24 Oct 2008
سورةُ العَصْر
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ
(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ (3)}
تفسيرُ سورة والعصرِ
أقسمَ تعالى بالعصرِ،الذي هوَ الليلُ والنهارُ، محلُّ أفعالِ العبادِ وأعمالهمْ، أنَّ كلَّ إنسانٍ خاسرٌ، والخاسرُ ضدُّ الرابحِ. والخاسرُ مراتبُ متعددةٌ متفاوتةٌ: -قدْ يكونُ خساراً مطلقاً، كحالِ منْ خسرَ الدنيا والآخرَةَ، وفاتهُ النعيمُ، واستَحقَّ الجحيمَ. -وقدْ يكونُ خاسراً من بَعضِ الوجوهِ دونَ بعضٍ، ولهذا عمَّمَ اللهُ الخسار لكلِّ إنسانٍ، إلاَّ مَنِ اتصفَ بأربع صفاتٍ: -الإيمانُ بما أمرَ اللهُ بالإيمانِ بهِ، ولا يكونُ الإيمانُ بدونِ العلمِ، فهوَ فرعٌ عنهُ لا يتمُّ إلاَّ بهِ. -والعملُ الصالحُ، وهذا شاملٌ لأفعالِ الخيرِ كلِّها، الظاهرةِ والباطنةِ، المتعلقةِ بحقِّ اللهِ وحقِّ عبادهِ، الواجبةِ والمستحبةِ. -والتواصي بالحقِّ، الذي هوَ الإيمانُ والعملُ الصالحُ، أي: يوصي بعضهمْ بعضاً بذلكَ، ويحثُّهُ عليهِ، ويرغبهُ فيهِ. -والتواصي بالصبرِ، على طاعةِ اللهِ، وعنْ معصيةِ اللهِ، وعلى أقدارِ اللهِ المؤلمةِ. فبالأمرينِ الأولينِ يُكمّلُ الإنسانُ نفسَهُ، وبالأمرينِ الأخيرينِ يُكمّلُ غيرَهُ، وبتكميلِ الأمورِ الأربعةِ، يكونُ الإنسانُ قدْ سلمَ منَ الخسارِ، وفازَ بالربحِ .
(1-3){بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي
خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3)}
سُورَةُ الْعَصْرِ
1- {وَالْعَصْرِ}
أَقْسَمَ سُبْحَانَهُ بالعَصْرِ، وَهُوَ الدَّهْرُ؛ لِمَا فِيهِ من
العِبَرِ منْ جِهَةِ مُرُورِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى التَّقْدِيرِ
وَتَعَاقُبِ الظلامِ والضياءِ، وَمَا فِي ذَلِكَ من اسْتِقَامَةِ
الْحَيَاةِ ومصالِحِ الأحياءِ؛ فَإِنَّ فِي ذَلِكَ دَلالةً بَيِّنَةً عَلَى
الصانعِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَى تَوْحِيدِهِ.
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمُرَادُ بالعَصْرِ صَلاةُ العصرِ.
2- {إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} الخُسْرُ وَالخُسْرَانُ: النُّقْصَانُ وَذَهَابُ رأسِ الْمَالِ.
وَالْمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ
إِنْسَانٍ فِي المَتاجرِ وَالمَسَاعِي وَصَرْفِ الأعمارِ فِي أَعْمَالِ
الدُّنْيَا لَفِي نَقْصٍ وَضَلالٍ عَن الْحَقِّ حَتَّى يَمُوتَ، وَلا
يُسْتَثْنَى منْ ذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ مَا يُذْكَرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
3- {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}؛
أَيْ: جَمَعُوا بَيْنَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ والعملِ الصالحِ، فَإِنَّهُمْ
فِي رِبْحٍ، لا فِي خُسْرٍ؛لأَنَّهُمْ عَمِلُوا لِلآخِرَةِ وَلَمْ
تَشْغَلْهُمْ أَعْمَالُ الدُّنْيَا عَنْهَا، وَهُمْ كُلُّ مُؤْمِنٍ
وَمُؤْمِنَةٍ.
{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}؛
أَيْ: وَصَّى بَعْضُهُمْ بَعْضاً بِالْحَقِّ الَّذِي يَحِقُّ القيامُ
بِهِ، وَهُوَ الإِيمَانُ بِاللَّهِ والتوحيدُ، والقيامُ بِمَا شَرَعَهُ
اللَّهُ، وَاجْتِنَابُ مَا نَهَى عَنْهُ.
{وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} عَنْ مَعَاصِي اللَّهِ سُبْحَانَهُ، والصبرِ عَلَى فَرَائِضِهِ، وَالصَّبْرِ عَلَى أَقْدَارِهِ المُؤْلِمَةِ.
والصَّبْرُ منْ خِصَالِ
الْحَقِّ، نَصَّ عَلَيْهِ بَعْدَ النصِّ عَلَى خِصَالِ التَّوَاصِي
بِالْحَقِّ، وَلِمَزِيدِ شَرَفِهِ عَلَيْهَا وَارْتِفَاعِ طَبَقَتِهِ
عَنْهَا، ولأنَّ كَثِيراً مِمَّنْ يَقُومُ بِالْحَقِّ يُعَادَى،
فَيَحْتَاجُ إِلَى الصبرِ.
المتن :
سورةُ العَصْر
1-قولُه تعالى: {وَالْعَصْرِ}يقسِمُ ربُّنا بالدَّهر؛ أي: الزمانُ الذي تقعُ فيه حركاتُ بني آدم، على عاقبةِ تلك الأفعالِ وجزائِها(1). 2- 3قولُه تعالى: {إِنَّ
الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}هذا جوابُ القَسَم، والمعنى: إنَّ الأصلَ في الناسِ أنهم في نقصٍ وهَلَكَة، ويخرجُ من هذه الصِّفةِ من اتصَفَ بصفاتٍ أربع:
-معرفةُ الحقِّ، وهو قولُه: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا}.
-والعملُ به، وهو قولُه: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
-وتعليمُه لمن لا يُحسِن، وهو قوله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}(2).
-والصبرُ عليه،وهو قولُه: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} من حبسِ النفسِ على أداءِ الفرائضِ(3)، وعلى المصائبِ من قدره، وحَبْسِها عن المعاصي، فيوصي بعضُهم بعضاً برفقٍ ولينٍ بهذه الأمور، والله أعلم.
الحاشية :
(1)وردَ في تفسيرِ العصرِ أقوالٌ، وتفسيره بالدهر هو أعمُّ الأقوالِ وأشملُها، وهو قولُ الحسن من طريق معمر.
وورد أنه وقت العَشِي، وهو آخر ساعاتِ النهار، وقد ورد التفسير بذلك عن ابن عباس من طريق العوفي.
قال الطبري: (والصوابُ من القول في ذلك أن يقال: إنَّ ربَّنا أقسمَ بالعصرِ، والعصر: اسم للدَّهرِ،
وهو العَشِي، والليل والنهار، ولم يخصِّص مما شمله هذا الاسم معنىً دون
معنى، فكل ما لزِمه هذا الاسم داخلٌ فيما أقسمَ الله به جلَّ ثناؤه).
ومن هنا فإنَّ سببَ الاختلاف هو الاشتراكُ اللغوي في لفظِ العصر،فهو يطلقُ على عدَّة معانٍ، وبهذا يرجع الخلافُ إلى أكثر من معنى، وكل هذه الأقوال محتملٌ كما قال الطبري، غير أن القولَ بأنه الدهر يظهرُ فيه شموله للأوقات كلِّها، والله أعلم.
(2)فسَّر الحسن الحقَّ: بأنه كتابُ الله، وهذا تفسيرٌ صحيح؛ لأنَّ القرآنَ حق، فهما كالشيءِ الواحد، فعبَّر الحسن
عن المسمَّى بأحدِ معانيه التي يحتمِلُها، ولو قيل: وتواصوا بما جاء عن
النبي صلى الله عليه وسلم، أو وتواصوا على طاعة الله، لصحَّ ذلك، والله
أعلم.
(3) كذا وردَ عن قتادة من طريق سعيد، والحسن من طريق عبد الرحمن بن سنان ومعمر،
وهو تفسيرٌ بجزءٍ مما يقعُ عليه الصبر إن أريدَ بها جملةُ الفرائض، وإن
أريدَ مطلقُ الطاعة، فالتفسير يشملُ جميعَ أنواعِ الصبر؛ لأنها كلها تدخلُ
في طاعة الله، والله أعلم.
القارئ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{وَالْعَصْرِ
(1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا
بِالصَّبْرِ(3)}
الشيخ:
هذه السورة سورة العصر التي قال فيها الإمام الشافعي -رحمه الله-: (لو ما أنزل الله على خلقه حجة إلا هذه السورة لكفتهم).
