الدروس
course cover
باب النون والميم المشددتين والميم الساكنة
9 Nov 2008
9 Nov 2008

7888

0

0

course cover
المقدمة الجزرية

القسم الثالث

باب النون والميم المشددتين والميم الساكنة
9 Nov 2008
9 Nov 2008

9 Nov 2008

7888

0

0


0

0

0

0

0

باب النون والميم المشددتين والميم الساكنة

قال الحافظ محمد بن محمد ابن الجزري (ت: 833هـ) : (باب النون والميم المشددتين والميم الساكنة

وَأَظْهِـرِ الْغُنَّـةَ مِــنْ نُــونٍ وَمِــنْ ... مِـيْـمٍ إِذَا مَــا شُــدِّدَا  وَأَخْفِـيَـنْ
أَلْمِـيـمَ إِنْ تسْـكُـنْ بغُـنَّـةٍ لَــدَى ... بَـاءٍ عَلـى الْمُخْتَـارِ مِـنْ  أَهْـلِ  الأَدَا
وَأَظْهِرَنْهـا عِنْـدَ  بَـاقِـي  الأَحْــرُفِ ... وَاحْـذَرْ لَـدَى وَاوٍ وَفَـا أَنْ  تَخْتَـفِـي

هيئة الإشراف

#2

11 Nov 2008

الدقائق المحكمة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري

قال الإمام زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاريِّ السُّنَيْكِيِّ (ت: 926هـ): (المتن:

(62) وَأَظْهِرِ الْغُنَّةَ مِنْ نُونٍ وَمِنْ = مِيْمٍ إِذَا مَا شُدِّدَا وَأَخْفِيَنْ
(63) أَلْمِيمَ إِنْ تسْكُنْ بغُنَّةٍ لَدَى = بَاءٍ عَلى الْمُخْتَارِ مِنْ أَهْلِ الأَدَا
(64) وَأَظْهِرَنْها عِنْدَ بَاقِي الأَحْرُفِ = وَاحْذَرْ لَدَى وَاوٍ وَفَا أَنْ تَخْتَفِي
___________________

(62) "وأَظْهِرِ الغُنَّةَ مِنْ نُونٍ ومِنْ ميمٍ إذا مَا" – زائدةٌ – "شُدِّدا".
والغُنَّةُ صِفةٌ لازِمةٌ لَهُمَا متحرِّكتيْنِ، أَوْ سَاكنتيْنِ، ظَاهِرَتيْنِ أَوْ مُدْغَمَتَيْنِ، أَوْ مخفَاتَيْنِ. وهي في السَّاكِنِ أكملُ منها في المُتحرِّكِ. وفي المَخْفيِّ أكملُ منها في المُظهرِ، وفي المُدغَمِ أكملُ منها في المخفيِّ. وذلكَ نحوُ {جنَّة}، و { النَّاس } ، و{ منْ نَّذير }، و (ثُمَّ)، و (لمَّا)، {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللهِ}.

(63) "وأخْفينْ" أنتَ: "الميمُ إنْ تسكُنْ بِغُنَّةٍ لدَى" أي عندَ "باءٍ على المُختارِ مِنْ" قولِ "أهلِ الأدا" بالقَصْرِ – لِلْوقفِ -. نحوُ: { وَمَنْ يَعْتَصِمْ باللهِ} وقيلَ بإظْهارِهَا. وقيلَ: بإدغامِهَا.

(64) "وَأَظْهِرَنَّها عندَ باقي الأحرُفِ" نحو: { أنْعمتَ }، و { تُمْسُونَ }، { ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ}[البقرة: 54].
"واحذَرْ" إذا سُكِّنَت الميمُ "لدى" أيْ عندَ "واوٍ وفَا" نَحْوُ: { عليْهِمْ ولاَّهُمْ فيهَا}.
"أنْ تَختفيَ" – بفتحِ أنْ – أي اختفاؤُهَا بإخفائِكَ لها. لاتِّحادِهَا بالواوِ مخرَجًا، وقُرْبِهَا مِنَ الفاءِ، فيُظَنُّ أَنَّها تختفي عندَهُمَا؛ كما تختفي عندَ الباءِ.

هيئة الإشراف

#3

19 Nov 2008

المنح الفكرية لنور الدين علي بن سلطان محمد القاري

قال الإمام نور الدين علي بن سلطان محمد القاري (ت:1014هـ): ( (وأظهر الغُنَّةَ مِن نونٍ ومِن = ميمٍ إذا ما شُدِّدَا وأَخْفِينَ)

