29 Oct 2008
ح33: حديث ابن عباس: (البينة على المدعي واليمين على من أنكر) هق
قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (
33- عنْ ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْواهُمْ، لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ)). حديثٌ حَسَنٌ رواه البيهقيُّ وغيرُه هكذا، وبعضُه في الصحيحينِ.
شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (
الحديث الثالث والثلاثون
عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ
يُعْطَى النَّاسُ بِدعوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَال قَومٍ
وَدِمَاءهُمْ، وَلَكِنِ البَينَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمينُ عَلَى مَن
أَنكَر"(1) حديث حسن رواه البيهقي هكذا بعضه في الصحيحين. (1)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، ج10/ص252، (20990). وفي البخاري بمعناه –
كتاب: التفسير، باب: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً)، (4552).
ومسلم – كتاب: الأقضية، باب: اليمين على المدعى عليه، (1711)،(1).
الشرح
قوله: "لَو يُعطَى" المعطي هو من له حق الإعطاء كالقاضي مثلاً والمصلح بين الناس.
وقوله: "بِدَعوَاهُم" أي بادعائهم الشيء،سواء كان إثباتاً أو نفياً.
مثال الإثبات: أن يقول: أنا أطلب فلاناً ألف ريال.
ومثال النفي: أن ينكر ما يجب عليه لفلان، مثل أن يكون في ذمته ألف ريال لفلان، ثم يدعي أنه قضاها، أو ينكر أن يكون له عليه شيء.
"لادعى" هذا جواب "لَو"
"لادعَى رِجَال" المراد بهم الذين لا يخافون الله تعالى، وأما من خاف الله تعالى فلن يدعي ماليس له من مال أو دم،"أَموَال قَوم" أي بأن يقول هذا لي، هذا وجه.
ووجه آخر أن يقول: في ذمة هذا الرجل لي كذا وكذا ، فيدعي ديناً أو عيناً.
"وَ دِمَاءهُم" بأن يقول: هذا قتل أبي، هذا قتل أخي وما أشبه ذلك، أو يقول: هذا جرحني، فإن هذا نوع من الدماء.
فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لأن كل إنسان لا يخاف الله عزّ وجل لا يهمه أن يدعي الأموال والدماء.
"وَلَكِنِ البَينَةُ" البينة: ما يبين به الحق، وتكون في إثبات الدعوى "عَلَى المُدَعي" "وَاليَمين" أي دفع الدعوى "عَلَى مَنْ أَنكَر" .
فهنا مدعٍ ومدعىً عليه، والمدعي : عليه البينة، والمدعى عليه: عليه اليمين ليدفع الدعوى.
"وَاليَمين عَلَى مَنْ أَنكَر" أي من أنكر دعوى المدعي.
هذا الحديث أصل عظيم في القضاء، وهو قاعدة عظيمة في القضاء ينتفع بها القاضي وينتفع بها المصلح بين اثنين وما إلى ذلك.
من فوائد هذا الحديث:
1. أن الدعوى تكون في الدماء والأموال، لقوله: "أَموَال قَوم وَدِمَاءهُم"
وهو كذلك، وتكون في الأموال الأعيان، وفي الأموال المنافع،كأن يدعي أن هذا
أجره بيته لمدة سنة فهذه منافع، وتكون أيضاً في الحقوق كأن يدعي الرجل أن
زوجته لا تقوم بحقه أو بالعكس، فالدعوى بابها واسع، لكن هذا الضابط، وذكر
المال والدم على سبيل المثال، وإلا قد يدعي حقوقاً أخرى.
2. أن الشريعة جاءت لحماية أموال الناس ودمائهم عن التلاعب.
3. أن البينة على المدعي، والبينة أنواع منها:
الشهادة ، قال الله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) [البقرة: الآية282]
ومن البينة : ظاهر الحال فإنها بينة،
مثال ذلك: رجل ليس عليه عمامة يلحق رجلاً عليه عمامة وبيده عمامة ويقول:يا
فلان أعطني عمامتي. فالرجل الذي ليس عليه عمامة معه ظاهر الحال، لأن
الملحوق عليه عمامة وبيده عمامة ولم تَجرِ العادة بأن الإنسان يحمل عمامة
وعلى رأسه عمامة.
فالآن شاهد الحال للمدعي،
فهو أقوى، فنقول في هذه الحال: الذي ادعى أن العمامة التي في يد الهارب له
هو الذي معه ظاهر الحال، لكن لا مانع من أن نحلفه بأنها عمامته.
كذلك أيضاً لو اختلف
الزوجان في أواني البيت، فقالت الزوجة: الأواني لي، وقال الزوج:الأواني لي.
فننظر حسب الأواني: إذا كانت من الأواني التي يستعملها الرجال فهي للزوج،
وإذا كانت من الأواني التي يستعملها النساء فهي للزوجة، وإذا كانت صالحة
لهما فلابد من البينة على المدعي.
فإذاً القرائن بينة، وعليه فالبينات لا تختص بالشهود.
ومن العمل بالقرائن قصة
سليمان عليه السلام، فإن سليمان عليه السلام مرت به امرأتان معهما ولد،
وكانت المرأتان قد خرجتا إلى البر فأكل الذئب ولد الكبرى، واحتكمتا إلى
داود عليه السلام، فقضى داود عليه السلام بأن الولد للكبيرة اجتهاداً منه،
لأن الكبيرة قد تكون انتهت ولادتها والصغيرة في مستقبل العمر.
فخرجتا من عند داود عليه
السلام وكأنهما - والله أعلم - في نزاع، فسألهما سليمان عليه السلام
فأخبرتاه بالخبر، فدعا بالسكين وقال: سأشق الولد نصفين، أما الكبيرة
فوافقت، وأما الصغيرة فقالت: الولد ولدها يا نبي الله، فقضى به للصغيرة(2)،
لأن هنا بينة وهي القرينة الظاهرة التي تدل على أن الولد للصغيرة لأنها
أدركتها الشفقة وقالت: كونه مع كبيرة ويبقى في الحياة أحب إلي من فقده
الحياة، والكبيرة لا يهمها هذا، لأن ولدها قد أكله الذئب.
كذلك قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز لما قال الحاكم: (إِنْ
كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ
الْكَاذِبِينَ*وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ
مِنَ الصَّادِقِينَ*فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ
إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [يوسف:26-28]
ومن ذلك أيضاً
: امرأة ادعت على زوجها أن له سنة كاملة لم ينفق، والرجل يشاهد هو يأتي
للبيت بالخبز والطعام وكل ما يحتاجه البيت، وليس في البيت إلا هو وامرأته،
وقال هو: إنه ينفق فالظاهر مع الزوج، فلا نقبل قولها وإن كان الأصل عدم
الإنفاق لكن هنا ظاهر قوي وهو مشاهدة الرجل يدخل على بيته بالأكل والشرب
وغيرهما من متطلبات البيت.
في القسامة:
القسامة أن يدعي قوم قتل لهم قتيل بأن القبيلة الفلانية قتلته، وبين
القبيلتين عداوة،فادعت القبيلة التي لها القتيل أن هذه القبيلة قتلت صاحبهم
وعينت القاتل أنه فلان، فهنا مدعي ومدعىً عليه، المدعي أولياء المقتول،
والمدعى عليه القبيلة الثانية.
فإذا قلنا:البينة على المدعي واليمين على من أنكر وقلنا البينة ليست الشاهد، بل ما أبان الحق اختلف الحكم.
ولو قلنا إن البينة الشاهد
لقلنا للمُدَّعين هاتوا بينة على أن فلاناً قتله وإلا فلا شيء لكم، ولكن
السنة جاءت على خلاف هذا، جاءت بأن المُدَّعين يحلفون خمسين يميناً على هذا
الرجل أنه قتل صاحبهم(3) ، فإذا حلفوا فهو كالشهود تماماً، فيأخذونه برمته ويقتلونه.
وهذه وقعت في عهد النبي
صلى الله عليه وسلم وقضى بها هكذا، على أنه إذا حلف خمسون رجلاً من أولياء
المقتول فإنهم يستحقون قتل المدعى عليه، وهذا هو الحق، وإن كان بعض السلف
والخلف أنكر هذا وقال:كيف يُحكم لهم بأيمانهم وهم مدعون.
فيقال:السنة هنا مطابقة
تماماً للواقع، لأن مع المُدَّعين قرينة تدل على أنهم قتلوا صاحبهم وهي
العداوة، فهذا القتيل رؤي عند القبيلة الأخرى المدعى عليها، ولا نقول:
هاتوا شهوداً، لأن قرينة الحال أقوى من الشهود.
فإذا قال قائل: لماذا كررت الأيمان خمسين يميناً؟
فالجواب: لعظم شأن الدماء، فليس من السهل أن نقول احلف مرة واقتل المدعى عليه.
فإن قال قائل:كيف يحلف أولياء المقتول على شخص معين وهم لا يدرون عنه؟
فالجواب:
أننا لا نسلم أنهم لا يدرون عنه، فربما يكونون شاهدوه وهو يقتل صاحبهم،
وإذا سلمنا جدلاً أو حقيقة أنهم لم يشاهدوه فلهم أن يحلفوا عليه بناء على
غلبة الظن وتتم الدعوى، والحلف بناء على غلبة الظن جائز.
ولذلك القسامة قال عنها بعض العلماء: إنها تخالف القياس من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن الأيمان صارت في جانب المُدَّعين، والأصل أن اليمين في جانب المنكر.
الوجه الثاني: أنها كررت إلى خمسين يميناً.
الوجه الثالث: أن أولياء المقتول يحلفون على شخص قد لايكونون شاهدوا قتله.
وسبق الجواب عن هذا، وأن القسامة مطابقة تماماً للقواعد الشرعية.
4.
فيه أنه لو أنكر المنكر وقال لا أَحلف فإنه يقضي عليه بالنكول، ووجه ذلك
أنه إذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجب عليه، فيحكم عليه بالنكول، والله
أعلم.
___________________________________________________________________________________________
(2)
أخرجه البخاري – كتاب: أحاديث الأنبياء، باب: قول الله تعالى: (ووهبنا
لداود سليمان نعم العبد إنه أواب)، (3427). ومسلم – كتاب: الأقضية، باب:
بيان اختلاف المجتهدين، (1720)،(20)
(3)
أخرجه البخاري- كتاب: الادب، باب: إكرام الكبير ويبدأ الاكبر بالكلام
والسؤال، (6142)، (6142). ومسلم – كتاب: القسامة والمحاربين، باب: القسامة،
(1669)،(1)
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي
قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (
تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الحَدِيثِ:
تَقَدَّمَتْ في الحديثِ التَّاسعَ عَشَرَ.
الشَّرْحُ:
عن ابنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ) بِنَاءُ الفِعْلِ للمفعولِ، أَيْ: لَوْ يُقْضَى وَيُحْكَمُ لَهُمْ بِدَعْوَاهُمْ فَقَطْ ((لاَدَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ)) كَذِبًا لِمَا خُلِقُوا عَلَى الطُّغْيَانِ وَالفَسَادِ وَالْعَدَاوةِ، وَتَرَتَّبَ على ذلكَ فَسَادٌ كَبِيرٌ. ((لَكِنِ الْبَيِّنَةُ)) الْمُعْتَبَرَةُ شَرْعًا ((علَى المُدَّعِي)) فإنْ أَقَامَهَا قُضِيَ لَهُ.
((وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ))
الدَّعْوَى، وهُوَ المُدَّعَى عليهِ، إذَا عَجَزَ المُدَّعِي عَنِ
البَيِّنَةِ وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَليهِ، فَإِنْ حَلَفَ فَقَدْ
خَلَّصَ ذِمَّتَهُ، وإلاَّ لَزِمَهُ مَا يَدَّعِيهِ المُدَّعِي.
وفي شَرْعِ الحُكْمِ هكذا فَوَائدُ عَلِيَّةٌ وَمَحَاسِنُ جَلِيَّةٌ.
المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري
قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (
الحديثُ الثالثُ وَالثَّلاثُونَ
عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((لَوْ
يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ
وَدِمَاءَهُمْ، لَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينَ
عَلَى مَنْ أَنْكَرَ)). مَكَانَةُ الحديثِ: وَهوَ
الوحشيَّةُ بِعَيْنِهَا، وَهوَ مِنْ تَزْيِينِ الشيطانِ لِتَفْرِيقِ
الأُمَّةِ وَزَرْعِ الأحقادِ وَاشْتِغَالِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ.
هذا الحديثُ مَرْجِعٌ هَامٌّ عندَ التَّنَازُعِ وَالخِصَامِ.
موضوعُ الحديثِ: التَّحَرِّي فِي الدَّعَاوَى.
المفرداتُ:
(1) ((لَوْ يُعْطَى الناسُ بِدَعْوَاهُمْ)): أيْ لَوْ يُسْمَعُ كَلامُ المُطَالِبِينَ بِحُقُوقِ الغيرِ، وَيُعْطَوْنَ الذي يُطَالِبُونَ بهِ.
وَهذهِ المُطَالَبَةُ قدْ تَكُونُ أَخْذَ حَقٍّ، إِذا أَرَادَ حَقَّهُ الذي لهُ وَاعْتُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ غَيْرِهِ.
فهذهِ المطالبةُ مَشْرُوعَةٌ، وَلكنَّهَا تَدْخُلُ في إِحْضَارِ البَيِّنَةِ.
وقدْ تَجِبُ هذهِ المطالبةُ لِحِفْظِ الحقوقِ وَمَنْعِ الظلمِ وَسَدِّ بَابِ الشرِّ وَزَرْعِ الأُلْفَةِ وَتَحَقُّقِ الإِنسانيَّةِ.
وَقدْ
تَكُونُ هذهِ المطالبةُ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ كَأَنْ يُطَالِبَ الإِنسانُ في
مالِ غيرِهِ ظُلْماً وَعُدْوَاناً إِمَّا حَسَداً لهُ، وَإِمَّا
انْتِقَاماً منهُ، وَإِمَّا اسْتِضْعَافاً لهُ، وَإِمَّا تَقْلِيداً
لِغَيْرِهِ، وَإِمَّا لِبَلاغَتِهِ وَقُوَّتِهِ الكَلاميَّةِ.
وَهذا مِن الظلمِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، بلْ هوَ الإِفلاسُ يومَ القيامةِ.
وَبهذهِ المطالباتِ الباطِنَةِ يُشْغَلُ بها الناسُ وَتَمْتَلِئُ بها المَحَاكِمُ وَالسجونُ وَغيرُهَا.
وَقَدْ
بَقِيَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَاضِياً في المدينةِ سنةً كاملةً
يَقْضِي بينَ الناسِ لمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أحدٌ حتَّى طَلَبَ الإِعفاءَ
مِنْ ذلكَ؛ لأنَّ الناسَ رَضُوا بِحُقُوقِهِمْ وَتَرَكُوا حُقُوقَ
الآخَرِينَ.
(2) ((لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ)):
أيْ لَوْ لمْ تُضْبَط الأمورُ بالضوابطِ الشرعيَّةِ لاسْتَبَاحَ
وَتَجَرَّأَ رِجَالٌ في المطالبةِ بأموالِ جماعةٍ بغيرِ حَقٍّ وَبِلا
مُرَاقَبَةٍ للَّهِ تَعَالَى وَبلا خَوْفٍ منهُ، وَلَطَالَبُوا
بِدِمَائِهِمْ وَقَتْلِهِمْ.
(3) ((لكنَّ البَيِّنَةَ على المُدَّعِي)): البَيِّنَةُ:
هيَ الحُجَّةُ وَالدليلُ؛ أيْ: يُقِيمُ المُطَالِبُ الدَّلِيلَ على
صِدْقِهِ وَيُظْهِرُ الحُجَّةَ، ولا يَكُونُ ذلكَ إِلاَّ بِشَهَادَةِ
شُهُودٍ يَشْهَدُونَ على صِدْقِهِ.
وَيُشْتَرَطُ في الشُّهُودِ:
1/ البُلُوغُ. 2/العقلُ.3/الكلامُ.4/الإِسلامُ.5/الحِفْظُ.6/ العَدَالةُ.
في الزِّنَا وَاللوَاطِ : أَرْبَعَةَ رِجَالٍ.
وَفي : إِثباتِ الحاجةِ وَالعُسْرِ: ثلاثةً.
وَفي : الحُدُودِ الأُخْرَى وَالنكاحِ وَالطلاقِ وَالرجعةِ: اثْنَيْنِ.
وَفي : الأموالِ وَما يُقْصَدُ بهِ المالُ كَالبَيْعِ وَالأَجَلِ وَالإِجارةِ: رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ، وَيُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينُ المُدَّعِي.
وَفيما لا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النساءُ كالولادةِ وَالبَكارةِ وَالحَيْضِ وَالرَّضَاعِ: يُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ.
وفي : ثبوتِ دخولِ رمضانَ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَفي خُرُوجِهِ رَجُلانِ.
(4) ((واليمينُ على مَنْ أَنْكَرَ)):
أيْ إِذا لمْ يَجِد المُدَّعِي بَيِّنَةً وَلا شُهُوداً فإِنَّ الحُكْمَ
يَتَحَوَّلُ لطَلَبِ المُدَّعَى عَلَيْهِ، وَهوَ المُنْكِرُ، بأنْ يَحْلِفَ
أنَّ مَا ادَّعَاهُ عَلَيْهِ المُدَّعِي غَيْرُ صَحِيحٍ، وَيكونُ الحُكْمُ
لهُ بِيَمِينِهِ.
وَاليمينُ في دَعْوَى حقوقِ الآدَمِيِّينَ خَاصَّةً، أَمَّا غَيْرُهَا فلا يُسْتَحْلَفُ.
وَلا
يُعْتَدُّ باليمينِ إِلاَّ إِذا أَمَرَهُ الحاكمُ بذلكَ، وَلا يُؤَدِّيهَا
إِلاَّ في مجلسِ الحُكْمِ، وَلا تكونُ إِلاَّ باللَّهِ تَعَالَى.
والأَيْمَانُ ثلاثةُ أَقْسَامٍ:
1- يَمِينُ الغَمُوسِ: وَهيَ الحَلِفُ على شَيءٍ مَاضٍ وَهوَ كاذِبٌ، وَليسَ فيها كَفَّارَةٌ، بلْ فيها التوبةُ وَالإِنابةُ.
2-
اليمينُ المُنْعَقِدَةُ: وَهيَ الحَلِفُ على شئٍ في المُسْتَقْبَلِ أَوْ في
الحالِ أنْ يَفْعَلَهُ أَوْ يَتْرُكَهُ، ثمَّ يَحْنَثُ بأنْ يَتْرُكَ ما
حَلَفَ على فِعْلِهِ، أَوْ يَفْعَلَ ما حَلَفَ على تَرْكِهِ، فَيُكَفِّرُ
كَفَّارَةَ يَمِينٍ.
3- لَغْوُ اليَمِينِ: وَهوَ أنْ يَحْلِفَ على ما غَلَبَ على ظَنِّهِ وَما لا يَقْصِدُهُ يَمِيناً.
الفوائدُ:
1- حِفْظُ الإِسلامِ للحقوقِ.
2- حُرْمَةُ مالِ المسلمِ إِلاَّ بحقٍّ.
3- حُبُّ النفوسِ للمالِ.
4- وُجُوبُ الخوفِ مِن اللَّهِ تَعَالَى.
5- وُجُوبُ الصدقِ في الدَّعْوَى.
6- التَّوَرُّعُ مِن الحَرَامِ.
7- البَيِّنَةُ حُجَّةُ المُدَّعِي.
8- البدءُ بالمُدَّعِي في الحُكْمِ.
9- زَجْرُ أهلِ الدَّعَاوَى الباطلةِ.
10- تَطْهِيرُ المجتمعِ مِنْ أهلِ الباطلِ.
11- الإِسلامُ دينُ العدالةِ.
12- تحريمُ الظُّلْمِ.
13- اليمينُ حُجَّةُ المُدَّعَى عَلَيْهِ.
14- وجوبُ حفظِ الأَيْمَانِ.
15- وجوبُ تعظيمِ الربِّ تَعَالَى.
16- شدَّةُ عذابِ مَنْ حَنِثَ في يَمِينِهِ بلا عُذْرٍ.
17- الحَلِفُ بغيرِ اللَّهِ تَعَالَى شِرْكٌ.
18- حُجَّةُ المُدَّعِي مُقَدَّمَةٌ على المُدَّعَى عَلَيْهِ.
19- القضاءُ لا يُحِلُّ حَرَاماً وَلا يُحَرِّمُ حَلالاً.
20- عِظَمُ أَجْرِ العَدْلِ في القضاءِ.
شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح
قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (
(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:
قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: (وهذا الحديثُ أصلٌ مَن أصولِ الأحكامِ، وأعظمُ مرجعٍ عندَ التَّنازعِ والخصامِ). وقالَ النَّوويُّ: (وهذا الحديثُ قاعدةٌ كبيرةٌ مِن قواعدِ أحكامِ الشَّرعِ). وهي أضربٌ: وفي روايَةِ مسلمٍ: قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمدَّعِي: ((شَاهِدَاكَ))، فإذا أقامَ المدَّعِي البيِّنَةَ استحقَّ بها ما ادَّعاهُ. قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمدَّعِي: ((أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟))قالَ: لا، قالَ: ((فَلَكَ يَمِينٌ؟)). يَحْلِفُ
كلُّ مدَّعًى عليهِ إذا توجَّهتْ عليهِ اليمينُ دونَ تفريقٍ بينَ مُدَّعًى
عليهِ وآخَرَ، وهذا ما ذهبَ إليهِ أحمدُ، والشَّافعيُّ، وأبو حَنيفةَ،
وحجَّتُهُم عمومُ الأحاديثِ الواردةِ في تحليفِ المدَّعَى عليهِ.
وضعَ هذا الحديثُ أسسَ الحكمِ بينَ النَّاسِ، حتَّى تُصانَ الحقوقُ، وتحفَظَ الأعراضُ ويُقامَ العدلُ، ويأخذَ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ.
أنواعُ البيِّنَةِ:
المقصودُ
بالبيِّنَةِ الشَّهادةُ، لأنَّها تكشفُ الحقَّ، وهي دليلٌ علَى صدقِ
المدَّعِي، وذلك أنَّ الشَّهادةَ تعتمدُ علَى الحضورِ والمعاينةِ لما
ادَّعاهُ المدَّعِي.
1 - الزِّنَا، قالَ تعالَى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}، وقالَ تعالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ}، فشهادةُ الزِّنَا يُشْتَرَطُ فيها أن تكونَ أربعةً مِن الرِّجالِ ولا تُقْبَلُ شهادةُ النِّساءِ.
2 - القتلُ، والسَّرقةُ، والخمرُ، والقذفُ، وتُسَمَّى عندَ الفقهاءِ بالحدودِ، قالَ تعالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}،
فلا بدَّ مِن شهادةِ رجلين، ولا تُقبَلُ شهادةُ النِّساءِ، وألحقَ بعضُ
الفقهاءِ الشَّهادةَ علَى النِّكاحِ والطَّلاقِ مع الحدودِ، فلا بدَّ مِن
شاهدينِ.
4 -
الرَّضاعُ والولادةُ والبكارةُ، مثلُ هذه الأمورِ لا يطَّلعُ عليها
الرِّجالُ تُقبَلُ شهادةُ النِّساءِ، وإن انفردْنَ عن الرِّجالِ، وقد
تُقْبَلُ شهادةُ المرأةِ الواحدةِ في بعضِ الأحيانِ: عن
عُقبةَ بنِ الحارثِ: (تَزوَّجتُ امرأةً فجاءَتْنَا امرأةٌ سوداءُ فقالَتْ
أَرْضَعْتُكُمَا، فأتيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقلْتُ: تزوجْتُ فلانةً بنتَ فلانٍ، فجاءَتْنَا امرأةٌ سوداءُ فقالَتْ لي:
إنِّي قد أرضعتُكُمَا، وهي كاذبةٌ، فَأَعْرَضَ عنه، فأتيتُهُ مِن قِبَلِ
وجهِهِ قلْتُ: إنَّها كاذبةٌ) قالَ: ((كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ)). ففارَقَها عُقبةُ ونَكَحَتْ زوجًا غيرَهُ.
