14 Jan 2010
الباب الثاني: في الجار والمجرور، المسألة الأولى: تعلق الجار بفعل أو ما في معناه
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (الباب الثاني: في الجار والمجرور
وفيه أيضا أربع مسائل:
المسألة الأولى:
إحداها: أنه لابد من تعلق الجار بفعل، أو ما في معناه. وقد اجتمعا في قوله تعالى: {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} وقول ابن دريد:
واشتعل المبيض في مسـوده = مثل اشتعال النار في جزل الغضا
لعل أبي المغوار منك قريب
والثالث: (لولا) في قول بعضهم: لولاي، ولولاك، ولولاه. فذهب سيبويه إلى أن (لولا) في ذلك جارة، ولا تتعلق بشيء. والأكثر أن يقال: لولا أنا، ولولا أنت، ولولا هو، كما قال الله تعالى: {لولا أنتم لكنا مؤمنين}.
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
لابُــدَّ للـجَـارِّ مِــنَ التَّـعَـلُّـقِ ... بفِـعْـلٍ أوْ مَعْـنـاهُ نَـحْـوِ مُرْتَـقِـي
واسْتَثْـنِ كُـلَّ زَائِــدٍ لَــهُ عَـمَـلْ ... كالْبَـا ومِـنْ والكَـافِ أيضـاً ولَعَـلْ
لَـدَى عُقَيْـلٍ ثُــمَّ لَــوْلايَ كَــذَا ... لَـوْلاكَ لَــوْلاهُ فعـمـرٌو قَــالَ ذَا
لَـوْلا أَنَـا الفَصِيـحُ عِـنْـدَ الأَكْـثَـرِ ... وأَنْـتَ أيضـاً فَاعْلَـمْ هَـذَا واذْكُــرِ
والحُـكْـمُ لـلـجَـارِّ والـمَـجْـرُورِ ... كَجُمَـلِ الأَخْـبـارِ فــي المَشْـهـورِ
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (الباب
الثاني من الأبواب الأربعة في بيان أحكام الجار والمجرور وكذا في بيان
أحكام الظرف على سبيل التبعية وفيه أي في الباب الثاني أيضا أي كالباب
الأول لكن هذا التفسير تفسير بالنسبة إلى حال معناه لا إلى نفس معناه فإنه
مصدر حذف فعله سماعا تقديره آض أيضا بمعنى رجع رجوعا والغرض من إتيانه
الإشارة إلى المناسبة بين البابين وإلى بيان الترتيب بينهما أربع مسائل
فالجملة حال من المبتدأ العامل فيها معنى الإشارة المستفادة من حرف التعريف
الداخل عليه كما في قوله تعالى: {وهذا بعلي شيخا} فيكون الواو فيها للحال
ويجوز أن يكون للاعتراض فيكون الجملة اعتراضية إحداها أي أولها عدل عنه
دفعا من أول الأمر لتوهم سؤال الترجيح أنه أي الشأن قد أتى بضمير الشأن
إشعارا بأن الجملة التي تأتي بعده تتضمن معنى بديعا ألا ترى أنهم لا يقولون
هو الذباب طائر لا بد فيها من تعلق الجار أولا كما لا بد من تعلق المجرور
فالتعلق الأول تعلق لإفضاء الثاني كتعلق المعلول بالعلة فكذا فرد ذكر الجار
عن ذكر المجرور ههنا ويجوز أنى يكون تقدير الكلام لا بد من تعلق الجار
والمجرور كما هو المناسب لقوله في الجار والمجرور لكنه لا يلائم ضمير الشأن
بفعل نحو صليت في المسجد فالنحاة يعلقون حروف الجر بألفاظ الأفعال وإن كان
في التحقيق بمعانيها لكون غرضهم إصلاح الأمور اللفظية أصالة إنشاء إلى ما
ذكر بقوله أو بما فيه معناه أي من تعلق الجار باللفظ الذي يوجد فيه معنى
الفعل الاصطلاحي لكن المراد من معناه جزء معناه الذي هو الحدث لا الزمان إذ
لا دخل له في تعلق حرف الجر وهذا يتناول نسبة الفعل وما يلاحظ فيه معنى
الفعل بمعونة المقام مثال الأول زيد ساجد في المسجد ومثال الثاني إله في
قوله تعالى: {وهو الذي في السماء إله} فالإله اسم غير صفة تعلق به في
السماء لكونه مؤولا بمعبود ومثال الثالث كقولك فلان حاتم في قومه تعلق في
قومه بحاتم لما يلاحظ فيه معنى الجود وكقولك زيد أسد علي فإذا لم يوجد شيء
