30 Oct 2008
الدرس الثاني عشر: كشف الشبهة الأولى: وهي: أنهم مقرون بتوحيد الربوبية وإنما يسألون الصالحين لما لهم عند الله من الجاه
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَأَمَّا الجوَابُ المُفَصَّلُ:
فَإِنَّ أعْداءَ اللهِ لَهُمُ اعْتِرَاضاتٌ كَثيرةٌ عَلى دِينِ الرُّسُل يَصُدُّونَ بِها النَّاسَ عَنْهُ.
مِنْهَا: [الشبهة الأولى]
قَولُهُم:نَحْنُ
لا نُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً، بَلْ نَشْهَدُ أنَّهُ لا يَخْلُقُ وَلا
يَرْزُقُ ولا يحُيْي ولا يُمِيْتُ وَلا يُدَبِّرُ الأمْرَ وَلا يَنْفعُ ولا
يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَلا ضَرّاً، فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَلَكِنْ أَنا مُذْنِبٌ، وَالصَّالِحُونَ لَهُم جاهٌ عِنْدَ اللهِ، وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ بِهِمْ.
فَجَاوِبْهُ بِما تَقَدَّمَ وَهُوَ:أَنَّ
الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ لِي أَيُّهَا المُبْطِلُ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ
أَوْثَانَهُم لا تُدَبِّرُ شَيْئاً، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ممن قصدوا الجاهَ
وَالشَّفَاعَةَ، واَقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ
وَوَضَّحَهُ).
شرح سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَأَمَّا الجوَابُ المُفَصَّلُ:
فَإِنَّ أعْداءَ اللهِ لَهُمُ اعْتِرَاضاتٌ كَثيرةٌ عَلى دِينِ الرُّسُل يَصُدُّونَ بِها النَّاسَ عَنْهُ.
مِنْهَا: [الشبهة الأولى]
قَولُهُم:نَحْنُ
لا نُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً(1)، بَلْ نَشْهَدُ أنَّهُ لا يَخْلُقُ وَلا
يَرْزُقُ ولا يحُيْي ولا يُمِيْتُ وَلا يُدَبِّرُ الأمْرَ وَلا يَنْفعُ ولا
يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَلا
ضَرّاً، فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَلَكِنْ أَنا مُذْنِبٌ، وَالصَّالِحُونَ لَهُم جاهٌ عِنْدَ اللهِ، وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ بِهِمْ(2).
فَجَاوِبْهُ بِما تَقَدَّمَ وَهُوَ:أَنَّ
الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ لِي أَيُّهَا المُبْطِلُ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ
أَوْثَانَهُم لا تُدَبِّرُ شَيْئاً، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ممن قصدوا الجاهَ
وَالشَّفَاعَةَ، واَقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ
وَوَضَّحَهُ(3)).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت: 1389هـ): ((1) (وَأَمَّا الجَوَابُ المُفَصَّلُ) وَهُوَ الَّذِي يُجَابُ بِهِ عَنْ كُلِّ شُبْهَةٍ بِجَوَابٍ يَخُصُّهَا (فَإِنَّ أَعْدَاءَ اللهِ) - المُشْرِكُونَ عَبَدَةُ غَيْرِ اللهِ- (لَهُمْ اعْتِرَاضَاتٌ كَثِيرَةٌ عَلَى دِينِ الرُّسُلِ يَصُدُّونَ بِهَا النَّاسَ عِنْهُ مِنْهَا قَوْلُهُم) مَعَ شِرْكِهِم باللهِ: (نَحْنُ لاَ نُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا) وَهُمْ قَدْ وَقَعُوا فِيهِ لَكِنْ نَفَوْهُ عَنْ أَنْفُسِهِم جَهْلاً وَضَلاَلاً.
(2) (بَلْ
نَشْهَدُ أَنَّهُ لاَ يَخْلُقُ وَلاَ يَرْزُقُ ولاَ يَنْفَعُ وَلاَ
يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا
فَضْلاً عَنْ عَبْدِ القَادِرِ) الجِيلاَنِيِّ (أَوْ غَيْرِهِ) مِمَّنْ لَهُ جَاهٌ ومَنْـزِلَةٌ ومَقَامٌ كَبِيرٌ (وَلَكِنْ أَنَا مُذْنِبٌ) وَلَمْ أُؤَهَّلْ إِلَى الطَّلَبِ مِن الجَانِبِ الأَعْلَى (والصَّالِحُونَ لَهُم جَاهٌ عِنْدَ اللهِ وَأَطْلُبُ مِن اللهِ بِهِمْ) فَأَطْلُبُ مِنْهُم وَهُم يَسْأَلُونَ ويَطْلُبُونَ لي وَيُقَرِّبُونِي إِلَى اللهِ زُلْفَى، لاَ أَطْلُبُهُم ذَوَاتَهُم.
(3) (فجَاوِبْهُ
بِمَا تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ أَنَّ الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ، ومُقِرُّونَ أَنَّ
أَوْثَانَهُم لاَ تُدَبِّرُ شَيْئًا) وَأَنَّ اللهَ هو النَّافِعُ الضَّارُّ وَحْدَه (وَإِنَّمَا أَرَادُوا الجَاهَ والشَّفَاعَةَ)
فَقَطْ تَعَلَّقُوا عَلَيْهِم لأَِجْلِ جَاهِهِم عِنْدَ اللهِ؛ فَإِنَّ
المُشْرِكَ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ القُرْآنُ هو هَذَا: دُعَاءُ مَنْ
يَشْفَعُ لَهُم عِنْدَ اللهِ؛ لاَ أَنَّهُ يَخْلُقُ ويَرْزُقُ (وَاقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ ووَضَّحَهُ) اقْرَأْ عَلَيْهِ الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى هَذَا وهَذَا.
فَمِن الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى إِقْرَارِهِم بالرُّبُوبِيَّةِ:
-قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ
مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ
والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ
فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ}.
-وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قُل لِّمَنِ الأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قَوْلِهِ: {فَأَنَّى تُسْحَرُونَ}.
-وَقَوْلُه: {وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ
قُلِ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} .
-وَقَوْلُهُ: {وَلَئِن
سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} وَغَيْرُ ذَلِكَ مِن الآيَاتِ.
واقْرَأْ عَلَيْهِ الآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى أَنَّ اللهَ كَفَّرَهُم بِشِرْكِهِم في الإِلَهِيَّةِ،وَأَنَّهُم
مَا أَرَادُوا إِلاَّ شَفَاعَتَهُم وتَقْرِيبَهُم، وَأَنَّ هؤلاء مَا
زَادُوا عَلَى مَا فَعَلَهُ المُشْرِكُونُ الأَوَّلُونَ، لَيَتَبَيَّنَ
أَنَّهُ في عَمَايَةٍ عَمَّا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ ومُعَاكَسَةٍ لِمَا
جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ:
-كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ}.