والشَّاهدُ في الحديثِ أنَّهُ لم يشهدْ بذلك إلاَّ امرأةٌ واحدةٌ.
والبيِّنَةُ هي حُجَّةُ المدَّعِي، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((البيـِّنةُ علَى المدَّعِي)).
حُجَّةُ المدَّعِي تقدَّمُ علَى حُجَّةِ المدَّعَى عليهِ:
بعدَ
عرضِ القضيَّةِ علَى القاضي يُسألُ المدَّعَى عليهِ، فإن اعترفَ بما نُسِبَ
إليهِ قَضَى عليهِ القاضِي؛ لأنَّ الاعترافَ حجَّةٌ يُلزَمُ بها
المعترِفُ، وإذا أنكرَ ما نُسِبَ إليهِ، طلبَ القاضي مِن المدَّعِي إقامةَ
البيِّنَةِ، فإن أتَى بها قَضَى له ولم يعتدَّ بعدَ ذلك بإنكارِ المدَّعَى
عليهِ أو أيمانِهِ، فإن عجز المدَّعِي عن الإتيانِ بالبيَّنَةِ، وطلبَ مِن
خصمِهِ أن يحلِفَ، يَسْتَحْلِفُ القاضي المدَّعَى عليهِ، فإن حلَفَ برئَ
وانتهَتْ قضيَّتُهُمَا.
والحديثُ شاهدٌ علَى أن حجَّةَ المدَّعِي مقدَّمَةٌ علَى حجَّةِ المدَّعَى عليهِ.
الحكمُ بالشَّاهدِ مع اليمينِ:
إذا
لم يُقمِ المدَّعِي البيِّنَةَ كاملةً، بأنْ جاءَ بشاهدٍ واحدٍ والدَّعوةُ
لا تثبُتُ إلاَّ بشاهدينِ، فهل يُقْبَلُ اليمينُ بدلَ الشَّاهدِ؟ يُقضَى له
بشاهدٍ ويمينٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُما: أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قضَى بيمينٍ وشاهدٍ.
تحليفُ الشُّهودِ والمدَّعِي مع إقامتِهِ للبيِّنَةِ:
ويَجوزُ
للقاضِي أن يحلِّفَ الشُّهودَ والمدَّعِيَ ولو أقامَ البيِّنَةَ إذا شكَّ
في أمرِهِم، قالَ ابنُ رجبٍ الحنبليُّ: إنَّ الإمامَ أحمدَ سُئلَ عن هذه
المسألةِ فقالَ أحمدُ: قد فعلَهُ عليٌّ، فقالَ له السَّائلُ: أيستقيمُ هذا؟
فقالَ: قد فعلَهُ عليٌّ.
كما
ذهبَ إلَى ذلك ابنُ أبي ليلَى، وابنُ القيِّمِ، ومحمَّدُ بنُ بشيرٍ قاضي
قُرطبةَ، وقالَ ابنُ رجبٍ: (وقد دلَّ القرآنُ علَى استحلافِ الشُّهودِ عندَ
الارتيابِ بشهادتِهِم في الوصيَّةِ في السَّفرِ)في قولِهِ تَعالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحْدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ
آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} إلَى قولِهِ: {فَيُقْسِمَانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللهِ}، وهذه الآيَةُ لم يُنْسَخُ العملُ بها عندَ جمهورِ السَّلفِ.
النُّكولُ عن اليمينِ:
إذا
لم يَحْلِفِ المدَّعَى عليهِ عندَمَا يَأمرُهُ القاضي، اعتبرَ نكولَهُ هذا
مثلَ الاعترافِ والإقرارِ بدعوَى المدَّعِي؛ لأنَّهُ لو كانَ صادقًا في
إنكارِهِ لما توقَّفَ علَى اليمينِ الواجبةِ عليهِ، والمسلمُ السَّويُّ
صاحبُ العقلِ والدِّينِ لا يَمتنِعُ عن أداءِ الواجبِ، وهذا ما ذهبَ إليهِ
الأحنافُ، والحنابلةُ علَى تفصيلٍ عندَهُم فيما يُقبَلُ فيهِ مَن الحقوقِ
وفيما لا يُقبَلُ أيمانُ الْمُدَّعَى عليهِ: اليمينُ حجَّةُ المدَّعَى
عليهِ إذا لم يُقِمِ المدَّعِي البيِّنَةَ، وإذا حلفَ برئَ بها مَن دعوَى
المدَّعِي، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))، وفي روايَةِ مسلمٍ: ((أَوْ يَمِينـُهُ))،
والحكمةُ في كونِ اليمينِ علَى المدَّعَى عليهِ، لأنَّها أقلُّ قوَّةً مَن
البيِّنَةِ، كما أنَّهُ لا يدَّعِي أمرًا خفيًّا، وإنَّما هو يَتمسَّكُ
بالبراءةِ الأصليَّةِ.
وأن يُحَلِّفَ القاضي المدَّعَى عليهِ باللهِ عزَّ وجلَّ، ولا يحلُّ تحليفُهُ بغيرِ ذلك، قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ اللهَ يَنْهَاكـُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أَوْ لِيَصْمُتْ)).
يُستحَبُّ للقاضِي أن يعظَ مَن عليهِ الأيمانُ، ويُحذِّرَهُ مَن عاقبةِ الأيمانِ الكاذبةِ، ويذكرَّهُ بقولِهِ جلَّ وعلا:{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ}، وبقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ
حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ
هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ)).
فهذا ليسَ علَى الإِطلاقِ، فيُستثْنَى منها:
1 - في اللعانِ يقسمُ الزَّوجُ المدَّعِي.
2 - كذلكَ يقسمُ لو ادَّعَى أنَّهُ وطِئَ في مدَّةِ الإيلاءِ.
3 - تاركُ الصَّلاةِ إذا قالَ: صلَّيْتُ في البيتِ.
4 - في القسامةِ، فإنَّ الأيمانَ تكونُ علَى المدَّعِّي مع اللوثِ.
ثوابُ القاضِي:
يَجِبُ
علَى القاضي أن يَبْذُلَ جهدَهُ ووسعَهُ في تحرِّي الحقِّ والعدلِ، فإنْ
أصابَ الحقَّ في حكمِهِ كان له أجرانِ، وإن أخطأَ له أجرٌ واحدٌ، عن عمرِو بنِ العاصِ رَضِي اللهُ عَنْهُ، سمعَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ:((إِذَا
حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا
حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ)).
الْجَوْرُ في الْحُكْمِ مَن الكبائرِ:
يَجِبُ
علَى مَن يقدِّمُ نفسَهُ للقضاءِ أن يكونَ ذا علمٍ في الحلالِ والحرامِ
وأمورِ القضاءِ، ويحسِنُ الرُّجوعَ إلَى مصادرِ الشَّريعةِ عندما تُعرَضُ
عليهِ مشكلةٌ، فلا يحلُّ للجاهلِ أن يُقْحِمَ نفسَهُ في ميدانِ القضاءِ؛
لأنَّهُ قد يكونُ سببًا في إضاعةِ حقوقِ النَّاسِ وهدرِ دمائِهِم دونَ وجهِ
حقٍّ.
كما
يَجِبُ علَى القاضِي أن يراقِبَ اللهَ في حكمِهِ، وأن يحكمَ بالحقِّ
والعدلِ، فإنَّ الجورَ في هذا المقامِ مَن الكبائرِ الموجبةِ سقرَ، قالَ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((الْقُضَاةُ ثَلاَثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي
الْجَنَّةِ، رَجُلٌ عَلِمَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ،
وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ
عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ)).
جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (
(1) أصلُ هذا الحديثِ خَرَّجاهُ في (الصَّحيحينِ) مِن حديثِ ابنِ جُريجٍ، عن ابنِ أبي مُليكةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَوْ
يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ
وَأَمْوالَهُمْ، وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمَدَّعَى عَلَيْهِ)).
وخَرَّجاهُ أيضًا مِن روايَةِ نافعِ
بنِ عمرَ الْجُمَحِيِّ، عن ابنِ أبي مُليكةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّ
النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنَّ اليَمينَ عَلَى
الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وفي روايَةٍ لمسلِمٍ بعدَ قولِهِ،: ((إِذًا يَحْلِفَ))، قالَ: ((لَيْسَ لَكَ إِلا ذَلِكَ)). وخَرَّجَ الدارقُطنيُّ هذا المعنَى مِن وُجوهٍ مُتعَدِّدَةٍ ضَعيفةٍ. قالَ: ومعنَى قولِهِ: ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي)) يعني: يَسْتَحِقُّ بها ما ادَّعَى؛ لأنها واجبةٌ عليهِ يُؤْخَذُ بها، ومعنَى قولِهِ: ((الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))أي: يَبْرَأُ بها؛ لأنها واجبةٌ عليهِ، يُؤْخَذُ بها علَى كلِّ حالٍ، انتهَى. وقالَ
ابنُ عبدِ الْبَرِّ في روايَةِ سعيدِ بنِ عُبيدٍ: هذه روايَةُ أهلِ
العِراقِ عن بَشيرِ بنِ يَسارٍ، وروايَةُ أهلِ الْمَدينةِ عنه أَثْبَتُ،
وهم به أَقْعَدُ، ونَقْلُهم أصحُّ عندَ أهلِ العلْمِ. قالَ
ابنُ قُتَيْبَةَ: قولُهُ: اسْبَطَرَّتْ، يُريدُ: امْتَدَّتْ للإِرضاعِ،
وازْبَأَرَّت: اقْشَعَرَّتْ وتَنَفَّشَتْ. وكان يَقْضِي بنحوِ ذلك أبو بكرٍ
الشاميُّ مِن الشَّافعيَّةِ، ورَجَّحَ قولَهُ ابنُ عَقيلٍ مِنْ أصحابِنا. فيهِ ثلاثةُ أقوالٍ للعُلماءِ:
واللفظُ الذي ساقَهُ به الشيخُ ساقَهُ ابنُ الصَّلاحِ قَبْلَهُ في الأحاديثِ الكُلِّيَّاتِ، وقالَ: رواهُ البيهقيُّ بإسنادٍ حَسَنٍ.
وَخَرَّجَهُ الإِسماعيليُّ في (صحيحِهِ) مِن روايَةِ الوليدِ بنِ مُسلمٍ، حَدَّثنا ابنُ جُريجٍ، عن ابنِ أبي مُلَيكةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((لَوْ
يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ رِجَالٍ
وَأَمْوَالَهُمْ، وَلَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الطَّالِبِ، وَالْيَمِينُ
عَلَى الْمَطْلُوبِ)).
ورَوَى
الشَّافعيُّ: أَخْبَرَنا مسلِمُ بنُ خالدٍ، عن ابنِ جُريجٍ، عن ابنِ أبي
مُلَيكةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ قالَ: ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي)) قالَ الشافعيُّ: وأَحْسَبُهُ - ولا أُثْبِتُهُ - أنه قالَ: ((وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ)).
وروَى
مُحَمَّدُ بنُ عمرَ بنِ لُبابةَ الفقيهُ الأندلسيُّ، عن عُثمانَ بنِ
أيُّوبَ الأندلسيِّ - ووَصَفَهُ بالفَضْلِ -، عن غازي بنِ قَيسٍ، عن ابنِ
أبي مُلَيْكَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ، فذَكَرَ هذا الحديثَ، وقالَ: ((لَكِنِ الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنِ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ))
وغازي بنُ قَيسٍ الأندلسيُّ كبيرٌ صالحٌ، سَمِعَ مِن مالكٍ وابنِ جُرَيْجٍ
وطَبقتِهما، وسَقَطَ مِن هذا الإِسنادِ ابنُ جُرَيْجٍ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وقد اسْتَدَلَّ الإِمامُ أحمدُ وأبو عُبيدٍ بأنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ)).
وهذا يَدُلُّ علَى أنَّ اللَّفظَ عندَهما صحيحٌ مُحْتَجٌّ به، وفي المعنَى أحاديثُ كثيرةٌ.
ففي
(الصحيحين) عن الأشعثِ بنِ قَيسٍ قالَ: كانَ بَيْني وَبَيْنَ رَجُلٍ
خُصومَةٌ فِي بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنا إِلَى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ))، قلتُ: إذًا يَحْلِفَ ولا يُبالِيَ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ، لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ))، فأنْزَلَ اللَّهُ تَصديقَ ذلك، ثم اقْترأَ هذه الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} الآيَةَ [آل عمران: 77].
وَخَرَّجَهُ أيضًا مسلِمٌ بمعناهُ مِن حديثِ وائلِ بنِ حُجْرٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.
وخَرَّجَ
التِّرمذيُّ مِن حديثِ العَرْزَميِّ، عن عمرِو بنِ شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن
جَدِّهِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ في خُطبتِهِ:
((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))، وقالَ: في إسنادِهِ مَقالٌ، والعَرْزميُّ يَضَعَّفُ في الحديثِ مِن قِبَلِ حِفْظِهِ.
وخَرَّجَ
الدارقُطنيُّ مِن روايَةِ مسلِمِ بنِ خالدٍ الزِّنجيِّ - وفيهِ ضَعْفٌ -،
عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عمرِو بنِ شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ، عن النبيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ، إِلا فِي الْقَسَامَةِ)). ورواهُ الحفاظُ عن ابنِ جُرَيْجٍ، عن عمرٍو مُرْسَلاً.
وَخَرَّجَهُ
أيضًا مِن روايَةِ مُجاهِدٍ، عن ابنِ عمرَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ في خُطبتِهِ يومَ الفتحِ: ((الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ إِلا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ))، وَخَرَّجَهُ الطبرانيُّ، وعندَهُ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرِو بنِ العاصِ، وفي إسنادِهِ كلامٌ.
وروَى
حَجَّاجٌ الصَّوَّافُ، عن حُميدِ بنِ هِلالٍ، عن زيدِ بنِ ثابتٍ، قالَ:
قَضَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيُّمَا رَجُلٍ طَلَبَ عِنْدَ رَجُلٍ طِلْبَةً، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ هُوَ أَوْلَى بِالْيَمِينِ)).
خَرَّجَهُ أبو عُبيدٍ والبيهقيُّ، وإسنادُهُ ثِقاتٌ، إلا أنَّ حُمَيْدَ
بنَ هِلالٍ ما أَظُنُّهُ لَقِيَ زيدَ بنَ ثابتٍ، وَخَرَّجَهُ الدارقطنيُّ،
وزاد فيهِ: ((بِغَيْرِ شُهَدَاءَ)).
وخرَّج
النَّسائيُّ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، قالَ: جاءَ خَصمانِ إلَى النبيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، فَادَّعَى أَحَدُهُما عَلَى الآخَرِ
حَقًّا، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ للمُدَّعِي: ((أَقِمْ بيِّنَتَكَ))، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، مَا لِي بَيِّنَةٌ، فَقالَ للآخَرِ: ((احْلِفْ بِاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ: مَالَهُ عَلَيكَ أَوْ عِنْدَكَ شَيْءٌ)).
وقد رُوِيَ عن عمرَ أنَّهُ كَتَبَ إلَى أبي موسَى: إنَّ الْبيِّنةَ علَى الْمُدَّعِي، واليمينَ علَى مَن أَنْكَرَ.
وقَضَى بذلك زيدُ بنُ ثابتٍ علَى عمرَ لأُِبَيِّ بنِ كعبٍ ولم يُنْكِرَاهُ.
وقالَ
قَتادةُ: (فصلُ الْخِطابِ الذي أُوتِيَهُ داوُدُ عليهِ السلامُ هو: أنَّ
البيِّنَةَ علَى الْمُدَّعِي، واليمينَ علَى مَن أَنْكَرَ).
قالَ ابنُ الْمُنْذِرِ: (أَجمعَ أهلُ العلْمِ علَى أنَّ البيِّنَةَ علَى الْمُدَّعِي، واليمينَ علَى الْمُدَّعَى عليهِ).
وقد اخْتَلَفَ الفقهاءُ مِن أصحابِنا والشَّافعيَّةِ في تفسيرِ الْمُدَّعِي والْمُدَّعَى عليهِ.
فمِنهم مَن قالَ:
الْمُدَّعِي: هو الذي يُخلَّى وسكوتَهُ مِن الْخَصمينِ.
والْمُدَّعَى عليهِ: مَن لا يُخلَّى وسكوتَهُ منهما.
ومنهم مَن قالَ:
المدَّعِي: مَن يَطلبُ أمرًا خَفِيًّا علَى خِلافِ الأصلِ أو الظاهِرِ، والمدَّعَى عليها بخِلافِهِ.
وبَنَوْا علَى ذلك مَسألةً، وهي:
إذا أَسْلَمَ الزَّوجانِ الكافرانِ قبلَ الدُّخولِ، ثم اخْتَلَفَا، فقالَ
الزوجُ: أَسْلَمْنا معًا، فنِكَاحُنا باقٍ، وقالَت الزوجةُ: بل سَبَقَ
أحدُنا إلَى الإسلامِ، فالنِّكاحُ مُنْفَسِخٌ، فإن قُلنا: الْمُدَّعِي مَن
يُخَلَّى وسكوتَهُ، فالمرأةُ هي المدَّعِي، فيكونُ القولُ قولَ الزوجِ؛
لأنه مُدَّعًى عليهِ؛ إذ لا يُخَلَّى وسكوتَهُ، وإن قلنا: الْمُدَّعِي مَن
يَدَّعِي أمرًا خَفِيًّا، فالمدَّعِي هنا هو الزوجُ؛ إذ التقارُنُ في
الإِسلامِ خِلافُ الظاهِرِ، فالقولُ قولُ المرأةِ؛ لأنَّ الظَّاهرَ معها.
وأمَّا
الأمينُ إذا ادَّعَى التَّلَفَ، كالمودَعِ إذا ادَّعَى تَلَفَ الوديعةِ،
فقد قيلَ: إنه مُدَّعٍ؛ لأنَّ الأصلَ يُخالِفُ ما ادَّعاهُ، وإنَّما لم
يَحْتَجْ إلَى بَيِّنَةٍ؛ لأن المودِعَ ائْتَمَنَهُ، والائتمانُ يَقتضِي
قَبُولَ قولِهِ.
وقيلَ:
إنَّ الْمُدَّعِيَ الذي يَحتاجُ إلَى بَيِّنَةٍ هو الْمُدَّعِي ليُعْطَى
بدَعواهُ مالَ قومٍ أو دِماءَهم، كما ذَكَرَ ذلك في الحديثِ، فأمَّا
الأمينُ فلا يَدَّعِي ليُعْطَى شيئًا.
وقيلَ:
بل هو مُدَّعًى عليهِ؛ لأنه إذا سَكَتَ لم يُتْرَكْ، بل لا بدَّ له مِن
رَدِّ الجوابِ، والْمُودِعُ مُدَّعٍ؛ لأنه إذا سَكَتَ تُرِكَ؛ ولو ادَّعَى
الأمينُ رَدَّ الأمانةِ إلَى مَن ائْتَمَنَهُ؛ فالأكثرون علَى أنَّ قولَهُ
مَقبولٌ أيضًا كدَعْوَى التلَفِ.
وقالَ الأوزاعيُّ: لا يُقبلُ قولُهُ لأنه مُدَّعٍ.
وقال:َمالكٌ
وأحمدُ في روايَةٍ: إن ثَبَتَ قَبضُهُ للأمانةِ بِبَيِّنةٍ، لم يُقْبَلْ
قولُهُ في الرَّدِّ بدونِ الْبَيِّنَةِ، ووَجَّهَ بعضُ أصحابِنا ذلك بأنَّ
الإِشهادَ علَى دَفْعِ الحقوقِ الثابتةِ بالبيِّنةِ واجبٌ، فيكونُ تَرْكُهُ
تَفريطًا، فيَجِبُ به الضَّمانُ، وكذلك قالَ طائفةٌ منهم في دَفْعِ مالِ
اليتيمِ إليهِ: لا بُدَّ له مِن بَيِّنةٍ؛ لأن اللَّهَ تعالَى أَمَرَ
بالإِشهادِ عليهِ فيكونُ واجبًا.
وقد اخْتَلَفَ الفقهاءُ في هذا البابِ علَى قولينِ:
أحدُهما:
أنَّ البيِّنَةَ علَى الْمُدَّعِي أَبَدًا، واليمينَ علَى الْمُدَّعَى
عليهِ أبدًا، وهو قولُ أبي حَنيفةَ، ووَافَقَهُ طائفةٌ مِنَ الفُقهاءِ
والمحدِّثينَ كالبخاريِّ، وطَرَدُوا ذلك في كُلِّ دَعْوَى، حتَى في
القَسامةِ، وقالُوا: لا يَحلِفُ إلا الْمُدَّعَى عليهِ، ورَأَوْا أن لا
يُقْضَى بشَاهِدٍ ويَمينٍ؛ لأنَّ اليمينَ لا تكونُ علَى الْمُدَّعِي،
ورَأَوْا أنَّ اليمينَ لا تُرَدُّ علَى الْمُدَّعِي؛ لأنها لا تكونُ إلا في
جانبِ المُنكِرِ الْمُدَّعَى عليهِ.
واسْتَدَلُّوا
في مَسألةِ القَسامةِ بما رَوَى سعيدُ بنُ عُبيدٍ، حَدَّثَنا بَشيرُ بنُ
يَسارٍ الأنصاريُّ، عن سَهْلِ بنِ أبي حَثْمةَ، أنَّهُ أَخْبَرَهُ أنَّ
نَفَرًا منهمُ انْطَلَقوا إلَى خَيْبَرَ، فتَفَرَّقوا فيها، فوَجَدُوا
أحدَهم قتيلاً، فذَكَرَ الحديثَ، وفيهِ: فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَأْتُونِي بِالبَيِّنَةِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ))، قالُوا: ما لَنَا بَيِّنَةٌ، قالَ: ((فَيَحْلِفُونَ))،
قالُوا: لا نَرْضَى بِأَيْمانِ اليَهُودِ، فَكَرِهَ النَّبيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُطَلَّ دَمُهُ، فَوَدَاهُ مِائَةً مِنْ
إِبلِ الصَّدَقَةِ.
خَرَّجَهُ
البخاريُّ، وَخَرَّجَهُ مسلِمٌ مُخْتَصَرًا ولم يُتِمَّهُ، ولكنَّ هذه
الروايَةَ تُعارِضُ روايَةَ يحيَى بنِ سعيدٍ الأنصاريِّ، عن بَشيرِ بنِ
يَسَارٍ، عن سهلِ بنِ أبي حَثمةَ، فذَكَرَ قِصَّةَ القتيلِ، وقالَ فيهِ:
فذَكَرُوا لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَقتلَ عبدِ
اللَّهِ بنِ سَهْلٍ، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ))، وهذه هي الروايَةُ المشهورةُ الثابتةُ الْمُخَرَّجَةُ بلفظِها بكَمالِها في (الصحيحينِ).
وقد
ذَكَرَ الأئمَّةُ الْحُفَّاظُ أنَّ روايَةَ يحيَى بنِ سعيدٍ أصحُّ مِن
روايَةِ سعيدِ بنِ عُبيدٍ الطَّائيِّ؛ فإنه أَجَلُّ وأَعلمُ وأَحفظُ، وهو
مِن أهلِ المدينةِ، وهو أَعلمُ بحديثِهم مِن الْكُوفيِّينَ.