من هذه الأمور الأربعة قدر التعلق به هذا ثم إنك إذا قلت زيد في الدار قال
الكوفيون في مثل هذا أن العامل ههنا ليس بمقدر بل الناصب هو أمر معنوي وهو
كونه مخالفا للمبتدأ يرفع الخبر إذا كان عينه نحو زيد أخوك فينصبه إذا كان
غيره وكلا المذهبين أي التصريف غير معول عليهما ثم اختلف النحاة في الأفعال
الناقصة هل يتعلق حروف الجر والظرف بها أم لا فقال البعض لا يتعلق بها
لعدم دلالتها على الحدث فمنهم المبرد وأبو علي الفارسي وقال الآخر يتعلق
بها متمسكا بقوله تعالى: {أكان للناس عجبا أن أوحينا} فإن اللام في قوله:
{للناس} متعلق بكان فلا يتعلق بعجبا لكونه مصدرا مؤخرا وفيه بحث ولا يتعلق
أيضا بأوحينا لفساد المعنى ثم التحقيق أن تعلق حروف الجر بالأفعال مطلقا
إنما يكون بحسب دلالتها على الحدث ولا شك أن دلالة الأفعال الناقصة عليه
متحققة وإن لم تكن مقصودة فالتعلق بحسب الدلالة لا بحسب الإرادة فالحق أن
الأفعال الناقصة يتعلق بها حروف الجر نعم إذا كان حروف الجر من أجزاء
الكلام قبل دخول الأفعال الناقصة عليه لا يتعلق بها بل الواجب أن يتعلق بها
فلعل عدم التمييز بين الاعتبارين هو منشأ الاختلاف ههنا واختلفوا أيضا في
حروف المعاني هل يتعلق بها أم لا فالجمهور يمنعون ذلك مطلقا وقال البعض
يجوز مطلقا وقال الآخر إن كان حرف المعنى نائبًا عن فعل محذوف جاز ذلك على
سبيل النيابة لا الأصالة وإلا فلا يقال في نحو يا لزيد أن اللام متعلقة
بحرف النداء فالحق هذا التفصيل لأن حروف المعاني معانيها إضافات مخصوصة بين
أمرين على سواء فلا يتصور تعلق حروف الجر بها على سبيل إفضاء معانيها إلى
أحدهما نعم إذا خرجت عن الإضافات المحضة ولو صدرت معانيها قصدا وأريد
تعلقها بشيء يتعلق بها حروف الجر والظروف تعلقها بما فيه معنى الفعل وفي
كلام المصنف نوع إشارة إليه قال ابن الحاجب أن اليوم في قوله تعالى: {ولن
ينفعكم اليوم} ظرف للنفع المنفي أو لما في لن من معنى النفي أي انتفى في
هذا اليوم النفع فالسلب على التوجيه الأول سلب نفع مقيد كما أنه سلب نفع
مطلق على التقدير الثاني وقد اجتمعا أي التعلق بالفعل والتعلق بشبهه أو
الفعل وما يشبهه في قول تعالى: {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} الأول
للأول والثاني للثاني أي عليهم الأول يتعلق بالفعل وهو أنعمت وعليهم الثاني
متعلق بشبه الفعل وهو المغضوب والمغضوب مفعول عطف عليه وهو لازم الجار مع
المجرور يقوم مقام الفاعل ولذا لم يجمع لأن الاسم المفعول إذا عمل فيما
بعده لم يجمع جمع سلامة فإن قلت إذا اجتمعا كان اللائق أن يعمل الفعل لا
شبهه فإن قوله: {إذا جاء نصر الله} بطل نصر معقل مثل مشهور فيه ألا ترى أن
من الأرض في قوله تعالى: {ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض} متعلق بالفعل لا
بالمصدر قلت الترجيح بعد صحة التعلق بكليهما لكن عليهم الثاني لا يصح تعلقه
إلا بشبه الفعل لا غير ألا ترى أن في أنفسهم في قوله تعالى: {وقل لهم في
أنفسهم قولا بليغا} متعلق ببليغا لا بقل قوله قد اجتمعا جملة حالية متضمنة
للتعليل والاستدلال على ما ادعاه وكذلك قال فيما بعد فلا دليل فيه وكذا
اجتمعا في قول أبي بكر بن دريد الأزدي:
أما ترى رأي حالي لونه طرة صح تحت أذيال الدجى
واشتعل المبيض في مسود مثل اشتعال النار في جزل الغضا
معنى البيت أن شيب الرأس
اشتعل في سواده من العشق ومقاساته اشتعالا مثل اشتعال النار في الحطب
العظيم من الغضا خص الغضا بالذكر لأنه شجر إذا وقع فيه النار يشتعل سريعا
