِن تَحْريمِ
الزِّنا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؛ فَمَا هذا الأَمْرُ الَّذِي
عَظَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ؟
فَإِنَّهُ لا يَدْرِي.
فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنْتَ لا تَعْرِفُهُ؟
كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْألُ عَنْهُ ولا تَعْرِفُهُ؟
أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ عز وجل يُحَرِّمُهُ هذا التحريمَ، وَلا يُبَيِّنُهُ لَنَا؟).
شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:
أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً حاشَا وَكلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إِلى الصَّالِحينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا
كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظمَ مِن تَحْريمِ
الزِّنا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؛ فَمَا هذا الأَمْرُ الَّذِي
عَظَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ؟
فَإِنَّهُ لا يَدْرِي.
فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنْتَ لا تَعْرِفُهُ؟
كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْألُ عَنْهُ ولا تَعْرِفُهُ؟
أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ عز وجل يُحَرِّمُهُ هذا التحريمَ، وَلا يُبَيِّنُهُ لَنَا؟(1)).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (فَإِنْ قَالَ: أَنَا لاَ أُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، حَاشَا وَكَلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إلى الصَّالِحِينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ) يَعْنِي: نَفَى عن نَفْسِهِ الشِّرْكَ.(فَقُلْ لَهُ) مُجِيبًا بالاسْتِفْصَالِ والتَّحَدِّي حَتَّى تَنْكَشِفَ شُبْهَتُهُ: (إِذَا كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظَمَ مِن تَحْرِيمِ الزِّنَا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُهُ) وهو لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَجْحَدَهُ (فَمَا هَذَا الأَمْرُ الَّذِي حَرَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ؟) يَعْنِي: فَسِّرْ لِي حَقِيقَةَ الشِّرْكِ باللهِ، يَعْنِي: وَمَا مَعْنَى عِبَادَةِ اللهِ (فَإِنَّهُ لاَ يَدْرِي) عَنِ الشِّرْكِ وَلاَ عَنِ التَّوْحِيدِ إِذَا طَلَبْتَ مِنْهُ بَيَانَ هَذَا وهَذَا وَقَفَ، فَأَيْنَ هَذَا مِن التَّوْحيدِ؟ (فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِن الشِّرْكِ وَأَنْتَ لاَ تَعْرِفُهُ؟)
فَإِنَّ الحُكْمَ عَلَى الشَّيْءِ نَفْيًا وَإِثْبَاتًا لاَبُدَّ أَنْ
يَكُونَ بَعْدَ العِلْمِ والتَّصَوُّرِ؛ فَلاَ عَرَفْتَ الشِّرْكَ حَتَّى
تَنْفِيَهُ، ولاَ عَرَفْتَ التَّوْحِيدَ حَتَّى تُثْبِتَهُ (كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْأَلُ عَنْهُ، وَلاَ تَعْرِفُهُ؟)
عَدَمُ مَعْرِفَتِكَ لَهُ وَعَدَمُ مُبَالاَتِكَ بِهِ يَدُلُّ عَلَى
أَنَّكَ لاَ تَعْرِفُ دِينَكَ، وَأَنَّكَ لَسْتَ مِن التَّدَيُّنِ في
شَيْءٍ، صَادٌّ غَافِلٌ مُعرِضٌ عَن الدِّينِ ومَعْرِفَتِهِ، فَحَقُّكَ
السُّكُوتُ، وَلأَيِّ شَيْءٍ تَتَكَلَّمُ (أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ يُحَرِّمُهُ ولاَ يُبَيِّنُهُ لَنَا) فَإِنْ ظَنَّ ذَلِكَ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً أَعْظَمَ مِن ضَلاَلِهِ الأَوَّلِ، وَأَضَافَ إِلَى ذَلِكَ كُفْرًا آخَرَ.
وَإِنَّمَا صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ؛ لأَِنَّهُ كَانَ فيه، وَغَمَرَهُ واسْتَحْكَمَ عَلَيْهِ، وَلاَ دَرَى أَنَّهُ في الشِّرْكِ؛ فَإِنَّ اللهَ قَدْ بَيَّنَ لَنَا الدَّقِيقَ والجَلِيلَ وَأَكْمَلَ لَنَا الدِّينَ.
شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:
أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً حاشَا وَكلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إِلى الصَّالِحينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا
كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظمَ مِن تَحْريمِ
الزِّنا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؛ فَمَا هذا الأَمْرُ الَّذِي
عَظَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ؟
فَإِنَّهُ لا يَدْرِي(1).
فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ(2) مِنَ الشِّرْكِ وَأَنْتَ لا تَعْرِفُهُ؟
كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْألُ عَنْهُ ولا تَعْرِفُهُ؟
أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ عز وجل يُحَرِّمُهُ هذا التحريمَ، وَلا يُبَيِّنُهُ لَنَا؟).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) إذا قالَ هذا المُشركُ: أنا لا أُشْرِكُ باللهِ شَيْئًا، والالْتِجَاءُ إلى الصَّالحينَ ليسَ بشركٍ.
فجوابُهُ: أن
يُقالَ لهُ: ألسْتَ تُقِرُّ أنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّركَ أَعْظَمَ مِنْ
تَحْريمِ الزِّنا؟ وأنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؟ فما هذا الشِّركُ؟
فإنَّهُ
سَوفَ لا يَدْرِي ولا يُجِيبُ بِالصَّوابِ ما دامَ يَعْتَقِدُ أنَّ طَلبَ
الشَّفاعةِ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ليسَ
بشركٍ؛ فهوَ دَليلٌ على أنَّهُ لا يَعْرِفُ الشِّركَ الَّذي عَظَّمَهُ
اللهُ تعالى، وقالَ فيهِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[ لُقْمَانُ: 13 ].
(2) قولُهُ: (فقُلْ لهُ: كيفَ تُبَرِّئُ نفسَكَ...) إلخ، يَعْنِي: إذا بَرَّأ نفسَهُ مِن الشِّركِ بِلُجُوئِهِ إلى الصَّالحينَ فجوابُهُ مِنْ وجهَيْنِ:
الأوَّلُ: أن يُقالَ: كيفَ تُبَرِّئُ نفسَكَ مِن الشِّركِ وأنتَ لا
وهل
الحُكْمُ على الشَّيءِ إلاَّ بعدَ تَصَوُّرِهِ؟ فحُكْمُكَ ببَراءةِ نفسِكَ
مِن الشِّركِ وأنتَ لا تَعْلَمُهُ حُكْمٌ بلا عِلمٍ؛ فيَكونُ مَرْدودًا.
الوجهُ الثَّاني:
أن يُقالَ: لماذا لا تَسْأَلُ عن الشِّركِ الَّذي حَرَّمَهُ اللهُ تعالى
أَعْظَمَ مِنْ تحريمِ قتْلِ النَّفْسِ والزِّنا، وأَوْجَبَ لفاعلِهِ
النَّارَ وحَرَّمَ عليهِ الجنَّةَ؟
أتَظُنُّ أنَّ اللهَ حرَّمَهُ على عِبادِهِ ولم يُبَيِّنْهُ لهمْ؟ حاشاهُ مِنْ ذلكَ.
شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:
أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً حاشَا وَكلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إِلى الصَّالِحينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا
كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظمَ مِن تَحْريمِ
الزِّنا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؛ فَمَا هذا الأَمْرُ الَّذِي
عَظَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ؟
فَإِنَّهُ لا يَدْرِي.
فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنْتَ لا تَعْرِفُهُ؟
كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْألُ عَنْهُ ولا تَعْرِفُهُ؟
أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ عز وجل يُحَرِّمُهُ هذا التحريمَ، وَلا يُبَيِّنُهُ لَنَا؟(1)).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1)
يُبَيِّنُ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- أَنَّ الشِّرْكَ لَيْسَ مَقْصُورًا
عَلَى عِبَادَةِ الأَصْنَامِ؛ لأَِنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ مِنْهُم
مَن يَعْبُدُ المَلاَئِكَةَ، والمَلاَئِكَةُ أَصْلَحُ الصَّالِحِينَ، كَمَا
قَالَ تَعَالَى: {بَلْ
عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ
يَعْمَلُونَ (27) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ
يَشْفَعُونَ إلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ
(28) وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ
جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ}.
ومنهم مَنْ يَعْبُدُ الصَّالِحِينَ،وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَئِكَ
الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ
أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}قِيلَ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ يَعْبُدُ عُزَيْرًا والمَسِيحَ مِن الأَنْبِيَاءِ.
وقِيلَ:
نَزَلَتْ في قَوْمٍ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ فَأَسْلَمَ الجِنُّ،
وَلَمْ يَعْلَمْ مَن يَعْبُدُهُم مِن الإِنْسِ أنَّهُم أَسْلَمُوا.
والمَقْصُودُ مِن ذَلِكَ أنَّ
اللهَ ذَكَرَ أنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ منهم مَن يَعْبُدُ
الأَصْنَامَ والأَشْجَارَ والأَحْجَارَ، ومنهم مَن يَعْبُدُ الأَنْبِيَاءَ
والصَّالِحِينَ، وسَوَّى بَيْنَهُم في الحُكْمِ، وحَكَمَ عَلَيْهِم
بالكُفْرِ والشِّرْكِ.
وأَنْتَ
أيُّها المُشَبِّهُ تُرِيدُ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ مَن عَبَدَ الأَصْنَامَ
ومَن عَبَدَ الصَّالِحِينَ، فَتُفَرِّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللهُ، وهَذَا
مِن المُحَادَّةِ للهِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى.
هَذَا وَجْهُ رَدِّ الشُّبْهَةِ،حَيْثُ
تَبَيَّنَ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ شِرْكِ الأَوَّلِينَ وشِرْكِ
هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الإِسْلاَمَ وهُمْ يَعْبُدُونَ القُبُورَ
والأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ؛ لأَِنَّهُم لاَ يَعْرِفُونَ مَعْنَى
العِبَادَةِ، ومَعْنَى الشِّرْكِ، فَصَارُوا يَخْلِطُونَ ويَهْرِفُونَ
بِمَا لاَ يَعْرِفُونَ، وهَذِه نَتِيجَةُ الجَهْلِ بعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ
الصَّحِيحَةِ، والجَهْلِ بِمَا يُضَادُّهَا مِن الشِّرْكِ، فإنَّ مَن لاَ
يَعْرِفِ الشَّيْءَ يَقَعْ فيه وهو لاَ يَدْرِي.
وَمِنْ هنا تَتَّضِحُ ضَرُورَةُ العِنَايَةِ بِدِرَاسَةِ العَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ ومَا يُضَادُّهَا.
شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:
أَنَا لا أُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئاً حاشَا وَكلاَّ، وَلَكِنَّ الالْتِجَاءَ إِلى الصَّالِحينَ لَيْسَ بِشِرْكٍ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا
كُنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الشِّرْكَ أَعْظمَ مِن تَحْريمِ
الزِّنا، وَتُقِرُّ أَنَّ اللهَ لا يَغْفِرُهُ؛ فَمَا هذا الأَمْرُ الَّذِي
عَظَّمَهُ اللهُ وَذَكَرَ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ؟
فَإِنَّهُ لا يَدْرِي.
فَقُلْ لَهُ: كَيْفَ تُبَرِّئُ نَفْسَكَ مِنَ الشِّرْكِ وَأَنْتَ لا تَعْرِفُهُ؟
كَيْفَ يُحَرِّمُ اللهُ عَلَيْكَ هَذَا، وَيَذْكُرُ أَنَّهُ لا يَغْفِرُهُ، وَلاَ تَسْألُ عَنْهُ ولا تَعْرِفُهُ؟
أَتَظُنُّ أَنَّ اللهَ عز وجل يُحَرِّمُهُ هذا التحريمَ، وَلا يُبَيِّنُهُ لَنَا؟).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: ( [قال: (فإن قال: أنا لا أشرك بالله شيئا حاشا وكلا، ولكن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك)] فهذا الكلام الذي سمعناه جواب على شبهة أدلى بها طائفة أخرى، وهذه الشُبه التي ذكرها الشيخ -رحمه الله- تجد فيها تكريراً؛ وذلك لأنه أورد ما أورده الناس من الشبه على التوحيد، وقد يكون ما قاله فلان يدخل بعضه فيما قاله الآخر؛ ولهذا ترى أن فيها نوع تكرير ونوع إعادة؛ لأن الشبه متداخلة.
وهذا يدل على أن القوم يتواردون على شُبهٍ أصلها واحد،فإذا أحكم طالب العلم المقدمات التي ذكرناها في أول هذا الشرح وجواب الشبه الثلاث التي هي أكبر ما عندهم، سهل عليه الجواب عن الشبه الأخرى، مهما اختلفت وتلونت.
وهذا الذي ذُكر هنا جواب الشبهة التي يمكن أن تُعنْون بقولهم:الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك، وأن الشرك مخصوص بعبادة الأصنام.
وفي الحقيقة أن
الذين عبدوا غير الله -جل وعلا- لا يعرفون معنى الشرك، كجهلهم بعلوم
الشريعة وبأصول الدين، فإنهم لا يعرفون معنى العبادة ولا يعلمون معنى
الشرك، ولا يعلمون معنى التوحيد؛ لهذا قد ينكرون شيئاً وهم واقعون فيه.
وقد
ذكر الشوكاني -رحمه الله- في رسالته (الدر النضيد): أن عباد القبور عندهم
تغيير للأسماء، فيسمونها بغير اسمها، فيسمون الشرك توسلاً، ويسمون طلب
الشفاعة من الأولياء توسلاً، ويسمون إنزال الحاجات بالأولياء والأنبياء
التجاءً إلى الصالحين؛ لأنهم عند الله -جل وعلا- لهم المقامات العالية
وأشباه ذلك.
قال الشوكاني: (وهذا لا يغير من الحقائق شيئاً، إذ العبرة بالحقائق لا بالأسماء، العبرة بالمسميات لا بالأسماء) فلو سميت الخمر ماء -هذه تتمة من عندي- فلو سميت الخمر ماءً فإنها خمر، ولو سمي سرقة الأموال هدايا فإنه سرقة، فالأسماء لا تغير في الأحكام الشرعية، إذ الأحكام مرتبطة بحقائق الأمور، فإذا وجدت حقيقة الأمر الذي حرمه الشرع، أو أمر به الشرع، فإنه هو المقصود بالتحريم، وهو المقصود بالأمر، وإن اختلفت الأسماء، إذ لا عبرة باختلاف الأسماء.
هنا تفريعاً على ذلك،قال الإمام رحمه الله تعالى ورفع درجته في الجنة: (فإن قال - يعني: المدلي بالشبهة - أنا لا أشرك بالله شيئاً، حاشا وكلا) وهذا صنيع كل من يعبد غير الله، يعبد الأولياء والأنبياء ويتقرب إليهم، أو يتقرب إلى المشاهد، أو إلى الجن، أو إلى ما شابه ذلك من أنواع المعبودات من دون الله، كلهم يقولون: نحن لا نشرك؛ إذ لا أحد يقر على نفسه بالشرك والكفر.
قال: (فإن قال - يعني: بعد ما ذكرنا من مسألة الشفاعة أو من أدلى بهذه الشبهة - أنا لا أشرك بالله شيئاً حاشا وكلا) يعني: أنا لست من المشركين، وعندي إباء أن أكون من أهل الشرك، أو أن أفعل الشرك، فحاشا وكلا أن أشرك بالله شيئاً، لِمَ؟
قال: (لأن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك).
إذاً: رجع أمر هذه الطائفة إلى أنهم يتبرؤون من شيء يفعلونه،وإذا كان هذا المُتبَرأُ منه من أصول الدين، من التوحيد، فإن فعله يدل على أنهم لم يعلموا معنى الشرك ومعنى التوحيد، فلا بد لهم إذاً من إقامة الحجة؛ لأنه ينفي عن نفسه أن يكون من المشركين، ويكره الشرك، ويكره الكفر، لكنه واقع فيه، فلابد من البيان له والتعليم وإقامة الحجة عليه في أن ما يفعله داخل فيما نفاه عن نفسه.
قال رحمه الله: (فقل له) هذا ابتداء جواب الشبهة.(إذا كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من الزنى، وتقرُّ أن الله لا يغفره) إلى آخر الكلام.
هذا الجواب للشبهة مبني على مراتب:
الأولى: هذه المرتبة التي سمعت، وهي: أن يطلب منه تفسير الشرك، ما هو هذا الشرك الذي لا يغفره الله وأنت تنفيه عن نفسك؟ هات معنى الشرك.
المرتبة الثانية: أن يفسِّر الشرك بعبادة الأصنام، فيُسأل ما معنى عبادة الأصنام؟
الثالثة: هل الشرك مخصوص بعبادة الأصنام، أم لا؟
فهذه
ثلاث مراتب لجواب هذا الإشكال، فمن قال: إن التوسل بالصالحين ليس بشرك،
يعني التوسل الشركي الذي يفعله عباد القبور والخرافيون، ويعدونه توسلاً،
وهو دعاء غير الله -جل وعلا- وطلب الشفاعة من الأموات، هذا مبني على هذه
الثلاث مراتب، فنأتيها واحدة واحدة.
فالأولى: قال الشيخ رحمه الله: (إذا
كنت تقر أن الله حرم الشرك أعظم من الزنى، وتقر أن الله لا يغفره، فما هذا
الأمر الذي عظمه الله وذكر أنه لا يغفره؟ فإنه لا يدري) هذا تنزيل
لطائفة، إذا قلت له: ما هذا الشرك الذي حرمه الله وعظمه، وبين أنه لا
يغفره، وأنه أعظم من الزنى ومن شرب الخمر، ومن إتيان المحارم، إلى غير
ذلك؟.
فطائفة منهم يقولون:لا ندري، ما هذا الشرك؟ لا نعلم ما هذا الشرك!
فإذاً: هذه الطائفة يقال لها: (كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟) إذا كنت لا تعرف حقيقة الشرك، فكيف تقول: أنا لا أشرك بالله شيئاً؟
ومعلوم أن المشركين الذين
بعث فيهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينفون عن أنفسهم الكفر، وينفون
عن أنفسهم الشرك بالله جل وعلا؛ لأن هذا الشريك الذي دعوه مع الله -جل
وعلا- هو لله جل وعلا، فنفوا أن يكونوا مشركين على الحقيقة، مثل ما قال
قائلهم وهو يلبي: (إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك).
فإذا كان الشريك لله، فإن سؤاله لا يعد سؤالاً لأحد غير الله جل وعلا، مثل اعتقاد النصارى، والاعتقاد في الملائكة، أي: أنها بنات الله، وكذلك الاعتقاد في الأصنام والأوثان.
فهم إذاً لا أحد يقرّ على نفسه بأنه مشرك مطلقاً،
إذ يلزم من ذلك أن الشرك المطلق يعني أنه يقر بأن ثمة مصرفاً للأمور غير
الرب جل وعلا؛ والمشركون مقرّون بأن المصرف للأمور هو الله -جل وعلا- وحده،
إذ يلزم لازماً عقلياً واضحاً وأيضاً شرعياً؛ أن من اعتقد بأن مع الله
إلهاً آخر يلزمه أن يعتقد أنه رب، وأنه يعطي ويمنع، وأنه هو الذي يدبر
الأمر، وهو الذي يسخر السحاب وينزل المطر.
ولهذا تجد أن في القرآن كثيراً ما يُحتج على المشركين بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية،
فهم
خروجاً من هذا الإلزام، قالوا: إن هذه الآلهة لله -جل وعلا- فهو يملكها وهي
تحت تصرفه، وهم ينقلون ما يحتاجه خلقه إلى الله جل وعلا، مثل ما فعل غلاة
المتصوفة، حيث قالوا: إن العالم له أقطاب أربعة، فوض الله إليهم رفع حاجات
أهل الأرض، فالقطب الفلاني في مصر، والقطب الثاني في الهند، والقطب الثالث
في الشمال، والقطب الرابع في الجنوب، يعني: أن هؤلاء فوض الله إليهم أمر
رفع الحاجات.
فنخلص من ذلك: أن
من وقع في الشرك فإنه قد يقول: أنا لم أقع في الشرك، وحاشاي أن أشرك، فإذا
طلب منه تفسير الشرك لم يعرف تفسيره، وهذه مرتبة العوام، فهؤلاء جوابهم أن
يقال: كيف تبرئ نفسك من شيء وأنت لا تعرفه؟ (كيف تبرئ نفسك من الشرك وأنت لا تعرفه؟ كيف يحرم الله عليك هذا ويذكر أنه لا يغفره ولا تسأل عنه ولا تعرفه؟).
لا شك
أن هذا يدل على عدم رغبة في الخير، بل يدل على عدم معرفة وعلم بما خلق
الله -جل وعلا- العباد له، فإنه إذا علم أن الشرك محرم، وأنه لا يغفره
الله، وأن أهله مخلدون في النار إن لم يتوبوا، فكيف يقول: أنا لا أعرف هذا
الشرك؟
فهذا إعراض عن الدين؛ كما قال الله جل وعلا: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ}
فإذاً:كيف لا تسأل عنه؟ كيف لا تتعرفه؟ (أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟) وهذا في الحقيقة جواب يصلح للعوام؛ لأن العامي لا يصلح له ما يصلح لمن يجادل ببعض الشبه العلمية.
فهذا يقول:أنا لا أشرك، فتسأله عن الشرك، فيقول:أنا لا أعرفه.
فيقال له:كيف تنفي عن نفسك شيئاً وأنت لا تعرفه؟.
فهذا يكفي في جواب هذا العامي أن يجعلك معلماً له،
وكما ذكرنا لك في السابق: إذا استطعت في مجادلة عوام المشركين، في أن
تجعلهم في مرتبة أدنى منك، فتكون معلماً بحسن عبارة، في أن تجره إلى أن
يعترف على نفسه بالجهل، ثم تنتقل من مناظر إلى معلم، فهذا من أعظم الوسائل
للإقناع ولإحداث الخير وإقامة الحجة وبيان المحجة.
فلا يُنزل العامي منزلة العالم،لا
ينزل من هو خال من الحجة أصلاً، جاهل، منزلة من هو عنده شبه، فإذا عاملت
هذا معاملة هذا فإنك تخسر، بل ينبغي أن تسلك ما ذكره الشيخ -رحمه الله- هنا
في أن تطلب منه تفسير الشيء، فإذا كان عنده علم ناقِشه برد تفسيره، وإذا
لم يكن عنده علم؛ فتقول له: كيف تكون على هذه الحال، تنفي عن نفسك شيئاً
وأنت واقع فيه، وأنت جاهل بمعناه؟
فإذاً:تنتقل معه إلى التعليم، لهذا تقول له كما قال الشيخ رحمه الله: (أتظن أن الله يحرمه ولا يبينه لنا؟)
فلا
شك أنه سيقول: لا، بل إن الله إذا حرم علينا هذا فهو سيبينه لنا، فتبدأ معه
في بيان التوحيد، ومعنى (لا إله إلا الله) والشرك، والكفر بالطاغوت،
والعبادة، إلى غير ذلك.
العناصر
الشبهة السابعة: زعمهم أن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك
كشف الشبهة السابعة
- الله تعالى حرم الشرك أعظم من تحريم الزنا
- الله تعالى لا يغفر أن يشرك به
- سؤال المشبه عن الشرك: ما هو؟
- كيف يبرئ نفسه من الشرك وهو لا يعرفه؟
- أهمية معرفة الشرك
- الله تعالى قد بين الشرك أتم بيان
- بيان أن الالتجاء إلى الصالحين شرك
الأسئلة
س1: كيف تثبت بطلان زعم من زعَم أن الالتجاء إلى الصالحين ليس بشرك؟