- وَقَوْلِه تَعَالَى: {وَالَّذِينَ
اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ
لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي
مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ
كَـفَّارٌ}.
-وَقَولِهِ تَعَالَى: {وَمَا
لِيَ لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22)
أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَـنُ بِضُرٍّ لاَّ
تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونَ}.
-وَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ
جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم
مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ
شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد
تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ}.
وَنَظَائِرِهَا مِن الآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّهُم مَا أَرَادُوا مِمَّنْ قَصَدُوا إِلاَّ الجَاهَ والشَّفَاعَةَ
فحَاصِلُ
جَوَابِ هَذِه الشُّبْهَةِ: أَنَّكَ مَا زِدْتَ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ
المُشْرِكُونَ الأَوَّلُونَ، وَلاَ زَادَ فِعْلُكَ عَنْ فِعْلِهِم، بَلْ
أَنْتَ وَهُمْ سَوَاءٌ.
شرح الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَأَمَّا الجوَابُ المُفَصَّلُ:
فَإِنَّ أعْداءَ اللهِ لَهُمُ اعْتِرَاضاتٌ كَثيرةٌ عَلى دِينِ الرُّسُل يَصُدُّونَ بِها النَّاسَ عَنْهُ.
مِنْهَا: [الشبهة الأولى]
قَولُهُم:نَحْنُ
لا نُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً، بَلْ نَشْهَدُ أنَّهُ لا يَخْلُقُ وَلا
يَرْزُقُ ولا يحُيْي ولا يُمِيْتُ وَلا يُدَبِّرُ الأمْرَ وَلا يَنْفعُ ولا
يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَلا
ضَرّاً، فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ أَوْ غَيْرِهِ(1).
وَلَكِنْ أَنا مُذْنِبٌ(2)، وَالصَّالِحُونَ لَهُم جاهٌ عِنْدَ اللهِ، وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ بِهِمْ.
فَجَاوِبْهُ بِما تَقَدَّمَ وَهُوَ: أَنَّ
الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ لِي أَيُّهَا المُبْطِلُ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ
أَوْثَانَهُم لا تُدَبِّرُ شَيْئاً، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ممن قصدوا الجاهَ
وَالشَّفَاعَةَ، واَقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ
وَوَضَّحَهُ(3)).
الشرح:
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): ((1) قولُهُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى: (أمَّا الجوابُ الْمُفَصَّلُ...) إلخ؛ لأنَّ الجوابَ الأوَّلَ كانَ مُجْمَلاً، يَرُدُّ بهِ الإِنسانُ على كلِّ شُبْهةٍ، ثمَّ هناكَ جوابٌ مُفَصَّلٌ، أيْ: مُميَّزٌ بعضُهُ عنْ بعضٍ بحيثُ تُدْفَعُ بهِ شُبْهَةُ كلِّ واحدٍ بعينِها.
فإذا
قالَ لكَ الْمُشْرِكُ: أنا لا أُشْرِكُ باللهِ، بلْ أَشْهَدُ أنَّهُ لا
يَخْلُقُ، ولا يَرْزُقُ، ولا يَنْفَعُ، ولا يَضُرُّ إلاَّ اللهُ وحْدَهُ لا
شريكَ لهُ، وأنَّ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ لا
يَمْلِكُ لنفسِهِ نفْعًا ولا ضَرًّا، فَضلاً عمَّنْ دُونَهُ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، كَعَبْدِ القادِرِ، يَعْنِي ابنَ مُوسَى
الْجِيلاَنِيَّ، على خِلافٍ في اسمِ أبيهِ، كانَ مِنْ كِبارِ الزُّهَّادِ
والمُتَصَوِّفِينَ، وُلِدَ سنةَ 471(1) بِجِيلاَنَ، وتُوُفِّيَ سنةَ 561
فِي بَغْدادَ، وكانَ حَنْبَلِيَّ المَذْهَبِ، وهذا هوَ التَّوحيدُ، فهذهِ
شُبْهةٌ يُلَبِّسُ بِها، ولكنَّها شُبْهَةٌ داحِضةٌ لا تُفِيدُهُ شَيئًا.
(2) قولُهُ: (ولكنْ أنا مُذْنِبٌ...) إلخ، هذا بقيَّةُ كلامِ المُشَبِّهِ.
فَأَجِبْهُ:
بأنَّ ما ذَكَرْتَ هوَ ما كانَ عليهِ المشرِكونَ الَّذين قَاتَلَهم
النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واسْتَبَاحَ دِماءَهم ونِساءَهم
وأموالَهم، ولم يُغْنِهم هذا التَّوحيدُ شيئًا.
(3) قولُهُ: (واقْرَأْ عليهِ ما ذَكَرَ اللهُ تعالى في كتابِهِ ووَضَّحَهُ)
يُرِيدُ بذلكَ: أنْ تَقْرَأَ عليهِ ما ذكَرَ اللهُ في كتابِهِ منْ توحيدِ
الألوهيَّةِ؛ فإنَّهُ جلَّ وعلا أَبْدَأَ فِيهِ وأَعادَ، وكَرَّرَ مِنْ
أجْلِ تَثْبِيتِهِ فِي قلوبِ النَّاسِ وإقامةِ الحُجَّةِ عليهم:
- فقالَ تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ}[ الأنبياءُ: 25 ].
-وقالَ تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ}[ الذارياتُ: 56 ].
-وقالَ تعالى: {شَهِدَ
اللهُ أنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ
قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [ آلُ عِمرانَ: 18].
-وقالَ تعالى: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [ البقرةُ: 163].
-وقالَ تعالى: {فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [ العَنْكَبُوتُ: 56 ].
إلى
غيرِها مِن الآياتِ الكثيرةِ الدَّالَّةِ على وجوبِ توحيدِ اللهِ عزَّ
وجلَّ في عبادتِهِ، وأنْ لا يُعْبَدَ أَحدٌ سِواهُ، فإذا اقْتَنَعَ بذلكَ
فهذا هوَ المطلوبُ، وإنْ لمْ يَقْتَنِعْ فهوَ مُكابِرٌ مُعانِدٌ يَصْدُقُ
عليهِ قولُ اللهِ تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُفْسِدِينَ} [ النَّملُ: 14].
حاشية الشيخ صالح بن عبد الله العصيمي على شرح ابن عثيمين
قال الشيخ صالح بن عبدالله العصيمي: ( (1) هكذا ذكر المصنف - رحمه الله - تاريخ ولادته، والذي في ترجمته من (البداية والنهاية) (12/252) أنها على رأس السبعين بعد الأربعمائة.
شرح كشف الشبهات لفضيلة الشيخ: صالح بن فوزان الفوزان
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَأَمَّا الجوَابُ المُفَصَّلُ:
فَإِنَّ أعْداءَ اللهِ لَهُمُ اعْتِرَاضاتٌ كَثيرةٌ عَلى دِينِ الرُّسُل يَصُدُّونَ بِها النَّاسَ عَنْهُ.
مِنْهَا: [الشبهة الأولى]
قَولُهُم:نَحْنُ
لا نُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً، بَلْ نَشْهَدُ أنَّهُ لا يَخْلُقُ وَلا
يَرْزُقُ ولا يحُيْي ولا يُمِيْتُ وَلا يُدَبِّرُ الأمْرَ وَلا يَنْفعُ ولا
يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَلا
ضَرّاً، فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَلَكِنْ أَنا مُذْنِبٌ، وَالصَّالِحُونَ لَهُم جاهٌ عِنْدَ اللهِ، وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ بِهِمْ.
فَجَاوِبْهُ بِما تَقَدَّمَ وَهُوَ:أَنَّ
الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ لِي أَيُّهَا المُبْطِلُ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ
أَوْثَانَهُم لا تُدَبِّرُ شَيْئاً، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ممن قصدوا الجاهَ
وَالشَّفَاعَةَ، واَقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ
وَوَضَّحَهُ(1)).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان: ( (1) ذَكَرَ الشَّيْخُ -رَحِمَهُ اللهُ- في هذا المَقْطَعِ ثَلاَثَ شُبُهاتٍ للمُشْرِكِينَ هي مِن أَهَمِّ مَا عِنْدَهُم، فإذا عَرَفْتَ الإِجَابَةَ الصَّحِيحَةَ عنها فما بَعْدَها مِن الشُّبُهاتِ أَيْسَرُ مِنْهَا:
الشُّبْهَةُ الأُولَى: أنَّهم
يَقُولُونَ: نَحْنُ نَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ-، ونَعْلَمُ
أنَّه لاَ يَنْفَعُ ولاَ يَضُرُّ إلاَّ اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى، وأَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ- لاَ يَمْلِكُ نَفْعًا ولاَ
ضَرًّا فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ -يَعْنِي: عَبْدَ القَادِرِ
الجِيلاَنِيَّ- لَكِنْ هؤلاء لَهُم جَاهٌ عِنْدَ اللهِ، فَنَطْلُبُ مِن
اللهِ بِهِم -يَعْنِي: نَجْعَلُهُم وَسَائِطَ بَيْنَنَا وبَيْنَ اللهِ-
لِمَا لَهُم مِن الفَضْلِ.
فالجَوَابُ سَهْلٌ جِدًّا مِن كِتَابِ اللهِ بِأَنْ تَقُولَ:إنَّ
المُشْرِكِينَ مَعَ أَصْنَامِهِم مَا كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فيها أَنَّها
تَخْلُقُ وتَرْزُقُ وتَنْفَعُ وتَضُرُّ، وإِنَّمَا اتَّخَذُوهَا وسَائِطَ
بَيْنَهُم وبَيْنَ اللهِ، وهَذَا واضِحٌ في قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَيَعْبُدُونَ
مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ
هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لاَ
يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
عَمَّا يُشْرِكُونَ}.
نَزَّهَ نَفْسَهُ عن فِعْلِهِم وسَمَّاهُ شِرْكًا،مَعَ
أنَّهم يَقُولُونَ: هَؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ، ويَعْتَقِدُونَ
أنَّهم لاَ يَنْفَعُونَ ولاَ يَضُرُّونَ، وإنَّما قَصْدُهُم التَّعلُّقُ
بالجَاهِ فَقَطْ، فالآيَاتُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ المُشْرِكِينَ
مُعْتَرِفُونَ بأنَّه لاَ يَخْلُقُ ولاَ يَرْزُقُ ولاَ يُدَبِّرُ الأَمْرَ
إلاَّ اللهُ سُبْحَانَه وتَعَالَى، وأَنَّ أَصْنَامَهُم ومَعْبُودَاتِهِم
لاَ تَخْلُقُ ولاَ تَرْزُقُ ولاَ تُدَبِّرُ مَعَ اللهِ، وإنَّما
اتَّخَذُوها وَسَائِطَ، ولاَ فَرْقَ بَيْنَكُمْ وبَيْنَهُم.
وإِذَا
كُنْتَ مُذْنِبًا فَلِمَاذَا لاَ تَسْتَغْفِرُ اللهَ وتَطْلُبُ مِن اللهِ،
واللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- أَمَرَكَ بالاسْتِغْفَارِ ووَعَدَكَ التَّوْبَةَ،
وأَنْ يَقْبَلَ مِنْكَ ويَغْفِرَ ذُنُوبَكَ، ولَمْ يَقُلْ: إِذَا
أَذْنَبْتَ فاذْهَبْ إِلَى قَبْرِ الوَلِيِّ الفُلاَنِيِّ أو العَبْدِ
الصَّالِحِ الفُلاَنِيِّ وتَوَسَّلْ بِهِ واجْعَلْهُ واسِطَةً بَيْنِي
وبَيْنَكَ.
وتَقُولُ أَيْضًا:هَؤُلاَءِ إِذَا كَانَ لَهُم جَاهٌ عِنْدَ اللهِ فإِنَّ جَاهَهُم لَهُم، وصَلاَحَهُم لَهُم، وأَنْتَ لَيْسَ لَكَ إلاَّ عَمَلُكَ، وصَلاَحُ الصَّالِحِينَ لَهُم وجَاهُهُم عِنْدَ اللهِ لَهُم، مَا عَلاَقَتُكَ بِعَمَلِ فُلاَنٍ وصَلاَحِ فُلاَنٍ؟ كُلٌّ لَهُ عَمَلُهُ: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}{وَلاَ تُجْزَوْنَ إلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} فَجَاهُهُم وصَلاَحُهُم لَهُم، ولاَ يَنْفَعُكَ إِذَا كُنْتَ مُذْنِبًا، حتَّى والِدُكَ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَيْكَ، ووَلَدُكَ لاَ يَسْتَطِيعُ ولو كَانَ مِن أَصْلَحِ النَّاسِ أَنْ يَنْفَعَكَ {يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَومَئِذٍ لِّلَّه}.
- {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}.
- {وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا} .
- {يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ}.
شرح الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ
المتن:
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان التميمي (ت: 1206هـ): (وَأَمَّا الجوَابُ المُفَصَّلُ:
فَإِنَّ أعْداءَ اللهِ لَهُمُ اعْتِرَاضاتٌ كَثيرةٌ عَلى دِينِ الرُّسُل يَصُدُّونَ بِها النَّاسَ عَنْهُ.
