الدروس
course cover
ح29: حديث معاذ بن جبل: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة...) ت
29 Oct 2008
29 Oct 2008

22665

0

0

course cover
الأربعون النووية

القسم الخامس

ح29: حديث معاذ بن جبل: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة...) ت
29 Oct 2008
29 Oct 2008

29 Oct 2008

22665

0

0


0

0

0

0

0

ح29: حديث معاذ بن جبل: (رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة...) ت


قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (

29- عن معاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ، قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ ويُباعِدُني عَنِ النَّارِ.

قالَ:((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ , وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ)). ثمَّ قَالَ: ((أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ)). ثُمَّ تَلاَ: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ..} حَتى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ} . ثُمَّ قالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ؟)).
قُلْتُ: بَلى يَا رسولَ اللهِ.
قالَ: ((رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ)). ثمَّ قالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟)).
قلتُ: بلى يا رسولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وقالَ:((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا)).
قُلْتُ: يا نَبِيَّ اللهِ، وإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ به؟
فقالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ -أو قالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِم- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)). رواه التِّرمذيُّ , وقالَ: حديثٌ حسنٌ صَحيحٌ.

هيئة الإشراف

#2

29 Oct 2008

شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين


قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (

الحديث التاسع والعشرون

عَن مُعَاذ بن جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلتُ يَا رَسُولَ الله أَخبِرنِي بِعَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني منٍ النار قَالَ: (لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيْمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيْرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللهَ لاَتُشْرِكُ بِهِ شَيْئَا، وَتُقِيْمُ الصَّلاة، وَتُؤتِي الزَّكَاة، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ البَيْتَ. ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلا : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) حَتَّى بَلَغَ: (يَعْمَلُونْ) [السجدة:16-17] ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ: بَلَى يَارَسُولَ اللهِ، قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ وَذروَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ ثُمَّ قَالَ: أَلا أُخبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ:بَلَى يَارَسُولَ اللهِ. فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا. قُلْتُ يَانَبِيَّ اللهِ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ. وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَو قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ)(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