ويبقى فيه زمانا طويلا فإن قلت أليس قولهم اشتعل رأسي شيبا أبلغ من قولهم
اشتغل شيب رأسي في سواده وأوجز فلأي شيء عدل عنه ومثله غير عاجز عن إتيان
مثله قلت لقصد تصوير حاله على أوضح وجه ولكون المقام مقام البسط والإطناب
فكذا يطالب الكلام مع الإحياء واشتعل فعل ماض فاعله المبيض وهو من باب
الأفعال وكذا المسود قوله في مسوده متعلق باشتعل كما أن قوله في جزل الغضا
متعلق بالاشتعال قوله مثل في قوله اشتعال النار منصوب على أنه صفة مصدر
محذوف كضرب الأمير في قولك ضربت ضرب الأمير فالجملة الفعلية معطوفة على
جملة حالي كونه في البيت السابق الحاصل أن الاجتماع في الآية مقطوع به وفي
النظم مظنون ويحتمل النظم غيره وإن كان ذلك الاحتمال غير مقصود بناءً على
أن تعين تعلق في جزل بالمصدر معين تعلق في مسوده بالفعل فإنه أقوى وأوفى
لوجه التشبيه فلهذا قال وإن علق الأول أي في مسوده بالمبيض لأنه اسم فاعل
فاللام بمعنى الذي فيكون معتمدا على الموصول فإن قلت هذا ظاهر إذا لم تكن
اللام عوضا عن المضاف إليه وأما إذا كانت عوضا عن المضاف إليه بأن كان أصله
مبيضه فحذف الضمير وعوض عنه اللام فصار المبيض فعلى أي شيء يعتمد قلت على
الموصول أيضا فإن التعويض من سنن الإيجاز فلا يخرج شيئا عن معناه ألا ترى
أن التاء في قولهم العدة دين عوض عن فاء الفعل مع أنها تاء تأنيث أو جعلته
أي جعلت الأول حالا من المبيض حال كونه متعلقا بكائنا مثلا لا بكان واستقتر
لئلا يترتب على الشرط قيض الخبر فيكون لفي مسوده متعلقات ثلاثة أولها أعلى
وثانيها أوسط وثالثها أدنى فلا دليل حينئذ فيه أي في قول ابن دريد عليه أي
على اجتماع الفعل وشبهه ويستثنى من حروف الجر أي يستثنى من قولنا أنه لا
بد لكل حرف جر من تعلقه بفعل أو ما في معناه أربعة حروف جر فإن قلت
الاستثناء ينافي القاعدة قلت نعم إذا كان القاعدة قطعية وأما إذا كانت
استقرائية ظنية فلا ينافيها لأن الاستقراء فيها غير تام فإن قلت كان الأولى
أن يقدم الاستثناء على التمثيل ومتعلقاته فإن تأخيره مختلف فيه وعدم
تأخيره متفق عليه وأن الخروج من المختلف فيه إلى المتفق عليه أولى قلت
سلمناه لكن لا نسلم أن ههنا تأخير الاستثناء غاية ما في الباب أن فيه تأخير
أخبار الاستثناء عن أخبار الشواهد لتعلقه بما خرج عن القاعدة كما أن أخبار
الاجتماع متعلق بإثبات القاعدة وتوضيحها فعلم من هذا أن الواو في قوله
ويستثنى للعطف على قوله وقد اجتمعا من حيث شهادة فحوى الكلام ويحتمل أن
يكون للاعتراض وأما فائدة الاستثناء فهي الإعلام بأن أحكام الحروف
المستثناة مغايرة لأحكام الحروف الغير المستثناة فلذلك فرع عليه قوله فلا
يتعلقن يتعلقن فعل فاعله النون الراجعة إلى الحروف الأربعة بشيء من الفعل
وغيره والسر في إثبات التعلق ونفيه أن الفعل عامل كالعاقل فكان النجار إذا
كان عاجزًا عن إيصال أثره إلى الخشب يحتاج فيه إلى المنشار وأما إذا كان
قادرا على ذلك فليس له احتياج إليه كما إذا وضع الخشب بعضها على بعض بنفسه
مثلا كذلك الفعل إذا كان قاصرا عن الوصول إلى الأسماء فأنت تعينه على ذلك
بحرفي الجر وأما إذا كان متعديا بنفسه فلا حاجة إلى التوصل بحرف الجر أحدها
الحرف الجار الزائد لغرض من الأغراض ويسمى حرف الزيادة صلة لأنها توصل إلى
زيادة فصاحة واستقامة وزن أو حسن سجع أو تأكيد إلى غير ذلك وزائدا لأنه لا
يتغير بحذفه أصل المعنى وأما اللام في قوله تعالى: {مصدقا لما معهم} فإنها