مِنْهَا: [الشبهة الأولى]
قَولُهُم:نَحْنُ
لا نُشْرِكُ بِاللهِ شيئاً، بَلْ نَشْهَدُ أنَّهُ لا يَخْلُقُ وَلا
يَرْزُقُ ولا يحُيْي ولا يُمِيْتُ وَلا يُدَبِّرُ الأمْرَ وَلا يَنْفعُ ولا
يَضُرُّ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ نَفْعاً وَلا
ضَرّاً، فَضْلاً عن عَبْدِ القَادِرِ أَوْ غَيْرِهِ.
وَلَكِنْ أَنا مُذْنِبٌ، وَالصَّالِحُونَ لَهُم جاهٌ عِنْدَ اللهِ، وَأَطْلُبُ مِنَ اللهِ بِهِمْ.
فَجَاوِبْهُ بِما تَقَدَّمَ وَهُوَ:أَنَّ
الَّذِينَ قَاتَلَهُم رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُقِرُّونَ بِمَا ذَكَرْتَ لِي أَيُّهَا المُبْطِلُ، وَمُقِرُّونَ أَنَّ
أَوْثَانَهُم لا تُدَبِّرُ شَيْئاً، وَإِنَّمَا أَرَادُوا ممن قصدوا الجاهَ
وَالشَّفَاعَةَ، واَقْرَأْ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ اللهُ في كِتَابِهِ
وَوَضَّحَهُ).
الشرح:
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ: (لما ذكر إمام الدعوة -رحمه الله تعالى- ورفع درجته، أن جواب أهل الباطل من طريقين:
مجمل ومفصل، ذكر المجمل ثم ذكر المفصل.
ومن
المعلوم في فن التأليف أن التقاسيم إذا وردت، فإنه يناسب أن يقَدَّم ما كان
الكلام عليه مختصراً، وما كان الكلام عليه مطولاً فإنه يؤخر.
ولهذا الشيخ -رحمه الله- قدم المجمل على المفصل لاعتبارات:
منها: أن الكلام على المجمل قليل، والكلام على المفصل كثير، ولو أخر الكلام القليل لذهب الذهن في المفصل، ونسي أنه سيأتي المجمل.
ومن فوائد تقديم المجمل على المفصل:
أن
المجمل يفهمه كل أحد، يحتاجه كل موحد، وسَهْل الفهم إذا عَلِم عقيدة
التوحيد، وفهم بعض أدلتها؛ فإنه يمكنه أن يجعل ذلك محكماً، فإذا أتى من
يشبّه عليه دينه، ومن يجعله يتردد في بعض هذه أو يشككه أو يورد عليه الشبه
فإنه يحتج عليه بالمحكم، فلا يجد ذلك صعباً. وأما المفصل فيحتاج إلى علم،يحتاج إلى مقدمات، تارة لغوية وتارة أصولية، وتارة من واقع حال العرب. فقوله: (فإن أعداء الله لهم اعتراضات) هذا لأجل أنه سيورد بعد الاعتراضات الأجوبة، وهذا من ناحية الأسلوب ومن ناحية التأليف، ولكن المعنى ظاهر. قال: (منها
قولهم: نحن لا نشرك بالله بل نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر
إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه
نفعاً ولا ضراً، فضلاً عن عبد القادر أو غيره، ولكن أنا مذنب والصالحون لهم
جاه عند الله، وأطلب من الله بهم). القسم الأول: قولهم، أو الجملة الأولى: قولهم: (نحن لا نشرك بالله). وقولهم: (نحن لا نشرك بالله) راجع إلى أن الشرك له حقيقة شرعية جاءت في النصوص؛ ولكن حُرِّفت هذه الحقيقة وصرفت عن وجهها. هذا معنى الشرك، ولهذا فالشرك في النصوص تارة يتوجه إلى الشرك في الإلهية، وتارة يتوجه إلى الشرك في الربوبية. أما الشرك في الربوبية: فكقوله -جل وعلا- في سورة سبأ مثلاً: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} يعني: من شرك في التدبير والتصريف. والشرك الثالث: في الأسماء والصفات: وهذا
قرروه في كتبهم، فحصل منه أن معنى (لا إله إلا الله) عندهم يعني: لا قادر
على الاختراع إلا الله، لا خالق إلا الله، وإذا كان كذلك فيكون الشرك الذي
يخرج من كلمة التوحيد هو أن يقول: ثمَّ قادر على الاختراع، ثمَّ رازق، ثمَّ
من تحيرت الأفهام في حقيقته غير الله جل وعلا، فمتى يكون مشركاً عندهم؟. إذا
قال: إنه ثَم خالق غير الله جل وعلا، هذا الخليط من العقل واللغة الضعيفة
التي نقلوها أو القليلة، والشرع فيما نظروا فيه - يعني في بعض النصوص -
أنتج لهم أن الشرك هو الشرك في الربوبية- يعني: اعتقاد أن ثَم خالقاً مع
الله جل جلاله، ودُوّن هذا في كتب المتكلمين الأوائل، ونقله عنهم الأشاعرة
وأثبتوا ذلك في كتبهم، ولهذا الأشاعرة يقولون، والماتريدية: أول واجب على
العبد: النظر، وبعضهم يقول: الشك، وبعضهم يقول: القصد إلى النظر، فهذا أول
واجب. و(الإله) من هو؟ ومنهم من يقول:(الإله) بمعنى آله وهو المُحَيِّرُ، فلا يوصل إلى حقيقته، وهو الله جل وعلا. لهذا: هذا المشرك الذي قال في شبهته - قد يكون عالماً وقد يكون غير عالم - يقول: (نحن لا نشرك بالله) هو
قال هذه بحسب اعتقاده، هو لا يشرك بالله بحسب اعتقاده أن الشرك إنما هو
الشرك في الربوبية وليس في الإلهية، وهذا نتيجة لما ذكرت لكم. فأتى
من هذه الشبهة، ورد التوحيد باعتبار أن هذا الصالح الذي هو عند الله -جل
وعلا- مقرب، وهذا الصالح الذي هو عند الله له الزلفى والمقام الأعظم، بحيث
إنه لو سأل لم يرد. كلمة (بهم)هنا
ليس معناه التوسل بهم، يعني بجاههم، يقول: أسأل الله بالنبي، أسأل الله
بالولي، أسأل الله بـأبي بكر وعمر؛ لأن سؤال الله بالصالحين هذا بدعة
ووسيلة إلى الشرك، وليس شركاً أكبر، لكن القصد من قولهم: (وأطلب من الله بهم) يعني: أطلب من الله بوساطتهم وبشفاعتهم وبتقريبهم إياي عند الله زلفى. فإذاً كلمة (بهم) لا يقصد بها التوسل بالجاه؛ لأن هذا بدعة وليس شركاً، وإنما يقصدون بها الشفاعة والتقريب زلفى. -كما قال الله جل وعلا: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}. وقال للنبي عليه الصلاة والسلام: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}. إذاً:نوعت المعبودات المنفية، ولما نزل قول الله جل وعلا: {إِنَّكُمْ
وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا
وَارِدُونَ (98) لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا} فرح
المشركون، قالوا إذاً سنكون مع الصالحين، سنكون مع اللاتَّ، وسنكون مع
عيسى، وسنكون مع عزير، وسنكون مع كذا وكذا، مع من عبدنا، فأنزل الله -جل
وعلا- قوله: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا
الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا
وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} الآيات. لا تجابهه بأن تقول: هذه دعوى بل أنت مشرك، لا، تقول له نأخذها واحدة واحدة، أنت الآن تقول: أنا لا أشرك بالله، وأنك تشهد كذا وكذا. تنقله بعد ذلك للخطوة الثالثةفيما
قدمت لك سالفاً في معنى الشرك، ما معنى الشرك، ومعنى كلمة (لا إله إلا
الله) ثم تنقله إلى أن أولئك لم يرضوا بـ (لا إله إلا الله) لأنهم إنما
أرادوا الزلفى، بنص الآية، وأرادوا الشفاعة، بنص آية الزمر أيضاً: {أَمِ
اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا
يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (43) قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ
جَمِيعاً}. الثاني: أن تفهم كيف ترد الشبهة بعمومها، وكيف تفصل جمل الشبهة فترد عليها بخصوصها.
