الدروس
course cover
الدرس السابع عشر: كشف الشبهة السادسة: وهي قولهم: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة ونحن نطلبه مما أعطاه الله
30 Oct 2008
30 Oct 2008

6043

0

0

course cover
كشف الشبهات

القسم الثالث

الدرس السابع عشر: كشف الشبهة السادسة: وهي قولهم: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة ونحن نطلبه مما أعطاه الله
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

6043

0

0


0

0

0

0

0

الدرس السابع عشر: كشف الشبهة السادسة: وهي قولهم: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة ونحن نطلبه مما أعطاه الله

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ؟
فَالْجَوابُ:
أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ وَنَهَاكَ أنْ تَدْعُوَ مَعَهُ أحَدَاً، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن: 18]، وطلبُكَ من اللهِ شَفَاعَةَ نبيهِ عَبَادَةٌ، وَاللهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ فِي هَذِهِ العِبَادَةِ أحَدَاً، فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يُشفِّعَهُ فِيْكَ فَأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}.
وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيها غَيْرُ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ أَنَّ المَلائِكَةَ يَشْفَعُونَ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ، وَالأَوْلياءَ يَشْفَعُونَ، أتَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْطاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُها مِنْهُمْ؟
فَإِنْ قُلْتَ هَذا وجَوَّزْتَ دعاء هؤلاء رَجَعْتَ إِلى عِبَادةِ الصَّالِحينَ الَّتِي ذَكَرها اللهُ في كِتابِهِ.
وَإِنْ قُلْتَ: لاَ، بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ).

عبد العزيز بن داخل المطيري

#2

8 Nov 2008

العناصر

بيان الشبهة السادسة: وهي قول المشبه: النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله تعالى
كشف الشبهة السادسة
- الله تعالى أعطى نبيه الشفاعة
- الله تعالى نهى أن يدعى غيره
- الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم
- الشفاعة تطلب ممن أعطاها لا ممن أعطيها
- طلب الشفاعة من الصالحين عبادة لهم
- أسعد الناس بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أهل الإخلاص والتوحيد

هيئة الإشراف

#3

28 Nov 2008

شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ؟(1)
فَالْجَوابُ:
أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ وَنَهَاكَ أنْ تَدْعُوَ مَعَهُ أحَدَاً، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن: 18]
(2)، وطلبُكَ من اللهِ شَفَاعَةَ نبيهِ عَبَادَةٌ، وَاللهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ فِي هَذِهِ العِبَادَةِ أحَدَاً، فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يُشفِّعَهُ فِيْكَ فَأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}.
وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيها غَيْرُ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ أَنَّ المَلائِكَةَ يَشْفَعُونَ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ
(3)، وَالأَوْلياءَ يَشْفَعُونَ، أتَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْطاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُها مِنْهُمْ؟(4) فَإِنْ قُلْتَ هَذا وجَوَّزْتَ دعاء هؤلاء رَجَعْتَ إِلى عِبَادةِ الصَّالِحينَ الَّتِي ذَكَرها اللهُ في كِتابِهِ.
وَإِنْ قُلْتَ: لاَ، بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ
(5)).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ( (1) (فَإِنْ قَالَ) المُشَبِّهُ: (النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ) إِن انْتَقَلَ لِهَذِه الشُّبْهَةِ -في زَعْمِهِ: أَنَّه كَمَا أَنَّ مَن أُعْطِيَ المَالَ يُعْطِي مَنْ شَاءَ فَكَذَلِكَ مَن أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ.
(2) (فالجَوَابُ) نَعَمْ (أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ) وهو سَيِّدُ الشُّفَعَاءِ لَكِنَّ الذِي أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ هو اللهُ (ونَهَاكَ عن هَذَا) نَهَاكَ أَنْ تَطْلُبَهَا مِنْهُ فَهَذَا مِن جَهْلِهِ يَطْلُبُ شَيْئًا مَنْهِيًّا عَنْهُ، مَعَ أَنَّ إِعْطَاءَهُ الشَّفَاعَةَ إِعْطَاءٌ مُقَيَّدٌ لاَ مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّ إِعْطَاءَهُ المَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يُعْطِيهِ مَن شَاءَ إِنَّما يُعْطِيهِ مَن أُمِرَ أَنْ يُعْطِيَهُ فَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا} فَهَذَا نَهْيٌ عَنْ دَعْوَةِ غَيْرِ اللهِ.

وَدَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ أَنْوَاعٌ:
- مِنْهَا: دَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ فِيمَا يَرْجُونَه مِن شَفَاعَتِهِم.

- وَمِنْهَا:دَعْوَةُ غَيْرِ اللهِ لكَشْفِ الكُرُبَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ وَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ، بَلْ هو حَقِيقَةُ دِينِ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ، إِنَّمَا كَانَتْ عِبَادَتُهُم آلِهَتَهُم بالدُّعَاءِ وَطَلَبِ الشَّفَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ (فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ) الظَّاهِرُ أنَّ مُرَادَهُ تَرْجُو اللهَ (أَنْ يُشَفِّعَ نَبِيَّهُ فِيكَ فأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ اللهِ أَحَدًا}) إِذَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ تَكُونَ أَهْلاً لِشَفَاعَةِ سَيِّدِ الشُّفَعَاءِ فَوَحِّدِ اللهَ، وأَخْلِصْ لَهُ العَمَلَ تَنَلْ شَفَاعَةَ المُصْطَفَى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ الَّتِي هي حَقٌّ وَأُعْطِيَهَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَشْرُوطَةٌ بِشُرُوطٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وبَيَّنَتِ الشَّرِيعَةُ أَنَّ سَبَبَ نَيْلِهَا اتِّبَاعُ الرُّسُلِ وإِخْلاَصُ العَمَلِ، فَبِذَلِكَ يَكُونُ مِن أَهْلِ الشَّفَاعَةِ فالمُشْرِكُونَ ضَيَّعُوا سَبَبَ الشَّفَاعَةِ وضَادُّوهُ وخَالَفُوهُ.
الشَّرِيعَةُ بَيَّنَتْ أَنَّ سَبَبَ إِعْطَائِهِ إِيَّاهَا غَيْرُ طَلَبِهَا مِنْهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّمَا سَبَبُهَا الإِيمَانُ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالإِيمَانُ بِمَا جَاءَ بِهِ؛ قَالَ تَعَالَى:{فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ} وَمَا لاَ يَعْلَمُهُ اللَّه فَهُو بَاطِلٌ؛ يَعْنِي: لاَ يَعْلَمُ أَنَّ مِن دُونِهِ شُفَعَاءَ.

وَسُئِلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ؟ فَقَالَ: ((مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ)) وَقَالَ: ((فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا)).
فالشَّفَاعَةُ للعُصَاةِ، أَمَّا المُشْرِكُونَ فَلاَ شَفَاعَةَ لَهُم.

(3) (وَأَيْضًا فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيَهَا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) هَذَا جَوَابٌ ثَانٍ لِكَشْفِ الشَّبْهَةِ السَّابِقَةِ، تَقَدَّمَ الأَوَّلُ، وهو كَافٍ في كَشْفِ شُبْهَتِهِ، وَهَذَا الثَّانِي (فَصَحَّ أَنَّ المَلاَئِكَةَ يَشْفَعُونَ والأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ) فجِنْسُ الشَّفَاعَةِ أُعْطِيَهَا غَيْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَكِنَّ هَذَا الإِعْطَاءَ مُقَيَّدٌ.

(4) (أَتَقُولُ إِنَّ اللهَ أَعْطَاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُهَا مِنْهُم) يَعْنِي مُقْتَضَى قَوْلِهِ: النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهَا مِنْهُ، يُدَلِّلُ عَلَى ذَلِكَ (فَإِنْ قُلْتَ هَذَا رَجَعْتَ إِلَى عِبَادَةِ الصَّالِحِينَ الَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ فِي كِتَابِهِ) فَإِنَّها لَيْسَتْ أَكْثَرَ مِن طَلَبِهِم منهم الشَّفَاعَةَ، والذَّبْحِ لَهُم لِقَصْدِ تَقْرِيبِهِم إِلَى اللهِ، وطَلَبِ شَفَاعَتِهِم، لاَ غَيْرُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} الآيةَ.

