29 Oct 2008
ح22: حديث جابر بن عبد الله: (أرأيت إذا صليت المكتوبات...) م
قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ): (
22- عن أبي عبدِ اللهِ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ رَضِي اللهُ عَنْهُما، أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ إذا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوباتِ، وَصُمْتُ رَمَضَانَ، وَأَحْلَلْتُ الْحَلالَ، وَحَرَّمْتُ الْحَرامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذلِكَ شَيْئًا، أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ قالَ: ((نَعَمْ)). رواه مسلِمٌ.
ومعنى حَرَّمْتُ الحرامَ: اجْتَنَبْتُه.
ومعنى أَحْلَلْتُ الحلالَ: فَعَلْتُه مُعْتَقِدًا حِلَّه.
شرح الأربعين النووية لفضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين (ت: 1421هـ): (
الحديث الثاني والعشرون
عَنْ
أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه
أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرَأَيتَ إِذا
صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ،
وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة
؟ قَالَ: نَعَمْ"(1) رواه مسلم (1) أخرجه مسلم كتاب: الإيمان، باب: بيان الإيمان الذي يدخل الجنة وأن من تمسك بما أمر به دخل الجنة، (18).
الشرح
يقول جابر رضي الله عنه: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم
، وهذا الرجل لا نحتاج لمعرفة عينه، لأن المقصود القضية التي وقعت، ولا
نحتاج إلى التعب في البحث عنه،اللهم إلا أن يكون تعيينه مما يختلف به الحكم
فلابد من التعيين.
وقوله "أَرَأَيتَ" بمعنى أخبرني.
إِذا "صَليتُ المَكتوبَات" وهن خمس صلوات في اليوم والليلة كما قال عزّ وجل: (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً) [النساء: الآية103] وغير الخمس لا يجب إلا لسبب يقتضيه، وهذا يُعرَف بالتأمل.
" وَصمتُ رَمَضَان" أي الشهر المعروف.
والصيام في اللغة الإمساك عن أي شيء، وفي الشرع هو الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تعبداً لله عزّ وجل.
وقولنا: تعبداً لله خرج به
ما لو أمسك عن المفطرات حمية لنفسه، أو تطبباً، فإن ذلك ليس بصيام شرعي،
ولهذا لابد من تقييد التعاريف الشرعية بالتعبد.
" وَأَحلَلتُ الحَلالَ" أي فعلت الحلال معتقداً حله، هذا معنى قوله: "أَحلَلت" لأن أحل الشيء لها معنيان:
المعنى الأول:الاعتقاد أنه حلال.
المعنى الثاني:العمل به.
"وَحَرَّمتُ الحَرَامَ" أي اجتنبت الحرام معتقداً تحريمه.
ولكن النووي -رحمه الله-
بعد أن ساق الحديث لم يقيد الحرام بكونه معتقداً تحريمه، لأن اجتناب الحرام
خير وإن لم يعتقد أنه حرام، لكن إذا اعتقد أنه حرام صار تركه للحرام عبادة
لأنه تركه لاعتقاده أنه حرام.
مثال ذلك:
رجل اجتنب شرب الخمر، لكن لا على أنه حرام إلا أن نفسه لا تطيب به، فهذا
لا إثم عليه، لكنه إذا تركه معتقداً تحريمه وأنه تركه لله صار مثاباً على
هذا، وسيأتي مزيد بيان لهذا إن شاء الله في آخر الفوائد.
"أَدخُل الجَنة"
يعني أأدخل الجنة، والجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عزّ وجل للمتقين،
فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،والجنة فيها فاكهة
ونخيل ورمان وفيها لحم وماء وفيها لبن وعسل.
الاسم مطابق لأسماء ما في الدنيا ولكن الحقيقة مخالفة لها غاية المخالفة لقول الله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) [السجدة:17]
وقوله تعالى في الحديث القدسي: (أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِيْنَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ،وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ،وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر)(2)
فلا تظن أن الرمان الذي في الجنة كالرمان الذي في الدنيا، بل يختلف بجميع أنواع الاختلافات، لقوله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة:17] ولو كان لا يختلف لكنا نعلم بهذا .
قال: نَعَم ونعم حرف جواب لإثبات المسؤول عنه، والمعنى: نعم تدخل الجنة .
من فوائد هذا الحديث:
1. حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال.
2.
بيان غايات الصحابة رضي الله عنهم، وأن غاية الشيء عندهم دخول الجنة، لا
كثرة الأموال، ولا كثرة البنين، ولا الترفه في الدنيا، ولهذا لما قضى أحد
الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: اسْأل ماذا تريد؟ قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أِو غَيْرَ ذَلِكَ؟" قال:هو ذاك، قال: "فَأَعِنِّيْ عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ"(3) ، أي بكثرة الصلاة.
فهذا الرجل لم يسأل نقوداً ولا مواشي ولا قصوراً ولا حرثاً، بل سأل الجنة، مما يدل على كمال غاياتهم رضي الله عنهم.
3. أن الإنسان إذا اقتصر على الصلاة المكتوبة فلا لوم عليه، ولا يحرم من دخول الجنة ، لقوله: "أَرَأَيتَ إِذا صَليتُ المَكتوبَات".
فإن قال قائل: قال الإمام أحمد - رحمه الله- فيمن ترك الوتر: هو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة؟
فالجواب:
أن كونه رجل سوء لا يمنعه من دخول الجنة، فهو رجل سوء ترك الوتر وأقله
ركعة مما يدل على أنه مهمل ولا يبالي إذ لم يطلب منه ركعات كثيرة، بل ركعة
واحدة ومع ذلك يتركها.
4.
أن الصلوات وكذلك الصوم من أسباب دخول الجنة،وقد ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم أن من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه(4).
5. أن لا يمتنع الإنسان من الحلال، لقوله: "وَأَحلَلتُ الحَلال" فكون الإنسان يمتنع من الحلال لغير سبب شرعيٍّ مذموم وليس بمحمود.
6.
إن الحرام: ما حرمه الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه
وسلم ،وتحليل الحلال وتحريم الحرام هو عام في جميع المحللات وجميع
المحرمات، ولهذا قال: أَدخُل الجَنة؟ قَالَ:نَعَم .
وفي هذا الحديث إشكال: أن
الرجل قال: لم أزد على ذلك شيئاً. وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم
تدخل الجنة، مع أنه نقص من أركان الإسلام الزكاة والحج، والزكاة مفروضة قبل
الصيام، يعني فلا يقال: لعل هذا الحديث قبل أن تفرض الزكاة، أما الحج
فيمكن أن نقول إن هذا الحديث قبل فرض الحج، لكن لا يمكن أن نقول إنه قبل
فرض الزكاة، فما الجواب عن هذا؟
الجواب أن يقال: لعل النبي صلى الله عليه وسلم علم من حال الرجل أنه ليس ذا مال، وعلم أنه إذا كان ذا مال فسوف يؤدي الزكاة، لأنه قال: "وَحَرَّمتُ الحَرَام" ومنع الزكاة من الحرام.
أما الحج فما أسهل أن نقول: لعل هذا الحديث قبل فرض الحج، لأن الحج إنما فرض في السنة التاسعة أو العاشرة.
وأما قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ) [البقرة: الآية196] فهذا فرض إتمامه لا ابتدائه. وقد يقال: ذلك داخل في قوله: "حَرَّمتَ الحَرَامَ" لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام.
7.
أن الجواب بـ: نعم إعادة للسؤال، لأن قوله: أَأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قَالَ:
نَعَمْ يعني تدخل الجنة، ولهذا لوسئل الرجل فقيل له: أطلّقتَ امرأتك؟ قال:
نعم، فإنها تطلق لأن قوله:نعم، أي طلقتها.
ولو أوجب الولي عقد النكاح وقال للرجل: زوجتك ابنتي، فقلنا له: أَقَبلْتَ؟ قال: نعم، فإنه يكفي في القبول، لأن: نعم كإعادة السؤال.
وهكذا في كل موارد: نعم اعتبرها إعادة للسؤال.
ولو سئل: أوقفت بيتك؟ فقال: نعم، فيكون البيت وقفاً.
أبعتَ سيارتك على فلان؟ فقال: نعم، فيكون قد أقرّ بالبيع.
قال النووي - رحمه الله- ومعنى حَرَّمْتَ الحَرَامَ اجتنبته، ومعنى أَحْلَلْتَ الحَلالَ فعلته معتقداً حِلَّهُ). إهـ
وهناك معنى آخر غير الذي
ذكره النووي - رحمه الله وهو: أن تعتقد أن الحرام حرام ولابد، لأنك إذا لم
تعتقد أن الحرام حرام فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي، وإذا لم تعتقد أن الحلال
حلال فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي، فلابد من أن تعتقد الحلال حلالاً،
والحرام حراماً.
وتفسير النووي - رحمه الله- فيه شيء من القصور. والله أعلم.
____________________________________________________
(2)
أخرجه البخاري كتاب: بدء الخلق، باب: ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة،
(3244). ومسلم – كتاب: الجنة وصفة نعيمها وأهلها، (2824)، (2)
(3) أخرجه مسلم كتاب: الصوم، باب: فضل السجود والحث عليه، (489)،(226)
(4)
أخرجه البخاري كتاب: الصوم، باب: من صام رمضان إيماناً واحتساباً ونية،
(1901). ومسلم- كتاب: الصلاة، باب: الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح،
(760)، (175)
شرح فضيلة الشيخ : محمد حياة السندي
قال الشيخ محمد حياة السندي (ت: 1163هـ): (
(1)تَرْجَمَةُ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الحَديثِ:
جابرُ
بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرِو بنِ حَرَامٍ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ
السَّلَمِيُّ ، صَحَابِيٌّ ابنُ صَحَابِيٍّ غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً
أَحَدُ القُدَمَاءِ إلى الإسلامِ والفُقَهَاءِ والمُكْثِرِينَ مِنَ
الحَدِيثِ، مَاتَ بالمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ غَيرُ
ذَلِكَ عَنْ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ سَنَةً. الشَّرْحُ:
عَنْ أبي عَبْدِ اللهِ (أَنَّ رَجُلاً) هُوَ النُّعْمَانُ بنُ قَوْقَلٍ، (سَأَلَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: أَرَأَيْتَ) أَخْبِرْنِي(إِذَا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ) الخَمسَ كُلَّ يومٍ (وَصُمْتُ) صَوْمَ شَهْرِ (رَمَضَانَ)كُلَّ سَنَةٍ، (وَأَحْلَلْتُ) اعْتَقَدْتُ (الحَلاَلَ) حَلاَلاً وَفَعَلْتُهُ، مُعْتَقِدًا حِلَّهُ، (وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ)
أَيْ: اعْتَقَدْتُ الحَرَامَ حَرَامًا وَتَرَكْتُهُ، وَلَعَلَّهُ أَرَادَ
مِنَ الحَرَامِ مَا هُوَ حَرَامٌ فِعْلاً وَتَرْكًا، فَالمَنْهِيَّاتُ
حَرَامٌ فِعْلاً، وَتَرْكُهَا مَطْلُوبٌ، والمَأْمُورَاتُ اللاَّزِمَاتُ
حَرَامٌ تَرْكُهَا، وَفِعْلُهَا مَطْلُوبٌ، (وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ) المَذْكُورِ، مِنْ فِعْلِ مَا وَجَبَ، وَاعْتِقَادِهِ حَقًّا، وَتَرْكِ مَا حَرُمَ، وَاعْتِقَادِهِ بَاطِلاً، (شَيْئًا) هَلْ (أَدْخُلُ الْجَنَّةَ) مَعَ الأَوَّلِينَ؟(قالَ): ((نَعَمْ)) تَدْخُلُهَا إِنْ مِتَّ على مَا ذَكَرْتَ، واللهُ أَعْلَمُ.
المنن الربانية لفضيلة الشيخ : سعد بن سعيد الحجري
قال الشيخ سعد بن سعيد الحجري (م): (
الحَدِيثُ الثَّانِي والعِشْرُونَ
عَنْ
جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؛ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فَقَالَ: أَرَأَيْتَ
إِذَا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وصُمْتُ رَمَضَانَ، وأَحْلَلْتُ الحَلالَ،
وحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئاً أَأَدْخُلُ
الجَنَّةَ؟ قَالَ: ((نَعَمْ)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الرَّاوِي: ((أَرَأَيْتَ))
أي: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا العَمَلِ إِذَا عَمِلْتُه ما الذي يَكونُ لِي،
وفي هذا طَلَبُ العَمَلِ وتَحْصِيلٌ لَهُ ورَفْعٌ للجَهْلِ وإِبْلاغٌ
للنَّاسِ؛ إِذْ نُقِلَ للأُمَّةِ بسَبَبِهِ. وسُمِّيَتْ صَلاةً؛ لأَنَّها صِلَةٌ بَيْنَ العَبْدِ ورَبِّهِ كَمَا قَالَ تَعالَى في الحَدِيثِ القُدُسِيِّ: ((قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ...))الحَدِيثَ. ((المَكْتُوبَاتِ))
أي: المَفْرُوضَاتِ الَّتِي فَرَضَها الشَّارِعُ، وهِيَ الظُّهْرُ
والعَصْرُ والمَغْرِبُ والعِشَاءُ والفَجْرُ، وأَوْقَاتُها أَفْضَلُ
الأَوْقَاتِ، وهِيَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَيْهِ العَبْدُ وأَوَّلُ
عِبَادَةٍ فِعْلِيَّةٍ، وآخِرُ وَصَايَاهُ صلَّى اللَّهُ عَليهِ وسلَّمَ.
جَابِرُ
بنُ عَبْدِ اللَّهِ الخَزْرَجِيُّ الأَنْصَارِيُّ، أبو عَبْدِ اللَّهِ،
شَهِدَ الخَنْدَقَ ومَا بَعْدَها بَعْدَ اسْتِشْهَادِ أَبِيهِ، تُوُفِّيَ
في السَّنَةِ الرابعةِ والسبعِينَ مِن الهِجْرَةِ، وله أَلْفٌ
وخَمْسُمِائَةٍ وأَرْبَعُونَ حَدِيثاً.
المَوْضُوعُ:
مُوجِبَاتُ الجَنَّةِ.
المُفْرَدَاتُ:
(1) ((أَنَّ رَجُلاً)) قِيلَ: هو النُّعمانُ بنُ قَوْفَلٍ الخُزَاعِيُّ.
(2) ((إِذَا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ))(إِذَا)
شَرْطِيَّةٌ لا تَدْخُلُ إِلاَّ عَلَى المُضَارِعِ وإِذَا دَخَلَتْ عَلَى
المَاضِي قَلَبَتْهُ للمُسْتَقْبَلِ، بخِلافِ (إِذْ) لا تَدْخُلُ إِلاَّ
علَى المَاضِي، وإِذَا دَخَلَتْ عَلَى المُضَارِعِ قَلَبَتْهُ للمَاضِي.
((صَلَّيْتُ)) أي: أَدَّيْتُ الصَّلاةَ وقُمْتُ بِهَا، والصَّلاةُلُغَةً: الدُّعَاءُ.
واصْطِلاحاً: أَقْوالٌ وأَفْعَالٌ بَنِيَّةٍ، مُفْتَتَحَةٌ بالتَّكْبِيرِ ومُخْتَتَمَةٌ بالتَّسْلِيمِ.
وهي أَقْسامٌ: فَرَائِضُ، ورَوَاتِبُ، ونَوَافِلُ.
والمِنْحَةُ
الإِلَهِيَّةُ في المِعْرَاجِ، وأَكْثَرُ العِبَادَاتِ ذِكْراً في
القُرآنِ. وهي بَابٌ مِن أبوابِ الجنةِ، ونُورٌ وتَفْرِيجٌ للهَمِّ،
وزِيادَةٌ في الأجرِ ومَغْفِرَةٌ للوِزْرِ ونَحوُ ذَلِكَ.
(3) ((وَصُمْتُ رَمَضَانَ)) الصَّوْمُ لُغَةً: الإِمْسَاكُ.
واصْطِلاحاً: الإِمْساكُ عَنِ المُفْطِرَاتِ بنِيَّةٍ مِن طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي حَتَّى غُرُوبِ الشَّمْسِ.
والصَّوْمُ فَرْضٌ وتَطَوُّعٌ، والفَرْضُ أَدَاءٌ أو كَفَّارَةٌ، والتَّطَوُّعُ مُقَيَّدٌ ومُطْلَقٌ.
((رَمَضَانَ))
هو الشَّهْرُ التَّاسِعُ مِن العَامِ، وسُمِّيَ رَمَضَانَ؛ لأنَّهُ
يُحْرِقُ الذُّنُوبَ، أو لأنَّ حَرَارَةَ الطَّاعَةِ فِيهِ تَصِلُ
للقُلُوبِ، أو لأَنَّه فُرِضَ فِي شِدَّةِ الحَرِّ.
وَلَمْ
يَذْكُرِ الصَّدَقَةَ والزَّكَاةَ؛ لأنَّهَا لا تَجِبُ عَلَى جَمِيعِ
النَّاسِ بخِلافِ الصَّلاةِ والصَّوْمِ، والحَجَّ؛ لأَنَّهُ لا يَجِبُ
إِلاَّ علَى المُسْتَطِيعِ.
(4) ((وأَحْلَلْتُ الحَلالَ))
الحَلالُ: هو ما ليس بحرامٍ، فيَدْخُلُ فيهِ الوَاجِبُ والمُسْتَحَبُّ
والمُبَاحُ، والمُرَادُ: فَعَلْتُ الحَلالَ الَّذِي أَحَلَّه اللَّهُ
تعالَى وأَذِنَ فِيهِ وأَبَاحَه، واعْتَقَدْتُ حِلَّه سَواءٌ كانَ الحَلالُ
المَأْذُونُ فيهِ وَاجِباً قَوْلِيًّا كَالْوَاجِبَاتِ القَوْلِيَّةِ
كالذِّكْرِ والتَّوْحِيدِ والدَّعْوَةِ والأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ
عَنِ المُنْكَرِ، أو وَاجِباً فِعْلِيًّا كالصَّلاةِ والصَّوْمِ
والزَّكَاةِ والحَجِّ.
أو مِن المُبَاحَاتِ كاللِّبَاسِ والطَّعَامِ والشَّرَابِ والنَّوْمِ وغَيْرِهَا.
(5) ((وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ))الحَرَامُ:
هو ما ليس بحلالٍ، والمُرادُ بهِ: المَمْنُوعُ، فيَدْخُلُ فيهِ
المُحَرَّمُ والمَكْروهُ كَرَاهِيَةَ تَحْرِيمٍ، والمَعْنَى: اجْتِنَابُ
الحَرَامِ والابْتِعَادُ عنهُ سواءٌ كَانَ فِي القَوْلِ كالسَّبِّ
والغِيبَةِ والنَّمِيمَةِ والكَذِبِ والاسْتِهْزَاءِ والسُّخْرِيَةِ
وغَيْرِهَا، أو فِي الفِعْلِ مِن النَّظَرِ إِلَى المُحَرَّمِ
والاعْتِدَاءِ والظُّلْمِ وشُرْبِ الخَمْرِ والزِّنَا وغَيْرِها، أو فِي
التَّعامُلِ كالرِّبَا والغِشِّ والخِيَانَةِ وما أَشْبَهَ ذَلِكَ.
(6) ((ولَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ)) أي: اقْتَصَرْتُ علَى الوَاجِبَاتِ وانْتَهَيْتُ عَنِ المُحَرَّمَاتِ فيَكُونُ مُقْتَصِداً، وأَهْلُ الإِسْلامِ ثَلاثَةٌ:
- ظَالِمٌ لنَفْسِهِ.
- مُقْتَصِدٌ.
- سَابِقٌ بالخَيْرَاتِ.
ومِن الأَعْمَالِ المُوجِبَةِ للجَنَّةِ:الوُضُوءُ، والدُّعَاءُ بعدَه، والصَّلاةُ:((مَنْ صَلَّى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ))- التَّوْحِيدُ: ((مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصاً دَخَلَ الجَنَّةَ))- الزَّكَاةُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل
عمران: 92]. ومِن السَّبَعَةِ الذين يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ:
المُتَصَدِّقُ - الصَوْمُ وهو جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا العَبْدُ مِن
النَّارِ - الحَجُّ: ((الحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الجَنَّةُ)). وغَيْرُها كَثِيرٌ.
و((الجَنَّةُ))
هي دَارُ اللَّهِ تعالَى الَّتِي أَعَدَّهَا لأَوْلِيَائِهِ، فيها مَا لا
عَيْنٌ رَأَتْ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ،
وسُمِّيَتْ جَنَّةً؛ لارْتِفَاعِ قُصُورِهَا وكَثْرَةِ أَشْجَارِهَا،
واسْتِتَارِ ما تَحْتَها، وقِيلَ: لأَنَّها مُسْتَتِرَةٌ عَنَّا الآنَ. وهي
جَنَّاتٌ كَثِيرَةٌ، ولَيْسَتْ وَاحِدَةً.
قَالَ:((نَعَمْ)) حَرْفُ جَوَابٍ للاسْتِفْهَامِ المُثْبَتِ، مِثْلُ بَلَى للاسْتِفْهامِ المَنْفِيِّ.
الفَوَائِدُ:
1- الحِرْصُ عَلَى مَجَالِسِ العِلْمِ.
شرح فضيلة الشيخ : ناظم سلطان المسباح
قال الشيخ ناظم بن سلطان المسباح (م): (
(1) مَنْزِلَةُ الحديثِ:
قالَ
الجردانيُّ: (وهذا حديثٌ عظيمُ الْمَوقِعِ، وعليهِ مَدارُ الإسلامِ
لِجَمْعِهِ لهُ؛ وذلكَ لأنَّ الأفعالَ إمَّا قلبيَّةٌ أوْ بَدَنيَّةٌ،
وكلٌّ منهما إمَّا مأذونٌ فيهِ وهوَ الحلالُ، أوْ ممنوعٌ منهُ وهوَ
الحرامُ، فإذا أَحَلَّ الشَّخصُ الحلالَ وحرَّمَ الحرامَ فقدْ أتَى بجميعِ
وَظائفِ الدِّينِ، ودَخَلَ الجنَّةَ آمِنًا).
مَن السَّائلُ؟
السَّائلُ
هوَ الصَّحابيُّ الجليلُ النُّعمانُ بنُ قَوْقَلٍ الخُزَاعيُّ، وهوَ
مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا، وقُتِلَ يومَ أُحُدٍ، دَفَعَهُ إيمانُهُ بالجنَّةِ
وما أعدَّ اللهُ بها مِنْ نعيمٍ مُقِيمٍ إلى أنْ يَسألَ رسولَ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هل الاقتصارُ على فِعْلِ الواجباتِ
وتَرْكِ الْمُحَرَّماتِ يُدْخِلُ الجنَّةَ؟ فأجابَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِنَعَمْ.
إقامةُ الصَّلاةِ المكتوبةِ في المساجِدِ:
(1) قولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((أَرَأَيْتَ)) الهمزةُ للاستفهامِ، ورأَى مأخوذٌ مِن الرَّأْيِ، والمعنى: أَخْبِرْنِي وأَفْتِنِي.
(2) وقولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((صَلَّيْتُ المكتوبةَ))هيَ
الصـَّلواتُ الخمسُ الَّتِي فرضَهَا تَباركَ وتَعالى عَلَيْنَا في اليومِ
والليلةِ، ولا بدَّ مِنْ أدائِهَا على طريقةِ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي)).
ولا
بدَّ مِنْ أدائِهَا في المسجدِ معَ جماعةِ المسلمينَ، وذهبَ إلى القولِ
بوُجوبِهَا معَ الجماعةِ جمعٌ كبيرٌ مِن الصَّحابَةِ، ولمْ يَأْتِ عنْ
صحابيٍّ واحدٍ خلافُ ذلكَ.
وكذلكَ:
قالَ بوُجوبِهَا عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ والحسنُ البصريُّ والأوزاعيُّ وابنُ
خُزَيْمَةَ والشَّافعيُّ والبخاريُّ وابنُ حِبَّانَ والظَّاهريَّةُ
وإسحاقُ وعامَّةُ أهلِ الحديثِ والحنابلةُ؛ وذلكَ للأدلَّةِ الكثيرةِ
الصَّحيحةِ الصَّريحةِ الَّتي تَدلُّ على وُجوبِهَا.
وأَذْكُرُ منها:
- عنْ أبي هُريرةَ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
((إِنَّ أَثْقَلَ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ
وَصَلاَةُ الْفَجْرِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأََتَوْهُمَا
وَلَوْ حَبْوًا، وَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ
آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ
مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ
فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ)).
وهذا
دليلٌ واضحٌ على الوجوبِ؛ لأنَّ تاركَ المستحَبِّ لا يُحَرَّقُ. ولا شكَّ
أنَّ الصَّلواتِ المفروضةَ إذا أدَّاهَا العبدُ كما أَمَرَ ربُّنَا تباركَ
وتعالى، وكما بيَّنَ رسولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لها أثرٌ
عظيمٌ على النَّفسِ، فهيَ تُزَكِّي النَّفسَ وتُطهِّرُهَا ممَّا
يُدَنِّسُهَا، وتدفعُ صاحبَهَا إلى فعلِ الخيراتِ، وتَمْنعُهُ مِن
الشَّرِّ: {إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}.
وجوبُ صومِ رمضانَ:
(3) قولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((وَصُمـْتُ رَمَضَانَ)) وصيامُ شهرِ رمضانَ مِنْ أركانِ الدِّينِ المعلومةِ بالضَّرورةِ، قالَ تَعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}، وقالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ))، وذَكَرَ منها الصَّوْمَ. (4) قولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((وَأَحْلـَلـْتُ الْحَلاَلَ))
أي: اعْتَقَدْتُ بحِلِّهِ. وهذا يَكفي ولوْ لمْ يفْعَلْهُ، وذلكَ أنَّ
اعتقادَ تحريمِ ما أَحَلَّ اللهُ عزَّ وجلَّ، أو اعتقادَ تحليلِ ما حرَّمَ
اللهُ يُفْضِي إلى الكُفرِ، قالَ تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ}. (5) قولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ)) قالَ أبو عمرِو بنُ الصَّلاحِ: الظَّاهرُ أنَّهُ أرادَ بقولِهِ: حَرَّمْتُ الحرامَ، أَمْرَيْنِ: فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:((لاَ تَلْعَنُوهُ؛ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ إِلاَّ أَنَّهُ يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ)). وهناكَ أدلَّةٌ كثيرةٌ تَشهدُ لِمَا قُلْتُ.
ولقدْ أَجمعَت الأمَّةُ على رُكْنِيَّةِ صيامِ شهرِ رمضانَ، ومَنْ أَنْكَرَ ذلكَ كَفَرَ وخَرجَ مِنْ دِينِ الإسلامِ.
ولا
بدَّ مِنْ أداءِ هذهِ العبادةِ كما أَمَرَ ربُّنَا تَباركَ وتعالى، وألاَّ
تُفَرَّغَ مِنْ غَايتِهَا ومَضمونِهَا حتَّى يكونَ لها الأَثَرُ على نفسِ
العابدِ، فتُطَهِّرُ رُوحَهُ وتُطيِّبُها وتُورِثُهُ التَّقْوى، الَّتي هيَ
سببُ خَيْرَي الدُّنيا والآخِرةِ، قالَ تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
اعتقادُ حُرمةِ مَا أَحَلَّ اللهُ كُفْرٌ:
قالَ
شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ: وهؤلاءِ الَّذِينَ اتَّخذُوا أحبارَهُم
ورهبانَهُم أربابًا مِنْ دونِ اللهِ؛ حيثُ أطاعُوهُمْ في تحليلِ مَا حرَّمَ
اللهُ وعَكْسِهِ، يكونونَ على وجْهَيْنِ:
أحدُهُمَا:
أنَّهم يعلمونَ أنَّهم بدَّلُوا دينَ اللهِ، فيتَّبِعُوهم على التَّبديلِ،
فيَعتقدونَ تحليلَ ما حرَّمَ اللهُ، وتحريمَ ما أحلَّ اللهُ؛ اتِّباعًا
لرُؤَسَائِهِم معَ عِلْمِهِم أنَّهُم خالفُوا دينَ الرُّسلِ، فهذا كفرٌ.
وقدْ جعلَهُ اللهُ ورسولُهُ شِرْكًا وإنْ لمْ يكونُوا يُصَلُّونَ لهم ويسجدُونَ. وقالَ تعالى: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ
لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
كما نَهَى رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحابةَ
الَّذينَ أرادُوا أنْ يُحَرِّمُوا على أنفسِهِم أَكْلَ اللحمِ والزَّواجَ
وبعضَ ما أحلَّ اللهُ لهم.
استباحةُ ما حرَّمَ اللهُ كُفْرٌ:
أحدُهُما: أنْ يَعتقدَ كَوْنَهُ حَرامًا.
والثَّانِي: ألاَّ يَفعلَهُ، بخِلافِ تحليلِ الحلالِ؛ فإنَّهُ يكفِي فيهِ مُجرَّدُ اعتقادِهِ حلالاً.
فممَّا
أَوْجَبَ اللهُ عزَّ وجلَّ على المسلمينَ أنْ يَعتقدُوا حُرمَةَ كلِّ ما
حَرَّمَ، وأنْ يَمتنعُوا عنْ فعلِهِ؛ فإنَّ مَن اعتقدَ حِلَّ ما حَرَّمَ
ربُّنَا تَباركَ وتعالى يَكْفُرْ وإنْ لمْ يَفعَلْهُ، ومَن اعتقدَ حُرمةَ
ما حرَّمَ اللهُ ولمْ يمتنعْ عنهُ اتِّباعًا لهواهُ وشهوتِهِ؛ فإنَّهُ لا
يُكَفَّرُ، بلْ يُفَسَّقُ ويُعَدُّ مِن المسلمينَ.
روى
البخاريُّ في (صحيحِهِ) عنْ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:(
أَنَّ رجلاً كانَ على عهدِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وكان اسمُهُ عبدَ اللهِ، وكانَ يُلَقَّبُ حِمارًا، وكانَ يُضْحِكُ رسولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قدْ جَلَدَهُ في الشَّرابِ، فَأُتِيَ بهِ يومًا، فأمَرَ
بهِ فجُلِدَ، فقالَ رجلٌ مِن القومِ: اللهُمَّ الْعَنْهُ، ما أكثرَ ما
يُؤْتَى بهِ.
والحرامُ
كما يُعَرِّفُهُ الأُصُولِيُّونَ: هوَ ما يُثابُ تَارِكُهُ امتثالاً
ويعاقَبُ فاعلُهُ، وهوَ ما جاءَ على وَجْهِ الحَتْمِ والإلْزَامِ.
ويُعَبَّرُ عنهُ كذلكَ بأسماءٍ مختلِفةٍ؛ كالحَظْرِ والْحَرَجِ والْحَجْرِ والمعصيَةِ والذَّنبِ.
ويُعْرَفُ الحرامُ مِن النُّصوصِ بالآتي:
1- النَّهيُ، نحوُ: {وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ولا يُوجَدُ صارفٌ لهُ عنْ ذلكَ.
2- الوعيدُ على الفعلِ:{إِنَّ
الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً
أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ
وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ
وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
3- لفظُ التَّحريمِ، نحوَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ} والحرامُ يَتفاوتُ، فأعظمُ ما حَرَّمَ ربُّنَا الشِّرْكُ وتَركُ الصَّلاةِ وعقوقُ الوالدَيْنِ.
والتَّحليلُ والتَّحريمُ حقٌّ مِنْ حقوقِ اللهِ عزَّ وجلَّ، فهوَ خالقُ البشرِ ويَعلمُ ما يُصْلِحُهُم في دنياهم وأُخرَاهُم.
ولا
يَحِلُّ لعبدٍ أنْ يَتعدَّى على حقِّ مَولاهُ تَباركَ وتعالى، ومَنْ فَعَلَ
ذلكَ فقدْ نَصَبَ نفسَهُ إلهًا للنَّاسِ، وشارَكَ ربَّهُ في
أُلوهِيَّتِهِ.
جوازُ تَرْكِ المستحَبَّاتِ:
(6) قولُهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ((وَلَمْ أَزِدْ على ذلِكَ شيئًا، أَأَدْخُلُ الجنَّةَ؟))
والمعنى: لمْ أَزِدْ على أداءِ الواجباتِ شيئًا مِن النَّوافلِ؛ لأنَّهُ
ممَّا هوَ معروفٌ أنَّهُ رَغَّبَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ في كثيرٍ مِن النَّوافلِ في الصَّلاةِ والصِّيامِ وغيرِهِمَا،
فأجابَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنَعَم. وهذا دليلٌ على
الاقتصارِ على أداءِ الفروضِ واعتقادِ حِلِّ ما أَحَلَّ، وحُرمةِ ما حرَّمَ
والامتناعُ عنهُ يُدْخِلُ العبدَ الجنَّةَ.
ولكنْ مَنْ تَرَكَ النَّوافلَ فوَّتَ على نفسِهِ ربحًا عظيمًا، وثوابًا واسعًا، كما أنَّ النَّوافلَ سببُ محبَّةِ اللهِ: ((وَلاَ يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ))
كما أنَّها تَجْبُرُ ما في الفرضِ مِنْ نقصٍ، وتَرفعُ درجاتِ العبدِ عندَ
ربِّهِ، وتُطَيِّبُ النُّفوسَ. وكانَ سَلَفُ الأمَّةِ مِنْ أشدِّ النَّاسِ
حِرْصًا على أداءِ النَّوافلِ.
وإنَّمَا
تَرَكَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنبيهَهُ لذلكَ
تسهيلاً وتيسيرًا عليهِ؛ وذلكَ لِقُرْبِ عهدِهِ بالإسلامِ.
فوائدُ الحديثِ:
1- على المسلمِ أنْ يَسألَ أهلَ العلمِ عنْ أُمُورِ دينِهِ الَّتِي يَجْهَلُهَا.
جامع العلوم والحكم للحافظ : عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
قال الحافظ عبد الرحمن ابن رجب الحنبلي (ت: 795هـ): (
(1) هذا الحديثُ خَرَّجَه مُسلمٌ مِن روايةِ أبي الزُّبيرِ، عن جابرٍ، وزادَ في آخِرِه: قالَ: (واللَّهِ لا أَزِيدُ على ذلك شيئًا).
وخَرَّجَه
أيضًا مِن روايةِ الأعمشِ، عن أبي صالِحٍ وأبي سُفيانَ، عن جابرٍ، قالَ:
قالَ النُّعْمانُ بنُ قَوْقَلٍ: يَا رسولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِذَا
صَلَّيْتُ المَكْتُوبَةَ، وَحَرَّمْتُ الحَرامَ، وَأَحْلَلْتُ الحَلالَ
وَلَمْ أَزِدْ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا أأدخُلُ الجَنَّةَ؟ قالَ النَّبيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((نَعَمْ)). فقالَ: أَخْبِرْنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكاةِ؟
وقد
فَسَّرَ بعضُهم تحليلَ الحلالِ باعتقادِ حِلِّه، وتحريمَ الحرامِ باعتقادِ
حُرْمَتِه مع اجتنابِه، ويُحتَمَلُ أن يُرادَ بتحليلِ الحلالِ إتيانُه،
ويكونُ الحلالُ هاهنا عبارةً عمَّا ليسَ بِحَرامٍ، فيَدخلُ فيه الواجبُ،
والمستَحَبُّ، والمباحُ، ويكونُ المعنى أنَّه يَفعلُ ما ليس بِمُحَرَّمٍ
عليه، ولا يَتعدَّى ما أُبيحَ له إلى غيرِه، ويَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ.
وقد رُوِيَ عن طائفةٍ مِن السَّلفِ، منهم ابنُ مسعودٍ، وابنُ عبَّاسٍ في قولِه عزَّ وجلَّ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}[البقرة: 121]، قالُوا: (يُحِلُّونَ حَلالَه ويُحَرِّمون حَرامَه، ولا يُحرِّفونَه عن مَواضِعِه).
والمرادُ
بالتَّحليلِ والتَّحريمِ: فعلُ الحلالِ واجتنابُ الحرامِ، كما ذُكِرَ في
هذا الحديثِ. وقد قالَ اللَّهُ في حقِّ الكُفَّارِ الذين كانوا يُغَيِّرون
تحريمَ الشُّهورِ الحُرُمِ: {إِنَّمَا النَّسِيءُ
زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ
عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ
فيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ} [التوبة: 37 ]، والمرادُ: أنَّهم
كانوا يُقاتِلونَ في الشَّهرِ الحرامِ عامًا، فيُحِلُّونه بذلك، ويَمتنعونَ
مِن القتالِ فيه عامًا، فيُحرِّمونَهُ بذلك.
وقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ
اللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ
وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلاَلاً طَيِّبًا}[المائدة:
88-89] وهذه الآيةُ نَزلتْ بسببِ قومٍ امْتَنَعوا مِن تَناوُلِ بعضِ
الطَّيِّباتِ زُهْدًا في الدُّنيا وتَقَشُّفًا، وبعضُهم حَرَّمَ ذلك على
نفسِه، إمَّا بيمينٍ حَلَفَ بها، أو بتحريمِه على نفسِه، وذلك كُلُّه لا
يُوجِبُ تحريمَه في نفسِ الأمرِ، وبعضُهم امْتَنَعَ منه مِن غيرِ يمينٍ ولا
تحريمٍ، فسمَّى الجميعَ تحريمًا، حيث قَصَدَ الامتناعَ منه إضرارًا
بالنَّفْسِ، وكَفًّا لها عن شَهواتِها.
ويُقالُ
في الأمثالِ: (فلانٌ لا يُحلِّلُ ولا يُحَرِّمُ) إذا كان لا يَمتنعُ مِن
فعلِ حرامٍ، ولا يَقِفُ عندَ ما أُبيحَ له، وإن كان يَعتقدُ تحريمَ
الحرامِ، فيَجعلون مَن فَعَلَ الحرامَ ولا يَتحاشَى منه مُحلِّلاً له، وإن
كان لا يَعتقدُ حِلَّهُ.
وبكلِّ
حالٍ، فهذا الحديثُ يَدلُّ على أنَّ مَن قامَ بالواجباتِ، وانتهى عن
المحرَّماتِ، دَخَلَ الجنَّةَ، وقد تواترتِ الأحاديثُ عَنِ النَّبيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بهذا المعنى، أو ما هو قريبٌ منه، كما
خَرَّجَه النَّسائيُّ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ مِن حديثِ أبي هُريرةَ
وأبي سعيدٍ عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
((مَا مِنْ عَبْدٍ يُصَلِّي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَيَصُومُ رَمَضَانَ،
وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ، وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ، إِلا
فُتِحَتْ لَهُ أَبْوابُ الْجَنَّةِ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ)) ثم تلا: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائرَ مَا تُنْهَونَ عَنْه نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ}[النساء: 31].
وخَرَّجَ الإمامُ أحمدُ والنَّسائيُّ مِن حديثِ أبي أيُّوبَ الأنصاريِّ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ
عَبَدَ اللَّهَ، لاَ يُشْرِكُ بِهِ، وَأَقَامَ الصَّلاَةَ، وَآتَى
الزَّكَاةَ، وَصَامَ رَمَضَانَ، وَاجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ، فَلَهُ
الْجَنَّةُ - أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ-)).
وفي
(المسنَدِ) عن ابنِ عبَّاسٍ: (أنَّ ضِمَامَ بنَ ثَعلبةَ وفَدَ على
النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذَكَرَ له الصَّلواتِ
الخمْسَ، والصِّيامَ، والزَّكاةَ، والْحَجَّ، وشرائعَ الإسلامِ كلَّها،
فلَمَّا فَرَغَ، قالَ: أَشَهْدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، وَسَأُؤَدِّي هَذِهِ الفَرائِضَ، وَأَجْتَنِبُ
مَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ، لاَ أَزِيدُ وَلاَ أَنْقُصُ، فقالَ رسولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ صَدَقَ دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
وخَرَّجَه الطَّبرانيُّ مِنْ وَجهٍ آخَرَ، وفي حديثِه، قالَ:
((وَالخَامِسَةُ لا أَرَبَ لي فيها -يعني الفواحشَ- ثم قالَ: لأََعْمَلَنَّ
بها، وَمَنْ أَطَاعَنِي، فقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((لَئِنْ صَدَقَ، لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ)).
وفي
(صحيحِ البخاريِّ)، عن أبي أيُّوبَ أنَّ رجلاً قالَ للنبيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَخْبِرْني بِعَمَلٍ يُدْخِلُني الجَنَّةَ، قالَ:((تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ))وخَرَّجَه مسلمٌ إلا أنَّ عندَه أنه قالَ: (أَخْبِرْنِي بعملٍ يُدْنِينِي مِن الجنَّةِ ويُباعِدُني مِن النَّارِ).
وعندَه في روايةٍ: (فلَمَّا أَدبرَ قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنْ تَمَسَّكَ بِمَا أُمِرَ بِهِ، دَخَلَ الْجَنَّةَ)).
وفي
(الصَّحِيحَيْنِ) عن أبي هُريرةَ أنَّ أَعرابيًّا قالَ: يا رَسولَ اللَّهِ،
دُلَّنِي على عملٍ إِذا عَمِلْتُه دَخَلْتُ الجَنَّةَ، قالَ:
((تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ
الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ
رَمَضَانَ)).
قالَ:
وَالذي بَعَثَكَ بِالحقِّ، لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذا شَيْئًا أَبَدًا وَلا
أَنْقُصُ مِنْهُ. فَلَمَّا وَلَّى، قالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا)).
