24 Oct 2008
سورة التكاثُر
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)
كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4)
كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
تفسير سورةِ ألهاكمْ التكاثرُ
يقولُ
تعالى موبخاً عبادَهُ عن اشتغالهمْ عمَّا خلقوا لهُ منْ عبادتهِ وحدهُ لا
شريكَ لهُ، ومعرفتهِ، والإنابةِ إليهِ، وتقديمِ محبتهِ على كلِّ شيءٍ: {أَلْهَاكُم} عنْ ذلكَ المذكورِ {التَّكَاثُرُ}
ولمْ يذكرِ المتكاثرَ بهِ، ليشملَ ذلكَ كلَّ ما يتكاثرُ بهِ المتكاثرونَ،
ويفتخرُ بهِ المفتخرونَ، منَ التكاثرِ في الأموالِ، والأولادِ، والأنصارِ،
والجنودِ، والخدمِ، والجاهِ، وغيرِ ذلك ممَا يقصدُ منهُ مكاثرةُ كلِّ واحدٍ
للآخرِ، وليسَ المقصودُ بهِ الإخلاصُ للهِ تعالى. فاستمرتْ غفلتكمْ ولهوتكمْ {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} فانكشفَ لكمْ حينئذٍ الغطاءُ، ولكن بعدمَا تعذَّرَ عليكمُ استئنافُهُ. ودلَّ قولُهُ: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} أنَّ البرزخَ دارٌ مقصودٌ منهَا النفوذُ إلى الدارِ الباقيةِ، لأنَّ اللهَ سماهمْ زائرينَ، ولمْ يسمهمْ مقيمينَ. فدلَّ ذلكَ على البعثِ والجزاءِ بالأعمالِ، في دارٍ باقيةٍ غيرِ فانيةٍ، ولهذا توعّدَهمْ بقولِهِ: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثم كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} أي: لو تعلمونَ مَا أمامكمْ علماً يصلُ إلى القلوبِ، لمَا ألهاكم التكاثرُ، ولبادرتمْ إلى الأعمالِ الصالحةِ. {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ} أي: رؤيةً بصريّةً، كمَا قالَ تعالى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً}.
(1-8){بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى
زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثم كَلاَّ سَوْفَ
تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5)
لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)
ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
ولكنَّ عدمَ العلمِ الحقيقي، صيَّركمْ إلى ما ترونَ {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} أي: لتردُنَّ القيامةَ، فلترونَ الجحيمَ التي أعدَّهَا اللهُ للكافرينَ.
{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}الذي تنعمتمْ بهِ في دارِ الدنيا، هلْ قمتمْ بشكرهِ، وأديتمْ حقَّ اللهِ فيهِ، ولمْ تستعينوا بهِ على معاصيهِ، فينعِّمكمْ نعيماً أعلى منهُ وأفضلَأم اغتررتمْ بهِ، ولمْ تقوموا بشكرهِ؟ بلْ ربما استعنتمْ بهِ على معاصي اللهِ، فيعاقبكمْ على ذلكَ، قالَ تعالى: {وَيَوْمَ
يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ
فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ
تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ} الآية.
سُورَةُ التَّكَاثُرِ
أَخْرَجَ
مُسْلِمٌ والتِّرْمِذِيُّ والنَّسَائِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
الشِّخِّيرِ قَالَ: انْتَهَيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} ـ وَفِي لَفْظٍ: وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}ـ وَهُوَ يَقُولُ: ((يَقُولُ ابْنُ آدَمَ:مَالِي مَالِي! وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ)).
1- {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}؛
أَيْ: شَغَلَكُمُ التكاثُرُ بالأموالِ والأولادِ، والتفاخُرُ
بِكَثْرَتِهَا وَالتَّغَالُبُ فِيهَا، والاستكثارُ منْ تَحْصِيلِهَا عَنْ
طَاعَةِ اللَّهِ والعملِ لِلآخِرَةِ.
2- {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}؛ أَيْ: حَتَّى أَدْرَكَكُمُ الْمَوْتُ وَأَنْتُمْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ.
3- {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} زَجْرٌ لَهُمْ عَن التكاثُرِ، وَتَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُمْ سَيَعْلَمُونَ عَاقِبَةَ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
4- {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} هَذَا التَّكْرَارُ عَلَى وَجْهِ التغليظِ والتأكيدِ.
5- {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}؛
أَيْ: لَوْ تَعْلَمُونَ الأَمْرَ الَّذِي أَنْتُمْ صَائِرُونَ إِلَيْهِ
عِلْماً يَقِيناً، كَعِلْمِكُمْ مَا هُوَ مُتَيَقَّنٌ عِنْدَكُمْ فِي
الدُّنْيَا، لَشَغَلَكُمْ ذَلِكَ عَن التكاثُرِ والتَّفَاخُرِ، وَلَمَا
أَلْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ الأَمْرِ الْعَظِيمِ.
6- {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} فِي الآخِرَةِ.
7- {ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}؛
أَيْ: ثُمَّ لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ الرؤيةَ الَّتِي هِيَ نَفْسُ
اليَقِينِ، وَهِيَ المشاهدةُ والرؤيةُ بِأَعْيُنِكُمْ، وَقِيلَ: هُوَ
إِخْبَارٌ عَنْ دَوَامِ بَقَائِهِمْ فِي النَّارِ؛ أَيْ: هِيَ رُؤْيَةٌ
دَائِمَةٌ مُتَّصِلَةٌ.
8- {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}؛
أَيْ: عَنْ نَعِيمِ الدُّنْيَا الَّذِي أَلْهَاكُمْ عَن الْعَمَلِ
لِلآخِرَةِ. وَقِيلَ: هُوَ السُّؤَالُ عَن الأَمْنِ، والصِّحَّةِ،
وَالْفَرَاغِ، وَمَلاذِّ المَأْكُولِ وَالمَشْرُوبِ، وَعَنْ بَارِدِ
الشرابِ، وَظِلالِ المَسَاكِنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النِّعَمِ.
أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وأحمدُ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} فَقَرَأَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ؟!
وَإِنَّمَا هُمَا الأَسْوَدَانِ: الْمَاءُ وَالتَّمْرُ، وَسُيُوفُنَا عَلَى
رِقَابِنَا، وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ، فَعَنْ أَيِّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ؟!
قَالَ: ((أَمَا إِنَّ ذَلِكَ سَيَكُونُ)).
وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ
وَأَهْلُ السُّنَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ،
فَقَالَ: ((مَا أَخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُمَا السَّاعَةَ؟)) قَالا: الجُوعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأَخْرَجَنِي الَّذِي أَخْرَجَكُمَا، فَقُومَا)).
فَقَامَا مَعَهُ، فَأَتَى
رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ، فَإِذَا هُوَ لَيْسَ فِي بَيْتِهِ، فَلَمَّا
رَأَتْهُ الْمَرْأَةُ قَالَتْ: مَرْحَباً.فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيْنَ فُلانٌ؟))
قَالَت: انْطَلَقَ يَسْتَعْذِبُ لَنَا الْمَاءَ. إِذْ جَاءَ
الأَنْصَارِيُّ، فَنَظَرَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ، فَقَالَ: الحمدُ لِلَّهِ؛ مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ
أَكْرَمَ أَضْيَافاً مِنِّي، فَانْطَلَقَ
فَجَاءَ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ،فَقَالَ: كُلُوا مِنْ
هَذَا.وَأَخَذَ المُدْيَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِيَّاكَ وَالْحَلُوبَ)).
فَذَبَحَ لَهُمْ،
فَأَكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ الْعِذْقِ وَشَرِبُوا، فَلَمَّا
شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
المتن :
سورة التكاثُر
1- 2قولُه تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} أي: شغلَكُم أيها الناسُ ما أنعمَ اللهُ عليكُم من كثرةِ المالِ والأولادِ وغيرِهم عن طاعتِه سبحانَه(1)، حتى جاءَكُم الموتُ فصِرْتُم من أهلِ المقابِر(2). 3- 4قولُه تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}
أي: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا في أنْ يلهيَكم التكاثرُ عن طاعةِ الله،
وسوفَ تعلمونَ عاقبةَ تشاغُلِكُم بالتكاثر، وكرَّر الجملةَ للتأكيد،
ولزيادةِ التهديد.
5-قولُه تعالى: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}أعيدَ الزجرُ تأكيداً لإبطالِ ما هم عليه من التشاغُل، وقال: لو أَنكم تعلمونَ علماً يقيناً أنَّ الله سَيَبْعَثُكم(3)، لما شغلَكُم هذا التكاثر.
6- 7قولُه تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}يقسِمُ ربُّنا بأنَّ عبادَه سيشاهِدون النارَ بأعينهم، ثمَّ أكَّد هذا الخبرَ بأنه واقعٌ لا محالة، وأنَّهم سيكونونَ متيقِّنين برؤيةِ النار، يقيناً لا شكَّ فيه(4).
8-قولُه تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أي: ثمَّ ليسألنَّكُم اللهُ يومَ تَرَوْنَ النارَ عن كلِّ نِعَمِهِ التي أنعمَها عليكم؛ كالأمنِ والصِّحَّة، والسمعِ، والبصرِ، والعافيةِ، وما يَطْعَمُهُ الإنسانُ ويَشْرَبُه … إلخ(5).
الحاشية :
(1)ورد عن عبد الله بن الشِّخِّير عن أبيه، قال: (انتهيتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالِك إلاَّ ما أكلتَ فأفنيت، أو لبِستَ فأبْلَيتَ، أو تصدَّقتَ فأمضَيت؟)
(2)ورد
في تفسير هذه الآية أنَّ قبيلتين افتخرتا وتكاثرتا بما عندهما من العدد،
حتى ذهبوا إلى المقابر وتفاخروا بالأموات، وهذا الأثر غيرُ صحيح، ولو صحَّ
لجازَ أن يدخلَ في معنى الآية. (انظر في نقدِه: تفسير ابن كثير).
وقد وردَ عن عليٍّ رضي الله عنه: (ما زلنا نشُكُّ في عذابِ القبر، حتى نزلت: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2)}).
وفي التعبير بالزيارةِ دلالةٌ على البعث،كما روى ميمون بن مهران، قال: (قرأ
عمر بن عبد العزيز هذه الآيات، فلبِثَ هُنيهة، فقال: ياميمون، ما أرى
المقابر إلا زيارة، وما للزائر بُدٌّ أنْ يرجِعَ إلى منزله) (انظر: تفسير ابن كثير).
(3)قال قتادة من طريق سعيد: (كنا نحدَّثُ أن علمَ اليقين: أنْ يعلمَ أنَّ الله باعثُهُ بعد الموت).
(4)وردَ عن ابن عباس من طريق العوفي أن هذه الآية في أهل الشرك.
(5)فسَّر السلفُ النعيمَ بأمثلةٍ له، فوردَ عن ابن مسعود من طريق الشعبي، ومجاهد من طريق ليث، والشعبي من طريق عبد العزيز بن عبد الله: (النعيم: الأمن والصحَّة).
وَعنِ ابنِ عبَّاسٍ مِنْ طَريقِ عَليِّ بنِ أَبي طَلْحةَ، وَالحَسنِ مِنْ طَريقِ عُمرَ بن شَاكرٍ: (النَّعيمُ: السَّمْعُ وَالبَصَرُ وَصحَّةُ البَدنِ).
وَقدْ
وَردَ في هَذهِ الآيةِ حَديثُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ
وَصَاحِبيهِ لمَّا خَرجُوا مِن الجُوعِ إِلى حَائِطِِ الأنْصَاريِّ الَّذي
ذَبَحَ لهُم الشَّاةَ، فَلمَّا أَكَلوا وَشَرِبُوا، قَالَ: ((لَتُسأَلُنَّ عَنْ هَذا يَومَ القِيامَةِ، أَخرَجَكُم مِنْ بُيوتِكُم الجُوعُ، فَلمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أَصبتُم هَذَا)) فَهذَا مِنَ النَّعيمِ.
وَعَلَى هَذَا، فَالخلافُ في النَّعيمِ يَرجِعُ إِلى مَعنى وَاحدٍ، وَهوَ كُلُّ مَا يَتنعَّمُ بِه الإنسَانُ في الدُّنيَا، قَالَ الطَّبَريُّ: (وَالصَّوابُ
مِنَ القولِ في ذلكَ أنْ يُقالَ: إِنََّّ اللهََ أَخبرَ أَنَّهُ سَائلٌ
هَؤلاءِ القَومَ عَنِ النَّعِيمِ، وَلم يُخَصِّصْ في خَبَرهِ أَنَّه
سَائلُهمْ عَنْ نَوعٍ مِنَ النَّعِيمِ دونَ نَوعٍ، بَلْ عمَّ بِالخَبرِ في
ذَلكَ عَنِ الجَميعِ، فَهوَ سَائِلُهمْ، كَمَا قَالَ عَن جَميعِ النَّعيمِ؛
لا عَنْ بَعضٍ دُونَ بَعضٍ).
المتن :
سورة التكاثُر
1- 2قولُه تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} أي: شغلَكُم أيها الناسُ ما أنعمَ اللهُ عليكُم من كثرةِ المالِ والأولادِ وغيرِهم عن طاعتِه سبحانَه(1)، حتى جاءَكُم الموتُ فصِرْتُم من أهلِ المقابِر(2).
3- 4قولُه تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}
أي: ما هكذا ينبغي أن تفعلوا في أنْ يلهيَكم التكاثرُ عن طاعةِ الله،
وسوفَ تعلمونَ عاقبةَ تشاغُلِكُم بالتكاثر، وكرَّر الجملةَ للتأكيد،
ولزيادةِ التهديد.
5-قولُه تعالى: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}أعيدَ الزجرُ تأكيداً لإبطالِ ما هم عليه من التشاغُل، وقال: لو أَنكم تعلمونَ علماً يقيناً أنَّ الله سَيَبْعَثُكم(3)، لما شغلَكُم هذا التكاثر.
6- 7قولُه تعالى: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}يقسِمُ ربُّنا بأنَّ عبادَه سيشاهِدون النارَ بأعينهم، ثمَّ أكَّد هذا الخبرَ بأنه واقعٌ لا محالة، وأنَّهم سيكونونَ متيقِّنين برؤيةِ النار، يقيناً لا شكَّ فيه(4).
8-قولُه تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أي: ثمَّ ليسألنَّكُم اللهُ يومَ تَرَوْنَ النارَ عن كلِّ نِعَمِهِ التي أنعمَها عليكم؛ كالأمنِ والصِّحَّة، والسمعِ، والبصرِ، والعافيةِ، وما يَطْعَمُهُ الإنسانُ ويَشْرَبُه … إلخ(5).
القارئ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{أَلْهَاكُمُ
التَّكَاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ (2) كَلا سَوْفَ
تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ
عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا
عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
(8)}
الشيخ:
يقول الله -جل وعلا-: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}يعني: أشغلكم التكاثر، وهذا
التكاثر يكون بالمال، ويكون بالولد، ويكون بالجند، ويكون بالجاه، ويكون
بالسلطان، ويكون بكل متاع من متاع الحياة الدنيا إذا تكاثر به الإنسان
وألهاه عن طاعة الله -جل وعلا-.
فهذه الآية تذم المتكاثرين الذين يتكاثرون بالدنيا؛لأن الدنيا لا ينبغي للمسلم أن يتكاثر بها؛ لأنها متاع زائل، ولهذا ذمها الله -جل وعلا- وذم هذا التكاثر؛ فقال -جل وعلا-: {اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ
بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ
أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
يَكُونُ حُطَاماً} فهذا التكاثر مصيره إلى الزوال، والعمل
الصالح هو الذي يكون إلى البقاء، فذم الله جل وعلا المتشاغلين بالتكاثر على
أي وجهٍ كان هذا التكاثر، ولهذا حذف الله -جل وعلا- المتكاثر به ولم
يذكره؛ ليعم كل شيء يتكاثر به الإنسان.
{حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}يعني: حتى متم ودفنتم في المقابر،
فهم استمروا على هذا اللهو أواستمروا على هذا التكاثر الذي أغفلهم عن
الآخرة حتى وضعوا في قبورهم، وهذا الانشغال عن أمر الآخرة إنما جاء من
الغفلة التي أورثها التكاثر، ولهذا قال الله -جل وعلا- مبيناً أن الغفلة
تجعلُ الإنسان يُعرض عما أمامه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ}.
وقوله -جل وعلا-: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} ما قال الله -جل وعلا-: حتى صرتم إلى الآخرة، ولكن قال: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}ليبين للعباد أن هناك رجعةً بعد الموت؛
لأن كل زائر يرجع، فالإنسان إذا زار أحداً بعد هذه الزيارة يرجع إلى أهله،
فكذلك هذا الميت إذا مات ووضع في قبره فهو زائر؛ لأن له مثوىً أخيراً وهو
الجنة أو النار، ولهذا قال العلماء: لا يصح أن يقال: (دفن في مثواه الأخير)
لأن القبر ليس مثوى أخيراً، وإنما المثوى الأخير الجنة أو النار؛ كما قال
الله -جل وعلا- عن النار: {فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} وقال -جل وعلا-: {فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} فالمثوى الحقيقي: هو
ما يردُ إليه العبد في الآخرة، إما إلى الجنة، وإما إلى النار، وأما
القبور والوضع فيها والدفن فيها فإنما هو زيارةٌ فقط، بعدها يرجع العبد إما
إلى الجنة وإما إلى النار.
و هذه الآيات خرجت مخرج الذم،يعني:
أن الانسان الذي يصنع ذلك هو مذموم؛ لأنه انشغل بما لا ينفعه عما ينفعه،
ولهذا ذم الله -جل وعلا- الاشتغال بالدنيا مع تضييع الآخرة.
فقال -جل وعلا-: {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا
أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ}، وقال -جل وعلا-: {يَا
أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ
الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ}.
ثم بعد ذلك توعد الله -جل وعلا- من صنع هذا، يعني: من انشغل بالدنيا عن الآخرة؛ فقال سبحانه: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثم كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} وهاتان الكلمتان أو الآيتان فيهما تهديد، وهذا أسلوب عربي معروف، فقوله -جل وعلا-: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} هذا تهديد، ثم أكده -جل وعلا- بقوله: {ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}.
ثم قال -جل وعلا-: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} أي: أنكم لو كنتم تعلمون ما أمامكم علماً يقينياً جازماً لما ألهاكم التكاثر عما أمامكم، وهذا كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً ولخرجتم إلى الصَّعُدات تجأرون إلى الله)) فلكون النبي -صلى الله عليه وسلم- عنده من العلم اليقين ما يكون يوم القيامة لو علمه أصحابه -صلى الله عليه وسلم- ورضي عنهم لخرجوا إلى الطرقات يجأرون إلى الله -جل وعلا-؛ لأن ما أمامهم أمرٌ عظيم.
ثم قال الله -جل وعلا-:{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} وهذا قسم من الله -جل وعلا- أن العباد سيرون الجحيم وهي النار، وهذا اسم من أسمائها، وسميت بالجحيم: لأن نارها تتأجج، والعباد كلهم سيرون هذه النار.
قال الله -جل وعلا- بعد ذلك:{ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ}
أي: لترون النار بأم أعينكم، تشاهدونها بأبصاركم يقيناً لا يتطرق إليه أي
شك؛ لأن الخبر قد يتطرق إليه الشك أو لا يدركه الإنسان على وجهه كاملاً،
وأما إذا عاين ذلك بعينه فإنه يوقن يقيناً جازماً، ولهذا لم يكن المخبر
كالمعاين أبداً.
وقوله -جل وعلا-: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ (7)} هذا في جميع الخلق سيرون النار يوم القيامة، ويرونها بأم أعينهم، كما قال الله جل وعلا: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} لكن أهل التوحيد والإيمان يصرفهم الله -جل وعلا- عنها، وأهل النار يأمر الله -جل وعلا- بهم فيلقون فيها.
قال الله -جل وعلا-: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} هذا تأكيد من الله -جل وعلا- بأن العباد سيسألون عن النعيم الذي هم فيه، ففي أول السورة قال: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}والذي يلهي الإنسان ويتكاثر به إنما هو النعيم،
فأخبر -جل وعلا- أن العباد سيسألون عن هذا النعيم، وهذا السؤال من الله
-جل وعلا- لعباده أجمعين، ليس مختصاً بالكافر دون المؤمن، وإنما العبادُ
كلهم سيسألون، فيسأله ربه -جل وعلا- عن هذا النعيم من أين اكتسبه؟ وفيما
صرفه؟ وعلى أي وجه صرفه؟ وبماذا قابل هذا النعيم؟.
فمن
اكتسب هذا النعيم من وجهه، وأنفقه وصرفه فيما أباح الله له، وصرفه على
الوجه الذي أباح الله من غير إسراف ولا مخيلة ولا تبذير، وقابل هذه النعم
بشكر الله -جل وعلا- فإنه ينجو من مغبة هذا السؤال، ومن لم يجب الله -جل
وعلا- فإنه يطرحُ إلى النار إن لم يكن ممن سبقت له مغفرة الله -جل وعلا- من
الموحدين.
وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خرج ذات ليلة أو ذات يوم، فوجد أبا بكر وعمر فقال لهما: ((ما أخرجكما هذه الساعة؟)) قالا: أخرجنا الجوع، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((والذي نفسي بيده ما أخرجني إلا الذي أخرجكما))
ثم اصطحبهما -صلى الله عليه وسلم- إلى رجلٍ من الأنصار؛ فأضافهم وقدّم
للنبي -صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه ماءً عذباً وعِذقاً فيه بُسرٌ ورطبٌ
وتمر، وذبح لهم الشاة، فأكلوا منها، فلما انتهوا قال -صلى الله عليه وسلم-:
((والله لتسألن عن هذا النعيم)).
فدل
ذلك على أن المؤمن يسأل عن النعيم، وأن هذا النعيم يسأل عنه المؤمن قل أو
كثر، فمن أخذه من وجهه ووضعه في وجهه وقابله بشكر الله -جل وعلا- فهو إلى
خير، وإن لم يكن كذلك فلا يلومنّ إلا نفسه.
تفسير قول الله تعالى : ( ألهاكم التكاثر ، حتى زرتم المقابر )
فائدة التعبير بقوله: (زرتم)
تفسير قول الله تعالى : ( كلا سوف تعلمون ، ثم كلا سوف تعلمون )
تفسير قول الله تعالى : ( كلا لو تعلمون علم اليقين ، لترون الجحيم )
تفسير قول الله تعالى : ( ثم لترونها عين اليقين ، ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم )
تفسير السلف (النعيم) بأمثلةٍ له
الأسئلة
سورة التكاثر
س1: لِمَن الخطاب في قوله تعالى: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ}؟ س2: ما هو الملهى عنه؟ وما سبب عدم ذكره؟
س3: لِمَ لَمْ يذكر الله تعالى المتكاثر به؟
س4: كيف تستدل على ثبوت البعث من قوله تعالى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}؟
س5: ما رأيك في العبارة المشهورة بين الناس في قولهم لمن دُفِنَ: انتقل إلى مثواه الأخير؟
س6: ما فائدة التكرار في قوله تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}؟
س7: ما جواب "لو" في قوله تعالى: {كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ}؟
س8: ما حكم الوقف عند قوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين}؟
س9: لِمَن الخطاب في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}؟
س10: فسر السورة تفسيراً إجمالياً مبيناً ما تضمَّنته من الفوائد السلوكية.
تفسير ابن كثير
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة التّكاثر وهي مكّيّةٌ.
يقول تعالى: شغلكم حبّ الدّنيا ونعيمها وزهرتها عن طلب الآخرة وابتغائها، وتمادى بكم ذلك حتّى جاءكم الموت وزرتم المقابر وصرتم من أهلها!
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا زكريّا بن يحيى الوقار المصريّ، حدّثني خالد بن عبد الدائم، عن ابن زيد بن أسلم، عن أبيه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: (({ألهاكم التّكاثر}: عن الطّاعة،، {حتّى زرتم المقابر}: حتّى يأتيكم الموت)).
وقال الحسن البصريّ: {ألهاكم التّكاثر}: في الأموال والأولاد.
وفي صحيح البخاريّ في (الرّقاق) منه: وقال لنا أبو الوليد: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن أنس بن مالكٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: كنّا نرى هذا من القرآن؛ حتّى نزلت: {ألهاكم التّكاثر}: يعني: لو كان لابن آدم وادٍ من ذهبٍ.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا محمد بن جعفرٍ، حدّثنا شعبة: سمعت قتادة يحدّث عن مطرّفٍ -يعني: ابن عبد اللّه بن الشّخّير- عن أبيه، قال: انتهيت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول: (({ألهاكم التّكاثر}: يقول ابن آدم: مالي مالي. وهل لك من مالك إلاّ ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدّقت فأمضيت؟)). ورواه مسلمٌ والتّرمذيّ والنّسائيّ من طريق شعبة به.
وقال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا سويد بن سعيدٍ، حدّثنا حفص بن ميسرة، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((يقول العبد: مالي مالي. وإنّما له من ماله ثلاثٌ: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو تصدّق فاقتنى، وما سوى ذلك فذاهبٌ وتاركه للنّاس)). تفرّد به مسلمٌ.
وقال البخاريّ: حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزمٍ، سمع أنس بن مالكٍ يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((يتبع الميّت ثلاثةٌ، فيرجع اثنان ويبقى معه واحدٌ، يتبعه أهله وماله وعمله، فيرجع أهله وماله ويبقى عمله)). وكذا رواه مسلمٌ والتّرمذيّ والنّسائيّ من حديث سفيان بن عيينة به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى، عن شعبة، حدّثنا قتادة عن أنسٍ، أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((يهرم ابن آدم، وتبقى منه اثنتان: الحرص والأمل)). أخرجاه في الصحيحين.
وقد ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة الأحنف بن قيسٍ، واسمه الضّحّاك، أنّه رأى في يد رجلٍ درهماً؛ فقال: لمن هذا الدّرهم؟ فقال الرّجل: لي. فقال: إنّما هو لك إذا أنفقته في أجرٍ أو ابتغاء شكرٍ. ثمّ أنشد الأحنف متمثّلاً قول الشّاعر:
أنت للمال إذا أمسكته فإذا أنفقته فالمال لك
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو أسامة، قال: صالح بن حيّان حدّثني عن ابن بريدة في قوله: {ألهاكم التّكاثر}. قال: نزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار: بني حارثة، وبني الحارث؛ تفاخروا وتكاثروا، فقالت إحداهما: فيكم مثل فلان بن فلانٍ وفلانٍ؟ وقال الآخرون مثل ذلك، تفاخروا بالأحياء، ثمّ قالوا: انطلقوا بنا إلى القبور، فجعلت إحدى الطّائفتين تقول: فيكم مثل فلانٍ -يشيرون إلى القبر- ومثل فلانٍ؟ وفعل الآخرون مثل ذلك؛ فأنزل اللّه: {ألهاكم التّكاثر حتّى زرتم المقابر}. لقد كان لكم فيما رأيتم عبرةٌ وشغلٌ.
وقال قتادة: {ألهاكم التّكاثر حتّى زرتم المقابر}: كانوا يقولون: نحن أكثر من بني فلانٍ، ونحن أعدّ من بني فلانٍ. وهم كلّ يومٍ يتساقطون إلى آخرهم، واللّه ما زالوا كذلك حتّى صاروا من أهل القبور كلّهم.
والصّحيح أنّ المراد بقوله: {زرتم المقابر}. أي: صرتم إليها ودفنتم فيها، كما جاء في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دخل على رجلٍ من الأعراب يعوده فقال: ((لا بأس، طهورٌ إن شاء اللّه)). فقال: قلت: طهورٌ؟! بل هي حمّى تفور،، على شيخٍ كبيرٍ،، تزيره القبور. قال: ((فنعم إذن)).
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا محمد بن سعيدٍ الأصبهانيّ، أخبرنا حكّام بن سلمٍ الرّازيّ عن عمرو بن أبي قيسٍ، عن الحجّاج، عن المنهال، عن زرّ بن حبيشٍ، عن عليٍّ قال: ما زلنا نشكّ في عذاب القبر؛ حتّى نزلت: {ألهاكم التّكاثر حتّى زرتم المقابر}.
ورواه التّرمذيّ، عن أبي كريبٍ، عن حكّام بن سلمٍ، وقال: غريبٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا سلمة بن داود العرضيّ، حدّثنا أبو المليح الرّقّيّ، عن ميمون بن مهران قال: كنت جالساً عند عمر بن عبد العزيز فقرأ: {ألهاكم التّكاثر حتّى زرتم المقابر}. فلبث هنيهةً، فقال: يا ميمون، ما أرى المقابر إلاّ زيارةً، وما للزّائر بدٌّ من أن يرجع إلى منزله.
قال أبو محمّدٍ: يعني: أن يرجع إلى منزله. أي: إلى جنّةٍ أو نارٍ. وهكذا ذكر أنّ بعض الأعراب سمع رجلاً يتلو هذه الآية: {حتّى زرتم المقابر}؛ فقال: بعث اليوم وربّ الكعبة، أي: أنّ الزّائر سيرحل من مقامه ذلك إلى غيره.
وقوله: {كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون}. قال الحسن البصريّ: هذا وعيدٌ بعد وعيدٍ. وقال الضحّاك: {كلاّ سوف تعلمون}. يعني الكفّار.
{ثمّ كلاّ سوف تعلمون}. يعني: أيّها المؤمنون.
وقوله: {كلاّ لو تعلمون علم اليقين}. أي: لو علمتم حقّ العلم لما ألهاكم التّكاثر عن طلب الدّار الآخرة؛ حتّى صرتم إلى المقابر.
ثم قال: {لترونّ الجحيم ثمّ لترونّها عين اليقين}. هذا تفسير الوعيد المتقدّم، وهو قوله: {كلاّ سوف تعلمون ثمّ كلاّ سوف تعلمون}. توعّدهم بهذا الحال، وهو رؤية النّار التي إذا زفرت زفرةً خرّ كلّ ملكٍ مقرّبٍ ونبيٍّ مرسلٍ على ركبتيه من المهابة والعظمة ومعاينة الأهوال، على ما جاء به الأثر المرويّ في ذلك.
وقوله: {ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم}. أي: ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن شكر ما أنعم اللّه به عليكم من الصّحّة والأمن والرّزق وغير ذلك: ماذا قابلتم به نعمه من شكره وعبادته؟
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا زكريّا بن يحيى الخزّاز المقرئ، حدّثنا عبد اللّه بن عيسى أبو خلفٍ الخزّاز، حدّثنا يونس بن عبيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه سمع عمر بن الخطّاب يقول: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند الظّهيرة، فوجد أبا بكرٍ في المسجد؛ فقال: ((ما أخرجك هذه السّاعة؟)) فقال: أخرجني الذي أخرجك يا رسول اللّه، قال: وجاء عمر بن الخطّاب. فقال: ((ما أخرجك يابن الخطّاب؟)) قال: أخرجني الذي أخرجكما.
قال: فقعد عمر وأقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يحدّثهما، ثمّ قال: ((هل بكما من قوّةٍ تنطلقان إلى هذا النّخل فتصيبان طعاماً وشراباً وظلاًّ؟)) قلنا: نعم. قال: ((مرّوا بنا إلى منزل ابن التّيّهان أبي الهيثم الأنصاريّ)).
قال: فتقدّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بين أيدينا، فسلّم واستأذن ثلاث مرّاتٍ، وأمّ الهيثم من وراء الباب تسمع الكلام، تريد أن يزيدها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من السّلام، فلمّا أراد أن ينصرف خرجت أمّ الهيثم تسعى خلفهم؛ فقالت: يا رسول اللّه، قد -واللّه- سمعت تسليمك، ولكن أردت أن تزيدنا من سلامك. فقال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خيراً، ثمّ قال: ((أين أبو الهيثم؟ لا أراه)). قالت: يا رسول اللّه، هو قريبٌ، ذهب يستعذب الماء، ادخلوا؛ فإنّه يأتي السّاعة إن شاء اللّه.
فبسطت بساطاً تحت شجرةٍ، فجاء أبو الهيثم، ففرح بهم وقرّت عيناه بهم، فصعد على نخلةٍ فصرم لهم أعذاقاً؛ فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((حسبك يا أبا الهيثم)). قال: يا رسول اللّه، تأكلون من بسره ومن رطبه ومن تذنوبه. ثمّ أتاهم بماءٍ، فشربوا عليه؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((هذا من النّعيم الّذي تسألون عنه)). هذا غريبٌ من هذا الوجه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني الحسين بن عليٍّ الصّدائيّ، حدّثنا الوليد بن القاسم، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازمٍ، عن أبي هريرة قال: بينما أبو بكرٍ وعمر جالسان؛ إذ جاءهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ((ما أجلسكما ههنا؟)) قالا: والذي بعثك بالحقّ ما أخرجنا من بيوتنا إلاّ الجوع. قال: ((والّذي بعثني بالحقّ ما أخرجني غيره)).
فانطلقوا حتّى أتوا بيت رجلٍ من الأنصار فاستقبلتهم المرأة، فقال لها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((أين فلانٌ؟)) فقالت: ذهب يستعذب لنا ماءً. فجاء صاحبهم يحمل قربته؛ فقال: مرحباً، ما زار العباد نبيٌّ أفضل من نبيٍّ زارني اليوم. فعلّق قربته بكرب نخلةٍ، وانطلق فجاءهم بعذقٍ؛ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ألا كنت اجتنيت؟)) فقال: أحببت أن تكونوا الذين تختارون على أعينكم. ثمّ أخذ الشّفرة؛ فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إيّاك والحلوب)).
فذبح لهم يومئذٍ فأكلوا؛ فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لتسألنّ عن هذا يوم القيامة، أخرجكم من بيوتكم الجوع، فلم ترجعوا حتّى أصبتم هذا، فهذا من النّعيم)).
ورواه مسلمٌ من حديث يزيد بن كيسان به، ورواه أبو يعلى وابن ماجه من حديث المحاربيّ، عن يحيى بن عبيد اللّه، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن أبي بكرٍ الصّدّيق به.
وقد رواه أهل السّنن الأربعة من حديث عبد الملك بن عميرٍ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة بنحوٍ من هذا السّياق وهذه القصّة.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سريجٌ، حدّثنا حشرجٌ، عن أبي نصيرة، عن أبي عسيبٍ، يعني مولى رسول اللّه،، قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلاً فمرّ بي فدعاني فخرجت إليه، ثمّ مرّ بأبي بكرٍ فدعاه فخرج إليه، ثمّ مرّ بعمر فدعاه فخرج إليه، فانطلق حتّى دخل حائطاً لبعض الأنصار؛ فقال لصاحب الحائط: ((أطعمنا)). فجاء بعذقٍ فوضعه، فأكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه، ثمّ دعا بماءٍ باردٍ، فشرب وقال: ((لتسألنّ عن هذا يوم القيامة)).
قال: فأخذ عمر العذق فضرب به الأرض حتّى تناثر البسر قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ قال: يا رسول اللّه، إنّا لمسؤولون عن هذا يوم القيامة؟ قال: ((نعم، إلاّ من ثلاثةٍ: خرقةٍ لفّ بها الرّجل عورته، أو كسرةٍ سدّ بها جوعته، أو جحرٍ يدخل فيه من الحرّ والقرّ)). تفرّد به أحمد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الصّمد، حدّثنا حمّادٌ، حدّثنا عمّارٌ، سمعت جابر بن عبد اللّه يقول: أكل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبو بكرٍ وعمر رطباً، وشربوا ماءً؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((هذا من النّعيم الّذي تسألون عنه)).
ورواه النّسائيّ من حديث حمّاد بن سلمة به.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أحمد، حدّثنا يزيد، حدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن صفوان بن سليمٍ، عن محمود بن الرّبيع قال: لمّا نزلت: {ألهاكم التّكاثر}؛ فقرأ حتّى بلغ: {لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم}- قالوا: يا رسول اللّه، عن أيّ نعيمٍ نسأل؟! وإنّما هما الأسودان: الماء والتّمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدوّ حاضرٌ، فعن أيّ نعيمٍ نسأل؟! قال: ((أما إنّ ذلك سيكون)).
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا مسدّدٌ، حدّثنا سفيان، عن محمد بن عمرٍو، عن يحيى بن حاطبٍ، عن عبد اللّه بن الزّبير قال: قال الزّبير لمّا نزلت: {لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم}. قال: يا رسول اللّه، لأيّ نعيمٍ نسأل عنه،، وإنّما هما الأسودان: التّمر والماء؟! قال: ((إنّ ذلك سيكون)). وكذا رواه التّرمذيّ وابن ماجه من حديث سفيان- هو ابن عيينة- به، ورواه أحمد عنه، وقال التّرمذيّ: حسنٌ.
وقال أحمد: حدّثنا أبو عامرٍ عبد الملك بن عمرٍو، حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، حدّثنا معاذ بن عبد اللّه بن خبيبٍ، عن أبيه، عن عمّه قال: كنّا في مجلسٍ، فطلع علينا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وعلى رأسه أثر ماءٍ؛ فقلنا: يا رسول اللّه، نراك طيّب النّفس، قال: ((أجل)). قال: ثمّ خاض النّاس في ذكر الغنى؛ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((لا بأس بالغنى لمن اتّقى اللّه، والصّحّة لمن اتّقى اللّه خيرٌ من الغنى، وطيب النّفس من النّعيم)).
ورواه ابن ماجه، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن خالد بن مخلدٍ، عن عبد اللّه بن سليمان به.
وقال التّرمذيّ: حدّثنا عبد بن حميدٍ، حدّثنا شبابة، عن عبد اللّه بن العلاء، عن الضّحّاك بن عبد الرحمن بن عرزمٍ الأشعريّ قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّ أوّل ما يسأل عنه -يعني: يوم القيامة- العبد من النّعيم أن يقال له: ألم نصحّ لك جسمك ونروك من الماء البارد؟)).
تفرّد به التّرمذيّ، ورواه ابن حبّان في صحيحه من طريق الوليد بن مسلمٍ، عن عبد اللّه بن العلاء بن زبرٍ به.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو عبد اللّه الطّهرانيّ، حدّثنا حفص بن عمر العدنيّ، عن الحكم بن أبانٍ، عن عكرمة قال: نزلت هذه الآية: {ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم}. قالت الصّحابة: يا رسول اللّه، وأيّ نعيمٍ نحن فيه وإنّما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشّعير؟! فأوحى اللّه إلى نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل لهم: أليس تحتذون النّعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النّعيم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا محمّد بن سليمان بن الأصبهانيّ، عن ابن أبي ليلى- أظنّه عن عامرٍ- عن ابن مسعودٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم}. قال: ((الأمن والصّحّة)).
وقال زيد بن أسلم: عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم}: ((يعني شبع البطون، وبارد الشّراب، وظلال المساكن، واعتدال الخلق، ولذّة النّوم)). رواه ابن أبي حاتمٍ بإسناده المتقدّم عنه في أوّل السّورة.
وقال سعيد بن جبيرٍ: حتّى عن شربة عسلٍ.
وقال مجاهدٌ: عن كلّ لذّةٍ من لذّات الدّنيا. وقال الحسن البصريّ: من النّعيم: الغداء والعشاء.
وقال أبو قلابة: من النّعيم: أكل السّمن والعسل بالخبز النّقيّ. وقول مجاهدٍ أشمل هذه الأقوال.
وقال عليّ بن أبي طلحة: عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ لتسألنّ يومئذٍ عن النّعيم}. قال: النّعيم: صحّة الأبدان والأسماع والأبصار، يسأل اللّه العباد فيم استعملوها؟ وهو أعلم بذلك منهم، وهو قوله تعالى: {إنّ السّمع والبصر والفؤاد كلّ أولئك كان عنه مسؤولاً}.
وثبت في صحيح البخاريّ وسنن التّرمذيّ والنّسائيّ وابن ماجه من حديث عبد اللّه بن سعيد بن أبي هندٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((نعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النّاس: الصّحّة والفراغ)).
ومعنى هذا: أنّهم مقصّرون في شكر هاتين النّعمتين، لا يقومون بواجبهما؛ ومن لا يقوم بحقّ ما وجب عليه، فهو مغبونٌ.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا القاسم بن محمّد بن يحيى المروزيّ، حدّثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، حدّثنا أبو حمزة، عن ليثٍ، عن أبي فزارة، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((ما فوق الإزار وظلّ الحائط وجرّ الماء فضلٌ، يحاسب به العبد يوم القيامة،، أو يسأل عنه)). ثمّ قال: لا نعرفه إلاّ بهذا الإسناد.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا بهزٌ وعفّان قالا: حدّثنا حمّادٌ- قال عفّان في حديثه- قال إسحاق بن عبد اللّه: عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((يقول اللّه عزّ وجلّ -قال عفّان: يوم القيامة-: يابن آدم حملتك على الخيل والإبل، وزوّجتك النّساء، وجعلتك تربع وترأس، فأين شكر ذلك؟!)). تفرّد به من هذا الوجه.
آخر تفسير سورة التّكاثر). [تفسير القرآن العظيم: 8/472-478]