وقد شرح ابن القيم -رحمه الله- كلام الإمام الشافعي في كتابه: (مفتاح دار السعادة) وبين -رحمه الله- أن هذه الآية مشتملة على أربعة أمور:
-العلم، وهو معرفة الحق، وهو الذي دل عليه قوله -جل وعلا-: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا} فالمؤمن يعلم أن الله حق، وأن وعده حق، وأن رسوله حق، وأن لقاءه حق، وأن الملائكة حق، وأن النبيين حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق.
-ثم يعمل بذلك، قد دل عليه قوله -جل وعلا-: {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
-ثم يدعو الناس إلى ذلك: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}.
-ويصبر على العلم والعمل والتعليم.
فهذه أربعة أشياء إذا كملها الإنسان يكون مكملاً لنفسه ومكملاً لغيره.
وهذه السورة أقسم
الله -جل وعلا- فيها بالعصر، وهو الدهر كاملاً، أو العصر وهو الوقت
المعروف، أقسم به -جل وعلا- على أن الإنسان لفي خسر، والمراد كل الإنسان في
خسارة وهلاك إلا من استثناهم الله -جل وعلا- بعد ذلك:
{إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}والخسران هذا بينه الله -جل وعلا- بأنه خسران الدنيا والآخرة في قوله: {وَمِنَ
النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ
اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ
خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
وفي الآخرة يخسر نفسه وماله وأهله، كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة:
- كقول الله -جل وعلا-: {قُلْ
إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}.
- وقال -جل وعلا-: {فَأُولَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يِظْلِمُونَ}.
- وقال -جل وعلا-: {وَقَالَ
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ
وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ
مُقِيمٍ}.
وهذه السورة استثنى الله -جل وعلا- فيها من اتصفوا بالصفات الأربع التي تقدم ذكرها.
فقوله -جل وعلا-: {إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يعني: آمنوا بما يجب الإيمان به، وهي أركان الإيمان التي بينها النبي -صلى الله عليه وسلم-.
{وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}يعني:
أوصى بعضهم بعضاً بالحق، وهذا دليل على أن الإنسان في نفسه قد عمل الحق؛
لأنه لا يوصي غيره بالحق إلا إذا عمل به، وهذا يدل على أن هناك أمراً
بالمعروف.
وقوله -جل وعلا-: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} يعني: أوصى بعضهم بعضاً بالصبر على طاعة الله، والصبر عن محارم الله، والصبر على أقدار الله،
وذلك يقتضي أن هناك نهي عن المنكر، فهؤلاء موصوفون بأنهم مؤمنون، وأنهم
يعملون الصالحات، وأنهم يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، فيأمرون بالمعروف
وينهون عن المنكر، ويدعون إلى الله جل وعلا. والتواصي
بالحق والتواصي بالصبر وإن كان من عمل الصالحات إلا أن الله -جل وعلا- خصه
بهذا الذكر لحصول الغفلة عنه من كثير من الناس؛ لأن بعض الناس يظن أنه إذا
اهتدى في نفسه فإن ذلك يكفي وهذا من الغلط؛ ولهذا قال الله: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} فلا ينفع الإنسان أن يخرج من هذه الخسارة إلا إذا أمر بالمعروف ونهى عن المنكر.
وقد يظن بعض الناس أن قول الله -جل وعلا-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يعارض هذه الآية؛ لأن هذه الآية تأمر بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وذلك يشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وآية المائدة:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يظن بعض الناس أنه إذا اهتدى في نفسه كفى.
وقد أجاب العلماء عن ذلك وقالوا:
إن الآيتين معناهما واحد ولا اختلاف بينهما؛ لأن الله -جل وعلا- قال في آية المائدة:{لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}
ما قال -جل وعلا-: (لا يضركم من ضل إذا لم تأمروه بالمعروف وتنهوه عن
المنكر) يعني: إذا ضل إنسان بكفره، أو ضل الطريق المستقيم، أو وقع في شيء
من المعاصي، وأمره أخوه بالمعروف ونهاه عن المنكر ولكنه بقي على ضلاله؛ فإن
هذا المؤمن تبرأ ذمته، وأما إذا لم يأمره بالمعروف، ولم ينهه عن المنكر
فلا تبرأ ذمته؛ لأن من اهتداء الإنسان أن يكون آمراً بالمعروف ناهياً عن
المنكر، وإذا لم يأمر بالمعروف، ولم ينه عن المنكر، لم يكن مهتدياً؛ ولهذا
جعله الله -جل وعلا- في هذه الآية في خسارة، وذلك دليل على أنه غير مهتد،
وقول الله -جل وعلا-: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ
يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يدل على: أن من لم يأمر بالمعروف، وينه عن المنكر فليس بمهتدٍ.
فالشاهد أن قوله -جل وعلا-:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}
أي: إذا ضل بعد أن أمرتموه بالمعروف، ونهيتموه عن المنكر، ووقع منه ضلال
فلا يضركم ذلك شيئاً؛ لأن إثمه إنما يعود لنفسه، أما إذا لم يؤمر بالمعروف،
ولم ينه عن المنكر، فتأتي هذه الآية آية العصر ويكون الإنسان في خسارة.
تفسير سورة العصر
الأصول الأربعة التي تضمنتها هذه السورة
تفسير قوله تعالى: ( والعصر . إن الإنسان لفي خسر )
الصواب في تفسير (العصر)
تفسير قوله تعالى: ( إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات )
تفسير قوله تعالى: ( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر )
بيان عدم تعارض قوله تعالى: ( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) مع قوله: ( يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )
وجه تخصيص التواصي بالحق والتواصي بالصبر بالذكر مع أنها من عمل الصالحات .
الأسئلة
سورة العصر
س1: ما المراد بالعصر في هذه السورة الجليلة؟
س2: ما المراد بالإنسان في قوله تعالى:{إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ}؟
س3: اذكر مع الشرح الموجز الصفات التي تنجي من الخسران.
س4: ما المراد بالحق في قوله تعالى:{وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ}؟
س5: تحدث باختصار عن أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضوء ما درست.
س6: اذكر أهم الفوائد السلوكية المستفادة من السورة.
س7: اذكر شروط العمل الصالح.
س8: بين معنى الصبر، واذكر أنواعه.
تفسير ابن كثير
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (تفسير سورة العصر وهي مكّيّةٌ.
ذكروا أنّ عمرو بن العاص وفد على مسيلمة الكذّاب، وذلك بعدما بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقبل أن يسلم عمرٌو؛ فقال له مسيلمة: ماذا أنزل على صاحبكم في هذه المدّة؟ قال: لقد أنزل عليه سورةٌ وجيزةٌ بليغةٌ. قال: وماهي؟ فقال: {والعصر إنّ الإنسان لفي خسرٍ إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وتواصوا بالحقّ وتواصوا بالصّبر}.
ففكّر مسيلمة هنيهةً ثمّ قال: وقد أنزل عليّ مثلها. فقال له عمرٌو: وما هو؟ فقال: ياوبر، ياوبر، إنّما أنت أذنان وصدرٌ، وسائرك حقرٌ نقرٌ. ثمّ قال: كيف ترى يا عمرو؟ فقال له عمرٌو: واللّه إنّك لتعلم أنّي أعلم أنّك تكذب.
وقد رأيت أبا بكرٍ الخرائطيّ أسند في كتابه المعروف بمساوئ الأخلاق في الجزء الثاني منه شيئاً من هذا أو قريباً منه. والوبر: دويبّةٌ تشبه الهرّ، أعظم شيءٍ فيه أذناه وصدره، وباقيه لطيفٌ دميمٌ، فأراد مسيلمة أن يركّب من هذا الهذيان ما يعارض به القرآن، فلم يرج ذلك على عابد الأوثان في ذلك الزّمان.
وذكر الطبرانيّ من طريق حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، عن عبيد اللّه بن حصنٍ أبي مدينة، قال: كان الرجلان من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا التقيا لم يفترقا إلاّ على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر إلى آخرها، ثمّ يسلّم أحدهما على الآخر.
وقال الشافعيّ رحمه اللّه: لو تدبّر الناس هذه السورة لوسعتهم.
العصر: الزمان الذي يقع فيه حركات بني آدم من خيرٍ وشرٍّ.
وقال مالكٌ: عن زيد بن أسلم: هو العشيّ. والمشهور الأوّل، فأقسم تعالى بذلك على أنّ الإنسان لفي خسرٍ، أي: في خسارةٍ وهلاكٍ.
{إلاّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}. فاستثنى من جنس الإنسان عن الخسران {الّذين آمنوا} بقلوبهم {وعملوا الصّالحات} بجوارحهم.
{وتواصوا بالحقّ}، وهو أداء الطاعات وترك المحرّمات، {وتواصوا بالصّبر} على المصائب والأقدار وأذى من يؤذي ممّن يأمرونه بالمعروف، وينهونه عن المنكر.
آخر تفسير سورة العصر، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/479-480]