6 Jan 2009
قالَ الحافظُ أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:
نَسَبُ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونَسَبُ أُمِّهِ، وذِكْرُ مَوْلِدِهِ، ورَضَاعِهِ، ووَفاةِ والِدَيْهِ.
[نَسَبُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ]
فنَبْدَأُ بِنَسَبِهِ:
فهو أبو القاسِمِ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ عبدِ الْمُطَّلِبِ [1] بنِ هاشمِ بنِ عبدِ مَنافِ بنِ قُصَيِّ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ بنِ غالبِ بنِ فِهْرِ بنِ مالكِ بنِ النَّضْرِ بنِ كِنَانَةَ بنِ خُزَيْمَةَ بنِ مُدْرَكَةَ بنِ إِلْيَاسَ بنِ مُضَرَ بنِ نِزَارِ بنِ مَعْدِ بنِ عَدْنَانَ [2] بنِ أُدَدَ بنِ آلِ مُقَوِّمِ بنِ نَاحُورَ بنِ تَيْرَحَ بنِ يَعْرُبَ بنِ يَشْجُبَ بنِ نَابتِ بنِ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ خليلِ الرحمنِ بنِ تَارِحَ، وهوَ آزَرُ، بنِ نَاحُورَ بنِ سَارُوعَ بنِ رَاعُوَ بنِ فَالَخِ بنِ عَيْبَرَ بنِ شَالَخِ بنِ أَرْفَخْشَدَ بنِ سامِ بنِ نُوحِ بنِ لَمَكِ بنِ مُتَوْشَلْخَ بنِ أَخْنُوخَ، وهوَ إدريسُ النبيُّ فيما يَزْعُمُونَ، وهوَ أوَّلُ بَنِي آدمَ أُعْطِيَ النُّبُوَّةَ وخَطَّ بالقلَمِ، بنِ يَرْدَ بنِ مَهْلِيلَ بنِ قَيْنَنَ بنِ يَانَشَ بنِ شِيثِ بنِ آدَمَ عليهِ السلامُ.
هذا النَّسَبُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ بنِ يَسارٍ الْمَدَنيُّ في إحدى الرواياتِ عنهُ [3].
وإلى عَدْنَانَ مُتَّفَقٌ على صِحَّتِهِ منْ غيرِ اختلافٍ فيهِ، وما بَعْدَهُ مُخْتلَفٌ فيهِ.
وقُرَيْشٌ: ابنُ فِهْرِ بنِ مالِكٍ، وقِيلَ: النَّضْرُ بنُ كِنَانَةَ [4].
[أُمُّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ] وأمُّ
رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: آمِنَةُ بنتُ وَهْبِ
بنِ عبدِ مَنافِ بنِ زُهرةَ بنِ كِلابِ بنِ مُرَّةَ بنِ كَعْبِ بنِ لُؤَيِّ
بنِ غَالِبٍ [5].
تعليق الشيخ: خالد بن عبد الرحمن الشايع [1]
اسمُ عبدِ الْمُطَّلِبِ شَيْبَةُ الحمْدِ على الصحيحِ، وسُمِّيَ عبدُ
الْمُطَّلِبِ لقِصَّةٍ وَقَعَتْ، وهيَ: أنَّ عَمَّهُ الْمُطَّلِبَ لَمَّا
أَحْضَرَهُ منْ عندِ أخوالِهِ في المدينةِ بعدَ وفاةِ أبيهِ هاشمٍ، دَخَلَ
مَكَّةَ ضَحْوَةً وهوَ مُرْدِفُهُ خَلْفَهُ، وقدْ غَيَّرَتْهُ الشمسُ،
فسأَلَهُ الناسُ: مَنْ هذا؟ فقالَ: هذا عَبْدِي، فثَبَتَ هذا وتُرِكَ
شَيْبَةُ. انْظُر: التَّبْيِينَ في أنسابِ القُرشيِّينَ ص37، وسُبُلَ الْهُدَى والرَّشَادِ (1/309).
[2] قالَ العَلَّامَةُ ابنُ القَيِّمِ في زادِ الْمَعادِ (1/70): "إلى
ها هنا معلومُ الصِّحَةِ مُتَّفَقٌ عليهِ بينَ النَّسَّابِينَ ولا خِلافَ
فيهِ الْبَتَّةَ، ولا خِلافَ بينَهم أنَّ عَدنانَ منْ وَلَدِ إسماعيلَ
عليهِ السلامُ، وإسماعيلَ هوَ الذَّبِيحُ على القولِ الصوابِ عندَ عُلماءِ
الصحابةِ والتابعينَ ومَنْ بعْدَهم. وأمَّا القولُ بأنَّهُ إسحاقُ فباطِلٌ
منْ أكثرِ منْ عِشْرِينَ وَجْهًا، وسَمِعْتُ شيخَ الإسلامِ ابنَ تَيْمِيَةَ
قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقولُ: هذا القولُ إنَّمَا هوَ مُتَلَقًّى عنْ
أهلِ الكتابِ معَ أنَّهُ باطلٌ بنَصِّ كتابِهم... إلخ" اهـ
وهذا ما اقْتَصَرَ الإمامُ
البخاريُّ رَحِمَهُ اللَّهُ على ذِكْرِهِ في صحيحِهِ، انْظُر: (الصحيحَ
ومَعَهُ فتْحَ الْبَارِي) للحافِظِ ابنِ حَجَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ (7/162)
كتابَ مَناقِبِ الأنصارِ- بابَ مَبْعَثِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ
وسَلَّمَ.
[3]
انظُرْ: سِيرةَ ابنِ إسحاقَ ص (1، 2). وقدْ يُوجَدُ اختلافٌ في ضَبْطِ
بعضِ الأسماءِ للاختلافِ في النُّطْقِ بها، لأنَّها مُتَرْجَمَةٌ عن
العِبرانيَّةِ كما قالَ ابنُ سعدٍ (1/57) وانظُرْ: سيرةَ ابنِ هشامٍ (1/3)
وما بعدَها، وراجِعْ ما أَوْرَدَهُ الحافظُ في (الفَتْحِ) (6/538-539) حولَ
هذا الموضوعِ. وبيانُهُ وُقوعُ الاضطرابِ الشديدِ والاختلافِ
المُتَفَاوِتِ في سِياقِ النَّسَبِ بينَ عَدنانَ وإسماعيلَ، فقدْ أَجادَ
وأَفادَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
[4]
والمعنى: أنَّ قبيلةَ قُريشٍ تَرْجِعُ إلى أحدِهما، ولعلَّ الأقربَ
رُجوعُها إلى النَّضْرِ بنِ كِنانةَ، فَكُلُّ مَنْ نُسِبَ إليهِ فهوَ
قُرَشِيٌّ، يَدُلُّ عليهِ ما رواهُ الإمامُ أحمدُ في الْمُسْنَدِ (5/211،
212) وابنُ مَاجَهْ (2612) عن الأشعثِ بنِ قَيْسٍ الكِندِيِّ قالَ:
قَدِمْتُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في وَفْدِ
كِنْدَةَ، فَقُلْتُ: أَلَسْتُمْ منَّا يا رسولَ اللَّهِ؟ فقالَ: ((لَا، نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُو أُمَّنَا، وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا))، قالَ البُوصِيرِيُّ في الزَّوَائدِ: سَنَدُهُ صحيحٌ.
[5]
يَلْتَقِي النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ في نَسَبِهِ معَ أُمِّهِ
في عبدِ مَنافِ بنِ زُهرةَ، وكانتْ وَفاتُها وهوَ لمْ يُجاوِز السادسةَ
كما سيأتي.
وقدْ كانتْ آمِنَةُ في
قَوْمِها أَفْضَلَ امرأةٍ في قُريشٍ نَسَبًا ومَوْضِعًا؛ فهيَ منْ سادَةِ
النساءِ نَسَبًا وحَسَبًا وأَدَبًا وخُلُقًا، ذلكَ أنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عليهِ وسَلَّمَ أَشرفُ وَلَدِ آدمَ حَسَبًا وأَفْضَلُهم نَسَبًا منْ قِبَلِ
أبيهِ وأُمِّهِ. وقد اختارَ اللَّهُ آمِنَةَ بنتَ وَهبٍ وفَضَّلَها بأنْ
حَمَلَتْ سَيِّدَ الْخَلْقِ وكانَتْ أُمًّا لهُ، فلا جَرَمَ أنْ يكُونَ لها
من الفَضْلِ والتمَيُّزِ ما يَتناسَبُ معَ هذا الأَمْرِ، ولمْ يَنْسَ
نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ معَ جَلائلِ
الأحداثِ وكُرُورِ الأيَّامِ واللَّيَالِي وتَصَرُّمِ الأعوامِ، لمْ يَنْسَ
ذِكرياتِ أَيَّامِهِ الخَوَالِي في حُضْنِ أُمِّهِ الغاليَةِ، وسَنواتِهِ
المعدودةَ التي عاشَها في كَنَفِها، لمْ يَنْسَهَا معَ صِغَرِ سِنِّهِ إِذْ
ذَاكَ، بلْ كانتْ حاضرةً في ذِهْنِهِ. ومنْ دَلائلِ ذلكَ ما كانَ منهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَ مُضِيِّ نحوِ نِصْفِ قَرْنٍ منْ
تلكَ الذِّكْرَيَاتِ أوْ أَكْثَرَ، عندَما مَرَّ بقَبْرِ أُمِّهِ واستأذَنَ
اللَّهَ بزِيَارَتِهِ، وجَلَسَ عندَهُ وبَكَى وارْتَفَعَ صَوْتُهُ
بالبُكَاءِ، حتَّى بَكَى مَنْ معهُ من الصحابةِ لِبُكائِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكانوا عَشَرَةَ آلافِ فَارِسٍ. أوْ كما كانَ عندَما
رأى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيَّ بني عبدِ النجَّارِ، فقالَ: ((هَا هُنَا نَزَلَتْ بِي أُمِّي، وَفِي هَذِهِ الدَّارِ قَبْرُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ)).
يُنْظَرُ طَبَقَاتُ ابنِ
سعدٍ (1/115)، وتراجِمُ سَيِّدَاتِ بيتِ النُّبُوَّةِ (ص74 - 178)
للدكتورةِ عَائِشَةَ بنتِ عبدِ الرحمنِ بنتِ الشَّاطئِ رَحِمَها اللَّهُ، ط
الأولى 1408 هـ- دارِ الرَّيَّانِ للتُّراثِ، مصرَ.
شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
بدأ بنسبه صلى الله عليه وسلم لمعرفة اتصاله بآبائه.
فيقول: كنيته أبو القاسم، وكان أكبر أولاده الذين ولدوا له من خديجة؛ فكان يعرف بأبي القاسم، قد ورد أنه نهى أن يكنى أحد بكنيته وقال: ((سموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي فإنما بعثت قاسما أقسم بينكم))
ولكن صحح العلماء أن هذا خاص بحياته وإلا فقد تكنى بعده كثير، وجاء أيضا
في حديث: إن امرأة قالت: يا رسول الله! إني ولدت ولدا فسميته محمدا وكنيته
أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال: ((ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي)) أو ((ما الذي أحل كنيتي وحرم اسمي))، وكان أيضا محمد بن القاسم بن أبي بكر اسمه محمد، وكنيته أبو القاسم، وجده محمد بن أبي بكر.
لا خلاف أن اسمه العلم: محمد.
قالوا: سمي به لكثرة خصاله
الحميدة، اختار الله تعالى له هذا الاسم، ولما اختاره وأظهر النبوة وخالف
المشركين عند ذلك كانوا يسمونه مذمما؛ فيذمونه ويقول بعضهم أو تقول امرأة
أبي لهب:
مذممـا عصينا ودينـه قليـنا
فيقول صلى الله عليه وسلم: ((ألا ترون أن الله صرفهم عن اسمي؟ يذمون مذمما وأنا محمد)).
اسم أبيه: عبد الله وهو أيضا اسم حسن موافق للعبودية لله، وقل في أهل الجاهلية اسم عبد الله،
أما جده
فهو عبد المطلب، اسمه شيبة، ذكر أنه ولد في المدينة النبوية، وكان أخواله
بني النجار، ولما ترعرع ذهب إليه عمه المطلب بن هاشم، المطلب أخو هاشم،
فلما جاء إليه حمله معه إلى مكة، رآه أهل مكة، وعليه أثر السفر، من هذا يا
مطلب؟ قال: هذا عبدي فسموه عبد المطلب وإلا فاسمه شيبة، ويعرف بشيبة الحمد،
وله سيرة أيضا طويلة.
أما جده هاشم
فقيل: اسمه المغيرة، وسمي هاشما؛ لأنه كان يكرم الحجاج ونحوهم، ويقولون
له: قيل اسمه عمرو يقولون فيه عمرو الذي هشم الثريد لضيفه يعني أنه كان من
كرمه أنه يضيف الكرماء، جده عبد المطلب هو الذي يقال له المغيرة.
كذلك جده قصي كان أيضا من أشراف قريش، ويسمى مجمع الذي جمع قريشا بعدما كانوا متفرقين.
جده كلاب
قيل: إنه كان أيضا معروفا باسم غير اسمه ولكن كانت عنده كلاب، فكانوا
يقولون: هذه كلاب ابن مرة أي كلاب ولد مرة فبعد ذلك لقب بكلاب بن مرة بن
كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن
إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان قيل: إلى هاهنا متفق عليه، ولذلك
يقال: سيد ولد عدنان وما بعد عدنان مختلف فيه، فيقول بعضهم: عدنان بن أد،
ويقول بعضهم: ابن أدد بن آل مقوم بن ناحور بن تيرح بن يعرب بن يشجب بن نابت
بن إسماعيل بن إبراهيم خليل الرحمن، وهذا أيضا مختلف فيه.
أي إبراهيم عند أهل النسب اسم أبيه تارح وفي القرآن آزر: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ}
بن ناحور بن ساروع بن راعو بن فالخ بن عيبر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن
نوح بن لمك، لا خلاف أن نوح هو نبي الله تعالى، وأن ولده سام هو أبو العرب،
وله أيضا أولاد أخر، قالوا في نسبه ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ- وقالوا:
إن أخنوخ هو إدريس، المذكور في القرآن: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}
قيل فيما يزعمون قالوا: إن إدريس أول بني آدم أعطي النبوة، وأول من خط
بالقلم علمه الله الكتابة - ابن يرد بن مهليل بن قينن بن يانش بن شيث بن
آدم عليه السلام، هكذا ذكر هذا النسب محمد بن إسحاق بن يسار المدني في إحدى
الروايات عنه في سيرته.
يقول المؤلف: (إلى عدنان متفق على صحته من غير اختلاف فيه، وما بعده مختلف فيه)،
وقريش الذي هو قريش، قيل: إنه غالب بن فهر هو الذي يسمى "قريش"، وأصل كلمة
قريش مشتقة من القرش الذي هو من دواب البحر، وقيل: إن قريشا هو النضر،
النضر بن كنانة، ولكل من أجداده هؤلاء سيرة مشهورة قد تكلم عليها العلماء
كصاحب الروض الأنف السهيلي الذي شرح السيرة، وكذلك ابن حجر في فتح الباري
تكلم على هؤلاء الأجداد.
أما والدته
-صلى الله عليه وسلم- فإنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب،
تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، ولها أيضا سيرة،
ولآبائها سير.