6 Jan 2009
قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:
[وَفاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
وَتُوُفِّيَ وهوَ ابنُ ثلاثٍ وسِتِّينَ.
وقيلَ: خمسٍ وسِتِّينَ. وقيلَ: سِتِّينَ. والأوَّلُ أَصَحُّ [1].
وتُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يومَ الاثنينِ، حينَ
اشْتَدَّ الضُّحَى، لثِنْتَيْ عَشْرَةَ ليلةً خَلَتْ منْ شهرِ ربيعٍ
الأَوَّلِ.
وقيلَ: لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا منهُ، وقيلَ: لاستهلالِ شَهْرِ ربيعٍ الأَوَّلِ [2].
ودُفِنَ ليلةَ الأربعاءِ.
وقيلَ: ليلةَ الثُّلاثاءِ [3].
وكانتْ مُدَّةُ عِلَّتِهِ اثْنْيَ عَشَرَ يَوْمًا.
وقيلَ: أَرْبَعَةَ عَشَرَ يومًا [4].
وغَسَّلَهُ عَلِيُّ بنُ أبي طالبٍ، وعَمُّهُ العَبَّاسُ، والْفَضْلُ بنُ
العَبَّاسِ، وقُثَمُ بنُ العَبَّاسِ، وأُسَامَةُ بنُ زَيدٍ وشُقْرَانُ
مَوْلَيَاهُ، وحَضَرَهم أَوْسُ بنُ خَوْلِيٍّ الأنصاريُّ [5].
وكُفِّنَ في ثلاثةِ أثوابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ -بلدةٌ باليَمَنِ- ليسَ فيها قَميصٌ ولا عِمَامَةٌ [6].
وصَلَّى عليهِ المسلمونَ أَفْذَاذًا، لَمْ يَؤُمَّهُمْ عليهِ أَحَدٌ [7].
وفُرِشَ تَحتَهُ قَطيفةٌ حَمْرَاءُ [8] كانَ يَتَغَطَّى بها.
ودَخَلَ قَبرَهُ العَبَّاسُ، وعَلِيٌّ، والفَضْلُ، وقُثَمُ، وشُقْرَانُ. وأُطْبِقَ عليهِ تِسْعُ لَبِنَاتٍ [9].
ودُفِنَ في الْمَوضِعِ الذي تَوَفَّاهُ اللَّهُ فيهِ حَوْلَ فِراشِهِ.
وحُفِرَ لهُ وأُلْحِدَ في بَيْتِهِ الذي كانَ بَيْتَ عَائِشَةَ [10]، ثمَّ دُفِنَ معهُ أبو بكرٍ وعمرُ رَضِيَ اللَّهُ عنهما.
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع
[1] ودليلُهُ ما ثَبَتَ في (صحيحِ البخاريِّ) (3536)، (4466)، و( مسلمٍ) (58)، (2349): عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُوُفِّيَ وهوَ ابنُ ثلاثٍ وسِتِّينَ.شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
توفي
صلى الله عليه وسلم وله من العمر ثلاث وستون؛ أربعون قبل النبوة، وثلاث
وعشرون نبيا رسولا، وهناك من يقول: إنه توفي وله خمس وستون، وقيل: بل ستون،
والأول هو أصح، كما في حديث عائشة في الصحيح.
(توفي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين حين اشتد الضحى لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول)، أي: بعد مرور ثنتي عشرة، (وقيل: لليلتين خلتا منه، وقيل: لاستهلال شهر ربيع الأول)،
قال العلماء: إنه صلى الله عليه وسلم توفي سنة إحدى عشرة للهجرة، اتفقوا
على أنه في شهر ربيع الأول، اتفقوا على أن يوم الاثنين يوم وفاته، أما
تحديد تاريخ اليوم فوقع فيه خلاف، فقيل: أول يوم، وقيل: في الثاني، وقيل:
في الثامن، وقيل: في الثاني عشر، والمشهور أنه في اليوم الثاني عشر، وقيل
غير ذلك.
أما دفنه، فإنه دفن ليلة الأربعاء، أي بقي يوم الاثنين ويوم الثلاثاء حتى غابت الشمس، (دفن ليلة الأربعاء، وقيل: ليلة الثلاثاء)، والراجح أنه دفن ليلة الأربعاء، بمعنى أنه بعد موته صلى الله عليه وسلم مكث نحو يومين.
(كانت مدة علته -مرضه- اثني عشر يوما، وقيل: أربعة عشر يوما)، يوجد خلاف أيضا قليل، يعني المدة.
لا بد من تغسيله ولو كان
طاهرا، ذكر أنهم لما أرادوا أن يطهروه -أي: يغسلوه- توقفوا في ذلك، فقال
بعضهم: لا تغسلوه، وصاح بهم صائح وقال: لا تغسلوه إنه طاهر مطهر، ولكن ترجح
عندهم أن يغسلوه، فغسلوه بثيابه التي كانت عليه، يصبون الماء تحتها،
ويدلكونه إلى أن عمموه بالغسل، أي بغسل جسده.
(غسله علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وعمه العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، وقثم بن العباس)، العباس معه اثنان من ولده، (وأسامة بن زيد)، مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وشقران) مولاه أيضا، (حضرهم أوس بن خولي الأنصاري).
لما انتهوا من تغسيله
كفنوه في ثياب بيض، سحولية، من كرسف، ليس فيها عمامة ولا قميص، كان عليه
عندما غسلوه رداء وإزار فغسلوه فوقهما، وقيل: عليه قميص، وهكذا غسلوه، ولما
غسلوه ونشفوه وضعوه على تلك الأكفان، بيض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قد أمر
بذلك، ثبت عنه أنه قال: ((البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم))،
فكانوا يكفنون جميع الموتى ذكورا وإناثا بالبياض، اختاروا له ثلاث قطع،
وبسطوها على الأرض إحداهما فوق الأخرى، ولما انتهوا من تغسيله وضعوه عليها،
أي على الثلاث، فردوا طرف العليا التي تلي جسده، ردوا طرفها إلى جسده، أي
سترت إلى صدره ونحره، ردوا الطرف الثاني فسترت الصدر كله، فكان هذا كفنا،
وفعلوا في الثانية وفي الثالثة كذلك.
السحول؛ يقول: (بلدة باليمن) كانوا يصنعون فيها هذه الثياب التي من القطن، الكرسف: القطن.
حضرهم على التغسيل أوس بن خولي الأنصاري، ولم يكن يغسل معهم، ولكن حضرهم؛ ليغسل إذا انتهوا أو نحو ذلك.
بعدما كفن صلى عليه
المسلمون، قالوا: لا بد أن نصلي عليه، ولو كان مغفورا له، فكانوا يصلون
عليه أفرادا أو جماعات، يدخل اثنان فيصليان ويخرجان، يدخل ثلاثة فيصلون
ويخرجون، استمروا على ذلك، يمكن أنهم استمروا عليه عشر ساعات أو عشرين أو
نحو ذلك، ولما صلوا عليه ما بقي إلا دفنه، حفروا له بمكانه الذي هو فيه في
بيت عائشة؛ لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن كل نبي يدفن حيث يموت)) أي: يدفن في مكانه الذي خرجت فيه روحه، فلما جاءهم هذا الحديث حفروا له ببيت عائشة ودفنوه.
الذي دخل قبره العباس وعلي والفضل وقثم وشقران، بالنسبة إلى شقران، هذا أحد
مواليه، والأربعة عمه وأولاده، عمه العباس، وأبناء عمه: الفضل بن العباس،
وقثم بن العباس، وعلي بن أبي طالب، أطبق عليه سبع لبنات، اختار الله تعالى
له أن يلحد، (دفن في الموضع الذي توفاه الله عز وجل فيه)، وهو بيت عائشة، (حول فراشه، وحفر له وألحد في بيته الذي كان -فيه وهو- بيت عائشة)، اختار الله تعالى له اللحد.
كانوا في المدينة، كان فيها رجلان:
أحدهما: إذا حفر القبر يشق في وسطه شقا، والثاني: إذا حفره جعل في قبلته لحدا،
فقالوا: سوف نرسل للاثنين،
أيهما جاء قلنا: اعمل صنعتك، فجاءهم الذي يلحد، فقالوا: اختارك الله لنا،
فنريدك أنك تعمل عملك في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فلحدوا له لحدا،
ووضعوا على القبر تسع لبنات.
بعدما مات أبو بكر رضي الله عنه قالت عائشة: أريد أن يدفن بجوار النبي صلى
الله عليه وسلم في بيتي، فدفن أبو بكر إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم،
ولما مات عمر رضي الله عنه، وكان قتل مظلوما، قتله مجوسي يقال له: أبو
لؤلؤة، طلب من عائشة أن تأذن أن يدفن مع صاحبيه؛ فأذنت، ودفن في حجرة عائشة
مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر.
ولما دفن قال علي رضي الله عنه: إني كنت أظن ذلك، يعني: أنهما يجمعان، فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم دائما يقول: ((ذهبت أنا وأبو بكر وعمر))
أي: دخلت أنا وأبو بكر وعمر، خرجت أنا وأبو بكر وعمر، يكثر ذكرهما، فكانا
له كالوزيرين، في حياته كانا وزيرين له، وبعد مماته كانا ضجيعين له، هذا
مما خصه الله تعالى به.