الدروس
course cover
الدرس السادس عشر: كشف الشبهة الخامسة وهي احتجاجهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم على جواز طلب الشفاعة من المخلوقين
30 Oct 2008
30 Oct 2008

4813

0

0

course cover
كشف الشبهات

القسم الثالث

الدرس السادس عشر: كشف الشبهة الخامسة وهي احتجاجهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم على جواز طلب الشفاعة من المخلوقين
30 Oct 2008
30 Oct 2008

30 Oct 2008

4813

0

0


0

0

0

0

0

الدرس السادس عشر: كشف الشبهة الخامسة وهي احتجاجهم بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم على جواز طلب الشفاعة من المخلوقين

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

أَنَا لاَ أعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذا الالْتِجَاءُ إِليهم وَدُعاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبادَةٍ.
فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاصَ الْعِبَادةِ وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ.
فإذا قال: نَعَم.
فقل له: بين لي هذا الفرضَ الذي فرضه اللهُ عليكَ، وهو إخلاصُ العبادةِ للهِ، وهو حقُّه عليكَ، فإنه لا يَعْرفُ العِبادَةَ، وَلا أنْوَاعَهَا، فَبَيِّنْها لَهُ بِقَوْلِكَ: قالَ اللهُ تَعَالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} الآية [الأعراف: 55].
فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذا، فَقُلْ لَهُ: هَلْ هو عِبَادَةٌ لله تعالى؟
فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ، وَالدُّعاءُ من العِبَادَةِ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّه عِبَادَةٌ، وَدَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَاراً، خَوْفاً وَطَمَعاً، ثُمَّ دَعَوْتَ في تِلْكَ الحَاجَةِ نَبِيّاً أَوْ غَيْرَهُ هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: قال الله تَعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: 2]، فإذا أَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذِه عِبَادَةٌ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ؛ نَبِيٍّ، أَوْ جِنِّيٍّ، أَوْ غَيْرِهِما، هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِهِ العِبَادَةِ غَيْرَ اللهِ؟ فَلابُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ: نَعَمْ.
وَقُلْ لَهُ أَيْضاً: المُشْرِكُون الَّذِينَ نَزَلَ فِيهمُ القُرآنُ، هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ وَالصَّالِحِينَ وَالَّلاتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُل لَهُ:وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ في الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عبيدٌ تحتَ قهرِ اللهِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكنْ دَعَوْهُمْ وَالتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلْجَاهِ وَالشَّفَاعَةِ، وَهَذا ظاهِرٌ جِدّاً).

هيئة الإشراف

#2

28 Nov 2008

شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

أَنَا لاَ أعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذا الالْتِجَاءُ إِليهم وَدُعاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبادَةٍ(1).
فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاصَ الْعِبَادةِ وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ.
فإذا قال: نَعَم.
فقل له: بين لي هذا الفرضَ الذي فرضه اللهُ عليكَ، وهو إخلاصُ العبادةِ للهِ، وهو حقُّه عليكَ، فإنه لا يَعْرفُ العِبادَةَ، وَلا أنْوَاعَهَا، فَبَيِّنْها لَهُ بِقَوْلِكَ: قالَ اللهُ تَعَالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} الآية [الأعراف: 55].
فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذا، فَقُلْ لَهُ: هَلْ هو عِبَادَةٌ لله تعالى؟
فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ، وَالدُّعاءُ من العِبَادَةِ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّه عِبَادَةٌ، وَدَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَاراً، خَوْفاً وَطَمَعاً، ثُمَّ دَعَوْتَ في تِلْكَ الحَاجَةِ نَبِيّاً أَوْ غَيْرَهُ هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ
(2).
فَقُلْ لَهُ: قال الله تَعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: 2]، فإذا أَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذِه عِبَادَةٌ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ؛ نَبِيٍّ، أَوْ جِنِّيٍّ، أَوْ غَيْرِهِما، هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِهِ العِبَادَةِ غَيْرَ اللهِ؟ فَلابُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ: نَعَمْ
(3).
وَقُلْ لَهُ أَيْضاً
(4): المُشْرِكُون الَّذِينَ نَزَلَ فِيهمُ القُرآنُ، هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ وَالصَّالِحِينَ وَالَّلاتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ
(5).
فَقُل لَهُ: وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ في الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ
(6)، وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عبيدٌ تحتَ قهرِ اللهِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكنْ دَعَوْهُمْ وَالتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلْجَاهِ وَالشَّفَاعَةِ، وَهَذا ظاهِرٌ جِدّاً).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (فَإِنْ قَالَ: أَنَا لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ وَهَذَا الالْتِجَاءُ إِلَيْهِم وَدُعَاؤُهُم لَيْسَ بِعِبَادَةٍ) جَحَدَ أَنَّهُ صَادِرٌ مِنْهُ شِرْكٌ (فَقُلْ لَهُ) مُجِيبًا: (أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاَصَ العِبَادَةِ للهِ؟) فَلاَ يُمْكِنُهُ جَحْدُ ذَلِكَ، وَإِنْ جَحَدَ ذَلِكَ كَفَانَا مَؤُونَةَ الرَّدِّ عَلَيْهِ (فَإِذَا قَالَ: نَعَمْ. فَقُلْ لَهُ: بَيِّنْ لِي هَذَا الذي فَرَضَهُ عَلَيْكَ وهو إِخْلاَصُ العِبَادَةِ للهِ وهو حَقُّهُ عَلَيْكَ) فَإِنْ سَأْلْتَهُ عَنْ حَقِيقَةِ مَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِ، وهو يَعْلَمُ وَيُقِرُّ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِ إِخْلاَصَهَا (فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ العِبَادَةَ ولاَ أَنْوَاعَهَا) إِذْ لو عَرَفَهَا وأَنْوَاعَهَا لَمَا نَفَاهَا عن نَفْسِهِ ولَمَا قَدَّمَ عَلَى عِبَادَةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ لَكِنَّهُ مِن أَجْهَلِ الجَاهِلِينَ وأَضَلِّ الضَّالِّينَ؛ فَإِنَّ الجَهْلَ أَنْوَاعٌ أَعْظَمُهَا الجَهْلُ باللهِ تَعَالَى وأَسْمَائِهِ وصِفَاتِهِ، وهو أَعْظَمُ مِن الجَهْلِ بِشَرْعِهِ ودِينِهِ، فهو مُتَغَلِّظٌ جَهْلُهُ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ جَهْلٌ بالتَّوْحِيدِ الَّذِي هو أَسَاسُ المِلَّةِ،

والثَّانِي: أَنَّه جَهْلٌ بِشَيْءٍ مُسْتَفِيضٍ وَاضِحٍ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ، والجَهْلُ بالشَّيْءِ المَعْلُومِ الوَاضِحِ أَعْظَمُ مِن الجَهْلِ بالشَّيْءِ الخَفِيِّ (فَبَيِّنْهَا لَهُ) يَعْنِي: بَيِّنْ لَهُ أَنَّ الدُّعَاءَ والطَّلَبَ عِبَادَةٌ، وأَحَدُ تَعَارِيفِ العِبَادَةِ: أَنَّهُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ ولاَ اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ.
وَقَدْ أَمَرَنَا اللهُ تَعَالَى بِدُعَائِهِ وَحْدَهُ (بِقَوْلِكَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}) وَهَذِه الآيَةُ تُفِيدُ ذَلِكَ؛ أَنَّهُ يُحِبُّه وَيْرَضَاهُ، والأَمْرُ عِبَادَةٌ.

