14 Jan 2010
المسألة الثالثة: الجمل التي لا محل لها من الإعراب
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (المسألة الثالثة:
في بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب.
وهي أيضا سبع:
إحداها: المبتدأ، وتسمى المستأنفة أيضا نحو: { إنا أعطيناك الكوثر }، ونحو: { إن العزة لله جميعا } بعد { ولا يحزنك قولهم }.
وليست محكية بالقول، لفساد المعنى، ونحو: { لا يسمعون } بعد { وحفظا من كل شيطان مارد }. وليست صفة للنكرة ولا حالا منها مقدرة لوصفها، لفساد المعنى.
وتقول: (ما لقيته مذ يومان)
فهذا كلام تضمن جملتين مستأنفتين: فعلية مقدمة، واسمية مؤخرة، وهي في
التقدير جواب سؤال مقدر، وكأنك لما قلت: ما لقيته، قيل لك: ما أمد ذلك؟
فقلت: أمده يومان.
ومثلهما: قام القوم خلا زيدا، وحاشا عمرا، وعدا بكرا. إلا أنهما فعليتان.
ومن مثلهما قوله:
فما زالت القتلى تمج دماؤها = بدجلة حتى ماء دجلة أشكلُ
وعن
الزجاج، وابن درستويه: أن الجملة بعد (حتى)، الابتدائية في موضع جر بـ
(حتى). وخالفهما الجمهور، لأن حروف الجر لا تعلق عن العمل، ولوجوب كسر إن
في نحو: (مرض زيد حتى إنهم لا يرجونه)، وإذا دخل الجار على (إن) فتحت همزتها، نحو: { ذلك بأن الله هو الحق }. أرى محرزا عاهدته ليوافقن = فكان كمــن أغريته بـخلاف
الثانية: الواقعة صلة لاسم، نحو: جاء الذي قام أبوه. أو لحرف نحو: عجبت مما قمت، أي: من قيامك. فـ (ما) وما (قمت) في موضع جر بـ (من)، وأما (قمت) وحدها فلا محل لها.
الثالثة: المعترضة بين شيئين للتسديد، أو للتبيين، نحو: { فلا أقسم بمواقع النجوم ......... الآية } ، وذلك لأن قوله تعالى: { إنه لقرآن كريم } جواب { لا أقسم بمواقع النجوم }، وما بينهما اعتراض لا محل له، وفي أثناء هذا الاعتراض اعتراض آخر وهو { لو تعلمون } فإنه معترض بين الموصوف والصفة، وهما: { لقسم } و { وعظيم } ويجوز الاعتراض بأكثر من جملة واحدة، خلافا لأبي علي، وليس منه هذه الآية، خلافا للزمخشري. ذكره في سورة آل عمران.
الرابعة: التفسيرية، وهي الكاشفة لحقيقة ما تليه، وليست عمدة، نحو: { وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم } فجملة الاستفهام مفسرة لـ { النجوى }، وقيل: بدل منها.
ونحو: { مستهم البأساء والضراء }، فإنه تفسير لـ { مثل الذين خلوا }، وقيل: حال من {الذين}. انتهى.
ونحو: { كمثل آدم خلقة الله من تراب..... الآية }، فجملة خلقه تفسير للمثل.
ونحو: { تؤمنون بالله ورسوله } بعد: { هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم } وقيل: مستأنفة بمعنى: آمنوا، بدليل { يغفر لكم }
بالجزم. وعلى الأول هو جواب لاستفهام، وصح ذلك تنزيلا لسبب السبب وهو
الدلالة، منزلة السبب وهو الامتثال، إذ الدلالة سبب الامتثال وخرج بقولي:
وليست عمدة، الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن فإنها مفسرة له، ولها محل
بالاتفاق، لأنها عمدة، لا يصح الاستغناء عنها، وهي حالة محل المفرد.
وكون الجملة المفسرة لا محل لها هو المشهور وقال الشلوبين:
التحقيق أن الجملة المفسرة بحسب ما تفسره. فإن كان له محل فهي كذلك، وإلا فلا.
فالثاني: نحو ضربته من نحو: زيدا ضربته التقدير: ضربت زيدا ضربته فلا محل للجملة المقدرة، لأنها مستأنفة، فكذلك تفسيرها
والأول: نحو: { إنا كل شيء خلقناه بقدر }، والتقدير: إنا خلقنا كل شيء خلقناه، فــ {خلقناه} المذكورة مفسرة لخلقنا المقدرة، وتلك في موضع رفع، لأنها خبر لإن، فكذلك المذكورة.
ومن ذلك: زيد الخبر يأكله، فيأكله في موضع رفع لأنها مفسرة للجملة المحذوفة، وهي في محل رفع على الخبرية. واستدل على ذلك بعضهم بقول الشاعر:
فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن = ومن لا نجزه يمس منا مروعا
فظهر الجزم في الفعل المفسر للفعل المحذوف.
والخامسة: الواقعة جوابا لقسم، نحو: { إنك لمن المرسلين } بعد قوله تعالى: { يس والقرآن الحكيم }، ونحو: { إن لكم لما تحكمون } بعد { أم لكم أيمان علينا بالغة } قيل: ومن هنا قال ثعلب: لا يجوز: زيد ليقومن، لأن الجملة المخبر بها لها محل، وجواب القسم لا محل له.
ورد بقوله تعالى: { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم }
والجواب عما قاله: أن التقدير: والذين آمنوا وعملوا الصالحات أقسم بالله
لنبوئنهم، وكذا التقدير فيما أشبه ذلك، فالخبر مجموع جملة القسم المقدرة،
وجملة الجواب المذكورة، لا مجرد الجواب.
تنبيه: يحتمل قول الفرزدق:
تعش فإن عاهدتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
كون (لا تخونني) جوابا كقوله:
فلا محل له. وكونه حالا من الفاعل، أو من المفعول، أو منهما، فيكون في محل نصب.
السادسة: الواقعة جوابا لشرط غير جازم، كجواب (إذا) و(لو) و(لولا). أو جازم ولم يقترن بالفاء، ولا بـ (إذا) نحو: إن جاءني زيدا أكرمته.
السابعة: التابعة لما لا موضع له نحو: قام زيد وقعد عمرو، إذا لم تقدر الواو للحال.
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (
................. ... وسَبْعَـةٌ بِـلا مَـحَـلٍّ فــي الجُـمَـلْ
ذَاتُ ابْـتِـداءٍ واعْـتِـرَاضٍ وصِـلَـهْ ... جَـوابُ شَـرْطٍ لَيْـسَ جَـزْمٌ دَخَـلَـهْ
وقَـسَـمٍ وذاتُ تَفْـسـيـرٍ لِـهَــلْ ... وتَابِـعَـةٌ لجُمْـلَـةٍٍ بــلا مَـحَــلْ
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (ولما
كانت الظهارة في معرفة الإعراب لا تتم إلا بعد معرفة تفاصيل الجمل التي
ليس لها محل من الإعراب أراد أن يبين حالها على حدة فقال المسألة الثالثة
من المسائل الأربع في بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب فإن قلت ما
الحكمة في إثبات لفظة البيان ههنا وفي حذفها من الجمل التي لها محل من
الإعراب قلت الحكمة هي الإيماء أن الجمل لما كان لها محل كان لها غنية عن
البيان بخلاف الجمل التي لا محل لها من الإعراب فإنها محتاجة إليه غاية
الاحتياج وهي أيضا يقال آض فلان أيضا، بمعنى رجع رجوعا أي رجع مواضع
استعمال الجمل التي لا محل لها من الإعراب وإن كانت أكثر من أن يضبطها
القلم إلى سبعة مواضع كما رجعت موارد استعمال الجمل التي محل إليها فذلك
يستعمل في مقام التثنية فجملة آضت أيضا إنما تجيء لمجرد التقدير والبيان لا
محل لها من الإعراب جمل سبع في سبعة مواضع كلية أحدها أي إحدى الجمل السبع
التي لا محل لها من الإعراب وما وقع في أكثر النسخ أحدها موضع أحدها فغلط
واقع من طغيان قلم الناسخ يدل عليه صريحًا قوله فيما بعد الثانية الثانية
الثالثة تسمى الجملة الابتدائية هي التي لا تعلق لها بشيء من جهة الإعراب
وتسمى الجملة المستأنفة أيضا فيكون لها اسمان والمراد من الاستئناف ههنا
مطلق الاستئناف سواء كان لغويًا أو عرفيًا بيانياً وهو الذي يكون جوابا
لسؤال مقدر ثم المستأنفة نوعان أحدهما المفتتح بها النطق كقولك ابتدأ زيد
قام ومنه الجمل المفتتحة بها السورة الثاني الجملة المنقطعة عما قبلها نحو
مات فلان رحمه الله فمن أمثلة النوع الأول على سبيل القطع نحو: {إنا
أعطيناك الكوثر} هو اسم نهر في الجنة على ما ورد به المشهور فإن مع معمولها
جملة اسمية ابتدائية لا محل لها من الإعراب لعدم وقوعها موقع المفرد فإن
قلت الابتداء من مظان الاسم فكذا قالوا الفعل المضارع معرب لوقوعه موقع
الاسم فينبغي أن يكون لها محل من الإعراب قلت لا شك أن الفرق يعلى عن موضع
وبين موضع الجملة المبتدأة فالتحقيق أن اعتبار محل الجملة في موضع المفرد
إنما يتصور إذا أمكن إجراء أحكامه عليها فمعلوم أن الجملة من حيث هي جملة
لا تصلح لأن يحكم عليها بشيء ومن النوع الثاني على سبيل الخفاء المحتاج إلى
التأمل نحو: {إن العزة} أي الغلبة والقهر {لله} فيكون الظرف مرفوع المحل
على أنه خبر إن جميعًا حال من الضمير في الظرف أي أن الغلبة لله مجتمعة فإن
قلت قال الله تعالى ههنا: {إن العزة لله جميعًا} وقد قال في موضع آخر:
{ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين} قلت العزة مشترك بين معان وهي في حق الله
القهر والغلبة وفي حق الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام إظهار دينه وفي حق
المؤمنين نصره على أعدائهم وقوله: {إن العزة لله جميعًا} يراد به العزة
الكاملة التي تندرج فيها عزة الإلهية والأخيار والأمانة وعزة البقاء الدائم
وما أشبه ذلك فيكون العزة المختصة غير العزة المشتركة فالحقيق أن العزة
كلها لله حقيقة لكن يظهرها على يد رسول الله وعلى أيد المؤمنين تكريمًا
وتعظيمًا لهم وأما غلبة الكفار على المؤمنين فإنما هي استدراج لهم لا عزة
بعد قوله تعالى: {ولا يحزنك قولهم} أي يهمنك تكذيبهم وتهديدهم وتشاورهم في
تدبر هلاك ولا جازمة ويحزن فعل مجزوم بها مفعوله الضمير المنصوب المتصل به
فاعله قوله وهم في محل الجر بإضافة القول إليه عائد إلى الكفار فمقول القول
ههنا محذوف مثل أنه شيء لك وأنه مجنون أو شاعر إلى غير ذلك فيكون قوله:
{إن العزة لله جميعا} جملة مستأنفة على سبيل التعليل لأنه قيل مالي لا أحزن
فقيل {إن العزة لله جميعا} لا يملك أحد شيئا منها لا هم ولا غيرهم فالله
تعالى يغلبهم وينصرك عليهم {كتب الله لأغلبن أنا ورسلي} و{إنا لننصر رسلنا}
ويدل على ذلك قراءة أبي حيان (أن العزة) بالفتح بمعنى لأن العزة على صريح
التعليل وليس جملة محكية بالقول حتى تكون من الجمل التي لها محل من الإعراب
وإن كان الوهم ينساق إليها من أول الأمر بلا رؤية لفساد المعنى أي لاقتضاء
حكايتها به إلى فساد معنى اللام فإن هذا قول الله لا قولهم ولأن الكفار لو
قالوا: {إن العزة لله جميعًا} لم يكونوا كفاراً لاعترافهم بأن آلهتهم لا
عزة لهم ولما أحزنه قولهم ومن أمثلة النوع الثاني على سبيل زيادة الخفاء
نحو: {لا يسمعون إلى الملأ الأعلى} قرأ بتشديد السين والميم التسمع تطلب
السماع يقال تسمع فسمع أو فلم يسمع أصله يستمعون أدغمت التاء في السين وقدر
سكون السين وتخفيف الميم السماع يتعدى بنفسه يقال سمعت فلانًا يتحدث
ويتعدى بإلى يقال سمعت إلى فلان يتحدث فالمتعدي بنفسه يفيد معنى الإدراك
وبإلى يفيد الإصغاء مع الإدراك فيكون تعديته بإلى على سبيل تضمين معنى
الإصغاء وروي عن ابن عباس أنهم يستمعون ولا يسمعون فهذا يدل على رجحان
التخفيف على التشديد ويشتهر بذلك قوله تعالى: {ويقذفون من كل جانب دحورًا}
كما يشتهر به الحفظ شهادة عدل والملأ الأعلى هم الملائكة لأنهم يسكنون
السموات والإنس والجن هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض بعد قوله تعالى:
{وحفظا من كل شيطان مارد} المعنى وحفظنا السماء حفظًا، السماء بالشهب من كل
شيطان خارج عن طاعة الله لا يقدرون أن يستمعوا فإن قلت المراد من السماء
ههنا من السماء الدنيا أي القربى ولا شك أنها فلك القمر والكواكب الثوابت
في غيره إنما كان دل عليه الرصد فمعنى حفظها وزينتها بالكواكب الثابتة قلت
بعد تسليم دلالة الرصد أنها في فلك القمر بحسب الرؤية والنظر وإن كانت في
غيرها بحسب زعم أصحابنا الرصد على أن الحفظ غير مستبعد بالكواكب الثابتة
وكذا حال التزيين قال الشاعر: ألا أيهذا الزاجري حضر الوغى
تريك القذى من دونها وهي دونه وفيه
احتمالات أربع اثنان منها
مردودان وواحد مرجوح والآخر مختار فأحد الأولين جملة لا يسمعون صفة لشيطان
وليس المعنى بمستقيم عليها لأن حفظ السموات لأجل أن الشياطين يطلعون إليها
ويسمعون أخبارها ويضلون الناس فإذا كانوا غير مستمعين ولا سامعين فلا فائدة
في حفظ السماء منهم والثاني احتمال الحالية القول فيها كالقول في الصفة
لأنها صفة في المعنى فإن قلت أجعلها حالا مقدرة أي حفظا من كل شيطان مارد
مقدرا عدم سماعه بعد الحفظ قلت الذي يقدر وجود معنى الحال هو صاحبها في
قولك مررت برجل معه صقراً صائدا به غدا أي مقدرا حال المرور به أنه يصيد به
غدا والشياطين لا يقدرون عدم السماع ولا يريدونه والثالث أن أصله لئلا
يسمعوا حذف اللام كما حذفت في قولك حينئذ أي تكرمني أي لأن تكرمني فبقي أن
لا يسمعوا ثم حذفت أن وأهدر عملها كما في قول الشاعر:
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (المسألة الثالثة وقد أدركتني والحوادث جمة = أسنة قوم لإضعاف ولا عزل وبدلت والدهر ذو تبدل = هيفا دبورا، بالصبا والشمأل وفيهن، والأيام يعثرن بالفتى = نوادب لا يمللنه ونوائح إن سليمى، والله يكلؤها = ضنت بشيء ما كان يرزؤها. ذاك الذي، وأبيك، يعرف مالكا = والحق يدفع ترهات الباطل أرى محرزا عاهدته ليوافقن = فكان كمن أغريته بخلافي
في بيان الجمل التي لا محل لها من الإعراب
(وهي أيضا) مصدر (آض) بالمد إذا عاد (سبع) إحداها: الجملة الابتدائية: أي: الواقعة في ابتداء الكلام اسمية كانت أو فعلية (وتسمى المستأنفة أيضا) وهي نوعان:
أحدهما: المفتتح بها الكلام (نحو) قوله تعالى: { إنا أعطيناك الكوثر }.
والثاني: المنقطعة عما قبلها (نحو) قوله تعالى: { إن العزة لله جميعا } الواقعة (بعد) { ولا يحزنك قولهم } فجملة { إن العزة لله جميعا }
مستأنفة لا محل لها من الإعراب (وليست محكية بالقول) حتى يكون لها محل،
وإنما المحكي بالقول محذوف تقديره إنه مجنون أو شاعر أو نحو ذلك.
وإنما لم تجعل محكية بالقول (لفساد المعنى) إذ لو قالوا: { إن العزة لله جميعا } لم يحزنه، فينبغي للقارئ أن يقف على قولهم ويبتدئ { إن العزة لله جميعا } فإن وصل وقصد بذلك تحريف المعنى أثم.
ونحو: { لا يسمعون إلى الملأ الأعلى } الواقعة بعد {وحفظا من كل شيطان مارد}
أي: خارج عن الطاعة، فجملة {لا يسمعون} لا محل لها من الإعراب، لأنها
مستأنفة استئنافا نحويا لا استئنافا بيانيا، وهو ما كان جوابا عن سؤال مقدر
لأنه لو قيل: لأي شيء تحفظ من الشيطان فأجيب بأنهم لا يسمعون لم يستقم
فينبغي أن يكون كلاما منقطعا عما قبله.
وليست جملة {لا يسمعون}
(صفة ثانية للنكرة) وهي شيطان (ولا حالا منها) أي: من النكرة (مقدرة) في
المستقبل (لوصفها) أي: النكرة بمارد، وهو علة لتسويغ مجيء الحال من النكرة.
وسيأتي أن الجملة الواقعة بعد النكرة موصوفة تحتمل الوصفية والحالية،
وإنما امتنع الوصف والحال (لفساد المعنى). أما على تقدير الصفة فلأنه لا
معنى للحفظ من شيطان لا يسمع. وأما على تقدير الحال المقدرة فلأن الذي يقدر
معنى الحال هو صاحبها، والشياطين لا يقدرون عدم السماع ولا يريدونه، قال
المصنف في (المغني).
(وتقول) في الاستئناف بالاصطلاحين (ما لقيته مذ يومان) (فهذا) التركيب (كلام تضمن جملتين مستأنفتين) إحداهما: جملة (فعلية مقدمة) وهي ما لقيته وهي مستأنفة استئنافا نحويا.
والثانية:
جملة اسمية مؤخرة وهي (مذ يومان) وهي مستأنفة استئنافا نحويا (لأنها في
التقدير جواب سؤال مقدر) ناشئ من الجملة المتقدمة (وكأنك لما قلت: ما
لقيته، قيل لك)، على رأي من جعل مذ مبتدأ، ما أمد ذلك؟ فقلت مجيبا له: (أمده يومان). وعلى رأي من يجعلها خبراً
مقدما فتقدير السؤال: ما بينك وبين لقائه؟ فجوابه: بيني وبينه يومان.
والأول: قول المبرد وابن السراج والفارسي والثاني قول الأخفش والزجاج ونسب
إلى سيبويه.
وأما على القول: بأن
(يومان) فاعل لفعل محذوف والتقدير: ما لقيته مذ مضى يومان أو أن (يومان)
خبر لمبتدأ محذوف والتقدير: ما لقيته من الزمان الذي هو يومان. فلا يتمشى،
وهذان القولان لطائفتين من الكوفيين.
(ومثلهما) أي: مثل جملتي ما لقيته مذ يومان في كونهما كلاما متضمنا جملتين مستأنفتين. بالاصطلاحين (قام القوم خلا زيدا) (وقام القوم حاشا عمراً) (وقام القوم عدا بكرا) فكل من هذه الأمثلة الثلاثة كلام تضمن جملتين مستأنفتين إحداهما: المشتملة على المستثنى منه، وهي مستأنفة استئنافا نحويا.
والثانية: المشتملة على المستثنى وهي مستأنفة استئنافا بيانيا، لأنها في التقدير جواب سؤال مقدر، فكأنك لما قلت: قام القوم: هل دخل زيد فيهم؟ فقلت: خلا زيدا، وكذا الباقي (إلا أنهما) أي: جملة المستثنى منه، وجملة المستثنى في الأمثلة الثلاثة (فعليتان).
وهذا إنما يتمشى مع القول
بأن جملة (المستثنى لا محل لها. أما على القول بأنها في موضع نصب على الحال
فلا. (ومن مثلها)، بضم المثلثة جمع مثال، أي: ومن أمثلة الجملة المستأنفة
الجملة الواقعة بعد حتى الابتدائية قول جرير:
فما زالت القتلى تمج دماءها = حتى ماء دجلة أشكل
أي: أبيض يخالطه حمرة فماء دجلة مبتدأ ومضاف إليه، وأشكل خبره، وجملة المبتدأ وخبره مستأنفة، هذا مذهب الجمهور.
ونقل عن أبي إسحاق
(الزجاج) وأبي محمد عبد الله بن جعفر (ابن دستوريه) أن (الجملة الواقعة بعد
حتى الابتدائية) وهي التي تبدأ بعدها الجملة أي: تستأنف في (موضع) جر بحتى
وخالفهما الجمهور وقالوا: ليست (حتى) هذه حرف جر بدليلين:
أحدهما: لو
كانت حرف جر لقيل: (حتى ماء) بالجر، والرواية بالرفع على الابتداء والخبر،
والعدول إلى العمل في محل الجملة نوع من التعليق وهو غير مناسب لأن حروف
الجر لا تعلق، بفتح اللام، عن العمل بدخولها على الجمل وإنما تدخل على
المفردات أو ما في تأويلها.
والثاني:
إن (حتى) هذه ليست حرف جر (لوجوب كسر) همزة (إن) بعدها في نحو قولك: مرض
زيد حتى إنهم لا يرجونه، بكسر إن، ولو كانت حرف جر لفتحت الهمزة وفاء
بالقاعدة وهي: أنه (إذا دخل الحرف الجار على (أن) فتحت همزتها نحو قوله
تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق} فلما لم تفتح الهمزة علمنا أنها ليست جارة.
وفي كل من هذين الدليلين
نظر: أما الأول: فلأنهما لا يسميان ذلك تعليقا وإنما يقولان الجملة بعد حتى
في محل جر، على معنى أن تلك الجملة في تأويل مفرد مجرور بها، لا على معنى
أن تلك الجملة باقية على جمليتها غير مؤولة بالمفرد، لا يقال: حقيقة
التعليق أن يمنع من العمل لفظا لمجيء ما له صدر الكلام، وهو مفقود هنا،
لأنا نقول ذاك في أفعال القلوب وأما تعلق حروف الجر فبأن تدخل على غير مفرد
أو ما في تأويله، أو تدخل على مفرد ولا تعمل فيه شيئا.
وأما الثاني فلأن مدعاهما في أنها عاملة في المحل لا في اللفظ، ولذلك لم تفتح همزة إن بعدها.
والجملة (الثانية) مما لا محل له (الواقعة صلة لاسم) موصول نحو: قام أبوه من قولك: (جاء الذي قام أبوه) فجملة (قام أبوه) لا محل لها لأنها صلة الموصول، والموصول له محل بحسب ما يقتضيه العامل بدليل ظهور الإعراب في نفس الموصول نحو: {لننزعن من كل شيعة أيهم أشد} في قراءة النصب ونحو: {ربنا أرنا اللذين أضلانا}.
وذهب أبو البقاء إلى أن
المحل للموصول وصلته معا، كما أن المحل للموصول الحرفي مع صلته، وفرق الأول
بأن الاسم يستقبل بالعامل والحرف لا يستقبل.
أو الواقعة صلة (لحرف)
يؤول مع صلته بمصدر (نحو: عجبت مما قمت أي: من قيامك) فما موصول حرفي على
الأصح (وقمت) صلته، والموصول وصلته (في موضع جر بمن، وأما الصلة وهي (قمت)
وحدها فلا محل لها) من الإعراب لأنها صلة موصول، وكذا الموصول الحرفي وحده
لا محل له لانتفاء الإعراب في الحرف.
(الجملة الثالثة المعترضة
بين شيئين) متلازمين وهي: إما (للتسديد)، بالسين المهملة، أي: التقوية، (أو
التبيين) وهو الإيضاح، ولا يعترض بها إلا بين الأجزاء المنفصل بعضها من
بعض، المقتضي كل منهما الآخر فتقع بين الفعل وفاعله كقوله:
أو مفعوله كقوله:
وبين المبتدأ والخبر كقوله:
وبين المجرور وجاره اسما كان نحو: هذا غلام، والله، زيد أو حرفا نحو: اشتريته، بوالله، ألف درهم. وبين الحرف وتوكيده نحو:
ليت وهل ينفع شيئا ليت = ليت شبابا بوع فاشتريت
وبين (قد) والفعل نحو:
أخالد قد، والله، أوطأت عشوة
وبين الحرف ومنفيه نحو:
فلا، وأبي دهماء، زالت عزيزة
وبين القسم وجوابه، والموصوف وصفته ويجمعهما: {فلا أقسم بمواقع النجوم} الآية {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} وفي هذه الآية اعتراض في ضمن اعتراض وذلك لأن قوله تعالى: {إنه لقرآن كريم} جواب القسم وهو قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} وما بينهما، أي: بين {لا أقسم} وجوابه، والذي بينهما هو: {وإنه لقسم، لو تعلمون، عظيم} (اعتراض لا محل له) من الإعراب.
وفي (أثناء هذا الاعتراض) الذي هو {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم}
(اعتراض آخر) وهو قوله تعالى: {لو تعلمون} (فإنه معترض بين الموصوف وصفته
وهما قسم عظيم) على طريق اللف والنشر على الترتيب، فالاعتراض في هذه الآية
بجملة واحدة في ضمنها جملة.
(ويجوز الاعتراض بأكثر من جملة خلافا لأبي علي الفارسي في منعه من ذلك، ومن الاعتراض بأكثر من جملة قوله تعالى: {قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم} فالجملة الاسمية هي {والله أعلم بما وضعت} بإسكان التاء، والفعلية هي {وليس الذكر كالأنثى} معترضان بين الجملتين المصدرتين (بأني) (وليس منه) أي: من الاعتراض بأكثر من جملة (هذه الآية) وهي: {فلا أقسم بمواقع النجوم} إلى آخرها.
من سورة الواقعة (خلافا) للزمخشري ذكره في تفسير آل عمران في قوله تعالى: {قالت ربي إني وضعتها أنثى} إلى قوله: {وإني سميتها مريم} فقال: فإن قلت: علام عطف قوله: {وإني سميتها مريم} قلت: هذه معطوفة على قوله: {إني وضعتها أنثى} وما بينهما جملتان معترضتان كقوله: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} انتهى.
ووجه الرد عليه: إن الذي في آية (آل عمران) اعتراضان لا اعتراض واحد
بجملتين، ويدفع بأن الزمخشري إنما قصد تشبيه الآية بالآية في عدد الجمل
المعترض بها لا في عدد الاعتراض بدليل قوله في تفسير سورة الواقعة: {وإنه لقسم لو تعلمون عظيم} (اعتراض بين القسم وجوابه وقوله: {لو تعلمون} اعتراض بين الموصوف والصفة انتهى.
(الجملة الرابعة
التفسيرية) وتسمى المفسرة، والمفسرة التي لا محل لها من الإعراب هي
(الكاشفة لحقيقة ما تليه) من مفرد ومركب (وليست عمدة) فخرج بقوله (بحقيقة
ما تليه) صلة الموصول، فإنها وإن كانت كاشفة وموضحة للموصول لكنها لا توضح
حقيقته بل تشير إليها بحال من أحوالها.
وخرج بقوله (وليست عمدة)
الجملة المخبر بها عن ضمير الشأن كما سيأتي، ولو قال: وهي الفضلة كما قال
في (المغني) لكان أولى لأن الفصول العدمية مهجورة في الحدود، ثم مثل بأربعة أمثلة: (الأول): يحتمل التفسير والبدل نحو: {هل هذا إلا بشر مثلكم} من قوله تعالى: {وأسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا إلا بشر مثلكم}.
(فجملة الاستفهام) الصوري وهي: {هل هذا إلا بشر مثلكم} (مفسرة
للنجوى) فلا محل لها، والنجوى اسم للتناجي الخفي (وهل) هنا للنفي بمعنى
(ما) ولذلك دخلت (إلا) بعدها. (وقيل): إن جملة الاستفهام الصوري (بدل منها)
أي: من النجوى فيكون المحل نصبا، بناء على أن ما فيه معنى القول يعمل في
الجمل وهو رأي الكوفيين وهو إبدال جملة من مفرد نحو: عرفت زيدا أبو من هو.
والثاني ما يحتمل التفسير والحال (نحو) قوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء} (فإنه تفسير) {مثل الذين خلوا من قبلكم} فلا محل له. (وقيل) إن {مستهم البأساء والضراء} (حال من) {الذين خلوا}
على تقدير (قد قاله) أبو البقاء قال في (المغني) والحال لا تأتي من المضاف
إليه في مثل هذا، وتعقبه بعض المتأخرين بأن (مثل) صفة فيصح عمله في الحال،
فيجوز مجيء الحال مما أضيف هو إليه. وفيه نظر، لأن المراد بالعمل عمل
الأفعال، والمضاف إليه (مثل) ليس فاعلا ولا مفعولا، فلا يصح أن يعمل في
الحال.
(والثالث نحو) قوله تعالى: {كمثل آدم خلقه من تراب} الآية بعد قوله: {إن مثل عيسى عند الله} فجملة {خلقه من تراب} تفسير {لمثل} فلا محل له.
والرابع: ما يحتمل التفسير والاستئناف نحو قوله تعالى: {تؤمنون بالله ورسوله} بعد قوله تعالى: {هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم} فجملة {تؤمنون} وما عطف عليها مفسرة للتجارة فلا محل لها.
وقيل هي (مستأنفة استئنافا
بيانيا كأنهم قالوا: كيف نفعل؟ فقال لهم: تؤمنون، وهو خبر ومعناه الطلب
(والمعنى: آمنوا، بدليل) قراءة ابن مسعود .... (آمنوا بالله ورسوله)، ومجيء
(يغفر بالجزم) في جوابه على حد قولهم: اتقى الله امرؤ فعل خيرا يثب عليه،
أي: ليتق وليفعل يثب (وعلى الأول) وهو أن يكون (تؤمنون) تفسيرا للتجارة
(هو) أي: (يغفر) بالجزم (جواب الاستفهام) وهو: هل أدلكم؟ واستشكله الزجاج
فقال: الجواب مسبب عن الطلب، وغفران الذنوب لا يتسبب عن نفس الدلالة بل عن
الإيمان والجهاد. وأشار المصنف إلى جوابه بقوله: (وصح ذلك) الجزم في جواب
الاستفهام (على إقامة سبب السبب وهو الدلالة) على التجارة (مقام السبب وهو
الامتثال).
قال المصنف: (وخرج بقولي)،
في تعريف الجملة التفسيرية التي لا محل لها، وليست (عمدة) الجملة المخبر
بها عن ضمير الشأن) نحو: هو زيد قائم، وهي هند قائمة (فإنها) أي: الجملة
المخبر بها عن ضمير الشأن (مفسرة له، ولها محل) من الإعراب (بالاتفاق)
وإنما أجمعوا على أن لها محلا، لأنها خبر والخبر (عمدة) في الكلام
كالمبتدأ، والعمدة (لا يصح الاستغناء عنها)، فوجب أن يكون لها محل، وهي من
حيث كونها خبرا (حالة محل المفرد)؛ لأن الأصل في الخبر الإفراد، لا من حيث
كونها خبرا عن ضمير الشأن، لأن ضمير الشأن لا يخبر عنه بمفرد (وكون الجملة
الفضلة المفسرة لا محل لها) من الإعراب (هو المشهور) سواء كان ما تفسره له
محل أم لا.
وقال أبو علي الشلوبين
بفتح المعجمة واللام (التحقيق إن الجملة المفسرة تكون بحسب ما تفسره فإن
كان) ما تفسره (له محل) من الإعراب (فهي لها محل كذلك، (وإلا يكن لما تفسره
محل (فلا) محل لها.
والثاني وهو الذي لا محل
لما تفسره نحو (ضربته) من نحو) قولك (زيد ضربته) فإنه مفسر لجملة مقدرة
(والتقدير (ضربت زيداً ضربته) ولا محل للجملة (المقدرة) التي هي (ضربت)
(لأنها مستأنفة) والمستأنفة لا محل لها (وكذلك تفسيرها) لا محل له. وإنما
قدم الثاني على الأول لكونه من صور الوفاق.
(والأول) وهو الذي لما
تفسره محل (نحو) (خلقناه) من قوله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} بنصب
(كل) .. فجملة (خلقناه) مفسرة للجملة المقدرة العامل فاعلها في (كل)،
والتقدير (إنا خلقنا كل شيء خلقناه فخلقناه المذكورة مفسرة (لخلقناه)
المقدرة، وتلك) الجملة المقدرة (في موضع رفع، لأنها خبر لـ (إن). فكذلك
جملة خلقناه (المذكورة) تكون في موضع رفع لأنها بحسب ما تفسره. (ومن ذلك)
ما مثل به الشلوبين من قوله (زيد الخبز يأكله) فيأكله جملة واقعة (في محل
رفع لأنها مفسرة للجملة المحذوفة وهي (يأكل) العامل فعلها في الخبز النصب،
والمحذوفة (في محل رفع على الخبرية) لزيد، والأصل زيد يأكل الخبز يأكله
فكذلك المذكورة لها محل بحسب ما تفسره (واستدل على ذلك) التحقيق بعضهم بقول
الشاعر:
فمن نحن نؤمنه يبت وهو آمن = ومن لا نجره يمس منا مروعا.
ووجه الدليل منه أن
(نؤمنه) مفسر لـ (نؤمن) قبل (نحن) محذوفا مجزوما بمن، (فظهر الجزم في
الفعل) المذكور وهو (نؤمنه) (المفسر للفعل المحذوف).
والأصل، من نؤمن نؤمنه
فلما حذف (نؤمن) برز ضميره وانفصل. وفي كل من أمثلة التحقيق نظر، لأنها
ترجع عند التحقيق إلى تفسير المفرد بالمفرد، وهو تفسير الفعل بالفعل، لا
الجملة بالجملة بدليل ظهور الجزم في الفعل المفسر، لأن جملة الاشتغال ليست
من الجمل التي تسمى في الاصطلاح جملة تفسيرية، وإن حصل بها التفسير كما قال
المصنف في (المغني).
(الجملة الخامسة) مما لا محل له (الواقعة جوابا للقسم) سواء ذكر فعل القسم وحرفه أم الحرف فقط أم لم يذكرا نحو: أقسم بالله لأفعلن.
والثاني: نحو: {إنك لمن المرسلين} بعد قوله تعالى: {يس والقرآن الحكيم}
والثالث: نحو قوله تعالى: {إن لكم لما تحكمون} بعد قوله تعالى: {أم لكم أيمان علينا بالغة} والأيمان جمع يمين بمعنى القسم.
ونحو: {وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس} لأن
أخذ الميثاق بمعنى الاستحلاف. (قيل: ومن هنا) أي: من أجل أن الجملة
الواقعة جواب القسم لا محل (لها). (قال) أحمد بن يحيى ولقبه (ثعلب: لا
يجوز) أن يقال زيد ليقومن) على أن (ليقومن) خبر عن زيد (لأن الجملة المخبر
بها لها محل) من الإعراب، (وجواب القسم لا محل له) فيتنافيان ورد قول ثعلب
والراد له ابن مالك، قال في (شرح التسهيل) وقد ورد السماع بما منعه ثعلب من
وقوع جملة جواب القسم خبرا واستشهد بقوله تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم} فجملة
(لنبوئنهم) جواب القسم وهي خبر (الذين) (والجواب عما قال ابن مالك: أن
التقدير: والذين آمنوا وعملوا الصالحات أقسم بالله لنبوئنهم. وكذا التقدير
فيما أشبه ذلك) من نحو قوله تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}
(فالخبر) في الحقيقة هو (مجموع جملة القسم المقدرة) وهي أقسم بالله (وجملة
الجواب المذكورة)، وهي لنبوئنهم، و(لنهدينهم) (لا مجرد) جملة (الجواب) فقط
فلا يلزم التنافي، إذ لا يلزم من عدم محلية الجزء عدم محلية الكل هذا
تقدير كلامه هنا.
وقال في (المغني): مسألة،
قال ثعلب لا تقع جملة القسم خبرا فقيل في تعليله لأن نحو: (لأفعلن) لا محل
له، فإذا بني على مبتدأ فقيل: زيد ليفعلن، صار له موضع، وليس بشيء؛ لأنه إن
ما يقع وقوع الخبر جملة قسمية لا جملة هي جواب القسم، ومراده أن القسم
وجوابه لا يكونان خبرا إذ لا تنفك إحداهما عن الأخرى، وجملة القسم والجواب
يمكن أن يكون لهما محل كقولك: قال زيد: أقسم بالله لأفعلن. وفي بعض النسخ
تنبيه: يحتمل قول همام بن غالب الفرزدق) يخاطب ذئبا عرض له في سفره:
تعش فإن عاهدتني لا تخونني = نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
(كون) جملة: (لا تخونني جوابا) لعاهدتني، فإنه بمنزلة القسم كقوله وهو الفرزدق أيضا:
الجملة السادسة من الجمل التي لا محل لها:
(الواقعة جوابا لشرط غير
جازم) مطلقا (كجواب إذا) الشرطية نحو: إذا جاء زيد أكرمتك. وجواب (لو)
الشرطية نحو: لو جاء زيد لأكرمتك، وجواب (لولا) الشرطية نحو: لولا زيد
لأكرمتك، فجملة (أكرمتك) في جواب الثلاثة لا محل لها.
(أو) الواقعة جوابا لشرط
(جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا) الفجائية (نحو: إن جاءني زيد أكرمته)
فجملة (أكرمته) وقعت جوابا لشرط جازم ولم تقترن بالفاء ولا بإذا الفجائية
(فلا) محل لها، فان اقترنت بأحدهما كانت في محل جزم كما تقدم.
الجملة (السابعة التابعة لما لا موضع له) من الإعراب نحو: (قام زيد وقعد عمرو)
فجملة (قعد عمرو) لا محل لها لأنها معطوفة على جملة قام زيد ولا محل لها
لأنها مستأنفة، هذا (إذا لم تقدر الواو) الداخلة على (قعد) (للحال)، فإن
قدرتها للحال كانت (قد) مقدرة، والجملة بعدها محلها نصب على الحال من زيد.