الدروس
course cover
المسألة الثالثة: الجمل التي لا محل لها من الإعراب
14 Jan 2010
14 Jan 2010

11905

0

0

course cover
قواعد الإعراب

القسم الأول

المسألة الثالثة: الجمل التي لا محل لها من الإعراب
14 Jan 2010
14 Jan 2010

14 Jan 2010

11905

0

0


0

0

0

0

0

المسألة الثالثة: الجمل التي لا محل لها من الإعراب

قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (المسألة الثالثة:
في بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب.
وهي أيضا سبع:
إحداها: المبتدأ، وتسمى المستأنفة أيضا نحو: { إنا أعطيناك الكوثر }، ونحو: { إن العزة لله جميعا } بعد { ولا يحزنك قولهم }.
وليست محكية بالقول، لفساد المعنى، ونحو: { لا يسمعون } بعد { وحفظا من كل شيطان مارد }. وليست صفة للنكرة ولا حالا منها مقدرة لوصفها، لفساد المعنى.
وتقول: (ما لقيته مذ يومان) فهذا كلام تضمن جملتين مستأنفتين: فعلية مقدمة، واسمية مؤخرة، وهي في التقدير جواب سؤال مقدر، وكأنك لما قلت: ما لقيته، قيل لك: ما أمد ذلك؟ فقلت: أمده يومان.
ومثلهما: قام القوم خلا زيدا، وحاشا عمرا، وعدا بكرا. إلا أنهما فعليتان.
ومن مثلهما قوله:

فما زالت القتلى تمج دماؤها = بدجلة حتى ماء دجلة أشكلُ

وعن الزجاج، وابن درستويه: أن الجملة بعد (حتى)، الابتدائية في موضع جر بـ (حتى). وخالفهما الجمهور، لأن حروف الجر لا تعلق عن العمل، ولوجوب كسر إن في نحو: (مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه)، وإذا دخل الجار على (إن) فتحت همزتها، نحو: { ذلك بأن الله هو الحق }.
الثانية: الواقعة صلة لاسم، نحو: جاء الذي قام أبوه. أو لحرف نحو: عجبت مما قمت، أي: من قيامك. فـ (ما) وما (قمت) في موضع جر بـ (من)، وأما (قمت) وحدها فلا محل لها.
الثالثة: المعترضة بين شيئين للتسديد، أو للتبيين، نحو: { فلا أقسم بمواقع النجوم ......... الآية } ، وذلك لأن قوله تعالى: { إنه لقرآن كريم } جواب { لا أقسم بمواقع النجوم }، وما بينهما اعتراض لا محل له، وفي أثناء هذا الاعتراض اعتراض آخر وهو { لو تعلمون } فإنه معترض بين الموصوف والصفة، وهما: { لقسم } و { وعظيم } ويجوز الاعتراض بأكثر من جملة واحدة، خلافا لأبي علي، وليس منه هذه الآية، خلافا للزمخشري. ذكره في سورة آل عمران.
الرابعة: التفسيرية، وهي الكاشفة لحقيقة ما تليه، وليست عمدة، نحو: { وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم } فجملة الاستفهام مفسرة لـ { النجوى }، وقيل: بدل منها.
ونحو: { مستهم البأساء والضراء }، فإنه تفسير لـ { مثل الذين خلوا }، وقيل: حال من {الذين}. انتهى.
ونحو: { كمثل آدم خلقة الله من تراب..... الآية }، فجملة خلقه تفسير للمثل.
ونحو: { تؤمنون بالله ورسوله } بعد: { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } وقيل: مستأنفة بمعنى: آمنوا، بدليل { يغفر لكم } بالجزم. وعلى الأول هو جواب لاستفهام، وصح ذلك تنزيلا لسبب السبب وهو الدلالة، منزلة السبب وهو الامتثال، إذ الدلالة سبب الامتثال وخرج بقولي: وليست عمدة، الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن فإنها مفسرة له، ولها محل بالاتفاق، لأنها عمدة، لا يصح الاستغناء عنها، وهي حالة محل المفرد.
وكون الجملة المفسرة لا محل لها هو المشهور وقال الشلوبين:
التحقيق أن الجملة المفسرة بحسب ما تفسره. فإن كان له محل فهي كذلك، وإلا فلا.
فالثاني: نحو ضربته من نحو: زيدا ضربته التقدير: ضربت زيدا ضربته فلا محل للجملة المقدرة، لأنها مستأنفة، فكذلك تفسيرها
والأول: نحو: { إنا كل شيء خلقناه بقدر }، والتقدير: إنا خلقنا كل شيء خلقناه، فــ {خلقناه} المذكورة مفسرة لخلقنا المقدرة، وتلك في موضع رفع، لأنها خبر لإن، فكذلك المذكورة.
ومن ذلك: زيد الخبر يأكله، فيأكله في موضع رفع لأنها مفسرة للجملة المحذوفة، وهي في محل رفع على الخبرية. واستدل على ذلك بعضهم بقول الشاعر:


فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن = ومن لا نجزه يمس منا مروعا


فظهر الجزم في الفعل المفسر للفعل المحذوف.
والخامسة: الواقعة جوابا لقسم، نحو: { إنك لمن المرسلين } بعد قوله تعالى: { يس والقرآن الحكيم }، ونحو: { إن لكم لما تحكمون } بعد { أم لكم أيمان علينا بالغة } قيل: ومن هنا قال ثعلب: لا يجوز: زيد ليقومن، لأن الجملة المخبر بها لها محل، وجواب القسم لا محل له.
ورد بقوله تعالى: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم } والجواب عما قاله: أن التقدير: والذين آمنوا وعملوا الصالحات أقسم بالله لنبوئنهم، وكذا التقدير فيما أشبه ذلك، فالخبر مجموع جملة القسم المقدرة، وجملة الجواب المذكورة، لا مجرد الجواب.
تنبيه: يحتمل قول الفرزدق:


تعش فإن عاهدتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان


كون (لا تخونني) جوابا كقوله:

أرى محرزا عاهدته ليوافقن = فكان كمــن أغريته بـخلاف


فلا محل له. وكونه حالا من الفاعل، أو من المفعول، أو منهما، فيكون في محل نصب.
السادسة: الواقعة جوابا لشرط غير جازم، كجواب (إذا) و(لو) و(لولا). أو جازم ولم يقترن بالفاء، ولا بـ (إذا) نحو: إن جاءني زيدا أكرمته.
السابعة: التابعة لما لا موضع له نحو: قام زيد وقعد عمرو، إذا لم تقدر الواو للحال.

هيئة الإشراف

#2

14 Jan 2010

نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي

قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (

................. ... وسَبْعَـةٌ بِـلا مَـحَـلٍّ فــي الجُـمَـلْ
ذَاتُ ابْـتِـداءٍ  واعْـتِـرَاضٍ  وصِـلَـهْ ... جَـوابُ شَـرْطٍ لَيْـسَ جَـزْمٌ  دَخَـلَـهْ
وقَـسَـمٍ وذاتُ تَفْـسـيـرٍ  لِـهَــلْ ... وتَابِـعَـةٌ لجُمْـلَـةٍٍ بــلا  مَـحَــلْ

هيئة الإشراف

#3

14 Jan 2010

شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي

قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي  (ت: 879هـ): (ولما كانت الظهارة في معرفة الإعراب لا تتم إلا بعد معرفة تفاصيل الجمل التي ليس لها محل من الإعراب أراد أن يبين حالها على حدة فقال المسألة الثالثة من المسائل الأربع في بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب فإن قلت ما الحكمة في إثبات لفظة البيان ههنا وفي حذفها من الجمل التي لها محل من الإعراب قلت الحكمة هي الإيماء أن الجمل لما كان لها محل كان لها غنية عن البيان بخلاف الجمل التي لا محل لها من الإعراب فإنها محتاجة إليه غاية الاحتياج وهي أيضا يقال آض فلان أيضا، بمعنى رجع رجوعا أي رجع مواضع استعمال الجمل التي لا محل لها من الإعراب وإن كانت أكثر من أن يضبطها القلم إلى سبعة مواضع كما رجعت موارد استعمال الجمل التي محل إليها فذلك يستعمل في مقام التثنية فجملة آضت أيضا إنما تجيء لمجرد التقدير والبيان لا محل لها من الإعراب جمل سبع في سبعة مواضع كلية أحدها أي إحدى الجمل السبع التي لا محل لها من الإعراب وما وقع في أكثر النسخ أحدها موضع أحدها فغلط واقع من طغيان قلم الناسخ يدل عليه صريحًا قوله فيما بعد الثانية الثانية الثالثة تسمى الجملة الابتدائية هي التي لا تعلق لها بشيء من جهة الإعراب وتسمى الجملة المستأنفة أيضا فيكون لها اسمان والمراد من الاستئناف ههنا مطلق الاستئناف سواء كان لغويًا أو عرفيًا بيانياً وهو الذي يكون جوابا لسؤال مقدر ثم المستأنفة نوعان أحدهما المفتتح بها النطق كقولك ابتدأ زيد قام ومنه الجمل المفتتحة بها السورة الثاني الجملة المنقطعة عما قبلها نحو مات فلان رحمه الله فمن أمثلة النوع الأول على سبيل القطع نحو: {إنا أعطيناك الكوثر} هو اسم نهر في الجنة على ما ورد به المشهور فإن مع معمولها جملة اسمية ابتدائية لا محل لها من الإعراب لعدم وقوعها موقع المفرد فإن قلت الابتداء من مظان الاسم فكذا قالوا الفعل المضارع معرب لوقوعه موقع الاسم فينبغي أن يكون لها محل من الإعراب قلت لا شك أن الفرق يعلى عن موضع وبين موضع الجملة المبتدأة فالتحقيق أن اعتبار محل الجملة في موضع المفرد إنما يتصور إذا أمكن إجراء أحكامه عليها فمعلوم أن الجملة من حيث هي جملة لا تصلح لأن يحكم عليها بشيء ومن النوع الثاني على سبيل الخفاء المحتاج إلى التأمل نحو: {إن العزة} أي الغلبة والقهر {لله} فيكون الظرف مرفوع المحل على أنه خبر إن جميعًا حال من الضمير في الظرف أي أن الغلبة لله مجتمعة فإن قلت قال الله تعالى ههنا: {إن العزة لله جميعًا} وقد قال في موضع آخر: {ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} قلت العزة مشترك بين معان وهي في حق الله القهر والغلبة وفي حق الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام إظهار دينه وفي حق المؤمنين نصره على أعدائهم وقوله: {إن العزة لله جميعًا} يراد به العزة الكاملة التي تندرج فيها عزة الإلهية والأخيار والأمانة وعزة البقاء الدائم وما أشبه ذلك فيكون العزة المختصة غير العزة المشتركة فالحقيق أن العزة كلها لله حقيقة لكن يظهرها على يد رسول الله وعلى أيد المؤمنين تكريمًا وتعظيمًا لهم وأما غلبة الكفار على المؤمنين فإنما هي استدراج لهم لا عزة بعد قوله تعالى: {ولا يحزنك قولهم} أي يهمنك تكذيبهم وتهديدهم وتشاورهم في تدبر هلاك ولا جازمة ويحزن فعل مجزوم بها مفعوله الضمير المنصوب المتصل به فاعله قوله وهم في محل الجر بإضافة القول إليه عائد إلى الكفار فمقول القول ههنا محذوف مثل أنه شيء لك وأنه مجنون أو شاعر إلى غير ذلك فيكون قوله: {إن العزة لله جميعا} جملة مستأنفة على سبيل التعليل لأنه قيل مالي لا أحزن فقيل {إن العزة لله جميعا} لا يملك أحد شيئا منها لا هم ولا غيرهم فالله تعالى يغلبهم وينصرك عليهم {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} و{إنا لننصر رسلنا} ويدل على ذلك قراءة أبي حيان (أن العزة) بالفتح بمعنى لأن العزة على صريح التعليل وليس جملة محكية بالقول حتى تكون من الجمل التي لها محل من الإعراب وإن كان الوهم ينساق إليها من أول الأمر بلا رؤية لفساد المعنى أي لاقتضاء حكايتها به إلى فساد معنى اللام فإن هذا قول الله لا قولهم ولأن الكفار لو قالوا: {إن العزة لله جميعًا} لم يكونوا كفاراً لاعترافهم بأن آلهتهم لا عزة لهم ولما أحزنه قولهم ومن أمثلة النوع الثاني على سبيل زيادة الخفاء نحو: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} قرأ بتشديد السين والميم التسمع تطلب السماع يقال تسمع فسمع أو فلم يسمع أصله يستمعون أدغمت التاء في السين وقدر سكون السين وتخفيف الميم السماع يتعدى بنفسه يقال سمعت فلانًا يتحدث ويتعدى بإلى يقال سمعت إلى فلان يتحدث فالمتعدي بنفسه يفيد معنى الإدراك وبإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك فيكون تعديته بإلى على سبيل تضمين معنى الإصغاء وروي عن ابن عباس أنهم يستمعون ولا يسمعون فهذا يدل على رجحان التخفيف على التشديد ويشتهر بذلك قوله تعالى: {ويقذفون من كل جانب دحورًا} كما يشتهر به الحفظ شهادة عدل والملأ الأعلى هم الملائكة لأنهم يسكنون السموات والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض بعد قوله تعالى: {وحفظا من كل شيطان مارد} المعنى وحفظنا السماء حفظًا، السماء بالشهب من كل شيطان خارج عن طاعة الله لا يقدرون أن يستمعوا فإن قلت المراد من السماء ههنا من السماء الدنيا أي القربى ولا شك أنها فلك القمر والكواكب الثوابت في غيره إنما كان دل عليه الرصد فمعنى حفظها وزينتها بالكواكب الثابتة قلت بعد تسليم دلالة الرصد أنها في فلك القمر بحسب الرؤية والنظر وإن كانت في غيرها بحسب زعم أصحابنا الرصد على أن الحفظ غير مستبعد بالكواكب الثابتة وكذا حال التزيين قال الشاعر:
تريك القذى من دونها وهي دونه وفيه
احتمالات أربع اثنان منها مردودان وواحد مرجوح والآخر مختار فأحد الأولين جملة لا يسمعون صفة لشيطان وليس المعنى بمستقيم عليها لأن حفظ السموات لأجل أن الشياطين يطلعون إليها ويسمعون أخبارها ويضلون الناس فإذا كانوا غير مستمعين ولا سامعين فلا فائدة في حفظ السماء منهم والثاني احتمال الحالية القول فيها كالقول في الصفة لأنها صفة في المعنى فإن قلت أجعلها حالا مقدرة أي حفظا من كل شيطان مارد مقدرا عدم سماعه بعد الحفظ قلت الذي يقدر وجود معنى الحال هو صاحبها في قولك مررت برجل معه صقراً صائدا به غدا أي مقدرا حال المرور به أنه يصيد به غدا والشياطين لا يقدرون عدم السماع ولا يريدونه والثالث أن أصله لئلا يسمعوا حذف اللام كما حذفت في قولك حينئذ أي تكرمني أي لأن تكرمني فبقي أن لا يسمعوا ثم حذفت أن وأهدر عملها كما في قول الشاعر:

ألا أيهذا الزاجري حضر الوغى

وهذا مستقيم من جهة المعنى لكنه كثرت الحذف كما قرئ قال صاحب الكشاف كل واحد من هذين الحذفين غير مردود على انفراده فأما اجتماعها فمنكر من المنكرات وصون القمران عن مثل هذا التعسف واجب والرابع وهو الاحتمال الراجح أن يكون جملة منقطعة عما قبلها وفائدتها الاقتصاص لما عليه حال المشرفة السمع قال صاحب الكشاف ولا يجوز استئنافا لأن سائلا لو سأل لم تحفظ من الشياطين فأجيب بأنهم لا يسمعون لم يستقم فبقي أن يكون كلاما منقطعا مبتدأ أقول الاستئناف ليس بمنحصر في السؤال عن الكمية لجواز أن يكون سؤالاً عن الحال كما في قوله تعالى: {رأيتهم لي ساجدين} على أحد وجوه التأويل والمقام يناسبه ظاهرا فجوز فإن سلب الخاص لا يكون دليلا على سلب العام فإن قلت لعله أراد سلب جواز الخاص بقرينة التعليل لا بسلب جواز مطلق الاستئناف قلت قوله فبقى أن يكون كلاما منقطعا مبتدأ لا يساعد ذلك على أنه عدول عن الظاهر وتسليم ورود الاعتراض عليه فإن قلت لو احتمل الاستئناف ههنا السؤال عن الحال لا يكون جملة لا يسمعون منقطعة عما قبلها والمقدر خلافه قلت المراد من الانقطاع من جهة الإعراب كما أشرنا إليه فلا ينافي الاتصال من جهة المعنى وليس أي جملة لا يسمعون صفة للنكرة وهي شيطان واستعمال النكرة ههنا لا يخلو عن دقة ولا يجوز أن يكون حالا منها مقدرة أي منتظرة ومستقبلة للحال فيكون تارة محققة كقولك جاءني زيد راكبا وأخرى مقدرة كقولك هذا زيد مسافر لوصفها أي لكونها موصوفة بمارد فيكون تعليلا للجواز كما أن قوله لفساد المعنى للكلام أي لخروج الكلام عن الإفادة كما مر تقديره في بيان الوجوه الأربعة تعليل مجموع السلبين أو تعليل الثاني اكتفاء به عن تعليل الأول كما هو المناسب لنجز الألفاظ وتقول في استئناف الجملتين نسبة هذا الاستئناف إلى الاستئناف المذكور كنسبة البسيط إلى المركب فلذا أخره عنه في الذكر ما لقيته مذ يومان فهذا أي مجموع هذا القول كلام مستأنف فلم يصرح به لكونه معلومًا بالبديهة تضمن تضمن الكل لأجزائيه فيكون الضمين عن التضمين جملتين مستأنفتين أحدهما جملة فعلية مستأنفة استئنافًا صناعيا أي نحويا مقدمة على الجملة الأخرى تقدم العلة على المعلول وإلا فبيان التقدم الذكرى ههنا ربما يفضي إلى إخلاء الكلام عن الفائدة والثانية جملة اسمية مستأنفة استئنافا بيانيا مؤخرة عنها ويجوز أن يجعل كلتا الجملتين استئنافا بيانيا وهي أي جملة مذ يومان في التقدير جواب السؤال ناشئ عن الجملة المتقدمة مقدر لقيام القرينة الدالة عليه فكأنه شروع في تفصيل السؤال والجواب وإنما فصله على سبيل الظن والتخمين لأن كونها استئنافا إقناعي غير مقطوع فإن مثل أبي سيعد السيرافي قال إنها حال وقد ذهب بعض الكوفيين إلى أن يومان فاعل بفعل محذوف والتقدير ما لقيته مذ مضى يومان وقال البعض الآخر منهم إن خبر المبتدأ محذوف فيكون التقدير ما لقيته من الزمان الذي هو يومان فيكون الكلام جملة واحدة على هذا لما قلت ما لقيته قيل لك ما أي كم فلو أتي به بدله لكان أظهر في المقصود أمد ذلك أي جميع زمان عدم الملاقات فكأنه قيل يومان جميعه أم أكثر فيكون اسما متضمنا المعنى الاستفهام مرفوع المحل على أنه خبر المبتدأ فلهذا قدم قوله ما أمد ذلك هو السؤال المقدر فقلت مجيبا له أمده أي جميع زمان عدم الملاقات يومان ومثلها أي مثل جملة قولك ما لقيته مذ يومان في اشتمال الجملتين المستأنفتين جملة قولك قام القوم خلا زيدًا فكأنك إذا قلت قام القوم قيل لك أقل خلا القوم عن زيد فقلت خلا أي القوم زيدًا فيكون الضمير المستقر فيه عائد إلى القوم كما هو الظاهر ولا حجر عن ذلك فإن القوم من أسماء الجموع كالربط مفرد اللفظ مجموع المعنى وقيل أن الضمير المستكن فيه عائد إلى بعض المفهوم من الكلام لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث وقيل عائد إلى الاسم الموصول المفهوم من معنى الكلام بمعونة المقام فيكون تقدير قولك قام القوم خلا زيدًا، قام القوم خلا هو أي خلا من قام زيدًا فالذي قدمناه خال عن هذه التمحلات لكنه غير مطرد في قولك جاء الرجال خلا زيدًا، قال سيبويه خلا وعدا فعلان ضمنا معنى الاستثناء وقال بعض النحاة هما حرفا جر ولو جعلتهما من قبيل المشترك بين الفعل والحرف وإن كان التضمين أكثر من الاشتراك استدلالاً عليه بموارد الاستعمالات كما هو المناسب للبحث اللفظي لا خرجت عن سمت الصواب فلعل قول السيرافي أن خلا وعدا مع معموليهما منصوبان على أنهما حال تارة وأخرى لا محل لها من الإعراب يقوي ما قلناه هذا إن كانا غير مصدرين بما وأما إن صدرا بها فهما فعلان اتفاقا قال لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل
فقد ظهر أن كون جملة خلا زيدًا مستأنفة إنما هو مذهب الجمهور وحاشا عمرا قال المبرد حاشا فعل على وزن فاعل مأخوذ من الحشا وهو الجانب فمعنى قولك هجم القوم حاشا زيدًا بمعنى جانب بعضهم زيدًا قال بعض العرب اللهم اغفر لي ولمن يسمع حاشا الشيطان بالنصب ويقال وما أحاشى من القوم من أحد وقد تحذف ألفه لقولهم حاش لزيد وقرئ (حاش لله) بلا ألف فكل ذلك دل على أنه ليس بحرف قال سيبويه حاشا لا يكون إلا حرف لأنها لو كانت فعلا لجاز أن تكون صلة كما يجوز ذلك في خلا فلما امتنع أن يقال جاءني ما حاشا زيدًا دلت على أنها ليست فعلا قال الشاعر حاشا أي ثوبان أنه به ظنا على الملجأة والشتم وقيل أنها اسم من أسماء الأفعال كأنه بمعنى برئ فمعنى حاشا لله بمعنى برأه الله من السوء ودخول اللام في فاعلها لدخول اللام في فاعل هيهات، في قوله: {هيهات هيهات لما توعدون}، قال الجوهري حاشا كلمة يستثنى بها قد تكون حرفًا وقد تكون فعلاً فإن جعلتها فعلا نصبت بها فقلت ضربت القوم حاشا زيدًا وإن جعلتها حرفا خفضت بها نحو ضربتهم حاشا زيد وعدا بكرًا أي جاء القوم عدا بعضهم بكرًا ونظير ذلك جاء القوم ليس زيدًا ولا يكون عمرا وليس إلا ثم لما أراد المصنف رحمه الله زيادة استحكام ما بناه بقول من يوثق به ونقل المذهب المخالف في حتى الابتدائية قاصدًا إبطاله فكذا آخر هذا المثال عن مثال الجملتين المستأنفتين وإن كان اعتبار التناسب يقتضي التقدم قال ومن مثلها أي بعض أمثال الجملة الواحدة المستأنفة استئنافا نحويا قوله أي قول جرير إنما جاز الإضمار بدون الذكر بناء على اشتهاره وتعينه
فما زالت القتلى تمج بدجلة حتى ماء دجلة أشكل
ما زالت فعل من الأفعال الناقصة اسمه القتلى ووزنه فعلى جمع قتيل بمعنى مقتول تمج فعل فاعله ضمير مستتر فيه عائد إلى القتلى مفعوله دمائها يقال مج الرجل الشراب من فمه إذا رمى به قوله بدجلة متعلق به على أنه مفعول فيه ودجلة اسم نهر ببغداد غير منصرف للتأنيث والعلم فلهذا لا يدخل عليها الألف واللام فالفعل مع معموله منصوب المحل على أنه خبر مازالت وحتى حرف من حروف الابتداء ماء مبتدأ مضاف إلى دجلة وإنما جيء بالمظهر مقام المضمر لقصد التقريب ودفع الالتباس قال الله تعالى: {وبالحق أنزلناه وبالحق نزل}، خبره أشكل يقال دم أشكل إذا كان فيه بياض وحمرة وجملة ماء دجلة أشكل مستأنفة لا محل لها من الإعراب ثم إن حتى إذا كانت حرف ابتداء وجب أن يكون ما قبلها سببًا لما بعدها لأنه لما بطل الاتصال اللفظي بينهما لمانع وجب الاتصال المعنوي لتحقق الغاية التي هي مدلولها كقولهم مرض فلان حتى أنهم لا يرجونه فالمرض سبب عدم الرجاء فيكون ما بعدها جملة لفظًا ومعنى أي جملة كانت فيكون مانعًا لدخول حرف الجر فإن حرف الجر لا يدخل إلا على المفردات أو على ما في تأويلها فعلم أنها ليست بحرف جر لعدم صلاحية الموضع وقيل أن الجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية غير مستأنفة واستدل عن ذلك ما نقل عن الشيخ أبي إسحاق الزجاج وعن الشيخ عبد الله ابن درستويه من أن الجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية في موضع جر وهذا وإن كان أقرب إلى الضبط لكن خالفها الجمهور أي أكثر النحاة وقالوا أنها ليست بحرف جر لأن حتى لو كانت حرفًا من حروف الجر لما علقت عن العمل ههنا لأن حروف الجر لا تعلق عن العمل لما أن التعليق من خواص الأفعال اتفاقًا فلا يجوز في غيرها سواء كان اسمًا أو حرفًا لكنها قد علقت عن العمل بناءً على أن عملها قد بطل من حيث اللفظ وإن كان معتبراً بحسب المعنى عندهما هذا غاية تقرير الدليل وأنه أخفى من الدعوى كما لا يخفى على أن التعليق لا يتصور ههنا أصلا سواء كان في حتى أو في غيرها أما في حتى فلأن إبطالها نفسها عن العمل لفظًا غير معقول وأما غيرها فلأن المشهور أن التعليق إنما يكون في أفعال القلوب أو في ما يفيد معناها فليس ههنا أفعال القلوب ولا فعل يفيد معناها وأما استعمال التعليق فيما حكم بحكمه فغير متعارف فالتحقيق أن اعتبار الجر في محل الجملة لا يستلزم التعليق وإنما يستلزمه لو كان المحل قابلاً للجر لفظًا لكن من المعلوم أن الجملة من حيث هي جملة غير صالحة فإن قلت قوله لأن حروف الجر لا تعلق عن العمل مع قوله ولوجوب كسر إن دليل على المطلوب فحينئذ لا يتوجه الإشكال قلت الشق الثاني كاف في إثبات المطلوب فلا حاجة إلى ضم المفيد إلى غير المفيد ولوجوب كسر همزة إن لكون ما بعدها مظنة الجملة كما أن إن بالفتح مظنة المفرد ومعلوم أن الجملة من حيث النظر إلى ذاتها بلا اعتبار وقوعها موقع المفرد لا تصلح للإعراب أصلاً فضلاً عن صلاح الجر في نحو قولك مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه، فإن قلت لا شك أن الدليل الثاني يشارك الدليل الأول في إثبات المطلوب وفائدته المبالغة في الرد على الخصم لكن فالفرق بينهما قلت إن الاستدلال الأول استدلال باعتبار حال حتى الابتدائية والثاني استدلال بملاحظة حال متعلقها والثاني ظهر من الأول فإن قلت وجوب الكسر يتوقف على إنها ليست بحرف جر وإثبات إنها ليست بحرف جر يتوقف على وجوب الكسر فيلزم الدور قلت نعد تسليم وتوقف وجوب الكسر علىه أن توقفه عليه من جهة اعتبار التحقق وتوقف جر سلبية سلب حرفية الجر عنها عليه من جهة احتياج إثباته إليه فيكون من قبل الاستدلال بالدخان على النار فإن قلت مطلق وجوب الكسر لا يستلزم مطلق حرف الجر عنها فإنه أعم فإن خصصته بما بعدها كما يشهد عليه المثال المذكور فلا يتم التقريب فإن المدعي أعم وإن خصصت الدعوى أيضا كأن يقال إنها ليست بحرف جر في هذا الموضع فإنه غير مقصود وغير محل النزاع قلت التقريب يتم بعدم القائل بالفضل فإن قلت عدم القول بالفضل لا يستلزم عدم الفضل لجواز تحقق الفضل مع انتفاء القول به قلت نعم عدم القول بالفضل لا يستلزم عدم الفضل في نفس الأمر لعدم العلاقة بينهما لكونه يستلزمه ههنا عند الخصم فإن الزجاج وابن درستويه قالا إن حتى الابتدائية حرف جر في جميع موارد استعمالاتها من غير تفصيل قوله وإذا دخل الحرف الجار أي حرف كان على إن فتحت همزتها جملة معترضة جيئت لتقوية الدليل الثاني في بيان ذلك أن دخول مطلق حرف الجر على أن يستلزم فتح همزتها لكنها لما كسرت ههنا علم أنها ليست بحرف جر لما تقرر من إن انتفاء اللازم يدل على انتفاء الملزوم نحو فتح إن في قوله تعالى ذلك إشارة إلى ما ذكر من خلق الإنسان في أطوار مختلفة وتحويلة على أحوال متضارة وإحياء الأرض بعد موتها أقيم اسم الإشارة مقام الضمير كما في قول الشاعر:
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ........................
لقصد الجمل التميز نحو هذا أبو الصقر فردا في محاسنه وهو مبتدأ خبره بأن الله هو الحق أي أنه الثابت في نفسه الذي تحقق به الأشياء الجملة الثانية من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب استحقت الرتبة الثانية لأن الجملة الابتدائية أصل في هذا الباب ألا ترى إن كتبهم مشحونة بأن الموصول مع الصلة كذا الواقعة صلة لا يلزم من ذلك أن كل ما وقع صلة يجب أن لا يكون له حظ من الإعراب كاسم الفاعل الواقع صلة للألف واللام ثم جملة صلة خبرية لأن الموصول موضوع الأمر معلوم عند المخاطب بأنه محكوم عليه بحكم حاصل فكذا كانت الموصولات معارف بخلاف النكرة الموصوفة بأن تخصيصها ليس بحسب الوضع وليس بلازم في الاستعمال فقولك لقيت من ضربته إذا كان من موصولا معناه لقيت الإنسان المعلوم بكونه مضروبا لك فيكون في قوة المعرف بلام العهد وإن جعلته موصوفا فالمعنى لقيت إنسانا مضروبا لك فهو وإن تخصص بكونه مضروبا لك ليس بحسب الوضع بواسطة الوصف وظهر بما قلنا ضعف تجوز الكسائي والمازني وقوعه جملة إنشائية ثم إن المراد من كونه موضوعا لمعهود موضوع له من حيث النظر إلى الوضع لا من حيث اعتبار إلى استعمال أو أنه موضوع لما من شأنه العهد على طريق إطلاق الدليل على ما من شأنه الدلالة فأيا ما كان لا يتوجه الاعتراض بعد لزوم المعهودية فإن قلت هل الفرق بين الجملة الواقعة صلة وبين الجملة التي وقعت تفسيرية حتى تعد كل واحدة منهما في مرتبة على خيالها قلت أن الصلة تشير إلى معنى الموصول لكنها ليس معناها معناه فتكون حالا من أحواله وأن الجملة المفسرة تبين المبهم وتزيل إبهامه فيرجع معناها إلى معناه لا فرق بينهما إلا بالإجمال والتفصيل ثم لا يخفى عليك أن الغرض من ذكر الصلة بيان الذات والغرض من إتيان التفسيرية إزالة الإبهام العارض للمعنى فلذلك استحقت الصلة بمنزلة أقدم لاسم موصول وهو ما لا يتم خبره إلا بصلة وعائد فإن قلت أن الموصولات من المبهمات كما صرحوا به فكيف يكون معرفة قلت لا استبعاد في ذلك فإن جهة الإبهام غير جهة المعرفة فإن جهة الإبهام من حيث النظر إلى نفس الموصول وجهة المعرفة من حيث الملاحظة للصلة فإن قلت لا شك أن الاسم الموصول له عموم تناولا كما إن القدر المشترك له عموم استعماله لكن هل هو موضوع للذات المخصوص أو للقدر المشترك قلت الظاهر أنه موضوع للذات وضعا واحدا بملاحظة ذلك القدر المشترك فلا يكون مشتركا فقس على هذا حال أسماء الإشارة والمضمرات نحو قام أبوه في قولنا جاء في بعض النسخ جاءني لكن الأول أولى لخلوه عن استعمال الزائد على قدر الحاجة الذي قام أبوه فإن قلت قولك الذي قام أبوه كان في التمثيل فلا حاجة إلى الإطناب قلت إن الغرض من التمثيل التوضيح وهو إنما يتم بمثل هذا الإطناب ألا ترى أنه لو ترك جاء في المثال المذكور لم يكن للموصول ولا للصلة محل من الإعراب لفقدان المقتضي له وحين جاء جاء فيه أنسخت معناه في الموصول وحده وذلك هو السبب في أن الموصول له إعراب محلاً دون الصلة ولهذا ظهر الإعراب في اسم الفاعل في قولك جاء القوم مثلاً وإن كان جملة في التقدير فالذي اسم موصول مرفوع المحل وحده على أنه فاعل والصلة أعني قام أبوه جملة لا محل لها من الإعراب بدليل ظهوره في نفس الموصول في نحو ليقوم أيهم في الدار ولأكرمن أيهم عندك وأمر بأيهم هو أفضل قال الشاعر:
اللذون صبحو أصباحًا
وفي التنزيل: {ربنا أرنا اللذين أضلانا} قولهم الموصول مع صلته في محل الرفع مثلا لا يخلو عن المسامحة يقع كثير أو سببها هو الأمن عن الالتباس لظهور المراد ومن قال أن مراد الشيخ أن الصلة وحدها ليس لها محل من الإعراب وأن الموصول مع صلته له محل منه إجراء لكلامه في طريقة القوم فقد خفي عليه ما قصده من التحقيق مع الإيماء إلى أن سبيلهم في أمثال هذا سبيل التسامح لا يخفى عليك أن الميسور لا يسقط بالمعسور لما أن الحرف الموصول قد تحقق فيه المانع وقد عدم صلاحيته للإعراب بخلاف الاسم الموصول أو صلة لحرف موصول أو حرف عطف لأحد الشيئين فهي ههنا للتقسيم والتنويع على سبيل الانفصال الحقيقي فالحرف الموصول هو مع ما يليه في معنى المصدر ولم يحتج إلى عائد فإن قلت ما من حرف إلا وهو يشتمل على الاتصال باسم وهو لم يحتج إلى عائد فما السبب في التعرض لصلة بعض الحروف دون صلة بعضها وأما كون كليتهما في قوة المصدر فقليل الجر ولا يصلح لأنه لا يكون سببا لذلك التعرض قلت السر فيه الشيخ قد قصر بيان الجمل التي ليس لها محل من الإعراب وكان ذلك مطرداً في صلة بعض الحروف دون بعضها نحو قمت في قولك عجبت مما قمت قوله أي من قيامك تفسير لقوله مما قمت إنما احتيج إليه لبيان ما يرجع إليه معناه وإن كان ذلك المعنى بينا في نفسه يعني أن ما حرف مصدري جعل الجملة في معنى المصدر كما أن أن في قولك أعجبني أن قمت حرف مصدري جعلها في معناه وأما الفاء في قولك فما قمت فهي كالجواب إما محذوف وكان أن يكون في الخبر كما في قولك أما زيد منطلق لكنها أعيدت إلى مقامها الأصلي لانتفاء المانع وهو اجتماع حرفي الشرط والجزاء مع وجود المقتضي التقدير أما ما قمت أي الموصول مع صلته فهو في محل الجر بمن وقع في بعض النسخ ههنا فما وقمت بحرف العطف هذا وإن كان صحيحا لكن الأول أحسن الحاصل أن الموصل إذا كان حرفا يكون له مع صلته محل من الإعراب لا يكون للموصول وحده ولا للصلة وحدها أما الموصول فلأنه حرف فلا يتصور فيه الإعراب أصلاً لا لفظًا ولا تقديرًا ولا محلاً وأما الصلة وهي جملة قمت وحدها أي بلا اعتبار الموصول معها فلا محل لها من الإعراب فصلة الاسم الموصول لا بد أن يشتمل على ضميره بخلاف صلة الحرف الموصول فانفتح الفرق بينهما بحسب الصلة أيضًا هذا فالتحقيق أن مظنة الإفراد في صلة الحرف الموصول يقتضي أن يكون الإعراب لمحل الصلة وحدها وإلا لما صح إعراب محل الجملة أصلاً فعد صلة الموصول من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب منظور فيه الجملة الثانية من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب المعترضة يقال اعترضت الشهر إذا ابتدأته من غير أوله فالجملة المعترضة عند النحويين هي الجملة التي لا محل لها من الإعراب تأتي بين شيئين لإفادة الكلام تقوية أو بيانًا أو تحسينًا إنما اختار الشيئين ليتناول المعترضة بين جملتين وبين مفردين فإن قلت هذا التعريف صادق على صلة الاسم الموصول في قولك الذي معنا ليس زيد مع إنها ليست اعتراضية قلت إن الصلة إنما جيء بها لأجل الصحة والاعتراضية جيئت للفائدة الزائدة حتى لو لم يؤتى بها لكان الكلام معتبرًا بدونها فكذلك شابهت الموصول الحروف فبينت وإن كان بينهما فرق يدرك بالتدقيق نحو جملة معترضة بين القسم وجوابه في قوله تعالى: {فلا أقسم} قيل معناه فأقسم فيكون لا صلة للتأكيد كما في قوله تعالى: {لئلا يعلم} وقيل فلا أنا أقسم فحذف المبتدأ وهو أنا وأشبع فتحة لام الابتداء فيكون الألف فيها ألف إشباع كما وقع في قول الشاعر: أخوك أحر مكاثره ومحل ومحياك إلا آله فكيف أننا وقراء الحسن: {فلا أقسم} وقيل فلا رد له كلا يخالف القسم عليه فيكون أقسم تأكيدًا له بعد الرد بمواقع النجوم بمغاربها لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره ولأنه وقت قيام المتهجدين من عباده الصالحين وقيل بمنازلها ومجاريها لأن في ذلك ما لا يحيط به الوصف من الدليل على عظيم القدرة والحكمة وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها وقرأ الكسائي (بموقع النجوم) الآية هي منصوبة على المفعولية عاملها محذوف وهو اقرأ مثل قولك الحديث والبيت احتيج إلى مثل ذلك لتتميم الكلام وتصور التزام فكأنه قال اقرأ باقي الكلام وهو قوله {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم} فبذلك إشارة أولا إلى المقصود إجمالا ثم شرع في التفصيل بقوله وذلك إشارة إلى بيان وقوع الجملة المعترضة بين القسم وجوابه وبيان وقوع الاعتراض الآخر في أثناء تلك المعترضة لأن قوله تعالى هو فعل ماض فاعله مستتر فيه لا محل له من الإعراب فيكون اعتراضًا بين القول ومقوله وقيل أنه حال {إنه لقرآن كريم} جواب {فلا أقسم بمواقع النجوم} أي هذا المحكي جواب القسم وما وهو قوله {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} بينهما أي بين القسم وجوابه اعتراض أي قول معترضة فائدة العدول التعين والمبالغة وفائدة الاعتراض استعظام القسم الذي هو منشأ لعظم المقسم به بحيث يكون ذريعة إلى زيادة تأكيد المقسم عليه كتصريح القسم وأما توصيفه بقوله لا محل له من الإعراب فمن قبيل التوصيف على سبيل التفسير لا على طريق التخصيص كقولك الجسم الطويل العريض العميق وكقول الشاعر الألمعي الذي يظن لك الظن كأن قد رأى وقد سمعا مع أنه لا يخلو عن الإثارة الدقيقة إلى أن الواو في قوله {وإنه لقسم} ليس للحال وإن كان الوهم يتبادر إليها بل للاعتراض بمنزلة الفاء في قول الشاعر:
فاعلم فعلم المرء ينفعه إن سوف يأتي كل ما قد رآه