الشرح
هِمَمُ الصحابة رضي الله عنهم عالية، فلم يقل:أخبرني بعمل أكسب فيه العشرة عشرين أو ثلاثين أو ما أشبه بذلك ، بل قال: "أَخبِرنِي بِعَمَل ٍيُدخِلُني الجَنَّةَ وَيُبَاعدني من النارَ ..." أي يكون سبباً لدخول الجنة والبعد عن النار .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لَقَد سَأَلتَ عَنْ عَظيمٍ" أي والله عظيم، هذه هي الحياة، أن تدخل الجنة وتبتعد عن النار، هذا هو الفوز والفلاح، قال الله عزّ وجل: ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) [آل عمران: الآية185] ولهذا وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه عظيم، ولكن الحمد لله. "وَإِنهُ ليَسيرٌ عَلى مِنْ يَسرَهُ اللهُ عَلَيه" - اللهم يسره علينا يا رب العالمين - وصدق النبي صلى الله عليه وسلم فإن الدين الإسلامي مبني على اليسر، قال الله تعالى:(يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) [البقرة: الآية185] ومبني على السمح قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وهو يبعثهم إلى الجهات:"يَسِّروا ولا تُعَسِّروا، بَشِّروا وَلاَ تُنَفِّروا"(2)، "فَإِنَمَا بُعِثتُم مُيَسِّرين وَلَم تُبعَثوا مُعَسِّرين"(3) وقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ هذا الدينُ يُسر، وَلَن يُشَادالدينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ"(4) فهو يسير لكن لمن يسره الله عليه، ثم شرح ذلك فقال:
" تَعبُدَ اللهَ" بمعنى تتذلل له بالعبادة حباً وتعظيماً، مأخوذ من قولهم: طريق معبد أي ممهد ومهيأ للسير عليه، لا تعبد الله وأنت تعتقد أن لك الفضل على الله، فتكون كمن قال الله فيهم (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ) [الحجرات: الآية17]
هذا وهم لم يمنوا على الله تعالى، بل على الرسول صلى الله عليه وسلم فقط، اعبد الله تعالى تذللاً له ومحبة وتعظيماً، فبالمحبة تفعل الطاعات، وبالتعظيم تترك المعاصي.
"لا تُشرِك بِهِ شيئاً" أي شي يكون حتى الأنبياء، بل الأنبياء ما جاؤوا إلا لمحاربة الشرك، فلا تشرك به شيئاً لا ملكاً مقرباً،ولا نبياً مرسلاً، والعبادة لها شروط نذكرها إن شاء الله في الفوائد.
قال:"وَتُقيم الصَلاةَ، وَتُؤتي الزكَاةَ، وَتَصوم رَمَضَانَ،وَتَحُج البَيتَ" هذه أركان الإسلام الخمسة ، وقد مرت.
ثم قال: "أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ" أبواب أي مسائل، وأبواب تستعمل في الباب الذي يفتح للداخل والخارج، وتستعمل في المسائل، ومن هذا قول العلماء في مؤلفاتهم:هذا الباب في كذا وكذا. وقول المحدثين: لا يصح في هذا الباب شيء، أي لا يصح في هذه المسألة شيء.
فقوله: "أَبوَابِ الخَيرِ" أي مسائل الخير، ويجوز أن يكون المراد به الباب المعروف الذي يكون منه الدخول والخروج.
"أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبوَابِ الخَيرِ" والجواب: بلى، لكن حذف للعلم به، لأنه لابد أن يكون الجواب بلى.
قال: "الصَّومُ جنةٌ" أي مانع يمنع صاحبه في الدنيا ويمنع صاحبه في الآخرة.
أما في الدنيا فإنه يمنع صاحبه من تناول الشهوات الممنوعة في الصوم، ولهذا يُنهى الصائم أن يقابل من اعتدى عليه بمثل ما اعتدى عليه، حتى إنه إذا سابه أحد أو شاتمه يقول: إني صائم.
وأما في الآخرة فهو جُنَّةٌ من النار، يقيك من النار يوم القيامة.
والصوم: التعبد لله تعالى بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
"وَالصَّدَقَة تُطفِىء الخَطيئَة كَمَا يُطفِىء المَاءُ النَّارَ" الصدقة مطلقاً سواء الزكاة الواجبة أو التطوع،و سواء كانت قليلة أو كثيرة.
"تُطفِىء الخَطيئَة" أي خطيئة بني آدم، وهي المعاصي.
"كَمَا يُطفِىء المَاءُ النَّارَ" والماء يطفىء النار بدون تردد، فشبه النبي صلى الله عليه وسلم الأمر المعنوي بالأمر الحسي.
"وَصَلاةُ الرّجُل في جَوفِ اللَّيلِ" هذه معطوفة على قوله "الصدقة" أي وصلاة الرجل في جوف الليل تطفىء الخطيئة، وجوف الليل وسطه كجوف الإنسان.
ثم تلا صلى الله عليه وسلم : (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ* ) [السجدة:16-17] تلا أي قرأ (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ) هذا في وصف المؤمنين، أي أنهم لا ينامون (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) إن ذكروا ذنوبهم خافوا، وإن ذكروا فضل الله طمعوا، فهم بين الخوف و الرجاء، (وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) ( من ) هنا إما أن تكون للتبعيض والمعنى ينفقون بعضها، أوتكون للبيان،والمعنى ينفقون مما رزقهم الله عزّ وجل قليلاً كان أو كثيراً (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [السجدة:17] ، استشهد النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الآية على فضيلة قيام الليل،ثم قال:"أَلاَ أُخبِرُكَ بِرَأَسِ الأَمرِ، وَعَمودِهِ، وذِروَةِ سِنَامِهِ" ثلاثة أشياء:
"قُلتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله،قَالَ: رَأَسُ الأَمرِ الإِسلام " أمر الإنسان الذي من أجله خُلِقَ، رأسه الإسلام ، أي أن يسلم لله تعالى ظاهراً وباطناً بقلبه وجوارحه.
"وَعَمودِهِ الصلاة" أي عمود الإسلام الصلوات ،والمراد بها الصلوات الخمس، وعمود الخيمة ما تقوم عليه، وإذا أزيل سقطت.
"وَذِروَةِ سِنَامِهِ الجِهَاد في سَبيلِ الله" ذكر الجهاد أنه ذروة السنام، لأن الذروة أعلى شيء ، وبالجهاد يعلو الإسلام ، فجعله ذروة سنام الأمر، قال الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:139]
وقال عزّ وجل: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ) [محمد:35]
وقوله: "الجهاد" يعني في سبيل الله عزّ وجل والجهاد في سبيل الله بينه النبي صلى الله عليه وسلم أتم بيان، فقد سئل عن الرجل يقاتل حمية، ويقاتل شجاعة، ويقاتل ليرى مكانه، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: "مَن قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُليَا فَهوَ في سَبيلِ اللهِ"(5) فهو لم يجب عن الثلاثة التي سئل عنها بل ذكر عبارة عامة، فقال:"مَن قَاتَلَ لِتَكونَ كَلِمَةُ اللهِ هي العُليَا فَهوَ في سَبيلِ اللهِ"
ثم قال: "أَلاَ أُخبِرُكَ بِمَلاك ذَلكَ كُله" ملاك الشيء ما يملك به، والمعنى ما تملك به كل هذا .
"قُلتُ:بَلَى يَا رَسُول الله، قَالَ: فَأَخذ بِلِسانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَليكَ هَذا" أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه وقال: "كُفَّ عَليكَ هَذا" أي لاتطلقه في القيل والقال، وقد تقدم قوله: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَليَقُل خَيرَاً أَو ليَصمُت" فلا تتكلم إلا بخير.
"قُلتُ: يَا نَبيَّ الله وَإِنَّا لَمؤاخِذونَ بِما نَتَكَلّم بِه" الجملة خبرية لكنها استفهامية والمعنى: أإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني أن معاذاً رضي الله عنه تعجب كيف يؤاخذ الإنسان بما يتكلم به.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم حثاً على أن يفهم: "ثَكِلَتكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذ" أي فقدتك، وهذه الكلمة يقولها العرب للإغراء والحث، ولا يقصدون بها المعنى الظاهر، وهو أن تفقده أمه، لكن المقصود بها الحث والإغراء.
وقال بعض العلماء: إن هذه الجملة على تقدير شرط والمعنى:ثكلتك أمك يا معاذ إن لم تكف لسانك، ولكن المعنى الأول أوضح وأظهر، وأنها تدل على الإغراء والحث ، ولهذا خاطبه بالنداء فقال : يا معاذ.
"وَهَل يَكُبُّ النَّاسَ في النارِ عَلى وجُوهِهم، أَو قَالَ: عَلَى منَاخِرهِم" هذا شك من الراوي "إِلا حَصائدُ أَلسِنَتِهم" أي ما يحصدون بألسنتهم من الأقوال.
لما قال هذا الكلام اقتنع معاذ رضي الله عنه وعرف أن ملاك الأمر كف اللسان، لأن اللسان قد يقول الشرك، وقد يقول الكفر، وقد يقول الفحشاء، فهو ليس له حد.
من فوائد هذا الحديث:
1- حرص الصحابة رضي الله عنهم على العلم، ولهذا يكثر منهم سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عن العلم .
ولكن هل سؤالهم رضي الله عنهم لمجرد أن يعلموا بالحكم، أولأجل أن يطبقوه؟
الجواب: الثاني، عكس ما يفعله بعض الناس اليوم ،حيث يسأل ليعرف الحكم فقط، ثم هو بالخيار إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، وهذا غلط،بل اجعل غايتك من العلم العمل به دون الاطلاع على أقوال الناس.
ولهذا تجد بعض الناس يسأل هذا العالم وبعد أن يعرف ما عنده، يذهب يسأل عالماً آخراً وثالثاً ورابعاً، لأنه لايريد العمل بالعلم، بل يريد الاطلاع فقط، وهذا غلط،لا تسأل عن العلم إلا لهدف واحد وهو العمل
2- علو همة معاذ بن جبل رضي الله عنه حيث لم يسأل عن أمور الدنيا، بل عن أمور الآخرة،حيث قال: "أَخْبِرنِي عَنْ عَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ ويُبَاعِدُنِي مِنَ النَّار" وجدير به رضي الله عنه أن يكون بهذه المنزلة العالية، لأنه أحد فقهاء الصحابة رضي الله عنهم، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن داعياً ومفتياً وحاكماً، فهو رضي الله عنه من أفقه الصحابة.
3. إثبات الجنة والنار، والإيمان بهما أحد أركان الإيمان الستة كما سبق.
4. أن العمل يدخل الجنة ويباعد عن النار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقره على هذا.
وهنا يقع إشكال وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ قَالُوا: وَلاَ أَنْتَ يَارَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدِنِيَ اللهُ بِرَحْمَتِهِ"(6) فكيف يُجمع بين هذا الحديث وبين النصوص الأخرى الدالة على أن الإنسان يدخل الجنة بعمله؟
أجاب العلماء - رحمهم الله، فقهاء الإسلام، أطباء القلوب والأبدان، ممن علمهم الله ذلك - فقالوا: الباء لها معنيان: تارة تكون للسببية، وتارة تكون للعوض.
فإذا قلت: بعت عليك هذا الكتاب بدرهم، فهذه للعوض.
وإذا قلت: أكرمتك بإكرامك إياي، فهذه للسببية.
فالمنفي هو باء العوض، والمثبت باء السببية.
فقالوا: معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ الجَنَّةَ بِعَمَلِهِ" أي على أن ذلك معاوضة، لأنه لو أراد الله عزّ وجل أن يعاوض العباد بأعمالهم وجزائهم لكانت نعمة واحدة تقضي على كل ما عمل، وأضرب مثلاً بنعمة النَّفَس، نعمة النفس هذه نعمة عظيمة لايعرف قدرها إلا من ابتلي بضيق النفس، واسأل من ابتلوا بضيق النفس ماذا يعانون من هذا، والرجل الصحيح الذي ليس مصاباً بضيق النفس لايجد كلفة في التمتع بهذه النعمة، فتجده يتنفس وهو يتكلم، ويتنفس وهو يأكل ولايحس بشيء.
هذه النعمة لو عملت أي عمل من الأعمال لاتقابلها، لأن هذه نعمة مستمرة دائماً، بل نقول: إذا وفقت للعمل الصالح فهذا نعمة قد أضل الله عزّ وجل عنها أمماً، وإذا كان نعمة احتاج إلى شكر، وإذا شكرت فهي نعمة تحتاج إلى شكر آخر، ولهذا قال الشاعر:
إذا كانَ شكري نعمةَ اللهِ نعمةً = عليَّ لهُ في مثلها يجب الشكرُ
فكيفَ بلوغُ الشُّكرِ إِلاَّ بفضلهِ = وإن طالت الأيام واتّصل العمرُ
5. أن هذا السؤال الذي صدر من معاذ رضي الله عنه سؤال عظيم، لأنه في الحقيقة هو سر الحياة والوجود، فكل موجود في هذه الدنيا من بني آدم أو من الجنّ غايته إما الجنة وإما النار، فلذلك كان هذا السؤال عظيماً.
6. أن هذا وإن كان عظيماً فهو يسير على من يسره الله عليه.
7. أنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله تعالى التيسير، أن ييسر أموره في دينه ودنياه، لأن من لم ييسر الله عليه فإنه يصعب عليه كل شيء.
8. ذكر أركان الإسلام الخمسة، في قوله: "تَعْبُدَ اللهَ لاتُشرِكْ بهِ شَيئاً، وَتُقِيْمَ الصّلاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ البَيْتَ" ولم يذكر الرسالة، لأن عبادة الله تتضمن الرسالة، إذ لايمكن أن يعبد الإنسان ربه إلا بما شرع نبيه.
9. أن أغلى المهمّات وأعلى الواجبات عبادة الله وحده لاشريك له، أي التوحيد.
10. فضل النبي صلى الله عليه وسلم في التعليم حيث يأتي بما لم يتحمله السؤال لقوله: "أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ" وهذا من عادته أنه إذا دعت الحاجة إلى ذكر شيء يضاف إلى الجواب أضافه، مثال ذلك:
سُئل عن ماء البحر أنتوضّأ به؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر: "هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الحِلُّ مَيتَتُهُ"(7) الطهور ماؤه هذا جواب السؤال و الحل ميتته زائد،لكن لماكان الناس في البحر يحتاجون إلى الأكل بين لهم أن ميتته حلال.
وقد عاب قوم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وقالوا: إنه إذا سئل عن المسألة أتى بمسائل كثيرة، فأجاب عن ذلك بعض تلاميذه وقال: إن هذا من جوده وكرمه في بذل العلم، واستشهد بقول النبي صلى الله عليه وسلم في البحر:"هوَ الطَّهُورُ ماؤُهُ الحِلُّ مَيتَتُهُ" وهو لم يسأل إلا عن الوضوء بماء البحر.
11. أن الصوم جنة، وسبق معناها في الشرح، وبناء على هذا فمن لم يكن صومه جنة له فإنه ناقص، ولهذا يحرم على الإنسان تناول المعاصي في حال الصوم.
ولكن هل المعاصي تبطل الصوم أو لا؟
فالجواب: إن كان هذا المحرم خاصاً بالصوم أفسد الصوم، وإن كان عاماً لم يفسده.
مثال الأول: يحرم على الصائم الأكل والشرب، فلو أكل أو شرب فسد صومه، كما يحرم على الصائم وغيره الغيبة وهي "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَه"(8) فلو اغتاب الصائم أحداً تحرم غيبته لم يفسد صومه، لأن هذا النهي لايختص بالصوم.
هذه القاعدة عند جمهور أهل العلم، وقال بعض أهل العلم: إذا أتى الصائم بما يحرم ولو على سبيل العموم فسد صومه، واستدل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَولَ الزُّورِ وَالعَمَلَ بِهِ وَالجَهْلَ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ"(9) لكن ما ذهب إليه الجمهور أصحّ، والحديث إنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم به أن يبين الحكمة من الصوم، لا أن يبين فساد الصوم بقول الزور والعمل بالزور والجهل.
12. أن الصدقة تطفئ الخطيئة، ففيه الحث على الصدقة فإذا كثرت خطاياك فأكثر من الصدقة فإنها تطفئ الخطيئة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ"(10) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ: إمَامٌ عَادِلٌ،.. إلى أَنْ قَالَ: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاتَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِيْنُهُ"(11) ومعنى الحديث: أنه في يوم القيامة ليس هناك شجر ولامغارات ولاجبال ولابناء يستظل به الناس إلا الظل الذي يخلقه الله عزّ وجل فيظل به عباده، وهو إما ظل العرش كما قيل به، أو غيره. المهم أنه لايجوز أن نعتقد أن المعنى: ظل الله تعالى نفسه، فإن الله تعالى نور السموات والأرض، وحجابه النور، والظل يقتضي ثلاثة أشياء: مُتَظَلَّلٌ عَنْهُ، وَظِلٌّ، وَمُظَلَّلٌ.
والأعلى منها المظلل عنه، ولايمكن أن يكون فوق الله تعالى شيء، بأن يكون الله تعالى هو الوسط بين الشمس وبين العباد، فهذا شيء مستحيل.
وليس هذا من باب التأويل كما قيل به، لأن جوابنا على هذا من وجهين:
الوجه الأول: أن التأويل إذا دل عليه الدليل فلا مانع منه، فهاهم السلف أولوا المعيّة بالعلم خوفاً بأن يُظن أن المعيّة بالذات في نفس الأرض.
وأول الفقهاء قول الله عزّ وجل: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)[النحل:98] بأن المراد إذا أردت أن تقرأ.
فالتأويل الذي دل عليه الدليل ليس تحريفاً، بل هو تفسير الكلام.
الوجه الثاني: أن التأويل المذموم هو التحريف، بأن يصرف الكلام عن ظاهره إلى معنى يخالف الظاهر بلا دليل.
13. أن الخطيئة فيها شيء من الحرارة لأنه يعذب عليها الإنسان بالنار، والماء فيه شيء من البرودة، ولهذا شبه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بالماء يطفىء النار.
14. حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثر ما يمر علينا حسن تعليمه صلوات الله وسلامه عليه، لأن حسن تعليمه من تمام تبليغه وذلك بقياس الأشياء المعنوية على الأشياء الحسية،كما في قوله: "تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ".
15. الحث على صلاة الليل، وبيان أنها تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار.
16. استدلال النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن مع أن القرآن أنزل عليه، لكن القرآن يستدل به لأن كلام الله تعالى مقنع لكل أحد، ولهذا تلا هذه الآية: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ) [السجدة: الآية16]
فإن قال قائل: لم يذكر في الحديث أنه استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، وقد قال الله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98]
فالجواب: أن هذه الآية لا يراد بها التلاوة، وإنما يراد بها الاستدلال، والآية الكريمة: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ) يعني للتلاوة، وأحاديث كثيرة من هذا النوع يُذكر فيها الاستشهاد بالآيات،ولا يذكر فيها الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم.
مسألة: كثير من الأخوة إذا أراد أن يقرأ قال: قال الله عزّ وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر:1]
وهذا تخليط، لأنه إذا قال: قال الله تعالى: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. أدخل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم في مقول القول، وهذا غلط، وإذا كان ولابد أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. فقلها قبل، أي قل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى.
ولكن الذي مرّ علينا كثيراً أن ما قصد به الاستدلال فإنه لايتعوّذ فيه بخلاف ما قصد فيه التلاوة، والآية ظاهرة: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) [النحل:98].
17. فضيلة أولئك القوم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع، لأنهم يشتغلون بالصلاة يدعون ربهم خوفاً وطمعاً، وليس الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع في اللهو واللغو والحرام، فإن هؤلاء بقاؤهم ساهرين إما مكروه، وإما محرّم حسب مايشتغلون به.
18-ومن فوائد الآية التي استشهد بها النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ينبغي للإنسان أن يكون عند دعوة الله عزّ وجل خائفاً راجياً، لقوله: (يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً) [السجدة: الآية16]
والمراد دعاء العبادة ودعاء المسألة، فأنت إذا عبدت الله كن خائفاً راجياً، تخاف أن لايقبل منك،كما قال الله عزّ وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ) [المؤمنون: الآية60] أي خائفة أن لا يقبل منها، ولكن أحسن الظن بالله.
وأيضاً: كن راجياً ربك عزّ وجل حتى تسير إلى الله بين الخوف والرجاء.
وهذه مسألة اختلف فيها أرباب السلوك: هل الأولى أن يغلب الإنسان جانب الرجاء، أو الأولى أن يغلب جانب الخوف، أو يجعلهما سواء؟
فقال الإمام أحمد - رحمه الله-: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحداً، فأيهما غلب هلك صاحبه.
وقال بعض أهل العلم: ينبغي عند الموت أن يغلب جانب الرجاء، وفي حال الصحة يغلب جانب الخوف، قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لايَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ باللهِ"(12) أما في حال الصحة فيغلب جانب الخوف لأجل أن يحمله خوفه على الاستقامة.
وقال بعض أهل العلم: في حال فعل الطاعة يغلب جانب الرجاء، وفي حال الهمّ بالمعصية يغلب جانب الخوف، وهذا حسن.
ووجه الأول أنه في حال الطاعة يغلب جانب الرجاء هو أنه يقول: إن الذي منَّ عليَّ بهذه الطاعة سيمنُّ عليَّ بقبولها، فيجعل منّة الله تعالى عليه بها دليلاً على منّة الله تعالى عليه بقبولها، ويغلب جانب الرجاء، ويقول: قمت بما أمرت به وأرجو من الله الثواب.
أما إذا همّ بالمعصية فيغلب جانب الخوف لئلا يقع في المعصية، وهذا القول من حيث المعنى أحسن الأقوال، لكن مع ذلك لانحكم به على كل فرد، إذ قد يعرض للإنسان حالات يغلب فيها الرجاء وحالات يغلب فيها الخوف، لكن نحن نتكلم عن الخوف والرجاء من حيث هما، لا باعتبار كل واحد من الناس .
19. ومن فوائد الحديث في ضمن الآية: فضيلة الإنفاق مما رزق الله العبد، لقوله: ( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة: من الآية16].
وهل المراد الرزق الطيب أو مطلق الرزق؟
الآية مطلقة، ولكن من اكتسب مالاً محرّماً، أو أنفق مالاً محرّماً فلا مدح له، كمن سرق مالاً ثم ذهب يتصدق به، فلا يستقيم. أو تصدق بخنزير فلا يستقيم. وعلى هذا يكون المراد بالرزق في الآية الرزق الطيب.
20- ومن فوائد الحديث: أن رأس الأمر - أي أمر الدنيا والآخرة- الإسلام. والإسلام هو ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم ، إذ بعد بعثته لا إسلام إلا ما كان على شريعته، وعلى هذا فلو سألك سائل: هل اليهود مسلمون؟ هل النصارى مسلمون؟
فالجواب: أن اليهود في حال قيام شريعة التوراة إذا اتبعوها فهم مسلمون، وكذلك النصارى في حال قيام الإنجيل إذا اتبعوه فهم مسلمون، ولهذا في القرآن الكريم ذكر الإسلام لهؤلاء وهؤلاء. وأما بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فإن كل من كفر به ليس بمسلم حتى لو قال:أني أسلمت.
21. أن الصلاة عمود الدين، والعمود لا يستقيم البناء إلا به.
ويتفرّع على هذا: أن من ترك الصلاة فهو كافر، لأن العمود إذا سقط لم يستقم البناء، وهذا القول هو القول الراجح الذي دل عليه كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم حتى حكي هذا القول إجماعاً من الصحابة، وهو مقتضى النظر والقياس، إذ كيف يمكن لمؤمن بالله واليوم الآخر أن يحافظ على ترك الصلاة؟ لايمكن هذا أبداً.
وقد كتبنا في هذا رسالة موجزة - والحمد لله - لكنها تضمنت ذكر الأدلة على كفر تارك الصلاة والجواب عن قول من يقول: إنه لايكفر.
وليس عند من يقول إنه لايكفر دليل، إلا نصوصاً عامة تخص بنصوص كفر تارك الصلاة، أو نصوص قيدت بما لايمكن مع هذا القيد أن يترك الصلاة، أو نصوص قيدت بقيود لا يمكن معها ترك الصلاة.
المهم على كل حال هذه الرسالة ينبغي لكل إنسان أن يقرأها متجرداً عن الهوى، وفي ظني أنه لو شاع هذا القول بين الناس لارتدع كثير من الناس عن ترك الصلاة، وأما إذا قيل: ترك الصلاة فسق من الفسوق فكثير من الناس لا يبالي أن يكون فاسقاً أو مستقيماً.
ويرى بعض أهل العلم من السابقين واللاحقين أن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها بلا عذر كفر.
ولكن الذي أرى: أنه لا يكفر إلا إذا ترك الصلاة نهائياً.
22. أن الجهاد ذروة سنام الإسلام، والذروة هو الشيء العالي، لأنه إذا استقام الجهاد فمقتضاه أن المسلمين تكون كلمتهم هي العليا، وهذا ذروة السنام.
ولكن يقيد هذا الإطلاق بما إذا كان الجهاد في سبيل الله عزّ وجل يتعيّن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية - أي حمية لقومه وعصبية - ويقاتل شجاعة - أي لأنه شجاع، والشجاع يحب القتال، ويقاتل ليرى مكانه، وفي لفظ: ويقاتل رياءً، أيُّ ذلك في سبيل الله؟ فعدل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا كله وقال: "مَنْ قَاتَل لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللهِ هِيَ العُليَا فَهُوَ فِي سَبِيْلِ اللهِ" هذا الميزان.
ولذلك نجد الذين قاتلوا حميّة ممن ينتسبون للإسلام لم ينجحوا، ولن ينجحوا، فماذا حصل من قتال العرب لليهود؟ حصل الفشل، وحصلت الهزيمةلأنهم لايقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، بل يقاتلون: للقومية العربية، هذه القومية حصل بسببها من المفاسد بأن دخل فيهم النصارى واليهود العرب مادام مناط الحكم هو العروبة، كما دخل فيهم الشيوعيون وغيرهم إذا كانوا عرباً، ولايعقل أن يهودياً أو نصرانياً أو شيوعياً يقاتل لحماية الإسلام.
وخرج الملايين من المسلمين من غير العرب وصار في نفوسهم شيء وقالوا: لماذا تخرجوننا من القتال؟ ولهذا صارت الهزيمة والفشل الذي ليس بعده استرداد للعزة والعلو، وإلا قد يكون هزيمة يبتلي الله بها كما حصل في أحد ولكن استردّ المسلمون عزهم وعلوّهم.
أما نحن فلن نزال في أرجوحة،كان الناس في عنفوان العروبة - كما يقولون- عندهم ثلاث لاءات يسمّونها اللاءات الثلاث: لاصلح، لاسلام، ولا استسلام. والآن يهود براك الخبيث جاء بخمس لاءات،والعرب الآن يلهثون وراءهم يطلبون الصلح، ولكنه ليس بحاصل إلا على ثروات العرب، وربما دمائهم أيضاً.
فالمهم: أن الجهاد المحمود المفروض على المسلمين هو: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا.
23-أن ملاك هذا كله كف اللسان، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَلا أُخْبِرُكَ بِملاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ"
24. خطورة اللسان، فاللسان من أخطر ما يكون، فإن الإنسان ربما يتكلم بالكلمة من غضب الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار كذا وكذا،سنوات، وهو لم يلق لها بالاً، يتكلم بكلمة الكفر لا يلقي لها بالاً فيكفر ويرتد - والعياذ بالله -.
والغيبة الآن ملأت المجالس إلا ماشاء الله، وهي من آفات اللسان.
والكذب من آفات اللسان، والسبّ مقابلة وجهاً لوجه من آفات اللسان، والنميمة من آفات اللسان، فإذا حفظ الإنسان لسانه حفظه الله عزّ وجل، ولهذا جاء في الحديث: "مَنْ يَضْمَنُ لِي مَابَيْنَ لَحْيَيْهِ وفَخِذَيْهِ أَضمَنُ لَهُ الجَنَّةَ"(13) أي من كفَّ عن الزنا وعن القول المحرّم فإنه يدخل الجنة.
25. التعليم بالقول وبالفعل، لقوله: "أَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا" ولم يقل: كفّ عليك لسانك، بل أخذ بلسانه وقال: كفّ عليك هذا، لأنه إذا حصل الفعل رأت العين وانطبعت الصورة في القلب بحيث لاينسى، والمسموع ينسى لكن المرئي لاينسى،بل يبقى في صفحة الذهن إلى ماشاء الله عزّ وجل.
ولهذا كان الصحابة رضي الله عنهم أحياناً يعلمون الناس بالفعل، ومن ذلك لما سئل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم ، دعا بماء وتوضّأ أمام الناس(14)، حتى يفقهوا ذلك بالفعل.
26-أن الصحابة رضي الله عنهم لايبقون في نفوسهم إشكالاً ولاقلقاً، بل يسألون عنه حتى ينكشف الأمر، قال معاذ رضي الله عنه: "وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلّم به؟" وهذا إشكال يرد، لأن الإنسان إذا كان مؤاخذاً بما يتكلّم به فما أكثر المؤاخذة لكثرة الكلام فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن هنا نأخذ فائدة عظيمة وهي:أن ما لم يسأل عنه الصحابة رضي الله عنهم ولم يرد في الكتاب والسنة من مسائل الاعتقاد فالواجب الكفّ عنها، فإذا سألك إنسان عن شيء في الاعتقاد،سواء في أسماء الله، أو صفات الله أو أفعال الله، أو في اليوم الآخر أو غيره ولم يسأل عنه الصحابة فقل له:هذا بدعة، لو كان خيراً لسبقونا إليه لأنهم - والله - أحرص منا على العلم، وأشد منا خشية لله تعالى.
27. جواز إطلاق القول الذي لايقصد وإنما يدرج على اللسان، لقوله: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ" هذه الكلمة دعاء، لكنها تجري على الألسن لقصد الحث لا للدعاء، وهي موافقة للقاعدة الشرعية، وهي أن الله تعالى لا يؤاخذ باللغو كما قال الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) [المائدة: الآية89] وفي الآية الأخرى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) [البقرة: الآية225] وعلى هذا فما يجري على اللسان من الأيمان لا يؤاخذ به الإنسان، فمثلاً: دائماً يقول لك صاحبك: هل ستذهب إلى فلان؟ فتقول: لا والله لن أذهب إليه، ثم تذهب، فلا كفارة عليك، لأن هذا جرى على اللسان بلا قصد، فما لايعقد عليه القلب فإنه ليس بشيء،ولا يؤاخذ به الإنسان.
28. أن أهل النار - والعياذ بالله - قد يكبون في النار على وجوههم، لقوله: "وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّار عَلَى وُجُوهِهِم أوقال: عَلَى مَنَاخِرِهِم" وهذا اختلاف لفظ والمعنى واحد،لأن المنخر في الوجه، واسمع قول الله عزّ وجل: (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ) [الزمر: الآية24] العادة أن الإنسان يتقي العذاب بيده، لكن أهل النار - أجارنا الله منها بمنّه وكرمه - لا يستطيعون، تلفح وجوههم النار، يتقي بوجهه سوء العذاب
وهذا دليل على كمال الإهانة، لأن الوجه محل الإكرام، فإذا أهين إلى هذا الحد فهذا غاية ما يكون من الذلّ، قال الله تعالى:(وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ) [الشورى: الآية45]
29. الحذر من إطلاق اللسان، وقد مرّ علينا في الأحاديث السابقة "مَنْ كَان يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرَاً أَو لِيَصْمُتْ" والله لو سرنا على هذا لسلمنا من أشياء كثيرة، وما أكثر ما يقول الإنسان شيئاً ثم يندم في الحال، لكن الكلمة إذاخرجت فهي كالرصاصة تخرج من البندق، لايمكن ردّها، لكن مادامت في قلبك يمكنك أن تتحكّم فيها.
30- تحرّي ما نقل في الحديث من أقوال رسول الله حيث قال: "عَلَى وُجُوهِهِم أو مَنَاخِرِهِم" وهذا يدلّ على الأمانة التامّة في نقل الأحاديث. ولله الحمد .
____________________________________________________________________________________

(1) سبق تخريجه صفحة (179)
(2) أخرجه مسلم كتاب: الجهاد، باب: في الامر بالتيسير وترك التنفير، (1732)، (6)
(3) أخرجه البخاري- كتاب: الوضوء، باب: صب الماء على البول في المسجد، (220)
(4) أخرجه البخاري- كتاب: الإيمان، باب: الدين يسر،(39)
(5) أخرجه البخاري- كتاب: العلم،باب: من سأل وهو قائم عالماً جالساًن (123). ومسلم – كتاب: الإمارة، باب: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، (1904)،(149).
(6) أخرجه البخاري- كتاب: المرضى، باب: نهي تمني المريض للموت، (5673) ومسلم – كتاب: صفة القيامة والجنة والنار، باب: لن يدخل أحد الجنة بعمله بل يرحمه الله تعالى، (2816)،(71)
(7) أخرجه النسائي- كتاب: الطهارة، باب: ماء البحر، (59). وابن ماجه – كتاب: الطهارة وسننها، باب: الوضوء بماء البحر، (387). والإمام أحمد – في مسند المكثرين عن أبي هريرة، ج2/ص361، (8720). وأبو داود – كتاب: الطهارة، باب: الوضوء بماء البحر، (83). والترمذي- كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في ماء البحر أنه طهور، (69).
(8) أخرجه مسلم- كتاب: البر والصلة والآداب، باب: تحريم الغيبة، (2589)،(70)
(9) أخرجه البخاري – كتاب: الصوم، باب: من لم يدع قول الزور والعمل به في الصوم، (1903)
(10) أخرجه الإمام أحمد – في مسند الشاميين عن عقبة بن عامر الجهني، ج4/ص148، (17466).
(11) سبق تخريجه صفحة (198)
(12) أخرجه مسلم – كتاب: الجنة وصفة نعيمها، باب: الأمر بحسن الظن بالله تعالى عند الموت، (2877)،(81)
(13) أخرجه البخاري – كتاب: الرقاق، باب: حفظ اللسان، (6474).
(14) أخرجه البخاري – كتاب: الوضوء، باب: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً، (159). ومسلم – كتاب: الطهارة، باب: صفة الوضوء وكماله، (226)،(3).

هيئة الإشراف

#3

13 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي


قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (

(1) تَرْجَمَةُ الصَّحابيِّ: سَبَقَ ذِكْرُها في الحديثِ الثَّامِنَ عَشَرَ.

الشَّرْحُ:
(عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ: يا رَسُولَ اللهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ) إذَا عَمِلْتُهُ (يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ) أَيْ: يكونُ ذَلِكَ العَمَلُ سَبَبًا لِدُخُولِ الْجَنَّةِ، أَوْ يُدْخِلُنِي اللهُ تَعَالَى لأَجْلِهِ الْجَنَّةَ.


(وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ) وَمَعْرِفَةُ مِثْلِ هذا مِنْ أَهمِّ الأُمُورِ.
(قالَ): وَاللهِ ((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ)) أَمْرٍ ((عَظِيمِ)) الشَّأْنِ وَالْمِقْدَارِ؛ لأَنَّ ما يُوجِبُ الفَوْزَ بالجِنَانِ، والنَّجَاةَ مِنَ النِّيرَانِ، لَشَيْءٌ عَظِيمٌ، أَوْ أَمْرٌ ثَقِيلٌ؛ لأنَّ مُوجِبَ ما تَقَدَّمَ أَمْرٌ صَعْبٌ، أَوْ عَنْ أَمْرٍ صَعْبٍ بَيَانُهُ؛ لأنَّ لِمَا يُوجِبُ الظَّفَرَ بأَجَلِّ النِّعَمِ وَالخَلاصَ مِنَ الجَحِيمِ، لَعُرْضًا عَرِيضًا، وَشَرْحًا طَويلاً.
((وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ)): لَسَهْلٌ تَحْصِيلُهُ أَوْ بَيَانُهُ ((عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ))؛لأنَّ العَسِرَ بِتَيْسِيرِهِ يَصِيرُ يَسِيرًا سَهْلاً ((تَعْبُدُ اللهَ)) الَّذِي لا يَسْتَحِقُّ العِبادَةَ غَيْرُهُ، بِإِتْيَانِ مَأْمُورَاتِهِ وَتَرْكِ مَنْهِيَّاتِهِ ((وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا)) مِنَ الأَشياءِ، وَأَخْلِصْ لَهُ في العِبادةِ، ((وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)).

((ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أَدُلُّكَ)) يَا مُعَاذُ((عَلَى أَبْوَابِ الخَيْرِ)) مَنْ فَتَحَهَا فَتَحَ على نَفْسِهِ خَيْرًا كَثِيرًا، ((الصَّوْمُ)) المَقْبُولُ فَرْضُهُ وَنَفْلُهُ، ((جُنَّةٌ)) تُرْسٌ عَنِ الأَوْزَارِ أَوْ عنِ النَّارِ، ((والصَّدَقَةُ)) الطَّيِّبَةُ الحَلالُ الخالِصَةُ للهِ تَعَالَى ((تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ)) الَّتِي تُوجِبُ النَّارَ، ((كَما يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ)) مَنْ أَطْفَأَ الْخَطِيئَةَ بِمَا يُطْفِئُهَا منَ التَّوْبَةِ والاسْتِغْفَارِ والحسَنَاتِ، سَلِمَ مِنْ شَرِّهَا وَإِلاَّ أَحْرَقَتْهُ، وَمِنْ أَعْظَمِ ما يُطْفِئُهَا الصَّدَقَةُ.
((وَصَلاةُ الرَّجُلِ)): يُرِيدُ التَّهَجُّدَ في جَوْفِ الليلِ؛ دَأْبَ الأَخْيَارِ، ولَهَا ثَوَابٌ جَليلُ المِقْدارِ، ثُمَّ تَلاَ آيَةً تَدُلُّ على فَضْلِهَا، وهيَ {تَتَجَافَى}: تَتَبَاعَدُ، {جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} حتَّى بَلَغَ قَوْلَهُ: {يَعْمَلُونَ} أَيْ: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِّمَا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُم مِّنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[السجدة:16-17].

((ثُمَّ قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ)) أَيْ: أَمْرِ الدِّينِ ((وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ)): وَهُوَ أَعْلَى الجَمَلِ.
(قُلْتُ: بَلَى) أَخْبِرْنِي بذلكَ (يَا رَسُولَ اللهِ).

((قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلاَمُ)) أَي: التَّكَلُّمُ بِمَا يُوجِبُ الدُّخُولَ في الدِّينِ، والخُرُوجَ مِنَ الكُفْرِ، مَعَ تَصْدِيقِ القَلْبِ؛ فإنَّهُ الرَّأْسُ، وَمَا سِوَاهُ تَبَعٌ لَهُ.

((وَعَمُودُهُ الصَّلاَةُ)) فَمَنْ أَقَامَهَا فَقَدْ أَقَامَ الدِّينَ، وَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ هَدَمَ الدِّينَ.
((وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ))ضِدَّ أَهلِ الكُفْرِ والبِدَعِ والمَعَاصِي، قَوْلاً وَفِعْلاً وَنِيَّةً، فَمَنْ جَاهَدَ فَقَدْ رَفَعَ الدِّينَ وَأَعْلاَهُ.
((ثُمَّ قالَ: أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ)) بِمَا تَمْلِكُ بِهِ ((ذَلِكَ كُلَّهُ)) المَذْكُورَ؟(قُلْتُ: بَلَى) أَخْبِرْنِي بهِ (يَا رَسُولَ اللهِ)،(فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ) الشَّرِيفِ، فقالَ: ((كُفَّ))احْبِسْ ((عَلَيْكَ هذا)) أيْ: احْفَظْ لِسَانَكَ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ لِسَانِي هذا، عَمَّا لا يَعْنِي، وَأَعْمِلْهُ فِيمَا يَعْنِي، فَمَنْ فَعَلَ ذلكَ وُفِّقَ للخَيْرِ، وَعُصِمَ مِنَ الضَّيْرِ.(قُلْتُ) تَعَجُّبًا: (يَا نَبِيَّ اللهِ! وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟)


(7) قالَ: ((ثَكِلَتْكَ)) فَقَدَتْكَ ((أُمُّكَ يَا مُعَاذُ)) هذهِ كلمةٌ تُقَالُ عِندَ العِتَابِ والتَّأْدِيبِ.
((وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ)) غَالِبًا ((في النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ))أُنُوفِهِمْ، ((إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟)) شَبَّهَ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ اللِّسَانُ بِالزَّرْعِ المَحْصُودِ، واللِّسَانَ بالمِنْجَلِ، فَكَمَا أَنَّ المِنْجَلَ يَقْطَعُ ولاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الرَّطْبِ واليَابِسِ، وَالجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، فَكَذَلِكَ لِسَانُ بَعضِ النَّاسِ، يَتَكلَّمُ بكُلِّ نوعٍ مِنَ القَبِيحِ والحَسَنِ.

والحاصِلُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْفَظْ لِسَانَهُ عَنِ السُّوءِ أَوْجَبَ لَهُ دُخُولَ النَّارِ، وَهُوَ أَضَرُّ الأَعْضَاءِ على الإنسانِ، اللهُ العَاصِمُ.

هيئة الإشراف

#4

13 Nov 2008

المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري


قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (

الحديثُ التاسعُ وَالعشرونَ

عنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجنَّةَ، وَيُبَاعِدُنِي عَن النار)ِ.

قَالَ: ((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- عَلَيْهِ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بهِ شَيْئاً، وَتُقِيمُ الصَّلاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ)).
(ثُمَّ قَالَ) لَهُ: ((أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ؟ الصَّومُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ، وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ)) ثُمَّ تَلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] حَتَّى بَلَغَ: {يَعْمَلُونَ}.
(ثُمَّ قَالَ):((أَلا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذُرْوَةِ سَنَامِهِ؟)).
قُلْتُ: (بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ).

(قَالَ): ((رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذُروَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ)).
(ثُمَّ قَالَ): ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟)).
قُلْتُ: (بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ)،فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ وَقالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا)).
قُلْتُ: (يَا نَبِيَّ اللَّهِ، وَإِنَّالَمُؤَاخَذُونَ بِمَانَتَكَلَّمُ بِهِ؟)
فَقاَلَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ! وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِعَلَى وُجُوهِهِمْ -أَوْ قَالَ: عَلَى مَنَاخِرِهِمْ- إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)).
موضوعُ الحديثِ: وُجُوبُ حِفْظِ اللسانِ، وَأَبْوَابُ الخيرِ.
المُفْرَدَاتُ:
(1) (أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَن النَّارِ): فيهِ حِرْصُ مُعَاذٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- على معرفةِ الطريقِ المُوصِلِ إِلى الجنَّةِ، وَشِدَّةُ اهْتِمَامِهِ بالأعمالِ الصالحةِ.
وَهذا يَدُلُّ على أنَّ الأعمالَ الصالحةَ سَبَبٌ لدخولِ الجنَّةِ وَمفاتِيحُ لها، وفيهِ حُبُّ الصحابةِ للجنَّةِ وَبُغْضُهُمْ للنَّارِ.

(2) ((لقدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ)): (اللامُ) و(قَدْ) جَوَابُ قَسَمٍ؛ لأنَّ الجوابَ فِعْلٌ مَاضٍ مُثْبَتٌ مُتَصَرِّفٌ لمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ معمولُهُ، فهوَ يُقْسِمُ إنَّهُ لَعَظِيمٌ، وَعَظَّمَهُ؛ لأنَّ دُخُولَ الجنَّةِ أَمْرٌ عظيمٌ، وَالنجاةَ مِن النارِ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَلأجلِ ذلكَ أَنْزَلَ اللَّهُ الكُتُبَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ.
((وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ على مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ)): إِشَارَةٌ إِلَى أنَّ هذا التوفيقَ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى، فَمَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ لِلْهُدَى اهْتَدَى، وَمَنْ لَمْ يُيَسِّرْهُ لمْ يَهْتَدِ.
وَقدْ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:25،26].
ثمَّ ذَكَرَ الأعمالَ المفروضةَ التي هِيَ سَبَبٌ لدخولِ الجنَّةِ، وَهيَ التوحيدُ وَالصلاةُ وَالزكاةُ وَصَوْمُ رَمَضَانَ وَالحَجُّ، وَقدْ مَضَى الكلامُ عنها مُفَصَّلاً.
(3) ((أَلا أَدُلُّكَ على أبوابِ الخيرِ)): ((أَلا)): أَدَاةُ تَنْبِيهٍ وَاسْتِفْتَاحٍ للتَّنْبِيهِ على عِظَمِ ما بَعْدَهَا.

و((أَدُلُّكَ)): بِمَعْنَى أُرْشِدُكَ.
و((أَبْوَابُ الخيرِ)) أي: النَّوَافِلُ التي تُكْمِلُ الفرائضَ، وَتَفْتَحُ أبوابَ الخيرِ، وَتُغْلِقُ أبوابَ الشرِّ.
وَهذا يَدُلُّ على أنَّ للخيرِ أَبْوَاباً وَللشَّرِّ أَبْوَاباً، فمَنْ حَرَصَ على أبوابِ الخيرِ كانَ مِن الخِيَارِ، وَمنْ حَرَصَ على أبوابِ الشرِّ كانَ مِن الأشرارِ.
((الصومُ جُنَّةٌ)): هذا البابُ الأوَّلُ مِنْ أبوابِ الخيرِ.
وَ((جُنَّةٌ))؛أيْ: سِتْرٌ وَوِقايَةٌ؛إِذْ تَضِيقُ مَجَارِي الدَّمِ بالصومِ، وَيُصْفَدُ الشيطانُ وَيُقَيَّدُ، وَهوَ أيضاً سِتْرٌ وَوقايَةٌ مِن النارِ كَمَا في الحديثِ: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ))، وَالمرادُ بهِ الصومُ النَّفلُ، وَمنهُ المُطْلَقُ وَمنهُ المُقَيَّدُ، وَالصومُ وِقايَةٌ مِن العذابِ وَمِن المَعَاصِي وَمن الفسادِ وَمن الهَلاكِ.
((والصدقةُ تُطْفِئُ الخطيئةَ كما يُطْفِئُ المَاءُ النَّارَ)): هذا البابُ الثاني مِنْ أبوابِ الخيرِ؛ أيْ: صدقةُ التَّطَوُّعِ التي تَدُلُّ على صِدْقِ إِيمانِ صاحبِهَا؛ إِذْ فيها بَذْلٌ لأحبِّ الأشياءِ إِليهِ وَهوَ المالُ، قَالَ تَعَالَى: {وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا} [الفجر:20].
و((تُطْفِئُ الخَطِيئَةَ))أيْ: تَمْحُوهَا وَتُكَفِّرُهَا، وَعَبَّرَ بالإِطفاءِ؛ لأنَّ المعصيَةَ تُوجِبُ غَضَبَ الربِّ تَعَالَى، وَفي الحديثِ: ((إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ...))الحديثَ، وَغَضَبُهُ يُوجِبُ النارَ.
وَالصدقةُ صِدْقٌ في العُبُودِيَّةِ للَّهِ تَعَالَى، وَتَزْكِيَةٌ للنفسِ، وَتَخَلُّقٌ بالأخلاقِ الفاضلةِ، وَسلامةٌ مِن الأخلاقِ السافلةِ، وَمُضَاعَفَةٌ للأجرِ، وَمَغْفِرَةٌ للوِزْرِ، وَرِفْعَةٌ للقَدْرِ، وَحِفْظٌ للنفسِ وَالمالِ وَالوَلَدِ، وَغيرُ ذلكَ.
((وصلاةُ الرجلِ في جَوْفِ الليلِ)): هذا هوَ البابُ الثالثُ مِنْ أبوابِ الخيرِ، وَفيهِ إِشارةٌ إِلى حفظِ الليلِ بعدَ حفظِ النهارِ بالصومِ، وَحِفْظِ المالِ بالصدقةِ.
وَقَدَّمَ عملَ النهارِ وَهوَ الصومُ على عملِ الليلِ وَهوَ القيامُ؛ لأنَّ أَكْثَرَ المَعَاصِي في النهارِ، فَقَدَّمَهُ اتِّقَاءً للمَعْصِيَةِ.
وَالمرادُ قِيَامُ الليلِ، وَقدْ مَدَحَ اللَّهُ أَهْلَهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ سَبَبٌ لدخولِ الجنَّةِ، وَأنَّهُ صِفَةُ الأنبياءِ، وَأنَّهُ صِفَةُ عِبَادِ الرحمنِ وَصفةُ العلماءِ، وَالناسُ يَحْتَرِقُونَ بالمَعَاصِي في النهارِ فَيُطْفِئُونَ ذلكَ بقيامِ الليلِ.
وَأفضلُ النوافلِ صلاةُ الليلِ؛ لأنَّها أَقْرَبُ للإِسرارِ وَللإِخلاصِ وَللتَّدَبُّرِ، وَأَقْوَى في مُجاهدةِ النفسِ.
وَخَصَّ الثلاثةَ للإِخلاصِ وَالمُتابعةِ، وَتَشْمَلُ الأركانَ كُلَّهَا وَالرغبةَ في الآخرةِ وَالإِحسانَ للخَلْقِ وَدَوَامَ العملِ الصالحِ.
وَقيامُ الليلِ مُوجِبٌ للجنَّةِ، وَاتِّصَافٌ بالعبوديَّةِ وَبالشُّكْرِ، وَمُجَاهَدَةٌ للنفسِ وَللشيطانِ، وَدَأْبُ الصالحينَ، وَمَرْضَاةُ الربِّ، وَمَغْفِرَةٌ للذنوبِ، وَمَنْهَاةٌ عَن الإِثمِ، وَمَطْرَدَةٌ لداءِ الجَسَدِ، وَصِفَةُ الأنبياءِ وَالعلماءِ، وَسَبَبٌ لإِجابةِ الدعاءِ وَإِعطاءِ السؤالِ، وَنحوُ ذلكَ.
(4) ((رَأْسِ الأمرِ)) أي: الذي جاءَ بهِ أَمْراً مِنْ عندِ اللَّهِ تَعَالَى، وَهوَ الإِسلامُ، وَكانَ رَأْساً؛ لأنَّهُ أَعْلَى الدرجاتِ، وَلأنَّ غَيْرَهُ يَتَفَرَّعُ منهُ، وَلِرِفْعَةِ أَهْلِهِ.
((عَمُودِهِ)) أيْ: عمودِ الإِسلامِ، وَالمرادُ الصلاةُ، وَهيَ التي يَقُومُ عليها، وَلا إِسلامَ إِلاَّ بها، وَقدْ مَضَى الكلامُ عنها.
((ذُرْوَةِ سَنَامِهِ)) أيْ: أَعْلَى ما فِيهِ وَأَرْفَعِهِ، وَهوَ الجهادُ في سبيلِ اللَّهِ؛ لأنَّ المسلمَ يَعْلُو بهِ على عَدُوِّهِ وَعلى نَفْسِهِ وَعلى شَيْطَانِهِ، وَيَعْلُو بهِ فِي السماءِ ((لِلْمُجَاهِدِ مِائَةُ دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ)).
(5) ((ألاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ)) أيْ: ما تَمْلِكُ بهِ ذلكَ كُلَّهُ.
وَهذا يَدُلُّ على ضَبْطِ اللسانِ وَكَفِّهِ وَحَبْسِهِ عَنْ كلِّ شرٍّ، وَهذا هوَ أَصْلُ الخيرِ كُلِّهِ، وَقدْ سَبَقَ الكلامُ عَنْ ذلكَ.
(6) ((ثَكِلَتْكَ)) أيْ: فَقَدَتْكَ، مِنْ بابِ التحذيرِ مِن الغَفْلَةِ، وَليسَ المرادُ الدعاءَ عَلَيْهِ.

((حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)) أيْ: جَزَاءُ الكلامِ المُحَرَّمِ وَعُقُوبَاتُهُ، فَمَنْ زَرَعَ خيراً وَجَدَهُ، وَمَنْ زَرَعَ شَرًّا وَجَدَهُ، وَالجزاءُ مِنْ جِنْسِ العملِ، {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً}
وَباللسانِ يَكُونُ الإِنسانُ في عِلِّيِّينَ أَوْ مِنْ أَسْفَلِ سَافِلِينَ، وَحِفْظُهُ علامةُ الإِيمانِ وَالرِّضْوَانِ وَالسلامةِ وَالنجاةِ وَالظَّفَرِ بالدِّينِ كُلِّهِ وَاسْتِقَامَةِ الجَوَارِحِ.
الفوائِدُ:
1- حِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى الخيرِ.
2- فَضْلُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
3- مَشْرُوعِيَّةُ سُلُوكِ طَرِيقِ الجنَّةِ.
4- أَهَمِّيَّةُ أَرْكَانِ الصلاةِ.
5- عَظَمَةُ الإِنسانِ بِعَظَمَةِ عَمَلِهِ.
6- تَيْسِيرُ اللَّهِ للأعمالِ الصالحةِ.
7- الإِلْحَاحُ في الدعاءِ بِتَيْسِيرِ العملِ الصالحِ.
8- الحَثُّ على أبوابِ الخيرِ.
9- الصومُ حِفْظٌ في الدُّنْيَا بالوقايَةِ مِن المعاصِي.
10- الصومُ حِفْظٌ في الآخرةِ بالوِقَايَةِ مِن النارِ.
11- الصومُ أَشَدُّ الأعمالِ على الشيطانِ.
12- الصومُ حِفْظٌ للعبدِ في نَهَارِهِ.
13- مشروعيَّةُ بَذْلِ المالِ في الصدقةِ.
14- الصدقةُ تُكَفِّرُ الذنوبَ.
15- فَضْلُ قيامِ الليلِ.
16- أَهْلُ القيامِ هُمْ أَهْلُ الجنَّةِ.
17- وُجُوبُ مجاهدةِ النفسِ وَالمالِ.
18- وُجُوبُ حفظِ الليلِ وَالنهارِ بالعملِ الصالحِ.
19- رَأْسُ الدِّينِ الإِسلامُ.
20- شَرَفُ الإِنسانِ بالإِسلامِ.
21- لا يَسْتَقِيمُ الإِسلامُ إِلاَّ بالصلاةِ.
22- مشروعيَّةُ الجهادِ في سبيلِ اللَّهِ تَعَالَى.
23- خُطُورَةُ اللسانِ.
24- وُجُوبُ حِفْظِ الكلامِ.
25- إِنَّ الكلامَ مِن العملِ.
26- التَّحْذِيرُ مِن الغَفْلَةِ.
27- التحذيرُ مِن النارِ.

هيئة الإشراف

#5

13 Nov 2008

شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح


قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (

(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:
نصَّ هذا الحديثُ علَى أسبابِ دخولِ الجنَّةِ، والنَّجاةِ مِن النَّارِ، وهذا أمرٌ عظيمٌ مِن أجلِهِ أنزَلَ اللهُ الكتبَ وأرسلَ الرُّسلَ، ومن أجلِهِ تحمَّلَ أنبياءُ اللهِ الشَّدائدَ والصِّعابَ.
الأعمالُ سببٌ لدخولِ الجنَّةِ:

في هذا الحديثِ دليلٌ علَى أنَّ الأعمالَ سببٌ لدخولِ الجنَّةِ، ويَشهدُ لهذا مِن القرآنِ:{تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}.

قالَ ابنُ كثيرٍ: (أيْ: أعمالُكُم الصَّالحةُ كانَتْ سببًا لشمولِ رحمةِ اللهِ إيَّاكُمْ، فإنَّهُ لا يُدخلُ أحدًا عملُهُ الجنَّةَ، ولكنْ بفضلٍ مِن اللهِ ورحمتِهِ).
وقولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَنْ يُنْجـِّيَ أَحَدًا مِنْكُمْ عَمَلُهُ))؛ فمعناهُ كما قالَ ابنُ رجبٍ: (أنَّ العملَ بنفسِهِ لا يَستحقُّ به أحدٌ الجنَّةَ، لولا أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ جعلَهُ بفضلِهِ ورحمتِهِ سببًا لذلكَ، والعملُ بنفسِهِ مِن فضلِ اللهِ ورحمتِهِ علَى عبدِهِ، فالجنَّةُ وأسبابُهَا كلٌّ مِن فضلِ اللهِ ورحمتِهِ).
(2) أمرٌ عظيمٌ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ)) دخولُ الجنَّةِ أمرٌ عظيمٌ؛ لأنَّ هذا هو الفوزُ الحقيقيُّ، قالَ تعالَى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}، وقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لرجلٍ: ((مَا تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ؟))
قالَ: (أَتَشَهَّدُ ثمَّ أَسْأَلُ اللهَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ، أَمَا واللهِ ما أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ ولا دَنْدَنَةَ مُعاذٍ)، فقالَ: ((حَوْلَها نُدَنْدِنُ)).
والنَّجاةُ مِن نارِ جهنَّمَ أمرٌ عظيمٌ؛ لأنَّ أخفَّ النَّاسِ فيها عذابًا رجلٌ يُوضَعُ في أَخْمُصِ قدمِهِ جمرتَانِ، يَغْلِي منهما دِماغُهُ.
مِن أجلِ هذا الأمرِ أرسلَ اللهُ الرُّسلَ إلَى العبادِ، كي يكونُوا سببًا في نَجاةِ النَّاسِ مِن النَّارِ، والفوزِ بالجنَّةِ، وتَحَمَّلَ أنبياءُ اللهِ مِن أجلِ ذلك ما لا تَتحمَّلُهُ الجبالُ الرَّواسِي.
التَّوفيقُ بيدِ اللهِ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَإِنـَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ))، وفي هذا إشارةٌ إلَى أنَّ التَّوفيقَ كلَّهُ بيدِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فمنْ يسَّرَ له الهدايَةَ اهْتَدَى، ومَن لم يُيَسِّرْ له ذلك هَلَكَ وخَسِرَ، فيَجبُ علَى المسلمِ أنْ يَتوجَّهَ إلَى اللهِ عزَّ وجلَّ بقلبٍ صادقٍ بأنْ يمنَّ عليهِ بالهدايَةِ، وأن يتَّخِذَ أسبابَهَا، واللهُ عزَّ وجلَّ وعدَ مَن جاهدَ نفسَهُ في سبيلِ حصولِ الهدايَةِ بالهدايَةِ والتَّوفيقِ، قالَ تَعالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ}.
أركانُ الدِّينِ: قولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((تَعْبُدُ اللهَ لاَ تَشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ)).
أجابَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ القيامَ بواجباتِ الدِّينِ سببٌ لدخولِ الجنَّةِ، وقدْ مرَّ الكلامُ علَى أركانِ الإسلامِ في الأحاديثِ السَّابقةِ.
(3) طُرُقُ الخيرِ: قولُهُ: ((أَلاَ أَدُلـُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ)) لما أجابـَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأنَّ واجباتِ الدِّينِ سببٌ لدخولِ الجنانِ، والوِقايَةِ مِن النِّيرانِ، دلَّهُ بعدَ ذلكِ علَى طُرُقِ الخيرِ مِن النَّوافلِ والمستحبَّاتِ، فإنَّ خيرَ أولياءِ اللهِ الَّذينَ يتقرَّبُونَ إلَى مولاهُمْ بالنَّوافلِ بعدَ القيامِ بواجباتِ الدِّينِ، فذُكِرَ له منها:
1 - قولُهُ ((الصـِّيَامُ جُنَّةٌ))، قالَ ابنُ رجبٍ: (فالجُنَّةُ هي ما يَستجِنُّ به العبدُ كالْمِجَنِّ الَّذِي يَقِيهِ عندَ القتالِ مِن الضَّربِ، فكذلك الصِّيامُ يقِي صاحبَهُ مِن المعاصِي في الدُّنْيَا، فإذَا كانَ له جُنَّةً مِن المعاصِي، كانَ له في الآخرةِ جنَّةً مِن النَّارِ، ومَن لم يكنْ له جنَّةً في الدُّنيَا مِن المعاصِي، لم يكنْ له جُنَّةً في الآخرةِ مِن النَّارِ).
ويُشرَعُ للمسلمِ في صيامِ النَّافلةِ أن يَصومَ الأيَّامَ الآتيَةَ:
- صومُ يومِ عاشوراءَ.
-صومُ يومِ عرفةَ لغيرِ الحاجِّ.
- صومُ يومِ الاثنينِ والخميسِ.
-صومُ ثلاثةِ أيَّامٍ مِن كلِّ شهرٍ.
-صومُ يومٍ وإفطارُ يومٍ.
- صومُ ستَّةِ أيامٍ مِن شوَّالَ.
- صيامُ شهرِ اللهِ المحرَّمِ.
- صومُ شعبانَ.