(2) (فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذَا) إِذَا أَعْلَمْتَهُ أَنَّ الآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عِبَادَةٌ (فَقُلْ لَهُ: هَلْ عَلِمْتَ هَذَا عِبَادَةً للهِ، فَلاَ بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ) لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْحَدَ، فَإِنْ جَحَدَ سَقَطَ الكَلاَمُ مَعَهُ، وعُرِفَ أَنَّهُ مُكَابِرٌ وانْتَقِلْ مَعَهُ إلى الجَلاَّدِ، إِنْ أَمْكَنَ.(والدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ) كَمَا في الحَدِيثِ: ((الدُّعَاءُ مُخُّ العِبَادَةِ)) (فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّهَا عِبَادَةٌ ودَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَارًا، خَوْفًا وَطَمَعًا، ثُمَّ دَعَوْتَ في تَلْكَ الحَاجَةِ نَبِيًّا أَو غَيْرَهُ) يَعْنِي بِعِبَادَةِ الدُّعَاءِ (هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادَةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ) إِنْ كَانَ عِنْدَه الْتِفَاتٌ إِلَى الدَّلِيلِ؛ فَإِنَّ مَن لاَزِمِ إِقْرَارِهِ بالأُولَى إِقْرَارَهِ بالثَّانِيَةِ فبِذَلِكَ انْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ.

(3) (فَقُلْ لَهُ: فَإِذَا عَمِلْتَ بِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وَأَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذَا عِبَادَةٌ؟) ودَلِيلُهُ وَاضِحٌ وبُرْهَانُه قَاطِعٌ (فَلاَبُدَّ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ) لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَجْحَدَهُ.(فَقُلْ لَهُ: فَإِنْ نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ نَبِيٍّ أَوْ جِنِّيٍّ أو غَيْرِهِمَا هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِه العِبَادَةِ) يَعْنِي: عِبَادَةِ النَّحْرِ (غَيْرَ اللهِ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ نَعَمْ) مَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْحَدَ الثَّانِيَ بَعْدَ الأَوَّلِ، بَلْ إِقْرَارُهُ بالأَوَّلِ يُلْزِمُهُ الإِقْرَارَ بالثَّانِي، يَعْنِي: وَكَذَلِكَ سائرُ العباداتِ إمَّا أن يُقِرَّ أنها عبادةٌ أو لا، فإن أَنْكَرَ كَوْنَهَا عِبَادَةً، أُقِيمَتْ عَلَيْهِ الحُجَّةُ، فَإِنْ أَقَرَّ خُصِمَ.

فَبِهَذَا ظَهَرَ واتَّضَحَ جَهْلُهُ وضَلاَلُهُ وَانْكَشَفَتْ شُبْهَتُهُ وَأَنَّ قَوْلَهُ: أَنَا لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ… إلخ، مَحْضُ جَهْلٍ مِنْهُ، وأَنَّ هَذَا عِبَادَةٌ لِغَيْرِ اللهِ، وتَبَيَّنَ أَنَّهُ عَابِدٌ غَيْرَ اللهِ، وَأَنَّ مَا يَصْنَعُهُ مَعَهُم عِبَادَةٌ لَهُم وَأَنَّه عَابِدٌ اللهَ وَعَابِدٌ مَعَهُ غَيْرَهُ.

(4) (وَقُلْ لَهُ أَيْضًا) تَقَدَّمَ الجَوَابُ الأَوَّلُ وهو جَوَابٌ كَافٍ وَافٍ، وَأَرْدِفْهُ بِهَذَا الجَوَابِ الثَّانِي عَن شُبْهَتِهِ السَّابِقَةِ -كَمَا هو شَأْنُهُ رَحِمَهُ اللهُ؛ يَذْكُرُ جَوَابَ الشُّبْهَةِ وَافِيًا، ثُمَّ يَزِيدُهُ الجَوَابَ والجَوَابَيْنِ والثَّلاَثَةَ -وهي قَوْلُهُ: أَنَا لاَ أَعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذَا الالْتِجَاءُ إِلَيْهِم ودُعَاؤُهُم لَيْسَ بِعِبَادَةٍ.

(5) (المُشْرِكُونَ الَّذِينَ نَزَلَ فِيهِم القُرْآنُ هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلاَئِكَةَ والصَّالِحِينَ واللاَّتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَقُولَ نَعَمْ) لاَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُنْكِرَ شَيْئًا أَثْبَتَهُ القُرْآنُ واذْكُرْ لَهُ النُّصُوصَ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّهُم كَانُوا يَدْعُونَ المَلاَئِكَةَ والصَّالِحِينَ واللاَّتَ:

-كَقَوْلِهِ: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أَهَـؤُلاَءِ إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} الآيَتَيْنِ.
-وقَوْلِهِ تَعَالَى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} الآيَةَ.
- وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى} الآيَاتِ.

(6) (فَقُلْ لَهُ: وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُم إِيَّاهُمْ إِلاَّ فِي الدُّعَاءِ والذَّبْحِ والالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؟) يَعْنِي: أَنَّها مَا كَانَتْ عِبَادَتُهُم إِلاَّ هَكَذَا، هَلْ هو هَذَا أو غَيْرُه؟ فَإِنَّهُ لاَ يَجِدُ دَلِيلاً غَيْرَ هَذَا، فَقُلْ لَهُ: أَنَا عِنْدِي دَلِيلٌ وهي أَنَّ عِبَادَتَهُم هي هَذِه {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ} (وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُم عَبِيدُهُ وَتَحْتَ قَهْرِهِ وَأَنَّ اللهَ هو الذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكِنْ دَعَوْهُمْ والْتَجَأُوا إِلَيْهِم للجَاهِ والشَّفَاعَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا) في كَشْفِ شُبْهَتِهِ.

هيئة الإشراف

#3

28 Nov 2008

شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

أَنَا لاَ أعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذا الالْتِجَاءُ إِليهم وَدُعاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبادَةٍ.
فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاصَ الْعِبَادةِ
(1) وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ.
فإذا قال: نَعَم.
فقل له: بين لي هذا الفرضَ الذي فرضه اللهُ عليكَ، وهو إخلاصُ العبادةِ للهِ، وهو حقُّه عليكَ، فإنه لا يَعْرفُ العِبادَةَ، وَلا أنْوَاعَهَا، فَبَيِّنْها لَهُ بِقَوْلِكَ: قالَ اللهُ تَعَالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} الآية [الأعراف: 55].
فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذا، فَقُلْ لَهُ: هَلْ هو عِبَادَةٌ لله تعالى؟
فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ، وَالدُّعاءُ من العِبَادَةِ
(2).
فَقُلْ لَهُ
(3): إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّه عِبَادَةٌ، وَدَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَاراً، خَوْفاً وَطَمَعاً، ثُمَّ دَعَوْتَ في تِلْكَ الحَاجَةِ نَبِيّاً أَوْ غَيْرَهُ هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: قال الله تَعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: 2]
(4)، فإذا أَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذِه عِبَادَةٌ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ؛ نَبِيٍّ، أَوْ جِنِّيٍّ، أَوْ غَيْرِهِما، هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِهِ العِبَادَةِ غَيْرَ اللهِ؟ فَلابُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ: نَعَمْ.
وَقُلْ لَهُ أَيْضاً
(5): المُشْرِكُون الَّذِينَ نَزَلَ فِيهمُ القُرآنُ، هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ وَالصَّالِحِينَ وَالَّلاتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُل لَهُ:وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ في الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عبيدٌ تحتَ قهرِ اللهِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكنْ دَعَوْهُمْ وَالتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلْجَاهِ وَالشَّفَاعَةِ، وَهَذا ظاهِرٌ جِدّاً).