ففي ذلك التوصيف دلالة على ما قصده من تفنين العبارة عن دفع الاحتمال وأما السبب في عدم الإعراب في محله فإن الاعتراض لم يقع ههنا مقام مفرد بناء على أن القسم تأكيد المقسم عليه فيوجد بينهما اتصال تام فلا يصلح لمقامه وكل جملة لم تقع مقامه لا يكون لها محل من الإعراب ثم لما فرغ من تمثيل الاعتراض الواقع بين القسم والجواب وكان ذلك مشتملا على اعتراض آخر فيه من الموصوف والصفة أراد أن يبينه تمهيداً لما سيأتي من بحث جواز الاعتراض بأكثر من جملة ومن توجه النظر على كلام الزمخشري فلهذا خصص المثال بهذه الآية فقال وفي أثناء هذا الاعتراض وهو قوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} اعتراض آخر أي قول معترض غير الاعتراض الأول وهو أي الاعتراض الآخر قوله: {لو تعلمون} نسبة على تغاير هذا الاعتراض للاعتراض الأول لجواز الخفاء على ذهن المبتدئ بقوله فإنه أي الاعتراض الآخر معترض بين الموصوف والصفة كما أن الاعتراض الأول اعتراض بين القسم والجواب وهما أي الموصوف والصفة قسم وعظيم على سبيل التوزيع نظيره قولك هذا أسود وأبيض الموصوف قسم والصفة عظيم فيكون من اللف والنشر المرتب وهذه الصفة قريبة من صفة الحال الموطئية في قوله تعالى: {إنا أنزلناه قرآنا عربيا} أقسم فعل مضارع فاعله مستتر فيه وهو أنا الباء حرف الجر من حروف القسم ومواقع مجرور بها مضاف إلى النجوم والجار والمجرور متعلق بأقسم والواو واو الاعتراض ليس للعطف وإن قال بها بعض من شراح هذا الكتاب من غير روية وإن حرف من الحروف المشبهة اسمها الضمير المنصوب المتصل بها العائد إلى القسم المذكور عله بقوله الاسم على طريقة قوله تعالى:: اعدلوا هو أقرب للتقوى} اللام لام الابتداء آخرها قسم لو تعلمون فعل فاعله جملة فعلية لا محل لها من الإعراب لأنها معترض وعظيم صفة قسم وإن حرف مشبه أيضا اسمها ضمير متصل بها عائد إلى القرآن وإن لم يكن مذكورا لفظًا لكنه في حكم المذكور فإن الكلام موقف لشأنه واللام لام الابتداء أيضا خبرها {قرآن كريم} صفته فالمجموع جملة اسمية جواب القسم لا محل لها من الإعراب كما أن جملة القسم فعلية لا محل لها منه اتفق النحاة على أن الاعتراض بين شيئين بجملة واحدة واقع واختلفوا في الاعتراض بأكثر من جملة واحدة بأنه هل يصح ولكن الحق أنه يجوز الاعتراض أي يثبت الاعتراض في الاستعمال ثبوتا راجحا بأكثر من جملة واحدة فعلم أن المراد هو الجواز بحسب الوقوع بمعنى أنه يثبت ويعتد به لا الجواز بحسب تساوي الطرفين فإنه لا يناسب المباحث العربية وقد أجاز الزمخشري في سورة الأعراف الاعتراض بأكثر من جملة واحدة وقال ابن مالك في بيانه هذا اعتراض بكلام يتضمن سبع جمل خلافا أي مخالفًا لمذهب الشيخ وإن كان مردودًا بالوقوع لأن قوله تعالى: {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} جملتان معترضتان وقعتا بين الشيئين وهو قوله: {فأتوهن من حيث أمركم الله} وبين البيان وهو قوله تعالى: {نساؤكم حرث لكم}، يعني أن المأتي الذي أمركم به هو مكان الحرث لأن الغرض الأصيل في الإتيان طلب النسل لا قضاء الشهوة فلا يأتوهن من حيث يأتي منه هذا الغرض وأما النكتة في هذا الاعتراض الترغيب فيما أمروا به والتنفير عما نهوا عنه لأبي علي الفارسي حيث قال في قول الشاعر:
أراني ولا كفران لله آية لنفسي قد طالبت غير منيك
أن آية لا تنصب بأويت لئلا يلزم والاعتراض بجملتين وانتصابها لا أي ولا كفران لله رحمة لنفسي يقال أويت آية بمعنى رحمته رحمة وكل مقام يرى فيه الاعتراض بأكثر من جملة فهو سلف فيه بتأويل لكن الأصل عدمه عند تمام المقصود وحين فرغ عن بيان الاختلاف بين أراد أن يشرع في بيان مخالفة الزمخشري في الاعتراض في المشاهد مع الإيماء إلى الرد عليه فقال وليس منه هذه الآية أي ليس الاعتراض فيما من قبل جواز الاعتراض بين شيئين بأكثر من جملة واحدة إن كان الذهن يتبادر إليه فإن الاعتراضين الواقعين فبهما أحدهما واقع بين القسم وجوابه كما أن الآخر واقع بين الموصوف والصفة فيكون كل واحد منهما واقعا على حدة بين شيئين فلا يكونان كلاهما واقعين معا بين شيئين بعينهما كالقسم وجوابه فإن قلت الاعتراض الواقع في أثناء الاعتراض بين شيئين واقع بينهما بالواسطة فيكونان مما نحن فيه قلت سلمنا أنه واقع بينهما في الجملة ولكن لا يسمى مثل ذلك اعتراضا في الاصطلاح وإنما يسمى بذلك أن لو حصل له اتصال بها أو بأحدهما معنى خلافا للزمخشري حيث قال في سورة آل عمران في قوله تعالى: {رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سمتها مريم} فإن قلت علام عطف قوله: {وإني سمتها مريم}؟ قلت هو معطوف على قوله: {إني وضعتها أنثى} وما بينهما جملتان معترضتا كقوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} فهم المصنف من هذا القول أن الزمخشري اعتبر اعتراضا بين قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} وبين قوله: {إنه لقرآن كريم} اعتراضا بأكثر من جملة واحدة كما اعتبر الاعتراض بين قوله: {إني وضعتها} وبين قوله: {وإني سمتها مريم} اعتراضا بأكثر من جملة فقال وفي التنظير نظر حاصله أن الاعتراض في قوله: {فلا أقسم بمواقع النجوم} الآية اعتراضان كل منهما واقع بين شيئين على حدة بجملة الاعتراض يكون بين الشيئين المعنيين بجملتين معا بخلاف الاعتراض الواقع في قوله: {رب إني وضعتها أنثى} الآية اعتراض بين الشيئين وهما المعطوف والمعطوف عليه بجملتين واحدا فيهما قوله: {والله أعلم بما وضعت} والأخرى قوله: {وليس الذكر كالأنثى} فالجواب عنه أن وجه الشبه في قول الزمخشري وما بينهما جملتان معترضتان كقوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} تعدد جملة الاعتراض مطلقا سواء كانتا بين الشيئين معا أو كانت كل واحدة ههنا بينهما على حدة كما هو الظاهر لا كون الاعتراض بين الشيئين المعنيين بجملتين معا فإنه خفي يقوي هذا الجواب أن الزمخشري قال في سورة الواقعة قوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} اعتراض بين القسم وجوابه وقوله: {لو تعلمون} اعتراض بين الموصوف والصفة فلا يكون مخالفا في هذا الاعتراض للجمهور كما ترى ومن أجاب عنه بأنه لا إشكال في كلام الزمخشري بناء على أن الجملتين قد تحققتا ههنا أيضا غاية ما في الباب أن إحديهما جملة اسمية كبرى والأخرى جملة فعلية في ضمن تلك الكبرى فقد خفي عليه شيئان مناط الإشكال وتحرير محل البحث
الجملة الرابعة من الجمل التي لا محل لها من الإعراب التفسيرية أي المفسرة وهي الكاشفة أي الجملة التي يبين لحقيقة بإزالة إجمالها اللام فيها للتقوية كالباء في قوله تعالى: {وهزي إليك بجذع النخلة} لاسيما أن اسم الفاعل ليس كالفعل في العمل فاحترز بها عن صلة الموصول فإنها وإن كانت مبينة للموصول لكنها لا تبين حقيقته بل تشير إليها بحال من أحوالها فمعلوم أن الإشارة ليست كالتفسير وغير المعترضة وعن غيرها من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب فإن قلت لا شك أن الجملة المعترضة قد تجيء للبيان فيجوز أن تكون كاشفة لحقيقة ما تليه قلت البيان الحاصل من الاعتراض لا يكون بيان الحقيقة وإلا فلا يتصور الاعتراض حقيقة فإن قلت هذا التعريف حد فلا بد من ذكر الجنس وهو الجملة بناء على أن الجنس لا يحذف فيه قلت لا نم أن هذا التعريف حد لجواز أن يكون رسما سلمناه لكن لا نم أنه حد تام سلمناه لكن لا نم أن الجنس لا يحذف فيه وإنما يكون الحذف ممنوعا فيه إذا كان مفوتا للمقصود وههنا غير مفوت لانسياق ذهن كل أحد إليه وقد أقيم الموصول في قوله الكاشفة مقام الجنس ولا يذهب عليك أن المحذوف غير المتروك ما عبر به ليضم المفسر المفرد والمفرد المركب وليدفع قول من قال أن المفرد لا يفسر إلا بالمفرد والمركب لا يفسر إلا بالمركب كما يشهد الشواهد ولكن خصص التعريف لجملة مفسرة لا محل لها من الإعراب لأنه يصدر بيانها تليه فعل مضارع فاعله مستتر فيه عائد إلى الكاشفة والضمير المنصوب المتصل به عائد إلى ما فالجملة صلة إن كان موصولا وصفة إن كان نكر ة مأخوذ من اللي وهو القرب يقال كل مما يليك أي مما يقاربك وفي بعض النسخ تلته على صيغة الماضي فهو من تلوت الرجل أتلوه إذا تبعته ومنه قولهم المقدم والتالي فلعل هذا أقرب ثم إن الجملة هو زيد قائم جملة مفسرة فيكون لها محل من الإعراب لأنها خبر عن ضمير الشأن فلا يكون مما هو بصدده فاحترز عنها بقوله وليست عمدة أي تكون فضلة لا يحتاج إليها في إفادة المعنى المراد بل احتيج إليها في إزالة إلاجمال العارض للمفسر فإن قلت ما السر في أنه عرف الجملة المفسرة دون غيرها وفي أنه أخر بيان فائدة هذا عن بيان الأمثلة على ما وقع في بعض النسخ مع أن المناسب لبيانها مقام ذكر الحد قلت لما وقع التاء في المفسرة دون غيرها أزاله بتعريفها ثم لما كان يطول بحث بيان فائدة ذلك القيدين الممثل والأمثلة مع أن بيان الأمثلة متعلق بالمقصود الأصلي أخره عنه على أن التأخير أوقع في النفوس فإن المحصول بعد الطلب أعز من المنساق بلا تعب فلهذا قال الشاعر:
ثلاثة تشرق الدنيا ببهجتها شمس الضحى وأبو إسحاق والقمر
نحو: {هل هذا إلا بشر مثلكم} في قوله: {وأسروا النجوى} فإن قلت النجوى لا تكون إلا خفية فما معنى قوله: {وأسروا النجوى} قلت معناه بالغوا في إخفاء المساراة بحيث لم يفطن أحد لتناجيهم ومساراتهم لا تفصيلاً ولا إجمالاً ولا يعلم أنهم متناجون ألا ترى أن اثنين يتساران فيعلم من حيث الإجمال أنهما تساران وإن لم يعلم تفصيل ما يتساران به أسر فعل فاعله الواو والعائد إلى الناس مفعوله النجوى {الذين ظلموا} الذين اسم موصول صلته ظلموا الواو وفيها عائد إليه فالموصول مع الصلة أو الموصول وحده مرفوع المحل على البدلية من فاعل أسروا وهو واو الضمير وقيل مرفوع على أنه فاعل أسروا على تقدير أن يكون واوه كواو أكلوني البراغيث أو على أنه مبتدأ خبره {أسروا النجوى} أو على الذم على أنه خبر مبتدأ محذوف أو منصوب المحل على الذم أو منصوب بأعني أو مجرور على أنه صفة للناس المذكور هل حرف من حروف الاستفهام لكنها استعملت في معنى حرف النفي هذا أمي محمد صلى الله عليه وسلم إلا بشر مثلكم في المأكل والمشرب وسائر ما يحتاج إليه لاعتقادهم أن الرسول لا يكون إلا ملكا وأن كل من ادعى الرسالة من البشر وجاء بالمعجزة فهو ساحر ومعجزته سحر فكذلك {أفتأتون السحر وأنتم تبصرون} على سبيل الإنكار هذا مرفوع المحل على أنه مبتدأ خبره {بشر} و{مثلكم} صفة فقيل فائدة الخبر في الحقيقة وإلا ألغي عملها لوقوعها في كلام غير موجب وغير تام فجملة الاستفهام أي جملة {هذا إلا بشر مثلكم} مع ما بعدها جملة لا محل لها من الإعراب لأنها مفسرة للنجوى لما فيها من الإبهام وكل جملة مفسرة لا محل لها من الإعراب أما الصغرى فقطعية وأما الكبرى وإن كانت ظنية لكنها كافية في المباحث الاستقرائية فالحاصل أن الجملة المفسرة من حيث هي مفسرة لا يكون المقصود منها إلا كشف الحقيقة لا يتعلق بها شيء من المعاني الموجبة للإعراب فكيف يكون لها محل منه لكن لا يخفى عليك أن تحقق مظنة المفرد كاف في الإعراب المحلي وأن كون المقصود الأصلي منها كشف الحقيقة لا ينافي قصد تعلق معنى منها بها في الجملة فضلا عن التعلق ثم لما كان كون الجملة منصوبة المحل على البدلية على معنى أسروا هذا الحديث كما ذهب إليه الزمخشري غير مرضي عنده أشار إليه بقوله وقيل على صيغة التمريض والتضعيف هذه الجملة بدل منها أي من النجوى لكن كلام الزمخشري قوي كما أشرنا إليه فإن قلت أي بدل من الأبدال قلت الظاهر أنه بدل الكل فإن قلت قد صرحوا بأن الجملة لا تكون بدل الكل بناء على أنه مقصود بالنسبة والجملة غير مقصود بها وإلا لما حصل الفرق بينهما وبين التأكيد قلت إن ذلك التصريح في بدل الجملة لا في بدليتها عن المفرد سلمناه لكنها يجوز أن يكون مقصوده بالنسبة من حيث هي أدلت بالمفرد فبهذا اندفع سؤال عدم الاتحاد بينهما ويجوز أن تكون بدل البعض كما في قوله تعالى: {أمدكم بما تعلمون أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون} ويجوز أن تكون معمولا لقول محذوف أي قالوا: {هل هذا إلا بشر مثلكم} كما في قوله: جاءوا بمزق هل رأيت الذئب قط ثم لما قصد زيادة توضيح القاعدة بإيراد الشواهد ونحو: {مستهم البأساء والضراء} قال الجوهري هما اسمان بمعنى الشدة مست فعل هم مفعوله عائد إلى الذين فاعله البأساء عطف عليه الضراء فالمجموع جملة فعلية لا محل لها من الإعراب فإنه أي لأن هذا المجموع تفسير أي مفسر بمعنى مثل وهو ههنا بمعنى الحال في قوله تعالى: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا} أي حال الذين مضوا من قبلكم التي هي مثل في الشدة {مستهم البأساء والضراء} لما حرف من الحروف الجازمة للفعل المضارع ويأت فعل مضارع مجزوم بها وعلامة الجزم سقوط الياء فيه مفعوله كم فاعله {مثل الذين} موصول وخلوا فعل مع فاعله صلته والموصول وحده أو مع الصلة مجرور المحل على أن مثل أضيف إليه وحين فرغ من الوجه الراجح عنده أشار إلى المرجوح على هو دأبه بقوله وقيل هذه الجملة حال من الذين في قوله {مثل الذين خلوا} أو من المضافة إليه هو محمول على المسامحة إذ لا معنى لتقدير قوله: {ولما يأتكم} بهذه الحال ولا عامل يعتبر سواه بل إنما هي حال من ضمير الموصول وهو الواو في خلوا فيكون منصوب المحل على الحالية بتقدير أي قد مستهم قال ابن مالك تقدير قد في الفعل الماضي الواقع حالا مجرد دعوى لا يقوم عليها حجة مع أن الأصل عدمه ألا ترى أن الحال قيد للعامل سواء كان ماضيا أو غيره ثم إن الوجه الأول راجح على الثاني قطعا كرجحان الإصباح على المصباح وقيل هذه الجملة مستأنفة كان قائلا كيف كان ذلك المثل فقيل مستهم البأساء فإن قلت الجواب كاشف لمعنى المسئول عنه كما أن المفسرة كاشفة لحقيقة ما تلته فلأي شيء جعل الاستئناف بمعنى الواقع جوابا عن سؤال مقدر مقابلا للجملة المفسرة قلت بناءً على الاصطلاح فلعل قوله لحقيقة ما تلته احتراز عن مثال هذا فإن قلت أي جملة من الجمل التي ليس لها محل من الإعراب قلت الظاهر أنها من قبيل السابعة وهي الجملة التابعة لما لا موضع له بيان على أن الجواب واقع على حسب السؤال وتابع له فإن قلت ما معنى قول الزمخشري مستهم بيان للمثل وهو استئناف قلت معناه البيان اللغوي لا التفسير الاصطلاحي الذي قصده المصنف ههنا فلا مشاحة فيه بعد ما وقع عن ثلثه لكن ما ذهب إليه الزمخشري أضبط وأحسن نحو: {خلقه من تراب} في قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم} إن شأنه الغريب كشأن آدم إن حرف من الحروف المشبهة بالأفعال اسمها مثل مضاف إلى عيسى وعند ظرف مضاف إلى الله والظرف مع متعلقه منصوب على أنه صفة مثل والكاف حرف تشبيه أو اسم بمعنى المثل كما هو الظاهر وآدم غير منصرف للعلمية والعجمية كآزر وشالح والجار والمجرور مع متعلقه أو الاسم خبر إن والمجموع جملة اسمية ابتدائية لا محل لها من الإعراب فإن قلت المثل لغة بمعنى المثل وهو النظير ويقال مثل ومثل ومثيل كشبه وشبه وشبيه ثم قيل للقول السائر الممثل مضربة بمورفة فكلا المعنيين لا يصح قلت استعير المثل ههنا للحال العربية مثل استعارة الأسد للمقدام فإن قلت من أي المعنيين استعير قلت من الثاني والجامع بينهما الغرابة ألا ترى أنهم لم يستعملوا المثل بمعنى القول السائر إلا في أمر غريب ومن ثمة حوفظ عليه وحمي من التغيير فإن قلت كيف يصح التشبيه وقد وجد عيسى بغير أب ووجد آدم بغير أب ولا أم قلت لا استبعاد في ذلك لأن الوجود من غير أب وأم أغرب وأخرق للعادة من الوجدة من غير أب فشبه الغريب بالأغرب ليكون أقطع للخصم وأحسم لمادة شبهته إذا نظر فيما هو أغرب مما استغربه على أن يكون وجود كل منهما من غير أب يصلح أن يكون وجه الشبهة كما أن كونه خارجا عن العادة المستمرة ويجوز أن يكون وجه بناء على أن التشبيه يكفيه المماثلة من بعض الوجوه خلقه خلق فعل فاعله مستتر فيه راجع إلى الله معموله ضمير متصل به عائد إلى آدم أي خلق الله آدم من تراب متعلق بخلق وقع في بعض النسخ الآية ثم قال له كن فيكون لكن المقصود يتم ههنا بدونها وإن كان له تعلق به فإن قلت ما معنى الأمر ههنا بدون وجود المأمور مع إن المأمور به غير مقدر قلت يكفيه وجود المأمور في علم الأمر كما إذا قدر الرجل ابنا له فأمره بأن يعطي كذا بعد الوجود وأما الأمر بغير المقدور وإن كان غير واقع في التكليف لكنه يجوز في غيره صرحوا بذلك قيل الأمر ههنا مجاز عن سرعة الإيجاد فثم هو بناءً لترتيب الخبر لا لترتيب المخبر عنه ويجوز أن يكون له على معنى صورة الحياة ثم قال له كن لحما ودما قال الزمخشري قدره جسدا ثم قال له كن فجملة {خلقه من تراب} تفسير للمثل في قوله: {كمثل آدم} ولا يجوز أن يكون صفة لآدم لأنه معرفة والجملة نكرة ولا حالا منه لعدم مساعدة المعنى على ذلك ونحو: {تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم} فإن تفسير التجارة لا يتم إلا بهذا المجموع تؤمنون فعل فاعله واو الضمير قوله بالله ورسوله متعلق به قوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم معطوف على قوله تؤمنون فالمجموع يفسر التجارة فلا يكون له محل من الإعراب بعد قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم} قرئ بالتخفيف والتشديد {من عذاب أليم} هل حرف استفهام أدل فعل فاعله مستتر فيه وهو أنا مفعوله كم تجارة مجرور بعلى تنجي فعل فاعله مستتر فيه وهو هي عائدة إلى التجارة مفعول كم عذاب مجرور بمن أليم صفته والجار مع المجرور متعلق بتنجي وهو مع متعلقه صفة وهي متعلقة بأدل فجملة الاستفهام جواب النداء في محل النصب وقيل هي الجملة مستأنفة كأنهم قالوا ليس توصل فقال تؤمنون وهو خبر في معنى الأمر يدل عليه قراءة ابن مسعود (آمنوا بالله ورسوله) ولأجل هذا قال والمعنى آمنوا يعني أن معنى قوله: {تؤمنون} بمعنى آمنوا وإن كان لفظه خبرًا أما فائدة العدول فهي الإشعار بوجوب الامتثال وكأنه امتثل فهو يخبر عن إيمان وجهاد موجودين ونظير ذلك قول الداعي غفر الله لك ويغفر الله لك وأما قراءة زيد بن علي (تؤمنوا) فوجهها على إضمار لام الأمر كقوله:
محمد تفد نفسك كل نفس إذا ما خفت من آمر تبالا
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنهم قالوا لو نعلم أحب الأعمال إلى الله تعالى لعملناها فنزلت أي هلاكا هذه الآية أي قوله: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} فمكثوا ما شاء الله عز وجل يقولون ليتنا نعلم ما هي فدلهم الله عليها بقوله: {تؤمنون} وهذا يقوي أنه مستأنف فإن قلت الاستئناف ههنا تفسير لأنه جواب عن سؤال مقدر فالطعن فيه يؤدي إلى قدح المختار قلت سلمناه لكن المراد من التفسير ههنا هو التفسير المصطلح كما مرت إليه الإشارة والحاصل أنه لا فرق ههنا بين التفسير والاستئناف إلا بتقدير السؤال وعدمه فإذا نظر إلى رعاية الأمر اللفظي فالتفسير أظهر كما إذا لوحظ ترتيب المعاني فالاستئناف أدق بدليل أي بدلالة قوله يغفر لكم حال كونه مقروءا بالجزم وذلك أن المضارع لا يكون مجزومًا بأن المضمرة إلا في جواب الأشياء الستة الدالة على الشرط المحذوف بفحوى الكلام فلما قرأ بالجزم دل على أن معناه معنى الأمر إذ لا يناسب غيره في هذا المقام وأما الاستفهام وإن وجد صريحا ههنا فلا يظهر التعلق بينه وبين الجواب لبعده لفظًا ومعنى إلا بتكلف كما يجيء بعد هذا فقد ظهر من هذا أن الجواب في الحقيقة هو جواب الشرط المحذوف لكن هذه الأشياء لما دلت عليه أقيمت مقامه فأضيف الجواب إليها على سبيل التسامح وأما على الأول وهو أن يكون قوله تؤمنون بالله ورسوله تفسيرًا للتجارة فهو أي يغفر لكم مجزومًا جواب الاستفهام الواقع في قوله: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} فإن قلت هذا الجواب بمعنى جواب الشرط أعني اللفظ الدال على توقف مضمونه على مضمون الشرط وجواب الاستفهام لفظ دال على قول عنه كنعم ولا فأبين أحدهما عن الآخر فلا يتم التقريب قلت الغرض ههنا بيان تعلق المغفرة بالدلالة على ما تحققت في جواب الأشياء الستة قال الفراء قوله: {يغفر لكم} بالجزم جواب الاستفهام لما خفي التعلق بين الدلالة على التجارة وبين المغفرة إذ من المعلوم بالضرورة أن مجرد الدلالة بدون الامتثال لا يقتضي المغفرة لا عقلاً ولا عادةً قال المصنف إيضاحًا لذلك التعلق وصح ذلك على ما وقع في بعض النسخ أي جاز كون المغفرة جواب الدلالة على التجارة على قاعدة أقامت السبب وهو أي السبب الدلالة على التجارة المنجية من العذاب الأليم مقام السبب وهو الامتثال أي امتثال الإيمان والجهاد قد ترتب المغفرة على الدلالة بذلك الاعتبار فإن قلت الامتثال يؤدي إلى المغفرة فإن سنة الله تعالى قد جرت فيمن آمن وعمل صالحًا بأن يغفر ذنوبه ويدخله الجنة تفضلاً من عنده لكن الدلالة ليست لذلك فإن الرسول قد أرشد كثيرا من الناس فلم يؤمنوا فضلا عن العمل الصالح فلا يتم الإقامة قلت سلمناه لكن الغرض ههنا بيان التعلق على أي وجه كان فمعلوم أن الدلالة تقتضي الامتثال في الجملة ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق فالقوم يقولون إنه علق الطلاق على الدخول ولم يكن بينهما تعلق عقلي ولا عادي فإن قلت لما جاز كون قوله: {يغفر لكم} جوابًا لقوله: {تؤمنون بالله ورسوله} إذا كان استئنافا على ما عرفت وإلا فلا يجوز كونه جوابًا له إذا كان تفسيرًا للتجارة فلا حاجة لتكلف إقامة سبب السبب مقامه وإلا فالفرق بينهما قلت قوله: {تؤمنون بالله ورسوله} إذا كان استئنافا يكون خبرًا في معنى الأمر وإذا كان تفسيرًا للتجارة فيكون خبرًا لفظًا ومعنى فمعلوم أن المناسب للشرط هو الأمر لا الخبر وذلك لأن كل واحد من الأمر والشرط غير ثابت الوجود مع أن الطلب يكون غير مقصود بالذات غالبًا كالشرط لاسيما إذا ذكر بعد المطلوب شيء يناسب ارتباطه به بخلاف الخبر واعلم أن الاستفهام لما اقتضى الجواب لفظًا أو تقديرًا ولم يذكر الجواب ههنا صريحا وكان قوله: {يغفر لكم} غير جواب له في الحقيقة على ما أشرت إليه وجب القول بالاستئناف البتة فمن شاء القول بالتفسير المصطلح ههنا هو عدم الإطلاع على حقيقة ترتب الكلام فخرج عن تعريف الجملة المفسرة التي ليس لها محل من الإعراب بقولي وليست عمدة الجملة المخبر بها عن ضمير غير لازم فإن قول الشاعر وإن سلم فإنما يدل على أن للفعل المفسر وحده إعرابًا ولكن لا يلزم منه أن يكون لمجموع الجملة المفسرة وهو المطلوب إلا أن قولك يقوم زيد يريد جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب مع أن للفعل وحده فيه إعرابًا فلهذا نسب المصنف الاستدلال إلى البعض قلت المفسر ههنا مفرد لفظًا لكنه جملة معنى لأنه هو الفعل المنسوب إلى فاعله والفعل مع فاعله جملة غاية ما في الباب أن الإعراب قد ظهر في أحد جزئيهما لصلاحيته له كما في قولك زيد يقعد أبوه وقائم أخوه على أن سبب الإعراب هو مظنة الإفراد وقد تحققت ههنا بقول الشاعر:
فمن نحن نؤمنه ويبت وهو آمن
التقدير فمن نؤمن نؤمنه فمن اسم متضمن لمعنى الشرط مبتدأ وحذف فعل الشرط لدلالة المفسر عليه ونحن فاعل ذلك المحذوف ونؤمنه فعل مجزوم بمن فاعله مستتر فيه وهو نحن مفعوله ضمير منصوب متصل به عائد إلى من ويبت فعل مجزوم على إنه جزاء وفاعله مستتر فيه عائد إلى المبتدأ والواو في قوله وهو آمن للحال عن فاعل يبت والشرط مع جزائه خبر المبتدأ قوله فظهر الجزم إشعار بتحقق جهة دلالة قول الشاعر على ذلك المطلوب وتعليل لقوله واستدل في الفعل المفسر المذكور وهو نؤمنه للفعل المفسر المحذوف وهو نؤمن قيل فكأن الجملة المفسرة عند الشلوبين عطف بيان أو بدل والجمهور لم يثبت وقوع البدل والبيان جملة ولم يثبت جواز حذف المعطوف عليه عطف البيان واختلف في المبدل منه فقيل أن حذفه لا يجوز وقيل يجوز.
الجملة الخامسة من الجمل التي لا يكون لها محل من الإعراب الواقعة جوابا لقسم نحو قوله: {إنك لمن المرسلين} الضمير المنصوب المتصل بأن اسمها خبرها قوله: {لمن المرسلين} فالجملة لا محل لها من الإعراب لكونها جواب القسم بعد قوله تعالى: {يس} قيل معناه يا إنسان في لغة طي فيكون قوله: {إنك لمن المرسلين} جوابا لهذا النداء كما أنه جواب لقولهم: {لست مرسلا} فاجتمع فيه ثلاثة أجوبة والقرآن الحكيم ونحو: {إن لكم لما تحكمون} بعد: أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة} قيل الواو وفيه واو القسم القرآن مجرور بها والحكيم صفة والجار مع المجرور متعلق بالفعل المحذوف أي أقسم الله بالقرآن ذي الحكمة وجملة القسم لا محل لها أيضا وكذا المجموع لأنه جملة ابتدائية القسم لغة اليمين واصطلاحا جملة إنشائية أو خبرية مؤكدة لجملة أخرى هي جواب القسم نحو بالله لأفعلن وزيد أقسم بالله ليفعلن ولتعلق واحدة منهما بأخرى تنزلتا منزلة الشرط والخبر فإن جملة القسم وحدها والثاني اعتبار جواب جملة القسم والثالث اعتبارهما معا لكن لا شك أن جملة القسم وحدها لا محل لها من الإعراب وأما جملة الجواب وحدها ففيها نوع اشتباه فكذلك نبه عليها بأن ليس لها محل منه وذلك لأن جواب القسم جملة لا تقع في موضع المفرد بناءً على أنها لا تكون إلا جملة وكل جملة لم تقع فيه لا يكون لها محل منه وأما مجموع جملة القسم وجوابه فقد يكون له محل من الإعراب نحو زيد أقسم بالله ليفعلن فالتحقيق أن جواب القسم إذا وقع بعد المبتدأ يكون له محل منه لاسيما إذا كان غير جواب النداء كما في الآية المذكورة وأن الخبر هو ذلك الجواب بناءً على أن الجملة المقسم بها من قبل التأكيد الزائد على نفس الخبر وأما كون جواب القسم جملة دائما فلا ينافي الإعراب المحل إذا وقع في غير الخبر ونظير ذلك الجملة المحكية بالقول فإنها لا تكون إلا جملة ومع ذلك تكون منصوبة المحل على المفعولية بناءً على أن الأصل فيها الإفراد نحو قوله:
قال لي كيف أنت قلت عليل
ثم لما حكم ثعلب بأن نحو زيد ليقومن لا يجوز أصلاً وكان ذلك الحكم خطأ أشار إلى منشأه بقوله ومن هنا قال ثعلب من أئمة النحو واللغة أي ما نشأ قول ثعلب إلا من قول القوم في جواب القسم أنه لا يكون خبرًا ولا يكون له محل من الإعراب لا يجوز نحو زيد ليقومن فإن ليقومن لا يصلح أن يكون خبرًا لزيد لأنه جواب القسم إذ التقدير زيد أقسم بالله ليقومن وكل جواب قسم لا يصلح أن يكون خبرًا له فضلاً عن أن يكون خبرًا أما الصغرى فظاهر وأما الكبرى فقد أشار إلى بيانها بقوله لأن الجملة المخبر بها عن المحكوم عليه فلا بد من هذا التقييد حتى لا يتوجه النقض بالجملة الابتدائية لها محل لعدم وقوعه موضع المفرد وحاصل ذلك أن الجملة المخبر بها يلزمها أن يكون لها محل منه وجملة جواب القسم يلزمها أن لا يكون لها محل منه وتنافي اللازم يدل على تنافي الملزوم فاجتمع اجتماعهما في موضع فضلاً عن أن يتحدا قال ثعلب لا تقع جملة القسم خبرًا فهم أصحاب هذا الاستدلال من ذلك القول أن جملة جواب القسم وحدها لا تقع خبرا وأوردوها في قوله زيد ليفعلن وأقاموا عليها البرهان كما ترى وفهم غيرهم ومنهم المصنف أن مجموع جملة القسم والجواب لا يقع خبرًا فاعلم أن أحد الأمرين لازم ههنا أما عدم استلزام الدليل للمطلوب أو كون جواب المصنف الذي مجيء لغوا لأن المراد من سلب الجواز كليا لزم الأمر الأول القصور الدليل عن إفادته على أنه لو استلزمه في صورة السلب الكلي لا رد إلى رد المختار أو كان سلب جواز كون جملة الجواب وحدها خبرًا لزم الأمر الثاني وغاية ما يتكلف في الجواب عنه أن المراد من سلب جواز كون جملة الجواب وحدها خبرًا كما هو الظاهر من ذلك الاستدلال وأما مدار جواب المصنف فعلى ما فهمه من قول ثعلب وكذا قال والجواب عما قاله ولم يقل عما استدل عليه ففي الجملة لا يخلو كلامه ههنا عن اضطراب وسببه عدم تحرير محل النزاع ولك أن تحمل قول ثعلب على أن جملة جواب القسم وحدها لا تقع خبرًا كما هو الظاهر فيقع النزاع عن أصله ثم أن ابن مالك لما عارض قول ثعلب فقال سلب جواز كون جملة جواب القسم وحدها خبرًا مردود بالوقوع ولك أن تحمل كلام ابن مالك على المناقضة بناءً على أن الوقوع في قوله أن جواب القسم وحده لا يكون له محل من الإعراب أشار المصنف إليه بقوله ورد أي قول ثعلب رد آية بوقوع جواب القسم وحده خبرا للمبتدأ في قوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفًا} أي لينزلنهم من التبوئية وهي النزول وقرئ بالتاء من الثواب وهو القدور للإقامة الذين اسم موصول مبتدأ آمنوا صلته قوله: {وعملوا الصالحات} معطوف عليها قوله: {لنبوئنهم} جواب القسم المقدر وقع المبتدأ ثم لما كان هذا الرد وإن كان موافقًا لما اختاره لكنه لا يفيد ما قصده ههنا من أن سلب جواز كون مجموع الجملتين خبرا لمبتدأ مردود أشار إلى رد ذلك السلب بقوله والجواب عما قاله أي عن الذي ذكره ثعلب من أن نحو زيد ليفعلن لا يجوز أن التقدير أي تقدير قوله تعالى: {والذين آمنوا} الآية {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} أقسم بالله على سبيل الإخبار نحو زيد أقسم بالله لأفعلن جملة القسم جيئت على طريق الغيبة نظرا إلى الحكاية كما أن جملة جواب القسم جيئت على طريق المتكلم نظرا إلى المحكي وقد يجيء كلتاهما على سبيل الغيبة نظرا إلى الحكاية قال الله تعالى: {يود أحدهم لو يعمر ألف سنة} لنبوئنهم هذا جواب القسم والقسم مع جوابه خبر المبتدأ فبطل ما قاله ثعلب على ما فيه المصنف بقوله فالتحقيق أن ذلك التقدير لا بد منه ههنا من جهة العربية ولكن معنى الخبر يتم بدون ذلك التقدير لأنه تأكيد للمخبر وقيد له ومن المعلوم بالضرورة أن القيد لا يمنع أصل الفائدة فضلا عن أن يمنع الجواز ألا ترى أن نحو زيد قائم في مثل قولك زيد قائم في الدار يفيد بدون ذكر الدار ولا يمنع صحة الخبر فذا ههنا وقدر مثل هذا التحقيق في صدر المسألة فإن قلت هل يمكن أن يراد من جواب المصنف ههنا أن يكون جوابا من قبل ثعلب كما ذكر ابن مالك حتى يكون قول ثعلب في هذه المسألة غير قول المصنف كما هو المتبادر من شابها قلت نعم لكن الظاهر أن قوله الجواب عما قال يمنع تلك الإرادة لاسيما أن المصنف قد حمل قول ثعلب ههنا على سلب جواز المجموع كما مرت إليه الإشارة فإن قلت إذا كان الجواب جوابا عن قول ثعلب كان المناسب أن يقول والجواب عما قاله أن التقدير فيه فالفائدة في العدول عنه والتعرض لتقدير قوله: {والذين آمنوا} الآية قلت فائدة الإعلام بأن زيد أقسم بالله ليقومن المراد من قول ثعلب ههنا قاعدة كلية صور خبريته لا خصوصية هذه المارة كما يتبادر إلى الوهم ولهذا قال وكذا أي مثل ذلك التقدير في الآية التقدير فيما أي في سائر الصور الخبرية التي يظن فيها أن جواب القسم وحده وقع خبر المبتدأ بحسب الظاهر كما في قوله تعالى: {والذين آمنوا} الآية أشبه ذلك المذكور في قوله تعالى: {والذين آمنوا} مجموع جملة القسم المقدر أي أقسم بالله وجملة الجواب المذكورة وهي {لنبوئنهم} لا بمجرد جملة الجواب يعني أن الخبر كلتا الجملتين معا لا جملة جواب القسم وحدها نعم مثل هذا الكلام إنما يتوجه على من قال إن الخبر هو مجرد الجواب وحده لكن النزاع ليس معه فالمناسب على ما قصده المصنف من قول ثعلب أن يقول ههنا فالخبر هو مجموع الجملتين بدون قوله لا مجرد الجواب فإن قلت هذا المجموع أنشأ فكيف يقع خبراً قلت لا نسلم ذلك بل هو خبر سلمناه لكن الإنشاء يقع خبر المبتدأ نحو كيف زيد وأين عمرو قال الكوفيون إن النداء والدعاء والتوحية ونحوها ملحقة بالقول في حكاية الجمل بعدها فقوله: {لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} منصوب المحل على المفعولية محكي عنهم بالدعاء لا بالقول المقدر وكذا رجلان من ضبة أخبرانا إنا رأينا رجلا عريانا وأما عند البصريين فأمثال هذا محكية بالقول المقدر.
السادسة من الجمل السبع التي ليس لها محل من الإعراب الواقعة جوابا لشرط غير جازم سواء كان ذلك الجواب مقترنا بالفاء أو بإذا الفجائية أو لا ووقع في بعض النسخ غير عامل مقام غير جازم لكن غير جازم أنسب وأعم موردا كجواب إذا الشرطية نحو إذا جاء زيد قام عمرو فجملة قام عمرو ولا محل لها من الإعراب لعدم المقتضي له وأما جملة جاء زيد فقد عرفت أنها مجرورة المحل على أنها مضاف إليها إذا ثم إنها لما دلت على الوقت المضاف إلى الجملة مع أن ذلك الوقت ظرف لمضمون جملة أخرى وفهم منه ارتباط أحدهما بالأخرى ولو بمعونة المقام سميت شرطية وجواب إذا الشرطية نحو إذا جاءني زيد فأكرمته فجملة أكرمته لا محل لها من الإعراب لعدم وقوعها مقام المفرد وأما جملة جاءني زيد فمجرور المحل على أنها مضاف إليها وجواب لو نحو: لو أكرمتني لأكرمتك وجواب لولا الامتناعية نحو:
ولولا الشعر بالعلماء يزري لكنت اليوم أشعر من لبيد
وجواب لما الوجودية نحو لما جاءني زيد أكرمته وإنما لم تعمل هذه الكلمات على الجزم أما إذا فلأنها تدخل على الماضي وعلى الجملة الاسمية وكل منهما لا يتصور فيه الجزم وكذا قال النحويون أن لولا تجزم لدخولها على الماضي وهو لا يستحق الإعراب وأما إذا فلأنها تدل على التعيين وأن الشرطية تدخل على الشك والإبهام فلم تعمل عملها وأما الجزم في قوله:
وإذا تصبك من الحوادث نكبة
فمن الشواذ وأما لولا فلأنها تدل على الجملة الاسمية المحذوفة الخبر غالبا وجوابها ماض وأم لما فلدخولها على الماضي أيضا وإذا لم تعمل هذه الكلمات في الشرط فبالجزاء أولى تعمل في الخبر أو جواب شرط جازم والحال إن ذلك الجواب لم يقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية نحو إن تقم أقم وإن جاءني زيد أكرمته أما الأول فلظهور الجزم في الفعل وحده وأما الثاني فلأن مجزوم المحل هو الفعل لا الجملة بأسرها وأما إذا اقترن الجواب بأحدهما فجملة الجواب مجزومة المحل كما عرفت في المسألة الثانية
السابعة من الجمل السبع التي لا محل لها من الإعراب التابعة لما لا موضع له نحو قام زيد وقعد عمرو إذا لم يقدر الواو أي إذا لم يجعل الواو في قوله وقعد عمرو للحال بل جعلت للعطف على جملة قام وهي جملة ابتدائية لا محل لها من الإعراب فكذا قول قعد عمرو وأما إذا جعلت للحال فيكون منصوبة المحل على الحال وتقدم بيانها وأما الجملة إذا كانت تابعة لما له محل من الإعراب سواء كان مفردا أو جملة فهي معربة بحسب إعراب المتبوع كما تحققت.

هيئة الإشراف

#4

14 Jan 2010

موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري

قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (المسألة الثالثة
في بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب
(وهي أيضا) مصدر (آض) بالمد إذا عاد (سبع) إحداها: الجملة الابتدائية: أي: الواقعة في ابتداء الكلام اسمية كانت أو فعلية (وتسمى المستأنفة أيضا) وهي نوعان:
أحدهما: المفتتح بها الكلام (نحو) قوله تعالى: { إنا أعطيناك الكوثر }.
والثاني: المنقطعة عما قبلها (نحو) قوله تعالى: { إن العزة لله جميعا } الواقعة (بعد) { ولا يحزنك قولهم } فجملة { إن العزة لله جميعا } مستأنفة لا محل لها من الإعراب (وليست محكية بالقول) حتى يكون لها محل، وإنما المحكي بالقول محذوف تقديره إنه مجنون أو شاعر أو نحو ذلك.
وإنما لم تجعل محكية بالقول (لفساد المعنى) إذ لو قالوا: { إن العزة لله جميعا } لم يحزنه، فينبغي للقارئ أن يقف على قولهم ويبتدئ { إن العزة لله جميعا } فإن وصل وقصد بذلك تحريف المعنى أثم.
ونحو: { لا يسمعون إلى الملأ الأعلى } الواقعة بعد {وحفظا من كل شيطان مارد} أي: خارج عن الطاعة، فجملة {لا يسمعون} لا محل لها من الإعراب، لأنها مستأنفة استئنافا نحويا لا استئنافا بيانيا، وهو ما كان جوابا عن سؤال مقدر لأنه لو قيل: لأي شيء تحفظ من الشيطان فأجيب بأنهم لا يسمعون لم يستقم فينبغي أن يكون كلاما منقطعا عما قبله.
وليست جملة {لا يسمعون} (صفة ثانية للنكرة) وهي شيطان (ولا حالا منها) أي: من النكرة (مقدرة) في المستقبل (لوصفها) أي: النكرة بمارد، وهو علة لتسويغ مجيء الحال من النكرة. وسيأتي أن الجملة الواقعة بعد النكرة موصوفة تحتمل الوصفية والحالية، وإنما امتنع الوصف والحال (لفساد المعنى). أما على تقدير الصفة فلأنه لا معنى للحفظ من شيطان لا يسمع. وأما على تقدير الحال المقدرة فلأن الذي يقدر معنى الحال هو صاحبها، والشياطين لا يقدرون عدم السماع ولا يريدونه، قال المصنف في (المغني).
(وتقول) في الاستئناف بالاصطلاحين (ما لقيته مذ يومان) (فهذا) التركيب (كلام تضمن جملتين مستأنفتين) إحداهما: جملة (فعلية مقدمة) وهي ما لقيته وهي مستأنفة استئنافا نحويا.
والثانية: جملة اسمية مؤخرة وهي (مذ يومان) وهي مستأنفة استئنافا نحويا (لأنها في التقدير جواب سؤال مقدر) ناشئ من الجملة المتقدمة (وكأنك لما قلت: ما لقيته، قيل لك)، على رأي من جعل مذ مبتدأ، ما أمد ذلك؟ فقلت مجيبا له: (أمده يومان). وعلى رأي من يجعلها خبراً مقدما فتقدير السؤال: ما بينك وبين لقائه؟ فجوابه: بيني وبينه يومان. والأول: قول المبرد وابن السراج والفارسي والثاني قول الأخفش والزجاج ونسب إلى سيبويه.
وأما على القول: بأن (يومان) فاعل لفعل محذوف والتقدير: ما لقيته مذ مضى يومان أو أن (يومان) خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: ما لقيته من الزمان الذي هو يومان. فلا يتمشى، وهذان القولان لطائفتين من الكوفيين.
(ومثلهما) أي: مثل جملتي ما لقيته مذ يومان في كونهما كلاما متضمنا جملتين مستأنفتين. بالاصطلاحين (قام القوم خلا زيدا) (وقام القوم حاشا عمراً) (وقام القوم عدا بكرا) فكل من هذه الأمثلة الثلاثة كلام تضمن جملتين مستأنفتين إحداهما: المشتملة على المستثنى منه، وهي مستأنفة استئنافا نحويا.
والثانية: المشتملة على المستثنى وهي مستأنفة استئنافا بيانيا، لأنها في التقدير جواب سؤال مقدر، فكأنك لما قلت: قام القوم: هل دخل زيد فيهم؟ فقلت: خلا زيدا، وكذا الباقي (إلا أنهما) أي: جملة المستثنى منه، وجملة المستثنى في الأمثلة الثلاثة (فعليتان).
وهذا إنما يتمشى مع القول بأن جملة (المستثنى لا محل لها. أما على القول بأنها في موضع نصب على الحال فلا. (ومن مثلها)، بضم المثلثة جمع مثال، أي: ومن أمثلة الجملة المستأنفة الجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية قول جرير:


فما زالت القتلى تمج دماءها = حتى ماء دجلة أشكل


أي: أبيض يخالطه حمرة فماء دجلة مبتدأ ومضاف إليه، وأشكل خبره، وجملة المبتدأ وخبره مستأنفة، هذا مذهب الجمهور.
ونقل عن أبي إسحاق (الزجاج) وأبي محمد عبد الله بن جعفر (ابن دستوريه) أن (الجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية) وهي التي تبدأ بعدها الجملة أي: تستأنف في (موضع) جر بحتى وخالفهما الجمهور وقالوا: ليست (حتى) هذه حرف جر بدليلين:
أحدهما: لو كانت حرف جر لقيل: (حتى ماء) بالجر، والرواية بالرفع على الابتداء والخبر، والعدول إلى العمل في محل الجملة نوع من التعليق وهو غير مناسب لأن حروف الجر لا تعلق، بفتح اللام، عن العمل بدخولها على الجمل وإنما تدخل على المفردات أو ما في تأويلها.
والثاني: إن (حتى) هذه ليست حرف جر (لوجوب كسر) همزة (إن) بعدها في نحو قولك: مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه، بكسر إن، ولو كانت حرف جر لفتحت الهمزة وفاء بالقاعدة وهي: أنه (إذا دخل الحرف الجار على (أن) فتحت همزتها نحو قوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} فلما لم تفتح الهمزة علمنا أنها ليست جارة.
وفي كل من هذين الدليلين نظر: أما الأول: فلأنهما لا يسميان ذلك تعليقا وإنما يقولان الجملة بعد حتى في محل جر، على معنى أن تلك الجملة في تأويل مفرد مجرور بها، لا على معنى أن تلك الجملة باقية على جمليتها غير مؤولة بالمفرد، لا يقال: حقيقة التعليق أن يمنع من العمل لفظا لمجيء ما له صدر الكلام، وهو مفقود هنا، لأنا نقول ذاك في أفعال القلوب وأما تعلق حروف الجر فبأن تدخل على غير مفرد أو ما في تأويله، أو تدخل على مفرد ولا تعمل فيه شيئا.
وأما الثاني فلأن مدعاهما في أنها عاملة في المحل لا في اللفظ، ولذلك لم تفتح همزة إن بعدها.
والجملة (الثانية) مما لا محل له (الواقعة صلة لاسم) موصول نحو: قام أبوه من قولك: (جاء الذي قام أبوه) فجملة (قام أبوه) لا محل لها لأنها صلة الموصول، والموصول له محل بحسب ما يقتضيه العامل بدليل ظهور الإعراب في نفس الموصول نحو: {لننزعن من كل شيعة أيهم أشد} في قراءة النصب ونحو: {ربنا أرنا اللذين أضلانا}.
وذهب أبو البقاء إلى أن المحل للموصول وصلته معا، كما أن المحل للموصول الحرفي مع صلته، وفرق الأول بأن الاسم يستقبل بالعامل والحرف لا يستقبل.
أو الواقعة صلة (لحرف) يؤول مع صلته بمصدر (نحو: عجبت مما قمت أي: من قيامك) فما موصول حرفي على الأصح (وقمت) صلته، والموصول وصلته (في موضع جر بمن، وأما الصلة وهي (قمت) وحدها فلا محل لها) من الإعراب لأنها صلة موصول، وكذا الموصول الحرفي وحده لا محل له لانتفاء الإعراب في الحرف.
(الجملة الثالثة المعترضة بين شيئين) متلازمين وهي: إما (للتسديد)، بالسين المهملة، أي: التقوية، (أو التبيين) وهو الإيضاح، ولا يعترض بها إلا بين الأجزاء المنفصل بعضها من بعض، المقتضي كل منهما الآخر فتقع بين الفعل وفاعله كقوله:

وقد أدركتني والحوادث جمة = أسنة قوم لإضعاف ولا عزل


أو مفعوله كقوله:

وبدلت والدهر ذو تبدل = هيفا دبورا، بالصبا والشمأل


وبين المبتدأ والخبر كقوله:

وفيهن، والأيام يعثرن بالفتى = نوادب لا يمللنه ونوائح

أو ما هما أصله كقوله:

إن سليمى، والله يكلؤها = ضنت بشيء ما كان يرزؤها.

وبين الشرط وجوابه نحو قوله تعالى: {فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار} وبين الموصول وصلته كقوله:

ذاك الذي، وأبيك، يعرف مالكا = والحق يدفع ترهات الباطل

وبين أجزاء الصلة نحو: جاء الذي جوده، والكرم زين، مبذول
وبين المجرور وجاره اسما كان نحو: هذا غلام، والله، زيد أو حرفا نحو: اشتريته، بوالله، ألف درهم. وبين الحرف وتوكيده نحو:


ليت وهل ينفع شيئا ليت = ليت شبابا بوع فاشتريت


وبين (قد) والفعل نحو:
أخالد قد، والله، أوطأت عشوة
وبين الحرف ومنفيه نحو:
فلا، وأبي دهماء، زالت عزيزة
وبين القسم وجوابه، والموصوف وصفته ويجمعهما: {فلا أقسم بمواقع النجوم} الآية {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} وفي هذه الآية اعتراض في ضمن اعتراض وذلك لأن قوله تعالى: {إنه لقرآن كريم} جواب القسم وهو قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} وما بينهما، أي: بين {لا أقسم} وجوابه، والذي بينهما هو: {وإنه لقسم، لو تعلمون، عظيم} (اعتراض لا محل له) من الإعراب.
وفي (أثناء هذا الاعتراض) الذي هو {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (اعتراض آخر) وهو قوله تعالى: {لو تعلمون} (فإنه معترض بين الموصوف وصفته وهما قسم عظيم) على طريق اللف والنشر على الترتيب، فالاعتراض في هذه الآية بجملة واحدة في ضمنها جملة.
(ويجوز الاعتراض بأكثر من جملة خلافا لأبي علي الفارسي في منعه من ذلك، ومن الاعتراض بأكثر من جملة قوله تعالى: {قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم} فالجملة الاسمية هي {والله أعلم بما وضعت} بإسكان التاء، والفعلية هي {وليس الذكر كالأنثى} معترضان بين الجملتين المصدرتين (بأني) (وليس منه) أي: من الاعتراض بأكثر من جملة (هذه الآية) وهي: {فلا أقسم بمواقع النجوم} إلى آخرها.
من سورة الواقعة (خلافا) للزمخشري ذكره في تفسير آل عمران في قوله تعالى: {قالت ربي إني وضعتها أنثى} إلى قوله: {وإني سميتها مريم} فقال: فإن قلت: علام عطف قوله: {وإني سميتها مريم} قلت: هذه معطوفة على قوله: {إني وضعتها أنثى} وما بينهما جملتان معترضتان كقوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} انتهى. ووجه الرد عليه: إن الذي في آية (آل عمران) اعتراضان لا اعتراض واحد بجملتين، ويدفع بأن الزمخشري إنما قصد تشبيه الآية بالآية في عدد الجمل المعترض بها لا في عدد الاعتراض بدليل قوله في تفسير سورة الواقعة: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (اعتراض بين القسم وجوابه وقوله: {لو تعلمون} اعتراض بين الموصوف والصفة انتهى.
(الجملة الرابعة التفسيرية) وتسمى المفسرة، والمفسرة التي لا محل لها من الإعراب هي (الكاشفة لحقيقة ما تليه) من مفرد ومركب (وليست عمدة) فخرج بقوله (بحقيقة ما تليه) صلة الموصول، فإنها وإن كانت كاشفة وموضحة للموصول لكنها لا توضح حقيقته بل تشير إليها بحال من أحوالها.
وخرج بقوله (وليست عمدة) الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن كما سيأتي، ولو قال: وهي الفضلة كما قال في (المغني) لكان أولى لأن الفصول العدمية مهجورة في الحدود، ثم مثل بأربعة أمثلة: (الأول): يحتمل التفسير والبدل نحو: {هل هذا إلا بشر مثلكم} من قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم}.
(فجملة الاستفهام) الصوري وهي: {هل هذا إلا بشر مثلكم} (مفسرة للنجوى) فلا محل لها، والنجوى اسم للتناجي الخفي (وهل) هنا للنفي بمعنى (ما) ولذلك دخلت (إلا) بعدها. (وقيل): إن جملة الاستفهام الصوري (بدل منها) أي: من النجوى فيكون المحل نصبا، بناء على أن ما فيه معنى القول يعمل في الجمل وهو رأي الكوفيين وهو إبدال جملة من مفرد نحو: عرفت زيدا أبو من هو.
والثاني ما يحتمل التفسير والحال (نحو) قوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء} (فإنه تفسير) {مثل الذين خلوا من قبلكم} فلا محل له. (وقيل) إن {مستهم البأساء والضراء} (حال من) {الذين خلوا} على تقدير (قد قاله) أبو البقاء قال في (المغني) والحال لا تأتي من المضاف إليه في مثل هذا، وتعقبه بعض المتأخرين بأن (مثل) صفة فيصح عمله في الحال، فيجوز مجيء الحال مما أضيف هو إليه. وفيه نظر، لأن المراد بالعمل عمل الأفعال، والمضاف إليه (مثل) ليس فاعلا ولا مفعولا، فلا يصح أن يعمل في الحال.
(والثالث نحو) قوله تعالى: {كمثل آدم خلقه من تراب} الآية بعد قوله: {إن مثل عيسى عند الله} فجملة {خلقه من تراب} تفسير {لمثل} فلا محل له.
والرابع: ما يحتمل التفسير والاستئناف نحو قوله تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله} بعد قوله تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} فجملة {تؤمنون} وما عطف عليها مفسرة للتجارة فلا محل لها.
وقيل هي (مستأنفة استئنافا بيانيا كأنهم قالوا: كيف نفعل؟ فقال لهم: تؤمنون، وهو خبر ومعناه الطلب (والمعنى: آمنوا، بدليل) قراءة ابن مسعود .... (آمنوا بالله ورسوله)، ومجيء (يغفر بالجزم) في جوابه على حد قولهم: اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه، أي: ليتق وليفعل يثب (وعلى الأول) وهو أن يكون (تؤمنون) تفسيرا للتجارة (هو) أي: (يغفر) بالجزم (جواب الاستفهام) وهو: هل أدلكم؟ واستشكله الزجاج فقال: الجواب مسبب عن الطلب، وغفران الذنوب لا يتسبب عن نفس الدلالة بل عن الإيمان والجهاد. وأشار المصنف إلى جوابه بقوله: (وصح ذلك) الجزم في جواب الاستفهام (على إقامة سبب السبب وهو الدلالة) على التجارة (مقام السبب وهو الامتثال).
قال المصنف: (وخرج بقولي)، في تعريف الجملة التفسيرية التي لا محل لها، وليست (عمدة) الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن) نحو: هو زيد قائم، وهي هند قائمة (فإنها) أي: الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن (مفسرة له، ولها محل) من الإعراب (بالاتفاق) وإنما أجمعوا على أن لها محلا، لأنها خبر والخبر (عمدة) في الكلام كالمبتدأ، والعمدة (لا يصح الاستغناء عنها)، فوجب أن يكون لها محل، وهي من حيث كونها خبرا (حالة محل المفرد)؛ لأن الأصل في الخبر الإفراد، لا من حيث كونها خبرا عن ضمير الشأن، لأن ضمير الشأن لا يخبر عنه بمفرد (وكون الجملة الفضلة المفسرة لا محل لها) من الإعراب (هو المشهور) سواء كان ما تفسره له محل أم لا.
وقال أبو علي الشلوبين بفتح المعجمة واللام (التحقيق إن الجملة المفسرة تكون بحسب ما تفسره فإن كان) ما تفسره (له محل) من الإعراب (فهي لها محل كذلك، (وإلا يكن لما تفسره محل (فلا) محل لها.
والثاني وهو الذي لا محل لما تفسره نحو (ضربته) من نحو) قولك (زيد ضربته) فإنه مفسر لجملة مقدرة (والتقدير (ضربت زيداً ضربته) ولا محل للجملة (المقدرة) التي هي (ضربت) (لأنها مستأنفة) والمستأنفة لا محل لها (وكذلك تفسيرها) لا محل له. وإنما قدم الثاني على الأول لكونه من صور الوفاق.
(والأول) وهو الذي لما تفسره محل (نحو) (خلقناه) من قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} بنصب (كل) .. فجملة (خلقناه) مفسرة للجملة المقدرة العامل فاعلها في (كل)، والتقدير (إنا خلقنا كل شيء خلقناه فخلقناه المذكورة مفسرة (لخلقناه) المقدرة، وتلك) الجملة المقدرة (في موضع رفع، لأنها خبر لـ (إن). فكذلك جملة خلقناه (المذكورة) تكون في موضع رفع لأنها بحسب ما تفسره. (ومن ذلك) ما مثل به الشلوبين من قوله (زيد الخبز يأكله) فيأكله جملة واقعة (في محل رفع لأنها مفسرة للجملة المحذوفة وهي (يأكل) العامل فعلها في الخبز النصب، والمحذوفة (في محل رفع على الخبرية) لزيد، والأصل زيد يأكل الخبز يأكله فكذلك المذكورة لها محل بحسب ما تفسره (واستدل على ذلك) التحقيق بعضهم بقول الشاعر:


فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن = ومن لا نجره يمس منا مروعا.


ووجه الدليل منه أن (نؤمنه) مفسر لـ (نؤمن) قبل (نحن) محذوفا مجزوما بمن، (فظهر الجزم في الفعل) المذكور وهو (نؤمنه) (المفسر للفعل المحذوف).
والأصل، من نؤمن نؤمنه فلما حذف (نؤمن) برز ضميره وانفصل. وفي كل من أمثلة التحقيق نظر، لأنها ترجع عند التحقيق إلى تفسير المفرد بالمفرد، وهو تفسير الفعل بالفعل، لا الجملة بالجملة بدليل ظهور الجزم في الفعل المفسر، لأن جملة الاشتغال ليست من الجمل التي تسمى في الاصطلاح جملة تفسيرية، وإن حصل بها التفسير كما قال المصنف في (المغني).
(الجملة الخامسة) مما لا محل له (الواقعة جوابا للقسم) سواء ذكر فعل القسم وحرفه أم الحرف فقط أم لم يذكرا نحو: أقسم بالله لأفعلن.
والثاني: نحو: {إنك لمن المرسلين} بعد قوله تعالى: {يس والقرآن الحكيم}
والثالث: نحو قوله تعالى: {إن لكم لما تحكمون} بعد قوله تعالى: {أم لكم أيمان علينا بالغة} والأيمان جمع يمين بمعنى القسم.
ونحو: {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} لأن أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف. (قيل: ومن هنا) أي: من أجل أن الجملة الواقعة جواب القسم لا محل (لها). (قال) أحمد بن يحيى ولقبه (ثعلب: لا يجوز) أن يقال زيد ليقومن) على أن (ليقومن) خبر عن زيد (لأن الجملة المخبر بها لها محل) من الإعراب، (وجواب القسم لا محل له) فيتنافيان ورد قول ثعلب والراد له ابن مالك، قال في (شرح التسهيل) وقد ورد السماع بما منعه ثعلب من وقوع جملة جواب القسم خبرا واستشهد بقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم} فجملة (لنبوئنهم) جواب القسم وهي خبر (الذين) (والجواب عما قال ابن مالك: أن التقدير: والذين آمنوا وعملوا الصالحات أقسم بالله لنبوئنهم. وكذا التقدير فيما أشبه ذلك) من نحو قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (فالخبر) في الحقيقة هو (مجموع جملة القسم المقدرة) وهي أقسم بالله (وجملة الجواب المذكورة)، وهي لنبوئنهم، و(لنهدينهم) (لا مجرد) جملة (الجواب) فقط فلا يلزم التنافي، إذ لا يلزم من عدم محلية الجزء عدم محلية الكل هذا تقدير كلامه هنا.
وقال في (المغني): مسألة، قال ثعلب لا تقع جملة القسم خبرا فقيل في تعليله لأن نحو: (لأفعلن) لا محل له، فإذا بني على مبتدأ فقيل: زيد ليفعلن، صار له موضع، وليس بشيء؛ لأنه إن ما يقع وقوع الخبر جملة قسمية لا جملة هي جواب القسم، ومراده أن القسم وجوابه لا يكونان خبرا إذ لا تنفك إحداهما عن الأخرى، وجملة القسم والجواب يمكن أن يكون لهما محل كقولك: قال زيد: أقسم بالله لأفعلن. وفي بعض النسخ تنبيه: يحتمل قول همام بن غالب الفرزدق) يخاطب ذئبا عرض له في سفره:


تعش فإن عاهدتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان


(كون) جملة: (لا تخونني جوابا) لعاهدتني، فإنه بمنزلة القسم كقوله وهو الفرزدق أيضا:

أرى محرزا عاهدته ليوافقن = فكان كمن أغريته بخلافي

فجملة (ليوافقن) جواب (لعاهدته) فيكون (لا تخونني) جوابا (لعاهدتني) (فلا محل له) من الإعراب لأنه جواب القسم. ويحتمل (كونه) أي: كون لا تخونني (حالا من الفاعل) وهو تاء المخاطب من عاهدتني، والتقدير حال كونك غير خائن، أو حالا من (المفعول) وهو ياء المتكلم من (عاهدتني)، والتقدير حال كوني غير خائن، أو حالًا (منهما) أي: من الفاعل وهو التاء الفوقانية ومن المفعول وهو الياء التحتانية والتقدير: حال كوننا غير خائنين، وعلى التقادير الثلاثة (فيكون في محل نصب) والاحتمال الأول أرجح قال في (المغني) والمعنى شاهد لكونها جوابا.
الجملة السادسة من الجمل التي لا محل لها:
(الواقعة جوابا لشرط غير جازم) مطلقا (كجواب إذا) الشرطية نحو: إذا جاء زيد أكرمتك. وجواب (لو) الشرطية نحو: لو جاء زيد لأكرمتك، وجواب (لولا) الشرطية نحو: لولا زيد لأكرمتك، فجملة (أكرمتك) في جواب الثلاثة لا محل لها.
(أو) الواقعة جوابا لشرط (جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا) الفجائية (نحو: إن جاءني زيد أكرمته) فجملة (أكرمته) وقعت جوابا لشرط جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية (فلا) محل لها، فان اقترنت بأحدهما كانت في محل جزم كما تقدم.
الجملة (السابعة التابعة لما لا موضع له) من الإعراب نحو: (قام زيد وقعد عمرو) فجملة (قعد عمرو) لا محل لها لأنها معطوفة على جملة قام زيد ولا محل لها لأنها مستأنفة، هذا (إذا لم تقدر الواو) الداخلة على (قعد) (للحال)، فإن قدرتها للحال كانت (قد) مقدرة، والجملة بعدها محلها نصب على الحال من زيد.