تتعلق بمصدقا لأنها ليست زائدة محضة إلا أن عمل اسم الفاعل لما ضعف
بالنسبة إلى الفعل نزل منزلة القاصر ولا معدية محضة لاطراد صحة إسقاطها
فلمثلها منزلة بين منزلتين كالباء في قوله تعالى: {كفى بالله شهيدا} كفي
فعل فاعله بالله فالباء صلة فإن الفعل لكمال اتصاله بفاعله لا يحتاج فيه
إلى حرف الجر وشهيدا منصوب على التمييز فإن قلت إذا كان زائدا غير مراد فلم
عمل عمل الجر قلت لرعاية صورة حرف الجر على أن سلب الإرادة لا يقتضي سلب
الدلالة والدلالة متحققة ههنا وإن العمل بحسب الدلالة لا بحسب الإرادة كما
مر في قوله تعالى: {وما ربك بغافل} غافل خبر ما التي بمعنى ليس فلا حاجة في
ذلك أي إلى حرف الجر فتكون الباء لتأكيد النفي واستغراقه ومن هذا القبيل{
أليس الله بأحكم الحاكمين} وفي قولهم أحسن بزيد إذا كان الهمزة فيه للتعدية
يكون الباء زائدة فإن كان بزيد فاعل أحسن تكون زائدة في الفاعل كما في
{كفى بالله شهيدا} كما هو مذهب سيبويه وإن كان مفعولا تكون زائدة في
المفعول كما في {ولا تلقوا بأيدكم} كما هو مذهب الأخفش وإن كانت للصيرورة
تكون الباء فيه للتعدية فلا تكون زائدة وكمن في قوله تعالى: {ما لكم من إله
غيره} ما بطل عملها لتقدم خبرها على اسمها وإله مبتدأ فتكون من فيه زائدة
كالباء في قولهم بحسبك درهم وغيره صفة إله قوله لكم خبر مقدم عليه وفي قوله
تعالى: {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} ذكر في الكواشي أن
خالق مبتدأ محذوف الخبر ومن صلة تقديره هل خالق غير الله لكم إنما احتيج
إلى حذف الخبر فيكون استعمال هل على القياس فإنها لا تدخل على مبتدأ خبره
فعل إلا على شذوذ نحو هل زيد خرج وكذا قال صاحب الكشاف أن الفعل ههنا مضمر
يفسره يرزقكم فإن قلت قد جوز أيضا أن يكون قوله يرزقكم صفة لخالق فكيف يجوز
وصف خالق غير الله بالرازقية وما الجن حينئذ قلت أما اعتبار الموصوف
والتوصيف ههنا فمجرد تصوير المنفي لا للإثبات فإن الاستفهام فيه للإنكار
وكم من مستحيل تعرض ليعلم امتناعه على أوضح وجه ألا ترى إلى قوله تعالى: لو
كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا} كيف قد التوحيد على طريقة قياس الخلق
والاستثناء وأما الخبر فهو الظرف المحذوف كما مر آنفا قرأ غير الله
بالحركات الثلاثة فالجر والرفع على الوصف لفظا ومحلا والنصب على الاستثناء
وزيادة من في النفي والاستفهام قياسية وأما زيادتها في الكلام المثبت ففيها
اختلاف وعد الباء الزائدة ومن الزائدة من قبيل واحد لاطراد زيادتها في
الكلام غير الموجب والحرف الثاني من الحروف الأربعة لعل للطمع وقلما يخلو
منه الإنسان فلذا كثر دورها في اللسان ففيها لغات منها لعن على وعن وعن لعن
إلى غير ذلك في لغة من يجر الاسم بها علم من هذا أن إسناد الخبر إلى
المتكلم حقيقة وإسناده إلى الحروف مجاز كإسناد القطع إلى السكين وهو عقيل
تصغير عقيل اسم قبيلة من قبائل الغرب يعني أنهم قبيلة معينة كسائر القبائل
ولغتهم معتبرة عندهم فالمقصود من هذا الرد على من قال أن الجر بلعل شاذ
وعلى سبيل الحكاية وإنما لم تتعلق بشيء لأنها كالحرف الزائد لأن مجرورها في
موضع رفع بالابتداء يدل على ذلك ارتفاع ما بعده على الخبرية كما قال: قال
شاعرهم:
لعل أبي المغوار منك قريب
أبي المغوار مرفوع محلا
على أنه مبتدأ وقريب خبره ومنك متعلق به وإنما دخلت لمجرد إفادة معنى
التوقع لا التعدية كما أن ليت لإفادة التمني وأما الجر بها للتنبيه على أن
