الدروس
course cover
كُـتاب النبي صلى الله عليه وسلم ورسله
6 Jan 2009
6 Jan 2009

4053

0

1

course cover
مختصر عبد الغني

القسم الثاني

كُـتاب النبي صلى الله عليه وسلم ورسله
6 Jan 2009
6 Jan 2009

6 Jan 2009

4053

0

1


0

0

0

1

0

قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:

[كُتَّابُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورُسُلُهُ]

فصلٌ في كُتَّابِهِ ورُسُلِهِ [1]

كَتَبَ لهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، وعُمرُ بنُ الْخَطَّابِ، وعُثمانُ بنُ عَفَّانَ، وعَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ، وعامرُ بنُ فُهَيْرَةَ، وعبدُ اللَّهِ بنُ الأَرْقَمِ الزُّهريُّ، وأُبَيُّ بنُ كَعْبٍ، وثابِتُ بنُ قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ، وخالدُ بنُ سعيدِ بنِ العاصِ، وحَنظلَةُ بنُ الربيعِ الأَسَدِيُّ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، ومُعاويَةُ بنُ أبي سُفيانَ، وشُرَحْبِيلُ ابنُ حَسَنَةَ.
وكانَ مُعاويَةُ بنُ أبي سُفيانَ وزَيْدُ بنُ ثابتٍ أَلْزَمَهُم لذلكَ، وأَخَصَّهُم بهِ.
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ عمرَو بنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ رَسُولًا إلى النَّجَاشِي، واسمُهُ أَصْحَمَةُ، ومَعْنَاهُ: عَطِيَّةٌ. فأَخَذَ كتابَ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووَضَعَهُ على عَيْنَيْهِ، ونَزَل عنْ سَريرِهِ، فجَلَسَ على الأرضِ، وأَسْلَمَ وحَسُنَ إسلامُهُ، إلَّا أنَّ إسلامَهُ كانَ عندَ حُضُورِ جَعْفَرِ بنِ أبي طالبٍ وأصحابِهِ.
وصَحَّ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عليهِ يومَ ماتَ
[2]، ورُوِيَ أنَّهُ كانَ لا يَزالُ يُرَى النُّورُ على قَبْرِهِ.
وبعثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِحْيَةَ بنَ خَلِيفَةَ الكلبيَّ إلى قَيْصَرَ مَلِكِ الرومِ، واسمُهُ هِرَقْلُ. فسَأَلَ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وثَبَتَ عِنْدَهُ صِحَّةُ نُبُوَّتِهِ، فَهَمَّ بالإسلامِ، فلمْ تُوَافِقْهُ الرُّومُ، وَخَافَهُمْ على مُلْكِهِ فأَمْسَكَ
[3].
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبدَ اللَّهِ بنَ حُذَافَةَ السَّهْمِيَّ إلى كِسْرَى مَلِكِ فَارِسَ، فمَزَّقَ كِتابَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقالَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ)). فمَزَّقَ اللَّهُ مُلْكَهُ ومُلْكَ قَوْمِهِ [4].
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاطِبَ بنَ أبي بَلْتَعَةَ اللَّخْمِيَّ إلى الْمُقَوْقِسِ مَلِكِ الإِسْكَنْدَرِيَّةِ ومِصْرَ، فقالَ خَيْرًا، وقارَبَ الأمْرَ ولمْ يُسْلِمْ، فأَهْدَى إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماريَةَ القِبْطِيَّةَ وأُخْتَها سِيرِينَ، فوَهَبَها لِحَسَّانِ بنِ ثابتٍ، فوَلَدَتْ لهُ عبدَ الرحمنِ بنَ حَسَّانَ.
وبعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عمرَو
بنَ العاصِ إلى مَلِكَيْ عُمَانَ جَيْفَرَ وعبدٍ ابْنَي الجُلَنْدِيِّ، وَهُمَا من الأَزْدِ، والْمَلِكُ جَيْفَرُ. فأَسْلَمَا وصَدَّقَا، وخَلَّيَا بينَ عمْرٍو وبينَ الصدَقَةِ، والْحُكْمُ فيما بينَهم، فلمْ يَزَلْ عندَهم حتَّى تُوُفِّيَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلِيطَ بنَ عمرِو بنِ العامريِّ إلى اليمامةِ، إلى هَوْذَةَ بنِ عَلِيٍّ الحنَفِيِّ، فأَكْرَمَهُ وأَنْزَلَهُ، وكَتَبَ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ما أَحْسَنَ ما تَدْعُو إليهِ وأَجْمَلَهُ، وأَنَا خَطيبُ قَوْمِي وشَاعِرُهم، فاجْعَلْ لي بعضَ الأَمْرِ. فأَبَى النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولمْ يُسْلِمْ، وماتَ زَمَنَ الفتْحِ.
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شُجاعَ بنَ وَهْبٍ الأَسَدِيَّ إلى الحارِثِ بنِ أبي شِمْرٍ الغَسَّانِيِّ مَلِكِ البَلْقَاءِ منْ أرضِ الشامِ. قالَ شُجَاعٌ: فانتهيْتُ إليهِ وهوَ بِغُوطَةِ دِمَشْقَ
[5]، فقَرَأَ كتابَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثمَّ رَمَى بهِ وقالَ: إنِّي سائرٌ إليهِ، وعَزَمَ على ذلكَ، فمَنَعَهُ قَيْصَرُ.
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المُهَاجِرَ بنَ أبي أُمَيَّةَ المَخْزُومِيَّ إلى الحارثِ الْحِمْيَرِيِّ أَحَدِ مُقَاوِلَةِ اليَمَنِ
[6].
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العلاءَ بنَ الْحَضْرَمِيِّ إلى الْمُنْذِرِ بنِ سَاوَى العبديِّ مَلِكِ البحرَيْنِ، وكَتَبَ إليهِ كِتَابًا يَدعُوهُ إلى الإسلامِ، فأَسْلَمَ
وصَدَّقَ.
وبَعَثَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أبا موسى الأشعريَّ ومُعاذَ بنَ جَبَلٍ الأنصاريَّ رَضِيَ اللَّهُ عنهما إلى جُمْلَةِ اليمَنِ، داعِيَيْنِ إلى الإسلامِ، فأَسْلَمَ عامَّةُ أهْلِ اليَمَنِ [وَ]مُلُوكُهم طَوْعًا منْ غَيْرِ قِتالٍ.



تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع

[1] انْظُرْ: (كُتَّابَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) د. مصطفى الأَعْظَمِيُّ، (المصباحَ المُضِيءَ) للأنصاريِّ.


[2]
قالَ ابنُ القيِّمِ في (زادِ الْمَعادِ) (1/120): "إنَّ أَصْحَمَةَ النجاشي الذي صَلَّى عليهِ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليسَ هوَ الذي كَتَبَ إليهِ، هذا الثاني لا يُعْرَفُ إسلامُهُ، بخِلافِ الأوَّلِ؛ فإنَّهُ ماتَ مُسْلِمًا. وقدْ روى مُسلِمٌ في صحيحِهِ [1774] منْ حديثِ قَتادةَ عنْ أنَسٍ قالَ: كَتَبَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى كِسْرَى وقَيْصَرَ وإلى النجاشي، وإلى كلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُم إلى اللَّهِ تعالى، وليسَ بالنجاشي الذي صَلَّى عليهِ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". اهـ
وقدْ نَبَّهَ لهذا منْ قَبلُ أبو مُحَمَّدِ بنُ حَزْمٍ في (جوامِعِ السيرةِ) ص (30).
أمَّا صلاةُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاةَ الغائبِ على النجاشي رَحِمَهُ اللَّهُ -وهوَ الذي هاجَرَ إليهِ أصحابُ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدْ خَرَّجَها البخاريُّ في (صَحيحِهِ) في مَواضِعَ، منها رقم (1333).


[3]
أيْ: لمْ يُقْدِمْ على الإسلامِ وبَقِيَ كافرًا.
وانظُرْ خَبَرَهُ في (صحيحِ ابنِ حِبَّانَ) (4504)، وأصلُهُ في (الصحيحيْنِ) في حديثِ أبي سُفيانَ الطويلِ في صِفَةِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحوارِهِ معَ هِرَقْلَ، انْظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (7) (2940) (2931)، ومسلِمٍ (1773).
وقالَ الحافظُ الذهبيُّ في (سِيَرِ أعلامِ النُّبلاءِ) (2/15): لعلَّ هِرَقْلَ قدْ أَسْلَمَ سِرًّا إذْ عَرَضَ على قومِهِ الدخولَ في الدِّينِ، فلَمَّا خَافَهُم قالَ: إنَّما كُنْتُ أَخْتَبِرُ شِدَّتَكُم في دِينِكم، فمَنْ أَسْلَمَ في باطنِهِ هكذا فيُرْجَى لهُ الْخُلوصُ منْ خُلودِ النارِ؛ إذْ قدْ حَصَّلَ في باطنِهِ إيمانًا ما، وإنَّما يُخَافُ أنْ يكونَ قدْ خَضَعَ لللإسلامِ وللرسولِ واعتَقَدَ أنَّهُما حقٌّ معَ كونِ أنَّهُ على دِينٍ صحيحٍ، فتُراهُ يُعَظِّمُ النَّبِيِّينَ كما قدْ فَعَلَهُ كثيرٌ من المُسْلِمَانِيَّةِ الدَّوَاوِينِ، فهذا لا يَنْفَعُهُ الإسلامُ حتَّى يَتَبَرَّأَ من الشِّرْكِ. اهـ
وتَحْسُنُ الإشارةُ هنا إلى الضلالِ الكبيرِ الذي وَقَعَ فيهِ بعضُ المسلمينَ حينَ ظَنُّوا أنَّ اليهودَ والنصارَى لا حَرَجَ عليهم أنْ يَبْقَوْا على شَرائعِهم الْمُحَرَّفَةِ وأنَّهُم يَكُونونَ بذلكَ مؤمنينَ باللَّهِ، ويَتَذَرَّعُونَ لذلكَ ببعضِ الشُّبُهَاتِ. وهكذا الأَمْرُ بالنِّسْبَةِ لدُعاةِ ما يُسَمَّى التقريبَ بينَ الأديانِ، فذلكَ كُلُّهُ لا يُغْنِي عنْ أهلِهِ شيئًا، بلْ هوَ ضَلالٌ وتَعَامٍ عن الْهُدَى، فالدِّينُ عندَ اللَّهِ الإسلامُ.


[4]
انظُرْ: (صحيحَ البخاريِّ) (4424).


[5]
غُوطةُ دِمشقَ: مَوْضِعٌ بدِمَشْقَ فيهِ بَساتينُ وزروعٌ وأشجارٌ وأنهارٌ مُتَّصِلَةٌ، قالَ الحَمَوِيُّ في (مُعْجَمِ البُلْدَانِ) (4/219): وهيَ بالإجماعُ أَنْزَهُ بلادِ اللَّهِ وأَحْسَنُها مَنْظَرًا، وهيَ إحدى جِنانُ الأرضِ الأَرْبَعِ... وهيَ أَجَلُّها.


[6] الْمُقَاوِلَةُ: جَمْعُ مِقْوَلٍ، وهوَ الْمَلِكُ عندَ حِمْيَرَ. وذكَرَ ابنُ الْقَيِّمِ في (الزادِ) (1/ 123) أنَّ الحارِثَ هذا تَرَدَّدَ ولم يُسْلِمْ.

هيئة الإشراف

#2

30 Mar 2010

شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعرف من هذه القصص حرص الصحابة رضي الله عنهم على خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى طواعيته، وعلى القرب منه بعد أن عرفوا صدقه وصحة ما جاء به، وبعد أن سمعوا الأدلة على وجوب طاعته في كقوله: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} وعلى وجوب محبته، وعلى وجوب اتباعه والاقتداء به.
وكذلك أيضا على احترامه وتوقيره، كما في قوله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}.
وكذلك على احترامه في إبعاد الأذى عنه كقوله: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} وكالأمر بالإيمان به: {اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}.
فلما أحبوه وقدموا محبته علموا بأن خدمته وطاعته قربة وعبادة، فكانوا يتسابقون إلى ذلك.
فمن ذلك الكتّاب الذين يكتبون له، الغالب أن كتاباته إما أن تكون من كتابة القرآن الذي ينزل عليه، أو كتابة الرسائل التي يرسلها، أو كتابة بعض الأحاديث التي يتكلم بها ويحبون أن يكتبوها له، فكان الخلفاء الأربعة يكتبون، يعني تعلموا الكتابة؛ أبو بكر الصديق رضي الله عنه يكتب ويقرأ الكتب؛ الكتابات.
عمر بن الخطاب يكتب أيضا رضي الله عنه، عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- هؤلاء الخلفاء الأربعة كلهم يكتب له، ومن ذلك كتابة الصلح الذي في الحديبية، فإن الذي كتبه علي رضي الله عنه.
أملى عليه قوله: بسم الله الرحمن الرحيم، فامتنع سهيل بن عمرو أن يكتب هذه البسملة وقال: اكتب: باسمك اللهم، ثم قال: هذا ما كاتب عليه محمد رسول الله، وبعد أن كتبها اعترض سهيل وقال: لو نعلم أنك رسول الله ما رددناك، فقال: امح: رسول الله، فقال: والله لا أمحوها أبدا، فمحاها النبي صلى الله عليه وسلم.
عامر بن فهيرة، تقدم أنه من جملة الذين صحبوا النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وكان مولى لأبي بكر.
عبد الله بن الأرقم الزهري، كان أيضا من المعروفين بالكتابة، وإن لم يكن مكثرا.
أبي بن كعب الأنصاري، كان أيضا يكتب ولكن لم يكن من المكثرين.
ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري، كان أيضا كاتبا.
خالد بن سعيد بن العاص من بني أمية.
حنظلة بن الربيع الأسدي، من بني أسد بن خزيمة.
زيد بن ثابت الأنصاري.
معاوية ابن أبي سفيان.
شرحبيل بن حسنة.
هؤلاء هم الذين اشتهروا بالكتابة له، كان معاوية بن أبي سفيان وزيد بن ثابت ألزمهم لذلك وأخصهم به؛ كان معاوية لما أسلم وأسلم أبوه، طلب أبو سفيان أن يكون معاوية كاتبا له، فوافق على ذلك، كان يكتب الوحي، وفي ذلك يقول أبو الخطاب في عقيدته:

ولابن هنـد في الفـؤاد مـودة = ومحبــة فلــيرغمن المعتـدي

يعني معاوية.


ولابن هنـد في الفـؤاد مـودة = ومحبــة فلــيرغمن المعتـدي
ذاك الأمـين المجتبى لكتابة الـ = ـوحــي المنزل للتقـى والسـؤدد

فذكر من صفته أنه الأمين المجتبى لكتابة الوحي، يعني الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم وائتمنه على كتابة الوحي.
وكذلك زيد بن ثابت الأنصاري كان أيضا يكتب الوحي، إذا أنزلت الآية أو الآيات، يقول صلى الله عليه وسلم: ضعوها في مكان كذا وكذا، من سورة كذا وكذا، فيلحقونها بها. هكذا كانوا يكتبون الآيات.
ومن الكتاب أيضا وإن لم يذكره هاهنا عبد الله بن سعد بن أبي سرح، كان يكتب أيضا الوحي للنبي صلى الله عليه وسلم، زين له الشيطان فكفر، ورجع إلى مكة، وكان أخا عثمان لأمه، ولما فتحت مكة أمنه عثمان، فحقن دمه وحسن إسلامه بعد ذلك.
هؤلاء يكتبون الكتب التي وجهها صلى الله عليه وسلم إلى الملوك لأجل دعوتهم، ويكتبون أيضا الآيات القرآنية، وقد يكتبون أيضا بعض الأحاديث.
في خطبته صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما قال: ((إن دماءكم وأموالكم)) إلى آخره، جاء رجل من اليمن يقال له أبو شاه، فقال: اكتبوا لي، قال: ((اكتبوا لأبي شاه)) أي كتبوا له تلك الخطبة؛ لحاجته إلى تبليغها، الذي كتبها لم يحدد.
بعد ذلك ذكر رسله الذين يرسلهم إلى الملوك لأجل دعوة الملوك، غالبا أنه يرسل معهم كتبا يدعوهم فيها، فمنهم عمرو بن أمية الضمري، فإنه أرسله إلى ملك الحبشة؛ ملك الحبشة اسمه أصحمة، لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم بحسن سيرته أذن للصحابة بمكة أن يهاجروا إلى الحبشة، وتعرف الآن بأثيوبيا، لما استعمرها النصارى غيروا اسمها لينمحي ذلك الاسم الذي كان في العهد النبوي، هاجروا نحو ثمانين من الصحابة، لما جاءوا إلى الحبشة كان صلى الله عليه وسلم قد سمع به، وقال: ((إن بها ملكا لا يظلم أحد عنده)) فدخلوا الحبشة، فعلمت بذلك قريش فحسدوهم وأرسلوا اثنين ليسترجعوهم، فجاءوا إلى النجاشي وأخبروه، ثم استدعى جعفر بن أبي طالب وكان من المهاجرين، ولما سمع كلامه عرف صحة ما جاء به، وعرف من صفة النبي صلى الله عليه وسلم أنه نبي حقا، فعند ذلك رد الاثنين من قريش ورد عليهما هداياهما، وقال للصحابة: أنتم سيوم في أرضي؛ أي لا يصلكم ضرر، فبقوا في أرض الحبشة، إلى أن رجعوا إلى المدينة سنة سبع عند فتح خيبر، وكانوا في هذه المدة متمكنين، يدعون إلى الله ويعبدون الله.
أصحمة أسلم لما سمع صفة النبي صلى الله عليه وسلم، هداه الله تعالى وأسلم. قالوا: كلمة أصحم، معناها عطية، لما جاءه الضمري بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم، أخذه واحترمه، ووضعه على عينيه، من باب الاحترام، ونزل عن سريره إلى الأرض، أي جلس على الأرض احتراما لكتاب النبي صلى الله عليه وسلم، كان إسلامه قبل أن يكتب إليه، بل أسلم قبل الهجرة، قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، عندما دعاه نفر ممن معه وأخبروه بصفة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم، صلى على النجاشي يوم مات.
وقد اختلف في الذين كتب إليه، فبعضهم يقول: إن كلمة نجاشي اسم لكل من تولى على الحبشة، كل من كان ملكا في الحبشة يسمى نجاشي، وكل من كان متوليا على الروم يسمى قيصر، وكل من تولى ملكا على الفرس يسمى كسرى، فبعض العلماء يقول: إن أصحمة الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم، أنه أسلم قديما عندما جاء إليه الصحابة، ولما مات وصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه بعده آخر، يسمى أيضا النجاشي، وهو الذي كتب إليه.
هكذا نبه على ذلك ابن القيم في زاد المعاد وغيره، فتكون كتابته للنجاشي إنما هي للنجاشي الذي بعد موت الأول، ثم ذكروا أن النجاشي الثاني، لا يعرف إسلامه.
يقول في صحيح مسلم، عن أنس قال: (كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي، وإلى كل جبار، يدعوه إلى الله) وليس بالنجاشي الذي صلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى كل حال فكتابته للنجاشي من باب الدعوة، خصوصا إذا كان هو الذي لم يصل عليه. الذي صلى عليه مسلم، روي أنه لا يزال النور يرى على قبره.
ثانيا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم دحية بن خليفة الكلبي إلى قيصر ملك الروم، واسمه هرقل، سأل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وثبت عنده الشهادة بنبوته وهمّ بالإسلام، فلم توافقه الروم، وخافهم على ملكه فأمسك، أي لم يُقدم على الإسلام.
في حديث طويل عن ابن عباس عن أبي سفيان، رواه البخاري في أول صحيحه، حيث ذكر أن أبا سفيان استدعاه قيصر هو ومن معه، لما جاءه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وسألهم عن أشياء، سألهم عن نسبه، وسألهم عن صدقه، وسألهم عن ملك آبائه، ونحو ذلك من الأسئلة، ولما أخبره بذلك عرف أنه هو النبي، وقال: إن كان ما تقول حقا، فليملكن موضع قدمي هاتين.
ثم إنه لما خرجوا خرج أبو سفيان ومن معه عرض على وزرائه أن يسلموا، فحاصوا حيصة حمر الوحش، ولما رأى كراهيتهم قال: ما أردت إلا أن أختبر صبركم على دينكم، فقد رأيت. ثم كانت نهايته أنه مات على كفره.
والحاصل أن هذا من جملة الذين دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فهم بأن يجيب، ولكن منعه بخله أي بملكه.
ثالثا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن حذافة السهمي، من بني سهم من قريش، الذين هم قبيلة عمرو بن العاص، إلى ملك فارس، ويقال له كسرى، ولما قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، مزقه، دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم قال: مزق الله ملكه، فأجيبت دعوته، سلط عليه بعض حاشيته وقتلوه، وكان بعدما جاءه ذلك الكتاب أرسل رجالا من وزرائه وقال: ائتوني بهذا الذي يدعي أنه نبي، ائتوني به حيا أو ميتا، ولما جاءوا كانوا قد أطالوا شواربهم وحلقوا لحاهم، فقال: ويحكم من أمرك بهذا؟ قالوا: أمرنا ربنا، يعني كسرى، قال: لكن ربي أمرني أن أقص الشارب وأعفي اللحية. أوحى الله تعالى إلى نبيه وأخبره أن كسرى قتل تلك الليلة، فلما جاءهم بعد الليل قال: ((إن ربي قد قتل ربكم الليلة)) أي ربكم الذي بعثكم قد قتله الله، فأرخ ذلك اليوم وتلك الساعة، ولما رجع وجد أنه مات في تلك الساعة، وعرفا بذلك صدق النبي صلى الله عليه وسلم.
رابعا: يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، إلى المقوقس ملك الإسكندرية وملك مصر، يدعوه أيضا إلى الإسلام، قارب واحترم، ولكن لم يوفق للإسلام، وهو الذي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم جارية، اسمها مارية القبطية، وجارية أخرى اسمها سيرين، وهما أختان؛ سيرين وهبها النبي صلى الله عليه وسلم لحسان بن ثابت، فولدت له عبد الرحمن بن حسان، ومارية اصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه كأمة، وولدت له إبراهيم، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم يقول: ((استوصوا بأهل مصر خيرا فإن لهم ذمة ورحما)) يريد بالرحم: كون مارية منهم، وكذلك كون أم إسماعيل: هاجر، منهم أيضا من أهل مصر.
خامسا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص إلى ملكي عمان جيفر وعبد: ابني جلندي من الأزد، والملك جيفر وأخوه عبد، كوزير له، والأزد هاهنا هم أزد قحطان الأولى، لأن هناك أزد شنوءة، وهناك أزد قحطان، الذين في اليمن، وعمان يقرب من اليمن.
أسلم جيفر وعبد، صدقا وخليا بين عمرو وبين أخذ الصدقة التي هي الزكاة، وأمراه بأن يحكم فيما بينهم، يعني يتولى القضاء، أي بقي عندهم عمرو بن العاص حتى توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
ذكر أيضا أنه صلى الله عليه وسلم أقره على بقائه عندهم، وكذلك أيضا على قبضه للصدقات؛ لأنها تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.
سادسا: يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سليط بن عمرو العامري إلى اليمامة، وكان ملكها هوذة بن علي الحنفي، اليمامة هي هذه البلاد، يدخل فيها ذلك الرياض، والخرج، والسدير، والعرض، والعارض. كان هوذة بن علي ملكا على هذه البلاد، وأهلها في ذلك الوقت من ربيعة، وربيعة هو أخو مضر، ربيعة بن نزار، أخو مضر بن نزار.
فالنبي صلى الله عليه وسلم من مضر، وأهل هذه البلاد من ربيعة، ودائما يضرب المثل بكثرتهم، يقول: لو اجتمع عليها ربيعة ومضر، أو يقولون: أكثر من ربيعة ومضر، فلما جاء الخطاب إلى هذا الذي يقال له: هوذة بن علي، جاء به سليط بن عمرو، أخذ الكتاب هوذة وأكرمه وأنزله، ثم كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ما أحسن ما تدعو إليه وأجمله، أنا خطيب قومي وشاعرهم، فاجعل لي بعض الأمر. طلب أن يجعل له إمارة أو ولاية، ولكن أبى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لم يسلم هوذة هذا، ومات زمن الفتح، وبعده تنبأ مسيلمة، وبعدما تنبأ أطاعه كثير، وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بايعوا جميع ربيعة ومن حوله، وأرسل أبو بكر رضي الله عنه جيشا بقيادة خالد بن الوليد فقتل وانتشر الإسلام.
سابعا: يقول: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم شجاع بن وهب الأسدي، أي من بني أسد بن خزيمة، إلى الحارث بن أبي شمر، ملك البلقاء، من أرض الشام، ملك الشام، الذي يعرف الآن بسوريا ولبنان والأردن، يدخل هذا كله في الشام، كان ملكهم الحارث بن أبي شمر، من غسان، وغسان يرجع إلى قحطان الأولى.
يقول شجاع: انتهيت إليه وهو بغوطة دمشق، قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رمى به وقال: إني سائر إليه، وعزم على ذلك، فمنعه قيصر، كأنه كان تحت ولاية قيصر الذي هو ملك الروم، يقول هنا: إن غوطة دمشق موضع فيه بساتين وزروع وأنهار، وكأنها، يقولون: أنضر البلاد وأحسنها منظرا.
ثامنا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، المهاجر بن أبي أمية المخزومي، من بني مخزوم، يعني من قريش، بعثه إلى الحارث الحميري، أحد مقاولة اليمن، يعني الأمراء والرؤساء، كان الملك عندهم يسمى مقول أهل اليمن.
تاسعا: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى العبدي، ملك البحرين، كتب إليه كتابا يدعوه إلى الإسلام، فأسلم وصدق، يراد بالبحرين: ما يسمى الآن بالمنطقة الشرقية والإمارات والكويت وعمان وما حوله. ولكن كأن العلاء إنما ذهب إلى بعضه، إما إلى البحرين الآن، وإما إلى قطر، يعني كان المنذر في هذه الجهة أسلم وصدق.
عاشرا: أرسل النبي صلى الله عليه وسلم، أبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل، بعثهما إلى اليمن للدعوة، أرسلهما داعيين، ثم أرسل أيضا عليا داعيا وقاضيا، ثم أرسل بعد ذلك عمار بن ياسر، وذلك لسعة منطقة اليمن، ويدخل فيها الآن -إذ قديما- جيزان ونجران وأبها، وما وراء ذلك، إلى نهاية اليمن، فكانوا يدعون إلى الإسلام، وهدى الله تعالى بدعوتهم خلقا كثيرا، وآمنوا ووفدوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومدحهم وقال صلى الله عليه وسلم: ((أتاكم أهل اليمن أرق قلوبا وأطيب أفئدة، الإيمان يماني والحكمة يمانية)).