فقال
-رحمه الله تعالى- ابتداءً بالمفصل بعد المجمل، ابتداءً برد شبهة، وهي شبهة
تحتاج إلى نوع تأمل؛ لأن أكثر الذين يكون عندهم نوع قرب أو قبول للتوحيد
ربما تروج عليهم هذه أكثر من غيرها، فقال: (وأما الجواب المفصل: فإن أعداء الله لهم اعتراضات كثيرة على دين الرسل، يصدون بها الناس عنه) هذه الكلمة (وأما الجواب المفصل) ليست موجودة في كثير من النسخ المطبوعة، ولم أر النسخ الخطية حتى نتثبت هل هي موجودة أم لا؟
وعلى العموم فإن الشبهة على الجواب المفصل، الشبهة التي سيجيب عليها بالمفصل هي قولهم: (نحن لا نشرك بالله) إلى آخره.
ففي النصوص: الإشراك والشرك هو اتخاذ الند مع الله -جل وعلا- في المحبة والعبادة.
الإشراك
أو الشرك: هو أن يجعل لله شريك إما في ربوبيته، أو في ألوهيته، أو في
أسمائه وصفاته، يعني: أن يُعتقد أن له مماثلاً في اتصافه وفي أسمائه.
-كقوله جل وعلا: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً}.
-وكقوله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ}.
-وكقوله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
-وكقوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ}.
هذا هو الذي يعلمه أهل العلم بما دلت عليه - بالتنصيص - الآيات، فكان ذلك معلوماً عند العرب تفهمه بلغتها.
لما أتى اليونان إلى بلاد المسلمين بكتبهم، يعني: استقدم بعض المسلمين كتب اليونان - في قصة معلومة، ولا بأس أن نذكرها:
وهو
أن أحد ولاة العباسيين أرسل وفداً إلى ملك الروم، وطلب منه أن يرسل إليه
بكتب الأوائل التي عنده - كتب الأوائل المقصود بها كتب الروم واليونان،
وكتب من يسمونهم الحكماء والفلاسفة - فعرضوا هذا على الملك، مُوفَدين من
الوالي المسلم من ولاة العباسيين.
فقال:(أمهلوني) فاستشار علماء النصرانية، وعلماء بلده.
فقالوا له:هذه - وكانت موجودة في بيت للكتب - هي زينة مملكتنا، فكيف تعطيهم إياها؟ فأجبه بالنفي، فإن هذه لا يجوز أن تخرج من بلدنا.وسكت واحد منهم، فقال له: ما لك سكتَّ؟ وكان من حكمائهم وحذاق علماء نحلتهم وملتهم.
فقال:يا عظيم قومنا، أرى أن ترسل بالكتب إليهم، ولا تمنعهم منها.فقال له:ولم؟ قال:لأن
هذه الكتب ما دخلت إلى أمة إلا أفسدت عليها دينها، ووافقه عليه البقية،
فحصل أنها أُرسلت الكتب - كتب اليونان - وترجمت إلى آخر ذلك.
اليونان فلاسفة، الذين أُرسلت كتبهم، أرسطو، إلى آخره، وأفلاطون.
هذه الفلسفة غايتها توحيد الربوبية، غايتها
أن ينظر في الملكوت، وينظر في الوجود فيثبت أن هذا الكون له صانع؛ لأن هذا
غاية الحكمة، يثبت أن هذا الكون معلول عن علة، وهذه العلة عاقلة، فيسمونها
علة العلل أو العقل الأول، في كلام فلسفي، يعني له تفاصيل.
فدخل هذا على المسلمين، فلما
دخل رأى من قرأ تلك الكتب بعد ترجمتها أن هذه هي كتب الحكمة، وكتب
الحكماء، وكتب الفلسفة - يعني: طلب الحكمة - قالوا: إن هذه هي الغاية، فكيف
نوجد وسيلة للجمع مابين الشريعة، ما بين الإسلام -القرآن- وما بين هذه
الكتب، وفلسفة اليونان؟
فأخرجوا ما يسمى بعلم الكلام، وهو خليط من الشريعة - من النصوص - وما بين عقل الفلاسفة.
وهذا
الخليط جُعلت فيه الشريعة والعقل، هذا يقارن هذا، وهذه تقارن ذاك، يعني: ما
قدموا الشريعة على العقل، ولا العقل على الشريعة، فنظروا في هذا ونظروا في
هذا، لكن ينظرون في الشريعة بالعقل، وينظرون في العقلانيات بالشريعة.
هنا نظروا إلى أن غاية الغايات: هو النظر في الملكوت، فلهذا أجمع المتكلمون على أن أول واجب على العبد أن ينظر في الملكوت، ويثبت وجود الله جل وعلا.
هذا الأصل صار مستغرقاً عندهم لا محيد عنه، وخاصة بعد مرور عقيدة جهم وأن الغاية عنده: إثبات وجود الله أيضاً في مناظرته مع طائفة السُّمنِيَّة، كما ذكرت لكم فيما سبق.
هذا الخليط الذي نتج صار هو الغاية عند كثير من الناس، فبالتالي نظروا في تفسير كلمة التوحيد.
الشريعة
فيها: (لا اله إلا الله) هذه أصل التوحيد، وكلام الحكماء - كما يقولون -
فيه: (أن الغاية هو إثبات وجود الله، والنظر في علة العلل، والنظر في
الملكوت حتى يطلب الحكمة فيما وراء الطبيعة).
فقالوا: إذاً: معنى هذا - لأن ذاك عقل صحيح وهذه شريعة صحيحة - معناه أن يفسر (الإله) بالعلة، علة العلل.
- لأن أول واجب في الشريعة:(لا إله إلا الله).
- وأول واجب في الفلسفة:
أن ينظرَ في الملكوت، فيثبت أن لهذا الملكوت، أو لهذا الكون علة نتج عنها، فخلطوا ما بين هذا وهذا.
فقالوا:
ولا يمكن للعقل أن يكون مخطئا؛ لأن عندهم نتاج الفلاسفة عقل قطعي، ولا
يمكن أن تكون الشريعة فاسدة، فهذا صحيح وهذا صحيح، فقالوا: إذاً نفسر الإله
بأنه الخالق، بأنه القادر على الاختراع.
قالوا:
لكن (إله) في اللغة ليس معناه الخالق، فتأملوا فيما جاء في كتب اللغة
فوجدوا أن هناك من قال: (إله) هذا بمعنى: (آلِه) إذا جَعَل غيره متحيراً،
فأَلَه الرجل: تحير وتردد.وهذه مادة ربما تكون موجودة في بعض استعمالات العرب، أَلَه الرجل، يعني: تحير وتردد.
فقالوا:
إذاً (لا اله إلا الله) إذا كان معنى (الإله) هو الخالق القادر على
الاختراع، فهو الذي فيه تتحير الأفهام؛ لأن قصدهم هناك أن ينظر وهم إذا
نظروا وتأملوا تحيرت الأفهام حتى يثبت الوجود، فقالوا: هنا التقت اللغة مع
الشريعة مع العقل.
(الإله)منهم من يقول: (الإله) هو القادر على الاختراع.
فنتج من هذا - وهو موجود في كتب المتكلمين وكتب الأشاعرة والماتريدية إلى يومنا هذا - نتج من هذا انحراف خطير في الأمة، وهو
أن (الإله) ليس هو المعبود، وأن (لا إله إلا الله) معناها: لا قادر على
الاختراع إلا الله، لا مستغنياً عما سواه ولا مفتقراً إليه كل ما عداه إلا
الله، لا متحيراً في حقيقته إلا الله.
-فنتج من ذلك إخراج العبودية عن أن تكون في كلمة التوحيد.
- ونتج من ذلك الانحراف الخطير: أن
(لا اله إلا الله) ليست نفياً لاستحقاق أحد العبادة مع الله جل جلاله،
فنتج - وهي النتيجة التي قدم لها الشيخ هنا - أن طوائف كثيرة من المؤمنين -
يعني من المسلمين - فشا فيهم كلام الأشاعرة هذا، وكلام المتكلمين، وكلام
المبتدعة هذا، في معنى كلمة التوحيد.
فيكون معنى الشرك عندهم، راجعاً إلى واحد مما دلت عليه النصوص، وهو الإشراك في الربوبية، الذي جاء -مثلاً- في سورة سبأ وفي غيرها.
أما الإشراك في العبادة: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} فهذا عندهم لا ينقض كلمة التوحيد. نظروا بعد ذلك فيما فعلته العرب -وستأتي الشبهة التي تليها- بم أشركت العرب؟قالوا:
أشركت بعبادتها الأصنام، وبأنها ما وحدت الله في ربوبيته، ولم تقل (لا اله
إلا الله) بل قالت: إن الأصنام لها نصيب من الإلهية، يعني لها نصيب من
الربوبية.
فإذاً: هذه الكلمة (لا نشرك بالله) ردك عليها، كشف هذه الشبهة - كما ذكر الشيخ رحمه الله في آخر الكلام، وبما أوضحت لك - في أنه:
أولاً:توضح
موارد الشرك في القرآن، ما الذي نفي من الإشراك بالله؟ نفي الثلاثة التي
ذكرت لك، وكل واحدة عليها أدلة، حبذا تجمع هذه الأدلة في كل نوع وتحفظ ذلك،
هذا نوع.
الثاني: معنى الإشراك في النصوص.
الثالث: أن
تبين أن الانحراف وقع، فصُرف الإشراك - معنى الإشراك - عن معناه في النصوص
إلى المعنى الباطل، ونتج عنه أن كلمة التوحيد فهمت أيضاً غلطاً، ففهم منها
أنها نفي لربوبية غير الله جل وعلا، وهذا باطل.
فإذاً: قولهم (نحن لا نشرك بالله) هذه جملة يمكن أن تردها تفصيلاً، وهذه الشبهة التي أوردوها لها ردٌ بما أورده الشيخ رحمه الله.
الشيخ ما أجاب عن كل جملةٍ جملة، لكن أجاب عن النتيجة التي وصلوا إليها بهذه المقدمات الباطلة.
قالوا: (نحن لا نشرك بالله).لم لا تشركون بالله؟ قالوا: لأننا (نشهد أنه لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر إلا الله وحده لا شريك له) يعني: لا يخلق ولا يرزق استقلالاً، ولاينفع ولا يضر استقلالاً، إلا الله وحده لا شريك له.(وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً) كما
جاء في النصوص، يقولون: نحن نقول ذلك، فهو -عليه الصلاة والسلام- لا يملك
نفعاً ولا ضراً استقلالاً، ما يمكن أن يعطينا شيئاً، ولكن هو -عليه الصلاة
والسلام- يمكن أن يعطينا عن طريق الوساطة، عن طريق التقريب، عن طريق
التزلف، يعنى أن يقربنا زلفى.
وهذه الشبهة أول من أوردها-
فيما أعلم في كتابه - إخوان الصفا في كتابهم ورسائلهم المشهورة (رسائل
إخوان الصفا) الرسائل الخمسين المعروفة، فإنهم قرروا: أن التوحيد هو
الربوبية، وأن هؤلاء الأموات من الأنبياء والصالحين أنهم لا يملكون نفعاً
ولا ضراً - كما قال هنا هذا الذي أورد الشبهة - ولكن نتوسط بهم، لم تتوسط
بهم ؟ عللوا لأن أرواحهم عند الله؛ لأن الله قال عن أرواح الشهداء: {أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ}
والعندية: معناها أنهم لهم القربى عند الله، فلهم الجاه، ولهم الزلفى عند
الله جل وعلا، فإذا سألتهم، إذا دعوتهم فإنما تتوسط بهم؛ لا تسألهم
استقلالاً.
فيقول
هؤلاء: نحن لا نعتقد أن هذا ينفع ويضر بنفسه، ينفع ويضر استقلالاً، يخلق
استقلالاً، يرزق استقلالاً، حاشا وكلا، ولكن يمكن أن يخلق الله بواسطته
الولد في رحم الأم، إذا سألناه يمكن أن يرزق الله بواسطة شفاعته؛ لأنه مقرب
عند الله جل جلاله.
هذا التقريب عند الله -جل جلاله- وصفوه بقولهم: (ولكن أنا مذنب، والصالحون لهم جاه عند الله) فقدموا هاتين المقدمتين، يقول: أنا مذنب، والمذنب لا يمكن أن يكون ولياً لله أو مقرباً عند الله، فعلى اعتقاده لا يمكن أن يصل إلى الله مباشرة.
وأولئك قالوا: والصالحون لهم جاه عند الله، هذا الجاه ماذا يفعل؟
قالوا: هذا الجاه بمعنى أنه لو سأل لم يُرد ((وإن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)).
قال: (فجاوبه بما تقدم)
هذه الشبهة تلحظ: شكلها مركبة، لا شك أنها شبهة، وهي التي تروج عند
الجميع، كيف واحد يؤمن بالله، ويقول: إن الله واحد في ربوبيته، لاينفع إلا
هو، ولا يخلق إلا هو، ولا يرزق إلا هو، إلى آخر ذلك، ويقول: أنا مذنب، ولكن
أتوسل، يعني: أتقرب إلى الله بالصالحين بشفاعتهم، أسألهم أن يدعوا الله
لي، أتقرب إليهم بالدعاء ،حتى يشفعوا لي عند الله جل وعلا، هذا لا يجعلني
مشركاً، فأنا - على حد قولهم- يقول: هو لا يشرك بالله، وهذا ليس شركاً
بالله، فما الجواب؟
قال: (فجاوبه بما تقدم، وهو أن الذين قاتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مقرون بما ذكرت) فهذا الآن الدرجة الأولى من الجواب.
نقول
الآن له: نحن معك فيما ذكرت، لكن ننظر إلى حال المشركين الذين قاتلهم النبي
-صلى الله عليه وسلم- وحكم عليهم بالكفر والشرك ما حالهم؟ ننظر إلى القرآن
ماذا فيه؟
القرآن فيه أنهم مقرون بأن الله هو الخالق وحده، وهو الرازق وحده، وهو الذي ينفع وحده، وهو الذي يضر وحده.
إذا قال:ما الدليل على هذا؟ هل المشرك كان يعتقد هذا؟
-{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} وفي الآية الأخرى: {لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}.
- وقال جل وعلا: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ}.
- وفي آية سورة يونس: {قُلْ
مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ
وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ
اللَّهُ}.
إذاً:في
آيات كثيرة هذا الاعتقاد الذي وصفت أنك لست مشركاً باعتقاده، نقول: هذا
وصف الله -جل وعلا- به مشركي العرب، ومشركي أهل الجاهلية، فهذا الدرجة الأولى من جواب هذه الشبهة
الدرجة الثانية: (ومقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً)
الأوثان: جمع وثن، وهو المتجَه إليه بالعبادة، وفي غالبه لا يكون على هيئة
صورة، والأصنام ما كان على هيئة صورة، وقد يقال للأصنام: أوثاناً، باعتبار
أنها معبودة من دون الله جل وعلا؛ كما قال -جل وعلا- في سورة العنكبوت، في
قصة إبراهيم: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} وفي الآيات الأخر في قصة إبراهيم قال: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} فإذاً: هي أصنام وأوثان، فالأوثان: ما لم يكن على هيئة صورة.
فإذاً:نذهب إلى شرك المشركين ونقول له: المشركون مقرون بأن أوثانهم لا تدبر شيئا.
إذاً:المشرك مقر بأن الوثن ليس له نصيب في التدبير.
فإذاً:ما رفضه من كلمة (لا اله إلا الله) وصار به مشركاً، ليس من جهة اعتقاده أن ثم مدبراً غير الله جل جلاله؛ لأن الله -جل وعلا- قال: {وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ}.
هذا الآن المقدمة الثانية.
المقدمة الأولى: اعتقاد
المشركين في الربوبية في الله -جل وعلا- أنه هو المتفرد بالأمر، كما قال
ذلك عن نفسه، يعني: كما قال المشرك عن نفسه أنه يشهد هذه الشهادة.
الخطوة الثانية: اعتقاد أولئك في الأوثان، بم؟
قالوا: اعتقدوا في الأوثان - العرب - أنها لا تدبر شيئاً، إذا استدللت بالآيات وبحال العرب يأتي النتيجة وهي: (وإنما أرادوا الجاه والشفاعة).لماذا أرادوا الجاه والشفاعة فقط؟
لأن الله -جل وعلا- قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} ومن
المتقرر في اللغة أن كلمة (ما) النافية التي يأتي بعدها (إلا) هذه تفيد
الحصر، فكأنه قال عن قولهم: لا نعبدهم لشيء ولا لعلة من العلل، لا لأنهم
يملكون الرزق ولا يملكون الموت والحياة، ولا لأنهم يدبرون الأمر، ولا
نعبدهم إلا لشيءٍ واحد، وهو أن يقربونا إلى الله زلفى.
فإذاً: ينتج من ذلك، أن المشركين كان شركهم باعتقاد أن هذه الأوثان تقرب إلى الله زلفى، باعتقاد أن هذه الأوثان لأجل أن لها منـزلة عند الله، وأن لها جاهاً عند الله فهي تقرب.
ما هذه الأوثان التي عبدت؟الملائكة، أليس كذلك؟ {وَيَوْمَ
يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ
إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ
وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ}.
وقال -جل وعلا- في الأولياء: {أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ}.
وقال -جل وعلا- في قصة عيسى عليه السلام: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}.
فنقول:
ننظر إلى حال المشركين في الآيات، فإذا تأملت حال المشركين، وقصصت عليه
وتلوت عليه الآيات وأفهمته إياها، كيف كانت حالة المشركين، وأنهم مقرون بما
أقر هذا به.
فهي
له وحده دون ما سواه، يعني مِلكاً: هو الذي يخبرك عن حكمها جل وعلا، لا
تبتدئ أنت بتصريف أمرك في الشفاعة كما تريد، لا، هي لله -جل وعلا- سبحانه
استحقاقاً، وله -جل وعلا- مِلكاً، ومُلكاً، وأمراً ونهياً.
قال: (واقرأ عليه ما ذكر الله في كتابه ووضحه).بهذا
يتبين لك أن هذه الشبهة - وهي من الشبه التي قد تواجهها - كثيرٌ من الناس
تروج عليه، يقول: (كيف؟ أنا مؤمن وأناكذا وكذا، يعني: لأجل أني ذهبت إلى
رجل من الصالحين، من الأولياء عند قبره، وقلت له: اشفع لي فإن لك جاهاً عند
الله، ولك مقاماً عند الله، فاسأل الله لي أن يرزقني ولداً، اسال الله لي
أن يعطيني وظيفة، اسأل الله لي أن ييسر أمري، أكون مشركاً كـأبي جهل وكذا؟)
هذه تروج على كثير من جهة العاطفة،ومن
جهة التقرير، يقول: (أنا أصلي، وأنا أزكي، وأنا كذا، وأعتقد أن الله هو
الخالق الرازق، وأنا لا أشرك بالله جل وعلا) فينفي شيئاً، هو في حقيقته
واقع فيه.
لهذا
قال الصنعاني في رسالته: (تطهير الاعتقاد) وكذلك الشوكاني في رسالته (توحيد
العبادة) المعروفة، قالوا فيما جابهوه في اليمن، قالوا: (إن الأسماء لا
تغير الحقائق) يعني: إن غيَّر المشركون وعلماء المشركين الأسماء فإن
الحقائق لا تتغير، إذا سموا طلب الشفاعة وطلب الزلفى توسلاً، فإن هذا لا
يغير الحقيقة، إذا سموه سؤالاً بهم، كما قال الشيخ هنا عنهم.
قالوا: (وأطلب من الله بهم)
فهذا لا يغير حقيقة الأمر، وهو أنهم يطلبون من الله صحيح، ولكن متوسلين
بشفاعة أولئك لا بذواتهم، والتوسل بشفاعتهم: اشفع لي واسأل الله لي، واطلب
من الله لي، واسأل الله لي، وأشباه ذلك: هذا كله هو طلب الزلفى، أو يتقرب
إليهم ليشفعوا من دون التنصيص على الشفاعة، يقول: أنا أتقرب إليه، أذبح -
صحيح للولي- لكن أنا أقصد الذبح لله لكن للولي، حتى ينعطف قلب هذا العبد
الصالح عليّ لأني ذبحت، فيسأل الله لي.
فإذاً: تحتاج في رد الشبه إلى: أن تتدرج في المقدمات،أولاً.
الثالث: أن
تقدم الرد المجمل أو الرد الإجمالي على ما أورده من الشبهة، برد مفصل على
تفصيل كل جملة جملة، مثل ما ذكر الشيخ -رحمه الله- هنا، هنا قال: حالتهم،
اذكر لهم حالة المشركين، لا تجادله: أنت مشرك؛ لأنه كذا وكذا أولاً، لا.
ولكن
صف له حال المشركين، على تفصيل الكلام الذي ذكرنا، ثم انتقل بعد ذلك إلى
معنى كونه مشركاً، إلى معنى كونه نافى كلمة التوحيد، إلى آخر ما ذكرنا.
هذه من المهمات في
أن تتصور كيف تتدرج في رد الشبهة، واحذر من أن تنساق في رد الشبهة مع
العاطفة فتجبهه بكلام قد يقوي الشبهة عنده، فلا بد أن يكون الانتقال - كما
عليه قواعد إقامة البرهان وإقامة الحجاج مع المخالف - أن تنتقل في شأنه من
المتفق عليه إلى ما هو أقل اختلافاً، ثم إلى ما هو أكثر، وهكذا.
المسألة التي يقوى الاختلاف فيها لا تبتدئ بها،ابتدئ بالواضح جداً، ثم انتقل بعده درجة إلى الأقل وضوحاً ثم إلى الأقل وضوحاً، وهكذا.
أما إذا ابتدأت بما هو أكثر إشكالاً، فإنَّه لن يقتنع؛ لأن ما هو أكثر إشكالاً يحتاج إلى مقدمات كثيرة.
فإذاً:تبتدئ معه بما هو أكثر وضوحاً، والأكثر وضوحاً: وصف حال المشركين - مشركي العرب - من جهة إقرارهم بالربوبية، واحد.
الثاني: إقرارهم بأن أوثانهم لا تدبر شيئاً.
الثالث:بأنهم إنما أرادوا الزلفى والشفاعة، بنصوص القرآن في ذلك.
لكن
لو ابتدأت معه بمعنى العبادة ربما يأتيك بمخالفات، يقول لك: لا، العبادة هي
كذا، إذا أتيت معه في التكفير هنا يخالفك يقول لك: لا، هي كذا وكذا وكذا.
فتبتدئ معه بتقرير شرك المشركين،وترد عليه شبهته هذه بأن أولئك ما أرادوا إلا الزلفى.
فالتدرج
إذاً مهم، وبعض الذين دعوا إلى التوحيد - مع الأسف - أوقعوا المدعو في
شبهة أعظم مما كانت عنده؛ لأنه جاء للمستغلِق من المسائل فأراد أن يجيب
عليها بما عنده واضح، لكن ذاك عنده ليست بواضحة، فأراد أن يجيبه فزاد
الإشكال إشكالا.
العناصر
الجواب المجمل عن شبهات المشركين
أهمية الجواب المجمل
تفسير قول الله تعالى : ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات ...) الآية
- معنى المحكم والمتشابه
- ما يجب علينا تجاه المحكم
- ما يجب علينا تجاه المتشابه
- معاني الإحكام والتشابه في القرآن الكريم
- معنى قوله تعالى: (هن أم الكتاب)
- وجوب رد المتشابه إلى المحكم
- معنى قوله تعالى: (وأخر متشابهات)
- التشابه وقع في قسمي الكلام: الخبر والإنشاء
- معنى قوله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه)
- الزيغ سبب متقدم على اتباع المتشابه
- الحكمة من وجود المتشابه في القرآن الكريم
- معنى قوله تعالى: (ابتغاء الفتنة)
- معنى قوله تعالى: (وابتغاء تأويله)
- بيان معاني التأويل
- بيان معنى قوله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم)
- بيان نوعي المتشابه: المطلق والنسبي
- تفسير قوله تعالى: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ...) الآية
شرح حديث: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه" ...
- بيان ما يدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فاحذروهم)
مثال تطبيقي على الجواب المجمل
- الذين في قلوبهم زيغ يتبعون المتشابه ويتركون المحكم
- المشركون كانوا يقرون بتوحيد الربوبية
- كفر المشركين كان بسبب تعلقهم بالملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم:(هؤلاء شفعاؤنا عند الله)
- كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم حق لا يتناقض
خطر الدخول في مجادلات مع أهل الشبه دون تأهل
الأسئلة
س1: بين الجواب المجمل عن شبهات المشركين، مع التمثيل والاستدلال.
س2: تحدث عن أهمية الجواب المجمل.
س3:
قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ولكن أقطع أن كلام الله عز وجل لا يتناقض،
وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله) اشرح هذه العبارة
وبين دليلها، وأهميتها في كشف شبه المبطلين.
س4: فسر باختصار قوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات …} الآية.