بالنونِ المُخَفَّفَةِ، لتأكيدِ الأمرِ بالإخفاءِ، وما بعدَ إذا زائدةٌ، والمعنى بَالِغْ في إظهارِ الغُنَّةِ الصادرةِ من نونٍ وميمٍ مشدَّدَتَيْنِ، نحوُ إنْ، وثمَّ، وإنَّما قَدَّرْنَا المبالغةَ؛ لأنَّ الغُنَّةَ صفةٌ لازمةٌ للنونِ والميمِ، تَحَرَّكَتَا أو سَكَنَتَا، ظاهرتينِ أو مُخْفَائَيْنِ أو مُدْغَمَتَيْنِ، إلا أنَّهَا في الساكنِ أكملُ مِن المُتَحَرِّكِ، وفي المَخْفِيِّ أزيدُ من المظهرِ، وفي المُدْغَمِِ أَوْفَي مِن المَخْفِيِّ، وقد عَرَفْتَ أنَّ الغُنَّةَ مَخْرَجُها الخيشومُ، ثمَّ كُلٌّ مِن النونِ والميمِ المُشَدَّدَتَيْنِ يَشْمَلُ المُدْغَمَتَيْنِ الواقِعَتَيْنِ في كلمةٍ أو كلمتينِ، وغيرَ المُدْغَمَتَيْنِ الحاصلتينِ في كلمةٍ، والنونُ المدغمةُ في كلمةٍ كالجِنَّةِ والناسِ، وإنا والمُدْغَمَةُ في كلمتينِ نحوُ { مِن نَاصِرِينَ } { إنْ نقولَ } وإنَّما جعلَ (إنا) كلمةً وإن كانتْ في الأصلِ:إن نا، فإنَّهُمَا لكمالِ امتزاجِهما وعدمِ قابليَّةِ انفصالِهما لا وصلًا ولا وقفًا عُدَّتَا كلمةً واحدةً , وكذا الكَلاَمُ في (الناسِ) و (النارِ) وأمثالِهما.
وأمَّا النونُ المُشَدَّدَةُ بغيرِ المُدْغَمِ نحوُ (إنَّ اللهَ) , ثمَّ الميمُ المدغمةُ في كلمةٍ , نحوُ {تَمَّ مِيقَاتُ} و {همْ قَوْمٌ} والمُدْغَمَةُ في كلمتينِ نحوُ {كمْ مِن فِئَةٍ} و {مَالَهُمْ مِن اللهِ} وأمَّا الميمُ المُشَدَّدَةُ بغيرِ الإدغامِ نحوُ (لمَّا) و (ثُمَّ) و (ثَمَّ) وكذا (أمَّا) بالفتحِ، و (إمَّا) بالكسرِ، ففي بعضِ المواضعِ مُدْغَمَةٌ نحوُ {فإمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} إذ أصلُه إنْ الشرطيَّةُ أُدْغِمَتْ في ما المزيدةِ للتأكيدِ، وفي بعضِها مُشَدَّدَةٌ بغيرِ إدغامٍ نحوُ قولِه تعالى: {فإمَّا منًّا بعدُ وإمَّا فداءً} فاعرِف التفصيلَ، وإنْ وقعَ إجمالًا في كَلاَمِ ابنِ المصنِّفِ، ولعلَّ هذا مرادُ خالدٍ حيثُ قالَ: وفيه بحثٌ يُعْرَفُ بالتأمُّلِ، ولا يبعُدُ أنَّ مُرَادَهُ ما فَهِمَهُ المصريُّ حيثُ قالَ: وفيه بحثٌ إذ التشديدُ مُسْتَلْزَمٌ بالإدغامِ , لكنَّه غيرُ صحيحٍ؛ إذ الأمرُ بالعكسِ، فإنَّ الإدغامَ مُسْتَلْزِمٌ للتشديدِ، بخلافِ عكِسه، وإنَّما يتبيَّنُ لكَ الفرقُ بينهما بحسبِ بِنْيَةِ أصولِها.

(الميمَ إنْ تَسْكنْ بغُنَّةٍ لدى = باءٍ على المُخْتَارِ مِن أهلِ الأداءِ)

بالقصرِ وقفًا والميمُ منصوبٌ على أنَّهُ مفعولٌ، لقولِه السابقِ: (أَخْفِينَ) ويَتَعَلَّقُ به قولُه: (بغُنَّةٍ)و (على المُخْتَارِ)، وأمَّا قولُه: (لدى باءٍ) فظرفٌ لقولِه (إنْ تَسْكُنْ) فأمرَ بإخفاءِ الميمِ إذا سَكَنَتْ وأَتَت الباءُ بعدَها بِناءً على القولِ المختارِ من أقوالِ أهلِ الأداءِ، فالمضافُ محذوفٌ؛ لأنَّ المرادَ مَعْرُوفٌ، وهذا القولُ هو المُعَوَّلُ وعندَ الجمهورِ عليه العملُ وهو مذهبُ ابنِ مجاهدٍ، وغيرِه، وبه قالَ الدانيُّ، واختارَه الناظمُ , كما صرَّحَ به في كتابِ (التمهيدِ) حيثُ قالَ: وبالإخفاءِ آخِذٌ، ثمَّ قالَ شيخُنا ابنُ الجِنْديِّ: واخْتُلِفَ في الميمِ الساكنةِ إذا لَقِيَتْ باءً، والصحيحُ إخفاؤُها مطلقًا، وإلى إظهارِها ذهبَ المكيُّ وابنُ المُناوِيِّ، وتبِعَه إيازُ محمدٌ السَّمَرْقَنْدِيُّ واشتهرَ عندَ العامَّةِ أنَّ حروفَ (بوف) تظهرُ عندها الميمُ أي الأصليَّةُ، ثمَّ اعلمْ أنَّ سكونَ الميمِ أعمُّ مِن أنْ تكونَ أصليَّةً نحوُ {أمْ بِظَاهِرٍ} أو عارضةَ السكونِ كقولِه: {ومَنْ يَعْتَصِمْ باللهِ} ومنه قولُه سبحانَه: {وماهُمْ بِمُؤْمِنِينَ} {فاحْكُمْ بَيْنَهُمْ} ونقلَ زكريَّا أنَّهُ قيلَ بإدغَامِها واللهُ أعلمُ.
(وَأَظْهِرْنَها) أي: أظهر الميمَ البتَّةَ (عندَ باقي الأحرفِ) بالإشباعِ،والمرادُ منها غيرُ الميمِ، فإنَّ حكْمَها عُلِمَ مِن إدغامِ الْمِثْلَيْنِ نحوُ: {وَمَنْهُمْ مَنْ} (واحذرْ لدى واوٍ وفَا) بالقصرِ للوزنِ (أنْ تَخْتَفِيَ) بالمصدريَّةِ، والضميرُ للميمِ، وَمَحَلُّهُ النصبُ على أنَّهُ مفعولُ (احْذَرْ) فَتَدَبَّرْ، أي: أظهر الميمَ الساكنةَ عندَ سائرِ الأحرفِ ممَّا عدا الميمَ والباءَ الموحَّدَةَ، سواءٌ وَقَعَتَا في كلمةٍ نحوُ { أَنْعَمْتَ } أو في كلمتينِ نحوُ { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ }، ثمَّ أمرَ بالحَذَرِ عن إخفاءِ الميمِ قبلَ الواوِ والفاءِ معَ أنَّ حكمَهما عُلِمَ ممَّا قبلَهما في ضمنِ باقي الأحرفِ تصريحًا لدفعِ مَن تَوَهَّمَ أنَّهَا تُخْفَى عندَهما كما تُخْفَى عندَ الباءِ، كما يفعلُه جَهَلةُ القُرَّاءِ وإنَّما نشأَ ذلكَ مِن اتِّحَادِ مَخْرَجِها بالواوِ، وقربِها من الفاءِ، فيَسْبِقُ اللسانُ لذلكَ إلى الإخفاءِ، وأمَّا قولُ بَحْرَقٍ: لاتِّحَادِ المَخْرَجِ ولذا أظهرَها بعضُهم عندَ الباءِ أيضًا فتعليلُه غيرُ صحيحٍ؛ لأنَّ ترتيبَ الإظهارِ على اتِّحادِ المَخْرَجِ غيرُ صحيحٍ، ثمَّ إذا أُظْهِرَتْ فَلْيُتَحَفَّظْ بإسكانِها وَلْيُحْتَرَزْ عنَ تحريكِها كما يفعلُه العامَّةُ في نحوِ (عَلَيْهِمْ ولا) (هُمْ فِيها) واجتمعَا في قولِه: {اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ في طُغْيَانِهِمْ}.
ثمَّ اعلمْ أنَّ الإخفاءَ حالَ بينَ الإظهارِ والإدغامِ، وهو عارٍ عن التشديدِ , بلْ تُسَكِّنُ الحرفَ كَمَا في المُدْغَمِ، إلا أنَّهُ يُفَرَّقُ بينَهما بأنَّ المَخْفِِِيَّ مُخَفَّفٌ, والمُدْغَمُ مُشَدَّدٌ , وإنَّما يكونُ إذا لم يكنْ هناكَ قربُ مَخْرَجٍ حتى يُدْغِمَ , ولا بُعْدٌ حتَّى يُظْهِرَ، ثمَّ إنَّ للإخفاءِ أيضًا مراتبَ، فكُلُّ ما هو أقربُ يكونُ الإخفاءُ أزيدَ، وما قَرُبَ إلى البعدِ يكونُ الإخفاءُ دونَ ذلكَ، وتظهرُ فائدتُه في تفاوتِ التشديدِ وتفاوتِ الغُنَّةِ , نعمَ الإخفاءُ لا يكونُ بدونِ غُنَّةٍ , فقولُه: بغُنَّةٍ للإيضاحِ بأمرِها والاهتمامِ بِإِظْهَارِها، ولدَفْعِ وَهْمِ تَرْكِها، لوقوعِها في مقابلِ نقيضِها، وأمَّا قولُ الروميِّ: وبغُنَّةٍ متعلِّقٌ بـ (تَسْكُنْ). فَوَهْمٌ، ومُوهِمٌ أنْ يكونَ قيدًا للسكونِ، فالصحيحُ ما قَدَّمْنَاهُ، وكما أنَّ الإخفاءَ له مراتبُ كذلكَ الإظهارُ يكونُ قَوِيًّا وغيرَ قويٍّ، ولذا قالَ: (واحْذَرْ لدى واوٍ وفا أنْ تَخْتَفِيَ) فالمعنى أنَّكَ إذا لم تُظْهِرْهَا عِنْدَهُمَا كمالَ إظهارِها يُخْشَى إخفاؤُها في أَدْنَى مراتبِها، ثمَّ قالَ بعضُهم: إنَّ النونَ أصلٌ في الغُنَّةِ مِن الميمِ، لقربِه من الخيشومِ، وأمَّا قولُ المصريِّ، وإنَّما لم يذكر التنوينَ؛ لأنَّه نونٌ خفيفةٌ في المَخْرَجِ والصفةِ، وإنَّما الفرقُ بينهما عدمُ ثباتِ التنوينِ في الوقفِ وفي صورةِ الخطِّ، وأنْ لا يكونَ زائدًا على هجاءِ الكلمةِ. فليسَ في مَحَلِّهِ، إذ الكَلاَمُ في النونِ المُشَدَّدَةِ، والمُدْغَمِ، ولا يُتَصَوَّرُ أنَّهُ في نونِ التنوينِ، معَ أنَّ سيبويهِ وأتباعَه لم يَذْكُروا في حروفِ الغُنَّةِ إلا النونَ والميمَ، وسيأتي بعدَ ذلكَ حُكْمُ التنوينِ عندَ الحروفِ الهجائيَّةِ علي حسبِ أقسامِها فقدْ قالَ سيبويِه في ذكرِ الحروفِ التي بينَ الشديدةِ والرَّخْوةِ ومنها حرفٌ يجري معَه الصوتُ، وأنَّ ذلكَ الصوتَ غُنَّةٌ مِن الأنفِ، فإنَّما تُخْرِجُهُ مِن أنفِكِ، واللسانُ لازمٌ لموضعِ الحرفِ؛ لأنَّكَ لو أَمْسَكْتَ بأنْفِكِ لم يجرِ معَه صوتٌ، وهو النونُ، وكذلكَ الميمُ، وقالَ نصرُ بنُ عليٍّ الشِّيرَازيُّ: ومنها حرفُ الغُنَّةِ , وهي النونُ والميمُ، سُمِّيَتا بذلكَ؛ لأنَّ فيهما غُنَّةً تخرجُ مِن الخياشيمِ، وهي الصوتُ المحصورُ فيها كأصواتِ الحمامِ والقُمَارِيِّ ا.هـ.
وأمَّا تقييدُ الشاطبيِّ التنوينَ والنونَ والميمَ معَ الغُنَّةِ حيثُ سَكَنَ ولا إظهارَ فبيانٌ للحالةِ التي تَصْحَبُ الغُنَّةَ فيها لهذِه الحروفِ، لا أنَّ هذه الحروفَ ليستْ لازمةً للغُنَّةِ؛ إذْ لاتَنْفَكُّ عنها، فلذلكَ قالَ: شرطُها أنْ يَكُنَّ سَوَاكِنَ، وأنْ يَكُنَّ مَخْفِيَّاتٍ أو مُدْغَمَاتٍ، إلا في موضعٍ نَصُّوا على الإدغامِ فيه بغيرِ غُنَّةٍ، واخْتُلِفَ في ذلكَ على ما سيأتي بيانُه في أحكامِ النونِ الساكنةِ والتنوينِ، فإنْ كُنَّ مُظْهَرَاتٍ أو مُتَحَرِّكَاتٍ فلا غُنَّةَ، أي ظاهرةً لما سبقَ مِن أنَّهُما لايَخْلُوانِ عنها البتَّةَ في كُلِّ حالةٍ يُجَزِئُه، فالعملُ في النونِ للسانِ، وفي الميمِ للشَّفَتَينِ، على ما تقدَّمَ، وكان يُجْزِئُه أنْ يشترطَ عدمَ الإظهارِ؛ إذ يَلْزَمُ مِن ذلكَ أنْ يكنَّ سواكنَ، هذا وقالَ الشيخُ أبو عمرٍو في شرحِ هذه الغُنَّةِ المُسَمَّاةِ بالنونِ المُخْفَاةِ: هذه النونُ ليستْ التي قد مَرَّ ذِكْرُها، فإنَّ تلكَ مِن الفمِ وهذه من الخيشومِ، ثمَّ قالَ: وشرطُ هذه أنْ تكونَ بعدَها حرفٌ منِ حروفِ الفمِ ليصحَّ إخفاؤُها، فإنْ كانَ بعدَها حرفٌ مِن حروفِ الحلقِ، أو كانتْ آخرَ الكَلاَمِ، وجبَ أنْ تكونَ الأُولَى، فإذا قلتَ منك، وعنك، فمَخْرَجُ هذه النونِ مِن الخيشومِ، وليستْ تلكَ النونَ في التحقيقِ، فإذا قلتَ: مَن خلقَ، ومَن آمنَ، فهذه هي النونُ التي مَخْرَجُها من الفمِ، وكذلكَ إذا قلتَ: أمكنَ، وَزَيَّنَ، ممَّا يكونُ آخرَ الكَلاَمِ وجبَ أنْ تكونَ هي النونَ الأُولَى أيضًا فافهمْ، واللهُ أعلمُ.

هيئة الإشراف

#4

19 Nov 2008

الفوائد التجويدية للشيخ: عبد الرازق بن علي موسى

قال الشيخ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى المصري (ت: 1429هـ): (أحكامُ الميمِ والنونِ المشدَّدَتَيْن والساكنِتَيْن والتنوينِ
اعلَمْ أيُّها القارئُ وفَّقَني اللهُ وإياكَ أن النونَ والميمَ إما أن يَكونا ساكنَيْن أو محرَّكَيْن فإن كانا ساكنين فسيأتي للناظمِ الكلامُ عليهما قريباً وإن كانا محرَّكين فتارةً يكونان مشدَّدَيْنِ وتارةً مخفَّفَيْن، فإن كانا مخفَّفَيْن فيَنطقُ بهما القارئُ من مَخرجِهما مع مُراعاةِ صفاتِهما، ولْيَتَحَفَّظْ من تفخيمِهما كما تقدَّمَ بيانُه، وإن كانا مشدَّدَيْن فقد أمَرَ الناظمُ بإظهارِ الغُنَّةِ فيهما أي الغُنَّةُ الكاملةُ بمقدارِ مَدَّةِ ألِفٍ، وقد عرَفْتَ أن الغُنَّةَ صفةٌ لازمةٌ لهما مطلقاً وأن مَخرجَها الخيشومُ، وهذا معنى قولِ الناظمِ: (وأظِهِر الغُنَّةَ من نونٍ ومِن ميمٍ) إلخ.

62- وأظْهِرِ الغُنَّةَ من نـونٍ ومـنْ = ميمٍ إذا مـا شُـدِّدا وأخْفِـيَنْ
63- الميمَ إن تَسكنْ بغنَّـةٍ لَـدَى = باءٍ على المُخْتَـارِ من أهْلِ الأَدَا
64- وأظْهِرَنْهَا عِنْـدَ باقي الأَحْرُفِ = واحْذَرْ لَـدَى واوٍ وفا أن تَخْتَفِي


أمَرَ الناظمُ رَحِمَهُ اللهُ تعالى القارئَ ببيانِ صفةِ الغُنَّةِ من النونِ ولو تَنويناً والميمِ المشدَّدَتَيْن، لأنَّ الغُنَّةَ فيهما حينئذٍ كما يأتي أَتَمُّ وأَكْمَلُ، إذ المشدَّدُ بمنزلةِ حرفَيْن ومن المعلومِ أن ما كان بمنزلةِ حرفين كانت غنَّتُه أكثرَ من غُنَّةِ الحرفِ المخفَّفِ الذي هو حرفٌ واحدٌ، ثم أمَرَ الناظمُ رحمَه اللهُ تعالى القارئَ بإخفاءِ الميمِ الساكنةِ سواءً مع الغُنَّةِ إذا أتى بعدَها باءٌ موحَّدةٌ، سواء أكان سكونُ الميمِ أصليًّا نحوُ: { أَمْ بِظَاهِرٍ }، أم عَرَضِيًّا نحوَ: { وَمَن يَعْتَصِمْ بِاللهِ } وذلك على مُختارِ حُذَّاقِ أهلِ الأداءِ، كالداني وغيرِه من المحقِّقين، واختارَه الناظمُ رحمَه اللهُ تعالى وهو الذي عليه أهلُ الأداءِ بمصرَ والشامِ والأندلسِ وسائرِ البلادِ الغَرْبِيَّةِ، اهـ. وذهبَ جماعةٌ كابنِ المنادَى ومَكِّيٍّ إلى الإظهارِ وعليه أهلُ الأداءِ بالعراقِ والبلادِ الشرقيَّةِ، ولكنَّ المقروءَ به هو الإخفاءُ لعدمِ العملِ بالإظهارِ من عصْرِ ابنِ الجَزْرِيِّ إلى الآنَ.
تعريفُ الغُنَّةِ لغةً واصطلاحاً:
فالغُنَّةُ لغةً: صوتٌ يخرجُ من الخيشومِ ولا عمَلَ للسانِ فيه. واصطلاحاً: صوتٌ أَغَنُّ مركَّبٌ في جِسمِ النونِ ولو تنويناً والميمِ مُطلَقاً، أي إنَّ صوتَ الغُنَّةِ صفةٌ لازمةٌ للنونِ والميمِ سواءً كانتا متحرِّكتَيْن أو ساكنتَيْن مُظهَرتين أو مُدغَمتين أو مُخْفَاتين، على ما سيأتي بيانُه.
ومحلُّ الغنَّةِ في النونِ والميمِ لا في غيرِهما من الحروفِ، والنونُ أغنُّ من الميمِ لقربِها من الخيشومِ، ويَلحقُ بالنونِ التنوينُ، وتَخرجُ الغنَّةُ من الخيشومِ كما تَقدَّمَ في المَخارجِ، وهو خَرْقُ الأنْفِ المنجذِبِ إلى داخلِ الفمِ، وقيلَ هو أقصى الأنفِ، أي إنَّ صوتَ الغنَّةِ بجميعِ أحوالِه يَخرجُ من الخيشومِ ودليلُ ذلك أنه لو أَمسكَ بالأنفِ لانحبَسَ خروجُه مُطلقاً حتى في حالِ ضَعفِه عندَ تحريكِ النونِ والميمِ مُخفَّفتين أو سكونِهما مُظهَرَتين كما يَشهدُ بذلك النطقُ، ومراتبُ الغنَّةِ فيها خلافٌ بين العلماءِ، فقال فريقٌ منهم: إنها ثلاثُ مراتبَ، أوَّلُها: المشدَّدُ فالمدغَمُ بغُنَّةِ الناقصِ فالمخفيُّ ولم يَنظرْ هذا الفريقُ إلى الغُنَّةِ التي في الساكنِ المظْهَرِ ولا في المتحرِّكِ المخفَّفِ، وهذا هو ظاهرُ كلامِ الإمامِ الشاطبيِّ رَضِيَ اللهُ عنه في الشاطبيَّةِ.
وقال جمهورُ العلماءِ إنها خمْسُ مراتبَ، الثلاثةُ المتقدِّمةُ ورابعُها الساكنُ المظهَرُ، وخامسُها المتحرِّكُ المخفَّفُ، وهذا هو المُعَوَّلُ عليه والخلافُ بين الفريقين لفظيٌّ، فمن قالَ بسقوطِ الغنَّةِ في المرتبتين الأخيرتين أي في الساكنِ المظهَرِ والمتحرِّكِ المخفَّفِ فقد أرادَ سقوط كمالَها، وهذا لا يُنافي أن أصلَها موجودٌ عندَه، ومن قال ببقائِها فيهما فقد أرادَ بقاءَ أصلِها فقط لا بقاءَ كمالِها، ونَظرَ إلى كوْنِ الغنَّةِ صفةً لازمةً للنونِ ولو تنويناً والحاصلُ أنه يَجبُ غَنُّ النونِ والميمِ المشدَّدتين مقدارَ حركتين والحركةُ كقَبْضِ الأُصْبُعِ أو بَسْطِهِ كالمَدِّ الأصليِّ ويُسمَّى كُلٌّ منهما حرفَ غُنَّةٍ أو حرفاً أَغَنَّ.

كيفيَّةُ أداءِ الغُنَّةِ:
وكيفيَّةُ أدائِها أنها تَتْبعُ ما بعدَها من الحروفِ تفخيماً وترقيقاً وتَخضعُ في ذلك لمراتبِ التفخيمِ الخمْسِ بالتفصيلِ المتقدِّمِ، وتُفخَّمُ تفخيماً نسبيًّا فيما إذا كان حرفُ الاستعلاءِ بعدَ مكسورٍ على الأصحِ بل هو الصوابُ وقد أشارَ إلى ذلك صاحبُ لآلئِ البيانِ إلى كيفيَّةِ أداءِ الغُنَّةِ مع حكْمِ ألِفِ المَدِّ بقولِه:

.................... وتتْبعُ الألِفْ = ما قبلَها والعكسُ في الغَنِّ أُلِفْ

وقال صاحبُ السلسبيلِ الشافي:

وفخِّـم الغُنَّــةَ إن تَلاهــا = حروفُ الاستعلاءِ لا سِواهـا


أحكـامُ الميـمِ الساكنــةِ:
ثم ذكَرَ الناظمُ حكْمَ الميمِ إذا كانت ساكنةً بقولِه:


62 -........................... = ................... وأَخْفِـَيْن
63 - الميمَ إن تَسْكُنْ بغُنَّـةٍ لَـدَى = باءٍ على المختـارِ من أهلِ الأدَا


الميمُ الساكنةُ هي التي لا حركةَ عليها وسكونُها ثابتٌ وصْلاً ووقْفاً نحوَ: { الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الفاتحة: آية 2)، { حِينَ تُمْسُونَ } (الروم: آية 17) فقولُنا الميمُ الساكنةُ خَرجَ به الميمُ المتحرِّكةُ مُطلقاً بأيِّ حركةٍ نحوُ: { مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ } (القلم: آية 2) وكذلك الميمُ المشدَّدةُ نحوَ: { ثُمَّ خَلَقْنَا } (المؤمنون: آية 13) { فَتَمَّ مِيقَاتُ } (الأعراف: آية 142)، وقولُنا التي سكونُها ثابتٌ خَرَجَ ما كان سكونُها ثابتاً وزالَ للتخلُّصِ من الْتِقَاءِ الساكنَيْن نحوَ: { قُمِ اللَّيْلَ } (المزمل: آية 2) { أَمِ ارْتَابُوا } (النور: آية 50) وقولُنا وصْلاً ووقْفاً خَرجَ به السكونُ العارِضُ كسكونِ الميمِ المتطرِّفةِ في الوقْفِ نحوُ: { حَكِيمٌ }، { عَلِيمٌ }.
هذا وتقعُ الميمُ الساكنةُ المقصودةُ في هذا البابِ متوسِّطةً ومتطرِّفةً وتكونُ في الاسم ,ِ نحوُ: { لَهُ الْحَمْدُ } (القصص: آية 70) وفي الفعلِ نحوَ: { قُمْتُمْ } (المائدة: آية 6) و{ يَمْكُرُونَ } (الأنفال: آية 30} وفى الحرفِ نحوُ { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ } (النجم: آية 36) وتكونُ للجمْعِ نحوُ: { وَلَهُمْ } (البقرة: آية 25) ولغيرِ الجمْعِ كما سبَقَ ويَصحُّ وقوعُها ساكنةً قبلَ الحروفِ الهجائيَّةِ عموماً إلا الألِفَ الليِّنَةَ المدِّيَّةَ فلا يَتأتَّى سكونُ الميمِ قبلَها لأنَّ ما قبلَها لا يكونُ إلا مَفتوحاً، وهذا ما أشارَ إليه العلاَّمةُ الجَمْزُورِيُّ (ليِّنَةٍ لذي الحِجَا).
وللميمِ الساكنةِ في الحالَيْنِ على ما ذكرْنا أحكامٌ ثلاثةٌ وهي الإخفاءُ الشفويُّ والإدغامُ الصغيرُ والإظهارُ الشفويُّ، وهذا معنى قولِ ابنِ الجَزْرِيِّ السابقِ ذِكرُه في المقدِّمةِ آنفاً:


62 - ........................... = ................... وأَخْفِـَيْن
63 - الميمَ إنْ تَسكُنْ بُغنَّـةٍ لَـدَى = باءٍ على المختـارِ من أهْلِ الأَدَا
64 - وأظهِرَنْها عنـدَ باقيِ الأحرُفِ = واحذَرْ لَـدَى واوٍ وفا أنْ تَختفِي


وقال الْجَمْزُورِيُّ في التحفةِ:

أحكامُها ثلاثةٌ لمن ضَبطْ = إخفاءُ إدغامٌ وإظهارٌ فقطْ


ولكلٍّ من الأحكامِ الثلاثةِ هذه كلامٌ خاصٌّ نوضِّحُه فيما يلي:
الكلامُ على الحكْمِ الأوَّلِ: الإخفاءُ الشفويُّ وسيأتي تعريفُه في بابِ النونِ الساكنةِ والتنوينِ، وله حرفٌ واحدٌ وهو الباءُ فإذا وَقعَ بعدَ الميمِ الساكنةِ ولا يكونُ ذلك إلا من كلمتين جازَ إخفاؤُها عندَه مع الغُنَّةِ ويُسمَّى إخفاءً شَفويًّا نحوُ: { أَمْ بِظَاهِرٍ } (الرعد: آية 33)، { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ }(المائدة: آية 48).
والإخفاءُ مع الغُنَّةِ هو المختارُ وعليه أهلُ الأداءِ بمصرَ والشامِ والأندلسِ وغيرهِا، واختارَه أكثرُ المحقِّقين كالحافظِ أبي عمرٍو الداني وابنِ الجَزْرِيِّ وابنِ مجاهدٍ وغيرِهم، وذَهبَ جماعةٌ إلى الإظهارِ, والمعمولُ به هو الإخفاءُ لعدَمِ العملِ بالإظهارِ من عصرِ ابنِ الجَزْرِيِّ إلى الآنَ (كما سَبقَ ذِكرُه).
وصحَّحَ الوجهين كذلك لكلِّ القرَّاءِ ولم يُرجِّحْ أحدَهما على الآخرِ الصَّفَاقِسِيُّ في غيْثِ النفعِ ومِن مواضِعِه { وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ } (البقرة: آية 8)، وصحَّحَهُما كذلك شارِحو الجَزْرِيَّةِ وغيرُهم وعليه فلا وجهَ لمن مَنعَ وجهَ الإظهارِ من غيرِ غُنَّةٍ أو خَطَّأَ من يقولُ به حيثُ إنه صحيحٌ وثابتٌ لكلِّ القرَّاءِ، وهذا معنى قولِه:

وأَخْفِيَنْ الميمَ إن تَسكنْ بغُنَّةٍ لَدَى = باءٍ على المختارِ من أهلِ الأَدَا


وقال الجَمْزُورِيُّ:

فالأوَّلُ الإخْفَاءُ عِندَ الباءِ = وسَمِّهِ الشَّفَوِيَّ للقُرَّاءِ


وسُمِّيَ إخفاءً لإخفاءِ الميمِ الساكنةِ لدى الباءِ وشفويًّا لخروجِ الميمِ والباءِ من الشفتين ووجهُه التجانسُ في المخرجِ وفي أكثرِ الصفاتِ.

الحكْمُ الثاني: الإدغامُ الصغيرُ وسيأتي تعريفُه في بابِ النونِ الساكنةِ والتنوينِ.
الإدغامُ الصغيرُ له حرفٌ واحدٌ، وهو الميمُ فإذا وقعَتْ بعدَ الميمِ الساكنةِ سواءً أكانتْ معها في كلمةٍ أم كانتْ في كلمتين وَجبَ إدغامُ الميمِ الساكنةِ في الميمِ المتحرِّكةِ ويُسمَّى: إدغامُ مِثلَيْن صغيرٌ مع الغُنَّةِ.
فمِثالُ ما كانَ من كلمةٍ { الم } (فاتحة البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة آية رقم 1 في الكلِّ). والذي من كلمتين نحوَ: { كَمْ مِنْ فِئَةٍ } (البقرة: آية 249) ومنه إدغامُ النونِ الساكنةِ والتنوينِ في الميمِ نحوَ: { مِنْ مَالِ اللهِ } (النور: آية 33) وذلك لقَلْبِ المدغَمِ من جِنسِ المدغَمِ فيه وكذلك يُطلقُ على كلِّ ميمٍ مشدَّدةٍ، قالَ في النشْرِ: "ويُطلقُ ذلك في كلِّ ميمٍ مشدَّدةٍ نحوَ: { دَمَّرَ } (القتال: آية 10) { أَم منْ أَسَّسَ } (التوبة: آية 109) اهـ.
وبهذا قد انتفَى ما قالَه بعضُ المحدَثين من أن الإدغامَ الصغيرَ هنا لا يكونُ إلا في كلمتَيْن فقد اتَّضَحَ مما تقدَّمَ أنه يكونُ في كلمةٍ أيضاً.
وسُمِّيَ إدغاماً لإدغامِ الميمِ الساكنةِ في المتحرِّكةِ، وسُمِّيَ بالمثْلَيْن لكونِ المدغَمِ والمدغَمِ فيه مؤلَّفان من حرفَيْن اتَّحَدا مَخرجاً وصفةً، وسُمِّيَ صغيراً لكونِ الأوَّلِ من المثلَيْن ساكناً، وسُمِّيَ بالغُنَّةِ لكونِ الغُنَّةِ مصاحبةً له وهي هنا غُنَّةُ المدغَمِ بالإجماعِ ووجهُه التماثلُ.
وقد أشارَ صاحبُ التُّحفةِ إلى حكْمِ الإدغامِ بقولِه:

والثانِ إدغامٌ بمثلِها أَتـى = وسَمِّ إدغاماً صغيراً يا فتى


وقالَ ابنُ الجَزْرِيِّ:


وأُولَى مِثْلَيْ وجِنسٍ إن سَكَنْ = أدغِمْ..............إلخ


وهو هنا من بابِ إدغامِ المثْلَيْن.
الحكْمُ الثالثُ: الإظهارُ الشفويُّ، وسيأتي تعريفُه في بابِ النونِ الساكنةِ والتنوينِ، وحروفُ الإظهارِ الشفويِّ ستَّةٌ وعشرون حرفاً وهي الباقيةُ من الحروفِ الهجائيَّةِ بعدَ إسقاطِ حرفِ الباءِ وحرفِ الميمِ، فإذا وَقعَ حرفٌ من هذه الأحرفِ بعدَ الميمِ الساكنةِ سواءً كانَ معها في كلمةٍ أو في كلمتَيْن، وَجبَ إظهارُها، ويُسمَّى إظهاراً شفويًّا.
فالذي من كلمةٍ نحوُ: { الْحَمْدُ للهِ } (الفاتحة: آية 2) والذي من كلمتَيْن نحوَ: { ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ } (البقرة: آية 232)، { أَمْ زَاغَتْ } (ص: آية 63) وسُمِّيَ إظهاراً لإظهارِ الميمِ الساكنةِ عندَ ملاقاتِها بحرفٍ من حروفِ الإظهارِ الستَّةِ والعشرين.
وسُمِّيَ شفويًّا لخروجِ الميمِ الساكنةِ من الشَّفتَيْن ووجهُه التباعدُ أي بُعدُ مَخرجِ الميمِ الساكنةِ عن أكثرِ مخارجِ حروفِ الإظهارِ، ثم إنَّ إظهارَ الميمِ الساكنةِ عندَ الواوِ والفاءَ آكَدُ خوفاً من أن يَسبقَ اللسانُ إلى إخفائِها عندَ هذَيْن الحرفَيْن لقربِها من الفاءِ في المَخرجِ واتِّحادِها مع الواوِ فيه أيضاً.
وقد أشارَ صاحبُ التُّحفةِ إلى الإظهارِ الشفويِّ مع التحذيرِ من إخفاءِ الميمِ لدى الواوِ والفاءِ بقولِه:

والثالثُ الإظهارُ في البقيَّهْ = من أحرُفٍ وسَمِّها شَفويَّهْ
واحذرْ لدَى واوٍ وفا أنْ تَختفِي = لقُربِها والاتِّحادِ فاعرِفِ


وهو موافِقٌ لقولِ الناظمِ السابقِ.

وأظْهِرَنْها عندَ باقي الأحْرُفِ = واحذَرْ لدى واوٍ وفا أن تَخْتفِي

واللهُ أعلمُ.

هيئة الإشراف

#5

25 Nov 2008

شرح المقدمة الجزرية للشيخ المقرئ: عبد الباسط هاشم

قال الشيخ عبد الباسط بن حامد بن محمد متولي [المعروف بعبد الباسط هاشم] (ت: 1441هـ): (المبحث الرابع في أحكام الميم الساكنة:
وقد تعرض له الناظم تلميحاً على سبيل الاختصار, وأنا أبسط ذلك بفضل الله تعالى فأقول: للميم الساكنة سواء كانت ميم جمع أو غيرها ثلاثة أحكام: الإخفاء، والإدغام، والإظهار.
فالإخفاء إذا دخلت على الباء نطق بها مخفاة الغنة هكذا: { خذوا ما أتيناكم بقوة }. { والذين هم بآيات ربهم }، والإخفاء هنا أشهر وأقوى، وإلا فقد صح الإخفاء وعدمه كأن تقول: { وهم بربهم } { آتيناكم بقوة } وقد تقدم الإخفاء لغة واصطلاحاً , واسمه اخفاء شفوي واجب بغنة.
الحكم الثاني: الإدغام: وذلك إن دخلت الميم الساكنة على الميم المتحركة مثال: { في قلوبهم مرض } { من خشيه ربهم مشفقون } واسمه: إدغام مثلين صغير واجب. وقد تقدم الإدغام لغة واصطلاحاً.
الحكم الثالث: الإظهار في بقية الحروف , ويسمى إظهاراً شفوياً واجباً , وقد تقدم لغة واصطلاحاً، ولنذكر لكل حرف مثالاً أو مثالين؛ لتقيس ما غاب على ما حضر.
الهمز: { عليكم أنفسكم } { هم أحسن أثاثاً }.
التاء: { أم تقولون } { لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً }.
الثاء: { ويضرب الله الأمثال } { إذ يقول أمثلهم }.
الجيم: { أم جاءهم مالم يأت } { أم جعلوا }.
الحاء: { أم حسبت } { وأنتم حرم }.
الخاء: { أم خلقوا من غير شيء } { أم خلقوا السماوات والأرض }.
الدال: { يمددكم } { وأمددناهم }.
الذال: { أوعجبتم أن جاءكم ذكر } { أنزل الله إليكم ذكراً }.
الراء: { أمراً من عندنا } { وهم راكعون }.
الزاي: { ثلاثة أيام إلا رمزاً } { وتقطعوا أمرهم بينهم زبراً }.
السين: { إن يمسسكم } { حين تمسون } { فامسحوا بوجوهكم }.
الشين: { أمشاج نبتليه } { ولا تمش في الأرض مرحاً } { يمشون مطمئنين }.
الصاد: { إن كنتم صادقين } { أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين }.
الضاد: { إن أنتم ضربتم } { إذا رأيتهم ضلوا }.
الطاء: { وأمطرنا عليهم } { مسهم طائف }.
الظاء: { وندخلهم ظلا } { بأنهم ظلموا }.
العين: { أم على قلوب }، { وهم على صلاتهم }.
الغين: { فإنهم غير } { وهم غافلون }.
الفاء: { وهم فيها } { وأولادكم فتنة }.ويراعى الضغط على الميم في مثل هذا الموضع، لئلا تختفي في الفاء للتقارب بينهما.
القاف: { أنهم قادرون} { أو هم قائلون}.
الكاف: { ويمكرون} {وهم كافرون}.
اللام : { أم لهم شركاء} { وأملي لهم}.
النون: {من مني يمنى } { من بعد خوفهم أمنا }.
الهاء: { يمهدون } { أم هم }.
الواو: { أموالكم } { أموات } , ويضغط على الميم في مثل هذا الموضع لئلا تختفي لشدة التجانس بينهما.
الياء: { أم يقولون } { وهم يعلمون }.
فإذا سئلت عن شيء من ذلك قلت: إظهار شفوي واجب.
مسألة: إذا سئلت عن مثل قوله تعالى: { وهم بربهم }. { آتيناكم بقوة }.
فالأرجح أن نقول: هو إخفاء شفوي واجب بغنة، وإظهار متجانسين صغير؛ لأن الاختصار على الإخفاء اختصار على الفرع دون الأصل , والغنة صفة على أرجح الأقوال، والباء والميم أصل فلا بد أن نذكر الأصل والفرع. والله تعالى أعلم.
قال صاحب (التحفة):

والميم إن تسكن تجي قبل الهجا

أي قبل الحروف ,

لا ألف لينة لذي الحجا

أي لذي العقول


أحكامها ثلاثة لمن ضبط = إخفاء، ادغام وإظهار فقط
فالأول الإخفاء عند الباء = وسمه الشفْوي للقراء

_أو الشفَوي للقراء _


والثان إدغام بمثلها أتى = وسَمِّ إدغاماً صغيرا يا فتى
والثالث الإظهار في البقيه = من أحرف وسمها شفَويه

_أو شفْوية_

واحذر لدى واو وفا أن تختفي = لقربها والاتحاد فاعرف


فالاتحاد عند الواو والقرب عند الفاء.
وقال ابن الجزري في المقدمة:


وأخفين الميم إن تسكن لدى = باء على المختار من أهل الأدا


وقوله على المختار أي: على المذهب القوي , وإلا فقد ورد كما ذكرت الإخفاء والميم الخالصة لكنّ الإخفاء أشهر وأقوى.
وقال: (وأظهرنها عند باقي الأحرف) يعني بذلك الإظهار الشفوي، (واحذر لدى واو وفا أن تختفي) للقرب في الفاء والتجانس في الواو.
وقوله: (وأولَيْ مثل وجنس إن سكَنْ أدغم) يدل على إدغام الميم في الميم؛ لأنهما متماثلتان. والله أعلم.
المبحث الخامس في حكم الميم والنون المشددتين , ويسميان حرفا غنة مشدد وبعضهم يسمي كلاًّ منهما حرف أغن, وقد تقدمت الغنة لغة واصطلاحاً , ومثالها في الميم: ثم ولما وأما وهي لا تتغير في الميم أبدا فتعد غنة أصلية.
وأما في النون فلها حكمين غنة أصلية، لا تتغير كإنّ وأن وهن وعليهن , ويسمى كل منهما حرف غنة مشدد واجب.
ومقدار الغنة حركتان، والحركة بقدر ضم الإصبع أو فتحه بحالة متوسطة، ولا تزيد عن ثلاث بحال، وإلا كره ذلك. وأما في نحو النساء , والناس , والنبيين , والنوم , والنعيم فهي غنة مخلَّقة، خلقتها اللام الشمسية حين أدغمت فى النون، فصار إظهارا متقاربين صغير وحرف غنة مخلق وقلنا مخلق؛ لأن أصل الكلمة: ناس , نساء , نبيين , نور , نوم , وإنما الذي جاء بالغنة إدغام اللام في النون؛ للتقارب بينهما ولذا قلنا: إدغام متقاربين صغير.
قال الناظم: (وأظهر الغنة من نون ومن ميم إذا ما شددا) وقال صاحب (التحفة):


وعنَّ ميماً ثم نوناً شددا = وسمِّ كلاً حرف غنّة بدا

والله أعلم.