وفي
(الصَّحِيحَيْنِ) عن طَلحةَ بنِ عُبَيدِ اللَّهِ: (أنَّ أَعرابيًّا جاءَ
إلى رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثائرَ الرَّأسِ،
فقالَ: يا رسولَ اللَّهِ، أَخْبِرْنِي ماذا فَرَضَ اللَّهُ عليَّ مِن
الصَّلاةِ؟ فقالَ: ((الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا)).
فَقالَ: أَخْبِرنِي بِمَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيامِ ؟
فقالَ: ((شَهْرَ رَمَضَانَ، إِلا أَنْ تَطَّوَّعَ شَيْئًا))
فَأَخْبَرَهُ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرَائعِ الإِسلامِ.
فقالَ: وَالَّذي أَكْرَمَكَ بِالحقِّ، لاَ أَتَطَوَّعُ شَيْئًا، وَلا أَنْقُصُ مِمَّا فَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا.
فَقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ -أَوْ دَخَلَ الْجَنَّةَ إِنْ صَدَقَ-)) ولفظُه للبخاريِّ.
وفي (صحيحِ مسلِمٍ) عن أَنَسٍ:(أنَّ أَعرابيًّا سألَ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذَكَرَه بمعناه، وزادَ فيه: ((حَجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً))
فقالَ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحقِّ لاَ أَزيدُ عَلَيْهِنَّ وَلا أَنْقُصُ
منْهُنَّ، فقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لَئِنْ صَدَقَ، لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ)).
ومُرادُ
الأعرابيِّ أنه لا يَزيدُ على الصَّلاةِ المكتوبةِ، والزَّكاةِ المفروضةِ،
وصِيامِ رَمضانَ، وحَجِّ البيتِ شيئًا مِن التَّطوُّعِ، ليس مُرادُه أنه
لا يَعملُ بشيءٍ مِن شرائعِ الإسلامِ ووَاجباتِه غيرَ ذلك، وهذه الأحاديثُ
لم يَذْكُرْ فيها اجتنابَ الْمُحرَّماتِ؛ لأنَّ السَّائلَ إنما سألَه عَنِ
الأعمالِ التي يَدْخُلُ بها عامِلُها الجنةَ.
وخرَّج
التِّرمذيُّ مِن حديثِ أبي أُمامةَ، قالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ في حَجَّةِ الوداعِ يقولُ: ((أَيُّهَا
النَّاسُ، اتَّقُوا اللَّهَ، وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ،
وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ، وَأَطِيعُوا ذَا أَمْرِكُمْ، تَدْخُلُوا
جَنَّةَ رَبِّكُمْ)) وقالَ: (حسَنٌ صحيحٌ)، وخَرَّجَه الإِمامُ أحمدُ، وعندَه: ((اعْبُدُوا رَبَّكُمْ)) بَدَلَ قولِه: ((اتَّقُوا اللَّهَ)).
وخَرَّجَه بَقِيُّ بنُ مَخْلَدٍ في (مُسنَدِه) مِن وجهٍ آخَرَ، ولفظُ حديثِه:
((صَلُّوا خَمْسَكُمْ، وَصُومُوا شَهْرَكمُ، وَحُجُّوا بَيْتَكُمْ،
وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُم، طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ، تَدْخُلُوا
جَنَّةَ رَبِّكُمُ)).
وخَرَّجَ
الإِمامُ أحمدُ بإسنادِه عن ابنِ الْمُنْتَفِقِ، قالَ: (أَتيتُ النَّبيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو بعَرفاتٍ، فقلتُ: ثِنتانِ أسألُك
عنهما: ما يُنْجِينِي مِن النَّارِ، وما يُدْخِلُني الجنَّةَ؟ قالَ: ((لَئِنْ
كُنْتَ أَوْجَزْتَ فِي الْمَسْأَلَةِ، لَقَدْ أَعْظَمْتَ وَأَطْوَلْتَ،
فَاعْقِلْ عَنِّي إِذَنْ: اعْبُدِ اللَّهَ لاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا،
وَأَقِمِ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَأَدِّ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ،
وَصُمْ رَمَضَانَ، وَمَا تُحِبُّ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكَ النَّاسُ،
فَافعَلْهُ بِهِم، وَمَا تَكْرَهُ أَنْ يَأْتِيَ إِلَيْكَ النَّاسُ، فَذَرِ
النَّاسَ مِنْهُ)). فتَبَّينَ بهذا معنى قولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ صَادِقًا مِنْ قَلْبِهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ)) وأنَّ
مَن دَخَلَ النَّارَ مِن أهلِ هذه الكلمةِ، فَلِقِلَّةِ صِدْقِه في
قولِها؛ فإنَّ هذه الكلمةَ إذا صُدِقَتْ، طَهَّرَتْ مِن القلبِ كلَّ ما
سِوَى اللَّهِ، فمَن صَدَقَ في قولِه: لا إلهَ إلا اللَّهُ، لم يُحِبَّ
سِواهُ، ولم يَرْجُ إلا إيَّاهُ، ولم يَخْشَ أحدًا إلا اللَّهَ، ولم
يَتوكَّلْ إلا على اللَّهِ، ولم تَبْقَ له بَقِيَّةٌ مِن آثارِ نفسِه
وهَواهُ، ومتى بَقِيَ في القلْبِ أَثَرٌ لسِوَى اللَّهِ، فمِن قِلَّةِ
الصِّدْقِ في قولِها.
وفي روايةٍ له أيضًا قالَ: ((اتَّقِ
اللَّهَ، وَلاَ تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ، وَتُؤْتِي
الزَّكَاةَ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ، وَلَمْ تَزِدْ
عَلَى ذَلِكَ)).
وقيلَ: إنَّ هذا الصَّحابيَّ هو وافدُ بَنِي الْمُنْتَفِقِ، واسمُه لقيطٌ.
فهذه
الأعمالُ أسبابٌ مُقتضيةٌ لدُخولِ الجنَّةِ، وقد يكونُ ارتكابُ
المُحرَّماتِ مَوانعَ، ويَدُلُّ على هذا ما خَرَّجَه الإمامُ أحمدُ مِن
حديثِ عمرِو بنِ مُرَّةَ الْجُهَنِيِّ، قالَ: (جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، شَهِدْتُ
أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأنَّكَ رَسولُ اللَّهِ، وَصَلَّيتُ
الخَمْسَ، وَأدَّيْتُ زَكاةَ مالِي، وَصُمْتُ شَهْرَ رَمَضانَ.
فَقالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ
مَاتَ عَلَى هَذَا، كَانَ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَداءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هَكَذَا -ونَصَبَ إِصْبَعَيْهِ- مَا
لَمْ يَعُقَّ وَالِدَيْهِ)).
وقد وَرَدَ تَرتُّبُ دُخولِ الجنَّةِ على فعلِ بعضِ هذه الأعمالِ كالصَّلاةِ، ففي الحديثِ المشهورِ:((مَنْ صَلَّى الصَّلَواتِ لِوَقْتِهَا، كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ)).
وفي الحديثِ الصَّحيحِ: ((مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ))
وهذا كلُّه مِن ذكرِ السَّببِ الْمُقتضِي الذي لا يَعملُ عَمَلَه إلا
باستجماعِ شُروطِه، وانتفاءِ مَوانِعِه؛ ويَدُلُّ على هذا ما خَرَّجَه
الإمامُ أحمدُ عن بَشيرِ بنِ الْخَصاصِيَةِ، قالَ: (أتيتُ النَّبيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأُبايِعَه، فشَرَطَ عَلَيَّ شَهادةَ أن لا
إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُه، وَأَنْ
أُقِيمَ الصَّلاةَ، وَأَنْ أُوتِيَ الزَّكَاةَ، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ
الإِسلامِ، وَأَنْ أَصومَ رَمَضَانَ، وَأَنْ أُجاهِدَ فِي سَبيلِ اللَّهِ،
فقلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ أَمَّا اثْنَتانِ فَوَاللَّهِ ما أُطيقُهُما:
الجِهادُ وَالصَّدَقَةُ، فَقَبَضَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ يَدَهَ، ثُمَّ حَرَّكَها.
وقالَ: ((فَلا جِهَادَ وَلا صَدَقَةَ؟ فَبِمَ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِذًا؟))
قلتُ:
يا رسولَ اللَّهِ، أَنا أُبايعُك، فَبَايَعْتُهُ عَلَيْهِنَّ كُلِّهنَّ))
ففي هذا الحديثِ أنه لا يَكفِي في دخولِ الجنَّةِ هذه الْخِصالُ بدونِ
الزَّكاةِ والْجِهادِ.
وقد ثَبَتَ في الأحاديثِ الصَّحيحةِ أنَّ ارتكابَ بعضِ الكبائرِ يَمنعُ دُخولَ الجنَّةِ،كقولِه: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ)).
- وقولِه: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ)).
- وقولِه: ((لاَ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا، وَلاَ تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا)) والأحاديثُ التي جاءتْ في مَنْعِ دُخولِ الجنَّةِ بالدَّيْنِ حتى يُقْضَى.
- وفي (الصَّحيحِ): ((أَنَّ
الْمُؤْمِنِينَ إِذَا جَازُوا الصِّرَاطَ، حُبِسُواَ عَلَى قَنْطَرَةٍ
يُقْتَصُّ مِنْهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا)).
وقالَ
بعضُ السَّلَفِ:(إنَّ الرجلَ ليُحبَسُ على بابِ الجنَّةِ مِائةَ عامٍ
بالذَّنْبِ كان يَعْمَلُه في الدُّنيا) فهذه كُلُّها مَوَانِعُ.
ومِن
هنا يَظهرُ معنى الأحاديثِ التي جاءتْ في ترتيبِ دُخولِ الجنَّةِ على
مُجَرَّدِ التَّوحيدِ، ففي (الصَّحِيحَيْنِ) عن أبي ذَرٍّ، عن النَّبيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) قلتُ: وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ ؟!
قالَ: ((وَإِنْ زَنى وَإِنْ سَرَقَ))، قالَها ثلاثًا، ثم قالَ في الرَّابعةِ: ((عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ)) فخَرَجَ أبو ذرٍّ وهو يقولُ: وإن رَغِمَ أَنْفُ أبي ذَرٍّ.
وفيهما عن عُبادةَ بنِ الصامتِ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((مَنْ
شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسولُهُ
وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَأَنَّ
الْجنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى
مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ)).
وفي (صحيحِ مُسلمٍ) عن أبي هريرةَ أو أبي سعيدٍ -بالشَّكِّ- عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قالَ: ((أَشْهَدُ
أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، لاَ يَلْقَى
اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ، فيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ)).
وفيه عن أبي هُريرةَ، أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ له يومًا: ((مَنْ لَقِيتَ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُسْتَيْقِنًا بِهَا قَلْبُهُ، فَبِشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ)) وفي المعنى أحاديثُ كثيرةٌ جِدًّا.
وفي (الصَّحِيحَيْنِ) عن أنَسٍ: (أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ يومًا لِمُعاذٍ: ((مَا
مِنْ عَبْدٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا
عَبْدُهُ وَرَسولُهُ إِلا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ)).
وفيهما عن عِتبانَ بنِ مالكٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قالَ: لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ)).
فقالَ
طائفةٌ مِن العُلماءِ:(إنَّ كلمةَ التَّوحيدِ سببٌ مُقْتَضٍ لدخولِ
الجنَّةِ وللنَّجاةِ مِنَ النَّارِ، لكن له شروطٌ، وهي الإِتيانُ
بالفرائضِ، وموانعُ وهي إتيانُ الكبائرِ).
قالَ الحسَنُ، للفَرزدقِ: (إنَّ للا إلهَ إلا اللَّهُ شُروطًا، فإيَّاكَ وقَذفَ الْمُحْصَنَةِ).
ورُويَ
عنه أنه قالَ:(هذا العمودُ، فأينَ الطُّنُبُ، يعني: أنَّ كلمةَ التَّوحيدِ
عمودُ الفُسطاطِ، ولكن لا يَثْبُتُ الفُسطاطُ بدون أَطنابِه، وهي فِعْلُ
الواجباتِ، وتَرْكُ المحرَّماتِ).
وقيلَ
للحَسَنِ: (إنَّ ناسًا يَقولونَ: مَن قالَ: لا إلهَ إلا اللَّهُ، دَخَلَ
الجنَّةَ، فقالَ: مَن قالَ: (لا إلهَ إلا اللَّهُ فأدَّى حَقَّها
وفَرْضَها، دَخَلَ الْجَنَّةَ).
وقيلَ
لوَهْبِ بنِ مُنبِّهٍ: (أليس لا إلهَ إلا اللَّهُ مِفتاحَ الجنَّةِ؟ قالَ:
بلى، ولكن ما مِن مِفتاحٍ إِلا وله أَسَنانٌ، فإن جئتَ بِمِفتاحٍ له
أسنانٌ، فُتِحَ لك، وإلا لم يُفْتَحْ لك).
ويُشْبِهُ
هذا ما رُوِيَ عن ابنِ عمرَ أنَّه سُئِلَ عن لا إلهَ إلا اللَّهُ: (هل
يَضُرُّ معها عَمَلٌ، كما لا يَنفعُ مع تَرْكِها عملٌ؟) فقالَ ابنُ عمرَ:
(عِشْ ولا تَغْتَرَّ).
وقالَتْ طائفةٌ - منهم الضَّحَّاكُ والزُّهريُّ -: (كان هذا قبلَ الفرائضِ والحدودِ، فمِنْ هؤلاءِ مَنْ أشارَ إلى أنها نُسِخَتْ).
ومنهم
مَن قالَ: (بل ضُمَّ إليها شروطٌ زِيدتْ عليها، وزيادةُ الشَّرطِ هلِ هي
نَسخٌ أمْ لا؟) فيه خِلافٌ مَشهورٌ بينَ الأُصُولِيِّينَ، وفي هذا كلِّه
نَظرٌ؛ فإنَّ كثيرًا مِنْ هذه الأحاديثِ متَأَخِّرٌ بعدَ الفرائضِ
والحدودِ.
وقالَ
الثَّوْريُّ: (نَسَخَتْها الفرائضُ والحدودُ، فيُحْتَمَلُ أن يكونَ مرادُه
ما أرادَه هؤلاءِ، ويُحْتَمَلُ أن يكونَ مرادُه أنَّ وُجوبَ الفرائضِ
والحدودِ تَبيَّنَ بها أن عقوباتِ الدُّنْيا لا تَسقُطُ بِمُجَرَّدِ
الشَّهادَتَيْنِ، فكذلك عُقوباتُ الآخِرَةِ، ومِثلُ هذا البيانِ وإزالةِ
الإيهامِ كان السَّلفُ يُسَمُّونه نَسْخًا، وليس هو بنَسْخٍ في الاصطلاحِ
المشهورِ).
وقالَتْ
طَائفةٌ: (هذه النُّصوصُ الْمُطْلَقَةُ جاءتْ مُقَيَّدَةً بأنْ يَقولَها
بصِدقٍ وإخلاصٍ، وإخلاصُها وصِدْقُها يَمْنَعُ الإِصرارَ معها على
مَعصيةٍ).
وجاءَ مِن مَراسيلِ الحسَنِ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قالَ: لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ)) قيلَ: وَمَا إِخْلاصُها؟ قالَ: ((أَنْ تَحْجِزَكَ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ)). ورُوِيَ ذلك مُسْنَدًا مِن وُجوهٍ أُخَرَ ضَعيفةٍ.
ولعلَّ
الحسَنَ أشارَ بكلامِه الذي حَكيناهُ عنه مِن قبلُ إلى هذا فإنَّ
تَحَقُّقَ القلبِ بمعنى (لاَ إلهَ إلا اللَّهُ) وصِدْقَه فيها، وإخلاصَه
بها يَقتضِي أن يَرْسَخَ فيه تألُّهُ اللَّهِ وحدَه، إجلالاً، وهَيْبَةً،
ومَخافةً، ومَحَبَّةً، ورَجاءً، وتَعظيمًا، وتَوَكُّلاً، ويَمْتَلِئَ بذلك،
ويَنتفيَ عنه تَأَلُّهُ ما سواه مِن المخلوقينَ.
ومتى
كان كذلك لم يَبْقَ فيه مَحَبَّةٌ، ولا إرادةٌ، ولا طَلَبٌ لغيرِ ما
يُريدُهُ اللَّهُ ويُحِبُّه ويَطلبُه، ويَنتفِي بذلك مِنَ القلبِ جميعُ
أهواءِ النُّفوسِ وإراداتِها، ووَساوسِ الشَّيطانِ، فمَن أحبَّ شيئًا
وأطاعَه، وأَحَبَّ عليه وأَبْغَضَ عليه، فهو إلَهُهُ، فمَن كان لا يُحِبُّ
ولا يُبْغِضُ إلا للهِ، ولا يُوالِي ولا يُعادِي إلا لَهُ، فاللَّهُ
إلَهُهُ حقًّا، ومَن أَحَبَّ لِهَواه، وأَبْغَضَ له، ووَالَى عليه، وعَادَى
عليه، فإلَهُه هَواهُ، كما قالَ تعالى: {أَفرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية: 23] قالَ الحسَنُ: (هو الذي لا يَهْوَى شيئًا إلا رَكِبَه).
وقالَ قَتادةُ: (هو الذي كُلَّمَا هَوِيَ شيئًا رَكِبَه، وكُلَّما اشْتَهَى شيئًا أَتاهُ، لا يَحْجِزُه عن ذلك وَرَعٌ ولا تَقْوَى).
ويُرْوَى مِن حديثِ أبي أُمامةَ مَرفوعًا: ((مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ)).
وكذلك مَنْ أطاعَ الشيطانَ فِي مَعصيةِ اللَّهِ، فقد عَبَدَه، كما قالَ عزَّ وجلَّ: {أَلمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60].
فتَبيَّنَ
بهذا أنَّه لا يَصِحُّ تحقيقُ معنى قولِ: لا إلهَ إلا اللَّهُ، إلا لِمَن
لم يكنْ في قلبِه إصرارٌ على مَحَبَّةِ ما يَكْرَهُه اللَّهُ، ولا على
إرادةِ ما لا يُريدُه اللَّهُ، ومتى كان في القلبِ شيءٌ مِنْ ذلك، كان ذلك
نَقْصًا في التَّوحيدِ، وهو مِنْ نوعِ الشِّركِ الْخَفِيِّ.
ولهذا قالَ مُجاهدٌ في قولِه تعالى: {لاَ تُشْرِكُوا بِي شَيْئًا}[الأنعام: 151] قالَ: (لا تُحِبُّوا غَيْرِي).
وفي (صحيحِ الحاكمِ) عن عائشةَ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((الشِّرْكُ
أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ الذَّرِّ عَلَى الصَّفَا فِي اللَّيْلَةِ
الظَّلْمَاءِ، وَأَدْنَاهُ أَنْ تُحِبَّ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْجَوْرِ،
وَتُبْغِضَ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْعَدْلِ، وَهَلِ الدِّينُ إِلا الْحُبُّ
وَالْبُغْضُ؟)) قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}
[آل عمران: 31]. وهذا نصٌّ في أنَّ مَحَبَّةَ ما يَكرهُه اللَّهُ، وبُغْضَ
ما يُحِبُّه مُتابعةٌ للْهَوَى، والموالاةُ على ذلك والْمُعاداةُ عليه مِن
الشِّرْكِ الْخَفِيِّ.
وخَرَّجَ ابنُ أبي الدُّنيا مِن حديثِ أَنَسٍ مَرفوعًا: ((لاَ
تَزَالُ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ تَمْنَعُ الْعِبَادَ مِنْ سَخَطِ
اللَّهِ، مَا لَمْ يُؤْثِرُوا دُنْيَاهُمْ عَلَى صَفْقَةِ دِينِهِمْ،
فَإِذَا آثَرُوا صَفْقَةَ دُنْيَاهُمْ عَلَى دِينِهِمْ، ثُمَّ قَالُوا: لاَ
إِلَهَ إِلا اللَّهُ رُدَّتْ عَلَيْهِم، وَقالَ اللَّهُ: كَذَبْتُمْ)).
نارُ جهنَّمَ تَنطفِئُ بنُورِ إيمانِ الْمُوَحِّدينَ، كما في الحديثِ المشهورِ: ((تَقُولُ النَّارُ لِلْمُؤْمِنِ: جُزْ يَا مُؤْمِنُ، فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي)).
وفي (مسنَدِ الإمامِ أحمدَ)، عن جابرٍ، عَنِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
((لاَ يَبْقَى بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ إِلا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ بَرْدًا وَسَلاَمًا كَمَا كَانَتْ عَلَى إِبْرَاهِيمَ،
حَتَّى إِنَّ لِلنَّارِ ضَجِيجًا مِنْ بَرْدِهِمْ)).
فهذا مِيراثٌ وَرِثَه المؤمنونَ مِن حالِ إبراهيمَ عليه السلامُ، فنارُ الْمَحَبَّةِ في قلوبِ المؤمنينَ تَخافُ منها نارُ جَهنَّمَ.
قالَ
الْجُنَيْدُ: قالَت النَّارُ: (يا ربِّ، لو لم أُطِعْكَ، هل كنتَ
تُعذِّبُني بشيءٍ هو أَشدُّ مِنِّي؟ قالَ: نعم، كنتُ أُسَلِّطُ عليك نارِي
الكُبرى، قالَتْ: وهل نارٌ أعظمُ مِنِّي وأشدُّ؟ قالَ: نعم، نارُ مَحَبَّتي
أَسْكَنْتُها قلوبَ أوليائيَ المؤمنينَ).
وفي هذا يقولُ بعضُهم:
ففي فؤادِ الْمُحِبِّ نارُ هَوًى ** أَحَرُّ نارِالجحيمِ أَبْرَدُهَا
ويَشهدُ لهذا المعنى حديثُ مُعاذٍ، عن النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قالَ: ((مَنْ كانَ آخِرَ كَلاَمِهِ لاَ إِلَهَ إِلا اللَّهُ، دَخَلَ الْجَنَّةَ)) فإنَّ الْمُحْتَضَرَ لا يَكادُ يقولُها إلا بإخلاصٍ، وتَوبةٍ، ونَدَمٍ على ما مَضَى، وعَزْمٍ على أن لا يَعودَ إلى مِثْلِه، ورَجَّحَ هذا القولَ الْخَطَّابيُّ في مُصنَّفٍ له مُفْرَدٍ في التَّوحيدِ، وهو حَسَنٌ.
شرح معالي الشيخ : صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ(مفرغ)
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ (م): (
القارئ:
(وعن
أبي عبدالله جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رَجلاً سأل رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت إذا صليتُ المكتوبات، وصُمْت رمضان،
وأحللت الحلال، وحرمتُ الحرام، ولم أزد على ذلك شيئاً؛ أأدخل الجنة؟ وقد
جاء في روايات أُخَرَ قد تكون هي أصل هذا الحديث: ((أن رَجُلاً من الأعراب
جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن أمور الإسلام فقال الرجل
للنبي -عليه الصلاة والسلام- أتانا رَسولكَ يَزعمُ أنكَ تزعمُ أن الله
أرسلكَ، آلله أرسلك؟ قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: نعم. فقال: أتانا
رسولكَ يزعم أنكَ تزعم أن الله افترض علينا خمس صلوات..)) إلخ، في آخره قال
الرجل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: والذي بعثكَ بالحق لا أزيدُ على هذا
شيئاً؛ فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- ((دخل الجنة إن صدق)). وهناك
روايات أُخر في مجيء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذكر
الفرائض؛ الصلاة، والصيام، والزكاة، والحج، وهذه الأحاديث تدل على أن من
فعل هذه الوجبات ممتثلاً متقرباً بها إلى الله -جل وعلا-.
قال: (نعم) رواه مسلم.
ومعنى (حرمت الحرام) اجتنبته، ومعنى (أحللت الحلال) فعلته معتقداً حله)).
الشيخ :
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، الحديث الثاني والعشرون من هذه الأحاديث النووية.
قال
رضي الله عنه: ((أن رَجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت
إذا صليتُ المكتوبات، وصُمْت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمتُ الحرام، ولم
أزد على ذلك شيئاً؛ أدخل الجنة؟
قال: (نعم) في هذا الحديث ذكرُ بعض العبادات، وهي عبادة الصلاة، والصيام، وإحلال الحلال، وتحريم الحرام.
وفي رواية:((من سرّهُ أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)).
- فصلى الصلوات المكتوبة مطيعاً لله -جل وعلا-.
- وصام وزكى مطيعاً لله.
- وصام مطيعاً لله.
- وحج مطيعاً لله.
- وأحلَّ الحلال مطيعاً لله.
- وحَرَّم الحرام مطيعاً لله؛ أنه من أهل الجنة.
والأحاديث متعددة في ذلك.
- بعضها يُرتب ثوابَ الجنة على كلمة التوحيد.
- وبعضُها يرتبُ ثواب الجنة على الصلاة.
- وبعضها يرتبُ ثواب الجنة على الصيام، في ألفاظٍ مختلفة ورواياتٍ متعددة.
الحاصل:
أن هذه الروايات التي فيها ترتيب دخول الجنة على بعض الأعمال الصالحة،
المقصود بها أنها إذا فُعلت مع اجتماع الشروط، وانتفاء الموانع، أو إذا
فعلت هذه الأفعال مع الإتيان بالتوحيد، وهذان احتمالان:
الأول: أنها مع اجتماع الشروط وانتفاء الموانع.
والثاني: أنه مع الإتيان بالتوحيد؛ لأنه به تصح الصلاة، وتُقبل الزكاة، ويصح الصيام.. إلخ، وهذا معناهُ أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((نعم)) أو: ((دخل الجنة إنْ صَدق))
أنَّ دخول الجنة متنوع، وهذا الظاهر، دلت عليه الأدلة الأخرى، فما جاء في
النصوص في ترتب دُخول الجنة على بعض الأعمال؛ فهو حق على ظاهره، وأنّ من
أتى بالتوحيد وعمل بالأعمال الصالحة بأي عمل؛ فإنه موعود بالجنة والله -جل
وعلا- وعدهُ {ومن أصدق من الله حديثاً}.
ودخول الجنة في النصوص:
- تارةً يراد به الدُّخول الأولِي.
- وتارةً يُراد به الدخول المآلي.
وهذا في الإثبات، يعني: إذا قيل: ((دَخل الجنة))
فقد يُراد بالنص أنّهُ يدخُلها أولاً، يعني مع مَنْ يَدخُلها أولاً، ولا
يكون عليه عذاب قبل ذلك، فيغفر له إن كان من أهل الوعيد، أو يكفِّر الله
-جل وعلا- عنه خطاياه... إلخ.
أو يكون المقصود بـ((دَخَل الجنة)) أنّ الدخول مآلي، بمعنى أنّهُ سيؤول إلى دخول الجنّة، كقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من قالَ لا إله إلا الله دَخلَ الجنة)).
- ((من كانَ آخر كلامه لا إله إلا الله دَخل الجنّة)).
- ((من صلى الصلوات المكتوبات كانَ له عند الله عهد أن يدخله الجنّه)).
- ((يدعى الصائمون يوم القيامه من باب الريان)) وهكذا في أحاديث -كما ذكرت لك- متنوعة.
فإذاً: الأحاديث التي فيها دُخول الجنة بالإثبات:
- تارةً يرادُ منها الدُّخول الأولِي.
- وتارةً يُراد منها الدُّخول المآلي.
ويترتب على هذا النفي، فإذا نُفي دُخول الجنة عن عملٍ من الأعمال؛ يُراد به نفي الدخول الأولي، أو نفي الدُّخول المآلي.
والذي يُنفى عنه الدُّخول الأولي، هُم أهل التوحيد الذين لهم ذنوب يُطَهرونَ منها، إنْ لم يغفر الله -جل وعلا- لهم.
وأمّا الذين يُنَفى عنهم الدُّخول المآلي، يعني لا يدخُلونها أولاً ولا مآلاً، لا يؤولون إلى الجنّة أصلاً؛ فهؤلاء أَهل الكُفر.
- ((لا يدخُل الجنة قتات)).
- ((لا يدخُل الجنّة قاطع رحم)).
- ((لا يدخُل الجنة نمام)) وأشباه ذلك، فهذه فيها أنه لايدخل الجنة، معناه أنّهُ لا يدخُلها.
أولاً،
وفي بعض النصوص نفي دُخول الجنة الدخول المآلي يعني: أنهم لا يؤولون إلى
الجنة أصلاً، بل مأواهم النار خالدين فيها، كقوله -جل وعلا-: {ولا يدخلون الجنة حتى يَلج الجمل في سمِّ الخياط} وكما في قوله -جل وعلا-: {فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما الظالمين من أنصار}.
إذاً:
فتحصل لنا كقاعدة عامة من قواعد أهل السنة في فهم آيات وأحاديث الوعيد:
أنَّ الآية أو الحديث، إذا كان فيه إثبات دُخول الجنّة على فعلٍ من
الأفعال؛ فإن هذا الإثبات ينقسم إلى:
- دُخولٍ أَوَّلي بمعنى: أنهُ يُغفرُ لهُ، فلا يآخذ، أو أَنه ليس من أهلِ الحساب، أو أن الله -جل وعلا- خَفف عَنْهُ، فيدخلها أوّلاً.
- أو
أنه من أهل الدخول المآلي، وهكذا عكسها: أنه لا يدخُلها أولاً، أو لا
يدخلها أولاً، و مآلاً على حدٍ سواء، وهذا من القواعد المهمة عند أهل
السُنة التي خالفوا بها الخوارج والمعتزلة، إلى آخره..
إذا
تَقَرّرت هذه القاعدة؛ فهذا الحديث فيه ذِكر دُخول الجنّة على أنه لا يزيدَ
على هذه شيئاً، ولم يذكر في ذلك أنهُ فعل الزكاة، ولا أنه أَتى بالحج، ومن
ترك الزكاة فهو من أهل الوعيد، ومن ترك الحج فهو من أهل الوعيد، وهكذا..
فإذا تقَرّر هذا فقوله: ((ولم أزد على ذلك شيئاً، أأدخُل الجنّة؟ قال: نعم)).
محمولٌ على أحد توجيهين:
الأول: في قوله: ((و لم أزد على ذلك شيئاً)) يعني: أنهُ فعل الواجبات التي أوجب الله -جل وعلا-؛ فتدخل الواجبات في قوله: ((حُرِّمت الحَرام))لأنّ ترك الواجبات حرام، فهو إذا حرَّم ترك الواجبات معناه أنه فعلها.
والتوجيه الثاني:
أنّ هذا الحديث يُفهمُ مع غيره من الأحاديث، كقاعدة أهل السُنة في نصوص
الوعد والوعيد، وأنَّنا لا نفهم نصاً من نصوص الوعد أو من نصوص الوعيد على
حدته، بل نضمُّهُ إلى أشباهه؛ فيتضح المقام، فيكون إذاً: دخوله للجنّة مع
وجود الشروط وانتفاء الموانع، أو يُقال: دخول الجَنّة هنا مع الاقتصار على
ما ذُكِر دخولاً مآلياً، وإذا أتم فإنه يدخل دخولاً أوّلياً، ولابد أنه إذا
كان على ذلك النحو فإنه من أهل الجنة..لأن الله -جل وعلا- هو الذي وعده
بذلك وبلَّغه رسولهُ -عليه الصلاة والسلام-.
قوله: ((إذا صليتُ المكتوبات)) يدلُ على تعلُق ذلك بالصلوات الخمس، وهذا يُخرج النوافل.
كذلك قوله: ((وصمتُ رمضان)) يدل على تعلقه بالشهر الواجب، وهذا يخرج النوافل.
وقوله:((وأحللْتُ الحلال)) هذا اخَتلف فيه العلماء على قولين:
القول الأول: هو الذي ذكره النووي في آخر ذكره للحديث، حيث قال: ومعنى ((أحْللْتُ الحلالَ)) فعلتُه معتقداً حلَّهُ.
وهذا وجْهٌ عند أهل العلم؛ لأنّ معنى ((أحللْتُ الحلال)) أنه اعتقد وفعل.
والوجه الثاني: أنه اعتقد ولم يفعل، فمعنى قوله: ((أحللْت الحلال)) يعني: اعتقدت حلّ كلِّ ما أحلَّهُ الله -جل وعلا-، وليس في نفسي اعتراض على ما أحله الله جل وعلا، وهذا أحد المعنيين.
والمعنى
الأول الذي ذكرهُ النووي: أنّ إحلال الحلال، يقتضي أن تعمل، أو تأْتي
الحلال الذي أحلَّه الله -جل وعلا- لَك، وألاّ تستنكفَ عنه، بمعنى: أن من
حرّم على نفسه شيئاً من الحلال مطلقاً؛ فإنه لم يحلّ الحلال فعلاً، وهذا
المعنى ليس بجيد عندي؛ لأنّ فعْلَ كلَّ حلال ممتنع، قد لا يستطيعه كل أحد؛
لأنَّ الحلال ولله الحمد والمباحات كثيرة، فإتيانه: فعْله باعتقاد حلِّه؛
هذا صعب، ومثلُ هذا الرّجل السائل لا يُعلَّق بكلِّ شيء، وهذا أيضاً مما
يكون في غير الاستطاعة.
والوجه الثاني: الذي ذكرناه، أنّ قوله: ((أحَللتُ الحلال))
يعني: اعتقدتُ حِلّهُ، فلم يأْتِ في نفسي ريْب من أنّ ما أحل الله -جل
وعلا- فهو حلال، فهذا ظاهرٌ من الحديث وهو أولى؛ لأنهُ لا يلزم عنه لوازم
غير جيدة.
وأمَّا أو قول الرجل: (حرَّمتُ الحرام ولم أزد على ذلك شيئاً؛ أأدخل الجنة؟ قال: نعم).
فتحريم الحرام يشمل المرتبتين:
- يشمل الاعتقاد والتّرك.
يعني [أولاً]: أن تعتقد حُرمته.
فمن اعتقد حرمة الحرام، وفَعَل فهو من أهل الوعيد، يعني: من أهل العصيان.
- وأمّا من لم يعتقد حرمة الحرام فهو كافر؛ لأنَّه ما صدّق الله -جل وعلا- في خبره، أو لأنه اعتقد غير ما أمرَ الله -جل وعلا- باعتقاده؛ فإن الاعتقاد بتحريم المحرمات فرضٌ من الفرائض، وعقيدة لابد منها؛ لأنَّه معناهُ: الالتزام بأمر الله -جل وعلا- وأمر رسوله -صلى الله عليه وسلم- والنهي نهي الله -جل وعلا- ونَهْي رسولهِ -صلى الله عليه وسلم-.
الكشاف التحليلي
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات...)
ترجمة الراوي
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منـزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
ذكر أحاديث أخرى في معنى هذا الحديث
شرح قوله: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم...)
تسمية السائل المبهم
قيل: هو النعمان بن قوقل الخزاعي
أهمية السؤال في طلب العلم
شرح قول السائل: (أرأيت إذا صليت المكتوبات)
معنى قوله: (أرأيت)
معنى قوله: (المكتوبات)
بيان معنى (الصلاة)
تعريف (الصلاة) لغة
تعريف (الصلاة) شرعاً
بيان حكم الصلاة
حكم تارك الصلاة
حكم صلاة الجماعة
شرح قول السائل: (وصمت رمضان)
بيان معنى (الصوم)
تعريف (الصوم) لغة
تعريف (الصوم) شرعاً
حكم صوم رمضان
وجه عدم ذكر الزكاة والحج في الحديث
من ترك الزكاة أو الحج فهو من أهل الوعيد
شرح قول السائل: (وأحللت الحلال، وحرمت الحرام)
معنى قوله: (وأحللت الحلال)
بيان معنى (الحلال)
يدخل في الحلال الواجب والمستحب والمباح
بيان معنى تحليل الحلال
أحللت الحلال: أي اعتقدت حله
لا يلزم العبد فعل كل حلال
العباد لا يحلون شيئاً لم يحله الله عز وجل
ذم تحريم الحلال
أقوال السلف في تفسير قوله تعالى: (لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا)
مراتب تحريم الحلال
المرتبة الأولى: اعتقاد حرمته
المرتبة الثانية: تحريمه بيمين أو نذر أو نحو ذلك مع اعتقاد حله في الأصل
المرتبة الثالثة: الامتناع عنه بلا يمين ولا نذر
التحليل والتحريم على نوعين:
النوع الأول: تحليل وتحريم علمي اعتقادي
النوع الثاني: تحليل وتحريم عملي
معنى قوله: (وحرمت الحرام)
بيان معنى (الحرام)
تعريف الحرام عند الأصوليين
بيان معنى (تحريم الحرام)
تحريم الحرام على مرتبتين واجبتين:
المرتبة الأولى: اعتقاد حرمته
المرتبة الثانية: اجتنابه
من اعتقد تحريم الحرام وفعله فهو آثم
من لم يعتقد تحريم الحرام فهو كافر
سبب كفره: تكذيبه لخبر الله عز وجل
العباد لا يحرمون شيئاً لم يحرمه الله عز وجل
صيغ التحريم الواردة في النصوص:
الصيغة الأولى: النص على تحريمه
الصيغة الثانية: النهي عنه بلا صارف من التحريم إلى الكراهة
الصيغة الثالثة: ترتيب العقوبة على فعله
الصيغة الرابعة: ذم من فعله
الصيغة الخامسة: توعد من فعله بالعذاب
تفاوت المحرمات
من المحرمات ما ينقض الإسلام
ومنها ما هو من أكبر الكبائر ولا ينقض الإسلام
ومنها ما هو من الكبائر
الكبائر متفاوتة في درجة التحريم
ومنها ما هو من الصغائر
التحليل والتحريم حق من حقوق الله عز وجل
شرح قوله: (ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة؟ قال: نعم)
قوله: (ولم أزد على ذلك شيئاً) يمكن أن يحمل على وجهين:
الوجه الأول: أن فعل سائر الواجبات وترك المحرمات داخل في تحليل الحلال وتحريم الحرام
الوجه الثاني: أن هذا الحديث من نصوص الوعد فيفهم مع النصوص الأخرى
حكم ترك النوافل والمستحبات
النوافل غير واجبة وتركها مكروه
النوافل تجبر الخلل في العبادات الواجبة
بيان معنى كلمة (نعم)
دخول الجنة يكون بأداء الواجبات وترك المحرمات
ذكر الأدلة على ذلك
يعذب العبد على قدر تقصيره في الواجبات وفعله للمحرمات أو يتجاوز الله عنه بمنه وكرمه
أقسام دخول الجنة:
القسم الأول: دخول أولي
الدخول الأولي: أن يدخل الجنة ولم يعذب في النار
القسم الثاني: دخول مآلي
الدخول المآلي: هو أن يعذب في النار ثم يكون مآله إلى الجنة
تنوع الأحاديث في أسباب دخول الجنة
الجمع بين هذه الأحاديث
الحكمة من هذا التنوع
أنواع الأعمال التي وعد عليها بدخول الجنة
1- كلمة التوحيد
ويدخل فيها اجتناب الشرك
2- الصلاة
3- الوضوء
4- سؤال الله تعالى الجنة
5- أداء الفرائض
الأعمال التي رُتِّبَ عليها دخول الجنة من باب الأسباب وليست موجبة
الأسباب تنتج مسبباتها إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع
معنى الأحاديث التي رتبت دخول الجنة على مجرد التوحيد
ما تفيده كلمة التوحيد إذا تحققت في القلب
منهج أهل السنة في نصوص الوعيد
من فوائد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه:
السُّؤالُ عَن العلمِ سَبَبٌ مِن أسبابِ تَحْصيلِهِ
أَهَمِّيَّةُ الصَّلاةِ فِي الإِسْلام
المقتصد من أهل الجنة
تفاضل الناس في الطاعة
الإسلام دين علم وعمل
يسر الإسلام وسماحته
العناصر
حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أرأيت إذا صليت المكتوبات...)
ترجمة الراوي
تخريج الحديث
موضوع الحديث
منـزلة الحديث
المعنى الإجمالي للحديث
ذكر أحاديث أخرى في معنى هذا الحديث
شرح قوله: (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم...)
تسمية السائل المبهم
أهمية السؤال في طلب العلم
شرح قول السائل: (أرأيت إذا صليت المكتوبات)
معنى قوله: (أرأيت)
معنى قوله: (المكتوبات)
بيان معنى (الصلاة)
بيان حكم الصلاة
حكم تارك الصلاة
حكم صلاة الجماعة
شرح قول السائل: (وصمت رمضان)
بيان معنى (الصوم)
حكم صوم رمضان
وجه عدم ذكر الزكاة والحج في الحديث
شرح قول السائل: (وأحللت الحلال، وحرمت الحرام)
معنى قوله: (وأحللت الحلال)
بيان معنى (الحلال)
بيان معنى تحليل الحلال
ذم تحريم الحلال
مراتب تحريم الحرام
التحليل والتحريم على نوعين: علمي وعملي
معنى قوله: (وحرمت الحرام)
بيان معنى (الحرام)
بيان معنى (تحريم الحرام)
صيغ التحريم الواردة في النصوص
تفاوت المحرمات
التحليل والتحريم حق من حقوق الله عز وجل
شرح قوله: (ولم أزد على ذلك شيئاً أأدخل الجنة؟ قال: نعم)
حكم ترك النوافل والمستحبات
بيان معنى كلمة (نعم)
دخول الجنة يكون بأداء الواجبات وترك المحرمات
أقسام دخول الجنة
تنوع الأحاديث في أسباب دخول الجنة
أنواع الأعمال التي وعد عليها بدخول الجنة
الأعمال التي رُتِّبَ عليها دخول الجنة من باب الأسباب وليست موجبة
الأسباب تنتج مسبباتها إذا اجتمعت الشروط وانتفت الموانع
معنى الأحاديث التي رتبت دخول الجنة على مجرد التوحيد
ما تفيده كلمة التوحيد إذا تحققت في القلب
منهج أهل السنة في نصوص الوعيد
من فوائد حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه