باب التحذيرات
قال الحافظ محمد بن محمد ابن الجزري (ت: 833هـ) : (باب التحذيرات
وَإِنْ تَـلاَقَـيَــا الْـبَــيَــانُ لاَزِمُ ... أنْـقَـضَ ظَـهْـرَكَ يَـعَـضُّ الظَّـالِـمُ
وَاضْطُـرَّ مَـعْ وَعظْـتَ مَـعْ أَفَضْـتُـمُ ... وَصَــفِّ هَــا جِبَاهُـهُـمْ عَلَيْـهِـمُ
الدقائق المحكمة لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري
قال الإمام زكريا بن محمد بن أحمد الأنصاريِّ السُّنَيْكِيِّ
(ت: 926هـ): (المتن:
(60) وَإِنْ تَلاَقَيَا الْبَيَانُ لاَزِمُ = أنْقَضَ ظَهْرَكَ يَعَضُّ الظَّالِمُ (61) وَاضْطُرَّ مَعْ وَعظْتَ مَعْ أَفَضْتُمُ = وَصَفِّ هَا جِبَاهُهُمْ عَلَيْهِمُ
_________________
(60) " وإنْ تلاقيَا " أي الضَّادُ والظَّاءُ، فقل: "البَيانُ" لأحدِهمَا مِنَ الآخَرِ "لازمٌ" للقارِئِ، لئلاَّ يَختلِطَ أحدُهُمَا بالآخِرِ؛ فتَبْطُلُ بهِ صلاتُهُ. وذلكَ في نَحوِ قولِهِ في { ألمْ نَشْرَحْ} {أَنْقَضَ ظَهْرَكَ} [الشرح: 3]. وقولُهُ في "الفُرْقانِ": { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان: 27]. والعَضُّ: - إنْ كانَ بجارِحَةٍ كسَبُعٍ، وإنسانٍ – بالضَّادِ. وإلا فبَالظَّاءِ، نحْوُ: عَظُّ الزَّمانِ، وعظَّةُ الحرْبِ.
(61) "و" يلزَمُ بيَانُ الضَّادِ مِنَ الظَّاءِ في قولِهِ تعالَى -: { فمَنِ اضطُرَّ} مع "وَعَظْتَ" مِن قولِهِ تعالَى -: { قالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ}[الشعراء: 136]. و "معَ" بيانِ الضَّادِ مِنَ التَّاءِ في قولِهِ تعالَى – في "البقرةِ": { فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ } [البقرة: 198].
"وصَفِّ" أي خَلِّصْ – بفتحِ الصَّادِ وتشديدِ الفاءِ – "ها جباهَهُم" و "عليْهِم" ونحوَهُمَا. نحوُ "إلهُكُم"، و"اهْدِنَا"؛ لأن الهَاءَ حرفٌ يُخْفَى، فينبَغِي الحرْصُ على بَيانِهِ. – وهَا مُضافةٌ لمَا بعدَهَا، وقصرُهَا لِلْوَزْنِ -.
المنح الفكرية لنور الدين علي بن سلطان محمد القاري
قال الإمام نور الدين علي بن سلطان محمد القاري
(ت:1014هـ): (بــابُ التحـذيـــراتِ:
(وإنْ تَلاَقَيا) أي الضادُ والظاءُ (البيانُ)
أي فالبيانُ لكُلٍّ منهما لأحدِهِمَا مِن الآخرِ كما قالَه زكريَّا؛ لأنَّ
المرادَ بيانُ مَخْرَجِ كُلٍّ منهما وصفتِهِمَا لا انفصالَ أحدِهما عن
الآخرِ عندَ نُطْقِهِمَا كما يوهِمُ كَلاَمُه، حيثُ عَلَّلَ أيضًا بقولِه
لئلاَّ؛ يختلطَ أحدُهما بالآخرِ فتبطلَ صلاتُه (لازِمُ)
أي على القارىءِ، ولا يحتاجُ إلى تقديرٍ: فقل البيانَ، كما قالَه زكريَّا،
بل الفاءُ مُقَدَّرَةٌ بِناءً على حذفِها ضرورةً كما في قولِه: مَن
يَفْعَل الحسناتِ اللهُ يَشْكُرُهَا" أي: فاللهُ يُجَازِي بها. والمعنى
إلزامُ بيانِ مَخْرَجِهما وصفتِهما لِيَمْتَازَ كُلٌّ منهما، ولا يجوزُ
الإدغامُ لِبُعْدِ مَخْرَجِهما، قالَ خالدٌ: سواءٌ بينهما فاصلٌ أو لا،
ولعلَّه أرادَ الفرقَ بينَ المثالينِ في قولِه: { أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } { يَعَضُّ الظَّالمُ }
فإنَّ المثالَ الثانيَ بحسبِ الأصلِ بينهما فصلٌ، وهو لامُ التعريفِ، إلا
أنَّهُ لمَّا أُدْغِمَ وصارَ ضادًا مشدَّدَةً فيصدُقُ عليه التلاقي بينهما
حقيقةً في اللفظِ حالَ الوصلِ، وحكمًا في الأصلِ نظرًا إلى الفصلِ، ومثلُ
المثالِ الثاني (يعضُّ الظَّالمُ) قالَ
اليَمَنيُّ: فلو قرأَ بالإدغامِ تَفْسُدُ الصلاةُ، يعني في (أَنْقَضَ
ظَهْرَكَ) وقالَ ابنُ المصنِّفِ وتبعَه الروميُّ: وَلْيَحْتَرِزْ من عدمِ
بيانِهما؛ فإنه لو أبدلَ ضادًا بظاءٍ أو بالعكسِ بَطَلَتْ صلاتُه لفسادِ
المعنى، وقالَ بَحْرَقٌ: فلو أبدلَ ضادًا بظاءٍ عامدًا بَطَلَتْ صلاتُه على
الأصحِّ لفسادِ المعنى، وقالَ المصريُّ: فلو أبدلَ ضادًا بظاءٍ في
الفاتحةِ لم تصحَّ قراءتُه بتلكَ الكلمةِ.
أقولُ:
وفيه خلافٌ طويلُ الذيلِ في هذا المبنى، وخلاصةُ المَرامِ ما ذكرَه ابنُ
الهُمَامِ: مِن أنَّ الفصلَ إنْ كانَ بلا مَشَقَّةٍ كالطاءِ معَ الصادِ
فقرأَ الطالحاتِ مكانَ الصالحاتِ تَفْسُدُ، وإنْ كانَ بِمَشَقَّةٍ كالظاءِ
معَ الضادِ والصادِ معَ السينِ والطاءِ معَ التاءِ قيلَ تفسدُ , وأكثرُهم
لا تفسدُ. ا هـ. وذكرَ صاحبُ (المُنْيَةِ) أنَّهُ إذا قرأَ الظاءَ مكانَ
الضادِ المُعْجَمتينِ، أو على القلبِ، فَتَفْسُدُ صلاتُه، وعليه أكثرُ
الأئمَّةِ، وروَى عنه مُحَمَّدُ بنُ سَلَمَةَ لاتَفْسُدُ؛ لأنَّ العجمَ لا
يُمَيِّزُونَ بينَ هذه الأحرفِ، وكانَ القاضي الإمامُ الشهيدُ يقولُ:
الأحسنُ فيه أنْ يقالَ: إن جرَى على لسانِه ولم يكنْ مُمَيِّزًا وكانَ في
زعمِه أنَّهُ أدَّى الكلمةَ على وجهِها لا تَفْسُدُ صلاتُه، وكذا (رُوِيَ
عن مُحَمَّدِ بنِ مقاتلٍ).
وعن
الشيخِ الإمامِ إسماعيلَ الزاهدِ قالَ الشارحُ: وهذا معنى ما ذُكِرَ في
فتاوى الحُجَّةِ أنَّهُ يُفْتَى في حقِّ الفقهاءِ بإعادةِ الصلاةِ، وفي
حقِّ العوامِّ بالجوازِ. أقولُ: هذا تفصيلٌ حسنٌ في هذا البابِ واللهُ
أعلمُ بالصوابِ، وفي فتاوى قاضِيخانَ: إنْ قرأَ { غيرِ المَغْضُوبِ} بالظاءِ أو بالذالِ تَفْسُدُ صلاتُه { ولا الضَّالِّينَ } بالظاءِ المُعْجَمةِ أو الدالِ المُهْمَلَةِ لا تَفْسُدُ، ولو بالذالِ المُعْجَمةِ تَفْسُدُ "واضطرَّ "معَ "وَعَظْتَ " معَ " أَفَضْتُم "
بالإشباعِ، ونحوَه {خُضْتُم} أي بيانُ الضادِ والظاءِ لازمٌ إذا وَقَعَا
قبلَ طاءٍ أو تاءٍ، خوفًا مِن إدغامِهما حيثُ لا يجوزُ، لاختلافِ
مَخَارِجِهما، وأمَّا قولُ زكريَّا ويلزمُ بيانُ الضادِ مِن الطاءِ في
قولِه "واضْطُرَّ" معَ بيانِ الطاءِ مِن التاءِ
إلخ فليسَ في مَحَلِّهِ، إذ لا اشتباهَ بينَ الضادِ والطاءِ المُهْمَلَةِ،
ولا بينَ الظاءِ المُشَالَةِ والتاءِ الفوقيَّةِ حتى يَسْلُكَ في مسلكِ ما
سبقَ مِن التمييزِ والبيانِ بينَ الضادِ والظاءِ المُعْجَمتينِ، وقد أصابَ
الشيخُ خالدٌ حيثُ قالَ: هنا رجَعَ الناظمُ إلى ما كانَ بصددِه مِن
الأحكامِ المُتَعَلِّقَةِ بالتجويدِ (وَصَفِّ) أمرٌ من التصفيَّةِ أي: خَلِّصْ (ها) بالقصرِ ضرورةٌ "جِبَاهُهُم" بالضمِّ حكايةً (عَلَيْهِم)
بالإشباعِ، ونحوِه "إليهم" والمعنى بينَ الهاءِ مِن أختِها ومن الياءِ
بيانُهما وتمييزُ شأنِهما؛ لأنَّ الهاءَ حرفٌ خفيٌّ فينبغي الحرصُ على
بيانِه , وكذلكَ الحكمُ في نحوِ: { اهْدِنَا } و {إلهكم}.
الفوائد التجويدية للشيخ: عبد الرازق بن علي موسى
قال الشيخ عبد الرازق بن علي بن إبراهيم موسى المصري (ت:
1429هـ): (قالَ الشيخُ زكريَّا الأنصاريُّ في شرحِه على الجَزْرِيَّةِ:
بـــابُ التحذيــراتِ
" وهو في لزومِ بيانِ الضادِ والظاءِ ونحوِ: هما إذا التَقَيَا"
قال الحافظُ في المقدِّمةِ الجَزْرِيَّةِ:
60- وإنْ تَلاقيــا البيـانُ لازمُ = أَنْقَضَ ظهْـرَكَ يَعَـضُّ الظـالمُ
61- واضْطُرَّ مع وَعَظْتَ معَ أَفَضْتُمُ = وصَفّ ها جِباهُهُمْ عَلَيْهمُ
ومعناه
إذا التَقَت الضادُ المعجَمَةُ بالظاءِ المُشالَةُ لزِمَ بيانُ مَخرجِ
كلٍّ منهما سواءً أكانَ بينَهما فاصلٌ في الخطِّ أمْ لم يكنْ كقولِه تعالى:
{ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ } (الفرقان: آية 27)، وكقولِه تعالى: { أَنْقَضَ ظَهْرَكَ } (الانشراح: آية 3)،
وذلك لئلاَّ تَختلطَ إحداهُما بالأخرى، فتُبْدَلَ الضادُ ظاءً أو العكسُ
وهذا لَحْنٌ لا تَصِحُّ به القراءةُ ولا تُوصفُ به التلاوةُ، وفيه تغييرٌ
للفظِ وإخراجٌ للكلمةِ عن معناها المرادِ، وكذلك الحُكمُ في لزومِ بيانِ
الضادِ المعجَمَةِ من الظاءِ المُشالَةِ ومن التاءِ المثنَّاةِ فوقَ أيضاً.
فالأُولى في قولِه تعالى: { فَمَنْ اضْطُرَّ } (البقرة: آية 173)، (المائدة: آية 3)، (الأنعام: آية 145)، (النحل: آية 115) {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} (البقرة:آية 126)، {إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (الأنعام: آية 119).
والثانيةُ في قولِه تعالى: { فَإِذَا قَضَيْتُمْ } (البقرة: آية 200)، { وَخُضْتُمْ } (التوبة: آية 69)، {وَعَرَّضْتُمْ} (البقرة: آية 235)، { فَقَبَضْتُ } (طه: آية 96)،
وذلك لئلاَّ يَسبقَ اللسانُ إلى إدغامِها فيها، لأنه الأخفُّ حينئذٍ وهو
ممنوعٌ بالاتِّفاقِ، وكذلك الحكْمُ في لزومِ بيانِ الظاءِ من التاءِ في
قولِه تعالى: {أَوَعَظْتَ} (الشعراء: آية 136)
لئلاَّ يَسبقَ اللسانُ إلى إدغامِها وهو ممنوعٌ كذلك وليس بيانُ الضادِ
قاصراً على ما ذُكرَ بل بيانُها لازمٌ مطلَقاً خُصوصاً إذا كانت ساكنةً
نحوُ: {فَضَّلْنَا} (الإسراء: آية 31،55)، {وَقَيَّضْنَا} (فصلت: آية 25)، و {يُضْلِلِ} (الرعد: آية 33)، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} (الشعراء: آية 215).
ومما يجبُ مراعاتُه أيضاً تصفيةُ الهاءِ أي تخليصُها إذا جاوَرَتْ هاءً أو ياءً أو غيرَهما، نحوُ: {جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ} (التوبة: آية 35)، ونحوُ: { عَلَيْهِمْ } { وَإِلَيْهِمْ }، { وَيُزَكِّيهِمْ }، وذلك لأن الهاءَ حرفٌ خفيٌّ لاتِّصافِها بصفاتِ الضَّعْفِ كما سَبقَ ولذلك قَوِيَتْ بالصلَةِ إذا وَقعتْ ضميراً كقولِه تعالى: { إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيراً } (الانشقاق: آية 15)، وقد أشارَ الناظمُ إلى ما ذَكرناه في هذا البابِ بالإضافةِ إلى السابقِ بقوله:
شرح المقدمة الجزرية للشيخ المقرئ: عبد الباسط هاشم
قال الشيخ عبد الباسط بن حامد بن محمد متولي [المعروف بعبد الباسط هاشم] (ت: 1441هـ):
(ثم قال:
وإن تلاقيا البيان لازم = أنقض ظهرك يعض الظالم
يعني إذا التقت الضاد بالظاء في قوله تعالى: { يعض الظالم على يديه } بالفرقان { وأنقض ظهرك } بالشرح، لابد من تمييز الضاد من الظاء مخرجاً وصفة، وكل هذا الباب ينصب على هذا المعنى. واضطر مع وعظت مع أفضتمُ = وصف ها جباههم عليهم
وقال:
وقوله: (وصف ها جباههم) أي أظهر الهاء من الهاء صافية المخرج والصفة هكذا: {جباههم وجنوبهم} بسورة براءة، وكذا الهاء من عليهم. وقد تم المبحث بحمد الله وتوفيقه.