الأصل في الحروف المختصة بالأسماء أن تعمل عملا مختصا بها وهو الجر والثالث
من الحروف الأربعة التي لا تتعلق بشيء لولا الامتناعية إذا دخلت على
المضمر فإن تقييدها بقول البعض يشعر بذلك أما لولا التحضيضية فإنها لا
يليها إلا الفعل ظاهرا أو مضمرا ومعموله في قول بعضهم أي في كلام بعض العرب
وإشعارهم وإن كان ذلك القول قليلا لولاي في التكلم كما وقع في شعر يزيد بن
الحكم فإن قلت يزيد بن الحكم لحان فلا يعتبر شعره قال المبرد إن النحاة
أخذوا ذلك القول من يزيد بن الحكم فلا يكون مقبولا لأنه كان لحانا في شعره
قلت اتفاق النحاة على صحة رواية لولاك دليل في الجملة على صحة لولاي وقد
وقع في شعر غيره أيضا ولولاك في الخطاب وكذا أخواته ولولاه في الغيبة وكذا
أخواته إن خص الأمثلة في ثلاثة لأن الضمير لا يحول عن أحد الاعتبارات
الثلاثة وأما وجه الترتيب فلأن أعرف المضمرات ضمير المتكلم ثم ضمير المخاطب
ثم ضمير الغائب فاختلف في توجيه هذا القول والاستعمال فمذهب سيبويه أن
لولا في مثل ذلك القول والاستعمال حرف جر والضمير بعدها مجرور متصل إذا لو
كان منصوبا لجاز أن تلحق نون الوقاية به مع الياء كما في الضمائر المتصلة
بالحروف نحو ليتني وإنني ولكنني ومني وعني ولو كان ضميرا مرفوعا لكان من
صيغ ضمائر الرفع فتعين أن يكون مجرورا متصلا ولا يتعلق بشيء من الفعل وغيره
لأنها جيئت للدلالة على امتناعها جوابه الأول لا للتعدية والإفضاء فإن قلت
أن لولا تدل على ارتباط مضمون جملة بمضمون جملة أخرى لحروف الشرط أما
دلالتها على ارتباط وجود جوابها بعدم مدخولها بحسب المنطوق فظاهرة وأما
دلالتها على ارتباط امتناع جوابها بوجود مدخولها فبأي طريق هي قلت دلالتها
على الامتناع لوجود الأول بنحو طريقة مفهوم الشرط بشهادة فحوى الكلام كما
أن دلالتها على ارتباط تححقق وجوبها بعدم مدخولها بطريق المنطوق بحسب شهادة
استعمال اللغة فعلم من هذا أن دلالتها على ارتباط امتناع الثاني بوجود
الأول مترتبة على دلالتها على ارتباط وجود الثاني بعدم الأول ترتب الثمرة
على الشجرة ثم إنك تشهد بأن مدخولها متعلق بجوابها من حيث دلالتها على
الامتناع وإن كان غير متعلق به من حيث دلالتها على ارتباط وجود الثاني بعدم
الأول لكن المراد من قوله لا يتعلق بشيء سلب التعلق بحسب المنطوق كما هو
المناسب للمباحث اللفظية فلا يغفل عن هذا إذ ربما يشتبه أحد الاعتبارين
بالآخر قال الجوهري أما لولا فمركبة في معنى أن لو لأنها يمنع الثاني من
أجل وجود الأول تقول لولا زيد لهلكنا أي امتنع وقوع الهلاك من أجل وجود زيد
هناك هذا وإن بالأحسن الأخفش قال إن لولا في مثل ذلك القول غير جارة وإن
الضمير المتصل الواقع بعدها ضمير مرفوع للضبط وللاحتراز عن التكثير بلا
ضرورية غاية ما في الباب أنهم استعاروا صيغة المجرور المتصل مكان الضمير
المرفوع المنفصل وهو شائع كثير عما عكسوا في قولهم ما أنا كانت لكن المختار
مذهب الأخفش لما ذكر ولأن القليل يلحق بالكثير وفي كلام المصنف إشارة إليه
ولأن الضمير فرع الظاهر وإذا لم تكن جارة للأصل فكيف تكون جارة للفرع
ولأنه لو فرق بين قولك لولاك أنت من حيث المعنى فكما أنها ليست بجارة في
الثاني اتفاقا يجب أن تكون غير جارة في الأول رعاية لموجب اتحاد المعنى
واحترازا عن التحكم المحض فقد ظهر بأن الكلام الواقع بعدها يكون جملة واحدة
إذا كانت حرف جر وجملتين إذا كانت غير جارة تحكم أيضا وأما القول بأنها لو
كانت حرف جر لاحتاجت إلى شيء تتعلق به ههنا فضعيف إذ ليس من لوازم حرف
الجر تعلقه بشيء لاسيما عند من قال أنها حرف جر والأكثر أن يقال لولا أنا
في التكلم بصيغة الضمير المرفوع المنفصل فإن قلت إذا دخلت على المرفوع
المنفصل تكون خارجة عما نحن بصدده فما فائدة قوله والأكثر أن يقال إلى آخره
قلت فائدته تكميل وجودة استعمالها إذا دخلت على الضمير وأشار اللمذكي إلى
وجه ترجيح المذهب المختار كما مرت إليه الإشارة آنفا فعلم من هذا أن الواو
فيه واو الحال ويجوز أن تكون للعطف لكنه من قبيل عطف القصة على القصة ولولا
أنت في الخطاب وكذا أخواته ولولا هو ولولا هما ولولا هم إلى آخره وهذا
الاستعمال أفصح وقال عن تكلف التوجيه المذكور كما قال الله تعالى: {لولا
أنتم لكنا مؤمنين} آخر الشاهد على سبيل الاستئناف عن قوله لولا هو وإن كان
الأنسب أن يقدم عليه لتنتظم الأمثال في سلك واحد بلا تخلل فصل والإشارة إلى
أنها شاهد للكل من حيث المعنى لولا حرف تدل على امتناع الثاني لوجود الأول
وتختص بالجملة الاسمية المحذوفة الخبر غالبا فأنتم مبتدأ خبره محذوف وهو
موجودون واللام في الجواب للتأكيد وكان فعل من الفعال الناقصة ونا مرفوع
المحل على أنه اسمها ومؤمنين منصوب على أنه خبرها وكان مع اسمها وخبرها
جملة فعلية أقيمت مقام الخبر المحذوف هذا وأنها إذا دخلت على الاسم المظهر
يكون ما بعدها مرفوعا لا غير نحو لولا علي لهلك عمر قال الشافعي رحمه الله:
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
والحرف الرابع من الحروف
التي لا تتعلق بشيء كاف التشبيه نحو زيد كعمرو وأما الكاف بمعنى المثل فهو
اسم لا يتعلق بشيء من الفعل وغيره اتفاقا والفرق بينهما من حيث المعنى أن
الأول يدل على إضافة مخصوصة كسائر حروف الجر والثاني يدل على ذات تلاحظ فيه
معنى فتكون اسما مثل الكتاب والإمام والخاتم واختلف في أن كاف التشبيه هل
تتعلق بشيء أم لا فزعم الأخفش وابن عصفور أنها أي كاف التشبيه لا تتعلق
بشيء استدل على ذلك بأنه إذا قيل زيد كعمرو فإن كان المتعلق استقر فالكاف
لا تدل عليه بخلاف نحو قولك زيد في الدار فإنها تدل على الظرفية والاستقرار
مناسب لها وإن كان فعلا مناسبا لكاف التشبيه وهو أشبه فهو متعد بنفسه لا
بالحرف فالجواب أن الشرط في حروف الإضافة أن تدل على أن لها متعلقا ما وأما
الدلالة على خصوصية متعلقها فمستفادة من غيرها وقال غيره أنها تتعلق بشيء
كسائر حروف الجر وكذلك تقع مع متعلقها صلة للموصل في السعة وارتكاب حذف صدر
الصلة ضعيف إذ لا حاجة إليه ومجيئها على حرف واحد يدل عليه في الجملة أيضا
فإن الأسماء الظاهرة لا تجيء على حرف واحد إلا محذوفا منها وعلى سبيل
الشذوذ فالتحقيق أن هذا النزاع مبني على نزاع آخر فإن الأخفش قال إن الكاف
تكون اسما في الكلام فظاهر كلام علي الفارسي على ذلك وقال سيبويه لا تكون
اسما في الكلام إلا في ضرورة الشعر فإذا تقرر هذا عرفت أن لا نزاع ههنا في
الحقيقة حتى أن من قال إنها مشتركة بينهما فاللائق به أن يقول تتعلق بشيء
من الفعل وغيره إذا كانت حرف جر أو لا تتعلق به إذا كانت اسما هذا ثم إن
المصنف لما كان مذهب الأخفش ههنا غير مرضي عنده أسند إليه الزعم أولا وأشار
على بطلانه ثانيا بقوله وفي ذلك أي في عدم تعلق كاف التشبيه بشيء بحث فإن
جميع الحروف الجارة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدل على مطلق الاستقرار
بمعونة المقام فالكاف موضوعة للتشبيه لقصد إيصال الفعل أو معناه إلى ما
بعدها وقد تزاد الكاف إذا أمن اللبس بأن لم يصلح للتشبيه قال الله تعالى:
{ليس كمثله شيء} قال الفراء قد يجيء الكاف بمعنى على كقول العرب كخبر في
جواب كيف أصبحت هذا وأن رب عند الرماني وابن ظاهر لا تتعلق بشيء فإذا قلت
رب رجل صالح لقيته فمجرورها مفعول في المثال الثاني ومبتدأ في الأول على حد
زيدا ضربته لكن الناصب بعد المجرور لا قبله لأن رب لها صدر الكلام من بين
سائر حروف الجر وإنما دخلت في المثالين وغيرهما لمجرد إفادة التكثير أو
التقليل لا لتعدية العامل حتى تتعلق به وأما الجمهور فقد قالوا أن رب ههنا
حرف جر ففيه بحث لأنهم إن قالوا أنها عدت العامل المذكور فلا حاجة إليها
لأن العامل المذكور مما يتعدى بنفسه مع أنه قد استوفى معموله في الأول وإن
قالوا أنها عدت عاملا محذوفا تقديره حصل أو نحوه كما صرح به جماعة ففيه
تقدير ما معنى الكلام مستغن عنه ولم يلفظ به في وقت وحرف الاستثناء كخلا
وعدا وحاشا حرف جر عند الخفض لا يتعلق بشيء قد خلت لتبعيد الفعل عما دخلن
عليه كما أن إلا كذلك وذلك المعنى خلاف معنى التعدية الذي هو إيصال معنى
الفعل إلى الاسم ولو صح أنها متعلقة لصح ذلك في إلا مع أن أحدا لم يقل به
والجواب أن المراد من التعدية ههنا هو التعدية الاصطلاحية وهي الذي تفيد
معاني الأفعال وتكملها على ما هي عليه لا التعدية اللغوية حتى يتوجه ما ذكر
وإلا فأنى يتصور بعدية فعل شخص إلى غيره حقيقة ألا ترى أن من وإلى في
قولك: خرجت من البصرة إلى الكوفة تكملان بين الخروج على ما هو عليه ولم
ينصب المستثنى منه كما في إلا ليحصل الفرق بين كونها أفعالا وبين كونها
حروفا ومتى حرف جر عند هذيل لا تتعلق بشيء أيضا).
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (الباب الثاني: في الجار والمجرور
فيه أيضا أربع مسائل واشتعل المبيض في مسوده = مثل اشتعال النار في جزل الغضا وكم موطن لولاي طحت لولاك في ذا العام لم أحجج
المسألة الأولى: تعلق الجار والمجرور بفعل أو بما في معناه
(إحداها: أنه لابد من تعلق الجار والمجرور بفعل) ماض أو مضارع أو أمر أو (بما في معناه) من مصدر أو صفة أو نحوهما. والمراد بالتعليق العمل في محل الجار والمجرور نصبا أو رفعا. مثال تعلق الجار والمجرور بالفعل نحو: (مررت بزيد) فالجار والمجرور في محل نصب بمررت.
ومثال تعلق الجار والمجرور بما في معنى الفعل نحو: (زيد ممرور به) فالجار والمجرور في محل رفع على النيابة عن الفاعل بممرور.
(وقد اجتمعا) أي: التعلق بالفعل والتعلق بما في معناه في قوله تعالى: {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} (فعليهم) الأول متعلق بفعل وهو (أنعمت) ومحله نصب .. و(عليهم) الثاني: يتعلق بما في معنى الفعل وهو المغضوب ومحله رفع على النيابة عن الفاعل. (وقد اجتمعا) أيضا في قول أبي بكر بن دريد في مقصورته:
(ففي مسوده) متعلق بفعل وهو (اشتعل)، (وفي جزل) متعلق بما في معنى الفعل وهو اشتعال (وإن علقت)
الجار والمجرور الأول وهو في مسوده (بالمبيض أو جعلته حالا منه متعلقا بـ
(كائنا) محذوفا (فلا دليل فيه) على اجتماعهما لأن المجرور الأول والثاني
متعلقان بما في معنى الفعل وهو المبيض أو (كائنا) واشتعل معناه انتشر،
والمبيض شديد البياض، والضمير في مسوده عائد على الرأس في البيت قبله
(ومثل) بالنصب مفعول مطلق والجزل الغليظ من الحطب اليابس، والغضا شجر معروف
إذا وقع فيه النار يشتعل سريعا، ويبقى زمانا، شبه بياض الشيب، وانتشاره في
رأسه، باشتعال النار في الحطب الغليظ وانتشارها فيه.
(ويستثنى من حروف الجر أربعة فلا تتعلق بشيء):
(أحدها): الحرف (الزائد، كالباء) الزائدة في الفاعل نحو: {كفى بالله شهيدا} ونحو: وأحسن زيد بالرفع. فزيدت الباء في الفاعل، وأحسن بكسر السين فعل تعجب والزائدة في المفعول نحو: {ولا تلقوا بأيديكم} وفي المبتدأ نحو: (بحسبك درهم) وفي خبر الناسخ المنفي نحو: {أليس الله بكاف عبده} {وما الله بغافل عما تعملون}.
(وكمن) الزائدة (في) الفاعل نحو: {أن تقولوا ما جاءنا من بشير} وفي المفعول نحو: {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} وفي المبتدأ نحو: {ما لكم من إله غيره} و{هل من خالق غير الله}
واستفيد من الأمثلة أن الباء تزاد في الإثبات والنفي، وتدخل على المعارف
والنكرات. وأن (من) لا تزاد في الإثبات، ولا تدخل على المعارف على الصحيح.
وإنما لم يتعلق الزائد
بشيء لأن التعلق هو الارتباط المعنوي. والزائد لا معنى له يرتبط بمعنى
مدخوله، وإنما يؤتى به في الكلام تقوية وتوكيدا.
والحرف (الثاني):
مما لا يتعلق بشيء (لعل) الجارة (في لغة من يجر بها) المبتدأ (وهم عقيل)
بالتصغير، (ولهم في لامها الأولى الإثبات والحذف) فهاتان لغتان ولهم في
لامها ( الأخيرة الفتح والكسر) فهاتان لغتان أيضا، وإذا ضربت اثنين في
مثلهما يحصل من ذلك أربع لغات وهي: لعل ولعل وعل بفتح الأخيرة وكسرها فيهن.
واشتهر أن عقيلا يجرون بـ (لعل) (قال شاعرهم) وهو كعب بن سعد الغنوي:
وداع دعا: يـا من يجيب إلى النـدى = فلم يستجبه عند ذاك مجيب
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت جهرة = لعل أبي المغوار منك قريب
فجر بها (أبي المغوار)
تنبيها على أن الأصل في الحروف المختصة بالاسم أن تعمل العمل الخاص به وهو
الجر، وإنما قيل بعدم التعلق فيها لأنها بمنزلة الحرف الزائد الداخل على
المبتدأ.
والحرف (الثالث): مما لا يتعلق بشيء (لولا) الامتناعية، إذا وليها ضمير متصل لمتكلم أو مخاطب أو غائب (في قول بعضهم: لولاي، ولولاك، ولولاه)
كقول زيد بن الحكيم:
وكقول الآخر:
وكقول جحدر: ولولاه ما قلت لدي الدراهم.
(فذهب سيبويه إلى أن
(لولا) في ذلك كله جارة) للضمير، وأنها (لا تتعلق بشيء) وأنها بمنزلة لعل
الجارة في أن ما بعدها مرفوع المحل بالابتداء.
وذهب الأخفش إلى أن لولا
في ذلك غير جارة، وأن الضمير بعدها مرفوع المحل على الابتداء ولكنهم
استعاروا ضمير الجر مكان ضمير الرفع (والأكثر أن يقال: لولا أنا، ولولا أنت
ولولا هو) بانفصال الضمير فيهن (كما قال الله تعالى: {لولا أنتم لكنا مؤمنين} )
والحرف (الرابع: كاف التشبيه) نحو قولك: (زيد كعمرو)
فزعم (الأخفش) الأوسط وهو سعيد بن مسعدة وأبو الحسن (بن عصفور) (أنها) أي:
كاف التشبيه (لا تتعلق بشيء) محتجين بأن المتعلق به إن كان (استقر) فالكاف
لا تدل عليه، وإن كان فعلا مناسبا للكاف وهو (أشبه) فهو متعد لا بالحرف.
(وفي ذلك بحث) وفي بعض
النسخ نظر وبينه المصنف في (المغني) بمنع انتفاء دلالة الكاف على (استقر)
فقال: والحق إن جميع الحروف الجارة الواقعة في موضع الخبر ونحوه تدل على
الاستقرار، وهو في ذلك تابع لأبي حيان.