7 Jan 2009
قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:
أبو عُبيدةَ عامرُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ الجرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ
ابنِ هِلالِ بنِ أُهَيْبِ بنِ ضَبَّةَ بنِ الحارثِ بنِ فِهْرِ بنِ مالِكٍ.
وأمُّهُ: أمُّ غُنْمٍ بنتُ جابرِ بنِ عبدِ العُزَّى بنِ عامرِ بنِ عُمَيْرَةَ بنِ وَديعةَ بنِ الحارثِ بنِ فِهْرٍ.
وقيلَ: أُمَيْمَةُ بنتُ غُنْمِ بنِ جابرِ بنِ عبدِ العُزَّى.
يَلتقِي معَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في فِهْرِ بنِ مالكٍ.
أَسْلَمَ قديمًا قَبْلَ دُخولِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دارَ الأَرْقَمِ.
وشَهِدَ بَدْرًا والْمَشاهِدَ معَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ونَزَعَ يومَ أُحُدٍ الْحَلْقَتَيْنِ اللَّتَيْنِ دَخَلَتَا في وَجْهِ
النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمِغْفَرِ، وانْتُزِعَتْ
ثِنْيَتَاهُ فحَسَّنَتَا فَاهُ، فقيلَ: ما رُؤِيَ هَتْمٌ قَطُّ أحسَنَ منْ
هَتْمِ أبي عُبَيْدَةَ [1].
وكانَ لهُ من الوَلَدِ:
يَزيدُ وعُمَرُ.
وقد انْقَرَضَ وَلَدُ أبي عُبيدةَ فلمْ يُعْقِبْ.
وماتَ بطاعونِ عَمْوَاسَ [2] سنةَ ثمانِ عشرةَ.
وقَبْرُهُ بِغُورِ بَيْسَانَ بقريَةِ عَمْتَا، وهوَ ابنُ ثمانٍ وخمسينَ،
وصَلَّى عليهِ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ، وقدْ قِيلَ: عمرُو بنُ العاصِ.
وقدْ قَتَلَ أبو عُبَيْدَةَ أَبَاهُ يومَ بدرٍ كافرًا [3].
وفيهِ أَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ
مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ
أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي
قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ
حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة المجادلةِ، الآيَة: 22].
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
الأخير: أبو عبيدة:
عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن
مالك ، يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك ، رضي الله عنه .
أمه : أم غنم بنت جابر بن عبد العزى بن عامر بن
عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك ، فهي تجتمع معه في الحارث بن فهر
، فهو قرشي وأمه قرشية ، قيل في اسم أمه : أميمة بنت غنم ؛ أي بدل الكنية : أم غنم ، أنها أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى .
يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك .
أسلم قديما ، رضي الله عنه ، قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار
الأرقم ، ودخل معه في دار الأرقم التي قرب الصفا ، كانوا يلتقون فيها قد
اتخذوها ملجأ يلجئون فيها حتى لا يؤذيهم المشركون .
شهد بدرا والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو من أهل بدر ، شهد أيضا يوم أحد .
ويوم أحد حصل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على رأسه المغفر فضربه بعض
المشركين ، ضرب المغفر وانهشم المغفر ، ويسمى الخوذة ، في البيضة ، انهشمت
البيضة على رأسه ، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ، فهو الذي انتزعها
، انتزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم من المغفر
لما انتزعها رضي الله عنه سقطت ثنيتاه فحسنت فاه ، أي ما عابه ذلك، فقيل :
ما رؤي هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة ، الهتم : كسر في الثنايا .
مناقبه رضي الله عنه شهيرة ، فهو أحد السابقين الأولين ، وقد سماه النبي
صلى الله عليه وسلم الأمين ، لما جاءه وفد نجران قالوا : أرسل معنا أمينا ،
فقال : ((لأرسلن معكم أمينا حق أمين)) ، فأرسل معهم أبا عبيدة ، وقال : ((لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة)).
لم يبق له ولد ، ذكر أن له من الولد يزيد وعمر ، ولم يعقبا ، انقرض ولد أبي عبيدة فلم يبق منهم أحد .
مات بطاعون عمواس سنة ثمان عشرة ، قبره بغور بيسان في قرية عمشا ، عمره
ثمان وخمسون ، صلى عليه معاذ رضي الله عنه ، وقيل : عمرو بن العاص ، وما
ذاك إلا أنه لما تولى عمر رضي الله عنه بعد موت أبي بكر عزل خالدا عن
الإمارة للجيش وولى عليه أبا عبيدة ، أبو عبيدة أفضل لأنه من المسلمين
الأولين ، فهو أفضل من خالد الذي ما أسلم إلا زمن الفتح ، فلما ولاه أحسن
القيادة وجاهد وفتح الحصون في سوريا ، فتح دمشق وفتح ما فيها من الدور أو
من الأماكن كلها ، حتى أصبحت دار إسلام ، هكذا .
ثم ذكر أن عمر رضي الله عنه توجه إلى الشام ومعه مجموعة من المهاجرين ،
فلما كان في أثناء الطريق قيل له : إن الوباء قد وقع بالشام ، يعني الطاعون
، استشار من حوله فكلهم ، أكثرهم قالوا : ارجع لا تذهب بهؤلاء إلى ذلك
المرض الذي هو الطاعون ، ولما رجع قال له أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله ؟ قال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله
. فرجع عمر ولم يذهب إلى الشام لما ذكر له أن فيه هذا الوباء الذي هو
الطاعون ، أما أبو عبيدة فإنه رجع ومات في تلك السنة التي هي سنة ثمانية
عشر في ذلك الطاعون ، ويسمى طاعون عمواس ، وهي موضع في فلسطين قريب من
المسجد الأقصى .
ذكروا أن أبا عبيدة قتل أباه يوم بدر ، وكان أبوه خرج مع المشركين ، ولما
خرج ووصل إلى بدر وابتدأ القتال قال : أروني ولدي ، سوف أقتله ، فجعل أبو
عبيدة يهرب من والده ، ولكن رأى أنه مصر على قتله ، كيف تتبع محمدا وكيف
تترك دين آبائك ؟ فلما أصر على محاولة قتله رجع إلى أبيه فقتله ليتخلص منه .
ذكروا أن هذه الآية في آخر سورة المجادلة نزلت فيه: {لَا
تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ
مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} أي: لا
يمكن أنك تجد هؤلاء يوادون الكفار ، بل لا بد أنهم يعادون الكفار ، المودة
هي المحبة ، الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر لا يوادون الكفار ولا
يصادقونهم ولا يحبونهم ولا يأمنونهم ولا يتعاملون معهم ، بل يضمرون لهم
الكراهية والعداوة ، يعلمون أنهم كفار ، فلا يمكن أن يكون هؤلاء أولياء
للمؤمنين ، هكذا ، {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أي: أنهم لا يوالونهم ، ولو كانوا بمنزلة رفيعة عندهم ، بل يقاطعونهم .
والآيات كثيرة في وجوب مقاطعة الكفار ولو كانوا أقارب .
هكذا قصة هؤلاء العشرة .
ونعرف أيضا أن جميع الصحابة يرجى لهم الخير ، وذلك لأنهم عملوا الصالحات
وهاجروا في سبيل الله ، وصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاهدوا معه ،
وآثروه بالنفع بالأنفس وبالمال ، بل آثروه على أنفسهم .
فنقول في الصحابة جميعا قولا حسنا ، ولا نتبرأ من أحدهم ، كما تتبرأ
الرافضة من أكثرهم ، وكذلك أيضا كما تتبرأ الخوارج ، أي: من علي ومن كان
معه ، بل نحبهم جميعا ونواليهم لنكون بذلك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم
الذين هم أتباعه على دينه إن شاء الله. والله أعلم.
سؤال: أحسن الله إليكم ، يقول : فضيلة الشيخ
ذكرتم أن عبد الرحمن بن عوف كان يتعاهد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم
ويعطيهن من الصدقة ، فهل تجوز لهن الصدقة؟
جواب: تحل لهن ؛ لأن الصدقة الزكاة حرمت على بني
هاشم ، وأما زوجاته فليس فيهن هاشمية ، وأيضا يمكن أنه يعطيهن صدقة من غير
الزكاة ، إذا كان قد تصدق بحمل أكثر من مائة بعير ، كلها تحمل طعاما ،
تصدق بها كلها وقال : أرجو مضاعفتها ، يعني الحسنة بعشر أمثالها.
سؤال: أحسن الله إليكم ، الأخ أبو عبد الرحمن
عبر الشبكة يقول : شخص آلمه رأسه فذهب إلى طبيب فلبد رأسه بالحناء ، ثم وضع
عليه قماش فأخذ يمسح عليه لمدة ثمانية أيام ، ولم يكن يومئذ على طهارة ،
فما حكم صلاته؟
جواب: يظهر أنه معذور لأنه معروف أن الأصل في
الرأس هو المسح ومباشرة الشعر ، ولكن إذا كان هذا قد وضع على رأسه هذا
الحناء من الألم ، فذلك عذر ، فله أن يمسح فوق الحناء ولو كان على غير
طهارة.
سؤال: أحسن الله إليكم ، الأخت خديجة من فرنسا تقول : نرجو منكم ذكر أفضل أسماء الإناث إن كان ورد نص شرعي بذلك.
جواب: الإناث تسمين بما حصل ، الصحابيات فيهن
أسام كأسامي الرجال ، زينت على وزن جعفر ، فيظهر أنه اسم مذكر ، ومع ذلك
ينطبق على النساء ، وكذلك أيضا في الرجال ، الحاصل أن الأسماء على حسب ما
يتناسب.
سؤال: أحسن الله إليكم ، الأخ أبو إسحاق من
فرنسا يقول: يدرسنا من مدرسي الدين من لديهم خلل في العقيدة ، من أشاعرة أو
متصوفة ، وفي الاختبار نجيب على حسب ما درسنا به ، وفيه بعض الأخطاء ، وإن
لم نجب على حسب ما يرى نرسب في الاختبار ، فماذا نفعل أحسن الله إليكم.
جواب: أنتم على عقيدتكم ، تمسكوا بالعقيدة التي
هي عقيدة أهل السنة والتي تعرفونها من مؤلفات السلف الصالح ، والتي أخذت من
الكتاب والسنة ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وهذا الذي يدرسكم ،
إذا كان هذا الدرس بعده الاختبار اختبارا نظاميا عليه مؤهلات وشهادات ،
فأجيبوا بما درسكم ولكن أنتم على معتقدكم ، على عقيدتكم ، أنكم صادقون
وأنكم مصدقون بهذه العقيدة ، ولكن لعلكم فيما بعد أن ترشدوه وأن تناقشوه
رجاء أن يتأثر .
سؤال: أحسن الله إليكم ، يقول : كثر الخوض فيما شجر بين الصحابة في بعض الأشرطة ، فماذا تنصح حيال ذلك؟.
جواب: طريقة السلف أنهم يكفون عما شجر بين
الصحابة ، يتوقفون ، ويكلون أمرهم إلى الله ، وهم كلهم مجتهدون ، فالذين مع
عائشة مجتهدون ، منهم طلحة والزبير ، وعبد الله بن الزبير ، ما قصدوا بذلك
إلا أن يأخذوا الثأر لعثمان الذي قتل مظلوما ، وعلي رضي الله عنه أيضا
مجتهد ، ما قصد إلا جمع الكلمة عندما قاتلهم ، أو عندما بدأهم الذين في
جيشه والذين هم من قتلة عثمان .
كذلك أيضا في وقعة صفين ، قد حضرها أيضا جمع من الصحابة ، فهم مجتهدون ،
معاوية يقول : سلموا لنا قتلة عثمان ، وعلي رضي الله عنه يقول : بايعنا حتى
تجتمع الكلمة ، فإذا اجتمعت الكلمة كان لنا قدرة ، لأني وحدي لا أقدر
لأنهم ذوو شأن ولهم أشاعر كبيرة ، وإذا سلمتهم جارت علي قبائلهم ، فلهم
اجتهادهم ، فنقول : نكف عما شجر بينهم ونعذرهم ، ونقول : إنهم إن شاء الله
لا يرجى أن يكون ذلك ذنبا كبيرا .
مع أن بعض الصحابة امتنع من القتال كما سمعنا عن سعد بن أبي وقاص ، أنه
اعتزل البلاد ، المدن كلها ، وصار بدويا ، يتنقل في البوادي ، ولم يشترك في
القتال ، وكذلك أيضا ما ذكر عن بعض الصحابة كابن عمر ، جاءه رجل وقال :
ألا تقاتل ، ألا تخرج تقاتل ، الله تعالى يقول : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فقال عبد الله : قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وأنتم تقاتلون حتى تكون فتنة .
أحسن الله إليكم وبارك فيكم ونفع بعلمكم وصلى الله على نبينا محمد.
والله أعلم وصلى الله على محمد.