وقد
ذَكرَ الإِمامُ أحمدُ مُخالَفَةَ سعيدِ بنِ عُبيدٍ ليحيَى بنِ سعيدٍ في هذا
الحديثِ، فنَفَضَ يَدَهُ، وقالَ: ذاك ليس بشيءٍ، رواهُ علَى ما يَقولُ
الكُوفِيُّون، وقالَ: أَذْهَبُ إلَى حديثِ الْمَدِنِيِّينَ يحيَى بنِ
سعيدٍ. وقالَ النَّسائيُّ: لا نَعلمُ أحدًا تابعَ سعيدَ بنَ عُبيدٍ علَى
روايتِهِ عن بَشيرِ بنِ يَسارٍ، وقالَ مسلِمٌ في كتابِ (التمييزِ): لم
يَحْفَظْهُ سعيدُ بنُ عُبيدٍ علَى وَجْهِهِ؛ لأن جميعَ الأخبارِ فيها سؤالُ
النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إيَّاهم قَسامةَ خَمسين
يَمينًا، وليس في شيءٍ مِن أخبارِهم أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ
وَسَلَّمَ سَأَلَهم البَيِّنَةَ، وتَرْكُ سعيدٍ القَسامةَ، وتَوَاطُؤُ
الأخبارِ بخَلافِهِ يَقْضِي عليهِ بالغَلَطِ، وقد خالَفَهُ يحيَى بنُ
سعيدٍ.
قلتُ:
وسعيدُ بنُ عُبيدٍ اخْتَصَرَ قِصَّةَ القَسامةِ، وهي مَحفوظةٌ في الحديثِ،
وقد خَرَّجَ النَّسائيُّ مِن حديثِ عمرِو بنِ شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن
جَدِّهِ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ طَلَبَ مِنْ
وَلِيِّ القَتيلِ شَاهِدَيْنِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ، فَقالَ: (وَمِنْ أَيْنَ
أُصيبُ شاهِدَينِ؟) قالَ: ((فَتَحْلِفُ خَمْسِينَ قَسَامَةً؟))، قالَ: (كَيْفَ أَحلِفُ عَلَى مَا لَمْ أَعْلَمْ؟) قالَ: ((فَتَسْتَحْلِفُ مِنْهُمْ خَمْسِينَ قَسَامَةً))فهذا
الحديثُ يُجْمَعُ به بينَ رِوَايَتَيْ سعيدِ بنِ عُبيدٍ ويحيَى بنِ سعيدٍ،
ويكونُ كلٌّ منهما تَرَكَ بعضَ الْقِصَّةِ، فتَرَكَ سعيدٌ ذِكْرَ قَسامةِ
الْمُدَّعِينَ، وتَرَكَ يحيَى ذِكْرَ الْبَيِّنَةِ قبلَ طَلَبِ القَسامةِ،
واللَّهُ أَعْلَمُ.
وأَمَّا مَسألةُ الشَّاهدِ مع اليمينِ:
فاسْتَدَلَّ مَن أَنْكَرَ الْحُكْمَ بالشَّاهدِ واليمينِ بحديثِ: ((شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ)) وقولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((لَيْسَ لَكَ إِلا ذَلِكَ))،
وقد تَكَلَّمَ القاضي إسماعيلُ المالكيُّ في هذه اللفظةِ، وقالَ:
تَفَرَّدَ بها مَنصورٌ عن أبي وائلٍ، وخالَفَهُ سائرُ الرُّواةِ، وقالُوا:
إنَّهُ سألَهُ: ((أَلَكَ بَيِّنَةٌ أَمْ لا؟)) والبيِّنَةُ لا تَقِفُ علَى الشَّاهدينِ فقط، بل تَعُمُّ سائرَ ما يُبَيِّنُ الْحَقَّ.
وقالَ
غيرُهُ: يَحْتَمِلُ أن يُريدَ بشاهِدَيْهِ كلَّ نوعينِ يَشهدانِ
للمُدَّعِي بصِحَّةِ دعواهُ يَتبيَّنُ بهما الحقُّ، فيَدخُلُ في ذلك شهادةُ
الرجلينِ، وشهادةُ الرَّجُلِ مع المرأتينِ، وشهادةُ الواحدِ مع اليمينِ،
وقد أقامَ اللَّهُ سُبحانَهُ أَيْمَانَ الْمُدَّعِي مَقامَ الشُّهودِ في
اللِّعانِ.
وقولُهُ في تَمامِ الحديثِ: ((لَيْسَ لَكَ إِلا ذَلِكَ)).
لم يُرِدْ به النَّفيَ العامَّ بل النَّفيَ الخاصَّ، وهو الذي أرادَهُ
المدَّعِي، وهو أن يكونَ القولُ قولَهُ بغيرِ بَيِّنةٍ، فمَنَعَهُ مِن ذلك،
وأبَى ذلك عليهِ، وكذلك قولُهُ في الحديثِ الآخَرِ: ((وَلَكِنِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))إنما أُريدَ بها اليمينُ الْمُجَرَّدَةُ عن الشهادةِ، وأوَّلُ الحديثِ يَدُلُّ علَى ذلك، وهو قولُهُ: ((لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالَهُمْ))، فَدَلَّ علَى أنَّ قولَهُ: ((الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))
إنما هي الْيَمينُ القاطعةُ للمُنازَعَةِ مع عَدَمِ الْبَيِّنَةِ، وأمَّا
اليمينُ الْمُثْبِتَةُ للحقِّ مع وُجودِ الشهادةِ، فهذا نوعٌ آخَرُ، وقد
ثَبَتَ بِسُنَّةٍ أُخْرَى.
وأمَّا ردُّ اليمينِ علَى الْمُدَّعِي:
فالمشهورُ عن أحمدَ مُوافَقَةُ أبي حَنيفةَ، وأنَّها لا تُرَدُّ، واسْتَدَلَّ أحمدُ بحديثِ:((الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))،
وقالَ في روايَةِ أبي طالبٍ عنه: ما هو ببعيدٍ أن يُقالَ له: تَحْلِفُ
وتَستحقُّ، واختارَ ذلك طائفةٌ مِنْ مُتأخِّرِي الأصحابِ، وهو قولُ مالكٍ
والشافعيِّ وأبي عُبَيْدٍ، ورُوِيَ عن طائفةٍ مِنَ الصَّحابةِ، وقد وَرَدَ
فيهِ حديثٌ مرفوعٌ خَرَّجَهُ الدارقُطنيُّ وفي إسنادِهِ نَظَرٌ.
قالَ
أبو عُبيدٍ: ليس هذا إزالةً لليمينِ عن مَوْضِعِها؛ فإنَّ الإِزالةَ أن لا
يُقْضَى باليمينِ علَى المطلوبِ، فأمَّا إذا قُضِيَ بها عليهِ فرَضِيَ
بيمينِ صاحبِهِ، كان هو الحاكمَ علَى نفسِهِ بذلك؛ لأنه لو شاءَ لَحَلَفَ
وبَرِئَ، وبَطَلَتْ عنه الدَّعوَى.
والقولُ الثاني في المسألةِ:
أنَّهُ يُرَجَّحُ جانبُ أقوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وتُجعلُ اليمينُ في جانِبِهِ، هذا مَذهبُ مالِكٍ،
وكذا ذَكَرَ القاضي أبو يَعْلَى في خِلافِهِ أنه مَذهبُ أحمدَ، وعلَى هذا
تَتَوَجَّهُ المسائلُ التي تَقَدَّمَ ذِكْرُها مِن الْحُكْمِ بالقَسامةِ
والشَّاهِدِ واليمينِ، فإنَّ جانبَ الْمُدَّعِي في القَسامةِ لمَّا قَوِيَ
باللَّوْثِ جُعِلَت اليمينُ في جانبِهِ، وحُكِمَ له بها، وكذلك الْمُدَّعِي
إذا أقامَ شاهدًا، فإنه قَوِيَ جانبُهُ، فحَلَفَ معه، وقُضِيَ له.
وهؤلاءِ لهم في الجوابِ عن قولِهِ:
((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي)) طريقانِ:
أحدُهما: أنَّ هذا خُصَّ مِن هذا العمومِ بدليلٍ.
والثاني: أنَّ قولَهُ: ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي)) ليس بعامٍّ؛ لأنَّ المرادَ: علَى الْمُدَّعِي المعهودِ، وهو مَن لا حُجَّةَ له سوَى الدَّعوَى كما في قولِهِ: ((لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ))، فأمَّا الْمُدَّعِي الذي معه حُجَّةٌ تُقَوِّي دَعواهُ فليس داخلاً في هذا الحديثِ.
وطريقٌ ثالثٌ وهو أنَّ الْبَيِّنَةَ: كُلُّ ما بَيَّنَ صِحَّةَ دعوَى الْمُدَّعِي وشَهِدَ بصِدْقِهِ، فاللوثُ مع القَسامةِ بَيِّنةٌ، والشَّاهدُ مع اليمينِ بَيِّنَةٌ.
وطريقٌ رابعٌ سَلَكَهُ بعضُهم: وهو الطَّعنُ في صحَّةِ هذه اللفظةِ، أَعْنِي قولَهُ: ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي))، وقالُوا: إنَّما الثَّابِتُ هو قولُهُ: ((الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ)).
وقولُهُ: ((لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ، لادَّعَى قَوْمٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ))، يَدُلُّ علَى أنَّ مُدَّعِيَ الدَّمِ والمالِ لا بُدَّ له مِنْ بَيِّنَةٍ تَدُلُّ علَى ما ادَّعاهُ.
ويَدْخُلُ
في عُمومِ ذلك أنَّ مَنِ ادَّعَى علَى رجلٍ أنَّهُ قَتَلَ مَوروثَهُ، وليس
معه إلا قولُ المقتولِ عندَ موتِهِ: جَرَحَنِي فلانٌ، أنَّهُ لا يُكْتَفَى
بذلك، ولا يكونُ بِمُجَرَّدِهِ لَوْثًا، وهذا قولُ الجمهورِ، خِلافًا
للمالكيَّةِ، وأنهم جَعَلُوهُ لَوْثًا يُقْسِمُ معه الأولياءُ،
ويَستحِقُّونَ الدَّمَ.
ويَدخلُ
في عُمومِهِ أيضًا مَن قَذَفَ زَوجتَهُ وَلاعَنَهَا؛ فإنَّهُ لا يُباحُ
دَمُها بِمُجرَّدِ لِعَانِها، وهو قولُ الأكثرينَ خِلافًا للشافعيِّ،
واختارَ قولَهُ الجوزجانيُّ؛ لظاهِر قولِهِ عزَّ وجلَّ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: 8]، والأوَّلونَ مِنهم مَن حَمَلَ العذابَ علَى الْحَبْسِ، وقالُوا: إن لم تُلاعِنْ حُبِسَتْ حتَى تُقِرَّ أو تُلاعِنَ، وفيهِ نَظَرٌ.
ولو ادَّعت امرأةٌ علَى رجُلٍ أنَّهُ اسْتَكْرَهَها علَى الزِّنَى، فالجمهورُ أنَّهُ لا يَثْبُتُ بدعواها عليهِ شيءٌ.
وقالَ
أَشهبُ مِن المالكيَّةِ: لها الصَّدَاقُ بيَمينِها، وقالَ غيرُهُ منهم:
لها الصَّداقُ بغيرِ يَمينٍ، هذا كلُّهُ إذا كَانتْ ذاتَ قَدْرٍ، وادَّعتْ
ذلك علَى مُتَّهمٍ تَليقُ به الدَّعْوَى، وإن كان الْمَرْمِيُّ بذلك مِنْ
أهلِ الصَّلاحِ، ففي حَدِّها للقَذْفِ عن مالِكٍ رِوايتانِ.
وقد
كان شُريحٌ وإياسُ بنُ مُعاويَةَ يَحْكُمانِ في الأموالِ المتنازَعِ فيها
بِمُجَرَّدِ القَرائنِ الدَّالَّةِ علَى صِدْقِ أحدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ،
وقَضَى شُريحٌ في أولادِ هِرَّةٍ تَداعاها امرأتانِ، كلٌّ منهما تَقولُ: هي
وَلَدُ هِرَّتِي، قالَ شُريحٌ: أَلْقِها مع هذه، فإن هي قَرَّتْ ودَرَّتْ
واسْبَطَرَّتْ فهي لها، وإن هي فَرَّتْ وهَرَّتْ وازْبَأَرَّتْ فليس لها.
وقد
رُوِيَ عن الشافعيِّ وأحمدَ استحسانُ قولِ القافَةِ في سَرِقَةِ الأموالِ،
والأخذُ بذلك، ونَقَلَ ابنُ مَنصورٍ عن أحمدَ: إذا قالَ صاحبُ الزَّرعِ:
أَفْسَدَتْ غَنَمُكَ زَرْعِي باللَّيلِ، يُنْظَرُ في الأَثَرِ، فإن لم يكنْ
أَثَرُ غَنَمِهِ في الزَّرعِ، لا بُدَّ لصاحبِ الزَّرعِ مِن أن يَجيءَ
بالبَيِّنَةِ.
قالَ
إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ: كما قالَ أحمدُ؛ لأنه مُدَّعٍ، وهذا يَدُلُّ علَى
اتِّفاقِهما علَى الاكتفاءِ برُؤيَةِ أَثَرِ الْغَنَمِ، وأنَّ الْبَيِّنَةَ
إنَّما تُطْلَبُ عندَ عَدَمِ الأثرِ.
وقولُهُ: ((وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))
يَدُلُّ علَى أنَّ كلَّ مَنِ ادَّعَى عليهِ دَعْوَى فأَنْكَرَ، فإنَّ
عليهِ اليَمينَ، وهذا قولُ أكثرِ الفُقهاءِ، وقالَ مالِكٌ: إنَّما تَجِبُ
اليمينُ علَى الْمُنكِرِ إذا كان بينَ المتداعِيَيْنِ نوعُ مُخالَطَةٍ؛
خَوفًا مِن أن يَتَبَذَّلَ السُّفهاءُ الرؤساءَ بطَلَبِ أَيْمَانِهم.
وعندَهُ:
لو ادَّعَى علَى رَجُلٍ أنَّهُ غَصَبَهُ، أو سَرَقَ منه، ولم يكن
الْمُدَّعَى عليهِ مُتَّهَمًا بذلك، لم يُستَحلَف الْمُدَّعَى عليهِ،
وحُكِيَ أيضًا عن القَاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ، وحُمَيْدِ بنِ عبدِ الرحمنِ،
وحكاهُ بعضُهم عن فُقهاءِ المدينةِ السَّبعَةِ، فإن كان مِن أهلِ الفضلِ،
وممَّن لا يُشارُ إليهِ بذلك، أُدِّبَ الْمُدَّعِي عندَ مالِكٍ،
ويُسْتَدَلُّ بقولِهِ: ((الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ))علَى أنَّ الْمُدَّعِيَ لا يَمينَ عليهِ، وإنَّما عليهِ الْبَيِّنَةُ، وهو قولُ الأَكْثَرِينَ.
ورُوِيَ
عن عليٍّ أنَّهُ أَحْلَفَ الْمُدَّعِيَ مع بَيِّنَتِهِ أنَّ شُهودَهُ
شَهِدُوا بِحَقٍّ، وفَعَلَهُ أيضًا شُريحٌ، وعبدُ اللَّهِ بنُ عُتبةَ بنِ
مسعودٍ، وابنُ أبي ليلَى، وسَوَّارٌ الْعَنْبَرِيُّ، وعُبيدُ اللَّهِ بنُ
الحسَنِ، ومحمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ الأنصاريُّ، ورُوِيَ عن النَّخَعِيِّ
أيضًا.
وقالَ إسحاقُ: (إذا اسْتَرَابَ الحاكمُ، وَجَبَ ذلك).
وسَأَلَ
مُهَنَّا الإمامَ أحمدَ عن هذه المسألةِ، فقالَ أحمدُ: قد فَعَلَهُ عليٌّ،
فقالَ له: أَيَستقيمُ هذا؟ فقالَ: قد فَعَلَهُ عليٌّ، فأَثْبَتَ القاضي
هذا روايَةً عن أحمدَ، لكنه حَمَلَها علَى الدَّعوَى علَى الغائبِ
والصَّبِيِّ، وهذا لا يَصِحُّ؛ لأنَّ عَلِيًّا إنَّما حَلَّفَ المدَّعِيَ
مع بيِّنتِهِ علَى الحاضرِ معه، وهؤلاءِ يقولون: هذه اليمينُ لتَقويَةِ
الدَّعْوَى إذا ضَعُفَتْ باسترَابَةِ الشُهودِ كاليمينِ معِ الشَّاهدِ
الواحدِ. وكان بعضُ المتقدِّمينَ يُحَلِّفُ الشُّهودَ إذا اسْتَرَابَهم
أيضًا، ومِنهم سوَّارٌ العَنْبَرِيُّ قاضي البصرةِ، وجَوَّزَ ذلك القاضي
أبو يَعْلَى مِن أصحابِنا لوَالِي الْمَظالِمِ دونَ القُضاةِ.
وقد قالَ ابنُ عَبَّاسٍ في المرأةِ الشَّاهِدةِ علَى الرَّضاعِ: إنها تُسْتَحْلَفُ، وأَخَذَ به الإِمامُ أحمدُ.
وقد دَلَّ القرآنُ علَى استحلافِ الشهودِ عندَ الارتيابِ بشَهادتِهم في الوَصِيَّةِ في السفَرِ في قولِهِ تعالَى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ
الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ
آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} إلَى قولِهِ: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ إِنِ ارْتَبتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: 106]،
وهذه الآيَةُ لم يُنْسَخِ العملُ بها عندَ جُمهورِ السَّلفِ، وقد عَمِلَ
بها أبو موسَى، وابنُ مسعودٍ، وأَفْتَى بها عليٌّ وابنُ عَبَّاسٍ، وهو
مَذهبُ شُريحٍ، والنَّخَعِيِّ، وابنِ أبي ليلَى، وسُفيانَ، والأوزاعيِّ،
وأحمدَ، وأبي عُبيدٍ، وغيرِهم، قالُوا: تُقْبَلُ شَهادةُ الكُفَّارِ في
وَصيَّةِ المسلمينَ في السَّفَرِ،ويُسْتَحْلَفانِ مع شَهادَتِهما.
وهل
يَمينُهما مِن بابِ تَكميلِ الشهادةِ، فلا يُحْكَمُ بشهادَتِهما بدونِ
يمينٍ، أمْ مِن بابِ الاستظهارِ عندَ الرِّيبَةِ؟ وهذا مُحْتَمَلٌ،
وأصحابُنا جَعلوها شرْطًا، وهو ظاهرُ ما رُوِيَ عن أبي موسَى وغيرِهِ.
وقد
ذَهَبَ طائفةٌ مِن السَّلَفِ إلَى أنَّ اليمينَ مع الشاهِدِ الواحدِ هو مِن
بابِ الاستظهارِ، فإن رأَى الحاكمُ الاكتفاءَ بالشَّاهدِ الواحدِ، لبُروزِ
عَدَالتِهِ، وظُهورِ صِدْقِهِ، اكْتَفَى بشَهادتِهِ بدونِ يمينِ الطالِبِ.
وقولُهُ:
{فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا فَآخَرَانِ
يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيهِمُ الأُولَيَانِ
فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِمَا} [المائدة: 107]
يَدُلُّ علَى أنَّهُ إذا ظَهَرَ خَلَلٌ في شَهادةِ الْكُفَّارِ، حَلَفَ
أولياءُ الْمَيِّتِ علَى خِيانتِهما وكَذِبِهما، واسْتَحَقُّوا ما حَلَفُوا
عليهِ، وهذا قولُ مُجَاهِدٍ وغيرِهِ مِن السلَفِ.
ووَجْهُ
ذلك أنَّ اليمينَ في جانبِ أقوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وقد قَوِيَتْ ها هنا
دعوَى الوَرَثَةِ بظُهورِ كَذِبِ الشُّهودِ الكُفَّارِ، فتُرَدُّ اليمينُ
علَى الْمُدَّعِينَ، ويَحْلِفون مع اللَّوْثِ، ويَستحقُّون ما ادَّعَوهُ،
كما يَحْلِفُ الأولياءُ في القَسامةِ مع اللَّوْثِ، ويَسْتَحِقُّون بذلك
الدِّيَةَ والدَّمَ أيضًا عندَ مالكٍ وأحمدَ وغيرِهما.
وقَضَى
ابنُ مسعودٍ في رَجُلٍ مسلمٍ حَضَرَهُ الموتُ، فأَوْصَى إلَى رَجلينِ
مُسلِمَيْنِ معه، وسَلَّمَهما ما معه مِنَ المالِ، وأَشْهَدَ علَى
وَصيَّتِهِ كُفَّارًا، ثم قَدِمَ الوَصِيَّان، فدَفَعَا بعضَ المالِ إلَى
الوَرَثَةِ، وكَتَمَا بعضَهُ، ثمَّ قَدِمَ الكفَّارُ، فشَهِدُوا عليهم بما
كَتَمُوهُ مِنَ المالِ، فدعا الوَصِيَّينِ المسلِمَينِ، فاستَحْلَفَهما: ما
دَفَعَ إليهما أكثرَ ممَّا دَفعاهُ، ثم دَعَا الكفَّارَ، فشَهِدُوا
وحَلَفوا علَى شهادَتِهم، ثم أَمَرَ أولياءَ الْمَيِّتِ أن يَحْلِفوا أنَّ
ما شَهِدَتْ به اليهودُ والنصارَى حقٌّ، فحَلَفُوا، فقضَى علَى
الوصِيَّيْنِ بما حَلَفُوا عليهِ، وكان ذلك في خِلافةِ عُثمانَ، وتَأوَّلَ
ابنُ مَسعودٍ الآيَةَ علَى ذلك، فكأنَّهُ قابلَ بينَ يمينِ الأوصياءِ
والشُّهودِ الكُفَّارِ فأَسْقَطَهُما، وبَقِيَ مع الوَرثةِ شَهادةُ
الكُفَّارِ، فحَلَفُوا معها، واسْتَحَقُّوا؛ لأنَّ جانبَهم تَرَجَّحَ
بشهادةِ الكُفَّارِ لهم، فجَعَلَ اليمينَ مع أقوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ،
وقَضَى بها.
واختَلَفَ الفُقهاءُ:
هل
يُستحْلَفُ في جميعِ حقوقِ الآدَمِيِّينَ كقولِ الشافعيِّ وروايَةٍ عن
أحمدَ أو لا يُسْتَحْلَفُ إلا فيما يُقْضَى فيهِ بالنُّكولِ كروايَةٍ عن
أحمدَ؟ أو لا يُسْتَحْلَفُ إلا فيما يَصِحُّ بَذْلُهُ كما هو المشهورُ عن
أحمدَ؟ أو لا يُسْتَحْلَفُ إلا في كلِّ دعوَى لا تَحتاجُ إلَى شَاهدينِ كما
حُكِيَ عن مالِكٍ؟
وأمَّا
حقوقُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فمِن العلماءِ مَن قالَ: لا يُسْتَحْلَفُ فيها
بحالٍ، وهو قولُ أصحابِنا وغيرِهم، ونَصَّ عليهِ أحمدُ في الزَّكاةِ، وبه
قالَ طاوُوسٌ والثوريُّ والحسَنُ بنُ صالحٍ وغيرُهم.
وقالَ
أبو حَنيفةَ ومالكٌ واللَّيثُ والشافعيُّ: إذا اتُّهِمَ؛ فإنَّهُ
يُسْتَحْلَفُ، وكذا حُكِيَ عن الشَّافعيِّ فيمَن تَزَوَّجَ مَنْ لا تَحِلُّ
له، ثمَّ ادَّعَى الْجَهْلَ، أنَّهُ يُحَلَّفُ علَى دَعواهُ، وكذا قالَ
إسحاقُ في طَلاقِ السَّكرانِ: يَحْلِفُ أنَّهُ ما كان يَعقِلُ، وفي طلاقِ
النَّاسي: يَحْلِفُ علَى نِسيانِهِ، وكذا قالَ القاسمُ بنُ محمَّدٍ وسالِمُ
بنُ عبدِ اللَّهِ في رَجُلٍ قالَ لامرأتِهِ: أنتِ طالقٌ: يَحْلِفُ أنَّهُ
ما أرادَ به الثَّلاثَ، وتُرَدُّ إليهِ.
وخَرَّجَ
الطبرانيُّ مِن روايَةِ أبي هارونَ العَبديِّ، عن أبي سعيدٍ الْخُدريِّ
قالَ: كان أُناسٌ مِنَ الأعرابِ يَأتونَ بلَحْمٍ، فكان في أَنْفُسِنا منه
شيءٌ، فذَكَرْنا ذلك لرسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ،
فقالَ: ((اجْهَدُوا أَيْمَانَهُمْ إِنَّهُمْ ذَبَحُوهَا، ثُمَّ اذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا))وأبو هارونَ ضَعيفٌ جِدًّا.
وأمَّا الْمُؤْتَمَنُ في حُقوقِ الآدَميِّينَ حيث قُبِلَ قولُهُ، فهل عليهِ يمينٌ أم لا؟
أحدُها: لا يَمينَ عليهِ؛ لأنه صَدَّقَهُ بائتمانِهِ، ولا يَمينَ مع التَّصديقِ، وبالقياسِ علَى الحاكِمِ، وهذا قولُ الحارثِ العُكْلِيِّ.
والثاني: عليهِ اليمينُ؛ لأنه مُنْكِرٌ، فيَدْخُلُ في عُمومِ قولِهِ: ((وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ))، وهو قولُ شُريحٍ، وأبي حَنيفةَ، والشَّافعيِّ، ومالكٍ في روايَةٍ، وأكثرِ أصحابِنا.
والثالثُ: لا يَمينَ عليهِ إلا أن يُتَّهَمَ وهو نصُّ أحمدَ، وقولُ مالِكٍ في روايَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ ائتمانِهِ.
وأمَّا إذا قامتْ قرينةٌ تُنافِي حالَ الائتمانِ، فقد اختلَّ معنَى الائتمانِ.
وقولُهُ: ((الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ))
إنما أُريدَ به إذا ادَّعَى علَى رجُلٍ ما يَدَّعِيهِ لنفسِهِ، ويُنْكِرُ
أنَّهُ لِمَن ادَّعَاهُ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي أوَّلِ الحديثِ: ((لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ))،
فأمَّا مَن ادَّعَى ما ليس له مُدَّعٍ لنفسِهِ، مُنْكِرٌ لدعواهُ، فهذا
أسهلُ مِنَ الأوَّلِ، ولا بُدَّ للمدَّعِي هنا مِن بَيِّنةٍ، ولكَن
يُكْتَفَى مِنَ البَيِّنَةِ هنا بما لا يُكْتَفَى بها في الدَّعوَى علَى
الْمُدَّعِي لنفسِهِ الْمُنْكِرِ.
ويَشهدُ لذلك مَسائلُ:
منها:
اللُّقَطَةُ إذا جاءَ مَن وَصَفَها، فإنَّها تُدفَعُ إليهِ بغيرِ
بَيِّنَةٍ بالاتِّفاقِ، لكن منهم مَن يقولُ:يَجوزُ الدَّفعُ إذا غَلَبَ
علَى الظَّنِّ صِدقُهُ، ولا يَجبُ، كقولِ الشافعيِّ وأبي حَنيفةَ، ومنهم
مَن يقولُ: يَجبُ دفعُها بذكرِ الوصفِ المطابِقِ، كقولِ مالكٍ وأحمدَ.
ومنها:
الغَنيمةُ إذا جاءَ مَن يَدَّعِي منها شيئًا، وأنه كان له، واستولَى عليهِ
الكُفَّارُ، وأقامَ علَى ذلك ما يُبَيِّنُ أنَّهُ له اكْتُفِيَ به،
وسُئِلَ عن ذلك أحمدُ وقيلَ له: فيريدُ علَى ذلك بَيِّنَةً؟ قالَ: لا بُدَّ
مِنْ بيانٍ يَدُلُّ علَى أنَّهُ له، وإن عُلِمَ ذلك، دفَعَهُ إليهِ
الأميرُ.
ورَوَى
الْخَلالُ بإسنادِهِ، عن الرُّكَيْنِ بنِ الربيعِ، عن أبيهِ قالَ: جُشِرَ
لأخي فَرَسٌ بعينِ التمْرِ، فرآه في مَرْبَطِ سعدٍ، فقالَ: فَرَسِي، فقالَ
سعدٌ: ألك بَيِّنَةٌ؟ قالَ: لا، ولكن أَدْعُوهُ، فَيُحَمْحِمُ، فدَعاهُ
فَحَمْحَمَ، فأعطاهُ إيَّاهُ، وهذا يَحْتَمِلُ أنه كان لَحِقَ بالعدوِّ، ثم
ظَهَرَ عليهِ المسلمون، ويَحْتَمِلُ أنه عُرِفَ أنه ضالٌّ، فوُضِعَ بينَ
الدوابِّ الضالَّةِ، فيكونُ كاللُّقَطَةِ.
ومنها:
الغُصوبُ إذا عُلِمَ ظُلمُ الوُلاةِ، وطُلِبَ رَدُّها مِن بيتِ المالِ،
قالَ أبو الزِّنَادِ: كان عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ يَرُدُّ المظالِمَ إلَى
أهلِها بغيرِ الْبَيِّنَةِ القاطِعَةِ، كان يَكْتَفِي باليسيرِ، إذا عَرَفَ
وجهَ مَظْلِمَةِ الرَّجُلِ رَدَّها عليهِ، ولم يُكلِّفْهُ تحقيقَ
الْبَيِّنةِ، لِمَا يُعْرَفُ مِنْ غُشْمِ الوُلاةِ قبلَهُ علَى الناسِ،
ولقد أَنْفَدَ بيتَ مالِ العراقِ في رَدِّ الْمَظالِمِ حتَى حُمِلَ إليها
مِنَ الشَّامِ، وذَكَرَ أصحابُنا أنَّ الأموالَ الْمَغصوبةَ مع قُطَّاعِ
الطَّريقِ واللصوصِ يُكْتَفَى مِن مُدَّعِيهَا بالصِّفَةِ كاللُّقَطَةِ،
ذَكَرَهُ القاضي في خِلافِهِ، وأنَّهُ ظاهرُ كلامِ أحمدَ.
شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
الحديث الثالث والثلاثونالقارئ: هذا الحديث أصل في باب القضاء والبينات والخصومات، قال: عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:((لو يُعطى الناس بدعْواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم)). وأجمَع
أهل العلم على ما دل عليه هذا الحديث؛ من أن البينة على المُدَّعي؛ وأنّ
المدعي لا تُؤخَذ دعواه ولا يُلتفتُ لها -من حيث مطالبته بشيءٍ- حتى يأْتي
ببينة تُثبتُ له هذا الحق، والمُدَّعي والمُدَّعى عليه اختلفت فيهما عبارات
أهل العلم، لكن التحقيق فيها أوالصواب أنَّ المدَّعي: من إذا سكت تُركَ،
والمدَّعى عليه: من إذا سكت لم يُترك.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: ((لو يُعْطى الناس بدعْواهم لادعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم، ولكن؛ البينةُ على المدَّعي واليمينُ على من أنكر)) حديث حسن، رواه البيهقي وغيره هكذا، وبعضه في (الصحيحين).
الشيخ:
((لو يعطى الناس بدعواهم))
يعني أنَّهُ لو كانت المسألةُ في الحكم مبنية على مجرد الدَّعوى فإنه
سيأتي لأجل البغضاء والشحناء التي بين الناس من يدَّعي مال غيره بل ويدَّعي
دَمه إذا مات بأيِّ طريقة، أدَّعى أنّ فلاناً هو القاتل، ولو أعطي الناس
بمجرَّد الدَّعوى بلا بَينة لحصَلَ خَلَل كثير في الأمة وفي الناس؛ لأنَّ
نفوس الناس مبنيَّة على المُشاحة وعلى البغضاء وعلى الكراهة، وقد ينتجُ من
ذلك أن يدَّعي أَناسٌ أموال قوم ودماءهم فقال عليه الصلاة والسلام: ((لو يُعطى الناس بدعواهم)) يعني بلا بينة على ما ادعو ((لادعى رجالٌ أموال قوم ودماءهم))، وهذا الادعاء بلا بينة مرفوض، ولهذا كان لزاماً على المدعي أن يأتي بالبينة وعقَّب عليه كتفسير لذلك فقال عليه الصلاة والسلام: ((ولكن البينة على المُدعي واليمينُ على من أنكر)).
قوله: (البينة على المدَّعي) البينة: اسمٌ لكلِّ ما يُبِينُ الحقَّ ويظهرهُ، على الصحيح المختار.
فالبيناتُ
إذاً كثيرة، فالشهود من البينات، والإقرار من البينات، والقرائن الدالة
على المسألة من البينات، وفهم القاضي للمسألة باختبار يختبر به الخصمين
فيظهرُ به له وجه الحق؛ هذا من البينات، فإذاً: البينات على الصحيح ليست
منحصرةً في أوْجُهٍ من أوجه الثبوت، بل هي عامَّةٌ في كل ما يُبينُ الحقَّ
ويظهرهُ، وهذه تستجد مع الأزمان، وكل زمنٍ له بينات تختلف أيضاً وتزيد عن
الزمن الذي قبله أو تختلف. فلا بُدَّ إذاً في البينات من رعاية الحال
ورعاية البلاد ورعاية أعراف الناس.. إلخ.
فإذا
تقرَّر هذا فالبينة في اللغةاسمٌ للبيان، وما يبينُ به الشيءُ يُقال له
بينة، وأرفعُ منها البرهان، وأرفعُ من البرهان الآية، وقد قال جلّ وعلا: {ما جئتنا ببيّنة وما نحنُ بتاركي آلهتنا عن قولك} يعني ما جئتنا بشيءٍ يُبينُ أنّك صادقٌ في دعوى النبوة ودعوى الرسالة-، وقال جلّ وعلا: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتينهم البينةُ؛ رسولٌ من الله يتلو صُحُفاً مطهرة}
فجعل البينة هي الرسول، وفي الآية الأولى البينة يُؤتاها الرسول، فتنوعت
البينة؛ لأنَّ البينةَ اسم لما يُظهرُ الحق ويدل عليه، فلهذا قيل للرسول
إنّه بينة، وللكتاب إنَّه بينة، وللشاهد إنَّه بينة، وهكذا..
فالبينةُ إذاً: -على التحقيق- أنها: اسم عامٌّ جامِعٌ لكلِّ ما يُبينُ الحق ويُظهرهُ.
قال: (ولكنَّ البينة على المُدّعي، واليمينُ على من أنكر)
والعلماء يعبرون عن ذلك بقولهم -أيضاً-: البينة على المدعي، واليمين على
المدّعى عليه، وهذا من باب التصرف في العبارة، وروي أيضاً في بعض روايات
هذا الحديث.
ويعبّر طائفة من أهل العلم في كتب الفقه -في القضاء- في آخره عن المدّعي والمدّعى عليه: بالداخل والخارج.
المقصود أنَّ المدعي في قوله: (ولكن البينة على المدّعي)
أن المدّعي هو من إذا سكت عن القضية تُرك؛ لأنه هو صاحبها، فيدَّعي على
غيره شيئاً، فلوقال:سكت عن هذه الدعوى ترك؛ إذ لا مطالب له بشيءٍ، وقد
ينقلب المدعي مدَّعىً عليه إذا كان الخصمُ لا يسكتُ عنه فإذا سكتَ أحدُ
الخصمين، وبسكوته يُترك؛ صار مُدَّعياً، وإذا سكت وبسكوته لم يُترك، صار
مدَّعىً عليه، وقد ينقلب -كما ذكرت لك- المدعي إلى مدعىً عليه في بعض
الحلات.
قال: (البينةُ على المدَّعي)
يعني إذا أتى أحد وقال: أنا أدعي على فلان بأنه أخذ أرضي، أو أخذ سيارتي،
أو أنه أخذ من مالي كذا وكذا، أو أني أقرضته بكذا وكذا وأطالبه برده،
فيُقال: أين البينة التي تُثبتُ ذلك؛ هل عندك شهود، هذا نوع من البينات، هل
عندك ورقة مشهود عليها، أو أشباه ذلك تُثبتُ هذا الحق؟ ما دليلك أو ما
بينتك على هذا؟ فلا يُنظر إلى دعواه مجردة حتى يأتي ببينة. هناك بعض
الحالاتُ لا يكون ثمَّ بينة للمدَّعي، وهي الأمور المالية- يتوجه فيها
اليمين على المدَّعى عليه، يعني أنه يقول هذا خصمي، فيأْتي فيُقال: هذا ليس
له عندي شيء؛ فهُنا يُنْكرُ المدَّعى عليه أحقية المُدعي بشيء ولا بينة
للمدَّعي على ذلك، فيرى القاضي أن تتوجه اليمينُ إلى المنْكِر يعني إلى
المدَّعى عليه الذي يقول: ليس له عندي شيء وهذا معنى قوله: (واليمينُ على من أنكر) أو: (اليمينُ على المدعى عليه) يعني:
من أنكر حقاً طُولِبَ به؛ ولا بينةَ ثابتة تدلُّ عليه -يعني: بينة واضحة-
وإنما هناك نوع بينة لكنها لم تَكمُل، أو ما يرى القاضي فيه: أن فيه حاجة
لطلب اليمين؛ فإنه تتوجه اليمينُ للمدعى عليه لأنه مُنْكِر.
نفهم
من هذا أن المدعي لا يُطالب باليمينُ؛ لأنه هو صاحب الدعوة، فإنما عليه
البينة، وكذلك المدعى عليه إذا أنكر؛ فإنما عليه اليمين، ويبرأ.
طبعاً إذا كان المدعى عليه عنده بينات أُخر، فيدلي بها وتكون بينته أقوى من بينة خصمه.
المقصود
من هذا الحديث أنّ الشريعة جاءت في القضاء بإقامة العدْل وإقامة الحق،
وأنّ هذا إنما يكونُ باجتماع القرائن والدلائل والبينات على ثبوت الحق لأحد
الخصمين، وأنَّ الحاكم لا يحكم بمجردِ رأيه ولا بِعِلْمهِ.
فلا
يجوز للحاكم -يعني للقاضي- أن يحكم بعلمه، وإنما يحكم بما دلت عليه
الدَّلائل. فلو أتاه رجل من أصدق الناس وأصلحهم؛ وقال: أنا لي على فلان كذا
وكذا؛ ولا بينة له؛ فإنه لا يحكم بعلمه في ذلك، ولو كان هو يعلم بعض ما في
المسألة من الأمور.
فلا بد من البينة من المدعي، ولابد من إثبات ذلك؛ فيحكم له؛ أو اليمينُ على من أنكر في بعض المسائل.
وقد ثبت في (الصحيح)أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الخصومة وإدلاء كُلٍ بحجته: (فلعل
بعضكم أن يكون ألحن بحجته من خصمه؛ فأقضي له، فإنما أقضي على نحو ما أسمع،
فمن قضيت له من حق أخيه بشيءٍ؛ فإنما هو قطعة من النار فليأخذ أو ليدع)
فحُكم القاضي لا يجعلُ لمن ليس لهُ الحق حقاً له، فهذا عند بعض العامة،
والناس يظنون أن القاضي إذا حَكم فمعناه أن من حُكمَ له فله الحق مطلقا،
ولو كان مبطلاً في نفس الأمر، وهذا باطل؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قال
هنا: (فمن قضيتُ له من حق أخيه فإنما هو قطعة من النار فليأخذ أو فليدع)
وهذا يعني أن المرء لا يحصل له الحق بمجرد حكم القاضي؛ بل لابد أن يعلم هو
أن هذا حق في نفسه، أو أن المسألة مترددة يحتاج فيها إلى حكم القاضي.
أما إذا كان مُبطلاً فلا يجوز له أن يستحلّ الأمر بحكم القاضي، فإنما هي قطعة من النار يأخذها؛ وما أعظم ذلك!
الكشاف التحليلي
حديث ابن عباس رضي الله عنهما - مرفوعاً-: (لو يعطى الناس بدعواهم...)
* تخريج الحديث
* منزلة الحديث
* موضوع الحديث
* المعنى الإجمالي للحديث
* ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث ابن عباس رضي الله عنهما
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم...)
* معنى (لو)
* معنى الباء في قوله: (بدعواهم)
* معنى (الدعوى)
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لادعى رجال أموال قوم ودماءهم)
* معنى التنكير في قوله: (رجال)
* معنى ادعاء الأموال
* معنى ادعاء الدماء
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)
* بيان معنى (البينة)
* تعريف (البينة) لغة
* تعريف (البينة) اصطلاحاً
* أنواع البينات:
تختلف البينة باختلاف القضية
- في باب (الزنا):
البينة: شهادة أربعة رجال، ولا تقبل شهادة النساء
- في (الحدود):
البينة: شهادة رجلين، ولا تقبل شهادة النساء
- في البيوع والقرض والإجارة وغيرها من الحقوق المالية:
البينة: شاهدان من الرجال، أو رجل وامرأتان
- في الرضاع والولادة والبكارة وانقضاء العدة:
البينة: شهادة امرأة عدل
- في لقطة المال:
البينة أن يصفها وصفاً مطابقاً
* بيان أركان الدعوى: (المدعي): هو من لو سَكَتَ ترك
1- المدعي
2- المدَّعى عليه
3- الحاكم
4- الدعوى
* ذكر الخلاف في تفسير (المدعي) و(المدعى عليه)
* ذكر الراجح من أقوال العلماء:
و(المدَّعى عليه): هو من إذا سكت لم يترك
* الإجماع على أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه
* جعلت البينة على المدعي لأنه يدعي أمرًا خفيًّا بحاجة إلى إظهار وبيان
* حجة المدعي مقدمة على حجة المدعى عليه
* مسألة: الحكم باليمين مع الشاهد
* مسألة: هل ترد اليمين على المدعي؟
* ذكر ما يشترط في الشاهد:
الشرط الأول: البُلُوغُ
الشرط الثاني: العقلُ
الشرط الثالث: القدرة على الكلامِ، أو ما يقوم مقامه
الشرط الرابع: الإِسلامُ
الشرط الخامس: الحِفْظُ
الشرط السادس: العَدَالةُ
* مسألة: حكم استحلاف الشهود
* مسألة: حكم استحلاف المدعي
* مسألة: هل يستحلف في حقوق الآدميين؟
* مسألة: هل يستحلف في حقوق الله عز وجل؟
* شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (واليمين على من أنكر)
* معنى (اليمين)
* بم تكون (اليمين)؟
* معنى (الإنكار)
* معنى (النكول)
* جعلت (اليمين) على المدعى عليه لأنها أقل قوة من البينة ولأنه لا يدعي أمرًا خفيًّا
* (اليمين) حجة المدعى عليه، إذا لم يقم المدعي البينة
* ما يستثنى من قوله: (واليمين على من أنكر)
- في اللعان: يقسم الزوج وهو المدعي
- في القسامة: فإن الأيمان تكون على المدعي مع اللوث
* مسألة: نكول المدعى عليه عن اليمين
* مسألة: هل على المؤتمن في حقوق الآدميين يمين؟
القول الأول: لا يمين عليه
القول الثاني: عليه اليمين
القول الثالث: لا يمين عليه إلا أن يتهم
* يستحب للقاضي أن يعظ من توجهت عليه اليمين
* التحذير من اليمين الصبر
* فائدة: الأَيْمَان ثلاثةُ أنواع:
النوع الأول: اليَمِينُ الغَمُوس؛ وَهيَ أن يحلف كاذباً على شَيءٍ مَاضٍ
ليسَ في اليمين الغموس كَفَّارَةٌ، وإنما فيها التوبةُ وَالإِنابةُ
النوع الثاني: اليمينُ المُنْعَقِدَةُ؛ وَهيَ أن يحلف أن يفعل شيئاً أو يتركه
إذا حنث فعليه كفارة يمين
النوع الثالث: لَغْوُ اليَمِينِ؛ وَهوَ أنْ يَحْلِفَ على ما غَلَبَ على ظَنِّهِ وَما لا يَقْصِدُهُ يَمِيناً
لغو اليمين لا كفارة فيه
* تنبيه: حكم القاضي لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً
* لا يحل لمن علم بطلان دعواه أن يأخذ حق أخيه لأجل حكم القاضي له
* فضل القاضي إذا تحرى العدل
* التحذير من الجور في الحكم
* من فوائد حديث ابن عباس رضي الله عنهما:
- حِفْظُ الإِسلامِ للحقوق
- حُرْمَةُ مالِ المسلمِ ودمه
- حُبُّ النفوسِ للمال
- وُجُوبُ الخوفِ مِن اللَّهِ تَعَالَى
- حُجَّةُ المُدَّعِي مُقَدَّمَةٌ على حجة المُدَّعَى عَلَيْهِ
- القضاء لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً
- أهمية اليمين في الإسلام
- تنظيم الإسلام لأحكام القضاء وفض المنازعات
- لا يحكم للرجل بمجرد دعواه ولو كان من الصالحين
العناصر
حديث ابن عباس رضي الله عنهما - مرفوعاً-: (لو يعطى الناس بدعواهم...)
تخريج الحديث
منزلة الحديث
موضوع الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
ذكر بعض الأحاديث في معنى حديث ابن عباس رضي الله عنهما
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لو يعطى الناس بدعواهم...)
معنى (لو)
معنى الباء في قوله: (بدعواهم)
معنى (الدعوى)
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لادعى رجال أموال قوم ودماءهم)
معنى التنكير في قوله: (رجال)
معنى ادعاء الأموال
معنى ادعاء الدماء
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر)
بيان معنى (البينة)
أنواع البينات:
تختلف البينة باختلاف القضية
في باب (الزنا):
البينة: شهادة أربعة رجال، ولا تقبل شهادة النساء
في (الحدود)
البينة: شهادة رجلين، ولا تقبل شهادة النساء
في البيوع والقرض والإجارة وغيرها من الحقوق المالية:
البينة: شاهدان من الرجال، أو رجل وامرأتان
في الرضاع والولادة والبكارة وانقضاء العدة:
البينة: شهادة امرأة عدل
في لقطة المال:
البينة أن يصفها وصفاً مطابقاً
بيان أركان الدعوى
ذكر الخلاف في تفسير (المدعي) و(المدعى عليه)
الإجماع على أن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه
سبب جعل البينة على المدعي
حجة المدعي مقدمة على حجة المدعى عليه
مسألة: الحكم باليمين مع الشاهد
مسألة: هل ترد اليمين على المدعي؟
ذكر ما يشترط في الشاهد
مسألة: حكم استحلاف الشهود
مسألة: حكم استحلاف المدعي
مسألة: هل يستحلف في حقوق الآدميين؟
مسألة: هل يستحلف في حقوق الله عز وجل؟
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (واليمين على من أنكر)
معنى (اليمين)
بم تكون (اليمين)
معنى (الإنكار)
معنى (النكول)
سبب جعل اليمين على من أنكر
(اليمين) حجة المدعى عليه، إذا لم يقم المدعي البينة
ما يستثنى من قوله: (واليمين على من أنكر)
مسألة: نكول المدعى عليه عن اليمين
مسألة: هل على المؤتمن في حقوق الآدميين يمين؟
يستحب للقاضي أن يعظ من توجهت عليه اليمين
تنبيه: حكم القاضي لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً
فضل القاضي إذا تحرى العدل
التحذير من الجور في الحكم
من فوائد حديث ابن عباس رضي الله عنهما