6 Jan 2009
بسمِ اللَّهِ الرحمنِ الرحيمِ، وبهِ ثِقَتِي.
قالَ الشيخُ الإمامُ الْحَبْرُ الحافظُ
أبو مُحَمَّدٍ عبدُ الغَنِيِّ بنُ عبدِ الواحدِ الْمَقْدِسِيُّ رَضِيَ
اللَّهُ عنهُ وأَرضاهُ:
الحمدُ للَّهِ خالقِ
الأرضِ والسماءِ، وجاعلِ النورِ والظَّلماءِ، وجامعِ الْخَلقِ لفَصْلِ
القضاءِ، لِفَوْزِ الْمُحسنينَ وشِقْوَةِ أهلِ الشقاءِ.
وأَشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لهُ، شَهادةً يَسْعَدُ بها قائلُها يومَ الجزاءِ.
وصَلَّى اللَّهُ على سَيِّدِ الْمُرْسلينَ والأنبياءِ، مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ النُّجَبَاءِ.
وبعدُ:
فهذهِ جملةٌ مُختصَرَةٌ منْ أحوالِ
سيِّدِنا ونَبِيِّنَا الْمُصْطَفَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، لا يَسْتَغْنِي عنها أحَدٌ من المسلمينَ، نَفَعَنَا اللَّهُ بها
ومَنْ قَرَأَها وسَمِعَها.
شرح مختصر عبد الغني لفضيلة الشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سيرة النبي صلى الله عليه
وسلم تعتبر من سنته التي يقتدى به فيها، والتي جبله الله عليها، وجعلها
خلقا من أخلاقه التي يتخلق بها ويتميز بها، فيكون من اقتدى به في هذه
السيرة فإنه يكون من أمته ومن أتباعه،
وقد
كتب العلماء قديما وحديثا في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فمن أول من
كتب محمد بن إسحاق المطلبي: عالم من علماء أهل المدينة كتب السيرة النبوية،
وتوسع فيها، وذكر فيها قصصا قد تكون غريبة، وذكر الأشعار التي قيلت فيه
والتي قيلت في الغزوات، ثم إنها لطولها اختصرها عبد الملك بن هشام، فطبعت
سيرة ابن هشام، وطبعت أيضا سيرة ابن إسحاق، كذلك كتب في السيرة أيضا موسى
بن عقبة، وقالوا: إن سيرته أصح وأسانيده أوثق، ثم توسع آخرون وكتبوا في
سيرته حتى بلغت مجلدات، ومنهم ابن كثير في التاريخ، والذهبي أيضا في
التاريخ الكبير، وابن القيم في زاد المعاد، وغيرهم من المتقدمين
والمتأخرين.
وهذه الرسالة جمعها أبو
محمد عبد الغني بن سرور المقدسي الحنبلي رحمه الله، وهو صاحب (عمدة
الأحكام) التي تدرس كثيرا في المعاهد وفي الكليات وفي الدورات، والتي عليها
أيضا شروح متقدمة ومتأخرة، وله ترجمة طويلة ذكرها ابن رجب رحمه الله في
ذيل الطبقات، وتوسع فيها، وذكر أيضا كثيرا من مؤلفاته مما يدل على سعة علمه
-رحمه الله-.
اختصر هذه السيرة لأجل أن الإنسان طالب العلم يلم ببعض هذه السيرات النبوية، ويعرف حقيقة ما تحتوي عليه.
معرفة النبي صلى الله عليه وسلم تعتبر من أصول الدين، كما ذكر في سؤال الملكين في القبر أنهما يقولان: ((من ربك، وما دينك، ومن نبيك؟)) يسأل عنهم الميت وفي رواية: ((ما هذا الرجل الذي بعث فيكم))؟
فمعرفته؛ أولا: معرفة نسبه، وثانيا:
معرفة حال أبويه وأعمامه وغيرهم ممن له به صلة، ولا شك أنه متى عرف نسبه
عرف بذلك شرفه، أن الله تعالى اختاره على علم، حيث نبأه وجعله أهلا لحمل
الرسالة، وتربى تربية صالحة، لم يتلوث بشيء من أوزار الكفر، ولا أوزار
المشركين، إلى أن أنزل الله تعالى عليه الوحي.
تكلم العلماء على ذلك
فمنهم من توسع، ومنهم من اختصر، كما في هذا المختصر، ومعلوم أنه صلى الله
عليه وسلم قدوة أمته، أمرنا الله تعالى بأن نقتدي به بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ} أي: قدوة، هو قدوتكم، وهو أسوتكم الذي تسيرون على سيرته وعلى نهجه؛ لتكونوا حقا من أمته الذين يحشرون في زمرة أمته.
هاهنا قدم الشارح هذه المقدمة بعد البسملة.
(الحمد لله خالق الأرض والسماء)، حقا أن الحمد لله، الحمد:
ذكر محاسن المحمود مع حبه وتعظيمه وإجلاله، يحمد على كل شيء يحمد على
الضراء وعلى السراء، ويعظم بجميع أنواع التعظيم، ومن ذلك الاعتبار
بمخلوقاته، أكبر مخلوقاته التي نشاهدها السماوات والأرض؛ فيحمد على أنه
الذي انفرد بخلقها، (وجاعل النور والظلماء)، أي: نحمده على أنه خلق النور وخلق الظلمات، في أول سورة الأنعام قول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}
أي: صيرها نافعة، الظلمات التي هي الظلمة الشديدة الحالكة وكذلك النور،
أي: جعل الشمس ضياء والقمر نورا، وكذلك جعل النجوم أيضا نورا قد يستضاء به،
ومكن الإنسان من أن يعمل معه نور يستضيء به في ظلمات الليل.
(وجامع الخلق لفصل القضاء) وصف لله تعالى أنه الذي يجمع الناس في يوم القيامة، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ} الأولون كلهم والآخرون يجمعهم الله تعالى، ثم يقضي بينهم، ويفصل بينهم، ويميز السعداء ويميز الأشقياء؛ (لفوز المحسنين وشقوة أهل الشقاء)، أي: إذا جمعهم أجاز المحسنين بإحسانه والمسيئين بما يستحقونه، قال الله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} فأهل الإحسان هم الذين أتقنوا الأعمال، والإحسان كما فسر أنه: ((أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)).
والشقاء؛ الأشقياء هم
المحرومون من الخير والمحرومون من ثواب الله تعالى، ميز الله تعالى الخلق،
يميزهم في الآخرة فمنهم شقي وسعيد ومقرب وطريد، يميزهم ويحشر كلا مع أجناسه
لقوله تعالى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} يعني: أجناسهم.
(وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة يسعد بها قائلها يوم الجزاء)،
هكذا يقول بعض العلماء: كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء، يعني:
المبتورة أو المقطوعة الأصابع أو مقطوعة الكف؛ فلأجل ذلك يشترط العلماء في
الخطب الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، بمعنى أن يعترف العباد أن الله
تعالى هو الإله الحق لا إله غيره ولا رب سواه هو رب العالمين، وهو خالق
الخلق أجمعين، وكذلك هو الإله الحق إله العالمين الذي لا تصلح الإلهية إلا
له وحده لا شريك له، (وحده) أي: هو المستحق
للعبادة وحده ليس له شريك في عبادته، كما أنه ليس له شريك في ملكه، هذه
الشهادة إذا شهد بها المسلم واعتقدها وأيقن بما تتضمنه، وتعبد لله
بمضمونها، وأخلص عبادته كلها لله تعالى فإنه يسعد قائلها يوم الجزاء
والحساب في الآخرة.
(وصلى الله على سيدنا، على سيد المرسلين والأنبياء)،
الصلاة من الله: ثناؤه على عبده في الملأ الأعلى، أي أنه سبحانه يصلي عليه
ويثني عليه بين الملائكة، وفي الملأ الأعلى، وكذلك يصلي على المؤمنين، قال
الله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} أي: يثني عليكم.
فالصلاة من الله ثناؤه على
عبده في الملأ الأعلى، والصلاة من الملائكة الاستغفار، والصلاة من
الآدميين الدعاء، وقد أمرنا الله بأن نصلي عليه ونسلم: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وهاهنا اقتصر المؤلف على الصلاة ولكنه ذكر بعد سطر الصلاة والسلام،
(محمد) سيد المرسلين وسيد الأنبياء وأفضلهم، سمي "محمد"؛ لكثرة خصاله الحميدة، ويصلى أيضا على آله وهم أتباع دينه، يقول بعض الشعراء:
أهـل النبي هـم أتبـاع ملتـه ... من كان مـن عجم منهم ومن عرب ...................................................
لـو لـم يكـن أهلـه إلا قرابته ... صلى المصلي على الطاغي أبي لهب .................................................
فآله أتباعه هم آل دينه كما ذكر الله آل فرعون: {أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} ليسوا قرابة فرعون، بل أتباعه،
وذهب
بعض العلماء إلى أن آله: أزواجه وذريته وأقاربه وأنهم أهل أن يصلى عليهم،
ويختص ذلك بالمؤمنين الذين آمنوا به، جاء في بعض الروايات قوله صلى الله
عليه وسلم: ((قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته)).
(وأصحابه) الذين صحبوه، يعني: آمنوا به وصحبوه ورأوه ولو لم تطل رؤيتهم له، فكلهم يدخلون في صحابته، وصفهم بأنهم نجباء، (النجباء): الأفاضل.
يقول رحمه الله: (فهذه جملة مختصرة من أحوال سيدنا ونبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم)، المختصر: ما قل لفظه وكثر معناه، ويقول علي رضي الله عنه: خير الكلام ما قل ودل، ولم يطل فيمل؛
فلذلك اختصر هذه السيرة، ولم يتوسع فيها، ولو توسع لبلغ مجلدات، كما فعل
ابن كثير رحمه الله في تأليفه البداية والنهاية فإنه جعل فيها نحو خمسة
مجلدات كلها تتعلق بالسيرة. وكذلك الذهبي أيضا وهو زميل لابن كثير.
يقول: (لا يستغني عنها أحد من المسلمين)، يعني: عن معرفة النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم دعا بقوله: (نفعنا الله بها ونفع بها من قرأها ومن سمعها)، دعوة يرجى أنها مقبولة.