الدروس
course cover
ح34: حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيره...) م
29 Oct 2008
29 Oct 2008

62139

0

0

course cover
الأربعون النووية

القسم الخامس

ح34: حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيره...) م
29 Oct 2008
29 Oct 2008

29 Oct 2008

62139

0

0


0

0

0

0

0

ح34: حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيره...) م

قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (

34- عَنْ أَبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ , وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإيمَانِ)). رواه مسلِمٌ.

هيئة الإشراف

#2

29 Oct 2008

شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين


قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (

الحديث الرابع والثلاثون

عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ: (مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ)(1) رواه مسلم.

الشرح
"مَنْ" اسم شرط جازم،و: "رأى" فعل الشرط،وجملة "فَليُغَيرْه بَيَدِه" جواب الشرط.
وقوله: "مَنْ رَأَى" هل المراد من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، أو نقول: الرؤيا هنا رؤية العين، أيهما أشمل؟
الجواب :الأول، فيحمل عليه، وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه.
وقوله: "مُنْكَراً" المنكر:هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله.
" فَلْيُغَيِّرْهُ" أي يغير هذا المنكر بيده.
مثاله: من رأى مع شخص آلة لهو لا يحل استعمالها أبداً فيكسرها.
وقوله: "مُنْكَرَاً" لابد أن يكون منكراً واضحاً يتفق عليه الجميع، أي المنكر والمنكر عليه، أو يكون مخالفة المنكر عليه مبينة على قول ضعيف لا وجه له.
أما إذا كان من مسائل الاجتهاد فإنه لا ينكره.
"فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ" أي إن لم يستطع أن ينكره بيده "فَبِلِسَانِهِ" أي فلينكره بلسانه ويكون ذلك: بالتوبيخ، والزجر وما أشبه ذلك، ولكن لابد من استعمال الحكمة، كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله، وقوله "بِلِسَانِهِ" هل نقيس الكتابة على القول؟
الجواب: نعم، فيغير المنكر باللسان، ويغير بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتباً يبين المنكر.
"فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ" أي فلينكر بقلبه، أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن.
" وَذَلِكَ" أي الإنكار بالقلب "أَضْعَفُ الإِيْمَانِ" أي أضعف مراتب الإيمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر.
من فوائد هذا الحديث:
1-أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع الأمة إذا رأت منكراً أن تغيره، ولا يحتاج أن نقول: لابد أن يكون عنده وظيفة، فإذا قال أحد: من الذي أمرك أو ولاك؟ يقول له النبي صلى الله عليه وسلم لقوله "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ" .
2. أنه لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن يتيقن أنه منكر.
والوجه الثاني: أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل،لأن الشيء قد يكون منكراً في حد ذاته، لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل.
مثال ذلك: الأكل والشرب في رمضان، الأصل أنه منكر، لكن قد لا يكون منكراً في حق رجل بعينه:كأن يكون مريضاً يحل له الفطر، أو يكون مسافراً يحل له الفطر.
3. أنه لابد أن يكون المنكر منكراً لدى الجميع، فإن كان من الأمور الخلافية فإنه لا ينكر على من يرى أنه ليس بمنكر، إلا إذا كان الخلاف ضعيفاً لا قيمة له، فإنه ينكر على الفاعل، وقد قيل:
وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظ من النظر
فلو رأيت رجلاً أكل لحم إبل وقام يصلي، فلا تنكر عليه، لأن المسألة خلافية، فبعض العلماء يرى أنه يجب الوضوء من أكل لحم الإبل، وبعضهم لا يرى هذا،لكن لا بأس أن تبحث معه وتبين له الحق.
ولو رأيت رجلاً باع عشرة ريالات من الورق بأحد عشر، فهل تنكر عليه أو لا تنكر؟
الجواب:لا أنكر، لأن بعض العلماء يرى أن هذا جائز، وأنه لا ربا في الأوراق، لكني أبين له في المناقشة أن هذا منكر، وعلى هذا فقس.
فإن قال قائل:ما موقفنا من العوام، لأن طالب العلم يرى هذا الرأي فلا ننكر عليه، لكن هل نقول للعوام اتبعوا من شئتم من الناس؟
الجواب:لا، العوام سبيلهم سبيل علمائهم، لأنه لو فتح للعامي أن يتخير فيما شاء من أقوال العلماء لحصلت الفوضى التي لا نهاية لها ، فنقول:أنت عامي في بلد يرى علماؤه أن هذا الشيء حرام، ولا نقبل منك أن تقول:أنا مقلد للعالم الفلاني أو العالم الفلاني.
وهل قوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بيدهِ" على إطلاقه، بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال؟
الجواب:لا،إذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير، لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها، كما لو كان يرى منكراً يحصل من بعض الأمراء، ويعلم أنه لو غير بيده استطاع، لكنه يحصل بذلك فتنة:إما عليه هو،وإما على أهله،وإما على قرنائه ممن يشاركونه في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهنا نقول: إذا خفت فتنة فلا تغير، لقوله تعالى: ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ ) [الأنعام: الآية108]
4. أن اليد هي آلة الفعل، لقوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ" لأن الغالب أن الأعمال باليد، ولذلك تضاف الأعمال إلى الأيدي في كثير من النصوص،مثل قوله: (فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) [الشورى: الآية30] والمراد: بما كسبتم بأيديكم أو أرجلكم أو أعينكم أو آذانكم.
5. أنه ليس في الدين من حرج،وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة، لقوله: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ) وهذه قاعدة عامة في الشريعة،قال الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن: الآية16] وقال عزّ وجل: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة: الآية286] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَا نَهَيتُكُم عَنهُ فَاجتَنِبوهُ،وَمَا أَمَرتُكُم بِهِ فَأتوا مِنهُ مَا استَطَعتُم"(2) وهذا داخل في الإطار العام أن الدين يسر.
6. أن الإنسان إذا لم يستطع أن يغير باليد ولا باللسان فليغير بالقلب، وذلك بكراهة المنكر وعزيمته على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل.
فإن قال قائل:هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول:أنا كاره بقلبي؟
فالجواب :لا،لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذوراً.
7. أن للقلب عملاً، لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ" عطفاً على قوله: "فَليُغَيرْهُ بيَدِهِ" وهو كذلك.
فالقلب له قول وله عمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك.
8. أن الإيمان عمل ونية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان، والتغيير باليد عمل، وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك، فالإيمان يشمل جميع الأعمال وليس خاصاً بالعقيدة فقط لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمَانُ بِضعٌ وَسَبعُونَ شُعبَة، أو قال: وَستونَ شُعبَة، أَعلاهَا: قَولُ لاَ إِلهَ إِلا الله، وَأَدناهَا إِماطَةُ الأَذَى عَنِ الطَريقِ"(3) فقول: لا إله إلا الله قول لسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح والحياء وهذا عمل قلب مِنَ الإيمَانِ ولا حاجة أن نقول ما يدور الآن بين الشباب وطلبة العلم :هل الأعمال من كمال الإيمان أو من صحة الإيمان؟ فهذا السؤال لا داعي له،أي إنسان يسألك ويقول: هل الأعمال شرط لكمال الإيمان أو شرط لصحة الإيمان؟
نقول له: الصحابة رضي الله عنهم أشرف منك وأعلم منك وأحرص منك على الخير،ولم يسألوا الرسول صلى الله عليه وسلم هذا السؤال، إذاً يسعك ما يسعهم.
إذا دلّ الدليل على أن هذا العمل يخرج به الإنسان من الإسلام صار شرطاً لصحة الإيمان، وإذا دلّ دليل على أنه لا يخرج صار شرطاً لكمال الإيمان وانتهى الموضوع، أما أن تحاول الأخذ والرد والنزاع، ثم مَنْ خالفك قلت:هذا مرجىء. ومن وافقك رضيت عنه، وإن زاد قلت، هذا من الخوارج، وهذا غير صحيح.
فلذلك مشورتي للشباب ولطلاب العلم أن يدعوا البحث في هذا الموضوع، وأن نقول: ما جعله الله تعالى ورسوله شرطاً لصحة الإيمان وبقائه فهو شرط، وما لا فلا ونحسم الموضوع(4).
فإن قال قائل: قوله: "فَليُغَيرهُ بيَدِهِ" هل هذا لكل إنسان؟
فالجواب:ظاهر الحديث أنه لكل إنسان رأي المنكر، ولكن إذا رجعنا إلى القواعد العامة رأينا أنه ليس عاماً لكل إنسان في مثل عصرنا هذا، لأننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئاً يعتقده منكراً يذهب ويغيره وقد لا يكون منكراً فتحصل الفوضى بين الناس.
نعم راعي البيت يستطيع أن يغير بيده، لأنه هو راعي البيت،كما أن راعي الرعية الأكبر أو من دونه يستطيع أن يغير باليد .
وليعلم أن المراتب ثلاث: دعوة، أمر، تغيير، فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد و في أي مكان يجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه.
والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس ويقول: افعلوا ،أو ينهاهم ويقول لهم : لا تفعلوا . ففيه نوع إمرة.
والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه، والله الموفق.
______________________________________________________________________

(1) اخرجه مسلم- كتاب: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، (49)، (78)
(2) أخرجه مسلم – كتاب: الحج، باب: فرض الحج مرة في العمر، (1337)،(412).
(3) سبق تخريجه صفحة (162)
(4) انظر شرح العقيدة الواسطية لفضيلة الشيخ رحمه الله تعالى ص (573) ط دار الثريا.

هيئة الإشراف

#3

23 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي


قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (

تَرْجَمَةُ الصَّحابيِّ رَاوِي الحدِيثِ:
تَقَدَّمَتْ في الحديثِ الثَّاني والثلاثِينَ.
الشَّرحُ:

عن أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ- قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ)) يا مَعْشَرَ المُكَلَّفِينَ ((مُنْكَرًا)): شَيْئًا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ وَمَنَعَ عنهُ، وَمَعْرِفَةُ المُنْكَرِ وَمَرَاتِبِهِ وَمَرَاتِبِ الإِنْكَارِ عَنْهُ يَحْتَاجُ إلى عِلْمٍ كثيرٍ.

((فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ)) إنْ كانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَغْيِيرُهُ باليدِ؛ غَيْرَةً للهِ تَعَالَى، وَقِيَامًا بِحَقِّهِ، ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ)) إِنْكَارَهُ بِلِسَانِهِ لِعَجْزِهِ، ((فَبِقَلْبِهِ))فَلْيُنْكِرْهُ بِقَلْبِهِ، وَلْيَكْرَهْهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً مِنْ حيثُ إنَّ فِيهِ مُخَالَفَةَ رَبِّ الأَرْبَابِ، ((وَذَلِكَ)) الرَّجُلُ الذي لا يَقْدِرُ إلاَّ على الإنْكَارِ بالقَلْبِ، ((أَضْعَفُ)) أَهْلِ((الإيمانِ)) إِيمَانًا، حيثُ لَمْ يُمَكِّنْهُ رَبُّهُ مِنْ وَظَائِفِ أَرْبَابِ الْكَمَالِ.
وقَدْ زِيدَ في بعضِ الرِّوَايَاتِ: ((وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ حَبَّةُ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ)).
وَلاَ يَتَأَتَّى الإنكارُ كَمَا يَنْبَغِي إلاَّ مِمَّنْ عَرَفَ اللهَ حَقَّ المَعْرِفَةِ، وَعَلِمَ حَقَّهُ الجَلِيلَ وَأَحَبَّهُ مِنْ صَمِيمِ قَلْبِهِ، وَرَأَى أَنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ بِيَدِهِ، وَلَمْ يُبَالِ بِمَا سِوَاهُ، فَهَذَا الَّذِي إذَا رَأَى مَحْبُوبَهُ يُعْصَى وَيُخَالَفُ حُكْمُهُ، يَقُومُ غَيْرَةً لهُ وتَقَرُّبًا إليهِ، وَيُنْكِرُ على المُخَالِفِ كَائِنًا مَنْ كانَ وَيَجْتَهِدُ في إبطالِ المُنْكَرِ اجْتِهَادًا يَقْدِرُ عليهِ، ولا يُهَوِّنُ على المُحِبِّ الصادِقِ مخالفةَ حُكْمِ مَحْبُوبِهِ، وَلاَ يَصْبِرُ على رُؤْيَتِهِ، وَلاَ يُحِبُّ أَهْلَهُ أَي: المُنْكَرِ، وهذا مَقامٌ وَعِرٌ، وَلاَ يَفُوزُ بهِ إلاَّ قومٌ يُحِبُّهُمُ اللهُ وَيُحِبُّونَهُ، ولا يَخَافُونَ في اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ، مِنْهُم عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عنهُ-.
وفي زَمَانِنَا هذا ذَهَبَت الغَيْرَةُ للهِ مِنْ قُلُوبِ العِبَادِ، وَصَارَ المُنْكَرُ مَعْرُوفًا والمعروفُ مُنْكَرًا، مَنْ كانَ بَاكِيًا فَلْيَبْكِ عَلى هذهِ المُصِيبَةِ.

هيئة الإشراف

#4

23 Nov 2008

المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري


قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (

الحديثُ الرابعُ وَالثلاثونَ

عنْ أبي سعيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عنهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

موضوعُ الحديثِ: وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ.
قِصَّةُ الحديثِ:
أوَّلُ مَنْ خَطَبَ في العيدِ قبلَ الصلاةِ مَرْوَانُ بنُ الحَكَمِ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فِعْلَهُ فَأَبَى، فَقَالَ أبو سعيدٍ الخُدْرِيُّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ..... وَذَكَرَ الحديثَ.
المفرداتُ:
(1) ((مَنْ رَأَى)): (مَنْ) شَرْطِيَّةٌ تَدُلُّ على أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في الإِنكارِ وُجُودُ المُنْكَرِ، فإِنْ لمْ يُوجَدْ فَلا يَجِبُ إِنْكَارُهُ؛ لأنَّ افْتِعَالَ الشيءِ معَ عَدَمِ وُجُودِهِ تَكَلُّفٌ، وَليسَ الدِّينُ افْتِرَاضاً وَإِنَّمَا هوَ عَمَلٌ.
((رَأَى))؛ أيْ: أَبْصَرَ بِعَيْنَيْهِ وَشَاهَدَ بها هذا المنكرَ، وَهذا فيهِ زيادةُ تَأْكِيدٍ على التَّثَبُّتِ في هذهِ الأمورِ لِتُؤْتِيَ ثِمَارَهَا.
وَالرُّؤْيَةُ رُؤْيَتَانِ:
بَصَرِيَّةٌ: وَتَشْتَرِكُ فيها جَمِيعُ المخلوقاتِ، وَهيَ بالعَيْنَيْنِ.
وَقَلْبِيَّةٌ: وَتُسَمَّى بَصِيرةً أَوْ رُؤْيَةً عِلْميَّةً يَقِينِيَّةً، وَهذهِ للمؤمنينَ الذينَ يُؤْمِنُونَ بالغيبِ، وَيَمْتَثِلُونَ أَوَامِرَ اللَّهِ وَيَعْمَلُونَ بها؛ وَلِذَا يَعْمَلُونَ للآخرةِ كَأَنَّمَا يَرَوْنَهَا. فتَكُونُ الرؤيَةُ بَصَرِيَّةً بالبَصَرِ، أَوْ عِلْمِيَّةً بالعلمِ اليَقِينِيِّ بإِخبارِ الثِّقَاتِ.
((مِنْكُمْ)): أيْ مِنْ أُمَّةِ الإِجابةِ الذينَ يُطَبِّقُونَ الأوامرَ، وَيَتْرُكُونَ النَّوَاهِيَ، وَيَدْعُونَ إِلى العملِ الذي عَمِلُوهُ فَهُمْ قُدْوَةٌ، وَلا يَأْمُرُونَ بالشَّيْءِ الذي يَتْرُكُونَهُ، وَلا يَنْهَوْنَ عَنْ شيءٍ يَقَعُونَ فيهِ. قَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصفِّ: 2]، وَقالَ: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ.....} [البقرة 44].
وَفي الحديثِ: ((يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلانُ، أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: كُنْتُ آمُرُكُمْ وَلا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ وَآتِيهِ)) الحديثَ.
وَ((مَنْ)) أَقْرَبُ للبَيَانِ؛ إِذْ يُبَيِّنُ مِمَّنْ يَكُونُ الرَّأْيُ.
((مُنْكَراً)): المُنْكَرُ: ضِدُّ المعروفِ، فهوَ ما عُرِفَ قُبْحُهُ شَرْعاً وَعُرْفاً، وَيَشْمَلُ تَرْكَ الأوامرِ وَالوقوعَ في النواهيِ؛ لأنَّها مُنْكَرٌ بهذهِ الصورةِ. فَتَرْكُ الأوامرِ مِثْلُ تَرْكِ الصلاةِ في المسجدِ أَوْ تَرْكِهَا بالكُلِّيَّةِ، وَالوقوعُ في النواهيِ مِثْلُ شُرْبِ الخمرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهَا، وَسُمِّيَ مُنْكَراً؛ لأنَّ العقولَ وَالفِطَرَ تُنْكِرُهُ وَتَأْبَاهُ.
ويُشْتَرَطُ في المُنْكِرِ أُمُورٌ، وَهيَ:
1- الإِسلامُ.
2- التكليفُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عَنْ غيرِ المُكَلَّفِ.
3- الاستطاعةُ، وَهيَ الواردةُ في الحديثِ.
4- العَدَالَةُ.
5- وجُودُ المُنْكَرِ ظَاهِرا.
6- العِلْمُ بِمَا يُنْكِرُ وَبِمَا يَأْمُرُ.
((فَلْيُغَيِّرْهُ)): الفاءُ وَاقعةٌ في جوابِ الشرطِ، وَ(اللامُ) لامُ الأمرِ، وَالأمرُ يَقْتَضِي الوُجُوبَ لِعَدَمِ وُجُودِ صارِفٍ يَصْرِفُهُ عَن الوجوبِ.
((يُغَيِّرْهُ))؛ أيْ: يُحَوِّلْهُ وَيُبَدِّلْهُ مِنْ صُورَتِهِ التي هوَ عليها إِلى صورةٍ أُخْرَى حَسَنَةٍ، وَالقصدُ تَغْيِيرُ تَرْكِ الأمرِ إِلى فِعْلِهِ، وَفِعْلِ النهيِ إِلى تَرْكِهِ، وَهكذا. وَالتغييرُ إِصلاحٌ وَحِفْظٌ وَأَمْنٌ وَثوابٌ وَطاعةٌ.
(2) ((بِيَدِهِ)): اليدُ تُطْلَقُ على الجارحةِ وَيُرَادُ بها اليُمْنَى وَاليُسْرَى، وَهيَ مِنْ رُؤُوسِ الأصابعِ إِلى الكَتِفِ، وَخُصَّتْ؛ لأنَّها قُوَّةُ الإِنسانِ في الأخذِ وَالعطاءِ وَالكفِّ وَالمُدَافَعَةِ، وَجَسَدٌ بلا يَدٍ كَخَشَبَةٍ مُتَحَرِّكَةٍ، وَإِنْكَارُ المُنْكَرِ باليدِ مِنْ قِبَلِ وَلِيِّ الأمرِ صَاحِبِ السُّلْطَةِ لِقُوَّتِهِ وَهَيْبَتِهِ، وَالأبِ على أَوْلادِهِ، وَالسَّيِّدِ على عَبْدِهِ، وَهذا الإِنكارُ هوَ أَقْوَى دَرَجَاتِ الإِنكارِ؛ لأنَّهُ إِزالةٌ للمُنْكَرِ بالكُلِّيَّةِ وَزَجْرٌ عنهُ.
ولا يَكُونُ هذا التَّغْيِيرُ مِمَّنْ لا يَمْلُكُ سُلْطَةً؛لِتَرَتُّبِ المفاسدِ العظيمةِ على ذلكَ؛ إِذْ قدْ يُنْكِرُ مُنْكَراً فَيَقَعُ فيما هوَ أَنْكَرُ، وَليسَ ذلكَ مِن الحكمةِ.
وَقدْ عُلِّقَ الإِنكارُ باليدِ على الاستطاعةِ، وَهذهِ الدرجةُ الأُولَى لِوَلِيِّ الأمرِ في الولايَةِ العامَّةِ وَالخاصَّةِ.
(3) ((فإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ)): هذهِ الدرجةُ الثانيَةُ مِنْ دَرَجَاتِ تَغْيِيرِ المنكرِ، وَهوَ التغييرُ باللسانِ عندَ مَنْ لا يَمْلِكُ سُلْطَةً، وَهذا التغييرُ بالقولِ مِنْ تَذْكِيرٍ وَتَرْغِيبٍ وَتَرْهِيبٍ، وَهوَ في مَقْدُورِ أهلِ العلمِ الذينَ همْ أَئِمَّةُ العقولِ وَالأفكارِ، وَلا يُعْذَرُ عنهُ إِلاَّ مَنْ لا يَمْلِكُ القُدْرَةَ الكلاميَّةَ، أَوْ لا يَسْتَطِيعُ التَّغْيِيرَ لوجودِ موانعَ تَمْنَعُهُ، وَحاجَةُ الناسِ لِهَذِهِ المَرْتَبَةِ شَدِيدَةٌ جِدًّا؛ لكثرةِ الأخطاءِ، وَوُجُودِ الغَفْلَةِ وَقَسْوَةِ القُلُوبِ وَكَثْرَةِ الفِتَنِ وَانْغِمَاسِ الناسِ في الدنيا وَنِسْيَانِ الآخرةِ.
(4) ((فإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ)): هذهِ الدرجةُ الثالثةُ لِتَغْيِيرِ المُنْكَرِ، وَهيَ وَاجبةٌ على الجميعِ؛ إِذْ هيَ تَغْيِيرٌ دَاخِلِيٌّ لا يَتَعَدَّى صَاحِبَهَا، وَهيَ تَأَلُّمُ القلبِ لهذا المنكرِ وَكَرَاهِيَتُهُ لهُ وَلأهلِهِ وَتَمَنِّي زِوَالِهِ وَالدُّعاءُ لِصَاحِبِهِ بالسلامةِ منهُ، وَهذهِ أَضْعَفُ درجةٍ؛ إِذْ لَيْسَ بَعْدَهَا شَيْءٌ مِن الإِيمانِ.
(5) ((وذلكَ أَضْعَفُ الإِيمانِ)): سُمِّيَت الدرجةُ الثالثةُ ضَعْفاً؛ لأنَّ كَتْمَ الإِنكارِ وَعَدَمَ إِظْهَارِهِ يَدُلُّ على الضعفِ وَعَدَمِ وُجُودِ الغَيْرَةِ، وَالكراهيَةُ لهذا المُنْكَرِ يَدُلُّ على الإِيمانِ.
وَنَجِدُ مَرَاحِلَ الدعوةِ قدْ مَرَّتْ بهذهِ المراحلِ، فقدْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ وَالدعوةُ سِرِّيَّةٌ، ثمَّ بِلِسَانِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ بِمَكَّةَ، ثمَّ بِيَدِهِ وَالدعوةُ جَهْرِيَّةٌ في المدينةِ.
الفوائِدُ:
1- أَهَمِّيَّةُ الأمرِ بالمعروفِ وَالنَّهْيِ عَن المُنْكَرِ.
2- وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ.
3- التَّأَكُّدُ مِنْ وُجودِ المُنْكَرِ عندَ إِنكارِهِ.
4- بيَاَنُ مَرَاتِبِ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ.
5- عَدَمُ صلاحِ المجتمعِ إِلاَّ بِزَوَالِ المُنْكَرِ.
6- يَجِبُ على الإِمامِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باليدِ.
7- التَّمْكِينُ في الأرضِ بالسلامةِ مِن المُنْكَرِ.
8- المُؤْمِنُ القَوِيُّ خَيْرٌ مِن المُؤْمِنِ الضَّعِيفِ.
9- يَجِبُ على العُلَمَاءِ تَغْيِيرُ المُنْكَرِ باللسانِ.
10- اللسانُ أَحَدُ مُوجِبَاتِ الجَنَّةِ.
11- التَّقْوَى على الاسْتِطَاعَةِ.
12- المُجْتَمَعُ المُسْلِمُ مُجْتَمَعٌ صحيحٌ.
13- وُجُوبُ إِنكارِ المنكرِ بالقلبِ لِمَنْ لمْ يَسْتَطِعْ باللِّسَانِ.
14- سلامةُ القلبِ مَنْعٌ للآثامِ.
15- زيادةُ الإِيمانِ وَنُقْصَانُهُ.

هيئة الإشراف

#5

23 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح


قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (

(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:

هذا الحديثُ عظيمُ الشَّأنِ؛ لأنَّهُ نصَّ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ، وهذا كما قالَ النَّوويُّ: (بابٌ عظيمٌ به قِوَامُ الأمرِ ومِلاكُهُ، وإذا كثُرَ الخبثُ، عمَّ العقابُ الصَّالحَ والطَّالحَ، وإذا لم يأخذُوا علَى يدِ الظَّالمِ أوشكَ أنْ يعمَّهُم اللهُ بعذابٍ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، فيَنْبَغِي لطالبِ الآخرةِ، السَّاعِي في تحصيلِ رضَى اللهِ عزَّ وجلَّ، أن يعتنيَ بهذا البابِ، فإنَّ نفعَهُ عظيم) اهـ.

سببُ إيرادِ أبي سعيدٍ للحديثِ:
عن طارقِ بنِ شهابٍ قالَ: أوَّلُ مَن بدأَ بالخطبةِ يومَ العيدِ قبلَ الصَّلاةِ مَروانُ، فقامَ إليهِ رجلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخطبةِ، فقالَ: قد تُرِكَ ما هنالِكَ.
فقالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا فقد قَضَى ما عليهِ، سمعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ثمَّ ذكرَ الحديثَ.
وفي روايَةِ البخاريِّ أنَّ الَّذِي أنكرَ علَى مروانَ، أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ.

فقالَ أبو سعيدٍ: فلم يزلِ النَّاسُ علَى ذلك حتَّى خرجْتُ مع مَرْوانَ وهو أميرُ المدينةِ في أضحًى أو فطرٍ، فلمَّا أتيْنَا المصلَّى إذا منبرٌ بناهُ كُثَيِّرُ بنُ الصَّلْتِ، فإذا مَرْوانُ يريدُ أن يرتقيَهُ قبلَ أن يصلِّيَ فجبذْتُهُ بثوبِهِ فجبذَنِي، فارتفعَ فخطبَ قبلَ الصَّلاةِ، فقلْتُ له: غيَّرْتُم واللهِ، فقالَ: أبا سعيدٍ، قد ذهبَ ما تَعْلَمُ.
فقلْتُ: ما أَعْلَمُ واللهِ خيرٌ ممَّا لا أَعْلَمُ.

فقالَ: إنَّ النَّاسَ لم يكونُوا يجلسُونَ لنا بعدَ الصَّلاةِ فجعلْتُهَا قبلَ الصَّلاةِ.
والجمعُ بينَ الرِّوايتينِ: فيُحتملُ أن الرَّجلَ أنكرَ بلسانِهِ وحاولَ أبو سعيدٍ أنْ يُنْكِرَ بيدِهِ، ويُحتملُ تَعدُّدُ الواقعةِ.
قالَ النَّوويُّ: فيحتملُ إنَّهُما قصَّتانِ إحداهُمَا لأبي سعيدٍ، والأخرَى للرَّجلِ بحضرةِ أبي سعيدٍ.
وقالَ الحافظُ: يُحتملُ أن تكونَ القصَّةُ تَعدَّدَتْ، ويَدُلُّ علَى ذلك المغايَرةُ الواقعةُ بين رِوايتي عِيَاضٍ ورجاءٍ، ففي روايَةِ عِيَاضٍ أنَّ المنبرَ بُنِي بالمصلَّى، وفي روايَةِ رجاءٍ أنَّ مَرْوانَ أخرجَ الْمِنْبَرَ معَهُ، فلعلَّ مَرْوانَ لمَّا أَنْكَرُوا عليهِ إخراجَ الْمِنْبَرِ، تَرَكَ إخراجَهُ بعدُ، وأَمَرَ ببنائِهِ مَن لَبِنٍ وطينٍ بالمصلَّى، ولا بُعدَ في أن يُنكَرَ عليهِ تقديمُ الخطبةِ علَى الصَّلاةِ مرَّةً بعدَ أخرَى، ويدلُّ علَى التَّغايُرِ أيضًا أنَّ إنكارَ أبي سعيدٍ وقعَ بينَهُ وبينَهُ، وإنكارَ الآخرِ وقعَ علَى رءُوسِ النَّاسِ.
حكمُ إنكارِ المنكَرِ: إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ له حالتانِ:
1 - فرضُ كفايَةٍ:

قالَ تعالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

قالَ ابنُ كثيرٍ في تفسيرِ هذه الآيَةِ: (والمقصودُ مَن هذه الآيَةِ أن تكونَ فرقةٌ مَن الأمَّةِ متصدِّيَةً لهذا الشَّأنِ) اهـ.
وقالَ ابنُ العربيِّ في تفسيرِهِ لهذه الآيَةِ: (في هذه الآيَةِ والَّتي بعدَهَا - يعني {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ…} - دليلٌ علَى أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ فرضُ كفايَةٍ، ومن الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكرِ نصرةُ الدِّينِ بإقامةِ الحجَّةِ علَى المخالِفينَ) اهـ.
فيجبُ علَى إمامِ المسلمينَ أن يفرِّغَ مجموعةً مَن النَّاسِ، ممَّن لديهم الكفاءةُ والاستعدادُ لهذه المهمَّةِ، وذلك أنَّ هناك مَن المنكرِ ما لا يقوَى علَى تغييرهِ إلاَّ فئةٌ معيَّنةٌ مَن النَّاسِ لديها مِن العلمِ والفهمِ والحكمةِ في معالجتِهِ، مثلُ الردِّ علَى الفرقِ الباطنيَّةِ وفضحِهَا وإبطالِ معتقداتِهَا، كذلك بيانُ ما يستجدُّ مِن الأمورِ المحظورةِ وخاصَّةً في المعاملاتِ، فإذا قامتْ هذه الهيئةُ بواجبِهَا سقطَ عن الباقينَ.

2 - فرضُ عينٍ:

(2) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ))، دلَّ عمومُ هذا الحديثِ علَى وجوبِ إنكارِ المنكَرِ علَى كلِّ فردٍ مستطيعٍ علمَ بالمنكرِ أو رآهُ.
قالَ القاضي ابنُ العربيِّ: (وقد يكونُ فرضَ عينٍ إذا عرفَ المرءُ مَن نفسِهِ صلاحيَّةَ النَّظرِ والاستقلالِ بالجدالِ، أو عُرِفَ ذلك منه)اهـ.

وقالَ ابنُ كثيرٍ: وإن كانَ ذلك واجبًا علَى كلِّ فردٍ مِن الأمَّةِ بِحَسْبِهِ كما ثبَتَ في (صحيحِ مسلمٍ): عن أبي هُريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ…))، ثمَّ ساقَ الحديثَ.
وقالَ النَّوويُّ: ثمَّ إنَّهُ قد يَتعيَّنُ - يعني: الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكَرِ - كما إذا كانَ في موضِعٍ لا يَعلمُ به إلاَّ هو، أو لا يتمكَّنُ مِن إزالتِهِ إلاَّ هو، وكمن يرَى زوجتَهُ أو ولدَهُ أو غلامَهُ علَى منكرٍ أو تقصيرٍ في معروفٍ.
تَفاوتُ مسئوليَّةِ النَّاسِ في إنكارِ المنكَرِ: تَقدَّمَ أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ أوجبَ علينا جميعًا الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ حَسْبَ القدرةِ، ولكنْ ممَّا يَنْبَغِي التَّنبيهُ عليهِ أنَّ النَّاسَ يَتفاوتُونَ في هذا الواجبِ، فالمسلمُ العامِّيُّ عليهِ القيامُ بهذا الواجبِ حسبَ قدرتِهِ وطاقتِهِ، فيَأمرُ أهلَهُ وأبناءَهُ ما يعلمُ مَن أمورِ الدِّينِ الَّتي يَسْمَعُهَا علَى المنابرِ وفي دروسِ الوعظِ.
والعلماءُ عليهِمْ مَن الواجبِ ما ليسَ علَى غيرِهِم، وذلك أنَّهُمْ ورثةُ الأنبياءِ، فإذا تساهلُوا بهذهِ المهمَّةِ دخلَ النَّقصُ علَى الأمَّةِ، كما حدثَ لبني إسرائيلَ.
وأمَّا واجبُ الحكَّامِ في هذه المهمَّةِ فعظيمٌ؛ لأنَّ بيدِهِم الشَّوكةَ والسُّلطانَ الَّتي يرتدِعُ بها السَّوادُ الأعظمُ مَن النَّاسِ عن المنكرِ؛ لأنَّ الَّذينَ يتأثَّرونَ بالوعظِ قلَّةٌ.
وتقصيرُ الحكَّامِ بهذه المهمَّةِ طامَّةٌ كبرَى، حيثُ بسببِ ذلك يفشُو المنكَرُ، ويَجترِئُ أهلُ الباطلِ والفسوقِ بباطلِهِم علَى أهلِ الحقِّ والصَّلاحِ.
إنكارُ المنكَرِ بالقلبِ:
(3) قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))

إنكارُ المنكَرِ باليدِ واللسانِ سواءٌ كانَ فرضًا عينيًّا أو فرضَ كفايَةٍ يكونُ علَى حسبِ القدرةِ والاستطاعةِ، أمَّا إنكارُ المنكرِ بالقلبِ فمنَ الفروضِ العينيَّةِ الَّتي لا تسقطُ مهما كانتِ الحالُ، فالقلبُ الَّذي لا يعرفُ المعروفَ ولا يُنكِرُ المنكَرَ قلبٌ خرِبٌ خاوٍ مِن الإِيمانِ.
سمعَ ابنُ مسعودٍ رجلا يقولُ: هلَكَ مَن لم يأمُرْ بالمعروفِ ولم ينهَ عن المنكرِ؛ فقالَ ابنُ مسعودٍ: ((هلكَ مَن لم يعرفْ بقلبِهِ المعروفَ والمنكرَ))، يقصدُ رَضِي اللهُ عَنْهُ: معرفةُ المنكرِ والمعروفِ بالقلبِ واجبٌ لا يسقطُ عن أحدٍ، أمَّا باللسانِ واليدِ فوفقَ الاِستطاعةِ.

والرِّضَا بالمنكرِ مِن أقبحِ الذُّنوبِ والخطايا، ولا تبرأُ ذمَّةُ العبدِ بالإِنكارِ بالقلبِ حتَّى يعجزَ عن الإنكارِ باليدِ أو اللسانِ بسببِ ضرٍّ يلحقُهُ في بدنِهِ أو مالِهِ، ولا طاقةَ له علَى تحمُّلِ ذلك.
وإنكارُ المنكرِ بالقلبِ قليلُ الثَّمرةِ، بعكسِ التَّغييرِ باليدِ أو اللسانِ فإنَّهُ عظيمُ الفائدةِ.
فهمٌ خاطئٌ: يُخطِئُ كثيرٌ مَن المسلمينَ في فهم هذه الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فيُبرِّرونَ عجزَهُم وتقصيرَهُم في إنكارِ المنكرِ بها، ولقدَ قوَّمَ الصِّدِّيقُ -رَضِي اللهُ عَنْهُ - فهْمَ هؤلاءِ حيثُ قالَ: (يا أيـُّها النـَّاسُ، إنَّكُم تقرءونَ هذه الآيَةَ وتضعونَهَا علَى غيرِ مواضعِهَا، {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتَمْ}، وإنَّا سمعْنَا النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)).

وقالَ النَّوويُّ: الْمَذهبُ الصَّحيحُ عندَ المحقِّقينَ في معنَى الآيَةِ: (إنـَّكم إذا فعلتـُمْ ما كُلِّفْتُم به فلا يضرُّكُمْ تقصيرُ غيرِكُمْ)، مثلُ قولِهِ: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
وإذا كانَ كذلِكَ: فممَّا كُلِّفَ به الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المنكرِ، فإذا فعلَهُ ولم يمتثلِ المخاطَبُ فلا عتبَ بعدَ ذلك علَى الفاعِلِ، لكونِهِ أدَّى ما عليهِ، فإنَّمَا عليهِ الأمرُ والنَّهيُ لا القبولُ، واللهُ أعلمُ.
إنكارُ المنكَرِ الظَّاهرِ المعلومِ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا))
يدلُّ الحديثُ أنَّ المنكَرَ الَّذي أُمِرْنَا بإنكارِهِ ما كانَ معلومًا ظاهرًا، وليسَ للآمرِ البحثُ والتَّفتيشُ والتَّجسُّسُ وتَسَوُّرُ جدرانِ البيوتِ واقتحامُهَا بحجَّةِ البحثِ عن المنكَرِ، لذلك أنكرَ العلماءُ مثلَ هذا، مثلُ سفيانَ الثَّوريِّ وغيرِهِ.
إنكارُ المنكَرِ الْمُجْمَعِ عليهِ: المنكَرُ الَّذي يجبُ علينا إزالتُهُ ما كان مجمَعًا عليهِ بينَ المسلمينَ علَى أنَّهُ منكَرٌ، مثلُ: الرِّبا، والزِّنَا، وشربِ الخمرِ، والتَّبَرُّجِ، وتركِ الصَّلاةِ، وغيرِهَا.

أمَّا الأمورُ الَّتي اختلفَ العلماءُ في حرمتِهَا أو وجوبِهَا، فإنْ كانَ الخلافُ فيها ضعيفًا والحجَّةُ لمَنْ قالَ بالحرمةِ، فإنَّ مثلَ هذا يُنكَرُ علَى فاعلِهِ.
وإنْ كانَ الخلافُ قويًّا والتَّرجيحُ صعبًا لا يقوَى عليهِ إلاَّ الجهابذةُ مَن العلماءِ فمِثلُ هذا - واللهُ أعلمُ - لا يُنكَرُ علَى فاعلِهِ.
دوافعُ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ:
للأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المنكَرِ دوافعُ كثيرةٌ منها:
1 - كسبُ الثَّوابِ والأجرُ، وذلك أنَّ مَن دلَّ النَّاسَ علَى المعروفِ وقامُوا به يكونُ له مثلُ أجورِهِم مِن غيرِ أن ينقصَ مِن أجورِهِم شيءٌ، قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)).

2 - خشيَةُ عقابِ اللهِ، وذلك أنَّ المنكرَ إذا فشَا في أمَّةٍ تكونُ بذلك مهدَّدَةً بنزولِ عقابِ اللهِ عليها، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)).
3 - الغضبُ للهِ، مَن خصالِ الإيمانِ الواجبةِ، وسبقَ ذكرُ غضبِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للهِ أثناءَ شرحِ الحديثِ السَّادسَ عشرَ.
4 - النُّصحُ للمؤمنينَ والرَّحمةُ بهم رجاءَ إنقاذِهِم.
إذا وقعَ العبدُ في المنكرِ يكونُ بذلك عرَّضَ نفسَهُ لعقابِ اللهِ وغضبِهِ، لذلك وجبَ علَى المسلمِ أن ينقذَ أخاهُ مَن عقابِ اللهِ وغضبِهِ، وذلك بنهيِهِ عن المنكرِ الَّذِي وقعَ فيهِ، وهذا مِن أعظمِ الرَّحمةِ بهِ، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)).
5 - إجلالُ اللهِ وإعظامُهُ ومحبَّتُهُ.
اللهُ عزَّ وجلَّ أهلُ التَّقوَى وأهلٌ أنْ يُطَاعَ ويعظَّمَ، وذلك بإقامةِ أوامرِهِ بينَ العبادِ، والنَّهيِ مِن الوقوعِ في حدودِهِ؛ لأنَّ الواقعَ في المنكرِ مجترئٌ علَى ربِّهِ عزَّ وجلَّ، فيجبُ علَى المسلمينَ أن يفدُوا اللهَ بالغالي والنَّفيسِ لإقامةِ أمرِهِ في النَّاسِ، كما فعلَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقد أوذِيَ في سبيلِ اللهِ ولم يُؤْذَ أحدٌ مثلَ أذاهُ، وهكذا ضحَّى أنبياءُ اللهِ السَّابقينَ.
عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: كأنِّي أنظرُ إلَى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحكي نبيًّا مَن الأنبياءِ صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ، ضربَهُ قومُهُ فأَدْمَوْهُ وهو يَمسحُ الدَّمَ عن وجهِهِ ويقولُ: ((اللهمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)).

مُراعاةُ الحكمةِ بإنكارِ المنكَرِ والأمرِ بالمعروفِ:
قالَ تَعالَى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}، ومِن الحكمةِ مراعاةُ حالِ المأمورِ، ففي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مِن اللينِ والمداراةِ والرِّفقِ، كما قالَ تَعالَى: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}، وفي بعضِ الأحيانِ لا بدَّ مَن الغلظةِ والقسوةِ، كما قالَ تَعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}، وقالَ تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}

لذلكَ يَجِبُ علَى مَن يتصدَّى لهذهِ المهمَّةِ أن يلمَّ بصفاتٍ معيَّنَةٍ، كما قالَ سفيانُ الثَّوريُّ: (لا يأمرُ بالمعروفِ ولا ينهَى عن المنكرِ إلاَّ مَن كانَ فيهِ ثلاثُ خصالٍ: رَفِيقٌ بما يأمرُ رفيقٌ بما ينهَى، عدلٌ بما يأمرُ وعدلٌ بما يَنهَى، عالمٌ بما يأمرُ عالمٌ بما ينهَى).
وقالَ أحمدُ: (يأمرُ بالرِّفقِ والخضوعِ، فإن أسمعُوهُ ما يكرَهُ لا يغضَبُ، فيكونَ يريدُ أن ينتصرَ لنفسِهِ).

وقالَ أحمدُ كذلك: (النَّاسُ محتاجُونَ إلَى مداراةٍ ورفقٍ، والأمرُ بالمعروفِ بلا غلظةٍ، إلاَّ رجلٌ معلِنٌ بالفسقِ، فلا حرمةَ لهُ).
كذلك ممَّا يَنْبَغِي مراعاتُهُ أن يكونَ الأمرُ أو الإنكارُ بانفرادٍ وبالسِّرِّ؛ لأنَّ هذا يؤدِّي لقبولِ النَّصيحةِ.

قالَ الإمامُ الشَّافعيُّ: (مَنْ وعظَ أخاهُ سرًّا فقدْ نصحَهُ وزانَهُ، ومَن وعظَهُ علانيَةً فقدْ فضحَهُ وعابَهُ).
أن يكونَ الآمرُ قدوةً للآخرينَ: حتَّى يوفَّقَ الآمرُ في مهمَّتِهِ يجبُ عليهِ أن يكونَ قدوةً للآخرينَ، فإذا أمرَ بالمعروفِ كانَ أوَّلَ الممتثلِينَ له، وإذا نَهَى عن منكرٍ كانَ مِن أبعدِ النَّاسِ عنه؛ لأنَّ اللهَ يمقُتُ الآمرَ الَّذِي يقعُ في ما ينكِرُهُ علَى الآخرينَ، قالَ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ}.
ولكنَّ هذا لا يعني أنَّ مَنْ كانَ مقصِّرًا في امتثالِهِ لأوامرِ اللهِ أن يدعَ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ؛ لأنَّ اللهَ أنكرَ عليهِمْ مخالفةَ قولِهِم لفعلِهِمْ ولم ينكرْ عليهِمُ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكَرِ، قالَ النَّوويُّ: قالَ العلماءُ: ولا يُشْتَرَطُ في الآمرِ والنَّاهِي أن يكونَ كاملَ الحالِ ممتثلا ما يأمرُ به، مجتنِبًا ما نهَى عنه، بل عليهِ الأمرُ وإن كان مخلاًّ بما يأمرُ بهِ، والنَّاهي وإن كان متلبِّسًا بما ينهَى عنه فإنَّهُ يجبُ عليهِ شيئانِ: أن يأمرَ نفسَهُ وينهاهَا، ويأمرَ غيرَهُ وينهَاهُ، فإذا أخلَّ بأحدِهِما كيفَ يُبَاحُ له الإخلالُ بالآخرِ؟!.
خطرُ تركِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكَرِ:

إذا قصَّرَ المسلمونَ حكَّامًا ومحكومين في هذه المهمَّةِ، شاعتِ الفاحشةُ، وعمَّتِ الرَّذيلةُ، وتسلَّطَ الفجَّارُ علَى الأخيارِ، ويصبحُ الحقُّ باطلاً والباطلُ حقًّا، وبهذا تُعَرِّضُ الأمَّةُ نفسَهَا إلَى:
1 - الطَّردِ مَن رحمةِ اللهِ كما طردَ اللهُ أهلَ الكتابِ مِن رحمتِهِ عندَما تَرَكُوا هذه المهمَّةَ، قالَ تَعالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}

2 - الهلاكِ في الدُّنيا، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)).
3 - عدمِ استجابةِ الدُّعاءِ، عن حذيفةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((وَالـَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلاَ يَسْتَجِيبُ لكُمْ)).
فوائدُ مَن الحديثِ:
1 - يدلُّ الحديثُ أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهيَ عن المنكرِ مِن خصالِ الإيمانِ، لذلك أخرجَ مسلمٌ هذا الحديثَ في كتابِ الإيمانِ، بابُ بيانِ كونِ النَّهي عن المنكرِ مِن الإيمانِ.
2 - مَن قدرَ علَى خصلةٍ مِن خصالِهِ وقامَ بها كانَ خيرًا ممَّنْ تركَهَا عجزًا وإن كانَ معذورًا في ذلك، فالمرأةُ مثلا معذورةٌ في تركِ الصَّلاةِ أثناءَ الحيضِ، ومعَ ذلك عَدَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذلك نقصانًا في دينِهَا.
3 - مَن خافَ علَى نفسِهِ الضَّربَ أو القتلَ، أو خافَ علَى مالِهِ الضَّياعَ، سقطَ عنهُ التَّغييرُ باليدِ واللسانِ.
4 - كما فيهِ أنَّ الصَّلاةَ قبلَ الخطبةِ يومَ العيدِ، وهذا ما عليهِ سلفُ الأمَّةِ.
5 - في الحديثِ دَلالةٌ علَى جهادِ الحكَّامِ باليدِ، مثلُ ما فعل أبو سعيدٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، مثلُ أن يريقَ خمورَهُم، ويكسِّرَ آلاتِ اللهوِ الَّتي لهم، أمَّا الخروجُ عليهِمْ بالسَّيفِ فهذا لا يَجوزُ، لثبوتِ الأحاديثِ النَّاهيَةِ عن ذلِكَ.

هيئة الإشراف

#6

23 Nov 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ: عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ منْ روايَةِ قَيْسِ بنِ مُسْلِمٍ، عنْ طارقِ بنِ شهابٍ، عنْ أبي سعيدٍ.

ومنْ روايَةِ إِسماعيلَ بنِ رَجَاءٍ، عنْ أبيهِ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ. وعندَهُ في حديثِ طارقٍ قالَ: أَوَّلُ مَنْ بَدَأَ بالخُطْبَةِ يَوْمَ العيدِ قَبْلَ الصَّلاةِ مَرْوَانُ، فقامَ إليهِ رَجُلٌ فقالَ: الصَّلاةُ قبلَ الخُطْبَةِ، فقالَ: قدْ تُرِكَ ما هُنَالِكَ، فَقَالَ أبو سعيدٍ: أمَّا هذا، فقدْ قَضَى ما عليهِ، ثمَّ رَوَى هذا الحديثَ.
وقدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ.

فَخَرَّجَ مُسْلِمٌ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ: عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي، إِلا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوارِيُّونَ وَأَصْحابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)).
ورَوَى سالمٌ المُرَادِيُّ عنْ عمرِو بنِ هَرِمٍ، عنْ جابرِ بنِ زيدٍ، عنْ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((سَيُصِيبُ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ بَلاءٌ شَدِيدٌ مِنْ سُلْطَانِهِمْ، لا يَنْجُو مِنْهُ إِلا رَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ وَقَلْبِهِ، فَذَلِكَ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ السَّوَابِقُ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَصَدَّقَ بِهِ، وَلِلأَوَّلِ عَلَيْهِ سَابِقَةٌ، وَرَجُلٌ عَرَفَ دِينَ اللَّهِ فَسَكَتَ، فَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِخَيْرٍ أَحَبَّهُ عَلَيْهِ، وَإِنْ رَأَى مَنْ يَعْمَلُ بِبَاطِلٍ أَبْغَضَهُ عَلَيْهِ، فَذَلِكَ الَّذِي يَنْجُو عَلَى إِبْطَائِهِ)). وهذا غَرِيبٌ، وإسنادُهُ مُنْقَطِعٌ.

وخرَّجَ الإِسْمَاعِيلِيُّ منْ حديثِ أبي هارونَ العَبْدِيِّ - وهوَ ضَعِيفٌ جِدًّا - عنْ مَوْلًى لِعُمَرَ، عنْ عُمَرَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((تُوشِكُ هَذِهِ الأُمَّةُ أَنْ تَهْلِكَ إِلا ثَلاثَةَ نَفَرٍ: رَجُلٌ أَنْكَرَ بِيَدِهِ وَبِلِسَانِهِ وَبِقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِيَدِهِ، فَبِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ، فَإِنْ جَبُنَ بِلِسَانِهِ وَبِيَدِهِ فَبِقَلْبِهِ)).
وخرَّجَ أيضًا منْ روايَةِ الأَوْزَاعِيِّ عنْ عُمَيْرِ بنِ هانئٍ، عنْ عَلِيٍّ، سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((سَيَكُونُ بَعْدِي فِتَنٌ لا يَسْتَطِيعُ الْمُؤْمِنُ فِيهَا أَنْ يُغَيِّرَ بِيَدٍ وَلا بِلِسَانٍ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قالَ: ((يُنْكِرُونَهُ بِقُلُوبِهِمْ))، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ يَنْقُصُ ذَلِكَ إِيمَانَهُمْ شَيْئًا؟ قالَ: ((لا، إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْقَطْرُ مِنَ الصَّفَا)). وهذا الإسنادُ مُنْقَطِعٌ. وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ مَعْنَاهُ منْ حديثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ عَن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
فَدَلَّتْ هَذِهِ الأحاديثُ كُلُّها على وُجُوبِ إنكارِ المُنْكَرِ بِحَسَبِ القُدْرَةِ عليهِ، وأنَّ إِنْكَارَهُ بِالقَلْبِ لا بُدَّ منهُ، فمَنْ لمْ يُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ دَلَّ على ذَهَابِ الإِيمانِ مِنْ قَلْبِهِ.
وقدْ رُوِيَ عنْ أبِي جُحَيْفَةَ قالَ: قالَ عَلِيٌّ: (إنَّ أَوَّلَّ مَا تُغْلَبُونَ عليهِ مِن الجِهادِ: الْجِهَادُ بِأَيْدِيكُمْ، ثُمَّ الجِهَادُ بِأَلْسِنَتِكُمْ، ثمَّ الجهادُ بِقُلُوبِكُم. فمَنْ لمْ يَعْرِفْ قَلْبُهُ المعروفَ، ويُنْكِرْ قَلْبُهُ المُنْكَرَ، نُكِسَ فجُعِلَ أَعْلاهُ أَسْفَلَهُ).

وَسَمِعَ ابنُ مسعودٍ رَجُلاً يقولُ: هَلَكَ مَنْ لَمْ يَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، ولمْ يَنْهَ عن المُنْكَرِ.

فقالَ ابنُ مسعودٍ: (هَلَكَ مَنْ لمْ يَعْرِفْ بِقَلْبِهِ المعروفَ والمُنْكَرَ).
يُشِيرُ إلى أنَّ مَعْرِفَةَ المعروفِ والمُنْكَرِ بالقَلْبِ فَرْضٌ لا يَسْقُطُ عنْ أحدٍ، فمَنْ لمْ يَعْرِفْهُ هَلَكَ.

وَأَمَّا الإِنكارُ باللسانِ واليدِ، فإنَّمَا يَجِبُ بِحَسَبِ الطاقةِ.
وقالَ ابنُ مسعودٍ: (يُوشِكُ مَنْ عَاشَ منكمْ أَنْ يَرَى مُنْكَرًا لا يَسْتَطِيعُ لهُ غيرَ أنْ يَعْلَمَ اللَّهُ منْ قَلْبِهِ أَنَّهُ لهُ كَارِه).
وفي (سُنَنِ أبي دَاوُدَ): عن العُرْسِ بنِ عَمِيرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)).

فَمَنْ شَهِدَ الخطيئةَ، فَكَرِهَهَا بِقَلْبِهِ، كانَ كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا إذا عَجَزَ عنْ إنكارِهَا بِلِسَانِهِ وَيَدِهِ.
ومَنْ غابَ عنها فَرَضِيَهَا كانَ كَمَنْ شَهِدَهَا وَقَدَرَ على إنكارِهَا ولم يُنْكِرْهَا؛ لأنَّ الرِّضَا بالخَطَايَا مِنْ أَقْبَحِ المُحَرَّمَاتِ، وَيَفُوتُ بهِ إنكارُ الخطيئةِ بالقلبِ، وهوَ فَرْضٌ على كُلِّ مسلمٍ، لا يَسْقُطُ عنْ أحدٍ في حالٍ مِن الأحوالِ.

وَخَرَّجَ ابنُ أبي الدُّنْيَا منْ حديثِ أبي هريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ حَضَرَ مَعْصِيَةً فَكَرِهَهَا فَكَأَنَّهُ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَأَحَبَّهَا فَكَأنَّهُ حَضَرَهَا)). وهذا مِثْلُ الذي قَبْلَهُ.
فَتَبَيَّنَ بهذا أنَّ الإِنكارَ بالقلبِ فَرْضٌ على كلِّ مسلمٍ في كلِّ حالٍ، وأمَّا الإِنكارُ باليدِ واللِّسَانِ فَبِحَسَبِ القُدْرَةِ، كَمَا في حديثِ أبي بكرٍ الصدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، ثُمَّ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا فَلا يُغَيِّرُوا، إِلا يُوشِكُ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)). خَرَّجَهُ أبو دَاوُدَ بهذا اللفظِ وقالَ: قالَ شُعْبَةُ فيهِ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ)).
وخَرَّجَ أَيْضًا منْ حديثِ جَرِيرٍ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِي قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، يَقْدِرُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلا يُغَيِّرُونَ، إِلا أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا)).

وَخَرَّجَهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ، وَلَفْظُهُ: ((مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي، هُمْ أَعَزُّ وَأَكْثَرُ مِمَّنْ يَعْمَلُهُ، فَلَمْ يُغَيِّرُوهُ، إِلا عَمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)).
وَخَرَّجَ أَيْضًا منْ حديثِ عَدِيِّ بنِ عَمِيرَةَ قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ حَتَّى يَرَوُا الْمُنْكَرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى أَنْ يُنْكِرُوهُ فَلا يُنْكِرُونَهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَذَّبَ اللَّهُ الْخَاصَّةَ وَالْعَامَّةَ)).
وَخَرَّجَ أَيْضًا هُوَ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ الْخُدْرِيِّ قالَ: سَمِعْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ: مَا مَنَعَكَ إِذَا رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ، فَإِذَا لَقَّنَ اللَّهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ قَالَ: يَا رَبِّ، رَجَوْتُكَ، وَفَرَقْتُ النَّاسَ)).
فأمَّا مَاخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ أيضًا، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ في خُطْبَتِهِ: ((أَلا لا يَمْنَعَنَّ رَجُلاً هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ)).
وَبَكَى أبو سعيدٍ وقالَ: (قَدْ واللَّهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا).
وَخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ، وَزَادَ فيهِ: ((فَإِنَّهُ لا يُقَرِّبُ مِنْ أَجَلٍ، وَلا يُبَاعِدُ مِنْ رِزْقٍ أَنْ يُقَالَ بِحَقٍّ أَوْ يُذَكَّرَ بِعَظِيمٍ)).
وكذلكَ خَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ وابنُ مَاجَهْ منْ حديثِ أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ))، قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قالَ: ((يَرَى أَمْرَ اللَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ، ثُمَّ لا يَقُولُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِيَّ كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ، فَيَقُولُ اللَّهُ: إِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى))
فهذانِ الحديثانِ مَحْمُولانِ على أنْ يكونَ المَانِعُ لهُ من الإِنكارِ مُجَرَّدَ الْهَيْبَةِ، دُونَ الخوفِ المُسْقِطِ للإِنكارِ.
قَالَ سَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ: قُلْتُ لابنِ عَبَّاسٍ: آمُرُ السُّلْطَانَ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْهَاهُ عَن الْمُنْكَرِ؟ قالَ: إنْ خِفْتَ أنْ يَقْتُلَكَ فلا. ثُمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مِثْلَ ذلكَ، ثمَّ عُدْتُ، فَقَالَ لِي مثلَ ذلكَ، وقالَ: إنْ كُنْتَ لا بُدَّ فَاعِلاً، فَفِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ.

وقالَ طَاوُوسٌ: أَتَى رَجُلٌ ابنَ عَبَّاسٍ فقالَ: ألا أَقُومُ إلى هذا السُّلْطَانِ فَآمُرَهُ وَأَنْهَاهُ؟ قالَ: لا تَكُنْ لهُ فِتْنَةً، قالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ أَمَرَنِي بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ؟ قالَ: ذلكَ الَّذي تُرِيدُ، فَكُنْ حِينَئِذٍ رَجُلاً.
وَقَدْ ذَكَرْنَا حديثَ ابنِ مسعودٍ الذي فيهِ: ((يَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ))، الحديثَ، وهذا يَدُلُّ على جهادِ الأمراءِ باليَدِ.
وقد اسْتَنْكَرَ الإِمامُ أحمدُ هذا الحديثَ في روايَةِ أبي دَاوُدَ وقالَ: هوَ خلافُ الأحاديثِ التي أَمَرَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فيها بالصَّبرِ على جَوْرِ الأَئِمَّةِ.
وقدْ يُجَابُ عنْ ذلكَ: بأنَّ التَّغْيِيرَ باليدِ لا يَسْتَلْزِمُ القتالَ، وقدْ نصَّ على ذلكَ أحمدُ أيضًا في روايَةِ صالحٍ فقالَ: التَّغْيِيرُ باليدِ ليسَ بالسَّيْفِ والسِّلاحِ، وحينئذٍ فَجِهَادُ الأُمَرَاءِ باليدِ أنْ يُزِيلَ بِيَدِهِ مَا فَعَلُوهُ مِن المُنْكَرَاتِ، مثلَ: أنْ يُرِيقَ خُمُورَهُمْ، أوْ يَكْسِرَ آلاتِ المَلاهِي التي لَهُم، ونحوِ ذلكَ، أوْ يُبْطِلَ بِيَدِهِ ما أَمَرُوا بهِ مِن الظُّلْمِ إنْ كانَ لهُ قُدرةٌ على ذلكَ، وكلُّ هَذَا جَائِزٌ، وَلَيْسَ هوَ منْ بابِ قِتَالِهِم، ولا مِن الخروجِ عليهم الذي وَرَدَ النَّهْيُ عنهُ، فإنَّ هذا أكثرُ ما يُخْشَى منهُ أنْ يُقْتَلَ الآمِرَ وحدَهُ.
وأمَّا الخروجُ عليهم بالسَّيفِ، فَيُخْشَى منهُ الفِتَنُ التي تُؤَدِّي إلى سَفْكِ دِمَاءِ المسلمينَ.
نَعَمْ، إنْ خَشِيَ في الإِقدامِ على الإِنكارِ على الملوكِ أنْ يُؤْذِيَ أَهْلَهُ أوْ جِيرَانَهُ، لم يَنْبَغِ لهُ التَّعَرُّضُ لهم حِينَئِذٍ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعَدِّي الأَذَى إلى غيرِهِ.
كذلكَ قالَ الفُضَيْلُ بنُ عِيَاضٍ وَغَيْرُهُ. ومعَ هذا، فَمَتَى خافَ مِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ السَّيْفَ، أو السَّوْطَ، أو الحَبْسَ، أو القَيْدَ، أو النَّفْيَ، أوْ أَخْذَ المالِ، أوْ نحوَ ذلكَ مِن الأَذَى، سَقَطَ أَمْرُهُم وَنَهْيُهُم.
وقدْ نَصَّ الأئمَّةُ على ذلكَ؛ منهم مَالِكٌ وأحمدُ وإسحاقُ وَغَيْرُهُمْ.
قالَ أحمدُ: (لا يُتَعَرَّضُ للسُّلْطَانِ؛ فإنَّ سَيْفَهُ مَسْلُولٌ).
وقالَ ابنُ شُبْرُمَةَ: (الأمرُ بالمعروفِ والنَّهيُ عن المُنْكَرِ كالجهادِ، يَجِبُ على الواحدِ أنْ يُصَابِرَ فيهِ الاثنَيْنِ، ويَحْرُمُ عَليهِ الفرارُ مِنْهُمَا، ولا يَجِبُ عليهم مُصَابَرَةُ أَكْثَرَ مِنْ ذلكَ).
فإنْ خَافَ السَّبَّ، أوْ سَمَاعَ الكلامِ السَّيِّئِ، لم يَسْقُطْ عنهُ الإِنْكَارُ بذلكَ، نَصَّ عليهِ الإِمامُ أَحْمَدُ.
وإن احْتَمَلَ الأَذَى وَقَوِيَ عليهِ، فهوَ أَفْضَلُ، نَصَّ عليهِ أحمدُ أَيْضًا.
وقيلَ لهُ: أَلَيْسَ قَدْ جَاءَ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنَّهُ قالَ: ((لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ))، أَنْ يُعَرِّضَهَا مِن البلاءِ لِمَا لا طاقةَ لَهُ بهِ؟ قالَ: ليسَ هذا منْ ذلكَ.
وَيَدُلُّ على ما قَالَهُ ما خَرَّجَهُ أبو داودَ وابنُ مَاجَهْ والتِّرْمِذِيُّ مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ)).
وَخَرَّجَ ابنُ مَاجَهْ مَعْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أبي أُمَامَةَ.

وفي (مُسْنَدِ الْبَزَّارِ) بإسنادٍ فيهِ جَهَالَةٌ، عنْ أبي عُبَيْدَةَ بنِ الْجَرَّاحِ قالَ: قُلْتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أَيُّ الشُّهداءِ أَكَرمُ عَلَى اللَّهِ؟ قالَ: ((رَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ، فَأَمَرَهُ بِمَعْرُوفٍ وَنَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ، فَقَتَلَهُ)).
وقدْ رُوِيَ مَعْنَاهُ منْ وُجُوهٍ أُخَرَ، كُلُّهَا فيها ضَعْفٌ.

وأمَّا حديثُ: ((لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ))، فإنَّما يَدُلُّ على أنَّهُ إذا عَلِمَ أنَّهُ لا يُطِيقُ الأَذَى، وَلا يَصْبِرُ عليهِ، فإنَّهُ لا يَتَعَرَّضُ حِينَئِذٍ لِلآمِرِ، وهذا حقٌّ، وإنَّمَا الكلامُ فيمَنْ عَلِمَ مِنْ نفسِهِ الصَّبْرَ.
كذلكَ قالَهُ الأئمَّةُ؛ كَسُفْيَانَ وأحمدَ والفُضَيْلِ بنِ عِيَاضٍ وغيرِهِم.
وقدْ رُوِيَ عنْ أحمدَ ما يَدُلُّ على الاكتفاءِ بالإنكارِ بالقلبِ، قالَ في روايَةِ أبي داودَ: نَحْنُ نَرْجُو إنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ، وإنْ أَنْكَرَ بِيَدِهِ فهوَ أَفْضَلُ، وهذا مَحْمُولٌ على أنَّهُ يَخَافُ، كَمَا صَرَّحَ بذلكَ في روايَةِ غيرِ واحدٍ.
وقدْ حَكَى القاضِي أبو يَعْلَى رِوَايَتَيْنِ عنْ أحمدَ في وجوبِ إنكارِ المُنْكَرِ على مَنْ يَعْلَمُ أنَّهُ لا يُقْبَلُ منهُ، وَصَحَّحَ القولَ بِوُجُوبِهِ، وهوَ قولُ أكثرِ العلماءِ.
وقدْ قِيلَ لِبَعْضِ السَّلَفِ في هذا، فقالَ: يكونُ لكَ مَعْذِرَةٌ، وهذا كما أَخْبَرَ اللَّهُ عن الذينَ أَنْكَرُوا على المُعْتَدِينَ في السَّبْتِ أنَّهُم قالُوا لِمَنْ قَالَ لَهُمْ: {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} [الأعراف: 164]. وقدْ وَرَدَ مَا يُسْتَدَلُّ بهِ على سقوطِ الأمرِ والنَّهْيِ عندَ عَدَمِ القَبُولِ والانتفاعِ بهِ؛ فَفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ، وابنِ مَاجَهْ، والتِّرْمِذِيِّ): عنْ أبي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أنَّهُ قِيلَ لهُ: كيفَ تَقُولُ في هذهِ الآيَةِ: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} [المائدة: 105] فقالَ: أَمَا واللَّهِ لقدْ سَأَلْتُ عنها رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: ((بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْتَهُوا عَنِ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَوَامِّ)).
وفِي (سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ): عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو قالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حولَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، إذْ ذَكَرَ الفِتْنَةَ فَقَالَ: ((إِذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ مَرَجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا))، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ.

فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ، جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: ((الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ)).
وكذلكَ رُوِيَ عنْ طائفةٍ من الصحابةِ في قولِهِ تَعَالَى:
{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105]، قالُوا: لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إنَّمَا تَأْوِيلُهَا في آخرِ الزمانِ.
وعن ابنِ مَسْعُودٍ قالَ: (إذا اخْتَلَفَت القُلُوبُ والأهواءُ، وَأُلْبِسْتُمْ شِيَعًا، وَذَاقَ بَعْضُكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَيَأْمُرُ الإِنسانُ حِينئذٍ نفسَهُ، حينئذٍ تَأْوِيلُ هذهِ الآيَةِ).
وعن ابنِ عُمَرَ قالَ: (هذهِ الآيَةُ لأَِقْوَامٍ يَجِيئُونَ منْ بَعْدِنَا، إنْ قَالُوا لمْ يُقْبَلْ منهمْ).

وقالَ جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ: (عنْ جماعةٍ من الصَّحابةِ قَالُوا: إذا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوًى مُتَّبَعًا، وَإِعْجَابَ كلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِنَفْسِكَ، لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتَ).
وعنْ مَكْحُولٍ قالَ: (لمْ يَأْتِ تَأْوِيلُهَا بَعْدُ، إذا هَابَ الواعظُ، وأَنْكَرَ المَوْعُوظُ، فَعَلَيْكَ حينئذٍ بنفسِكَ لا يَضُرُّكَ مَنْ ضَلَّ إذا اهْتَدَيْتَ).
وعن الحسنِ أنَّهُ كانَ إذا تَلا هذهِ الآيَةَ قالَ: يا لَهَا مِنْ ثِقَةٍ مَا أَوْثَقَهَا! ومِنْ سَعَةٍ ما أَوْسَعَهَا!
وهذا كُلُّهُ قدْ يُحْمَلُ على أنَّ مَنْ عَجَزَ عن الأمرِ بالمعروفِ، أوْ خَافَ الضَّرَرَ، سَقَطَ عَنْهُ.
وكلامُ ابنِ عُمَرَ يَدُلُّ على أنَّ مَنْ عَلِمَ أنَّهُ لا يُقْبَلُ مِنْهُ، لمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، كما حُكِيَ رِوَايَةً عنْ أحمدَ.
قالَ الأَوْزَاعِيُّ: مُرْ مَنْ تَرَى أنْ يَقْبَلَ مِنْكَ.
وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في الذي يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ: ((وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ))، يَدُلُّ على أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهْيَ عن المُنْكَرِ منْ خصالِ الإِيمانِ، وَيَدُلُّ على أنَّ مَنْ قَدَرَ على خَصلةٍ منْ خِصَالِ الإِيمانِ وَفَعَلَهَا كانَ أَفْضَلَ مِمَّنْ تَرَكَهَا عَجْزًا عنها.
وَيَدُلُّ على ذلكَ أيضًا قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ في حقِّ النِّسَاءِ: ((أَمَّا نُقْصَانُ دِينِهَا، فَإِنَّها تَمْكُثُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ لا تُصَلِّي))، يُشِيرُ إلى أيَّامِ الْحَيْضِ، معَ أنَّها مَمْنُوعَةٌ من الصَّلاةِ حينئذٍ، وقدْ جَعَلَ ذلكَ نَقْصًا في دِينِهَا، فَدَلَّ على أنَّ مَنْ قَدَرَ على واجبٍ وَفَعَلَهُ، فهوَ أَفْضَلُ ممَّنْ عَجَزَ عَنْهُ وَتَرَكَهُ، وإنْ كانَ مَعْذُورًا في تَرْكِهِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
(2) وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا))، يَدُلُّ على أنَّ الإنكارَ مُتَعَلِّقٌ بالرُّؤْيَةِ، فلوْ كانَ مَسْتُورًا فَلَمْ يَرَهُ وَلَكِنْ عَلِمَ بهِ، فالمنصوصُ عنْ أحمدَ في أكثرِ الرواياتِ أنَّهُ لا يَعْرِضُ لهُ، وأنَّهُ لا يُفَتِّشُ على ما اسْتَرَابَ بهِ.
وعنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أنَّهُ يَكْشِفُ الْمُغَطَّى إذا تَحَقَّقَهُ، ولوْ سَمِعَ صَوْتَ غِنَاءٍ مُحَرَّمٍ أوْ آلاتِ الْمَلاهِي، وعَلِمَ المكانَ التي هيَ فيهِ، فإنَّهُ يُنْكِرُهَا؛ لأنَّهُ قدْ تَحَقَّقَ الْمُنْكَرَ، وَعَلِمَ مَوْضِعَهُ، فهوَ كما رَآهُ.
نَصَّ عليهِ أحمدُ وقالَ: إذا لمْ يَعْلَمْ مَكَانَهُ فلا شَيْءَ عليهِ.
وأمَّا تَسَوُّرُ الجُدْرَانِ على مَنْ عَلِمَ اجْتَمَاعَهُم على مُنْكَرٍ، فقدْ أَنْكَرَهُ الأئمَّةُ؛ مثلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، وهوَ دَاخِلٌ في التَّجَسُّسِ المَنْهِيِّ عنهُ.
وقدْ قِيلَ لابنِ مَسْعُودٍ: إنَّ فُلانًا تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فقالَ: نَهَانَا اللَّهُ عَن التَّجَسُّسِ.
وقالَ القاضِي أبو يَعْلَى في كتابِ (الأحكامِ السُّلْطَانِيَّةِ): إنْ كانَ في المُنْكَرِ الذي غَلَبَ على ظَنِّهِ الاسْتِسْرَارُ بهِ بإِخْبَارِ ثِقَةٍ عنهُ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا كالزِّنَى والقَتْلِ، جَازَ التَّجَسُّسُ والإِقْدَامُ على الكَشْفِ والبَحْثِ؛ حَذَرًا منْ فواتِ ما لا يُسْتَدْرَكُ من انْتِهَاكِ المَحَارِمِ.
وإنْ كانَ دُونَ ذلكَ في الرُّتْبَةِ، لَمْ يَجُز التَّجَسُّسُ عليهِ، ولا الْكَشْفُ عَنْهُ.
والمُنْكَرُ الَّذِي يَجِبُ إِنْكَارُهُ ما كانَ مُجْمَعًا عليهِ.
فَأَمَّا المُخْتَلَفُ فيهِ، فمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لا يَجِبُ إِنْكَارُهُ على مَنْ فَعَلَهُ مُجْتَهِدًا فيهِ، أوْ مُقَلِّدًا لِمُجْتَهِدٍ تَقْلِيدًا سَائِغًا.
وَاسْتَثْنَى القاضي في (الأحكامِ السُّلْطَانِيَّةِ) ما ضَعُفَ فيهِ الْخِلافُ وكانَ ذَرِيعَةً إلى مَحْظُورٍ مُتَّفَقٍ عليهِ؛ كَرِبَا النَّقْدِ، الخلافُ فيهِ ضَعِيفٌ، وهوَ ذَرِيعَةٌ إلى رِبَا النَّسَاءِ المُتَّفَقِ على تَحْرِيمِهِ.
وَكَنِكَاحِ المُتْعَةِ؛ فإنَّهُ ذَرِيعَةٌ إلى الزِّنَى.
وذُكِرَ عنْ أبي إسحاقَ بنِ شَاقَلا أنَّهُ ذَكَرَ أنَّ المُتْعَةَ هيَ الزِّنَى صُرَاحًا.
وعن ابنِ بَطَّةَ أنَّهُ قالَ: (لا يُفْسَخُ نِكَاحٌ حَكَمَ بهِ قاضٍ إذا كانَ قَدْ تَأَوَّلَ فيهِ تَأْوِيلاً، إلا أنْ يَكُونَ قَضَى لرَجُلٍ بِعَقْدِ مُتْعَةٍ، أوْ طَلَّقَ ثَلاثًا في لَفْظٍ وَاحِدٍ، وَحَكَمَ بالمُرَاجَعَةِ منْ غَيْرِ زَوْجٍ، فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ، وعلى فاعلِهِ العُقُوبَةُ والنَّكَالُ).
والمَنْصُوصُ عنْ أحمدَ الإِنكارُ على اللاعِبِ بالشِّطْرَنْجِ.

وَتَأَوَّلَهُ القاضِي على مَنْ لَعِبَ بها بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ، أَوْ تَقْلِيدٍ سَائِغٍ.
وَفِيهِ نَظَرٌ؛ فإنَّ المنصوصَ عنهُ أنَّهُ يُحَدُّ شَارِبُ النَّبِيذِ المُخْتَلَفِ فيهِ، وإقامةُ الحدِّ أَبْلَغُ مَرَاتِبِ الإِنكارِ، معَ أنَّهُ لا يُفَسَّقُ بذلكَ عِنْدَهُ، فَدَلَّ على أنَّهُ يُنْكَرُ كُلُّ مُخْتَلَفٍ فيهِ، ضَعُفَ الْخِلافُ فيهِ؛ لِدَلالَةِ السُّنَّةِ على تَحْرِيمِهِ، وَلا يَخْرُجُ فَاعِلُهُ المُتَأَوِّلُ مِن العدالةِ بذلكَ، واللَّهُ أَعْلَمُ.

وكذلكَ نَصَّ أَحْمَدُ على الإنكارِ على مَنْ لا يُتِمُّ صَلاتَهُ، ولا يُقِيمُ صُلْبَهُ من الرُّكُوعِ والسُّجودِ، معَ وجودِ الاختلافِ في وجوبِ ذلكَ.
واعْلَمْ أنَّ الأمرَ بالمعروفِ والنَّهْيَ عن المُنْكَرِ تارةً يَحْمِلُ عليهِ رَجَاءُ ثَوَابِهِ، وَتَارَةً خَوْفُ العِقَابِ في تَرْكِهِ، وتارةً الغَضَبُ لِلَّهِ على انْتِهَاكِ مَحَارِمِهِ، وَتَارَةً النَّصِيحَةُ للمُؤْمِنِينَ والرَّحْمَةُ لهم، وَرَجَاءُ إِنْقَاذِهِمْ مِمَّا أَوْقَعُوا أَنْفُسَهُمْ فيهِ من التَّعَرُّضِ لِغَضَبِ اللَّهِ وَعُقُوبَتِهِ في الدُّنيا والآخرةِ، وَتَارَةً يَحْمِلُ عليهِ إِجْلالُ اللَّهِ وَإِعْظَامُهُ وَمَحَبَّتُهُ، وأنَّهُ أَهْلٌ أنْ يُطَاعَ فَلا يُعْصَى، ويُذْكَرَ فلا يُنْسَى، ويُشْكَرُ فلا يُكْفَرُ، وأنْ يُفْتَدَى من انتهاكِ مَحَارِمِهِ بالنفوسِ والأموالِ، كما قالَ بعضُ السلفِ: (وَدِدْتُ أَنَّ الخلقَ كُلَّهُم أَطَاعُوا اللَّهَ وإنَّ لَحْمِي قُرِضَ بالمَقَارِيض)ِ.
وَكَانَ عبدُ الْمَلِكِ بنُ عُمَرَ بنِ عبدِ العزيزِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ يَقُولُ لأَِبِيهِ: وَدِدْتُ أَنِّي غَلَتْ بي وَبِكَ القُدُورُ في اللَّهِ عزَّ وجلَّ.

ومَنْ لَحَظَ هذا المقامَ والذي قَبْلَهُ هانَ عليهِ كلُّ مَا يَلْقَى من الأَذَى في اللَّهِ تَعَالَى، وَرُبَّمَا دَعَا لِمَنْ آذَاهُ، كما قالَ ذلكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ضَرَبَهُ قَوْمُهُ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ويقولُ: ((رَبِّ اغْفِرْ لِقَوْمِي؛ فَإِنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ)).
وَبِكُلِّ حالٍ، يَتَعَيَّنُ الرِّفْقُ في الإِنكارِ.

قالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: (لا يَأْمُرُ بالمعروف ويَنْهَى عن المُنْكَرِ إلا مَنْ كانَ فيهِ خِصَالٌ ثَلاثٌ: رَفِيقٌ بِمَا يَأْمُرُ، رَفِيقٌ بِمَا يَنْهَى، عَدْلٌ بِمَا يَأْمُرُ، عَدْلٌ بما يَنْهَى، عالِمٌ بما يَأْمُرُ، عَالِمٌ بما يَنْهَى).
وقالَ أحمدُ: (النَّاسُ مُحْتَاجُونَ إلى مُدَارَاةِ وَرِفْقِ الأمرِ بالمعروفِ بلا غِلْظَةٍ، إلا رَجُلٌ مُعْلِنٌ بالفِسْقِ، فلا حُرْمَةَ لهُ).

قَالَ: وكانَ أَصْحَابُ ابنِ مَسْعُودٍ إذا مَرُّوا بقومٍ يَرَوْنَ مِنْهُمْ مَا يَكْرَهُونَ، يَقُولُونَ: مَهْلاً رَحِمَكُمُ اللَّهُ، مَهْلاً رَحِمَكُمُ اللَّهُ.
وقالَ أحمدُ: (يَأْمُرُ بالرِّفقِ والخضوعِ، فإنْ أَسْمَعُوهُ مَا يَكْرَهُ لا يَغْضَبُ، فيكونُ يُرِيدُ يَنْتَصِرُ لِنَفْسِهِ).

هيئة الإشراف

#7

23 Nov 2008

شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)


قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيرهُ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم.

الشيخ:

هذا الحديث حديث عظيمٌ -أيضاً- في بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وهو حديثٌ معلومٌ لديكم بتفاصيل الكلام عليه؛ لأنّه كثر بيانه وبيان ما فيه، لكن نختصر.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)).
((المنكر)): اسم لما عرف في الشريعة قُبحه والنهي عنه، فلا يكون منكراً حتى يكون محرماً في الشريعة، وهنا قال: (من رأى منكم منكراً فليُغيره بيده) وهنا شرْطٌ، وجواب الشرط؛ أما جواب الشرط، فهو الأمر بالتغيير باليدِ، وهذا الأمر على الوجوب -مع القدرة-، وأما فعل الشرط فهو قوله: (من رأى منكم مُنكراً) والفعل (رأى) هو الذي تعلق به الحكم، وهو وجوب الإنكار، و(رأى) هنا بصرية لأنها تعدت إلى مفعول واحد، فحصل لنا بذلك: أن معنى الحديث:
من رأى منكم منكراً بعينه فليغيرهُ بيده، وهذا تقييد لوجوب الإنكار بما إذا رُئى بالعين، وأما العلم بالمنكر فلا يُكتفى به في وجوب الإنكار، كما دل عليه ظاهرُ هذا الحديث.

قال العلماء: ظاهرُ الحديث على أنهُ لا يجب حتى يرى بالعين، ويُنزَّل السمع المحقق منزلة الرأي بالعين، فإذا سمع منكراً سَماعاً محققاً، سمع صوت رجل وامرأة في خلوة محرمة سَماعاً محققاً، يعرف بيقين أن هذا محرم، وأنه كلامه إنما هو مع أجنبية وأشباه ذلك؛ فإنه يجب عليه الإنكار لتنزيل السماع المحقق منزلة النظر، كذلك إذا سمع أصوات معازف أو أصوات ملاهي أو أشباه ذلك، بسماع محقق؛ فإنه يجب عليه هنا الإنكار، وأمّا غير ذلك فلا يدخل في الحديث.
فإذا علم بمنكر فإنه هنا لا يدخل في الإنكار، وإنما يدخُل في النصيحة؛ لأنَّ الإنكار عُلِّق بالرؤية في هذا الحديث، وينزّل -كما قال العلماء- السماع المحقق فقط منزلة الرؤية.
قال: ((من رأى منكم منكرا)) وفي قوله: (منكراً) يظهر تعليق الأمر بالمنكَر دون الواقع فيه، فالحكم بالأمر بالتغيير باليد، هذا راجع إلى المنكر، أما الواقع في المنكر فهذا له بحثٌ آخر.
قال: ((فليغيره)) يعني: فليغير المنكر، فلا يدخل في الحديث عِقابُ فاعِلُ المنكر؛ لأنَّ فاعِل المنكر تكتنفهُ أبحاث أو أحوال متعددة فقد يكون الواجبُ معه الدعوة بالتي هي أحسن، وقد يكون التنبيه، وقد يكون الحيلولة بينة وبين المنكر والاكتفاء بزجره بكلام ونحوه، وقد يكون بالتعزير، إلى آخر أحوال ذلك المعروفة في كل مقام بحسب ذلك المقام وما جاء فيه من الأحكام.
المقصود: أنَّ الحديث دلَّ بظاهره على تعليق وجوب التغيير باليد بالرُّؤية، وما يقوم مقامها، والثاني بالمنكر نفسهِ، فتُغَيِّر المنكر، مثلاً: رجل أمامه زجاجة خمر، أو أمامه شيء من الملهيات المحرَّمة؛ فإنكار المنكر ليس هو التعنيف للفاعل، وإنما هو تغيير هذا المنكر من الخمر، أو من الملاهي المحرمة، أو من الصور المحرمة، أو أشباه ذلك بتغييره باليد مع القدرة، وأما الفاعل له فهذا له حكم آخر.
(2) قال: ((فليغيره بيده)) هنا أوجب التغيير باليد، وهذا مقيدٌ بما إذا كان التغيير باليدِ مقدوراً عليه، وأما إذا كان غير مقدور عليه؛ فإنه لا يجب، ومن أمثلة كونه مقدوراً عليه: أن يكون في بيتك الذي لك الولاية عليه؛ يعني في زوجك وأبنائك وأشباه ذلك، أو في أيتام لك الوِلاية عليهم، أو في مكانٍ أنت مسؤول عنه وأنت الوليُّ عليه، فهذا نوع من أنواع الاقتدار، فيجبُ عليك هنا أن تغيره؛ وإذا لم تغيره بيدك فإنك تأثم، أمَّا إذا كان في ولايةِ غيرك فإنه لا تدخل القدرةُ هنا، أو لا توجدُ القدرةُ عليه؛ لأنَّ المقتدر هو من له الوِلاية، فيكون هنا باب النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيره من هو تحت ولايته.

والتغييرُ في الشرع ليس بمعنى الإزالة؛ التغيير: اسمُ يشمل الإزالةَ، ويشمل الإنكارَ باللسان بلا إزالة، يعني أن يُقال: هذا حرام، وهذا لا يجوز، ويشمل أيضاً الاعتقاد أنَّ هذا مُنكر ومُحرّم، ولهذا جاء في هذا الحديث بيان هذه المعاني الثلاث.
فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((فإن لم يستطع)) التغيير بيدهِ (فبلسانه) يعني: فليغيره بلسانه، ومن المعلوم أنَّ اللسان لا يُزِيلُ المنكرَ دائماً؛ بل قد يزولُ معه بحسب اختيار الفاعل للمنكر، وقد لا يزول معه المنكر، تقول -مثلاً- لفلان: هذا حرام، وهذا منكر لا يجوز لك، قد ينتهي وقد لا ينتهي، فإذا أخبرت المكلف الواقع في هذا المنكر بأنه منكر وحرام فقد غيرت، وإذا سكتَّ فإنك لم تغير، وإن كنت لا تستطيع باللسان؛ فتغيِّره بالقلب تغييراً لازماً لك لا ينفكُّ عنك، ولا تُعْذر بالتخلفِ عنه، وهو اعتقاد أنه منكر ومحرم.
والبراءة من الفعل يعني: بعدم الرضا به؛ لهذا جاء في (سنن أبي داود) أنه عليه الصلاةُ والسلام قال: (إذا عُملت الخطيئة كان من غاب عنها وَرَضيها كمن عَمِلَها، وكان من شهدها فلم يفعلها كمن فعلها) وهذا يعني أنَّ الرَاضي بالشيء كفاعله؛ لأن المنكر لا يجوز أن يُقره المرءُ ولو من جهة الرضى، وهذا ظاهر في قوله جل وعلا: {فلا تقعدوا معهم إنكم إذاً مثلهم}، وفي الآية الأخرى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظلمين} فمن جلسَ في مكانٍ يستهزأ فيه بآيات الله وهو جالس لا يُفارق ذلك المكان فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك؛ لأنَّ الرّاضي بالذنب كفاعله كما قال العلماء.
إذا تبين ذلك فها هنا مسائل تتعلّق بهذا الحديث، وهي:

أن وجوب الإنكار متعلقٌ بالقدرة بالإجماع، ومتعلقٌ بِظن الانتفاع عند كثير من أهل العلم.
قال طائفة من العلماء: إنما يجبُ الإنكار إذا غلب على ظنه أن ينتفع المُنكَر عليه باللسان فيما لا يدخل تحت ولايته، أما إذا غلب على ظنَّه أنَّهُ لا ينتفع فإنَّه لا يجب الإنكار، وذلك لظاهر قول الله جل وعلا: {فذكر إن نفعت الذكرى} فأوجب التذكير بشرط الانتفاع، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهُ.
ودلَّ عليه عمل عدد من الصحابة -رضوان الله عليهم- كابن عمر وابن عباس وغيرهما لمَّا دخلوا على الولاة وأُمراء المؤمنين في بيوتهم وكان عندهم بعض المنكرات في مجالسهم فلم يُنْكروها، وذلك لِغَلبةِ الظن أنَّهم لا ينتفعون بذلك؛ لأنَّها من الأمور التي أقروها وسرت فيما بينهم، وهذا خِلاف قول الجمهور.
والجمهور على أنه يجبُ مُطلقاً، سواءً غلب على الظن أم لم يغلب على الظن؛ لأنَّ إيجاب الإنكار لحق الله جل وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبةُ الظن.
والقول الثاني: وهو قول شيخ الإسلام ابن تيمية -كما ذكرت لكم- وجماعة: من أنَّهُ يجبُ مع غلبة الظن، هذا أَوْجَهُ من جهة نصوص الشريعة؛ لأنَّ أعمال المكلَّفين مبنية على ما يغلبُ على ظنهم، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه…)) وعدم الاستطاعة هذه تشمل عدة أحوال ويدخل فيها غلبة الظن ألا ينتفع الخصم، مثلاً: إذا قابلت حليقاً للحية أو قابلت امرأة سفرت وجهها ونحو ذلك؛ في بعض الأمكنة نجد حرجاً؛ هل ننكر أم لا ننكر؟ يغلبُ على ظننا في بعض الأحوال أننا لو أنكرنا لما انتفع أولئك بذلك لعلمهم بهذه المسألة؛ فيكتفى هنا بالإنكار بالقلب من جهة الوجوب، ويبقى الاستحباب في أنَّهُ يستحب أن تبقى هذه الشعيرة وأن يفعلها من أراد فعل المستحب.
وكما ذكرت لك هذا خلاف قول الجمهور، لكنهُ يتأيد بمعرفة حال الصحابة -رضوان الله عليهم- من أنّهم إنما أَنكروا ما غلب على ظنهم الانتفاع به، وإلا للزم منه أن يؤثمَّوا بترك كثيرٍ من الواجبات في أحوال كثيرة ومعلومة.
(3) قال في آخره: ((فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان))

((فإن لم يستطع فبقلبه)): يعني ينكر بقلبه، والإنكار بالقلب معناهُ بغضُ المنكَر وكراهته واعتقاد أنه محرم وأنه منكر.
((وذلك أضعفُ الإيمان)): يعني هذا أقلُّ درجات الإيمان؛ لأنه هو الذي يَجبُ على كلِّ أحد.
((وليس وراءَ ذلك من الإيمان حبةُ خرْدل)) لأن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه مع اعتقاد حرمته فإنه على خطر عظيم في إيمانه.
هذا الحديث يدخل في بحثه الإنكار على الولاة، والإنكار على عامة الناس، ويدخل -أيضاً- مراتبُ الإنكار، والقواعد التي تحكم ذلك وفروعه كثيرة يطول المَقامُ بذكرها، لكن أنبِّه على مسألةٍ مُهمَّة، ذكرتها عدة مرات:
هي أنَّ هناك فرقاً بين النصيحة والإنكار في الشريعة، وذلك أن الإنكار أضيق من النصيحة، فالنصيحةُ اسم عام يشمل أشياء كثيرة -كما مر معنا في حديث (الدين النصيحة) ومنها الإنكار.

فالإنكار حالٌ من أحوال النصيحة، ولهذا كان مقيداً بقيود، وله ضوابطهُ، فمِن ضوابطه:

أنَّ الإنكار الأصل فيه أن يكون عَلناً لقوله: (من رأى منكم منكراً فليغيرهُ بيده فإن لم يستطع فبلسانه) وهذا بشرط رؤية المنكر.
وهنا ندخلُ في بحث مسألة بحثناها مِراراً وهي أنَّ الولاة ينكر عليهم إذا فعلوا المنكر بأنفسهم، ورآه من فعل أمَامه ذلك الشيء، وعلى هذا يحمل هَدْي السَّلف في ذلك وكل الأحاديث التي جاءت -وهي كثيرة أكثر من عشرة أو اثني عشر حديثاً- في هذا الباب؛ فيها إنكار طائفة من السَّلف على الأمير أو على الوالي، كلها على هذا الضابط، وهو أنَّهم أنكروا شيئاً رأوه من الأمير أمامَهم، ولم يَكُن هدْي السَّلف أن يُنكروا على الوالي شيئاً أجراهُ في وِلايته، ولهذا لمّا حصَل من عثمان -رضي الله عنه- بعض الاجتهادات، وقيل لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: ألا تنصَح لعثمان! ألا ترى إلى ما فَعل! قال: (أما إني بذلتُه له سِراً؛ لا أكونُ فاتِحَ باب فتنة) ففرَّق السّلف في المنكر الذي يُفعل أمام الناس، كحال الأمير الذي قدَّم خُطبتي العيد على الصلاة وكالذي أتى للناس وقد لبسَ ثوبين وأحوال كثيرة في هذا، فرقوا بين حصول المنكر منه أمام الناس علناً وبين ما يُجريه في ولايته، فجعلوا ما يُجريه في ولايته باباً من أبواب النصِيحة، وما يفعَلهُ عَلناً يأتي هذا الحديث فـ(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده..) مع الحكمة في ذلك، لهذا قال رجلٌ لابن عباس -رضي الله عنهما-: ألا آتي الأمير فآمرهُ وأنْهاهُ؟ قال: (لا تفعل، فإن كان ففيما بينك وبينه)، قال: أرأيت إن أمرني بمعصية قال: (أمَّا إن كان ذاك فعليك إذاً) فدلَّ هذا على أنَّ الأمر والنهي المتعلق بالوالي إنَّما يكون فيما بين المرْء وبينه فيما يكون في ولايته؛ وأمّا إذا كان يفعلُ الشيء أمام الناس فإنَّ هذا يجبُ أنَّ ينكره من رآه بحسب القدرة وبحسب القواعد التي تحكم ذلك.
إذا تقرر هذا فثمَّ مسألة متصلة بهذه، وهي أن قاعدة الإنكار مبنيَّةٌ على قاعدةٍ أُخرى ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: وهي أنه لا يجوز إنكار منكر حتى تتيقن أنَّهُ لن ينتقل المنكَرُ عليه إلى منكرٍ أشد منه.
قال شيخ الإسلام: (ومن أنكر ظانًّا أنَّهُ ينتقل إلى منكر أشد منه فإنه يأثم حتى يتيقن أن إنكارهُ سينقل المنكرُ عليه إلى ما هو أفضل).
وقد قال بعضُ أهل العلم: (إنّ هذا مُجْمعٌ عليه).
ومثَّل لهذا ابن القيم بمسائل كثيرة في كتابه (إعلام الموقعين) فقال مثلاً: (لو أتيت إلى أُناسٍ يلعبون لَعِباً محرماً، أو يشتغلون بكُتب مُجون فإن أنكرت عليهم ذلك فإنه يكتنفهُ أحوال:
الأول: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ، فهذا حرامٌ بالإجماع يعني يخرج من لَهْوه بالكتب إلى الاتصال بالنساء مباشرة، أو إلى رؤية النساء مباشرة، أو ما أشبه ذلك؛ فهذا منكر أشد منه، فبقاؤهُ على المنكر الأول أقل خطراً في الشريعة من انتقالهِ إلى المنكر الثاني.
الحالة الثانية: أن ينتقل إلى ما هو خيرٌ ودين، فهذا هو الذي يجبُ معه الإنكار.
والثالث: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، فهذا محل اجتهاد.
والرابع: أن ينتقل منه إلى منكرٍ آخر.
ذكرنا أربعة: منكر أشد منه، ومنكر آخر، ومنكر مساويه، وإلى خير، هذه أربعة أقسام.
فتحصَّل منه: أنَّ ثم حالتين يَحرمُ فيها الإنكار وهي: إذا انتقل من منكر إلى منكر آخر غير مساوي، يعني: أنت ما تدري أنه مساو؛ وإلى منكر أشدُّ منه بيقينك، فهذه حرام بالإجماع، والثالث: أن ينتقل إلى منكر مساوي، فهذا فيه محل اجتهاد، والرابع: أنَّ ينتقل إلى خير، وهذا يجب معه الإنكار.

وذكر قصَّة عن شيخ الإسلام ابن تيمية؛ أنَّهُ مرَّ وطائفة من أصحابه على قوم من التَّتر يلعبون بالشطرنج ويشربون الخمر في شارع من شوارع دمشق علنا، فقال أحد أصحاب شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ألا ننكر على هؤلاء؟ فقال شيخ الإسلام: (دعْهُم فإنّ انشغالهم بذلك أهون من أن يعيثوا في المسلمين أو أن يعتدوا عليهم) وهذا من الفقه العظيم؛ لأنَّ هذا منكر ومحرم، لكنه قاصِر، والإنكار عليهم قد يكون معه أن ينتقلوا إلى منكرٍ متعد على بعض المسلمين، ومعلومٌ أنّ المنكر القاصر أهون من المنكر المتعدي.
هذه بعض المباحث التي يحسن ذكرها عند هذا الحديث.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

23 Nov 2008

الكشاف التحليلي


حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -مرفوعاً-: (من رأى منكم منكراً فليغيره...)

* تخريج الحديث
* موضوع الحديث
* قصة الحديث
* منزلة الحديث
* المعنى الإجمالي للحديث
* ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
* سبب إيراد أبي سعيد رضي الله عنه للحديث
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)
* بيان معنى (المنكر)
* بيان المراد بالرؤية في الحديث
* إطلاقات الرؤية:
الإطلاق الأول: الرؤية البَصَرِيَّة
الإطلاق الثاني: الرؤية العِلْميَّة
* هل الإنكار متعلق بالرؤية؟
* دل الحديث على أن وجوب الإنكار متعلق بالرؤية، وفي حكمها ما يقوم مقامها
* قوله: (منكراً) نكرة في سياق الشرط فيعم كل منكر
* معنى قوله: (فليغيره)
* معنى الأمر في الحديث
* معنى التغيير
* الفرق بين التغيير والإزالة
* تنبيه: تغيير المنكر غير معاقبة فاعله
* حكم إنكار المنكر
* التحذير من التهاون في إنكار المنكر
* متى يتعين الإنكار؟
* شروط وجوب إنكار المنكر:
الشرط الأول: الإِسلامُ
الشرط الثاني: التكليفُ، ويشمل: العقل والبلوغ
الشرط الثالث: الاستطاعة
الشرط الرابع: العلم بكونه منكراً
الشرط الخامس: رؤية المنكر
* آداب إنكار المنكر:
- أن يكون المنكِر مجتنباً للمنكَر
- أن ينصح للمنكَر عليه ويرفق به
- أن يراعي الحكمة في أسلوب الإنكار ووقته وطريقته
- أن يرشد المنكر عليه إلى البدائل الشرعية
* ضابط المنكر الذي يجب إنكاره:
هو المنكر المجمع عليه أو ما كان الخلاف فيه ضعيفاً
* مسألة: حكم الإنكار في مسائل الخلاف
* معرفة المعروف والمنكر تكون بالقلب
* حكم إنكار المنكر المستور
* حكم التجسس لاكتشاف المنكر
* مراتب إنكار المنكر:
- المرتبة الأولى: الإنكار باليد
معنى الإنكار باليد
* شروط الإنكار باليد:
الشرط الأول: العلم بكونه منكراً
الشرط الثاني: أن يكون للمنكِر ولاية
الشرط الثالث: ألا يترتب على الإنكار منكر أعظم منه
- المرتبة الثانية: الإنكار باللسان
- المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبلسانه)
هذه هي المرتبة الثانية من مراتب إنكار المنكر
* شروط الإنكار باللسان
* هل يجب التصريح بالإنكار أو يكفي التعريض به؟
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبقلبه)
* أهمية الإنكار بالقلب
* خطر التهاون في إنكار القلب للمعاصي
* آثار عن السلف في خطر ترك الإنكار بالقلب
* الراضي بالمنكر كفاعله
* الإنكار بالقلب فرض لا يسقط عن أحد
* هل يكتفى بالإنكار بالقلب؟
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان)
* معنى كونه أضعف الإيمان
* دلالة الحديث على تفاضل الإيمان
* الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان
* تنبيه: جملة (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) من حديث ابن مسعود وليست من هذا الحديث
* وعيد من ترك إنكار المنكر
* خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
* ذم ترك إنكار المنكر لهيبة الناس
* ذكر ما يبعث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1- رجاء ثواب فاعله
2- خوف عقوبة تاركه
3- الغضب لله تعالى على انتهاك محارمه
4- النصيحة للمؤمنين، والرحمة لهم
5- إجلال الله تعالى وإعظامه ومحبته
* تفسير قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم}
* تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية
* مسألة: هل يشترط لإنكار المنكر غلبة الظن بانتفاع المنكر عليهم بالإنكار؟
* تفسير قول الله تعالى: {فذكر إن نفعت الذكرى}
* أحوال المنكَر عليهم مع المنكِر:
الحالة الأولى: أن ينتقلوا من هذا المنكر إلى ما هو أنكرُ منهُ
حكمها: الإنكار في هذه الحالة حرامٌ بالإجماع
الحالة الثانية: أن ينتقلوا إلى ما هو أخف منه أو يتركوا المنكر
حكمها: هنا يجب الإنكار
الحالة الثالثة: أن ينتقلوا منه إلى منكرٍ يساويه
حكمها: هذه الحالة محل اجتهاد
الحالة الرابعة: أن ينتقلوا منه إلى منكرٍ آخر لا يعلم قدره
حكمها: لا يجوز الإنكار
* مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار
* مسألة: الإنكار على ولاة الأمر
* ضوابط الإنكار على ولاة الأمر:
- ينكر بيده ما أحدثوه من منكرات حسب الاستطاعة
- إذا خشي على نفسه الضرر سقط عنه أمرهم ونهيهم
- إذا خشي أذية أهله وجيرانه لم ينبغ له التعرض لهم
* التغيير باليد لا يستلزم القتال والخروج
* من فوائد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:
- وُجُوبُ تَغْيِيرِ المُنْكَرِ
- التَّثبت مِنْ وُجودِ المُنْكَرِ عندَ إِنكاره
- بيَاَنُ مَرَاتِبِ تَغْيِيرِ المُنْكَر
- زيادةُ الإِيمانِ وَنُقْصَانُهُ
- المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف
- التقوى حسب الاستطاعة
- أن الإنكار بالقلب لا يعذر في تركه أحد

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

23 Nov 2008

العناصر


حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه -مرفوعاً-: (من رأى منكم منكراً فليغيره...)
تخريج الحديث
موضوع الحديث
قصة الحديث
منزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
سبب إيراد أبي سعيد رضي الله عنه للحديث
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)
بيان معنى (المنكر)
هل الإنكار متعلق بالرؤية؟
معنى قوله: (فليغيره)
الفرق بين التغيير والإزالة
حكم إنكار المنكر
متى يتعين الإنكار؟
شروط وجوب إنكار المنكر
آداب إنكار المنكر
ضابط المنكر الذي يجب إنكاره
مسألة: حكم الإنكار في مسائل الخلاف
معرفة المعروف والمنكر تكون بالقلب
حكم إنكار المنكر المستور
حكم التجسس لاكتشاف المنكر
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبلسانه)
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن لم يستطع فبقلبه)
أهمية الإنكار بالقلب
خطر التهاون في إنكار القلب للمعاصي
الراضي بالمنكر كفاعله
الإنكار بالقلب فرض لا يسقط عن أحد
هل يكتفى بالإنكار بالقلب؟
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وذلك أضعف الإيمان)
معنى كونه أضعف الإيمان
دلالة الحديث على تفاضل الإيمان
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان
ذكر ما يبعث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم)
تنبيه على الفهم الخاطئ لمعنى الآية
مسألة: هل يشترط لإنكار المنكر غلبة الظن بانتفاع المنكر عليهم بالإنكار
تفسير قول الله تعالى: (فذكر إن نفعت الذكرى)
أحوال المنكَر عليهم مع المنكِر
مسألة: الفرق بين النصيحة والإنكار
مسألة: الإنكار على ولاة الأمر
ضوابط الإنكار على ولاة الأمر
التغيير باليد لا يستلزم القتال والخروج
من فوائد حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه