14 Jan 2010
المسألة الثانية: الجمل التي لها محل من الإعراب
قال أبو محمد جمال الدين عبد الله بن يوسف ابن هشام الأنصاري (ت:761هـ): (المسألة الثانية
في الجمل التي لها محل من الإعراب
وهي سبع:
إحداها: الواقعة خبرا، وموضعها رفع في بابي: المبتدأ وإن، نحو: زيد قام أبوه، وإن زيدا أبوه قائم. ونصب في بابي كان وكاد. نحو: { كانوا يظلمون }، { وما كادوا يفعلون }.
الثانية، والثالثة: الواقعة حالا، والواقعة مفعولا، ومحلها النصب.
فالحالية، نحو: { وجاؤوا أباهم عشاء يبكون }. والمفعولية تقع في أربعة مواضع: محكية بالقول، نحو: { قال إني عبد الله } وتالية للمفعول الأول في باب (ظن) نحو: ظننت زيدا يقرأ. وتالية للمفعول الثاني في باب (أعلم) نحو: أعلمت زيدا عمرا أبوه قائم، ومعلقا عنها العامل نحو: { لنعلم أي الحزبين أحصى }، { فلينظر أيها أزكى }.
والرابعة: المضاف إليها، ومحلها الجر، نحو: { هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم }، { يوم هم بارزون }.
وكل جملة وقعت بعد (إذ) أو
(إذا) أو (حيث) أو (لما) الوجودية ـ عند من قال باسميتها ـ أو (بينما) أو
(بينا) فهي في موضع خفض بإضفتهن إليها.
والخامسة: الواقعة جوابا لشرط جازم، ومحلها الجزم إذا كانت مقرونة بالفاء، أو بـ (إذا) الفجائية.
فالأولى، نحو: {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم} ولهذا قرئ بجزم {ويذرهم} عطفا على محل الجملة.
والثانية، نحو: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون}
فأما نحو: إن قام أخوك قام عمرو، فمحل الجزم محكوم به للفعل وحده، لا
للجملة بأسرها، وكذلك القول في فعل الشرط، ولهذا تقول ـ إذا عطفت عليه
مضارعا، وأعلمت الأول ـ نحو: إن قام ويقعدا أخواك قام عمرو، فتجزم المعطوف
قبل أن تكمل الجملة.
تنبيه: إذا قلت: إن قام زيد أقوم، ما محل أقوم ؟
فالجواب: قيل: هو دليل
الجواب، وقيل: هو إضمار الفاء. فعلى الأول لا محل له، لأنه مستأنف. وعلى
الثاني محله الجزم. ويظهر أثر ذلك في التابع.
والسادسة: التابعة لمفرد، كالجملة المنعوت بها، ومحلها بحسب منعوتها، فهي في موضع رفع في نحو: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه}.
ونصب في نحو: {واتقوا يوما ترجعون فيه}، وجر في نحو: {ليوم لا ريب فيه}.
والسابعة: التابعة لجملة لها محل، نحو: (زيد قام أبوه، وقعد أخوه)، فجملة (قام أبوه) في موضع رفع؛ لأنها خبر المبتدأ، وكذلك جملة: (قعد أخوه)،
لأنها معطوفة عليها. ولو قدرت العطف على الجملة الاسمية لم يكن للمعطوفة
محل، ولو قدرت الواو واو الحال كانت الجملة في موضع نصب، وكانت (قد) فيها
مضمرة.
وإذا فلت: (قال زيد: عبد الله منطلق، وعمرو مقيم) فليس من هذا القبيل، بل الذي محله النصب مجموع الجملتين، لأن المجموع هو المقول فكل منهما جزء المقول، لا مقول).
نظم قواعد الإعراب لابن ظهيرة المكي
قال جمال الدين محمد بن عبد الله ابن ظهيرة المكي (ت: ٨١٧ هـ): (والجُمْلَةُ التي لها مَحَلُّ = سَبْعٌ فَخُذْها خَبْر.. يَحِلُّ
حَالٌ ومَفْعولٌ مُضافٌ وَاقِعُ = جَوابَ شَرْطٍ جَازِمٍ وتَابِعُ
لمُفْرَدٍ وجُمْلَةٍ ذاتِ مَحَلْ = ......................).
شرح قواعد الإعراب للعلامة: محمد بن سليمان الكافيجي
قال محيي الدين محمد بن سليمان الكافيجي
(ت: 879هـ): (المسألة
الثانية أخرها عن الأولى لما أنها تتعلق بحال الجملة، وتلك بتفسيرها.
وقدمها على الثالثة لتعلقها بالإعراب. وهو المقصود الأصلي من الكتاب. وإن
كان اللائق أن يعكس الترتيب، نظرا إلى ذات الجملة من حيث هي. في بيان الجمل
التي لها محل من محال الإعراب أو من محال المعرب. وهو الأقرب إلى الفهم.
فإن قلت: الجملة، من حيث هي جملة، لا يتصور توارد المعاني الموجبة للإعراب
عليها، كمبنيات. فكيف يكون لها إعراب محلي؟ قلت لما أنها تكون حينئذ في قوة
المفرد. فعلم من هذا أن الموضوع علم النحو لا يخلو عن اعتبار الكلمات لفظا
أو تقديرا. فإن قلت: ما الفرق بين الإعراب المحلي وبين التقديري؟ قلت
الفرق بينهما هو أن المانع من الإعراب في الأول هو الكلمة بتمامها كـ (هو)
وفي الثاني هو الحرف الأخير منها، نحو ألف العصا. وهي أي: تلك الجمل سبع
جمل. أي: يحكم بإعراب الجمل محلا، في سبعة مواضع كلية، بالاستقراء. فيلاحظ
عروض العدد للموضع أولا. وللجملة ثانيا
قوله: إحديها بدل بعض من
قوله: سبع وكذا القول في غيره. ويحتمل أن يكون مبتدأ، وما بعده خبره، على
معنى: إحداها هي التي تقع كذا وكذا. فأحد المواضع السبعة التي حكم فيها
بمحل الجمل موضع خبر المبتدأ، أو موضع خبر (إن). إنما عدهما واحدا
لاشتراكهما في الرفع، وإن كان الفرق بينهما حاصلا بأن العامل في الأول هو
العامل المعنوي، وفي الثاني اللفظي على ما هو المذهب المنصور. وإلا يمكن
الحصر الاستقرائي في السبعة. وإنما لم يذكر خبر (لا) التي لنفي الجنس، إما
لكونه في حكم خبر باب (إن )، أو لقلته. الواقعة خبرا أي التي تكون خبرا
بواسطة رابطة تربطها بالأول وموضعها أي إعراب محلها – فاستعمال الموضع تعين
– رفع أو: موضع رفع، إذا وقعت في موضع خبر المبتدأ و (إن). المراد من باب
(إن) هو الحروف المشبهة بالفعل. فيكون ذكر الباب إشارة إلى كثرة وقوع الجمل
في ذلك الموضع.
مثال الجملة الواقعة خبرا
في موضع خبر المبتدأ: (قام أبوه) في نحو: زيد قام أبوه. فزيد مبتدأ، قام:
فعل فاعله: أبوه. فالجملة خبر المبتدأ. فمحل المجموع جر، على أنه مضاف
إليه. ومثال الجملة الواقعة في موضع رفع خبر (إن) نحو: إن زيدا أبوه قائم.
فزيد: اسم (إن) وأبوه: مبتدأ خبره: قائم. فالجملة مرفوعة المحل، على أنها
خبر (إن). اختلف في نحو: زيدا ضربه، وعمرو هل جاءك؟ فقيل: محل الجملة التي
بعد المبتدأ رفع على الخبرية بلا تقدير شيء كما في قوله تعالى: {بل أنتم لا
مرحبا بكم}. وقيل: محلها رفع أو نصب، بقوله مضمر هو الخبر، بناء على أن
الجملة الإنشائية لا تكون خبرا. فاختار البعض الأول، ورجح البعض الآخر
الثاني. لكن التفصيل ههنا هو الأولى. فإنا نجد بعض الإنشاء يكون محكوما به
بلا تقدير شيء نحو: متى القتال، وكيف زيد؟ وبعضه يحتاج إليه، نحو: زيد
اضربه. فإن قلت الكلام في الجملة الإنشائية، لا في مطلق الإنشاء. فلا يلازم
من صدق العام صدق الخاص، فلا يتم التقريب قلت: لو وجد مانع من الخبرية
لكان هو معنى الإنشاء. وهو سواء في المفرد والجملة، فلا مجال للفرق. قيل:
المقابل للإنشاء هو الجملة الخبرية لا خبر المبتدأ. فإن الأول لازمه احتمال
الصدق والكذب، بخلاف الثاني. فلا مانع من وقوع الجملة الإنشائية خبرا
لمبتدأ، بلا تقدير القول. فيكون الاختلاف حاصلا من اشتباه أحد استعمالي لفظ
الخبر بالآخر، فيصير النزاع لفظيا في التحقيق. فالتحقيق أن يقال: إن اعتبر
في خبر المبتدأ ثبوته له أو انتفاؤه عنه فلا يتصور وقوع خبرا لمبتدأ أصلا،
بلا تقدير أمر، وإن اعتبر مطلق الارتباط بينهما بحيث يصح السكوت عليه فلا
شك أنه يقع خبرا له، بدون التقدير. لكن الحق هو الثاني؛ لأن الخبر هو
المسند إلى المبتدأ، والمعتبر بينهما هو التعلق المفيد، على أي وجه كان.
ألا ترى أن الفعل في قولك:
اضرب زيدا. هو المسند إلى الفاعل، مع أنه لا يتصور بينهما إلا الارتباط
بحيث يصح السكوت عليه، لا التعلق الوقوعي؟
ونصب: عطف مع ما بعده على
قوله: رفع. مع ما بعده، على طريق عطف معمولي عاملين مختلفين على مذهب
الفراء، وأما عند سيبويه فمثل هذا العطف لا يجوز أصلا؛ لأن حرف العطف ضعيف،
فلا يقوم مقام عاملين.
نعم يجوز مثل هذا العطف
عند صاحب الكشاف وابن الحاجب، إذا كان المجرور مقدما على المرفوع أو على
المنصوب المعطوف في والمعطوف عليه، نحو: في الدار زيد، والحجرة عمرو. ونحو
قول الشاعر:
أكل امرئ تحسبين امرأ ونار، توقد بالليل، نارا
وأما
فيما عداه فغير جائز. [فالحق هو مذهب الفراء، لأن جزئيات الكلام إذا أفادت
المعنى المقصود منها، على وجه الاستقامة، لا تحتاج إلى النقل والسماع.
وإلا لزم توقف تراكيب العلماء في تصانيفهم عليه. وهو غير جائز]. فإن قلت:
المراد منه نفي الجواز من حيث النظر إلى تحقق استعمال اللغة الفصيحة. قلت:
سلمناه، لكن لا يلزم منه التقريب. فإن الخاص لا يستلزم سلب العام. فإن قلت:
المدعي خاص أيضا. فيم يتم التقريب حينئذ. قلت: لا يجوز اعتبار الخصوص في
الدعوى ههنا. وإلا يلزم المصادرة. فتأمل هذا. فتقول: إعراب موضع الجملة
الواقعة خبر نصب محلا، إذا وقعت في موضع خبر بابي (كان وكاد). إنما جمع
البابين ههنا أيضا، للاشتراك في النصب. وإنما جعل الجملة الواقعة خبرا في
مواضع أخبار الأبواب الأربعة واحدة، لاعتبار تحقق معنى الخبرية في كل
منهما. والمراد من باب (كان) : كان وصار وأصبح وأمسى وأضحى وظل وبات، وآض
وعاد وغدا وراح، وما زال وما برح وما فتئ وما انفك وما دام، وليس. وأما
المراد من باب (كاد) كاد وكرب، وطفق وجعل وعسى وأوشك. فمثال الجملة الواقعة
خبرا نحو (يظلمون) في: (كانوا يظلمون). هذا على مذهب البصريين. وأما عند
الكوفيين فمنصوب (كان) ملحق بالحال. فكان: فعل من الأفعال الناقصة، ترفع
الاسم لفظا أو تقديرا أو محلا، وتنصب الخبر كذلك. فاسمها الضمير المرفوع
المتصل وهو الواو، وخبره (يظلمون). فيظلم: فعل، فاعله الواو والنون: علامة
الرفع. فالجملة في محل نصب، على أنها خبر (كان). وتجيء (كان) تامة بمعنى:
وجد وحدث، كقوله تعالى: {وإن كان ذو عسرة} أي: إن وجد ذو عسرة، وقوله تعالى
{كن فيكون} أي: احدث فيحدث. فإن قلت: (كان) مشتق من الكون، وهو بمعنى
الوجود، ومعناهما واحد. فما السر في تسمية أحدهما ناقصا، والآخر تاما؟ قلت:
إذا استعمل لتقرير ثبوت الوصف لأمر، اقتضى بالضرورة الشيئين المشيئين
غيره، فلا يتم تعقل معناه بأحدهما، فسمى ناقصا. وأما إذا استعمل لإفادة
معنى الوجود، المنسوب إلى شيء ما من غير اعتبار التقرير، يتم تعقله بتعقل
المسند إليه، فسمى تاما. فإن قلت: وجود كل شيء عينه. فلا يصح نسبة الوجود
إلى شيء ما لاقتضائها التغاير قلت: سلمناه لكم العينية في الخارج لا ينفي
التغاير في الفهم والذهن. وهو حاصل ههنا، بلا شبهة، فيكفي في الإسناد. على
أن الكون ههنا هو الكون الاعتباري في التحقيق لا العيني. فإن قلت: زيد
موصوف بالكون والوجود، في قولك (كان زيد)، كما أنه موصوف بالقيام، في قولك:
كان زيد قائما. فاتحدا فانتفى الفرق. قلت إن (كان)، إذا كان لتقرير ثبوت
الخبر للاسم، يقتضي أن المسند هو الخبر والمسند إليه هو الاسم، فيكون خارجا
عنها غير مقصود بالنظر، فلا يتم تعقله إلا بتعقل الاسم والخبر، كما أن
النسبة لا يتم تعقلها إلا بتعقل المنتسبين، [فيكون رابطة. فسمي ناقصا. وأما
إذا أفاد الوجود المنسوب] إلى شيء ما بدون اعتبار التقرير، فكأن نفسه هو
المسند المقصود، فلا يكون خارجا عنهما فلا يكون رابطة، فيتم تعقله بالمسند
إليه فقط، حتى إذا قصدنا تقرير نسبته نقول: كان زيد موجودا – فإن قلت: لا
يتم تعقل المسند إلا بتعقل المسند إليه والإسناد بينهما، فلا يتم بتعقل
المسند إليه وحده. فصح تسميته تاما. وتجيء (كان) صلة، كقوله تعالى: {كيف
نكلم من كان في المهد صبيا} أي: كيف يكلم من في المهد حال كونه (صبيا)؟
فيكون صبيا منصوبا على الحال. وتجيء (كان) بمعنى (صار) نحو: كان زيد غنيا.
وأما (كان) في قولك كان زيد خارج، أي: كان الشأن زيد خارج، فهو ناقص، فليس
قسما آخر برأسه، وإن عده البعض قسما على حدة. مثال الجملة الواقعة خبرا في
باب (كاد) نحو (يفعلون)، في قوله تعالى: {وما كادوا يفعلون}. كاد يكاد مثل
خاف يخاف. قال الأصمعي: سمعت بعض العرب تقول: لا أفعله ولا كودا. فكاد فعل
من أفعال المقاربة، وضع لدنو الخبر حصولا، يرفع الاسم. وينصب الخبر. فإذا
دخل النفي فالصحيح أنه كسائر الأفعال، فيكون المعنى أنهم ما قاربوا أن
يفعلوا. فإن قلت: كيف نفى قرب الفعل، وقد قال الله تعالى: {فذبحوها}؟ قلت
لا منافاة، لاختلاف وقت النفي ووقت الفعل، لأنهم ما قاربوا الفعل، لكثرة
مراجعتهم قبل انتهاء سؤالاتهم. فإذا انقطعت تعللاتهم فعلوا فعل المضطر
الملجأ إلى الفعل. فإن قلت: أليس الواو فيه للحال فيفضي إلى المحذور؟ قلت
ليست هي للحال، بل هي للعطف كما هو أصلها. ويجوز أن تكون للاعتراض. قال
صاحب الكشاف (قوله تعالى: {وما كادوا يفعلون}،
استثقال لاستقصائهم). الواو: ضمير مرفوع متصل، عائد إلى قوم موسى – عليه
السلام – في محل الرفع على أنه اسمه، ويفعلون: خبره. فيفعل فعل فاعله
الواو. فالجملة منصوبة المحل، في تقدير اسم الفاعل، على أنها خبره. فتقدير
الكلام: وما كادوا فاعلين. قال الفراء: المذكور بعد مرفوع (كاد) يكون
منصوبا على سبيل التشبيه بالحال. وقال أهل الكوفة: يكون منصوبا على الحال.
وأما المذكور بعد مرفوع (عسى) بدل اشتمال عند الكوفيين. فـ (عسى زيد أن
يخرج) في قوة: قرب زيد خروجه. وكذلك إذا وقعت الجملة في موضع خبر (ما) و
(لا) اللتين هما بمعنى (ليس) يكون في محل النصب.
والثانية بالرفع، على أنه
بدل بعض من قوله: {سبع} أيضا – قد وجد واو العطف ههنا في بعض النسخ، فيكون
لعطف البدل على البدل، لا لعطف البدل على المبدل منه. فإنه غير جائز –أي
الجملة الثانية، من الجمل السبع التي لها محل من الإعراب، والجملة الثالثة
منها. قوله: (الواقعة) أي: التي تكون حالا: نعت لقوله (الثانية)، كما أن
قوله: (والواقعة مفعولا) نعت للثالثة. لكن الواو جيئت للعطف على قوله:
الواقعة حالا. إنما سلك ههنا طريق اللف والنشر، على هذا النظم، وإن كان
الظاهر أن يذكر كل واحدة منهما على حدة، بلا جمع بينهما، نظرا إلى تحقق
السبب. وهو اشتراكهما في حكم النصب، مع كونها قصة يتم الكلام بدونها، وإلى
الغرض الباعث وهو الاختصار، مع أنه بصدده. قال الشاعر:
يرملون بالخطب الطوال، وتارة وحي الملاحظ، خفية الرقباء
وإعراب محلها أي: محل
الجملة الثانية والجملة الثالثة، الوقعتين حالا ومفعولا، النصب إذا وقعتا
في موقع الحال، وفي موقع المفعول به. الظاهر أن مثل هذه الواو تكون
للاعتراض، ويحتمل أن تكون للعطف على الصفة مع وجه التأكيد، للحال أيضا.
وأنت خبير بأنها إذا تركت في مثل هذا الموضع فلا تضر بالمقصود شيئا. الفاء
في قوله: ( فالحالية) للتفصيل. ويجوز أن تكون جواب شرط محذوف، على معنى:
إذا كان الأمر كذلك فأقول الحالية أي: مثال الجملة الواقعة في موضع الحال
نحو (يبكون)، في قوله تعالى: {وجاؤوا أباهم عشاء يبكون}. فالمعنى: أتى
أولاد يعقوب –عليه السلام – أباهم في آخر النهار –وقيل: فيما بين المغرب
والعشاء – حال كونهم باكين أي: متباكين. قال الجوهري (العشي: من صلاة
المغرب إلى العتمة، والعشاء بالمد والكسر مثل العشي. وأما العشا مقصورًا
فهو مصدر الأعشى. وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار). وقرئ (عشيا) وهو
تصغير عشي. وقرئ (عشى) بالضم والقصر. وهو جمع أعشى. أي: جاءوا أباهم عشوا،
من البكاء فجاء: فعل، فاعله الواو، ومفعوله (أباهم)، وعشاء: مفعول فيه،
العامل فيه (جاءوا يبكون): منصوب المحل، على أنه حال من فاعل جاء. قال صاحب
(الكشاف) في تفسير قوله تعالى: {فقد جاؤوا ظلما وزورا}: إن (جاء) يستعمل
في معنى: فعل فيعدى تعديته. فيكون معنى الكلام على معنى: وردوا ظلما، كما
تقول: جئت المكان. ويجوز أن يحذف الجار ويوصل الفعل. ومن الجملة الحالية
قوله، عليه أفضل [الصلاة و] السلام: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو
ساجد)).
ثم لما عرض على الجملة
الواقعة مفعولا اعتبارات مختلفة بحسب اختلاف اعتبارات المقامات وإن كان
الكل واحدًا باعتبار المفعولية، قال: والجملة المفعولية –وقع بدله في بعض
النسخ: (المفعولية) أي: المنسوبة إلى المفعول. فكلاهما جائز. لكن المناسب
لقوله (فالحالية) هو الثاني –تقع في أربع مواضع، بحكم الاستقراء. اختلف
النسخ ههنا، فوقع في بعضها (في ثلاثة مواضع)، ووقع في بعضها: (في أربعة
مواضع). لكن هذا الاختلاف مبني على إثبات باب (أعلمت) وعدم إثباته في
الكتاب. لكن إثباته أولى، لحصول تغاير المعنى في الجملة الواقعة ثانية
للمفعول الأول في باب (ظن)، وثانية للمفعول الثاني في باب (أعلمت). فأحد
الموضع الأربعة الذي تكون الجملة فيه محكية بالقول. الحكاية: إيراد اللفظ
على استيفاء صورته الأولى. مثال تلك الجملة نحو (إني عبد الله)، في قوله
تعالى: (قال) أي عيسى ابن مريم: {إني عبد الله}. فجملة {إني عبد الله}
منصوبة المحل على المفعولية، محكية بالقول. وهو قول الله –تعالى –حكاية عن
عيسى عليه السلام. فتكون الباء في قوله: (محكية بالقول) للاستعانة. ثم إنهم
اختلفوا في مقول القول: هل هو مفعول به أو مفعول مطلق نوعي؟ فاختار ابن
الحاجب أنه مفعول مطلق نوعي، كرجع القهقرى فقال: (الذي غر الأكثرين أنهم
ظنوا أن تعلق الجملة بالقول كتعلقها بـ (علم) في: علمت لزيد منطلق. لكنه
ليس كذلك، لأن الجملة هي نفس القول والعلم غير المعلوم. فافترقا، فلا يجري
القياس بينهما فلا يكون مفعولا به واختار الجمهور على أنه مفعول به، تمسكا
بهذا الدليل. ويمكن أن يقال: إن الشيخ ابن الحاجب جعل (قال) مثلا مشتقا من
القول بمعنى المقول، لا بمعنى إتيان المقول، كما جعلوا (استنوق) مشتقا من
الناقة، على طريق النسبة. فهذا جائز واقع، وإن لم يكن كثيرا. يدل على ذلك
قوله: (أن الجملة هي نفس القول). وإلا فلا ينبغي أن يخفى على مثله أن إتيان
القول غير المقول. وأما الجمهور حملوا القول على المعنى المصدري. وإلا فلا
مجال لإنكار أن القول بمعنى المقول عين الجملة المحكية بالقول. فيكون
النزاع بينهما لفظيا. هذا فالأولى ههنا هو التفصيل بأن يقال: قد يكون مقول
القول مفعولا مطلقا تارة، كما إذا قلت: زيد قائم، وأخرى يكون مفعولا به،
كما إذا حكيت قول الغير المذكور في الكتاب من قبيل الثاني. اعلم أن الحكاية
قد تقع بما هو في معنى القول، كما تقع بالقول. وهو نوعان:
الأول: هو الذي معه حرف التفسير، كقولك: كتبت إليك أن افعل. فالجملة في هذا النوع مفسرة للفعل، لا موضع لها من الإعراب.
والنوع الثاني: هو الذي
ليس معه حرف التفسير، نحو: ناديت يا زيد اركب معنا. فهذه الجملة في محل
النصب اتفاقا. لكن النصب عند البصرة بقول مقدر، وعند الكوفة بالفعل
المذكور. قال صاحب الكشاف: (إن الجملة الأولى إجمال، والثانية تفصيل). فهذا
يشعر بأنها مفسرة، لا محل لها من الإعراب عنده. وقد تحكى الجملة بعد القول
الصريح، بقول آخر محذوف، كقوله:
قالت له وهو بعيش ضنك لا تكثري لومي وخلي عنك
فالتقدير: قالت له: أتذكر
قولك ؛ إذ ألومك في الإسراف في الإنفاق: لا تكثري لومي؟ فحذف المحكية
بالقول المذكور وأثبت المحكية بالقول المحذوف اعتمادا على الفهم. ثم الجملة
التي تكون محكية بالقول قد تكون في محل الرفع، نحو: قيل: زيد قائم، أي:
هذا القول. قال الله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا}.
وثانية – معطوف على قوله:
(محكية) أي: الموضع الثاني من المواضع الأربعة الذي تقع في الجملة فيه
مفعوله ثانية –المفعول الأول – متعلق بالوقوع. وبجوز أن يكون صفة لقوله:
ثانية –في باب (ظن) : متعلق به أيضا. أي: في أفعال القلوب التي تتعدى إلى
مفعولين. فإن أصل المفعول الثاني خبر، والخبر قد يكون جملة، فكذلك المفعول
الثاني. فلهذا لا يقع المفعول الثاني جملة في باب: أعطيت. وأما نحو: (سمعت
زيد يقرأ) فقد قيل: إنه يتعدى إلى مفعولين. فجملة (يقرأ) منصوبة المحل، على
أنها مفعولة ثانية. فإن قلت: السمع فعل لا يتعلق إلا بالمسموع. فكيف جاز
تعلقه ههنا بـ (زيد)، وهو مما لا يسمع ؟ قلت: إن السماع لما تعلق باللفظ
المسموع المنسوب إلى زيد جاز تعلقه به، بهذا الاعتبار كما جاز تعلق أفعال
القلوب بالمفعول الأول، بذلك الاعتبار. وقيل: إنه يتعدى إلى مفعول واحد.
فالجملة حال أو بدل اشتمال. وهو الظاهر. وأما إذا تعلق بالمسموع ابتداء فهو
يتعدى إلى مفعول واحد فقط اتفاقا نحو: سمعت صوتا. قال الله تعالى: {يوم
يسمعون الصيحة}. نحو: ظننت زيدا يقرأ، وعلمت عمرا يسمع. فجملة (يقرأ)
منصوبة المحل، على المفعولية. وذهب الجمهور إلى أن أفعال القلوب من الدواخل
على المبتدأ والخبر وأنها من نواسخ الابتداء وذهب البعض إلى أنها ليست من
الدواخل عليها وليست من نواسخه، استدلالا على ذلك بأن العرب تقول: ظننت
زيدا عمرا. لكن الحق هو مذهب الجمهور وأما قوله: ظننت زيدا عمرا بعد
التسليم فهو متأول بمعنى: ظننت الشخص المسمى بزيد مسمى بعمرو، كما أن قولك:
(زيد حاتم) متأول بمعنى: زيد مثل حاتم، بشهادة المعنى. وثانية معطوف على
(ثانية) أي الموضع الثالث تقع الجملة فيه مفعولة ثالثة – للمفعول الثاني،
من أفعال القلوب الذي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل – فإن المفعول الثالث فيه
بمنزلة المفعول الثاني – في باب (علم). فجاز وقوعه جملة، كما جاز فيه نحو:
أعلمت زيدا عمرا أبوه قائم، وأخبرت خالدا عمرا أخوه قاعد. فقوله: أبوه قائم
منصوب المحل على أنه مفعول ثالث، كما أنه مفعول ثان في قولنا: علمت عمرا
أبوه قائم. وألحق الحريري (علم) بتشديد اللام بـ (أعلم). فيكون حكمه كحكمه.
وظاهر مذهب سيبويه أن النقل بسبب التضعيف سماع في الفعل المتعدي، وفي
الفعل اللازم جميعا، وأن النقل بالهمزة قياسي في الفعل اللازم، سماع في
الفعل المتعدي. ولا يخفى عليك أن الكل واقع غالبا في مصنفات العلماء على
طريق القياس. ومعلقا عنها العامل أي: الموضع الرابع من تلك المواضع الأربعة
الذي تقع الجملة فيه معلقا عن تلك الجملة عاملها. فضمير (عنها) راجع إلى
الجملة. والعامل مرفوع بـ (معلقا) على أنه فاعله. فإن قلت: اسم المفعول لا
يعمل، على المذهب المنصور، إلا إذا اعتمد على أحد الأشياء. فكيف يعمل ههنا
بدون الاعتماد؟ قلت: اعتمد على مقدر كما أشرنا إليه. فأما التعليق: إبطال
عمل العامل على سبيل الوجوب غالبا لفظا لا معنى بخلاف الإلغاء، فإنه يجوز
فيه الإعمال وتركه فلا يكون واجبا أبدا هي إما تفسير الإلغاء بترك العمل
لفظا ومعنى لغير عارض فهو فاسد فكما لا يخفى وإنما قال: ( لفظا) لأن معنى (
علمت لزيد قائم) في معنى: علمت قيام زيد فيكون متعلقا من حيث المعنى ولهذا
جاز العطف على المحل نحو: علمت لزيد قائم وبكرا قاعدا والتعليق قد يكون
بالاستفهام نحو: علمت أزيدا قائم وأيهم قاعد وغلام أيهم أنت؟ فإن قلت: ما
معنى الاستفهام مع حصول العلم؟ قلت: صورته صورة الاستفهام ليس معناه معنى
الاستفهام فإنك إذا قلت علمت أيهم في الدار فمعناه علمت الذي هو في الدار
وكذا جميع الاستفهام الذي علق عنه الفعل وكذلك لا يكون لمثل هذا الاستفهام
جواب المبتدأ بخلاف الاستفهام الذي لم يعلق عنه الفعل فإنك إذا قلت أيهم في
الدار يكون له جواب لفظا أو تقديرا وإما نحو علمت لزيد قائم وما زيد قائم
فلا شبهة فيه أصلا وقيل معنى علمت أزيد قائم معنى علمت جواب هذا الاستفهام
وقد يكون بالنفي نحو ظننت ما زيد قائم وإن زيد ذاهب ونحو ظننت لا زيد عندك
ولا عمرو قد يكون بلام الابتداء كما مر وإنما لم يعمل العامل حينئذ لفظا
لأن ما قبل هذه الأشياء لا يعمل فيما بعدها بالاستقراء فروعيت هذه الأشياء
من حيث اللفظ كما روعي العامل من حيث المعنى إذا لحق ما كان بقدر الإمكان
فإن قلت: لم لم يعكس قلت لأن طريقه هو الاستقراء لا العقل ولا يذهب عليك أن
الغرض من الاستدلالات النحوية هو التوجيه بعد الوقوع على طريق الإيضاح لا
الإثبات على طريق العقل فإن ذلك غير جائز وإما نحو قولك علمت أن زيداً قائم
بالكسر فإنه يمكن الإعمال بجعلها مفتوحة فتقوم مقام المفعولين فلا يعدل
إلى التعليق مع إمكان الأصل وهو الإعمال وأما إذا لم يمكن الأصل فيرجع إلى
التعليق حملاً للكلام على جانب الفائدة نحو علمت أزيدًا لقائم وقد يكون
التعليق جائزاً نحو علمت زيدا أبو من هو فإذا نصبت زيداً تكون الجملة بعده
في موضع المفعول الثاني وتكون منصوبة المحل وهو المختار فإن رفعت زيدًا
يكون مبتدأ ما بعده خبره وتكون الجملة معلقًا عنها قال ابن عصفور التعليق
مختصر بباب ظن ولا يجوز في فعل غير ظن وعلم حتى يضمن معناهما فيكون المعتبر
هو المضمن فحاصله راجع إلى باب ظن وهذا أقرب إلى الضبط قال صاحب الكشاف في
قوله: {ليبلوكم أيكم أحسن عملاً}
في سورة هود جاز تعليق فعل البلوى لما في الاختبار من معنى العلم لأنه
طريق إليه فهو ملابس له كم تقول انظر أيهم أحسن وجهاً واسمع أيهم أحسن
صوتًا لأن النظر والاستماع من طرف العلم ثم قال في تفسير الآية في سورة
الملك لا يسمى تعليقًا وإنما التعليق أن يقع بعد العامل ما يسد مسد منصوبيه
جميعا كعلمت أزيد منطلق أقول فيكون التقدير ليعلم أيهم أحسن عملاً فيكون
التعليق في مقامه فلا يلزم بين الكلامين منافاة كما زعمها البعض فالحق جواز
التعليق في كل فعل قلبي قال ابن الحاجب أفعال القلوب تعلق مع الاستفهام
فإن تكن متعدية إلى مفعولين كعرفت وعلمت إذا كان بمعنى عرفت وقيل التعليق
لا يختص بباب ظن فالجملة التي تعلق عنها العامل تقع تارة في موضع مفعول
مقيد بالجار نحو {فلينظر أيها أزكى طعامًا}
فإنه يقال نظرت فيه لكنه تعلق ههنا بالاستفهام لفظًا ويتعلق بها من حيث
المعنى على معنى ذلك الحرف فأخرى يقع في المفعول الصريح نحو عرفت من أبوه
لأنك تقول عرفت زيدًا فتقع أخرى في موضع المفعولين نحو {لنعلم أي الحزبين أحصى}
فانقسمت إلى ثلاثة أقسام كما ترى وأما يونس فقد أجاز التعليق في جميع
الأفعال فيكون في التعليق ثلاثة مذاهب فالأول أخص والثاني أعم، من الأول
وأخص من الثالث والثالث أعم من نحو قوله: {ثم بعثناهم} أي أيقظناهم أي أصحاب الكهف فقوله: {بعثناهم} معطوف على قوله: {فضربنا على آذانهم} الآية {لنعلم} اللام فيه للتعليل وعند الأشاعرة مثل هذه اللام تسمى لام العاقبة ولام الحكمة ونعلم منصوب بأن مضمرة بعدها متعلق بقوله {بعثناهم} والمفهوم من الكشاف أنه متعلق بقوله: {فضربنا}
فكلاهما صحيح لكن ما ذهب إليه الزمخشري أقعد وإن كان الثاني أقرب ويجوز أن
يتعلق بالمجموع من حيث هو أو بالضرب بواسطة البعث فإن قلت هذا كله هين لكن
ما معنى قوله {لنعلم}
مع أن الله تعالى عالم بذلك وبكل شيء في الأزل قلت معناه ليتعلق علمنا
تعلقًا حاليا مطابقًا لتعلقه أو لا تعلقا استقباليًا هكذا ذكر البيضاوي
والمفهوم من الكشاف أن معناه ليظهروا ليحصل لهم ما تعلق علمنا به من ضبطهم
مدة لبثهم فكأنه قيل فضربنا على آذانهم ليضبط هؤلاء تيقظهم وتنبههم من
نومهم مدة لبثهم في الكهف فيزدادوا إيمانًا وهذا معنى لطيف وإن كان ما ذهب
إليه البيضاوي ظاهرًا وقرئ ببناء المفعول فاعله مضمون الجملة التي بعده {أي
الحزبين} المختلفين منهم في مدة لبثهم {أحصى لما لبثوا أمداً} ضبط أمداً
زمان لبثهم في الكهف فأي مبتدأ أضيف إلى الحزبين وأحصى فعل فاعله مستتر فيه
عائد إلى المبتدأ مفعوله أمدًا قوله {لما لبثوا} حال منه فتكون ما مصدرية
مع اعتبار معنى المدة فيها كما في قولك: آتيك حقوق النجم أي غاية حاصله لا
زمان لبثهم فلا مانع من ذلك وإن كان نكرة لتأخره عنها وقيل ما مصدرية بدون
اعتبار معنى المدة فيكون مفعولا له وقيل أن اللام مزيدة وما موصولة وأمدًا
تمييز فيكون الموصول مع صلته في محل النصب على أنه مفعوله والفعل مع فاعله
خبر المبتدأ والمبتدأ مع خبره جملة علق عنها العامل على أنها منصوبة المحل
قائمة مقام مفعولين ولا يخفى أن المفعول الذي تقع الجملة موقعه هو المطلق
سواء كان واحدًا أو متعددًا فإن قلت قد صرحوا بأن الجملة إنما يكون لها محل
من الإعراب إذا وقعت موضع المفرد فمعلوم أن المتعدد غير المفرد قلت المراد
من المفرد ههنا مقابل الجملة فيدخل المتعدد تحت تعريف المفرد حينئذ فإن
قلت المتعدد لا يتصور له الإعراب أصلا فبالأحرى أن لا يكون للجملة إعراب
قلت لا يلزم من عدم تحقق الحكم لمانع عدم تحققه بغير مانع على أن تحقق
العطف على المحل في الاستعمال يبلغ عدم تصور الإعراب فيها فلينظر أيها
الضمير راجع إلى المدينة أي إلى أهلها ونضيره قوله تعالى {واسأل القرية}
{أزكى طعامًا} أي أصله وأطيب فأي مبتدأ خبره أزكى طعامًا وهو منصوب على
التمييز فالمجموع منصوب المحل قائم مقام المفعول هذا على مذهب من لم يخصص
التعليق بأفعال القلوب وأما على مذهب ابن عصفور فالنظر لما كان من سبب
العلم وطرقه أقيم مقامه وأعطي حكمه ففي إتيان هذا المثال فائدة إشعار
باختلاف المذاهب في باب التعليق لا شك أن الجملة التي علق عنها العامل لما
كانت لا تنتظم فيما ذكر قبل وتقوم مقام مفعولين خصصت على حدة بالمرتبة
الرابعة
الرابعة من الجمل السبع
التي يكون لها محل من الإعراب المضاف إليها الضمير المجرور مرفوع المحل على
الفاعلية كما في قوله تعالى {غير المغضوب عليهم} فإن قلت هو ليس بفاعل بل
هو مفعول ما لم يسم فاعله قلت إنه فاعل عند صاحب الكشاف وإن لم يكن فاعلاً
عند ابن الحاجب فإن قلت لا بد للضمير من أمر يرجع إليه فأي شيء هو؟ قلت:
الألف واللام في قوله المضاف فيكون التقدير التي أضيف إليها وإعراب محلها
الجر لوقوعها موضع الاسم المجرور وهو الأصل في المضاف إليها لما كان الجمل
المضاف إليها تارة فعلية وأخرى اسمية أورد المصنف مثالين فالمثال الأول نحو
{هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} هذا مبتدأ خبره يوم ويجوز بناء اليوم على
الفتح لإضافته إلى الجملة كما يجوز إعرابه فإذا قرأ بالنصب يكون ظرف زمان
لتعلق القول فيكون هذا إشارة إلى الخبر المذكور فيما قبل هذه الآية أي يقول
الله تعالى هذا الكلام في {يوم ينفع الصادقين صدقهم} وينفع فعل فاعله
صدقهم ومفعوله الصادقين قدم على فاعله لكون ضميره متصلا بفاعله والضمير
بالنصب فيكون مفعولاً له وفاعل ينفع ضمير مستتر فيه عائد إلى الله فالجملة
مجرورة المحل على أنه مقول القول فإن قلت كيف يصح هذا مع أن كون اللفظ
مضافًا إليه من خواص الاسم قلت أن المضاف إليه ههنا في تأويل المصدر المعرف
فيكون اسما تقديرًا فإن قلنا ينفع الخبر اليوم يكون اليوم منصوبًا على
الظرفية وإن قلنا هذا يوم الخبر يكون مرفوعًا على الخبرية فلا يكون منصوبًا
مع إنه وقت مضمون الجملة المضاف إليها فما الفرق بينهما قلت هو اختصاص
اليوم به من غير اعتبار وقوع المضمون الفعل فيه بخلاف الأول فقس على هذا
سائر أسماء الظروف المضاف إلى الجملة ومثال الثاني نحو: {يوم هم بارزون}
فاليوم بيان وبدل من {يوم التلاق} في قوله تعالى: {لينذر يوم التلاق} وهم
مبتدأ خبره {بارزون} فالجملة مجرورة باليوم لإضافته إليها ثم بعد تمام
التمثيل قصد المصنف إلى تعداد موارد استعمالات الجمل المضاف إليها مع
التصريح بالعوامل فيها لزيادة التقرير والإيضاح فقال وكل جملة مطلقًا واقعة
بعد إذ نحو: {إذ قال ربك للملائكة} {واذكروا إذ أنتم قليلاً} أو وقعت بعد
إذا نحو:
والنفس راغبة إذا رغبتها وإذا ترد إلى قليل تقنع
فإذا عند الكوفيين تستعمل
حقيقة للظرف بمعنى وقت حصول مضمون ما أضيف إليه فلا يجزم به الفعل ويكون
استعماله فيما هو قطعي الوجود كقوله وإذا يحاس الحيث يدعى جندب وللشرط
بمعنى تعليق مضمون جملة بحصول ما دخل عليه ويجزم به المضارع ويكون استعماله
في أمر على خطر الوجود كقوله:
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
أي إن يصبك فقر ومسكنة فأظهر الغنى من نفسك بالتزين وتكلف الجميل أو كل الجميل وهو الشحم المذاب تعففاً وعند البصريين أن إذا حقيقة في الظرف تضاف إلى جملة فعلية في معنى الاستقبال لكنها قد تستعمل لمجرد الظرفية من غير اعتبار شرط وتعليق كقوله تعالى: {والليل إذا يغشى} أي وقت غشيانه على أنه بدل من الليل وقد تستعمل للشرط والتعليق من غير سقوط معنى الظرف كمتى مثل إذا خرجت خرجت أي أخرج وقت خروجك تعليقًا لخروجك بخروجه بمنزلة تعليق الجزاء بالشرط إلا أنهم لم يجعلوه لكمال الشرط ولم يجزموا به المضارع لفوات معنى الإبهام اللازم للشرط فجزم الفعل بإذا لا يجوز إلا في ضرورة الشعر تشبيها للتعليق بين جملتيها بما بين جملتي إن وأما استعمالها من غير جزم الفعل بها فشائع مستفيض فإن قلت: إن استعمالها في الشرط من غير سقوط معنى الظرف يؤدي إلى الجمع بين الحقيقة والمجاز وذا لا يجوز قلت إنها لم تستعمل إلا في معنى الظرف لكنها تضمنت معنى الشرط باعتبار إفادة الكلام تقييد مضمون جملة بمضمون جملة أخرى بمنزلة المبتدأ المتضمن معنى الشرط مثل الذي يأتيني فله درهم ولم يلزم من ذلك استعمال اللفظ في غير ما وضع له أصلاً فلا يلزم الجمع بينهما إن وقعت بعد حيث نحو اجلس حيث زيد جالس زيد مبتدأ خبره جالس والجملة مضاف إليها مجرورة المحل بإضافة حيث إليها وحيث منصوب المحل على الظرفية العامل فيه اجلس أو وقعت بعد لما الوجودية نحو لما جاءني زيد أكرمته جملة جاءني زيد مجرورة المحل بإضافة لما إليها ولما منصوبة المحل على الظرفية العامل فيها جوابها أعني أكرمته إنما وصفها بالوجودية لاقتضاء جملتين توجد ثانيتهما عند تحقق أوليهما ولذلك يقال إنها حرف وجود لوجود أي حرف يدل على ربط جملة بأخرى ربط السببية وإشارة إلى أن لها وجوه استعمال أخر كاستعمالها لازمة إذا دخلت على الفعل المضارع نحو لما يضرب زيد ولمجيئها بمعنى إلا نحو قوله تعالى: {إن كل نفس لما عليها حافظ} أي إلا عليها حافظ وقد تجيء فعلا نحو لم لما لموا مأخوذاً من قولهم لممت الشيء أي جمعته عند من قال باسميتها وهو أبو علي الفارسي وابن السراج وابن جني وقال سيبويه إنها حرف بمعنى اللام فإن قلت إذا كان بمعنى اللام فيكون عامله مثلها فتكون الجملة بعدها مجرورة المحل فما الفائدة في التقييد بالاسمية قلت لا يلزم من ذلك عملها لأن الفرق ظاهر بين كون معنى الشيء بمعنى شيء ومن كونه معناه على أن التقييد يفيد رعاية قاعدة الجملة المضاف إليها بواسطة حرف الجر تقديراً فيكون الظرف مع متعلقه صفة ثانية لها فيكون التقدير لما الوجودية الكائنة عند القائل بأنها اسم فإن قلت عند نزل على المكان لغة فمعلوم أنه غير مقصود ههنا فما المراد منه قلت المراد منه المذهب والاعتقاد الذي هو منشأ اسميتها بالنظر إلى موارد استعمالها أو وقعت بعد بينا نحو بينا أنا قائم جاء زيد أو بعد بينما نحو بينما أنا قائم إذ جاء بكر وعامل بينما محذوف يدل عليه الكلام وقيل بينما مبتدأ خبره إذ فالمعنى وقت أنا قائم وقت جاء بكر واختار البعض أنها تقع زائدة بعد بينما وبينا خاصة فلا يكون العامل محذوفًا وأما الجواب إذا لم يقارن إذا التي للمفاجأة فعامله جوابه نحو بينا أنا قائم جاء عمر وبين في الأصل مصدر بمعنى الفراق وهو لازم الإضافة إلى المفرد فلما قصدت إضافته إلى الجملة والإضافة إليها كلا إضافة زيدت ما الكافة ليكفها عن الاقتضاء للمضاف إليه كما أن ألف بينا زائدة وجعل من الظروف الزمانية عند إضافته إلى الجملة وإن كان قيل ذلك تستعمل في الزمان والمكان لأن ظرف المكان لا يضاف إلى الجملة إلا حيث فجملة أنا قائم مجرورة المحل على أنها مضاف إليها فهي أي الجملة الواقعة في موضع خفض في محل الجر بإضافتهن أي بسبب إضافة الكلمات المذكورة إليها أي إلى الجملة التي تقع بعدها فمذهب الشيخ عبد القادر أن العامل في المضاف إليه هو المضاف لكن ظاهر عبارة الكتاب تدل على أن العامل فيه الإضافة قوله جملة وقعت بعد إذ مبتدأ خبره فهي في موضع خفض وإنما جيء الخبر بالفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط وأنت خبير بأن الجمل المضاف إليها غير منحصرة فيما ذكر كقولك ما رأيت منذ دخل الشتاء ومذ قدم فلان وكقوله أتيتك زمن الحجاج أمير وكقوله:
إلا من مبلغ عني تميما بآية ما يحبون الطعاما الجملة الخامسة منها
الواقعة جوابا لشرط جازم أي جوابا بكلمة الشرط التي تعمل عمل الجزم لفظًا
أو محلا قيد الشرط بالجازم لأن الجملة إذا وقعت جواب الشرط الغير الجازم
فلا يكون لها محل من الإعراب نحو لو قمت قمت الشرط لغةً العلامة أشراط
الساعة علاماتها ويسمى فعل الشرط شرطا لكونه علامة دالة على تحقق مضمون
جوابه عند تحققه وفي اصطلاح النحاة ما دخل عليه شيء من الأدوات المخصوصة
الدالة على سببية الأول ومسببية الثاني ذهنًا أو خارجًا سواء كان علة
للجزاء مثل إن كانت الشمس طالعة فالنهار موجود أو معلولا مثل إن كان النهار
موجودًا فالشمس طالعة أو غير ذلك مثل إن دخلت الدار فأنت طالق وفي اصطلاح
المتكلمين ما يتوقف عليه الشيء ولا يكون داخلاً في الشيء ولا مؤثرًا فيه
كبئر الحطب الموقوف عليه إحراق النار وفي الصرف العام ما يتوقف علىه وجود
الشيء وإعراب محلها الجزم صدر الجملة فإن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه
مقامه جائز قال الله تعالى: {تجري من تحتها الأنهار} فإن قلت إذا كان معنى
المضاف المحذوف باقيًا معتبرًا ههنا فكان ينبغي أن يذكر الخبر فلأي شيء
أنثه ألا ترى إلى حسان كيف عول على بقاء معناه في قوله: يسقون من ورد البريص عليهم يردى يصفق بالرحيق السلسل حيث ذكر يصفق لأن المعنى
ما يردي قلت تأنيثه إما لأجل أن المحكوم عليه صورة هو المؤنث وإما لأنه من
قبيل قوله أعجبتني شعر هند مقرونة بالفاء الدالة على ترتيب ما بعدها على ما
قبلها وقد تكون مقدرة نحو من يعمل الحسنات الله يشكرها أو بإذا الفجائية
الدالة على ترتيب ما بعدها سريعًا حدا على ما قبلها يقال فجاء الشيء
بالضمير والمد حين جاء بغتة من غير توقع قيد بالفجائية لأن إذا الشرطية لا
تكون جوابًا للشرط لأنها مختصة بابتداء الكلام فإن قلت إذا كانت الفجائية
دالة على ما ذكر فكان ينبغي أن لا تجتمع معها يدل على ذلك استعمال كلمة أو
ههنا لكنها اجتمعتا في قوله تعالى: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا
هم مظلمون} قلت: لا استبعاد في ذلك إذ لا منافاة بين المطلق والمقيد فإن
المطلق هو الذي اعتبر فيه القيد لا غير فيجوز اجتماعهما وأما استعمال أو
ههنا فهو على سبيل منع الخلو وبنا على الغالب والفجائية تختص بالجمل
الاسمية لا تحتاج إلى الجواب ولا يقع في الابتداء ومعناها الحال لا
الاستقبال نحو خرجت فإذا الأسد بالباب وإنما قيد الجملة بالمقارنة المذكورة
لأنها إذا لم تكن كذلك لا يكون لمجموع الجملة موضع من الإعراب بل لجزئيها
فالتفصيل أن الشرط المذكور إن كان له تأثير في الجواب لفظًا فلا حاجة إلى
إثبات الفاء ولا إلى الفجائية في جوابه وإلا فالجواب لا يخلو عن أحدهما
ليدل على الترتيب فيحكم بأن لمجموع الجملة محلا من الإعراب فالأولى أي
الجملة المقرونة بالفاء فإن قلت فهل لها جهة الاستحقاق لهذا الاسم غير جهة
التقدم في الذكر قلت استحقت له من حيث إن الفاء هي الأصل في هذا المقام
والفجائية تقوم مقامها نحو: {من يضلل الله فلا هادي له} من اسم يتضمن لمعنى
الشرط منصوب المحل على أنه مفعول {يضلل} ويجوز أن يكون مرفوع المحل على
الابتداء على تقدير أن يكون مفعوله محذوفا ويضلل فعل الشرط مجزوم به فاعله
{الله} ولا حرف لنفي الجنس اسمها هادي منصوب المحل فإن حركة الياء بنائبة
وأما لا مع اسمها فمرفوع المحل على أنه مبتدأ وخبرها له أعني الظرف المستقر
فإن قلت ما الفرق بين المحلين من جهة المعنى قلت الفرق جلي لأن الأول
باعتبار العارض والمغير والثاني باعتبار الأصل والحال أنه إنما يكون
باعتبار التركيب كما هو الظاهر فيكون الفرق بينهما مثل الفرق بين المفرد
والمركب قلت إن الذي ذكرته إنما هو باعتبار جانب المعنى وأما القول بأن
المجموع مرفوع المحل بناء على الظاهر فهو كالقول بأن المجموع مبني على
الفتح فلا ينافي ما ذكرناه وجملة الجواب جملة اسمية مجزومة المحل لوقوعها
جواب شرط جازم {ويذرهم في طغيانهم يعمهون} قرأ يذر بالرفع وبالياء وبالنون
فالمبتدأ المحذوف على الوجه الأول هو وعلى الثاني نحو ونذر فعل بمعنى نترك
فاعله مستتر فيه أما هو ونحن ومفعوله هم و{في طغيانهم} ظرف متعلق به وجملة
{يعمهون} منصوبة المحل على أنها حال من المفعول أعني هم ويجوز أن يكون
مفعولا ثانيًا على تضمين الفعل معنى التصيير كما في قوله تعالى {وتركهم في
ظلمات لا يبصرون} وكما وقع في قول عنترة: فتركته جزر السباع ينسنه والفعل
مع متعلقه مرفوع المحل خبر المبتدأ المحذوف والمبتدأ مع خبره جملة اسمية
منصوبة المحل على أنها حال من فاعل يضلل ولهذا أو لكون تلك الجملة المقرونة
بالفاء في محل الجزم قدم التعليل على المعلل أما لأنه هو الأصل أو ليدل
على الحصر فإن قلت قراءة الجزم جلية فلا حاجة إلى التعليل وإلا يؤدي إلى
الاستدلال بالخفي على الجلي ومثل هذا لا يجوز قلت لا نسلم أنه استدلال بل
يسمى مثل هذا تنبيه البداهة كما مر غير مرة سلمناه لكن الجزم إذا اعتبر معه
العطف على شيء يكون خفيًا وإن كان الجزم نفسه جليًا فإن قلت ما منشأ توهم
المعلل علة في أمثال هذا المقام قلت منشئوه مبني أن المقرر في الأذهان أن
المفعول له أول الفكر وآخر العمل غالبًا فإن قلت فلولا تحمله على أنه معلل
بحسب الحصول قلت إن المقام يأباه على أن ترتب حصول المفعول له على تحقق
الفعل المذكور ليس بظاهر ههنا قرئ بجزم يذر عطفًا أي معطوفًا على محل
الجملة الجزائية كأنه قيل من يضلله الله لا يهده أحد ويذرهم فإن قلت أن
العطف بالجزم لا يدل على أن يكون ذلك المحل لمجموع الجملة بل هو الظاهر قلت
لا شك أن القائم مقام المفرد هو مجموع الجملة لا جزءها فيجوز العطف على
محل ذلك الجزء فإن قلت فأي شيء المعطوف عليه ههنا قلت المعطوف عليه محذوف
فكأنه قال قرئ بالرفع على الحالية وقرئ بالجزم عطفًا على محل الجملة
الجزائية وإذا قلت من يكرمني أكرمه يكون من مرفوع المحل على الابتداء
بالاتفاق لكنهم اختلفوا في خبره قال بعضهم هو الجملة الجزائية وحدها وجملة
الشرط لا تكون خبرًا لكونها صلته وذهب البعض الآخر إلى أن الخبر هو
الجملتان جميعًا وأما إذا قلت من تضرب أضرب فهو منصوب المحل على المفعولية
كأنك قلت أي إنسان تضرب أضرب ومن يختص بأولي العلم ويقع على الواحد كقوله
تعالى: {ومنهم من ينظر إليك} وعلى الاثنين مثل قولهم ومنهم من يجيئان على
الجمع مثل قوله تعالى: {ومنهم من يستمعون إليك} ويقع على المذكور المؤنث
كقوله تعالى: {ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحًا} بتذكير الأول وتأنيث
الثاني والثانية أي الجملة المقرونة بإذا الفجائية نحو: {إن تصيبهم سيئة}
أي قحط وضيق وبلاء {بما قدمت أيديهم} من الأعمال الخبيثة {إذا هم يقنطون}
فهم ييأسون من رحمة الله فإن حرف شرط نصب فعل مجزوم بها وهم مفعوله وفاعله
سيئة ما اسم موصول قدمت فعل فاعله أيديهم والجملة صلة للموصول والموصول مع
الصلة مجرور المحل بالباء والجار مع مجروره متعلق بفعل الشرط هم مبتدأ خبره
يقنطون والجملة الاسمية مجزومة المحل بحرف الشرط واعلم أن المشهور أن فعل
الشرط مجزوم بأداته اتفاقًا وأما الجزاء ففيه مذاهب الأول هو أنه مجزوم بها
أيضا لاقتضائهما معًا ولهذا جعلتهما جملة واحدة هذا هو المشهور عند
الجمهور والثاني أن العامل فيه الشرط وأداته معًا لاقتضائهما إياه ولئلا
يعمل الجازم في شيئين كما أن الجار لا يعمل في شيئين وكلام المصنف لا يخلو
عن نوع الإشارة إلى هذا المذهب الثالث أن الأداة تجزمه بواسطة جزمة الشرط
كالابتداء الرافع للخبر بواسطة رفعه المبتدأ هذا فإذا رفعت نحو أقول في
قولك إن قال زيدًا قول كما في قول زهير: وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم فذهب سيبويه أن الجواب
محذوف فأقول دليله وجملة أقول لا محل لها من الإعراب ومذهب المبرد المبتدأ
محذوف فيكون التقدير فأنا أقول كقوله تعالى: {ومن عاد فينتقم الله منه}
وجملة أقول لها محل من الإعراب وإذا عطفت على أقول فعلاً مضارعاً يجوز فيه
الرفع والجزم بناءً على المذهبين ثم لما علم من منطوق القاعدة المذكورة حال
الجزاء صريحًا إذا كان مقرونًا بأحدهما وعلم حاله من مفهومها ضمنا إذا لم
يقترنا به ولكن لم يعلم حال الشرط مطلقًا ولم يصرح ببعض حال الجزاء كان
المقام مظنة السؤال عن حال الشرط مطلقًا وهيئة الاستقصار عن بعض حال الجواب
وأراد المصنف أن يبين ذلك فقال: أما جملة قام عمرو في نحو قولك إن قام
أخوك قام عمرو فمحل الجزم محكوم به للفعل وحده أي يحكم ويقال أن الفعل
مجزوم محلا مجردًا عن اعتبار فاعله محل الجزم مبتدأ خبره محكوم وبه عائد
إلى المبتدأ قائم مقام الفاعل وللفعل متعلق بمحكوم واللام فيه للتعدية لا
للتعليل وحده حال منه لا للجملة بأسرها أي يحكم ولا يقال أن مجموع جملة
الجواب مجزوم محلا فقوله للجملة بأسرها معطوف على قوله للفعل وحده على طريق
قولك جاء زيد لا عمرو فإن قلت يجوز اجتماع المحلين لاختلاف الجهة قلت لما
حكم بالمحل للفعل وحده لكونه في معنى المستقبل لدخول حرف الشرط عليه وإن
كان ماضيًا لفظًا لا يجوز المحل لمجموع الجملة لانتهاء العامل في حقها فإن
قلت إن حرف الشرط يقتضي ربط جملة بجملة فينبغي أن يعمل في جملة الجزاء محلا
قلت نعم لكن لما وجد الفعل في الجزاء صالحًا للإعراب في الجملة بوجه من
الوجوه حكم للفعل وحده مع أنه أصل بالنظر إليها لكونه مفردًا ونظيره قائم
أبوه في قولك زيد قائم أبوه ونظير جملة الجواب المقرونة بالفاء أو بإذا
جملة قام أخوه في قولك زيد قام أخوه فإن قلت أن المحل في جملة الجواب يكون
لمجموعها ولجزئها فما السر أن المحل في جملة الشرط لا يكون إلا لجزئها قلت
السر لزوم دخول حرف الشرط على الفعل لفظًا أو تقديرًا في حق جملة الشرط فقط
وقريب من ذلك اختلاف حالهما في جواز وقوع الإنشائية في حق الجواب دون
الشرط وكذا أي مثل القول المذكور في فعل الجزاء بأن المحل للفعل وحده لا
لمجموع الجملة القول في فعل الشرط المذكور في قولك أن قام أخوك قم عمرو
فيكون المحل للفعل وحده لا للجملة بأسرها وأما جملة الشرط في إذ و إذا
وبينا وبينما وحيث ولما فيكون المحل لها لا لجزئها قلت: السر لزوم دخول حرف
الشرط على الفعل لفظا أو تقديرا في حق جملة الشرط فقط وقريب من ذلك اختلاف
حالهما في جواز وقوع الإنشائية في حق الجواب دون الشرط وكذا أي مثل القول
المذكور في فعل الجزاء بأن المحل للفعل وحده لا لمجموع الجملة القول في فعل
الشرط المذكور في قولك إن قام أخوك قام عمرو فيكون المحل للفعل وحده لا
للجملة بأسرها وأما جملة الشرط في إذ وإذا وبينا وبينما وحيث ولما فيكون
المحل لها لا لجزئها فإن قلت فما السر في الحكم بأن المحل يكون لمجموع جملة
الشرط في تلك الكلمات ولا يكون لمجموع جملة الشرط الجازم قلت السر أن
الأصل في الشرط هو الإبهام وتلك فيها نوع تعيين فاقتضت مضمون الجملة فحكم
بأن المحل لمجموع الجملة وأما حرف الشرط الجازم ففيه إبهام تام فاقتضى قطع
النظر عن اعتبار تحقق الفاعل فإن قلت كل فعل لا بد له من فاعل فكيف يجوز
قطع النظر عن اعتباره قلت المقتضي لتحقق الفاعل هو تحقق الفعل لا تعقله فإن
قلت هب أن الأمر كذلك لكن تعقل الفعل يقتضي تعقل الفاعل قطعًا فلا أقل من
أن يجوز أن يكون المحل لمجموع جملة الشرط الجازم أيضًا قلت منشأ الحكم بأن
المحل للمجموع لا للجزء هو تعقل مضمون الجمل المعتبرة في تعقل معاني تلك
الكلمات من حيث التحقق ومعلوم أن تعقل فعل الشرط الجازم ليس من تلك الحيثية
لأنه مشكوك في حقه فبقي على إبهامه الأصلي ولا يذهب عليك أن عمل فعل الشرط
في فاعله يكفيه فيه نوع احتياجه إليه من جهة التعقل ولهذا أي لكون محل
الجزم محكومًا به للفعل وحده لا للجملة بأسرها تقول إذا عطفت عليه أي على
فعل الشرط فعلاً مضارعًا إنما قيده بالمضارع لأنه لو كان الفعل المعطوف
فعلاً ماضيًا لم يظهر المقصود لعدم ظهور الجزم فيه كما إذا قلت إن قام وقعد
أخوك قام عمرو وأعملت معطوف على قوله عطفت عليه الفعل الأول أي الفعل
المعطوف عليه على مذهب الكوفيين لأجل تصوير المطلوب لا لأنه مذهب مختار في
باب التنازع إنما قيده بالأول لأن الفعل المعطوف لو عمل على مذهب البصريين
كما إذا قلت إن قاما ويقعد أخوك قام عمرو ولم يظهر المطلوب أيضًا فيتوقف
ظهور المطلوب على مجموع القيدين المذكورين ومقول القول قوله إن قام فعل شرط
معطوف عليه ويقعد معطوف أخواك اسم تثنية تنازعا فيه وهو مرفوع بقام وفاعل
يقعد ضمير التثنية عائد إلى أخواك لأنه مقدم رتبة قام عمرو فعل الجزاء
مجزوم المحل على ما عرفت فتجزم معطوف على قوله يقول عطف الخاص على العام
المعطوف وهو يقعدا وعلامة جزمه حذف النون قبل أن تكمل الجملة أي قبل أن
تذكر جملة فعل الشرط بتمامها لفظًا فلو لم يكن محل الجزم لفعل الشرط وحده
لما جاز هذا العطف فإن قلت لم صور التنازع في التثنية وأنه يتصور في المفرد
قلت لكون الجزم مقطوعًا في صورة التثنية ظاهرًا والجملة السادسة منها
التابعة لمفرد أو لاسم مفرد نكرة فإن الجملة لا تكون صفة لمعرفة أبدًا وأما
المعرف بلام الجنس فهو في حكم النكرة ولهذا يعمل يبنى على الوصف في قول
الشاعر: ولقد أمر على اللئيم يسبني فمضيت ثمة قلت لا يعنيني كالجملة المنعوت بها أي
كالجملة التي يوصف ذلك المفرد بها وإعراب محلها بحسب إعراب منعوتها وبحسب
العدد فعل بمعنى مفعول يقال ليكن عملك بحسب ذلك أو على قدره وعدته فتكن هي
أي الجملة المنعوت بها في موضع رفع لكونها صفة لمرفوع في نحو {يا أيها
الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا
شفاعة} لا لنفي الجنس بيع مبني على الفتح مع لا مرفوع المحل على أنه مبتدأ
خبره فيه والضمير المجرور عائد إلى يوم فالجملة مرفوعة المحل على أنها صفة
فاعل والفعل مع فاعله مجرور المحل بقيد وهو مجرور بمن متعلق بأنفقوا فإن
قلت ما وجه رفع هذه الكلمات الثلاث مع قصد التعميم قلت الوجه أنها في
التقدير جواب هل فيه بيع أو خلة أو شفاعة فإن قلت كيف يصح نفي الشفاعة على
سبيل الاستغراق وقد ثبت شفاعة الأنبياء في يوم القيامة بالأحاديث الصحيحة
قلت قال المفسرون المراد به نفي شفاعة الأصنام والكواكب الذين كان الكفار
يعتقدون شفاعتهم تعرض بذكر الكفار بقوله تعالى: {والكافرون هم الظالمون}
وقيل ولا شفاعة {إلا لمن أذن له الرحمن ورضي له قولا} حتى تتكلوا على شفعاء
تشفع في خطايا في ذمكم ويكون الجملة المنعوت بها في موضع نصب في نحو:
{واتقوا يومًا ترجعون فيه} جملة {ترجعون فيه} جملة فعلية منصوبة المحل على
أنها صفة يوما كما أن قولنا أخوة حسن صفة رجلاً في قولنا رأيت أخوه حسن
فيكون يوما منصوبًا على أنه مفعول به فيكون التقدير اتقوا في الدنيا عقاب
يوم ترجعون فيه وقيل أنه مفعول فيه فيكون التقدير اتقوا عذاب الله يومًا
ترجعون فيه فإن قلت لا يصح أن يكون مفعولا فيه وإلا يؤدي إلى وقوع التكليف
في يوم القيامة مع أن المعنى غير مستقيم على ذلك قلت أنه مفعول فيه للمحذوف
لا للمذكور كما أشرنا إليه فيصح المعنى بلا شبهة قرئ (ترجعون) بفتح التاء
وكسر الجيم على تسمية الفاعل وبضمها وفتح الجيم على التسمية على أنه من
رجعته إذا رددته وهو متعد على هذا الوجه ولولا ذلك لما بني لما لم يسم
فاعله ونظير ذلك وقف زيد ووقفته وغاض الماء وغضته وتكون الجملة التابعة
لمفرد في موضع جر في نحو: {ليوم لا ريب فيه} {لا ريب} مبتدأ خبره فيه
فالجملة في محل الجر صفة يوم كقولنا مررت برجل غلامه حسن ويوم مجرور باللام
بجامع قوله تعالى: {ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه} والسابعة منها التابعة
لجملة لها محل من الإعراب إنما قيد بهذا القيد لأنها إذا كانت تابعة لجملة
ليس لها محل من الإعراب تكون من الجمل التي تذكر أحوالها بعد أعني من الجمل
التي لا يكون لها محل من الإعراب وإنما لم يذكر مثل هذا القيد في الجملة
التابعة لمفرد لعدم تصور انقسام المفرد إلى هذين القسمين فإن قلت يتصور
التقسيم ههنا أيضا فإن المفرد النكرة يكون تارة معربًا وأخرى مبنيًا كما
إذا جاء على طريق التعداد قلت المراد من المفرد هو الاسم الذي يكون جر
المركب الإسناد لا مطلق المفرد وأما وجه تخصيصها بالوضع السابع المحبوط على
وجه كلي فهو أن اعتبار تبعيتها للجمل التي لها محل من الإعراب آخر
اعتباراتها ثم الجملة التابعة لتلك الجملة فمنها ما يكون على سبيل البدل
نحو أقول له ارحل لا تقيمن عندنا ومنها ما يكون على طريق
العطف نحو قعد أخوه في قولنا زيد قام أبوه وقعد أخوه إذا وقعت الجملة
المتبوعة ههنا في موضع خبر المبتدأ فجملة قام أبوه إضافتها بيانية كخاتم
فضة في موضع رفع لأنها وقعت موضع خبر المبتدأ وكذلك أي مثل جملة قام أبوه
جملة قعد أخوه في محل الرفع لأنها معطوفة عليها أي على جملة قام أبوه
فكأنها واقعة في موضع الخبر فنسخت حكمها عليها فإن قلت فما الجامع بينهما
من جانب المعنى قلت أما الجامع بين القيام والقعود فهو تناسب التضاد وأما
المناسبة بين الأب والأخ فهي ارتباط كل منهما إلى زيد بواسطة الضمير مع
استلزام تعلقه لتعلقه هذا على اعتبار رجحان العطف على الجملة الصغرى ولو
قدرت العطف وإن كان مرجوحًا لمجرد استقامة المعنى على الجملة الاسمية أي
على الجملة الكبرى على الجملة الاسمية محل من الإعراب لكونها تابعة لجملة
لا محل لها من الإعراب فلا يكون بما نحن بصدده لكنه قد تعرض له لكون المقام
صالحًا لذلك التقدير كما أنه صالح لتقدير الحال على أنه مفهوم التقييد
المذكور يقتضي ذلك فإن قلت لا شك أن الجملة الشرطية معطوفة فما المعطوف
عليها ههنا؟ قلت المعطوف عليها محذوفة كأنه قال إذا عطف جملة قعد أخوه على
جملة قام أبوه يكون لها محل من الإعراب وإذا عطفت على مجموع زيد قام أبوه
لا يكون لها محل من الإعراب ويجوز أن يكون أمثال هذا العطف من قبيل عطف
القصة على القصة كما تقول زيد يعاقب بالقيد والإرهاق وبشر عمر بالعفو
والإطلاق ولو قدرت الواو في قولنا وقعد أخوه واو الحال الدالة على مجرد
اقتران الحال بمضمون العامل فإن قلت كيف يتصور ههنا الحال مع أنها لم تبين
هيئة ولا يمكن أيضا أن يكون حالا عن زيد ولا عن ضميره وإلا يلزم اختلاف
العامل بين الحال وصاحبها قلت لا شك أن كل حال يفيد التقييد ولو على طريق
التوقيت فلا جرم أن الحال ههنا تبين مقارنة القيام بالقعود كما في قولك جاء
زيد وقد ركب الأمير كانت الجملة أي جملة قعد أخوه في موضع نصب لوقوعها في
موضع الحال وكانت لفظة قد مضمرة أي محذوفة مقدرة في تلك الجملة فإن الفعل
الماضي إذا وقع حالاً فلا بد من قد ظاهرة أو مقدرة كما في قوله تعالى: {قد
جاءوكم حصرت صدروهم} هكذا قال الجمهور في رعاية ظاهر القاعدة المقدرة
فالتحقيق أن الأصل عدم التقدير مع استقامة المعنى وأن المبحث هو الحال التي
يكون قيدًا للعامل مطلقًا سواء كانت في الماضي أو في الحال أو في
الاستقبال لا الحال التي تكون قيدًا زيدًا للعامل مطلقًا سواء كانت في
الماضي أو في الحال أو في الاستقبال لا الحال التي تكون إلى معنى الوقت
الذي يقع فيه كلام المتكلم حال التكلم حتى يحتاج إلى تمحل ذلك التقدير فمن
شاء الاحتياج إليه إذا شتياين المعنيين وعدم التمييز مطلقا للاستعمال هذا
ثم قال المصنف في كتاب المغني وهما يلتحق بهذا أنه إذا قيل قال زيد عبد
الله منطلق وعمرو مقيم ليست الجملة الأولى وحدها في محل النصب ولا الجملة
الثانية تابعة لها حتى تكون في محل النصب وحدها أيضا بل كلتا الجملتين معا
في موضع النصب على أنها مقولة القول فلا محل لكل واحدة منهما على حدة لأن
المقول مجموعها من حيث هو وكل واحدة من الجملتين جزء المجموع المقول فكما
أنه لا محل لكل واحدة من جزيء الجملة الواحدة على حدة باعتبار القول كذلك
لا محل لكل واحدة من الجملتين على حدة فتأمله أقول وجه التأمل على ما
قصده أن اعتبار المحل إنما يكون في المجموع قصداً وأصالة وإن كان الظاهر
على أن لكل واحدة منهما محلا من الإعراب لتعلق القول بكل منهما ضمنًا فكذا
جعله من الملحقات
موصل الطلاب إلى قواعد الإعراب للشيخ: خالد بن عبد الله الأزهري
قال زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر الجرجاوي الأزهري (ت: 905هـ): (المسألة الثانية
في بيان الجمل التي لها محل من الإعراب
الذي هو الرفع والنصب والخفض والجزم (وهي سبع) على المشهور (إحداها: الواقعة خبرا) لمبتدأ في الأصل أو في الحال فالأول:نحو: (زيد قام أبوه) فجملة (قام أبوه) في موضع رفع خبر زيد .. والثاني نحو: (إن زيدا أبوه قائم) فجملة (أبوه قائم) في موضع رفع خبر إن والفرق بين البابين من وجوده:
أحدها: إن العامل في الخبر على الأول المبتدأ وعلى الثاني إن.
ثانيها: إن الخبر في الأول محكم وفي الثاني منسوخ.
ثالثها: إن الخبر في الأول يلقى إلى خالي الذهن من الحكم والتردد فيه والثاني يلقى إلى الشاك أو المنكر في أول درجاته.
وموضعها: (نصب في بابي كان وكاد) فالأول نحو: {كانوا أنفسهم يظلمون} فجملة (يظلمون) من الفعل والفاعل في موضع نصب خبر لكان. والثاني نحو: {وما كادوا يفعلون} فجملة يفعلون في موضع نصب خبر لكاد. والفرق بين البابين من وجوه:
الأول: أن جملة الخبر كان تكون جملة اسمية أو فعلية، وجملة خبر كاد لا تكون إلا فعلية فعلها مضارع.
الثاني: إن خبر كان لا يجوز اقترانه بأن المصدرية ويجوز في خبر كاد.
الثالث: أن خبر كان مختلف في نصبه على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه خبر مشبه بالمفعول عند البصريين.
والثاني: أنه مشبه بالحال عند الفراء.
والثالث: أنه حال عند بقية الكوفيين. بخلاف خبر كاد فإنه منصوب بها بلا خلاف (الجملة الثانية، والثالثة) من التي لها محل: (الواقعة حالا، والواقعة مفعولا به، ومحلهما النصب)، (فالحالية) نحو قوله تعالى: {وجاؤوا أباهم عشاء يبكون} فجملة يبكون من الفعل والفاعل في محل نصب على حال من الواو وعشاء منصوب على الظرفية. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد)) فجملة ((وهو ساجد)) من المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال من العبد.
والجملة (المفعولية) تقع في أربعة مواضع:
الأول: أن تقع (محكية بالقول نحو: {قال إني عبد الله} فجملة {إني عبد الله} في موضع نصب على المفعولية محكية بقال، والدليل على أنها محكية بقال كسر إن بعد دخول (قال).
والثاني:
أن (تقع تالية للمفعول الأول في باب ظن نحو: ظننت زيدا يقرأ) فجملة (يقرأ)
من الفعل وفاعله المستتر فيه موضع نصب على أنها المفعول الثاني لظن.
والثالث: أن تقع (تالية للمفعول الثاني في باب أعلم نحو: (أعلمت زيدا عمراً أبوه قائم)
فجملة (أبوه قائم) في موضع نصب على أنها المفعول الثالث لأعلم. وإنما تقع
تالية للمفعول في باب (اعلم) لأن مفعوله الثاني مبتدأ في الأصل، والمبتدأ
لا يكون جملة.
والرابع:
أن تقع (معلقا عنها العامل)، والتعليق إبطال العمل لفظا وإبقاؤه محلا
لمجيء ما له صدر الكلام سواء كان العامل من باب علم أم من غيره فالأول نحو:
{لنعلم أي الحزبين أحصى}.
(فأي
الحزبين) مبتدأ ومضاف إليه وأحصى خبره وهو فعل ماض لا اسم تفضيل من الإحصاء
على الأصح، وجملة المبتدأ وخبره في موضع نصب سادة مسد مفعولي (نعلم).
والثاني: {فلينظر أيها أزكى طعاما} فأيها
مبتدأ ومضاف إليه وأزكى خبره وطعاما تمييز، وجملة المبتدأ وخبره في موضع
نصب سادة مسد مفعول (ينظر) المقيد بالجار. قال المصنف في (المغني) لأنه
يقال: (نظرت فيه، ولكنه هنا علق بالاستفهام عن الوصول
في لفظ إلى المفعول وهو من حيث المعنى طالب له على معنى ذلك الحرف، وزعم
ابن عصفور أنه لا يعلق فعل غير علم وظن حتى يتضمن معناهما، وعلى هذا تكون
هذه الجملة سادة مسد مفعولين) انتهى، والنظر والفكر في حال المنظور فيه.
والرابعة من الجمل التي لها محل من الإعراب: الجملة المضاف إليها ومحلها الجر فعلية كانت أو اسمية فالأولى: نحو قوله تعالى: {هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم} فجملة {ينفع الصادقين صدقهم} في محل جر بإضافة يوم إليها. والثانية: نحو قوله تعالى: {يوم هم بارزون} فجملة {هم بارزون} من المبتدأ والخبر في محل جر بإضافة يوم إليها، والدليل على أن (يوم) فيهما مضاف عدم تنوينه.
وكذلك (كل جملة) بعد (إذا) الدالة على الماضي (أو إذا) الدالة على المستقبل (أو حيث) الدالة على المكان (أو لما الوجودية) الدالة على وجود شيء لوجود غيره (عند من قال باسميتها)
وهو أبو بكر بن السراج، وتبعه أبو علي الفارسي وتبعهما أبو الفتح بن جني
وتبعهم جماعة زعموا أنها ظرف بمعنى حين. وقال ابن مالك (ظرف بمعنى إذا)،
واستحسنه المصنف في (المغني) (أو بينما أو بينا) بزيادة الميم في الأولى
وحذفها في الثانية (فهي) أي الجملة الواقعة بعد هذه المذكورات كلها (في موضع خفض بإضافتهن) أي إضافة هذه المذكورات (إليها). مثال (إذ) قوله تعالى: {واذكروا إذ أنتم قليل}، و{إذ كنتم قليلا} فتضاف إلى الجملتين كما مثلنا. ومثال (إذا) وتختص بالفعلية على الأصح قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله} ومثال (حيث): جلست حيث جلس زيد وحيث زيد جالس، فتضاف للجملتين كما مثلنا. وإضافتها إلى الفعلية أكثر.
ومثال (لما) قولك: (لما جاء زيد جاء عمرو وتختص بالفعل الماضي).
ومثال (بينما أو بينا): قولك: (بينما أو بينا زيد قائم أو يقوم زيد) والصحيح أن (ما) كافة (لبين) عن الإضافة فلا محل للجملة بعدها من الإعراب، وأصل (بينا) بينما فحذفت الميم.
والجملة الخامسة الواقعة جوابا لشرط جازم: وهو إن الشرطية وأخواتها (ومحلها الجزم إذا كانت) الجملة الجوابية مقرونة بالفاء، سواء كانت اسمية أم فعلية، خبرية أم إنشائية (أو) كانت مقرونة (بإذا الفجائية) ولا تكون إلا اسمية والأداة إن خاصة (فالأولى) المقرونة بالفاء، نحو قوله تعالى: {من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم}. فجملة {لا هادي له} من (لا) واسمها وخبرها في محل جزم لوقوعها جوابا لشرط جزم وهو (من) (ولهذا) أي: ولأجل أنها في محل جزم (قرئ بجزم يذرهم) بالياء (عطفا على محل الجملة)، (فيذرهم مجزوء في قراءة حمزة والكسائي معطوف على محل جملة {فلا هادي له}. (والثانية) المقرونة بإذا الفجائية (نحو) قوله تعالى: {وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} فجملة {هم يقنطون} في محل جزم لوقوعها جوابا لشرط جازم وهو(إن). والفجأة البغتة وتقييد الشرط بالجازم احترازا عن الشرط غير الجازم كإذا ولو ولولا. (فأما) إذا كانت جملة الجواب فعلها ماض خال عن الفاء نحو: (إن قام زيد قام عمرو) فمحل (الجزم) في الجواب (محكوم به للفعل وحده) وهو (قام) لا للجملة بأسرها وهو (قام) وفاعله.
(وكذا) أي وكالقول في فعل الجواب (القول في فعل الشرط)
إن الجزم محكوم به للفعل وحده لا للجملة بأسرها لأن أداة الشرط إنما تعمل
في شيئين لفظا أو محلا فلما عملت في محل الفعلين لم يبق لها تسلط على محل
الجملة بأسرها (ولهذا نقول إذا عطفت عليه) أي على فعل الشرط الماضي فعلا (مضارعا) وتأخر عنها معمول (وأعلمت) الفعل (الأول) وهو الماضي في المتنازع فيه (نحو: إن قام ويقعد أخواك قام عمرو
فتجزم) المضارع (المعطوف) على الماضي. (قبل أن تكمل الجملة) بفاعلها وهو
أخواك، فلولا أن الجزم محكوم به للفعل وحده للزم العطف على الجملة قبل
إتمامها وهو ممتنع. (تنبيه): وهو لغة: الإيقاظ يقال نبهت تنبيها أي أيقظت إيقاظا واصطلاحا عنوان البحث الآتي بحيث يعلم من البحث السابق إجمالا (إذا قلت: إن قام زيد أقوم)
بالرفع، (ما محل أقوم؟ فالجواب) عن هذا السؤال مختلف فيه (قيل): إن (أقوم)
ليس هو الجواب وإنما (هو دليل الجواب) أي لا عينه وهو مؤخر من تقديم،
والجواب محذوف والأصل: أقوم إن قام زيد أقم. وهو مذهب سيبويه.
وقيل
هو أي: أقوم، نفس الجواب (على إضمار الفاء) والمبتدأ، والتقدير: فأنا أقوم
وهو مذهب الكوفيين، وقيل (أقوم) هو الجواب وليس على إضمار الفاء ولا على
نية التقديم، وإنما لم يجزم لفظه لأن الأداة لما لم تعمل في لفظ الشرط
لكونه ماضيا مع قربه فلا تعمل في الجواب مع بعده (فعلى) القول (الأول) وهو
أنه دليل الجواب (لا محل له لأنه مستأنف) ولفظه مرفوع لتجرده عن الناصب
والجازم. (وعلى) القول (الثاني) وهو أن يكون على إضمار الفاء، (محله) مع
المبتدأ (الجزم ويظهر أثر ذلك الاختلاف (في التابع) فتقول: إن قام زيد أقوم
ويقعد أخواك بالرفع.
وعلى الثاني: ويقعد أخواك بالجزم.
والجملة السادسة التابعة لمفرد كالجملة المنعوت بها ومحلها بحسب منعوتها فإن كان منعوتها مرفوعا (فهي في موضع رفع) كالواقعة في نحو قوله تعالى: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه} فجملة {لا بيع فيه} من اسم لا وخبرها في محل رفع على أنها نعت ليوم. وإن كان منعوتها منصوبا فهي في موضع نصب كالواقعة في نحو قوله تعالى: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} فجملة {ترجعون} في موضع نصب على أنها نعت لـ (يوما). وإن كان منعوتها مجرورا فهي في موضع جر كالواقعة في نحو قوله تعالى: {ليوم لا ريب فيه}. فجملة لا ريب فيه في موضع جر لأنها نعت ليوم.
والجملة السابعة الجملة (التابعة لجملة لها محل) من الإعراب وذلك في بابي النسق والبدل فالأول (نحو: (زيد قام أبوه وقعد أخوه)،
فجملة (قام أبوه) في موضع رفع لأنها خبر المبتدأ وكذا جملة (قعد أخوه) في
موضع رفع أيضا لأنها معطوفة على جملة (قام أبوه) التي هو خبر عن زيد.
(ولو
قدرت العطف) لجملة (قعد أخوه) (على) مجموع (الجملة الاسمية) التي هي (زيد
قام أبوه) (لم يكن للمعطوفة)، وهي (قعد أخوه)، محل لأنها معطوفة على جملة
مستأنفة. (ولو قدرت الواو) في (وقعد) (واو الحال) لا واو العطف ولا واو
الاستئناف كانت الجملة الداخلة عليها واو الحال (في موضع نصب) على الحال من
(أبوه) (وكانت قد فيها مضمرة) تقرب الماضي من الحال، ويكون تقدير الكلام: (زيد قام أبوه) والحال أنه قعد أخوه.
(وإذا قلت: قال: زيد عبد الله منطلق وعمرو)
مقيم، فليس من هذا الباب الذي هو من عطف جملة على جملة لها محل حتى تكون
جملة (عمرو مقيم) محلها نصب بالعطف على جملة (عبد الله منطلق) المحكية
بالقول، (بل الذي محله النصب) على المفعولية بـ (قال) (مجموع الجملتين)
المعطوفة والمعطوف عليها (لأن المجموع) المركب من الجملتين المذكورتين (هو
المقول للقول) (فكل منهما أي الجملتين المتعاطفتين (جزء المقول) المركب من
الجملتين، (لا) أنه على انفراده (المقول) حتى يكون أحدهما معطوفا على
الآخر، والثاني البدل نحو قوله:
أقول له ارحل لا تقيمن عندنا = وإلا فكن في السر والجهر مسلما
فجملة (لا تقيمن عندنا ... في موضع نصب على البدلية من (ارحل) وشرطه أن تكون الجملة الثانية أوفى بتأدية المعنى المراد من الأولى كما هنا، فإن دلالة الثانية على ما أراده من إظهار الكراهة لإقامته أولى لأنها تدل عليه بالمطابقة والأولى تدل عليه بالالتزام).