الشرح:

قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) إذا قالَ هذا الرَّجلُ المُشَبِّهُ(1): أنا لَسْتُ أَعْبُدُهم كما أَعْبُدُ اللهَ عزَّ وجلَّ، والالتجاءُ إليهم ودُعاؤُهم ليسَ بِعبادةٍ، فهذهِ شُبْهَةٌ.

وجوابُها أنْ تَقولَ: إنَّ اللهَ فرَض عليكَ إخْلاصَ العبادةِ لهُ وحْدَهُ، فإذا قالَ: نَعَم، فاسْأَلْهُ:ما معنى إخلاصِ العبادةِ لهُ؟
فإمَّا أنْ يَعْرِفَ ذلكَ، وإمَّا أنْ لا يَعْرِفَ.
فإنْ كانَ لا يَعْرِفُ فبَيِّنْ لهُ ذلكَ؛ لِيَعْلَمَ أنَّ دُعَاءَهُ للصَّالحينَ وتَعَلُّقَهُ بهم عِبادةٌ
(2).


(2) قولُهُ: (فبَيِّنْها لهُ) أيْ: بَيِّنْ لهُ أنواعَ العبادةِ، فقُلْ لهُ: إنَّ اللهَ يَقولُ: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} والدُّعاءُ عِبَادَةٌ، وإذا كانَ عبادةً؛ فإنَّ دُعاءَ غيرِ اللهِ يَكونُ إشراكًا باللهِ عزَّ وجلَّ، وعلى هذا فالَّذي يَسْتَحِقُّ أنْ يُدْعَى ويُعْبَدَ ويُرْجَى هوَ اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ.


(3) قولُهُ: (فقُلْ لهُ...) إلخ، يَعْنِي: إذا بَيَّنْتَ أنَّ الدُّعاءَ عبادةٌ وأَقَرَّ بهِ، فقُلْ لهُ: أَلسْتَ تَدْعو اللهَ تعالى في حاجةٍ، ثمَّ تَدْعو في تلكَ الحاجةِ نفسِها نَبِيًّا أوْ غيرَهُ، فهلْ أَشْرَكْتَ في عبادةِ اللهِ غيرَهُ؟ فلا بُدَّ أنْ يَقولَ: نَعَمْ؛ لأنَّ هذا لازِمٌ لا مَحالةَ، هذا بالنِّسبةِ للدُّعاءِ.


(4) ثمَّ انْتَقَلَ المُؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ إلى نوعٍ آخَرَ مِن العِبادةِ، وهوَ النَّحْرُ، قالَ: (فقُلْ لهُ: إذا عَلِمْتَ بِقولِ اللهِ تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وأَطَعْتَ اللهَ ونَحَرْتَ لهُ، أهذا عبادةٌ؟ فلا بُدَّ أنْ يَقولَ: نَعَمْ) فقد اعْتَرَفَ أنَّ النَّحْرَ للهِ تعالى عبادةٌ، وعلى هذا يَكونُ صَرْفُهُ لِغَيْرِ اللهِ شِركًا.
قالَ المُؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ مُقَرِّرًا ذلكَ: (فقُلْ لهُ: إذا نَحَرْتَ لِمخلوقٍ …) إلخ، وهذا إلْزامٌ واضِحٌ لا مَحِيدَ عنهُ.


(5) قولُهُ: (وقُلْ لهُ أيضًا: المُشرِكونَ...) إلخ، انْتَقَل المُؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى إلى إلزامٍ آخَرَ سبَقَت الإشَارةُ إليهِ، وهوَ أنْ يَسْأَلَ هذا المُشَبِّهَ: هلْ كانَ المشركونَ يَعْبُدونَ الملائكةَ والصَّالحينَ واللاَّتَ وغيرَ ذلكَ؟ فلا بُدَّ أنْ يَقولَ: نَعَمْ.
فيَسْأَلُ مَرَّةً أخرى:هلْ كانَتْ عبادتُهم إلاَّ في الدُّعاءِ والذَّبْحِ والالتِجاءِ ونحوِ ذلكَ؟ معَ إقْرارِهم بأنَّهم عبيدُ اللهِ وتحتَ قهرِهِ، وأنَّ اللهَ هوَ الَّذي يُدَبِّرُ الأمْرَ، لكنْ دَعَوْهُم والْتَجَأُوا إليهم للجاهِ والشَّفاعةِ كما سبَقَ، وهذا ما وَقَع فيهِ الْمُشَبِّهُ تَمامًا.


حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين

قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) نعته بـ

(المشَبِّه) لا يخالف ما جاء في كلام إمام الدعوة من كونه مشركاً لاختلاف متعلق الوصف:
فهو مشرك: باعتبار ما هو عليه.
ومشبه:باعتبار ما يدعيه من الدلائل على صحة دعواه.

(2) وسبيل معرفة ذلك أن الإخلاص: هو عبادة الله وحده لا شريك له، والتعلق بالصالحين ودعاؤهم عبادة لهم، وقد أمرنا أن نعبد الله وحده مخلصين له الدين، فمن دعا الصالحين وتعلق بهم فقد أشرك بالله تعالى، وعبد غيره معه.


نعود بالله من الخذلان.

هيئة الإشراف

#4

28 Nov 2008

شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان 

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

أَنَا لاَ أعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذا الالْتِجَاءُ إِليهم وَدُعاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبادَةٍ(1).
فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاصَ الْعِبَادةِ وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ.
فإذا قال: نَعَم.
فقل له: بين لي هذا الفرضَ الذي فرضه اللهُ عليكَ، وهو إخلاصُ العبادةِ للهِ، وهو حقُّه عليكَ، فإنه لا يَعْرفُ العِبادَةَ، وَلا أنْوَاعَهَا، فَبَيِّنْها لَهُ بِقَوْلِكَ: قالَ اللهُ تَعَالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} الآية [الأعراف: 55]
(2).
فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذا، فَقُلْ لَهُ: هَلْ هو عِبَادَةٌ لله تعالى؟
فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ، وَالدُّعاءُ من العِبَادَةِ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّه عِبَادَةٌ، وَدَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَاراً، خَوْفاً وَطَمَعاً، ثُمَّ دَعَوْتَ في تِلْكَ الحَاجَةِ نَبِيّاً أَوْ غَيْرَهُ هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ
(3).
فَقُلْ لَهُ: قال الله تَعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: 2]، فإذا أَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذِه عِبَادَةٌ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ؛ نَبِيٍّ، أَوْ جِنِّيٍّ، أَوْ غَيْرِهِما، هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِهِ العِبَادَةِ غَيْرَ اللهِ؟ فَلابُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ: نَعَمْ
(4).
وَقُلْ لَهُ أَيْضاً: المُشْرِكُون الَّذِينَ نَزَلَ فِيهمُ القُرآنُ، هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ وَالصَّالِحِينَ وَالَّلاتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُل لَهُ:وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ في الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عبيدٌ تحتَ قهرِ اللهِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكنْ دَعَوْهُمْ وَالتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلْجَاهِ وَالشَّفَاعَةِ، وَهَذا ظاهِرٌ جِدّاً
(5)).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ((1) يَعْنِي: إِذَا كَانَ يَعْتَرِفُ أنَّ العِبَادَةَ حقٌّ للهِ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَأَنَّه لاَ يَجُوزُ عِبَادَةُ غَيْرِ اللهِ، ولَكِنَّه يَقُولُ: الالْتِجَاءُ لَيْسَ مِن العِبَادَةِ فهو جَائِزٌ.

فإنَّك تَقُولُ لَهُ:الالْتِجَاءُ إِلَى اللهِ عِبَادَةٌ، والالْتِجَاءُ إِلَى غَيْرِ اللهِ فِيمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللهُ شِرْكٌ؛ لأَِنَّ مَن الْتَجَأَ إلى غَيْرِ اللهِ في الشَّدَائِدِ فَقَدْ أَشْرَكَ مَعَ اللهِ فِيمَا لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ اللهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى؛ لأَِنَّه هو الَّذِي يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ويَكْشِفُ السُّوءَ، وهو المَلْجَأُ -سُبْحَانَه- ولِذَا لَجَأَ إليه النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- حَيْثُ يَقُولُ: ((لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا وَلاَ مُلْتَجَا مِنْكَ إلاَّ إِلَيْكَ)) {قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ} وقَوْلُه تَعَالَى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ}.

(2) يَعْنِي: تَسْأَلُهُ أوَّلاً عن حُكْمِ العِبَادَةِ مَا هو؟ وما الفَرْقُ بَيْنَها وبَيْنَ الالْتِجَاءِ؟
وقُلْ له:هل العِبَادَةُ واجِبَةٌ أو مُسْتَحَبَّةٌ؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ أنَّ العِبَادَةَ أَمْرٌ واجِبٌ، وحَتْمٌ عَلَى العِبَادِ، وأَنَّها حَقُّ اللهِ عَلَى العِبَادِ.
فإِذَا اعْتَرَفَ بِهَذَا فَقُلْ لَهُ: فَسِّرْ لِيَ العِبَادَةَ ما مَعْنَاهَا، وبَيِّنْ لي ما أَنْواعُها مَا دُمْتَ أَنَّكَ اعْتَرَفْتَ أَنَّ العِبَادَةَ للهِ وأَنَّها واجِبَةٌ عَلَى العَبْدِ؟
فإِنَّه يَجِبُ عَلَيْكَ أنْ تَعْرِفَ مَعْنَاها وأَنْ تَعْرِفَ أَنْوَاعَهَا وإِلاَّ فكيف يُوجِبُ اللهُ عَلَيْكَ شَيْئًا وأَنْتَ تَجْهَلُهُ ولاَ تَعْرِفُهُ، فإنَّه لاَ يَعْرِفُ العِبَادَةَ ولاَ يَعْرِفُ أَنْوَاعَهَا، وهذه آفَةُ الجَهْل.

ومِن هنا يَتَعَيَّنُ عَلَى العِبَادِ أَنْ يَتَعَلَّمُوا مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِم، وَمَا فَرَضَهُ اللهُ عَلَيْهِم حَتَّى يُؤَدُّوهُ عَلَى وجْهِهِ الصَّحِيحِ، ويَتَجَنَّبُوا مَا يُخِلُّ بِهِ ومَا يُبْطِلُهُ.

أمَّا أَنْ تَعْبُدَ اللهَ عَلَى جَهْلٍ؛ فإنَّ هذه طَرِيقَةُ النَّصَارَى الضَّالِّينَ يَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى جَهْلٍ وضَلاَلٍ، واللهُ أَمَرَكَ أَنْ تَسْأَلَه أَنْ يُجَنِّبَكَ طَرِيقَهُم فَتَقُولَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}فالضَّالُّونَ هُم الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ، وَعَلَى غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بالعِبَادَةِ، وإنَّمَا يَعْبُدُونَ اللهَ بالعَادَاتِ والتَّقَالِيدِ وما وَجَدُوا عَلَيْهِ آبَاءَهُم وأَجْدَادَهُم، دونَ أنْ يَرْجِعُوا إِلَى مَا جَاءَتْ به الرُّسُلُ ونَزَلَتْ به الكُتُبُ، وهَذَا هو سَبَبُ الضَّلاَلِ.


والالْتِجَاءُ: هو طَلَبُ الحِمَايَةِ مِن أَمْرٍ مَخُوفٍ لاَ يَدْفَعُهُ إلاَّ اللهُ، فهو نَوْعٌ مِن أَنْواعِ العِبَادَةِ، واللهُ -سُبْحَانَهُ- يُجِيرُ ولاَ يُجَارُ عَلَيْهِ، ويُعِيذُ مَن اسْتَعَاذَ بِهِ، فَمَن الْتَجَأَ إلى مَيِّتٍ فَقَدْ عَبَدَهُ مِن دونِ اللهِ، وكذلك مِن أَعْظَمِ أَنْواعِ العِبَادَةِ: الدُّعاءُ، حَيْثُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} وَأَنْتَ بالْتِجَائِكَ إِلَى غَيْرِ اللهِ قَدْ دَعَوْتَ غَيْرَ اللهِ، وهَذَا شِرْكٌ.

(3) أي: لاَبُدَّ إِذَا تَلَوْتَ عَلَيْهِ الآياتِ والأَحَادِيثَ بأَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ لاَبُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ، فَتَقُولُ لَهُ: لَوْ دَعَوْتَ اللهَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ لَكِنَّكَ في بَعْضِ الأَحْيَانِ تَدْعُو غَيْرَ اللهِ، هَلْ تَكُونُ مُشْرِكًا؟ فَلاَبُدَّ أَنْ يَعْتَرِفَ، ويَقُولَ: إنَّه مُشْرِكٌ؛ لأَِنَّه دَعَا غَيْرَ اللهِ، ومَن دَعَا غَيْرَ اللهِ فهو مُشْرِكٌ.
فإذا كَانَ مَن دَعَا غَيْرَ اللهِ ولو مَرَّةً واحِدَةً في العُمُرِ يَكُونُ مُشْرِكًا مَعَ أنَّه يَدْعُو اللهَ في اللَّيْلِ والنَّهارِ، فَكَيْفَ بالَّذي يَلْهَجُ دَائِمًا بِذَلِكَ ويَقُولُ: يَا حُسَيْنُ، يَا بَدَوِيُّ، يا عَبْدَ القَادِرِ، يا فُلاَنُ، فيَصْدُرُ منه الشِّرْكُ كَثِيرًا؟!!


(4) فَإِذَا كَانَ مَن ذَبَحَ لغَيْرِ اللهِ، أو صَلَّى لغَيْرِ اللهِ يَكُونُ مُشْرِكًا فكيف بِمَن يَلْجَأُ إِلَى غَيْرِ اللهِ في كَشْفِ الشَّدَائِدِ أَلاَ يَكُونُ مُشْرِكًا؟! بَلَى؛ لأَِنَّ البَابَ واحِدٌ، وأَنْواعُ العِبَادَاتِ كُلِّهَا بَابُهَا واحِدٌ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخْلِصَ للهِ في بَعْضِهَا ويُشْرِكَ باللهِ في البَعْضِ الآخَرِ.


(5) أي: أَنَّ المُشْرِكِينَ الأَوَّلِينَ مَا كَانَ شِرْكُهُم إلاَّ في هَذِه الأُمُورِ، وَقَدْ نَزَلَ القُرْآنُ في الإِنْكَارِ عَلَيْهِم، والأَمْرِ بِقِتَالِهِم وإِبَاحَةِ أَمْوَالِهِم ودِمَائِهِم، مَا كَانُوا مَعَ أَصْنَامِهِم يَعْتَقِدُونَ أنَّها تَخْلُقُ وتَرْزُقُ وتُحْيِي وتُمِيتُ، ومَا كَانُوا يَدْعُونَها إلاَّ مِن أَجْلِ الشَّفَاعَةِ، فكذلك عُبَّادُ القُبُورِ اليَوْمَ يَدْعُونَ الأَضْرِحَةَ والأَوْلِيَاءَ والصَّالِحِينَ، ولاَ يَعْتَقِدُونَ فيهم أَنَّهُم يَخْلُقُونَ ويَرْزُقُونَ، وأَنَّهم خَلَقُوا السَّماواتِ والأَرْضَ، وإِنَّما اتَّخَذُوهُم لِقَضَاءِ الحَاجَاتِ والتَّوَسُّلِ بِهِم إِلَى اللهِ لِيَشْفَعُوا لَهُم، ويُقَرِّبُوهُم إِلَيْهِ زُلْفَى، والالْتِجَاءِ إِلَيْهِم في كَشْفِ الكُرَبِ والشَّدَائِدِ.

هيئة الإشراف

#5

28 Nov 2008

شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ

المتن:

قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (فَإِنْ قَالَ:

أَنَا لاَ أعْبُدُ إِلاَّ اللهَ، وَهَذا الالْتِجَاءُ إِليهم وَدُعاؤُهُمْ لَيْسَ بِعِبادَةٍ.
فَقُلْ لَهُ: أَنْتَ تُقِرُّ أَنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيْكَ إِخْلاصَ الْعِبَادةِ وَهُوَ حَقُّهُ عَلَيْكَ.
فإذا قال: نَعَم.
فقل له: بين لي هذا الفرضَ الذي فرضه اللهُ عليكَ، وهو إخلاصُ العبادةِ للهِ، وهو حقُّه عليكَ، فإنه لا يَعْرفُ العِبادَةَ، وَلا أنْوَاعَهَا، فَبَيِّنْها لَهُ بِقَوْلِكَ: قالَ اللهُ تَعَالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} الآية [الأعراف: 55].
فَإِذَا أَعْلَمْتَهُ بِهَذا، فَقُلْ لَهُ: هَلْ هو عِبَادَةٌ لله تعالى؟
فَلا بُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ، وَالدُّعاءُ من العِبَادَةِ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا أَقْرَرْتَ أَنَّه عِبَادَةٌ، وَدَعَوْتَ اللهَ لَيْلاً وَنَهَاراً، خَوْفاً وَطَمَعاً، ثُمَّ دَعَوْتَ في تِلْكَ الحَاجَةِ نَبِيّاً أَوْ غَيْرَهُ هَلْ أَشْرَكْتَ في عِبَادةِ اللهِ غَيْرَهُ؟ فلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: قال الله تَعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}[الكوثر: 2]، فإذا أَطَعْتَ اللهَ وَنَحَرْتَ لَهُ، هَلْ هَذِه عِبَادَةٌ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُلْ لَهُ: إِذَا نَحَرْتَ لِمَخْلُوقٍ؛ نَبِيٍّ، أَوْ جِنِّيٍّ، أَوْ غَيْرِهِما، هَلْ أَشْرَكْتَ في هَذِهِ العِبَادَةِ غَيْرَ اللهِ؟ فَلابُدَّ أَنْ يُقِرَّ وَيَقُولَ: نَعَمْ.
وَقُلْ لَهُ أَيْضاً: المُشْرِكُون الَّذِينَ نَزَلَ فِيهمُ القُرآنُ، هَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ وَالصَّالِحِينَ وَالَّلاتَ وغَيْرَ ذَلِكَ؟
فَلابُدَّ أَنْ يَقُولَ: نَعَمْ.
فَقُل لَهُ:وَهَلْ كَانَتْ عِبَادَتُهُمْ إِيَّاهُمْ إِلاَّ في الدُّعَاءِ وَالذَّبْحِ وَالالْتِجَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِلاَّ فَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّهُمْ عبيدٌ تحتَ قهرِ اللهِ، وَأَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يُدَبِّرُ الأَمْرَ، وَلَكنْ دَعَوْهُمْ وَالتَجَؤُوا إِلَيْهِمْ لِلْجَاهِ وَالشَّفَاعَةِ، وَهَذا ظاهِرٌ جِدّاً).


الشرح:

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: ((فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إليهم ودعاؤهم ليس بعبادة) [هكذا في الأصل] وهذه صلة للكلام على ما قرره إمام هذه الدعوة، رحمه الله تعالى، في كشف شبهات المشركين، فإن المشركين لهم شبهات متنوعة، وقد مر معنا أعظم شبهاتهم، وأكثرها تأصيلاً، ثم يأتي الآن من شبهاتهم ما انتشر فيهم، لكنه عن طريق المكابرة والجهل، فقال طائفة منهم: إنهم لا يعبدون إلا الله، وإن الالتجاء إلى الصالحين وسؤال الصالحين ودعائهم والاستغاثة بهم ليس بعبادة، وهذا هو الذي ذكره الإمام -رحمه الله- بقوله: (فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله).
وإذا قال الشيخ في هذا الكتاب: (فإن قال) فلا يُستحضر أن الذي يقول بهذه الشبهة، هو الذي قال بالشبه التي قبلها، بل هو يَستحضر جنس المدلين بالشبه.
فقال: (فإن قال) يعني: الذي يورد الشبهة، أو الذي يقع في الشرك، وقد يكون من الأولين وقد لا يكون.
قال: (فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة) وهذه يقولها كل مشرك، فإنه ما من مشرك يقر على نفسه بالشرك، وبأنه يعبد غير الله جلّ وعلا؛ لأن هذه الأمة ببعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- أُنقذت من الشرك إلى التوحيد، ومن عبادة غير الله إلى عبادة الله وحده دون ما سواه.فكل أحد من هذه الأمة يقول:

(أنا لا أعبد إلا الله) وقد يكون مصيباً في قوله، وفعلُهُ يحقق قوله، وقد يكون ضالاً، يقول شيئاً وهو يخالفه إلى غيره.
وهذه المخالفة ناتجة عن أنه يظن أن ما يفعله من صرف العبادة لغير الله أنه ليس بشرك، وليس بعبادة، فعنده أن الدعاء - دعاء غير الله - ليس بعبادة، وأن الالتجاء إلى الصالحين وسؤال الأولياء الأموات كشف الكرب، ورفع الضر، والشفاعة وأشباه ذلك، أنه ليس من العبادة، وكذلك يزعمون أن النحر لهم، والذبح ليس بعبادة، وأن النذر لهم ليس بعبادة، وهكذا.
فما من صورة شركية يفعلها أهل الشرك إلا وإذا احتججت عليهم بأن فعلهم شرك، قالوا: (نحن لا نعبد إلا الله) وهذه الأشياء التي نفعلها ليست بعبادة، وإنما هي للوسيلة، وأما العبادة فإنما هي لله وحده دون ما سواه.
وهذا القول منهم دعوى بلا برهان، ولا دليل بل هم المشركون الذين عبدوا مع الله -جل وعلا- غيره.


قال -رحمه الله- مقرراً لشبهتهم، ومستحضراً الجدال والحجاج مع رجل منهم، قال: (فإن قال: أنا لا أعبد إلا الله، وهذا الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس عبادة) فترتبت هذه الشبهة على مرتبتين:


الأولى: زعمه أنه لا يعبد إلا الله.
المرتبة الثانية: زعمه أن الالتجاء إلى الصالحين، ودعاء الصالحين بأنواع الدعاء من الاستغاثة والاستعانة والاستشفاع إلى آخره أنه ليس بعبادة.
والثانية هي التي قادتهم إلى الأولى، لأجل عدم وضوح الثانية قالوا إنهم لا يعبدون إلا الله، فلهذا الشيخ -رحمه الله- ابتدأ بالثانية؛ لأنها هي وسيلة إثبات صحة الأولى أو خطأ المرتبة الأولى.


قال: (فقل له: أنت تقر أن الله فرض عليك إخلاص العبادة، وهو حقه عليك) فتسأله وتقول له: هل تقر بأن الله فرض عليك إخلاص العبادة؟ وأن العبادة حق الله عليك؟ لأن الله أمر بها في القرآن في قوله: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}وفي قوله -جل وعلا- في سورة الزمر: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ} وكذلك في آية البينة، وغير ذلك من الآيات الكثيرة، التي فيها إثبات وجوب الإخلاص لله جلّ وعلا، وهذا نوع من الأدلة التي فيها الأمر بالإخلاص.
والنوع الثاني من الأدلة الذي فيه الأمر بالإخلاص:
بيان أن المشرك الذي لم يخلص لله -جلّ وعلا- أنه كافر، وأنه من أهل النار:
- كقول الله جل وعلا: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.
-وكقول الله جل وعلا: {وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} ونحو ذلك من الآيات التي فيها بيان مصير المشرك الذي جعل مع الله في العبادة غيره، يعني: لم يخلص دينه لله.
فتقول له: أنت تقر بأن الله فرض عليك إخلاص العبادة، وهو حق الله عليك؟
فكل مؤمن أو كل منتسب للقبلة يقول: نعم، أنا مقر بأن الله -جلّ وعلا- فرض علينا الإخلاص - إخلاص العبادة - وأن إخلاص العبادة حق الله علينا.


قال الشيخ: (فإذا قال: نعم، فقل له: بين لي الذي فُرض عليك، وهو إخلاص العبادة لله وحده) تسأله عن بيان هذا الذي يقر أن الله فرض عليه، كثير بل الأكثر من المشركين جهال، لا يعلمون معنى العبادة، ولا يعلمون معنى الإخلاص، ولا يعلمون معنى الذي فرض الله -جلّ وعلا- عليهم، ولهذا فإذا سألته عن هذه فإنه لن يجيب، بل سيقول: لا أعرف معنى العبادة، أو لا أعرف جواب هذا، بل إخلاص العبادة لله أن أصلي لله وأزكي لله وأشباه ذلك، فإنه يجعل الإخلاص في بعض الصور.


ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها، فبينها له بقولك:...) إلى آخره.


فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له، وهذا خلوص منه في الحجاج إلى تعليم الجاهل، فإن المحتج على الخصم لا يسوغ أن يُنزله دائماً منزلة المعاند؛ أو أن يجعله معانداً فيغلظ له في القول ويغلظ له في الحجة؛ لأنه ربما نفر من ذلك وانتصر لنفسه وترك سماع الحجة، فإنك تستدرجه حتى يقر بأنه جاهل، فإذا أقر بأنه جاهل، لا يعرف معنى العبادة، ولا يعرف معنى الإخلاص، ولا يعرف معنى الدعاء، وأشباه ذلك، فإنك تبين له ذلك حتى تقوم الحجة على أفراد واضحة في قلبه وفي عقله وذهنه.


لهذا: هذا الحوار الذي ذكره إمام الدعوة فيه فائدة عظيمة ذكرتها لك الآن، وهي أنه من أقوى وأنفع وسائل الحجاج: أن تنُزل من أمامك منزلة الجاهل، حتى تنقلب معه إلى مُعلِّم غير مناظر؛ لأن المعلم دائماً أعلى من المتعلم، أعلى من جهة الحجة، وأعلى من جهة قبول المتعلم لما يقول، فإن المقابل لك إذا أحس أن عندك علماً ليس عنده فإنه سيصير إلى الاستفادة منك، وهذا يثير كثيراً من النفوس في قبول الحق إذا علم أنه جاهل بما أوجب الله -جلّ وعلا- عليه، وهو يدَّعي شيئاً يجهله، فهذه وسيلة من الوسائل العظيمة في الحجة وفي جواب الشبهة.


فإذاً: نستفيد من هذا أننا إذا رأينا من هو مشرك بالله جل وعلا، أو من جادل عن نفسه بأنه ليس بمشرك، فإنه لا يحسن أن يُنزل دائماً منزلة المعاند، الذي تقام عليه الحجة بنوع من الشدة والغلظة، بل يُنظر في أمره ويُستدرج حتى يُجعل في منزلة الجاهل، وإذا كان كذلك فإنك تقيم عليه الحجة، وتعلمه دين الله جلّ وعلا.


قال: (فإن كان لا يعرف العبادة ولا أنواعها فبينها له) وأن العبادة تحصل معرفتها في الأدلة من الكتاب والسنة، بنوعين من الاستدلال:
أما النوع الأول من الاستدلال: فالنصوص التي فيها الأمر بالعبادة، بعبادة الله وحده دون ما سواه، وأن من صرف العبادة لغير الله فهو كافر مشرك، كقول الله -جلّ وعلا- في الأول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ} الآية في أول البقرة.
ومن الثاني:قول الله -جل وعلا- في آخر سورة المؤمنون: {وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة)).
فإذا بينت له هذه الأدلة بعامة، فتقول له: نعلم أن هذا الشيء عبادة، بأن الله -جل وعلا- أمر به، أو أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان هذا الشيء مأموراً به علمنا أنه عبادة؛ لأن الله -جل وعلا- لم يأمرنا إلا للتعبد، فصح أن هذا الذي أُمرنا به أمر إيجاب فإنه عبادة، وكذلك أمر استحباب.
فتقول له: أمرنا الله -جل وعلا- بإخلاص الدين له؛ فإذاً: إخلاص الدين لله عبادة، أمرنا الله -جل وعلا- بخوفه، فالخوف عبادة، أمرنا الله -جل وعلا- برجائه، فالرجاء عبادة، أمرنا الله بالصلاة فالصلاة عبادة، أمرنا الله بالزكاة فالزكاة عبادة، أمرنا الله بالنحر فالنحر عبادة، أمرنا الله بكذا وكذا فهذه عبادات، هذا النوع الأول من الاستدلال.


والنوع الثاني: ما جاء في كل مسألة من تلك المسائل التي عددناها من العبادة؛ لأن الله أمرنا بها، ما جاء في كل مسألة من دليل خاص، يُثبت وجوب اختصاص الله -جل وعلا- بهذا النوع من العبادة.
فإذاً:الدليل الأول:دليل عام: تقول: إن هذا الشيء قد أمر الله به فهو عبادة، والله -جل وعلا- أمرنا أن نعبده دون ما سواه، وأخبرنا أن من عبد غيره فإنه مشرك كافر.
والنوع الثاني من الأدلة والاستدلال: ما كان في كل مسألة بحسبها، فنقول مثلاً: أمر الله -جل وعلا- بإفراده بالعبادة بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فقدم المفعول على الفعل والفاعل ليفيد اختصاص العبادة به، وقصر العبادة عليه وحده، دون ما سواه.
وقال: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فقدم المفعول على الفعل {نَسْتَعِينُ} والفاعل، ليدلنا على أن الاستعانة في العبادة إنما تكون بالله -جل وعلا- وحده هو المختص بها.
وكذلك قوله جل وعلا:{قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ} فيها أن هذه الأشياء لله وحده مستحقة، يعني: الصلاة والنسك، مستحقة لله دون ما سواه، لا شريك له.
كذلك تأتي للإنابة والتوكل،فتقول: قال الله جل وعلا: {عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} فدل على أن التوكل عليه وحده دون ما سواه؛ لأنه قدم الجار والمجرور على ما يتعلق به، وهو الفعل فدل على اختصاص التوكل بالله جل وعلا، يعني بأن التوكل يكون عليه وليس على غيره، وكذلك الإنابة فإنها إليه لا إلى غيره.
وهكذا في غيرها من المسائل، وكذلك الدعاء فإن الدعاء: أمر الله بدعائه وحده فقال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وقال: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}.


إذاً: تُوضِح له معنى العبادة، ثم تُوضح له الأمر بالعبادة، بأن يعبد الله دون ما سواه، ثم تبين له ما أمر الله به، وأن كل مسألة مما أمر الله بها أنها تدخل في العبادة، فدخل الذبح في العبادة، ودخلت الصلاة في العبادة، ودخل الخوف في العبادة، ودخل التوكل في العبادة، ودخلت الاستغاثة في العبادة، ودخل الرجاء في العبادة، إلى آخر مفردات توحيد العبادة.
ثم بعد ذلك تقيم له الدليل الثاني،أو النوع الثاني من الأدلة والاستدلال بأن الله في القرآن؛ والنبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة، جعل هذه الأنواع مختصة به وحده دون ما سواه، فصار الدليل من جهتين:
1-من جهة دخولها في العبادة، والله أمر بعبادته وحده دون ما سواه.
2-ومن جهة أن الله جعلها مختصة به دون ما سواه.
وهذان نوعان من الأدلة يكثر أفرادهما، وتكثر الآيات والأحاديث في كل واحد من هذين النوعين.
فإذا بينت له ذلك فقد تم البيان في إيضاح أن هذه المسائل من العبادة.


والشيخ - رحمه الله - مثل لذلك بمثال في الدعاء؛ لأن الدعاء هو الذي يدخل فـيه كثير من الصور فقال: (فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}) وفي قوله رحمه الله: (فبينها له بقولك: قال الله تعالى:...) أن حجة الموحد يجب أن تكون دائماً بالأدلة، وألا يحتج بحجج عقلية؛ لأنه قد يكون الخصم عنده من العقليات ما ليس عند الموحد فيغلبه، إما بتأصيل، أو برد إلى المنطق، أو ما أشبه ذلك؛ فتضعف حجة الموحد، ولكن يبين له الحجة بالأدلة، ثم يوضح له وجه الاستدلال من الدليل.


قال: (فبينها له بقولك: قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً}) ووجه الاستدلال من هذا الدليل: أن الله -جل وعلا- أمرنا بدعائه، فيكون الدعاء عبادة؛ لأنه مأمور به، وأمر بدعائه تضرعاً وخفية، وسبب ذلك أن المشركين يدعون آلهتهم التي يعبدونها مع الله، أو من دونه، يدعونها جهاراً، يدعونها برفع الصوت، والله -جل وعلا- حي سميع بصير، أقرب إلى الداعي من نفسه، ومن عنق راحلته، فلما أمر الله -جل وعلا- بذلك، علمنا أن هذا مخالفة لصنيع المشركين.



قال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} وذلك لأنه سبحانه يعلم السر وأخفى، وقد قال الحسن رحمه الله تعالى: (ما كان دعاؤهم فيما بينهم وبين ربهم إلا همهمة، أو قال: إلا حديثاً بينهم وبين ربهم، حتى إنه يدعو الداعي والرجل بجنبه لا يسمعه) في حديث له، ساقه ابن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره، ونقله أيضاً عنه ابن كثير وجماعة.

فالتضرع والخفية صفة الداعي، فنقول له: أليس الدعاء - دعاء الرب جل وعلا - على هذه الحال عبادة لله جل وعلا.(فلابد أن يقول: نعم، والدعَاء مُخ العبادة) يعني: أن الدعاء لب العبادة، فإن العبادة أنواع، وأعظم أنواعها الدعاء، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((الدعاء هو العبادة)) تعظيماً لشأن الدعاء، كما قال: ((الحج عرفة)) فالدعاء مخ العبادة ومعظمها ولبها؛ ولهذا قال الشيخ رحمه الله: (فلابد أن يقول: نعم، والدعاء مخ العبادة) هذه جملة استطرادية.



قال: (فقل له: إذا أقررت أنه عبادة) لأن الخصم لابد أن يقر أن دعاء الله وحده عبادة.
قال: (إذا أقررت أنه عبادة، ودعوت الله ليلاً ونهاراً خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره).
تبدأ تناقشه بعد تعريف العبادة وما قدمنا، تقول: إذا دعوت الله وحده ليلاً ونهاراً في حاجة خوفاً وطمعاً، ثم في هذه الحاجة بعينها سألت الولي، أو الميت، أو صاحب السر، أو صاحب المشهد، أو صاحب القبة، أو ما أشبه ذلك، دعوته وسألته هذا السؤال هل يكون هذا شركاً في العبادة أم لا؟(فلابد أن يقول: نعم) إلا أن يكون مكابراً، لابد أن يقول: نعم؛ لأن عين الشيء سأله الله جل وعلا، ودعا به الله وحده طمعاً وخوفاً ورجاءً ليلاً ونهاراً، ثم توجه به إلى غير الله في الحاجة عينها، فلابد أن يقول: نعم، سألت الله الحاجة وسألت الولي الحاجة،فيقول: نعم، هذا شرك بالله جلّ وعلا.
لهذا قال الشيخ رحمه الله: (فقل له: إذا أقررت أنه عبادة، ودعوت الله ليلاً ونهاراً، خوفاً وطمعاً، ثم دعوت في تلك الحاجة نبياً أو غيره، هل أشركت في عبادة الله غيره؟ فلابد أن يقول: نعم، فقل له: فإذا علمت بقول الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}) هذه صورة ثانية، الصورة الأولى في الدعاء، الصورة الثانية في النحر.
قال: (إذا علمت قول الله جل وعلا: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ}) يعني: انحر لربك ولا تنحر لغيره {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ}.
قل له:إذا نحرت لله وحده، وذكرت اسم الله على الذبيحة، ونحرت الإبل أو البقر، أو ذبحت الذبائح متقرباً بها إلى الله -جل وعلا- هل هذا عبادة؟
فسيقول: نعم، هذا من أعظم العبادات؛ لأن الذبح في الأضاحي والنحر في الحج وأشباه ذلك، هذا من أعظم العبادات لله جل وعلا.
فقل له:إذا نحرت لمخلوق، يعني: تقربت بهذا الدم لمخلوق -كما فعلت بأن تقربت بدم آخر لله- فتقربت بالدم لمخلوق، فما الفرق بين هذا وهذا؟
لا فرق؛ لأنك تقربت بالذبح الأول لله؛ وبالذبح الثاني تقربت للنبي أو لولي أو لصالح ،أو لجني تخاف شره، أو لساحر أو ما أشبه ذلك، هل أشركت في هذه العبادة غير الله؟(فلابد أن يقر ويقول: نعم) لأنه لا مفر له، فعين الفعل فعلته لله، والفعل عينه فعلته لغير الله، فهل هذا شرك أم لا؟.
فلابد أن يقول:إن هذا النوع عبادة لغير الله؛ لأني قصدت بها غير الله، وذاك عبادة لله؛ لأني قصدت بها الله جل وعلا.
ولا يمكن أن يقول في الصورة الثانية: إن هذا ليس بعبادة ولم أقصد بها غير الله؛ لأنه حين فعل تقرباً إلى الله بالذبح أقر بأن الذبح عبادة، وحين توجه إلى غير الله بهذا الذبح وبإراقة الدم، أقر بأن هذه العبادة توجه بها لغير الله، فلابد إذاً أن يقول نعم؛ للحجة.
وهذا تمام الوجه الأول من هذا الاحتجاج، وهو ظاهر بين قوي في أن يتدرج مع المشرك، ومع هذا الذي يعبد غير الله، ويدعو غير الله، ويستغيث بغير الله - نعوذ بالله من الخذلان - أو يذبح لغير الله، أو أنواع الصور الشركية، فإنه يتدرج معه في هذا حتى يقر بأن الحجة واضحة، وأنه إذا فعل ذلك فقد عبد مع الله -جل وعلا- غيره، نسأل الله السلامة والعافية.
وعلى هذا الاحتجاج، هو لابد أن يقر، وما أمر به فهو عبادة، هذا باتفاق العلماء.
فإن جادلت عالماً، فإنه إن لم يكن مكابراً فسيقر بأن ما أمر به عبادة؛ لأن الله -جل وعلا- لا يأمر بشيء ويكون مباحاً، لابد أن يكون عبادة، إما أن تكون عبادة واجبة، أو أن تكون عبادة مستحبة، يترتب عليها الثواب.


وإذا كان لا يعلم، ليس بعالم فتدرجه مثل ما ذكر الشيخ رحمه الله، حتى ولو كان عالماً، فإنك إذا ذكرت هذه الحجج مع المقدمات التي ذكرنا؛ فإنها أبلغ ما يكون من الحجاج معه.
والحْظ أن الشيخ -رحمه الله- اختار هذا النوع من الحجاج لتجربته ولكثرة ما جادل المشركين، فهو أعلم - رحمه الله - بالحجة الأقوى، وبالشبه التي أدلى بها الخصوم، وكيف تُكشف هذه الشبه.
هذا نوع.
النوع الثاني: قال: (وقل له أيضاً) هذا وجه آخر من الحجة.(المشركون الذين نزل فيهم القرآن، هل كانوا يعبدون الملائكة والصالحين واللات وغير ذلك؟ فلابد أن يقول: نعم) إن كان عارفاً بما حصل من المشركين، وإن كان غير عالم بذلك؛ فتقيم عليه الحجة بإيضاح حال شرك المشركين، بما قدمناه لك في الدروس السابقة، فإذا أقمت عليه ذلك وأوضحته فلابد أن يقول: نعم؛ لأن القرآن أوضح ذلك أتم إيضاح.


قال: (فقل له: وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك) عبادتهم لآلهتهم فيم كانت؟
إنما كانت في الدعاء، كانوا يدعونهم، قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} يعني: ما ندعوهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، وكانوا يذبحون لغير الله؛ كما في حديث ثابت بن الضحاك: (أن رجلاً نذر أن ينحر إبلاً ببوانة، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: ((هل كان فيها وثن من أوثانهم؟)) قال: لا.


قال: ((هل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قال: لا.


قال: ((فأوف بنذرك)).


فدل قوله: ((هل كان فيها وثن من أوثانهم))أنهم كانوا يذبحون للأوثان، فإذاً تعبد المشركين بالذبح وبالنذر وبالدعاء ونحو ذلك هذا أمر معروف، ولم يكن شركهم من جهة أنهم يصلون لهم، أو أنهم يزكون لهم، أو أنهم يحجون لها، لهذه الآلهة، لا، كانوا يحجون لله، وكانوا يصلون، لهم صلاة، وكانوا يغتسلون من الجنابة، وكانوا يذكرون الله، ونحو ذلك مما ذكرناه في أنواع العبادات في أول هذا الشرح.


إنما كان شركهم من جهة أنهم يدعون غير الله، ويذبحون لغير الله، ويلتجئون لغير الله، ويتخذون تلك الآلهة، والأولياء والأنبياء وسطاء بينهم وبين الله جلّ وعلا.


قال: (وهل كانت عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك، وإلا فهم مقرون أنهم عبيد الله وتحت قهره) يعني بما قال الله -جل وعلا- في آيات كثيرة في إقرار المشركين بالربوبية.(وأن الله هو الذي يدبر الأمر، ولكن دعوهم والتجأوا إليهم للجاه والشفاعة، وهذا ظاهر جداً) لا شك أنه ظاهر جداً، وحجة واضحة، مبنية على فهم حال المشركين، وقد أوضحنا حالهم مفصلاً في أول شرح هذا الكشف المبارك.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#6

28 Nov 2008

العناصر

بيان الشبهة الرابعة وهي: زعمهم أن الالتجاء إلى الصالحين ودعاؤهم ليس بعبادة

كشف الشبهة الرابعة
بيان فرض إخلاص العبادة لله تعالى
- طرق معرفة العبادة
- بيان أن الدعاء عبادة
- دعاء غير الله تعالى شرك
- بيان أن الذبح لله تعالى عبادة
- بيان أن الذبح لغير الله تعالى شرك
- المشركون الأولون كانوا يعبدون الملائكة والصالحين
- لم تكن عبادتهم إياهم إلا في الدعاء والذبح والالتجاء ونحو ذلك
- الإقرار بتوحيد الربوبية لا ينفي الشرك في الألوهية
بيان أن الالتجاء إلى المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله: شرك
- أعظم أنواع الجهل: الجهل بالله تعالى وأسمائه وصفاته
- قول هذا الجاهل: "أنا لا أعبد إلا الله" إنما هو بحسب ظنه
- كثرة الأدلة على كشف الشبهة تزيد الحق وضوحاً
- من أنفع وسائل الحجاج أن تنزل من أمامك منزلة الجاهل

- المؤمن يستند في استدلالاته إلى الكتاب والسنة

عبد العزيز بن داخل المطيري

#7

28 Nov 2008

الأسئلة

س1: كيف ترد على من زعم أن دعاء الصالحين ليس بعبادة لهم؟

س2: ما معنى إخلاص العبادة لله عز وجل؟
س3: كيف تثبت أن الدعاء والذبح عبادة؟
س4: كيف كان شرك المشركين الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم؟
س5: ما معنى الالتجاء إلى الصالحين؟ وما حكمه؟
س6: ما حكم الدعاء عند القبور؟
س7: ما حكم سؤال الله عز وجل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم؟