(5) (وَإِنْ قُلْتَ لاَ) أَطْلُبُهَا منهم وَلَوْ أُعْطُوهَا (بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطَاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ) وَاتَّضَحَ لَكَ أَنَّ كَوْنَ شَخْصٍ أُعْطِيَهَا لاَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُعْطِيهَا مَن سَأَلَهَا.

وَلَلَزِمَ مِن ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَن طَلَبَ الشَّفَاعَةَ يُعْطِي إِيَّاهَا مَن سَأَلَهُ، ولَفَسَدَتِ الشَّرَائِعُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ إْعَطَاءَهُ الشَّفَاعَةَ مُقَيَّدٌ، ولَيْسَ دَالاًّ عَلَى أَنَّهَا تُطْلَبُ مِنْهُ، وَلَوْ كَانَتْ تُطْلَبُ منه لَكَانَ الصَّحَابَةُ أَوَّلَ مَن يَطْلُبُهَا مِنْهُ؛ بل أَنْكَرَ زَيْنُ العَابِدِينَ عَلَى مَن أَتَى إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَدْخُلُ فيها فَيَدْعُو.

وَحِينَئذٍ انْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ، وانْدَحَضَتْ حُجَّتُهُ، وتَبَيَّنَ لَكَ بِذَلِكَ جَهْلُهُ وضَلاَلُهُ.

هيئة الإشراف

#4

28 Nov 2008

شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ(1):

النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ؟
فَالْجَوابُ:
أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ وَنَهَاكَ أنْ تَدْعُوَ مَعَهُ أحَدَاً، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن: 18]، وطلبُكَ من اللهِ شَفَاعَةَ نبيهِ عَبَادَةٌ، وَاللهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ فِي هَذِهِ العِبَادَةِ أحَدَاً، فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يُشفِّعَهُ فِيْكَ فَأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}.
وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيها غَيْرُ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ أَنَّ المَلائِكَةَ يَشْفَعُونَ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ
(2)، وَالأَوْلياءَ يَشْفَعُونَ(3)، أتَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْطاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُها مِنْهُمْ؟
فَإِنْ قُلْتَ هَذا وجَوَّزْتَ دعاء هؤلاء رَجَعْتَ إِلى عِبَادةِ الصَّالِحينَ الَّتِي ذَكَرها اللهُ في كِتابِهِ.
وَإِنْ قُلْتَ: لاَ، بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ( (1) قولُهُ: (فإنْ قالَ) أي: المشركُ الَّذي يَدْعو رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللهَ أَعْطَى مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الشَّفاعةَ، فأنا أَطْلُبُها منهُ.

فالجوابُ: مِنْ ثلاثةِ أَوْجُهٍ:
الأوَّلُ: أنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفاعةَ ونَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ بهِ في دُعائِهِ، فقالَ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}.
الثَّاني: أنَّ اللهَ سُبحانَهُ وتعالى أَعْطَاهُ الشَّفاعةَ، ولكنَّهُ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَشْفَعُ إلاَّ بإذنِ اللهِ، ولا يَشْفَعُ إلاَّ لِمَن ارْتَضاهُ اللهُ، ومَنْ كانَ مُشركًا فإنَّ اللهَ لا يَرْتَضِيهِ، فلا يَأْذَنُ أنْ يَشْفَعَ لهُ، كما قالَ تعالى: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياءُ: 28].
الثَّالثُ: أنَّ اللهَ تعالى أَعْطَى الشَّفاعةَ غيرَ محمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فالملائكةُ يَشْفَعونَ، والأفْراطُ يَشْفَعونَ، والأوْلِياءُ يشْفَعونَ.
فقُلْ لهُ: هلْ تَطْلُبُ الشَّفاعةَ مِنْ كلِّ هؤلاءِ؟ فإنْ قالَ: لا، فقدْ خُصِمَ وبَطَلَ قولُهُ.
وإنْ قالَ: نَعَمْ، رَجَعَ إلى القولِ بعبادةِ الصالحين.
ثمَّ إنَّ هذا المشركَ المُشَبِّهَ ليسَ يُرِيدُ مِنْ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أنْ يَشْفَعَ لهُ، ولوْ كانَ يُرِيدُ ذلكَ لقالَ: اللَّهمَّ شَفِّعْ فِيَّ نَبيَّكَ مُحمَّدًا رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ ولكنَّهُ يَدْعو الرَّسولَ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُباشَرةً، ودُعاءُ غيرِ اللهِ شركٌ أَكْبَرُ مُخْرِجٌ مِن الْمِلَّةِ، فكيفَ يُرِيدُ هذا الرَّجلُ الَّذي يَدْعو معَ اللهِ غيرَهُ أنْ يَشْفَعَ لهُ أحدٌ عندَ اللهِ سُبحانَهُ وتعالى؟!

(2) وقولُهُ: (وَالأَفْرَاطُ يَشْفَعونَ) الأفراطُ: هم الَّذينَ ماتُوا قبلَ البُلوغِ، وسَنَدُهُ حديثُ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لاَ يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلاَثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَيَلِجُ النَّارَ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ)) أَخْرَجَهُ البُخَارِيُّ، ولهُ عنهُ وعنْ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ حديثٍ آخَرَ: ((لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ))(1).

(3) وقالَ المؤلِّفُ: (إنَّ الملائكةَ يَشْفَعونَ، والأولياءَ يَشْفَعونَ)، سَنَدُهُ(2) حديثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، الَّذي رَوَاهُ مُسْلِمٌ(3) مُطَوَّلاً، وفيهِ: ((فيَقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: شَفَعَتِ الْمَلاَئِكَةُ، وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ، وَشَفَعَ المُؤْمِنُونَ)) الحديثَ.


حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرويٌ في (صحيح مسلم) أيضاً فهو من المتفق عليه، ومثله أيضاً حديثه الآخر مع أبي سعيد رضي الله عنه مخرجٌ في (الصحيحين).

لكن هذه الجملة (لم يبلغوا الحنث) هي في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وحده دون أبي سعيد الخدري. والمعنى:أن من مات له ثلاثة من الولد ممن لم يبلغوا وكان مسلماً فقد أعيذ من النار، إلا الورود عليها فإنه يرد عليها انفاذاً لقسم الرب عز وجل: {وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}. وقيل:إن معنى قوله: (تحلة القسم) الشيء اليسير الذي لا يكاد يذكر، وهو أسلوب تعرفه العرب في لغتها ولا يلزم منه وجود القسم أصلاً، كما قال كعب بن زهير يصف سرعة ناقته:

تجري على يسرات وهي لاحقة ... ذوابل سهـم الأرض  تحليـل

أي أنها من سرعة عدوها لا تكاد تمس الأرض إلا بقدر تحلة القسم، مع أنه لم يجر ذكر القسم، ويؤيد هذا المعنى أن الآية ليس فيها قسم.
(2) أي: مستنده الذي دل عليه.
(3) وهو عند البخاري أيضاً بلفظ: ((فيشفع النبيون والملائكة والمؤمنون)).

هيئة الإشراف

#5

28 Nov 2008

شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان 

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ؟
فَالْجَوابُ:
أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ وَنَهَاكَ أنْ تَدْعُوَ مَعَهُ أحَدَاً، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن: 18]، وطلبُكَ من اللهِ شَفَاعَةَ نبيهِ عَبَادَةٌ، وَاللهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ فِي هَذِهِ العِبَادَةِ أحَدَاً، فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يُشفِّعَهُ فِيْكَ فَأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}.
وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيها غَيْرُ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ أَنَّ المَلائِكَةَ يَشْفَعُونَ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ، وَالأَوْلياءَ يَشْفَعُونَ، أتَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْطاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُها مِنْهُمْ؟
فَإِنْ قُلْتَ هَذا وجَوَّزْتَ دعاء هؤلاء رَجَعْتَ إِلى عِبَادةِ الصَّالِحينَ الَّتِي ذَكَرها اللهُ في كِتابِهِ.
وَإِنْ قُلْتَ: لاَ، بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ
(1)).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) أي: لَيْسَ مِن لاَزِمِ إِعْطَاءِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- وغَيرِه الشَّفَاعَةَ جَوَازُ طَلَبِهَا مِنْهُم، وهُمْ أَمْوَاتٌ، بِدَلِيلِ: أَنَّ اللهَ -سُبْحَانَه وتَعَالَى- نَفَى أَنْ يَشْفَعَ أَحَدٌ عِنْدَه إلاَّ بإذْنِهِ ورِضَاهُ عن المَشْفُوعِ فيه، ولأَِنَّ طَلَبَ الشَّفَاعَةِ مِن الأَمْوَاتِ شِرْكٌ، واللهُ قَدْ حَرَّمَ الشِّرْكَ وأَحْبَطَ عَمَلَ صَاحِبِه، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الجَنَّةَ، وقَدْ أَنْكَرَ -سُبْحَانَهُ- عَلَى الَّذِينَ يَدْعُونَ غَيْرَه، ويَقُولُونَ: هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ، ونَزَّهَ نَفْسَهُ عن ذلك وسَمَّاهُ شِرْكًا.

وأَيْضًا إِعْطَاءُ اللهِ الشَّفَاعَةَ لَيْسَ خَاصًّا بالنَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- فهل كُلُّ مَن أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ تُطْلَبُ منه مِن دونِ اللهِ، كَمَا كَانَ المُشْرِكُونَ الأَوَّلُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟!{وَيَقُولُونَ هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله}.

هيئة الإشراف

#6

28 Nov 2008

شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ؟
فَالْجَوابُ:
أَنَّ اللهَ أَعْطَاهُ الشَّفَاعَةَ وَنَهَاكَ أنْ تَدْعُوَ مَعَهُ أحَدَاً، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}[الجن: 18]، وطلبُكَ من اللهِ شَفَاعَةَ نبيهِ عَبَادَةٌ، وَاللهُ نَهَاكَ أنْ تُشْرِكَ فِي هَذِهِ العِبَادَةِ أحَدَاً، فَإِذَا كُنْتَ تَدْعُو اللهَ أَنْ يُشفِّعَهُ فِيْكَ فَأَطِعْهُ في قَوْلِهِ: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً}.
وَأَيْضاً فَإِنَّ الشَّفَاعَةَ أُعْطِيها غَيْرُ النَّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَصَحَّ أَنَّ المَلائِكَةَ يَشْفَعُونَ، وَالأَفْرَاطَ يَشْفَعُونَ، وَالأَوْلياءَ يَشْفَعُونَ، أتَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْطاهُمُ الشَّفَاعَةَ فَأَطْلُبُها مِنْهُمْ؟
فَإِنْ قُلْتَ هَذا وجَوَّزْتَ دعاء هؤلاء رَجَعْتَ إِلى عِبَادةِ الصَّالِحينَ الَّتِي ذَكَرها اللهُ في كِتابِهِ.
وَإِنْ قُلْتَ: لاَ، بَطَلَ قَوْلُكَ: أَعْطاهُ اللهُ الشَّفَاعَةَ وَأَنَا أَطْلُبُهُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: ( قال: (فإن قال: النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله، فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا - يعني: نهاك عن طلب الشفاعة - فقال سبحانه: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}) وهذا دليل وبرهان سديد للغاية.

كما ذكرت لك أن الشفاعة طلب، والشفاعة هي الدعاء، فإذا طلب أحد من النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو في البرزخ - مع حياته الكاملة عليه الصلاة والسلام، أكمل من حياة الشهداء، عليه الصلاة والسلام - إذا طلب منه أن يشفع فهذا الطالب سأله، والسؤال دعاء، فحقيقة طلب الشفاعة أنها دعوة الميت، سؤال الميت، سؤال النبي -عليه الصلاة والسلام- في قبره وهو في الرفيق الأعلى عليه الصلاة والسلام، سؤاله ودعاؤه والطلب منه، فإذا قال القائل: يا محمد يا رسول الله اشفع لي، فقد دعاه وطلب منه.
إذا قال:يا محمد يا رسول الله اسأل الله لي، فقد سأله وطلب منه عليه الصلاة السلام، وهذا طلبٌ للدعاء ممن ليس في الحياة الدنيا - ممن هو عند الله جل وعلا - والله سبحانه نهانا أن ندعو أحداً غيره؛ فقال جل وعلا: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.
وقوله: {فَلا تَدْعُوا} هذا نهي، نهانا عن الدعاء، ومن المعلوم المتقرر في الأصول أن الفعل المضارع لاشتماله على مصدر، ينزل منزلة النكرة في سياق النهي أو النفي، فتعم أنواع الدعاء.
{فَلا تَدْعُوا} هذا يعم جميع أنواع الدعاء، لا يدعى مع الله أحد، دعاء استغاثة، دعاء استعانة، دعاء استسقاء، دعاء شفاعة، دعاء نذر، إلى آخره، فجميع هذه الأنواع داخلة في النهي، في قوله جل وعلا: {فَلا تَدْعُوا} دعاء العبادة ودعاء المسألة.

وكذلك دلت الآية على عموم آخر، وهو قوله جل وعلا: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} لأن {أَحَداً} نكرة جاءت في سياق النهي فدلت على عموم كل أحد، فالملائكة لا يُدعون والأنبياء والرسل -عليهم صلوات الله وسلامه- لا يدعون، وكذلك الصالحون ممن انتقلوا عن الدنيا لا يدعون، والأولياء من الأموات لا يدعون، والشهداء - شهداء المعركة - لا يدعون أيضاً.
وكما ذكرت لكم في درسٍ سبق، أن الصحابة أجمعوا في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي -صلى الله عليه وسلم- مقرهم على ذلك، بل والتشريع ينزل، أن أحداً منهم لم يسأل الشهداء - شهداء أحد - الشفاعة، ولم يطلب منهم شيئاً، مع أنهم كانوا في حياةِ أولئك الشهداء ربما طلبوا منهم، لكن لما ماتوا تركوا الطلب، مع أنهم كما قال الله جل وعلا: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ} الآية.


فدل هذا على أن طلب الشفاعة من الميت داخل في سؤال الميت وفي دعاء الميت، وهذا كما قال الشيخ رحمه الله: (فإن قال: النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله)

فقل: نعم النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة في عرصات القيامة بأنواع من الشفاعة، لكن الذي أعطاه الشفاعة في عرصات القيامة هو الذي نهاك عن طلب الشفاعة وأنت في الحياة الدنيا، وهو في البرزخ.
فالجواب كما ذكر الشيخ: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا.
ما الدليل على النهي؟
قال: (فقال تعالى: {فَلا تَدْعُوا معَ اللَّهِ أَحَداً}) ووجه دخول طلب الشفاعة في الدعاء، ما ذكرته لك، وما هو واضح تقريره.
قال: (فإذا كنت تدعو الله أن يشفع نبيه فيك) إذا كنت تريد أن يشفع فيك المصطفى صلى الله عليه وسلم.(فأطعِ الله في قوله: {فَلا تَدْعُوا معَ اللَّهِ أَحَداً}) يعني: فلا تسألوا مع الله أحداً.
وقوله: {مَعَ اللَّهِ} فيه إشارة إلى سؤال من لا يملك الشيء ومن لا يقدر عليه، وأن من سأل غير الله وهذا الغير لا يملك الشيء فقد دعا مع الله أحداً، وهذا ظاهر من جهة الاستدلال ومن جهة البرهان الواضح القوي.
قال في برهان آخر: (وأيضاً) هذا نوع آخر من البرهان على المسألة.(فإن الشفاعة أعطيها غير النبي صلى الله عليه وسلم، فصح أن الملائكة يشفعون، وأن الأفراط يشفعون، والأولياء يشفعون، أتقول: إن الله أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟) لأنه يقول: النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله.
فقل: - وهذا من جهة الإلزام؛ لأن الإلزام إن التزمه تناقض وصار مبطلاً، وإن لم يلتزمه تناقض أيضاً وصار مبطلاً، فقل له: الأفراط يشفعون، لهذا إذا مات فرط - صغير - فندعوا لوالديه بالمغفرة، وندعوا أن يشفعه في والديه، كما جاء في السنة من الدعاء في الآثار.
فإذاً:هل يقول هذا الذي احتج بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة، يقول بأن كل من أعطي الشفاعة يُسأل الشفاعة ؟
فنقول: هؤلاء الأفراط يشفعون فاسألهم الشفاعة، ولا قائل به، أن الأطفال الصغار يؤتى إلى قبورهم ويطلب منهم الشفاعة، مع أن الحجة التي احتجوا بها في حق النبي -صلى الله عليه وسلم- هي الحجة التي تسوغ في حق هؤلاء الصبية.
كذلك الملائكة يشفعون،فهل يطلب المسلم الشفاعة من الملائكة، ويقول: يا جبريل اشفع لي عند الله، وهذا لا قائل به حتى عباد القبور لا يقولون بهذا؛ لأنهم لو قالوا به صاروا إلى دين الجاهلية بالاتفاق، وصاروا إلى دين المشركين بالاتفاق.
فإذاً: هذه الحجة حجة إلزامية، يُحتج عليهم بما يقرون به على ما يحتجون له، فهم يقرون أن الملائكة يشفعون.
فيقال لهم:النبي -صلى الله عليه وسلم- أُعطي الشفاعة كما ذكرتم، ولكن نهينا أن نسأله الشفاعة.
فإن قالوا: لا، بل أعطيها ونسأله الشفاعة.
نقول لهم: الملائكة، يعني: نبرهن لهم بالبرهان الأول: {فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} فإن لم ينفع فيهم، فنقول لهم: الملائكة أيشفعون؟
فإن قالوا:لا.
فنقول لهم: بل يشفعون؛ لأن الله -جل وعلا- قال فيهم: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} ولأنه ثبت في الحديث الصحيح أن الله -جل وعلا- يقول يوم القيامة: ((شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع العلماء، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين)) فيُخرجُ بعثاً من النار، إلى آخر الحديث.
فإذاً:إذا قلنا له: الملائكة تشفع بنص القرآن، وأخبر الله أنهم يشفعون، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر، فاسأل الملائكة أن يشفعوا لك.
فإن قال به - ولا قائل به - فيصير إلى دين المشركين بالاتفاق فيما بيننا وبين عُبَّاد القبور.
كذلك قل: الأفراط يشفعون - لما جاء في الحديث - أفتذهب إلى قبر طفل، وتسأله الشفاعة؟ وهذا لا قائل به بالاتفاق.
إلى أن قال: (أتقول: إنَّ اللهَ أعطاهم الشفاعة وأطلبها منهم؟ فإن قلت هذا رجعت إلى عبادة الصاحين التي ذكر الله في كتابه) يعني: بالاتفاق، هذه عبادة الصالحين، عبادة الملائكة، عبادة غير الله التي أجمع عليها الناس، بأن يُسألون الشفاعة، ويُتعبد ويُتقرب إليهم بطلب الشفاعة.(وإن قلت: لا) لا أطلبها من هؤلاء، لا أطلب الشفاعة من الملائكة، ولا أطلب الشفاعة من الأفراط.
قال الشيخ رحمه الله: (وإن قلت: لا) يعني: لا تطلبها منهم (بطل قولك: أعطاه الله الشفاعة، وأنا أطلبه مما أعطاه الله) لأن هذا إلزام بما هو لازم في نفس الأمر، فإما أن يطرد الباب فيجعل هذا وهذا باباً واحداً، وهذا يرجعه بالاتفاق إلى دين المشركين.
وإما أن يفرق بين هذا وهذا فيتناقض، فيدل على بطلان حجته التي ادعاها بقوله: أطلبه مما أعطاه الله.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

28 Nov 2008

الأسئلة

س1: كيف تكشف شبهة القائل: (إن الله -عز وجل- أعطى نبيه الشفاعة، وأنا أسأله مما أعطاه الله)؟

س2: اذكر الدليل على أن الملائكة والصالحين يشفعون، وهل ذلك يسوّغ سؤالهم الشفاعة؟.
س3: ما معنى (الأفراط)؟ وهل يشفعون؟ دلل لما تقول.
س4: كيف تجيب من استدل بحديث الأعمى على جواز التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