2 - قولُهُ ((وَالصـَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ))، والمقصودُ بـ ((الصَّدقَةِ))هنا: التَّطوُّعُ، و((الخطيئةُ)): الَّتي تَمْحوهَا الصَّغائِرُ، ولأنَّ الكبائرَ تَحتاجُ إلَى توبةٍ، ولا بدَّ مِن تحقيقِ شروطِ التَّوبةِ الَّتي بَيَّنَها العلماءُ.
ووَردَتْ أحاديثُ كثيرةٌ تُرَغِّبُ في صدقةِ التَّطَوُّعِ وأَذْكُرُ منها:
- عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ، وَإِنَّ اللهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُم فُلْوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ)).
- وعن عُقبةَ بنِ عامرٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((كُلُّ امْرِئٍ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ)).
قالَ يَزيدُ: فكانَ أبو مَرْثَدٍ لا يُخطِئُهُ يومٌ إلاَّ تَصدَّقَ فيهِ بشيءٍ، ولو كعكةٍ أو بَصلةٍ، والأحاديثُ في هذا كثيرةٌ معلومةٌ.
3 - قولُهُ: ((وَصَلاَةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ))، ثمَّ تَلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} ، حتىَّ بَلَغَ {يَعْمَلونَ}، فصلاةُ الليلِ كذلك تُطْفِئُ الخطايَا والذُّنوبَ مِثْلَ الصَّدقةِ، والمقصودُ بها قيامُ الليلِ، هذا ما ذهبَ إليهِ جَمْعٌ مِن المفسِّرينَ منهم مُجاهِدٌ والأوزاعيُّ وغيرُهُم.
ووَرَدَ في فَضلِ قيامِ الليلِ أحاديثٌ كثيرةٌ منها:
- قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَأَفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلاَةُ اللَّيْلِ)).
- قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيـُّهَا النـَّاسُ أَفْشُوا السَّلاَمَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلاَمٍ)).
- قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا أَعَدَّهَا اللهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلاَمَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ، وَالنَّاسُ نِيَامٌ)).
- وقالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ، وَقُرْبَةٌ إِلَى رَبِّكُمْ، وَمَكْفَرةٌ للِسَّيِّئَاتِ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ)).
والأحاديثُ في فَضْلِ قيامِ الليلِ كثيرةٌ.
(4) رأسُ الأمرِ وعَمودُهُ وذِروةُ سَنامِهِ: بيَّن صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمعاذٍ عن طريقِ السُّؤالِ ((أَلاَ أُخْبِرُكَ؟)) وهذه طريقةٌ جيِّدَةٌ أثناءَ التَّعليمِ؛ لأنَّهَا تشدُّ ذهنَ المتعلِّمِ للمادَّةِ، وتَجْعَلُهُ مُتَلَهِّفًا إلَى الإجابةِ:
1 - إنَّ رأسَ الأمرِ الإسلامُ، والمقصودُ بالأمرِ الدِّينُ الَّذِي أَرْسَلَ اللهُ بهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو الإسلامُ، والمقصودُ هنا الشَّهادتانِ، ومنزلةُ الشَّهادتينِ مِن الدِّينِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأسِ مِن الجسدِ، فإذا اجْتُثَّ الرَّأسُ لا بقاءَ للإنسانِ بعدَهُ، وكذلك مِن لم يُقِرَّ بالشَّهادتينِ فلا دِينَ لهُ ولا إسلامَ.
2 - وإنَّ عَمودَهُ الصَّلاةُ؛ لأنَّ لها في الدِّينِ مَنزِلةً عظيمةً، بِمَنْزِلةِ عمودِ الفِسطاطِ الَّذي لا يقومُ الفِسطاطُ إلاَّ بِهِ، فكذلكَ لا يقومُ للعبدِ دينٌ بدونِ صلاةٍ.
3 - وإنَّ ذِروةَ سنامِ الدِّينِ الجهادُ، فهو أعلَى وأرفَعُ ما في الدِّينِ؛ لأنَّ بالجهادِ تعلُو كلمةُ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويظهرُ الدِّينُ علَى سائرِ الأديانِ، ويُقمعُ أهلُ الباطلِ مِن المنافقينَ والمُتَمَسْلِمِينَ الخونةِ خنازيرِ اليهودِ والنَّصارَى.
لذلِكَ ذهبُ الإمامُ أحمدُ رحمهُ اللهُ إلَى القولِ: (أنَّ الجهادَ مِن أفضلِ الأعمالِ بعدَ الفرائضِ).
ووردَتْ نصوصٌ كثيرةٌ ترغِّبُ فيهِ منهَا:
- عن أبي ذرٍّ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: قُلْتُ يا رسولَ اللهِ، أيُّ العملِ أفضلُ؟ قالَ: ((الإِيمَانُ بِاللهِ وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ)).
- قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((غَدْوَةٌ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ خَيْرٌ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ)).
- عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قالَ: (قيلَ: يا رسولَ اللهِ، ما يَعدِلُ الجهادَ في سبيلِ اللهِ؟)قالَ: ((لاَ تَسْتَطِيعُونـَهُ)) فأعادُوا عليهِ مرَّتينِ أو ثلاثًا كلَّ ذلكَ يقولُ: ((لاَ تَسْتَطِيعُونَهُ))، ثمَّ قالَ: ((مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْقَانِتِ بِآيَاتِ اللهِ لاَ يَفْتُرُ مِنْ صِيَامٍ، وَلاَ صَلاَةٍ، حَتَّى يَرْجِعَ الْمُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعالَى))، والنـُّصوصُ في هذا كثيرةٌ كذلِكَ.
(5) حفظُ اللسانِ: قولُهُ: ((أَلاَ أُخْبِرُكَ بِمِلاَكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟))فقلْتُ: (بلَى يا رسولَ اللهِ)، فَأَخَذَ بلسانِهِ وقالَ: ((كُفَّ عليكَ هذا))، قلتُ: (يا نبيَّ اللهِ، وإنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بما نَتَكَلَّمُ بهِ؟) فقالَ: ((ثَكَلَتْكَ أُمُّكَ، وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ علَى وُجوهِهِمْ - أو قالَ: علَى مَنَاخِرِهِم - إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ)) وهذا يَدُلُّ علَى أنَّ أصلَ الخيرِ مِن ضَبْطِ اللسانِ، وتقويمِهِ وِفْقَ ما يُرْضِي اللهَ عزَّ وجلَّ، وأنَّ مَن أعانَهُ اللهُ علَى ضَبْطِ لسانِهِ فقدْ مَلَكَ زِمامَ أمرِهِ، وَوُفِّقَ إلَى خيرِ الدُّنْيا والآخرَةِ.
قالَ ابنُ رجبٍ: (والمرادُ بحصائدِ الألسنةِ جزاءُ الكلامِ المحرَّمِ وعقوباتُهُ، فإنَّ الإنسانَ يزرَعُ بقولِهِ وعملِهِ الحسناتِ والسَّيِّئاتِ، ثمَّ يحصدُ يومَ القيامةِ ما زَرَعَ، فمَنْ زرعَ خيرًا مِن قولٍ أو عملٍ حصدَ الكرامةَ، ومن زرعَ شرًّا مِن قولٍ أو عملٍ حصدَ غدًا النَّدامَةَ، وظاهرُ حديثِ معاذٍ يَدُلُّ علَى أنَّ أكثرَ ما يَدْخُلُ النَّاسُ به النَّارَ النُّطْقُ بألسنتِهِم، فإنَّ معصيَةَ النُّطقِ يدخلُ فيها الشِّركُ وهي أعظمُ الذُّنوبِ عندَ اللهِ عزَّ وجلَّ، ويدخلُ فيها القولُ علَى اللهِ بغيرِ علمٍ وهو قرينُ الشِّركِ، ويدخلُ فيها شهادةُ الزُّورِ الَّتي عَدِلَتِ الإشراكَ باللهِ عزَّ وجلَّ، ويدخلُ فيها السِّحرُ والقذفُ وغيرُ ذلكَ مِن الكبائرِ والصَّغائرِ كالكذبِ والغيبةِ والنَّميمةِ، وسائرُ المعاصي الفعليَّةِ لا يخلُو غالبًا مِن قولٍ يَقترِنُ بها يكونُ مُعِينًا عليها).
لذلك حَذَّرَ سلفُ الأمَّةِ مِن إطلاقِ عِنانِ اللسانِ؛ لأنَّهُ يورِدُ إلَى مهاوي الرَّدَى.
قالَ ابنُ عباسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ وقد أخذَ بلسانِهِ:(وَيْحَكَ، قُلْ خَيْرًا تَغْنَمْ، أَوِ اسْكُتْ عَنْ سُوءٍ تَسْلَمْ، وَإِلاَّ فَاعْلَمْ أَنَّكَ سَتَنْدَمُ).
فوائدُ الحديثِ:
1 - فيهِ دليلٌ علَى شدَّةِ اهتمامِ معاذِ بنِ جبلٍ رَضِي اللهُ عَنْهُ بالأعمالِ الصَّالحةِ.
2 - فيهِ طريقةٌ مِن طُرُقِ التَّعليمِ، وهي طريقةٌ تَربويَّةٌ مُمتازةٌ، وهي طريقةُ السُّؤالِ، وذلك في قولِهِ ((أَلاَ أُخْبِرُكَ؟)).
3 - التَّدرُّجُ في تعليمِ النَّاسِ، فالبدءُ يكونُ بأصولِ الدِّينِ وقَواعدِهِ، ثمَّ التَّدرُّجُ.
4 - فضلُ التَّقرُّبِ بالنَّوافلِ.
5 - كما فيهِ مَنْزِلَةُ الجهادِ في سبيلِ اللهِ.

هيئة الإشراف

#6

13 Nov 2008

جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي


قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (

(1) هذا الحديثُ خَرَّجَهُ الإمامُ أحمدُ، والتِّرمذيُّ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجهْ مِن روايَةِ مَعْمَرٍ، عن عاصمِ بنِ أبي النَّجُودِ،عن أبي وائلٍ،عن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ،وقالَ التِّرمذيُّ: (حَسَنٌ صحيحٌ).

وفيما قالَهُ -رَحِمَهُ اللَّهُ- نَظَرٌ مِن وَجهينِ:
أحدُهما: أنه لم يَثْبُتْ سماعُ أبي وائلٍ مِن مُعاذٍ، وإن كان قد أَدْرَكَهُ بالسِّنِّ، وكان مُعاذٌ بالشَّامِ، وأبو وائلٍ بالكُوفةِ، وما زالَ الأئمَّةُ -كأحمدَ وغيرِهِ- يَستَدِلُّون علَى انتفاءِ السَّماعِ بِمِثْلِ هذا.
وقد قالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ في سَماعِ أبي وائلٍ مِن أبي الدرداءِ: (قد أَدْرَكَهُ، وكان بالكُوفةِ، وأبو الدَّرداءِ بالشامِ) يعني: أنه لم يَصِحَّ له سَمَاعٌ منه.
وقد حكَى أبو زُرعةَ الدِّمشقيُّ عن قومٍ أنَّهم تَوَقَّفُوا في سَمَاعِ أبي وائلٍ مِن عُمَرَ، أو نَفَوْهُ، فسَمَاعُهُ مِن مُعاذٍ أَبْعَدُ.

والثاني: أنَّهُ قد رواهُ حمَّادُ بنُ سَلمةَ، عن عاصمِ بنِ أبي النَّجودِ، عن شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عن مُعاذٍ، خَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ مُخْتَصَرًا.

قالَ الدارقُطنيُّ: (وهو أَشْبَهُ بالصَّوابِ؛ لأنَّ الحديثَ معروفٌ مِن روايَةِ شَهْرٍ علَى اختلافٍ عليهِ فيهِ).
قلتُ: وروايَةُ شَهْرٍ، عن مُعاذٍ مُرْسَلةٌ يَقينًا، وشهرٌ مُخْتَلَفٌ في توثيقِهِ وتَضعيفِهِ، وقد خَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ مِن روايَةِ شَهْرٍ، عن عبدِ الرحمنِ بنِ غَنْمٍ، عن مُعاذٍ، وخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ أيضًا مِن روايَةِ عُروةَ بنِ النزَّالِ أو النَّزَّالِ بنِ عُروةَ، وميمونِ بنِ أبي شَبيبٍ، كِلاهما عن مُعاذٍ، ولم يَسْمَعْ عُروةُ ولا مَيمونٌ مِن مُعاذٍ، وله طُرُقٌ أُخرَى عن مُعاذٍ كلُّها ضَعيفةٌ.

(2)وقولُهُ: (أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ، وَيُباعِدُني مِنَ النَّارِ) قد تَقَدَّمَ في شرْحِ الحديثِ الثاني والعشرينَ مِن وُجوهٍ ثابتةٍ مِن حديثِ أبي هُريرةَ وأبي أيُّوبَ وغيرِهما، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عن مِثلِ هذه المسألةِ، وأجابَ بنحوِ ما أجابَ به في حديثِ مُعاذٍ.

وفي روايَةِ الإمامِ أحمدَ في حديثِ مُعاذٍ أنَّهُ قالَ: (يا رَسولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عن كَلِمَةٍ قَدْ أَمْرَضَتْنِي وَأَسْقَمَتْني وَأَحَزَنَتْنِي).
قالَ: ((سَلْ عَمَّا شِئْتَ)).
قالَ: (أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ لا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ)، وهذا يَدُلُّ علَى شِدَّةِ اهتمامِ مُعاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بالأعمالِ الصَّالحةِ، وفيهِ دَليلٌ علَى أنَّ الأعمالَ سَببٌ لدخولِ الْجَنَّةِ، كما قالَ تعالَى: {وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلونَ} [الزخرف: 72].
وأمَّا قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((لَنْ يَدْخُلَ أَحْدٌ مِنْكُمُ الْجَنَّةَ بِعَمَلِهِ)) فالمرادُ -واللَّهُ أعلمُ- أنَّ العملَ بنَفسِهِ لا يَستَحِقُّ به أحدٌ الْجَنَّةَ لولا أنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ -بفضلِهِ ورحمتِهِ- سببًا لذلك، والعملُ نفسُهُ مِن رحمةِ اللَّهِ وفَضْلِهِ علَى عَبْدِهِ، فالجنَّةُ وأسبابُها كلٌّ مِن فضلِ اللَّهِ ورحمتِهِ.
(3) وقولُهُ: ((لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ))قد سَبَقَ في شرحِ الحديثِ الْمُشارِ إليهِ، أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ لِرجلٍ سَأَلَهُ عن مِثْلِ هذا: ((لَئِنْ كُنْتَ أَوْجَزْتَ الْمَسْأَلَةَ، لَقَدْ أَعْظَمْتَ وَأَطْوَلْتَ))، وذلك لأنَّ دُخولَ الْجَنَّةِ والنَّجاةَ مِن النارِ أَمْرٌ عظيمٌ جِدًّا، ولأَجْلِهِ أَنْزَلَ اللَّهُ الكُتُبَ، وأَرْسَلَ الرُّسُلَ، وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لرجلٍ: ((كَيْفَ تَقُولُ إِذَا صَلَّيْتَ ؟))، قالَ: (أَسْأَلُ اللَّهَ الجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِهِ مِنَ النَّارِ، وَلا أُحْسِنُ دَنْدنَتَكَ وَلا دَنْدَنَةَ مُعاذٍ)، يُشيرُ إلَى كثرةِ دُعائِهما واجتهادِهما في المسألةِ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ))،وفي روايَةٍ: ((هَلْ تَصِيرُ دَنْدَنَتِي وَدَنْدَنَةُ مُعَاذٍ إِلا أَنْ نَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذَ بِهِ مِنَ النَّارِ)).

وقولُهُ: ((وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ)) إشارةٌ إلَى أنَّ التَّوفيقَ كُلَّهُ بيدِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، فمَن يَسَّرَ اللَّهُ عليهِ الْهُدَى اهْتَدَى، ومَن لم يُيَسِّرْهُ عليهِ، لم يَتَيَسَّرْ له ذلك؛ قالَ اللَّهُ تعالَى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} [الليل:5-10].

وقالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ، فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ، فيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ))، ثم تلا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ هذه الآيَةَ.
وكان النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقولُ في دُعائِهِ: ((واهْدِنِي وَيَسِّرِ الْهُدَى لِي))، وأَخْبَرَ اللَّهُ عن نَبِيِّهِ موسَى عليهِ السَّلامُ أنه قالَ في دُعائِهِ: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي} [طه:25،26]، وكان ابنُ عمرَ يَدْعُو: (اللهمَّ يَسِّرْنِي لِلْيُسْرَى، وجَنِّبْنِي العُسْرَى).

وقد سَبَقَ في شَرْحِ الحديثِ الْمُشارِ إليهِ تَوجيهُ ترتيبِ دخولِ الجنَّةِ علَى الإتيانِ بأركانِ الإسلامِ الخمسةِ، وهي: التَّوحيدُ، والصَّلاةُ، والزَّكاةُ، والصِّيامُ، والحجُّ.
وقولُهُ: ((أَلا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوابِ الْخَيْرِ))، لَمَّا رَتَّبَ دُخولَ الْجَنَّةِ علَى واجباتِ الإسلامِ، دَلَّهُ بعدَ ذلك علَى أبوابِ الخيرِ مِنَ النَّوافِلِ؛ فإنَّ أَفْضَلَ أولياءِ اللَّهِ هُمُ الْمُقَرَّبونَ، الذين يَتقرَّبونَ إليهِ بالنَّوافِلِ بعدَ أداءِ الفرائضِ.
وقولُهُ: ((الصَّوْمُ جُنَّةٌ)) هذا الكلامُ ثابتٌ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن وُجُوهٍ كثيرةٍ، وخَرَّجَاهُ في (الصحيحينِ) مِن حديثِ أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، وخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ بزيادةٍ، وهي:((الصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّارِ)).
وخَرَّجَ مِن حديثِ عُثمانَ بنِ أبي العاصِ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الصَّوْمُ جُنَّةٌ مِنَ النَّارِ، كَجُنَّةِ أَحَدِكُمْ مِنَ الْقِتَالِ)).


ومِن حديثِ جابرٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ:((قَالَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنَ النَّارِ)).
_ وخَرَّجَ أحمدُ والنَّسائيُّ مِن حديثِ أبي عُبيدةَ، عن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا))، وقولُهُ: ((مَا لَمْ يَخْرِقْهَا))، يعني: بالكلامِ السَّيِّئِ ونحوِهِ، ولهذا في حديثِ أبي هُريرةَ الْمُخَرَّجِ في (الصحيحين)، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ، فَلا يَرْفُثْ، وَلا يَجْهَلْ، فَإِنِ امْرُؤٌ سَابَّهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ)).
وقالَبعضُ السَّلَفِ: (الغِيبَةُ تَخْرِقُ الصِّيامَ، والاستغفارُ يَرْقَعُهُ، فمَن استطاعَ مِنكم أن لا يَأْتِيَ بصومٍ مُخَرَّقٍ فلْيَفْعَلْ).
وقالَ ابنُ الْمُنْكَدِرِ: (الصائمُ إذا اغتابَ خُرِقَ، وإذا استَغْفَرَ رُقِعَ).
وخَرَّجَالطبرانيُّ بإسنادٍ فيهِ نَظَرٌ، عن أبي هُريرةَ مَرفوعًا:((الصِّيامُ جُنَّةٌ مَا لَمْ يَخْرِقْهَا))، قيل: (بِمَ يَخْرِقُهُ؟) ، قالَ: ((بِكَذِبٍ أَوْ غِيبَةٍ)).
فالْجُنَّةُ هي:ما يَسْتَجِنُّ بها العبدُ، كالْمِجَنِّ الذي يَقيهِ عندَ القِتالِ مِن الضَّربِ، فكذلك الصيامُ يَقِي صاحبَهُ مِنَ الْمَعاصي في الدُّنيا، كما قالَ عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]، فإذا كان له جُنَّةً مِن الْمَعاصِي، كان له في الآخِرَةِ جُنَّةً مِن النارِ، وإن لم يكنْ له جُنَّةً في الدنيا مِن المعاصي، لم يكنْ له جُنَّةً في الآخِرَةِ مِن النارِ.
وخَرَّجَ ابنُ مَردُويَهْ مِن حديثِ عليٍّ مَرفوعًا، قالَ: ((بَعَثَ اللَّهُ يَحْيَى بنَ زَكَرِيَّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ))، فذَكَرَ الحديثَ بطُولِهِ، وفيهِ: ((وَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَصُومُوا، وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ مَشَى إِلَى عَدُوِّهِ، وَقَدْ أَخَذَ لِلْقِتَالِ جُنَّةً، فَلا يَخَافُ مِنْ حَيْثُ مَا أُتِيَ)).
وخَرَّجَهُ مِن وَجْهٍ آخَرَ عن عليٍّ مَوقوفًا، وفيهِ قالَ: ((وَالصِّيَامُ مَثَلُهُ كَمَثَلِ رَجُلٍ انْتَصَرَهُ النَّاسُ، فَاسْتَحَدَّ فِي السِّلاحِ، حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ لَنْ يَصِلَ إِلَيْهِ سِلاحُ الْعَدُوِّ، فَكَذَلِكَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ)).
(4) وقولُهُ: ((وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ)) هذا الكلامُ رُوِيَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن وُجوهٍ أُخَرَ، فخَرَّجَهُ الإمامُ أحمدُ والتِّرمذيُّ مِن حديثِ كعبِ بنِ عُجْرَةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الصَّوْمُ جُنَّةٌ حَصِينَةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ)).
_ وخَرَّجَهُ الطبرانيُّ وغيرُهُ مِن حديثِ أنَسٍ مَرفوعًا بمعناهُ.
_ وَخَرَّجَهُ التِّرمذيُّ وابنُ حِبَّانَ في (صحيحِهِ) مِن حديثِ أنَسٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ لَتُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ، وَتَدْفَعُ مِيتَةَ السَّوءِ)).
_ ورُوِيَ عن عليِّ بنِ الْحُسينِ أنَّهُ كان يَحْمِلُ الْخُبزَ علَى ظهرِهِ باللَّيل يَتَّبِعُ به المساكينَ في ظُلمةِ الليلِ، ويقولُ: إنَّ الصَّدقةَ في سَوادِ اللَّيلِ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ عزَّ وجلَّ، وقد قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ} [البقرة: 271]، فدَلَّ علَى أنَّ الصدقةَ يُكَفَّرُ بها مِن السَّيِّئَاتِ: إمَّا مُطْلَقًا، أو صَدقَةُ السِّرِّ.
وقولُهُ: ((وَصَلاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ)) يعني: أنها تُطْفِئُ الْخَطيئةَ أيضًا كالصَّدقةِ، ويَدُلُّ علَى ذلك ما خَرَّجَهُ الإمامُ أحمدُ مِن روايَةِ عُروةَ بنِ النَّزَّالِ، عن مُعاذٍ قالَ: (أَقْبَلْنَا مع النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مِن غَزوةِ تَبوكَ) فذَكَرَ الحديثَ، وفيهِ: ((الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ وَقِيامُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ يُكَفِّرُ الْخَطِيئَةَ)).
_ وفي (صحيحِ مسلمٍ)، عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَفْضَلُ الصَّلاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ قِيامُ اللَّيْلِ)).
وقد رُوِيَ عن جماعةٍ مِن الصحابةِ: (أنَّ الناسَ يَحْتَرِقُونَ بالنهارِ بالذنوبِ، وكلَّما قامُوا إلَى صلاةٍ مِن الصَّلواتِ المكتوباتِ أَطْفَؤُوا ذنوبَهم)، ورُوِيَ ذلك مَرفوعًا مِن وُجوهٍ فيها نَظَرٌ.
فكذلك قِيامُ الليلِ يُكَفِّرُ الْخَطايَا؛ لأنه أَفضلُ نَوافلِ الصلاةِ، وفي (التِّرمذيِّ) مِن حديثِ بلالٍ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبلَكُمْ، وَإِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ قُرْبَةٌ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَنْهَاةٌ عَنِ الإِثْمِ، وَتَكْفِيرٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَطْرَدَةٌ للدَّاءِ عَنِ الْجَسَدِ)).
وَخَرَّجَهُ أيضًا مِن حديثِ أبي أُمامةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ بنحوِهِ، وقالَ: هُوَ أَصَحُّ مِن حديثِ بلالٍ.

وَخَرَّجَهُ ابنُ خُزيمةَ والحاكِمُ في (صحيحَيْهما) مِن حديثِ أبي أُمامةَ أيضًا.
_ وقالَ ابنُ مَسعودٍ: (فضلُ صلاةِ الليلِ علَى صلاةِ النهارِ كفَضْلِ صَدَقَةِ السِّرِّ علَى صَدَقَةِ العلانيَةِ).
وَخَرَّجَهُ أبو نُعَيْمٍ عنه مَرفوعًا، والموقوفُ أَصَحُّ.

وقد تَقَدَّمَ أنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ الخطيئةَ، وتُطفئُ غَضَبَ الرَّبِّ، فكذلك صلاةُ الليلِ.
وقولُهُ: ثم تلا: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة:16،17] يَعني: أنَّ النبيَّ تلا هاتين الآيتين عندَ ذِكْرِهِ فَضْلَ صلاةِ الليلِ، ليُبَيِّنَ بذلك فَضْلَ صلاةِ الليلِ.

_ وقد رُوِيَ عن أَنَسٍ أنَّ هذه الآيَةَ نَزَلَتْ في انتظارِ صلاةِ العِشاءِ، خَرَّجَهُ التِّرمذيُّ وصَحَّحَهُ.

ورُوِيَ عنه أنه قالَ في هذه الآيَةِ: (كانوا يَتَنَفَّلُونَ بينَ المغرِبِ والعشاءِ)، خَرَّجَهُ أبو داودَ. ورُوِيَ نحوُهُ عن بلالٍ، خَرَّجَهُ البَزَّارُ بإسنادٍ ضعيفٍ.
وكلُّ هذا يَدْخُلُ في عُمومِ لفظِ الآيَةِ؛ فإنَّ اللَّهَ مَدَحَ الَّذين تَتَجَافَى جُنوبُهم عن المضاجِعِ لدُعائِهِ، فيَشملُ ذلك كلَّ مَنْ تَرَكَ النَّومَ باللَّيلِ لذِكْرِ اللَّهِ ودُعائِهِ، فيَدْخُلُ فيهِ مَنْ صَلَّى بينَ العِشائيَنِ، ومَن انتظرَ صلاةَ العِشاءِ فلم يَنَمْ حتَّى يُصَلِّيَها، لا سِيَّمَا مع حاجتِهِ إلَى النومِ، ومُجاهدَةِ نفسِهِ علَى تَرْكِهِ لأداءِ الفريضةِ، وقد قالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لِمَنِ انتظرَ صلاةَ العِشاءَ: ((إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاةَ)).

ويَدخلُ فيهِ مَنْ نامَ ثمَّ قامَ مِنْ نومِهِ باللَّيلِ للتَّهَجُّدِ، وهو أَفضلُ أنواعِ التطوُّعِ بالصَّلاةِ مُطْلَقًا.
وربما دَخَلَ فيهِ مَن تَرَكَ النَّومَ عندَ طُلوعِ الفجرِ، وقامَ إلَى أداءِ صلاةِ الصُّبحِ، لا سِيَّمَا مع غَلَبَةِ النَّومِ عليهِ، ولهذا يُشْرَعُ للمؤذِّنِ في أذانِ الفجرِ أن يقولَ في أذانِهِ: الصَّلاةُ خَيرٌ مِن النومِ.
وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((وَصَلاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ))ذَكَرَ أفضلَ أوقاتِ التَّهَجُّدِ بالليلِ، وهو جَوْفُ الليلِ، وخَرَّجَ التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ مِن حديثِ أبي أُمامةَ، قالَ: قيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ ؟

قالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ، وَدُبُرُ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ)).
_ وَخَرَّجَهُ ابنُ أبي الدنيا، ولَفْظُهُ: جاءَ رجلٌ إلَى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، قالَ: أَيُّ الصَّلاةِ أَفْضَلُ ؟
قالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ)).
قالَ: أيُّ الدُّعاءِ أَسْمَعُ ؟
قالَ: ((دُبُرُ الْمَكْتُوبَاتِ)).
_ وخَرَّجَ النَّسائيُّ مِن حديثِ أبي ذَرٍّ قالَ: سألتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ أَيُّ اللَّيْلِ خَيْرٌ ؟
قالَ: ((خَيْرُ اللَّيْلِ جَوْفُهُ)).
_ وخَرَّجَ الإِمامُ أحمدُ مِن حديثِ أبي مُسْلِمٍ قالَ: قلتُ لأبي ذرٍّ: أَيُّ قِيامِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ ؟ قالَ: سَأَلْتُ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَأَلْتَنِي فقالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الغَابِرِ، أَوْ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَقَلِيلٌ فاعِلُهُ)).
_ وخَرَّجَ البَزَّارُ والطبرانيُّ مِن حديثِ ابنِ عمرَ، قالَ: سُئلَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ اللَّيْلِ أَجْوَبُ دَعْوَةً ؟
قالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ))، زادَ الْبَزَّارُ في رِوايتِهِ: ((الآخِرِ)).
_ وخَرَّجَ التِّرمذيُّ مِن حديثِ عمرِو بنِ عَبْسَةَ، سَمِعَ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرَّبُّ مِنَ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ الآخِرِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ فَكُنْ))، وصحَّحَهُ، وَخَرَّجَهُ الإِمامُ أحمدُ، ولَفْظُهُ قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ السَّاعاتِ أَفضلُ ؟
قالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ)) وفي روايَةٍ له أيضًا: قالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ أَجْوَبُهُ دَعْوَةً)). وفي روايَةٍ له: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، هَلْ مِنْ ساعةٍ أَقْرَبُ إِلَى اللَّهِ مِنْ أُخْرَى ؟
قالَ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الآخِرِ)).
_ وَخَرَّجَهُ ابنُ ماجهْ، وعندَهُ: ((جَوْفُ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ)).
_ وفي روايَةٍ للإمامِ أحمدَ، عن عمرِو بنِ عَبْسَةَ، قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، هل مِن ساعةٍ أَفضلُ مِن ساعةٍ ؟
قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ لَيَتَدَلَّى فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَيَغْفِرُ إِلا مَا كَانَ مِنَ الشِّرْكِ)).
وقد قيلَ: إنَّ جوفَ الليلِ إذا أُطْلِقَ فالمرادُ به وَسَطُهُ، وإن قيلَ: جوفُ الليلِ الآخِرِ، فالمرادُ وَسَطُ النِّصفِ الثاني، وهو السدسُ الخامسُ مِن أسداسِ الليلِ، وهو الوقتُ الذي وَرَدَ فيهِ النُّزولُ الإلهيُّ.
(5) وقولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((أَلا أُخْبِرُكُ بِرَأْسِ الأَمرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟))
قلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ.
قالَ: ((رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ، وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ)).
_ وفي روايَةٍ للإمامِ أحمدَ مِن روايَةِ شَهْرِ بنِ حَوْشَبٍ، عن ابنِ غَنْمٍ، عن مُعاذٍ قالَ: قالَ لي نبيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ شِئْتَ حَدَّثْتُكَ بِرَأْسِ هَذَا الأَمْرِ وَقِوامِ هَذَا الأَمْرِ وَذِرْوَةِ السَّنَامِ)).
قلتُ: بلَى.
فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ رَأْسَ هَذَا الأَمْرِ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، وَإِنَّ قِوَامَ هَذَا الأَمْرِ إِقامُ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَإِنَّ ذِرْوَةَ السَّنَامِ مِنْهُ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يُقِيمُوا الصَّلاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَيَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدِ اعْتَصَمُوا وَعَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوالَهُم إِلا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عزَّ وَجَلَّ)).
_ وقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا شَحَبَ وَجْهٌ، وَلا اغْبَرَّتْ قَدَمٌ فِي عَمَلٍ يُبْتَغَى فِيهِ دَرَجَاتُ الْجَنَّةِ بَعْدَ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَجِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلا ثَقَّلَ مِيزَانَ عَبْدٍ كَدَابَّةٍ تُنْفَقُ لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)).
فأَخْبَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ثلاثةِ أشياءَ: رأسِ الأمرِ، وعَمودِهِ، وذِروةِ سَنَامِهِ.
فأمَّا رأسُ الأمرِ،ويَعني بالأمرِ: الدِّينَ الذي بُعِثَ به، وهو الإِسلامُ، وقد جاءَ تفسيرُهُ في الروايَةِ الأُخرَى بالشهادتينِ، فمَن لم يُقِرَّ بهما ظاهرًا وباطِنًا، فليسَ مِن الإِسلامِ في شيءٍ.
وأمَّا قِوامُ الدِّينِ - الذي يَقومُ به الدِّينُ كما يَقومُ الفُسطاطُ علَى عَمودِهِ - فهو الصلاةُ، وفي الروايَةِ الأُخرَى: ((وَإِقَامُ الصَّلاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ)) وقد سَبَقَ القولُ في أركانِ الإِسلامِ وارتباطِ بعضِها ببعضٍ.
وأمَّا ذِروةُ سَنامِهِ - وهو أعلَى ما فيهِ وأَرْفَعُهُ - فهو الْجَهادُ، وهذا يَدُلُّ علَى أنَّهُ أَفضلُ الأعمالِ بعدَ الفرائضِ، كما هو قولُ الإِمامِ أحمدَ وغيرِهِ مِن العُلماءِ.
_ وقولُهُ في روايَةِ الإِمامِ أحمدَ: ((وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا شَحَبَ وَجْهٌ، وَلا اغْبَرَّتْ قَدَمٌ فِي عَمَلٍ يُبْتَغَى بِهِ دَرَجَاتُ الْجَنَّةَ بَعْدَ الصَّلاةِ الْمَفْرُوضَةِ كَجِهَادٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ))يَدُلُّ علَى ذلك صريحًا.
_ وفي (الصحيحين)، عن أبي ذَرٍّ، قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ، أيُّ العملِ أفضلُ ؟
قالَ: ((إِيمانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ)).
_ وفيهما عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَفْضَلُ الأَعْمَالِ إِيمَانٌ بِاللَّهِ، ثُمَّ جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)).
والأحاديثُ في هذا المعنَى كثيرةٌ جِدًّا.
(6) وقولُهُ: ((أَلا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟)).

قلتُ: بلَى يا رسولَ اللَّهِ.
فَأَخَذَ بِلِسانِهِ فقالَ: ((كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا))إلَى آخِرِ الحديثِ.
هذا يَدُلُّ علَى أنَّ كَفَّ اللسانِ وضَبْطَهُ وحَبْسَهُ هو أصلُ الخيرِ كُلِّهِ، وأنَّ مَن مَلَكَ لِسانَهُ، فقد مَلَكَ أَمْرَهُ وأَحْكَمَهُ وضَبَطَهُ، وقد سَبَقَ الكلامُ علَى هذا المعنَى في شَرْحِ حديثِ: ((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ)).
وفي شَرْحِ حديثِ: ((قُلْ: آمَنْتُ بِاللَّهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْ)).

_ وخَرَّجَ البَزَّارُ في (مُسْنَدِهِ) مِن حديثِ أبي الْيُسْرِ، أنَّ رجلاً قالَ: يا رسولَ اللَّهِ، دُلَّنِي علَى عَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةِ.
قالَ: ((أَمْسِكْ هَذَا))، وأشارَ إلَى لسانِهِ.
فأَعادَها عليهِ.
(7) فقالَ: ((ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ، هَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى مَنَاخِرِهِم فِي النَّارِ إِلا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ))وقالَ: إسنادُهُ حَسَنٌ.

والمرادُ بحصائدِ الألسنةِ: جزاءُ الكلامِ المحرَّمِ وعُقوباتُهُ؛ فإنَّ الإِنسانَ يَزْرَعُ بقولِهِ وعملِهِ الحسناتِ والسَّيِّئاتِ، ثم يَحْصُدُ يومَ القِيامةِ ما زَرَعَ، فمَن زَرَعَ خيرًا مِن قولٍ أو عملٍ، حَصَدَ الكرامةَ، ومَن زَرَعَ شرًّا مِنْ قولٍ أو عملٍ، حَصَدَ غدًا النَّدامةَ.

وظاهرُ حديثِ مُعاذٍ يَدُلُّ علَى أنَّ أكثرَ ما يَدْخُلُ به النَّاسُ النارَ النُّطقُ بأَلْسِنَتِهِم؛ فإنَّ مَعصيَةَ النُّطقِ يَدْخُلُ فيها الشِّركُ وهو أَعْظَمُ الذنوبِ عندَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ، ويَدخلُ فيها القولُ علَى اللَّهِ بغيرِ عِلْمٍ، وهو قرينُ الشِّركِ، ويَدْخُلُ فيهِ شهادةُ الزُّورِ التي عَدَلَت الإشراكَ باللَّهِ عزَّ وجلَّ، ويَدخلُ فيها السِّحْرُ والقَذْفُ وغيرُ ذلك مِنَ الكبائرِ والصَّغائرِ؛ كالكَذِبِ والغِيبَةِ والنَّميمةِ، وسائرُ المعاصي الفعليَّةِ لا يَخْلُو غالبًا مِن قولٍ يَقترِنُ بها يكونُ مُعِينًا عليها.
_ وفي حديثِ أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ الأَجْوَفانِ: الْفَمُ وَالْفَرْجُ)) خَرَّجَهُ الإمامُ أحمدُ والتِّرمذيُّ.

_ وفي(الصحيحين) عن أبي هُريرةَ، عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ مَا فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ))، وَخَرَّجَهُ التِّرمذيُّ، ولفظُهُ: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ لا يَرَى بِهَا بَأْسًا، يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ)).
_ ورَوَى مالكٌ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيهِ، أنَّ عمرَ دَخَلَ علَى أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما وهو يَجْبِذُ لسانَهُ.

فقالَ عمرُ: (مَهْ، غَفَرَ اللَّهُ لك !)
فقالَأبو بكرٍ: (هذا أَوْرَدَنِي الْمَواردَ).
_ وقالَ ابنُ بُريدةَ: رأيتُ ابنَ عبَّاسٍ آخِذًا بلسانِهِ وهو يقولُ: (وَيْحَكَ، قُلْ خيرًا تَغْنَمْ، أو اسْكُتْ عن سُوءٍ تَسْلَمْ، وإلا فاعْلَمْ أنَّك سَتَنْدَم)ُ.
قالَ: فقيلَ له: يا أبا عبَّاسٍ، لِمَ تَقولُ هذا ؟
قالَ: (إنَّهُ بَلَغَنِي أنَّ الإنسانَ - أُراهُ قالَ - ليس علَى شيءٍ مِن جَسَدِهِ أشدَّ حُنْقًا أو غَيْظًا يَوْمَ القِيامةِ منه علَى لِسانِهِ إلا ما قالَ به خَيْرًا، أو أَمْلَى به خيرًا).
_ وكان ابنُ مسعودٍ يَحْلِفُ باللَّهِ الَّذي لا إلهَ إلا هوَ: (ما علَى الأرضِ شيءٌ أَحْوَجُ إلَى طُولِ سِجْنٍ مِن لسانٍ).
_ وقالَ الحسن: (اللسانُ أميرُ الْبَدَنِ، فإذا جَنَى علَى الأعضاءِ شيئًا جَنَتْ، وإذا عَفَّ عَفَّتْ).

_ وقالَ يُونُسُ بنُ عُبيدٍ: (ما رأيتُ أحدًا لِسانُهُ منه علَى بالٍ إلا رأيتُ ذلك صَلاحًا في سائرِ عملِهِ).

_ وقالَ يَحْيَى بنُ أبي كثيرٍ: (ما صَلَحَ مَنْطِقُ رَجُلٍ إلا عَرَفْتُ ذلك في سائرِ عَمَلِهِ، ولا فَسَدَ مَنْطِقُ رَجُلٍ قطُّ، إلا عَرَفْتُ ذلك في سائرِ عَمَلِهِ).
_ وقالَ المبارَكُ بنُ فَضَالَةَ، عن يُونُسَ بنِ عُبيدٍ: (لا تَجِدُ شيئًا مِنَ الْبِرِّ واحدًا يَتَّبعُهُ الْبِرُّ كلُّهُ غَيرَ اللسانِ، فإنك تَجِدُ الرجلَ يَصومُ النهارَ، ويُفْطِرُ علَى حَرَامٍ، ويَقومُ الليلَ ويَشهدُ بالزورِ بالنهارِ - وذَكَرَ أشياءَ نحوَ هذا - ولكن لا تَجِدُهُ لا يَتكلَّمُ إلا بحقٍّ فَيُخالِفُ ذلك عَمَلُهُ أبدًا).

هيئة الإشراف

#7

13 Nov 2008

شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)


قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:

وعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: (قُلت: يا رسول الله أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنَّة ويباعدني عن النار)(1)، قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسيرٌ على من يسّرهُ الله تعالى عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت))(2) ثم قال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: - ((ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل))، ثم تلا قوله تعالى: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {يعملون}.
ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟))

قلت: بلى يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله))، ثم قال: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟)) (3) قلت: بلى يا رسول الله، فأخذ بلسانه وقال: ((كف عليك هذا))، قلت يا نبي الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟، قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم-إلا حصائد ألسنتهم!)) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

الشيخ:
هذا الحديث فيه ذكر أشياء من أبواب الخير، وهو من الأحاديث العظيمة التي لكلِّ جملة منه شواهد كثيرة، ولهذا فهو حديث حسن بمجموع شواهده.

قال معاذ بن جبل -رضي الله عنه-: ((قُلتُ: يا رسول الله! أخبرني بعملٍ يُدخلني الجنَّة ويُباعدني عن النار)) هذا فيه ما ينبغي التأدُّب به لأهل العلم؛ لأنّ معاذ بن جبل -رضي الله عنه-ورحمه؛ هو أعلم الأمة بالحلال والحرام، فهو من أهل العلم، وهذا يدل على أن طالب العلم ينبغي عليه أن يكون حريصاً على ما يُقرِّبُه من الجنّة ويُباعدهُ عن النار.
قال معاذ (يا رسول الله! أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني عن النار) وهذا مما ينبغي لكل طالب علم أن يحرص عليه: ما يُقربه إلى الجنّة وما يباعدهُ من النار؛ لأنَّ العلم لهُ شهوة، والعلم له عنفوان، وقد يصرفُ صاحبهُ عن السَّعي في الغاية من العلم (وهو: ما يقرب من الجنة وما يباعد من النار).
وقد قال عبد الله بن المُبارك -رحمه الله تعالى-: (إنّ للعلم طُغياناً كطغيان المال) فالعلم يُطْغي إذا لم يَكن صاحبه يسعى فيما يُقرِّبهُ إلى الجنة ويباعدهُ من النار.

فالعلم له مقتضيات كثيرة، وأهل العلم ينبغي لهم أن يكونوا ألين الناس في غير تفريط، وأن يكونوا أبْصرَ الناس، وأحقَّ الناس بالحكمة والأخذ بما يُقرِّبهم إلى الله -جل وعلا-، فهم القُدوة، وهم البُصَراء بالعلم والعمل؛ لهذا سأل معاذ هذا السؤال، وذلك من حكمة الله -جل وعلا- أن يسأل ليُبصر أهل العلم جميعا بما ينبغي أن يكونوا عليه.

قال: (أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني عن النار) قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لقد سألت عن عظيم، وإنهُ ليسيرٌ على من يسرهُ الله تعالى عليه)) هذا السؤال عظيم وهو شاقٌ من حيث الامتثال، لكنه يسيرٌ على من يسره الله عليه.
فإذاً: نفهم من هذا أنَّ ثمَّ كلفة في أن يمتثل المرءُ بمُقتضى العلم، ولكنَّهُ يسير على من يسَّرهُ الله عليه.

والله -جل وعلا- إذا أقبل العَبد يسر عليه الأمر، كما قال جلّ وعلا:{فأمَّا من أعطى واتقى وصدّق بالحُسنى فسنُيسِّرهُ لليُسرى}، فتيسيرُ الله -جل وعلا- أمور الخير للعبد؛ هذا يكونُ بشيءٍ يبذُله العبد: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى}.

قال -عليه الصلاة والسلام-: (وإنَّهُ ليسيرٌ على من يسّرهُ الله تعالى عليه) ثُم فصّل فقال: ((تَعبدُ الله لا تشركُ به شيئاً)). ((تعبد الله)): يعني أن تتوجهُ بجميع أنواع العبادات إلى الله -جل وعلا- وحدهُ.
فإذا دعوتَ دعوت الله، وإذا سألت سألت الله، وإذا صليت صلّيت لله، وإذا استغثت استغثتَ بالله، وإذا أعظمت الرّجاء أعظمته بالله، وكل العبادات القلبية واللسانية والعملية بالجوارح؛ تكون لله -جل وعلا- وحده، ولا يكون لمخلوق فيها نصيب، قال: (تعبدُ الله لا تُشركُ به شيئاً): يعني كبير الشرك وصغيره وخفيّهُ؛ لأن كلمة (شيئاً) نكِرة جاءت في سياق النفي، فتعم كل ما كان في معناها، فلا يُشركُ بأي شيءٍ، لا يُشرك بالهوى، لا يُشرِك بالمخلوق البشر، لا يُشرك بالملائكة، لايشرك بعظيم، لا يشرك بصالح، لا يشرك بجني، بإنسي، بشجر، بحجر، بأي نوعٍ مما خلق الله -جل وعلا-، وهذا لا شكَّ أنَّهُ عظيم، ولكنّهُ يسير على من يسّرهُ الله عليه، فعبادةُ الله -جل وعلا- وحده دون ما سواه هذه غاية إرسال المرسلين، ونفي الشرك ونبذهُ والتخلص منه أيضاً مما جاء به المرسلون وأقاموا رسالاتهم عليه وهذا يتنوع؛ فما كان من قبيل الشرك الأكبر فظاهرٌ وجوبُ اجتنابه، وأنَّ من فعله فهو مُشركٌ كافر تارك للدين، مع اجتماع الشروط وانتفاء الموانع.

وما هو أقل من ذلك: الشرك الأصغر والخفي، ينبغي على العبد يجب عليه أن يسعى في تجنبه وأن يجاهد نفسه، والشرك الأصغر يدخلُ فيه -يسير الرياء- والشرك الخفي أيضاً يدخل فيه الشهوة الخفية والتسميع والمقاصد، وأن يكون قصد المرء الدنيا فيما يأتي ويذر، وفي الأمور الدينية وطلب العلم وأشباه ذلك مما يراد لله.
فإذاً: عبادةُ الله وحده لا شريك له، هذا حاصلٌ إن شاء الله عند الموحد، لكن يخاف على الموحد من أنواع الشرك الأصغر والخفي، مما يكون من يسير الرياء والتوجُّه لغير الله في ذلك، فهذه عظيمة:

فإن تنجُ منها تنجُ من ذي عظيمةٍ = وإلا فإني لا إخالك ناجياً

يعني: أن هذا الأمر شديد، ويجب أن تُوطن نفسك على إخراج المخلوق من قلبك، وأن يكون القلبُ خالصاً لله، متوجهاً لله، في تحرُّكه، في سكناته، في أمره، في نهيه، في تصرُّفكَ مع أهلك، مع أقاربك، مع الأمور العامة، مع الأمور الخاصة، إذا كان كلُّ شيءٍ لله تمَّ الإخلاص.
قال: ((وتقيمُ الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجُّ البيت))وهذه الأربعة مرَّ بيانُها.

ثم قال: ((ألا أدلكَ على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة))الصوم: يريد به صوم النّفل؛ لأنه قَدَّم صيام رمضان.

ثم قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير؟ الصوم جُنَّة))جُنَّة: يعني وقاية يقي العبد مما يسخطه اللهُ -جل وعلا- لأنّ الصيام فيه تذكيرٌ بحقوق الله -جل وعلا- وحقوق عبادهِ، فهو جُنَّةٌ من نفوذ الشيطان إلى العبد، وكما جاء في الحديث: أنه -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذاجاء رمضان فُتحت أبواب الجنّة، وغُلقت أبواب النار، وصُفدت الشياطين)).
وقال -عليه الصلاة والسلام-: في حقّ من لم يجد طولاً للنكاح ((ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء)) فالصيام جُنّة، يعني: يكون به الاجتناب؛ لأنّ الجنّة والاجتناب هو: الحاجز الذي يقي، فالغطاء هو الجنة، ومنه قيل للجنين جنين لأنهُ في غطاء، في استتار، وللمجن مجن لذلك.

قال: ((والصدقةُ تُطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار))الصدقة بأنواعها تُطفئُ الخطايا، الصدقة بالقول وبالعمل -الواجبة والمستحبة- والصدقة بالمال كلُّ هذه تُطفئُ الخطايا؛ لأنها حسنات، والله -جل وعلا- قال: {إنَّ الحسناتِ يُذْهِبن السيئات} ، وقد مر معنا قوله -عليه الصلاة والسلام-: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) فإذا فهمت معنى الصدقة العام الشامل الذي ذكرناهُ لك في درْسٍ مضى؛ فإنَّهُ كلما حصلت منك خطيئة فعليك بكثرة الصدقات، والخطايا لا تُحصى؛ لأنّه ما من حال تكون فيه إلا ولله -جل وعلا- أمرٌ ونهي في ذلك، وَقلَّ من يكون ممتثلاً للأمر والنهي في كلِّ حالة فإذاً: لا بد من الإكثار من الصدقات فهي أبواب الخير.
قال: ((وصلاةُ الرَّجُل في جوفِ الليل)) يعني أن يقوم الليل القيام المستحب، وقيام الليل على درجات وأعلاهُ أن يكون كقيام المُصطفى -صلى الله عليه وسلم- الذي جاء في آخر سورة المزمِّل: {إنّ رَبك يعلمُ أنَّكَ تقوم أدنى من ثُلثي الليل ونصفه وثلثهُ وطائفةٌ من الذين معك} ، فأفضله ما كان بعد نصف الليل إلى الفجر وبَعدهُ من أوّل ثلثِ الليل الآخر إلى الفجر ثم هكذا بما يتيسر للعبد، فصلاةُ الرّجُل في جوفِ الليل هذه من أعظم أبواب الخير وبها يحصل للمرء من النور في قلبه وحُسْنِ تعامُله مع ربِّه وخشيته له والتنكُّب عن دار الدنيا والرَّغبُ في الآخرة ما لا يدخُل تحت وصف؛ أعاننا الله وإياكم على ذلك، فإن صلاة الرجل والمرأة في جوف الليل هذه يكون معها التدبُّر للقرآن وَحُسْنُ مناجاة الله والدَّمعة التي تُسبَلُ من خشية الله -جل وعلا - إذ يكون المرْءُ في ذلك على يقين من أنّهُ إنما قام لله -جل وعلا- وحده فتعظمُ الصلة ويعظمُ التعلق ويعظم إخبات القلب ويعظم الرّجاء وتعظم الرّهبة ويعظم الخوف ويُؤثر القرآن في القُلوب تأثيراً عظيماً، فأصحاب الليل هم أهل التقوى قال -جل وعلا-: في وصْف عبادهِ المخبتين المنيبين في سورة {ألم} السجدة: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون، فلا تعلم نفسٌ ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}، وهذا من فضل الله -جل وعلا- عليهم.
قال:ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سَنامه؟ قُلتُ بلى يا رسول الله، قال: رأس الأمر الإسلام)) لأن الأمر الذي هو الدين رأسهُ الإسلام فإذا قُطِع الرأس فلا حياة، فإذا ذهب الإسلام فلا حياة للمرء في الدين فقال: ((رأس الأمر الإسلام)) وهو: الاستسلام لله - جل وعلا - بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله.
قال: ((وعموده الصلاة)) العمود: هو ما يقوم عليه البناء فإذا كان ثمَّ أشياء يقوم عليها البناء فإنَّ بالصلاة يقوم البناء فعمود الدين الصلاة، وقال عموده لأن الصلاة هي الركن العملي الذي به يحصل الامتثال لمقتضيات الإيمان العملية يعني لركن الإيمان الذي هو العمل؛ فالإيمان قول واعتقاد وعمل، والعملُ عموده الصلاة، فإذا ذهبت الصلاة فلا قيام لذلك ولهذا قال عمر -رضي الله عنه- (لا حظَّ في الإسلام لمن ترك الصلاة)، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنهقال: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)).
قال عليه الصلاة والسلام بعد ذلك: ((وذروة سنامه الجهاد))((ذروة سنامه)) تشبيهٌ للأمر بالجمل، والجمل أعلاهُ ذرْوة السنام، والجمل متحرك، والجهاد أيضاً يبعثُ على الانتشار فهو سبب انتشار الإسلام وامتداد الدخول في الدين مثَّل الدين بالراحلة؛ بالجمل وجعل الجهاد من هذه الرَّاحلة ذرْوة السَّنام لأنّه بارز بيَّن متميز، فالإسلام تميّز من بين الأديان كتميز الجمل بذرْوة سنامه بالجهاد والجهاد أنواع، والمراد به هنا: الجهاد؛ جهاد الأعداء، وهوكما هو معلوم على مرتبتين: واجبة ومستحبة.
والواجب أيضاً على قسمين:

واجب عيني . وواجب كفائي/ كما هو معلوم في مكانه من الفقه.
ثم قال: ((ألا أُخبرك بِملاك ذلك كله؟ قلتُ: بلى يا رسول الله فأخذ بلسانه وقال: كُفَّ عليك هذا)) اللسان هو أعظم الأعضاء جُرْماً لأنه سهل الحركة كثير الخطايا فباللسان يحصل الاعتقاد الزائف وباللسان يقول المرء الكلمة لا يُلقي لها بالاً تهوى به في النار سبعين خريفاً باللسان تحصل العداوات وقد قال -جل وعلا-: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}، وباللسان يحصل الوقوع في المؤمنين والإيذاء بغير حق وقد قال -جل وعلا-: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا ًوإثماً مبيناً} ، والإيذاء أعظم أنواعه ما كان باللسان وقد أوذيت عائشة -رضي الله عنها وأرضاها- باللسان بما بلغ بها المبلغ الذي تعلمون في قصة الإفك، باللسان يحصلُ نشْرُ الخير وباللسان يحصلُ نشر الشر، فإذا حاسب المرءُ نفسه على لسانه حصل له مِلاكُ هذا الأمر وهو أنَّهُ مَلَك عليه دينه، وأمَّا إذا أطلق لسانه في كل شيء فإنه يضُر نفسه ضرراً بالغاً ولا يملكُ على نفسه دينه، واللسان قد جاءت الأحاديث الكثيرة في بيان شأنه ومر معنا في حديث مضى بعض ذلك فقال: ((كُفَّ عليك هذا)) يعني: أمسك، فالكلمة إذا لم تعلم أنَّها من الحق الذي تؤجر عليه فاتركها؛ لأنها عليك وليست لك.
قال: (قلتُ: يا نبي الله وإنَّا لمؤاخذون بما نتلكم به! فقال: "ثكلتك أُمُّك) لأنه لا يتوقع من معاذ وهو العالم بالحلال والحرام، الفقيه أن يسأل هذا السؤال فقال: ((ثكلتك أمك)) يعني استغراب من هذا السؤال الذي لا يتوقع من معاذ أن يسأله فقال: ((ثكلتك أمك وهل يَكب الناس في النار على وجوههم أَو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم)) يستنكف كثير من الناس؛ يعني: من المسلمين أن يعمل عملاً محرّماً من الكبائر بجوارحه، تجد أنه يستنكف أن يأكل الرِّبا، ويستنكف أن يشرب الخمر، يستنكف أن يأتي كبيرة الزنى، يستنكف أن يأتي كبيرة السحر، يستنكف أن يأتي كبيرة قذف المحصنات الغافلات، يستنكف أن يأتي كذا وكذا من الكبائر ولكنَّه في كبائر اللسان يقع فيها بلا مبالاة فيقع في النميمة من دون أن يشعر؛ وهي كبيرةٌ من الكبائر وهي الحالقة، ويغتاب، والغيبة محرّمة وهي عند كثير من أهل العلم: كبيرة ومدارها على اللسان وقد قال -جل وعلا-: {ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه}.
قال طائفة من أهل العلم: لما شبَّه الغيبة بأكل لحم الميت دلَّ على أنَّها من الكبائر لأنَّ المشبه به كبيرة فيأخذ المشبَّه حُكمَ المشبَّه به فدل على أنها من الكبائر، وهكذا في أصناف شتى؛ فما وُجدت العداوات والبغضاء إلا باللسان وما تفرقت الأمة إلا باللسان قبل الأعمال، فاللسان هو مدارُ الأمر ولهذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((ألا أخبرك بملاك ذلك كُله))يعني: بملاك رأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟
قال: (بلى يا رسول الله قال: كُفَّ عليك هذا) فهذه وصيةٌ عظيمة، وسَببُ تعذيب كثيرين في النار: أنهم لم يَكُفُّوا ألسنتهم عمَّا لا يحلُّ لهم فلهذا علينا أن نحذر اللسان أعظم الحذر، فنوصي بهذه الوصية، التي أوصى بها المصطفى عليه الصلاة والسلام بقوله: ((كف عليك هذا)) فأوصي نفسي وإياكم بأن نكفَّ ألسنتنا إلا عن شيء علمنا حُسْنه، فإذا خاطبْنا إخواننا فلنخاطبهم باللتي هي أحسن؛ {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن}، أحسن ما تجد من اللفظ قله لوالدك، لوالدتك، لإخوانك، لأخواتك، لأهلك، لإخوانك المؤمنين، لأنه بهذا تُبْعِد مَدخل الشيطان في التفريق ما بين أهل الإيمان، وما حصل في تاريخ الإسلام وفي زمننا هذا من أمورٍ منكرة إلا بسبب إطلاق اللسان فيما لا يُعلم أنه من الحق، وكلٌّ يتكلم بما شاء فحصل ما لم يُحمد، نسأل الله -جل وعلا- أن يُلزمني وإياكم ما فيه صلاحنا في قلوبنا وألسنتنا وجوارحنا.

عبد العزيز بن داخل المطيري

#8

13 Nov 2008

الكشاف التحليلي


حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: (قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة)

تخريج الحديث
منزلة الحديث
موضوع الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
شمول الحديث لأركان الإسلام وأبواب الخير
شرح قوله: (أخبرني بعمل يدخلني الجنة)
الجمع بين حديث معاذ وحديث: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله)
ثمرة العلم: العمل
سؤال الصحابة رضي الله عنهم عما ينفعهم
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت عن عظيم)
بيان أن دخول الجنة والنجاة من النار أمرٌ عظيم جدًّا
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنه ليسير على من يسره الله عليه)
بيان أن التوفيق كله بيد الله عز وجل
معنى التيسير لليسرى
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير)
نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
فضل التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد أداء الفرائض
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة)
معنى (الصوم)
معنى (جُنَّة)
سبب كون الصوم جنة
ذكر بعض فضائل الصوم
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (والصدقة تطفئ الخطيئة)
معنى (الصدقة)
معنى (الخطيئة)
ذكر بعض فضائل الصدقة
فضل صدقة السر
تكفير الصدقة للسيئات
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وصلاة الرجل في جوف الليل)
فضل قيام الليل
أفضل أوقات التهجد: جوف الليل
المراد بـ (جوف الليل)
أفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل
الخلاف في أفضل النوافل
ذهب الإمام أحمد إلى أن الجهاد من أفضل الأعمال بعد الفرائض
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك برأس الأمر...)
المراد بـ(الأمر)
المراد بقوله: (ذروة سنامه)
وجه تشبيه الجهاد بذروة السنام
مراتب الجهاد:
المرتبة الأولى: الجهاد الواجب، وهو على قسمين:
القسم الأول: واجب عيني
القسم الثاني: واجب كفائي
المرتبة الثانية: الجهاد المستحب
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله...)
معنى (الملاك)
معنى كف اللسان
معنى قوله: (ثكلتك أمك)
المراد بحصائد الألسنة
أكثر ما يدخل الناس النار جرائر ألسنتهم
من كلام السلف في خطر اللسان
من فوائد حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه:
حِرْصُ الصَّحَابَةِ عَلَى الخيرِ
فَضْلُ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أهمية أركان الإسلام
الحَثُّ على أبوابِ الخيرِ
خطورة اللسان
فضيلة الصوم والصدقة
فضل قيام الليل
فضل الجهاد في سبيل الله

عبد العزيز بن داخل المطيري

#9

13 Nov 2008

العناصر


حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: (قلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة)
تخريج الحديث
منزلة الحديث
موضوع الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
شرح قوله: (أخبرني بعمل يدخلني الجنة)
الجمع بين حديث معاذ وحديث: (لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله)
ثمرة العلم: العمل
سؤال الصحابة رضي الله عنهم عما ينفعهم
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (لقد سألت عن عظيم)
بيان أن دخول الجنة والنجاة من النار أمرٌ عظيم جدًّا
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنه ليسير على من يسره الله عليه)
بيان أن التوفيق كله بيد الله عز وجل
معنى التيسير لليسرى
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلك على أبواب الخير)
نصح النبي صلى الله عليه وسلم لأمته
فضل التقرب إلى الله تعالى بالنوافل بعد أداء الفرائض
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (الصوم جنة)
معنى (الصوم)
معنى (جُنَّة)
سبب كون الصوم جنة
ذكر بعض فضائل الصوم
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (والصدقة تطفئ الخطيئة)
معنى (الصدقة)
معنى (الخطيئة)
ذكر بعض فضائل الصدقة
فضل صدقة السر
تكفير الصدقة للسيئات
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (وصلاة الرجل في جوف الليل)
فضل قيام الليل
أفضل أوقات التهجد: جوف الليل
المراد بـ (جوف الليل)
أفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل
الخلاف في أفضل النوافل
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك برأس الأمر...)
المراد بـ(الأمر)
المراد بقوله: (ذروة سنامه)
وجه تشبيه الجهاد بذروة السنام
مراتب الجهاد
شرح قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله...)
معنى (الملاك)
معنى كف اللسان
معنى قوله: (ثكلتك أمك)
المراد بحصائد الألسنة
أكثر ما يدخل الناس النار جرائر ألسنتهم
من كلام السلف في خطر اللسان

من فوائد حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه