الدروس
course cover
الدرس الأول: التذكير بأن إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان
7 Oct 2016
7 Oct 2016

3912

0

0

course cover
علاج الفتور في طلب العلم

القسم الأول

الدرس الأول: التذكير بأن إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان
7 Oct 2016
7 Oct 2016

7 Oct 2016

3912

0

0


0

0

0

0

0

الدرس الأول: التذكير بأن إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان


لا يقوم الدين إلا على ركني العلم والإيمان؛ فبالعلم يُعرف هدى الله تعالى، وبالإيمان يُتّبع هذا الهدى.
وإذا اجتمع للناس المعرفة بهدى الله تعالى واتّباعه فقد أقاموا دينهم، وفازوا بما وعدهم الله به من الهداية والنصر والولاية والحفظ.
وقد جعل الله تعالى رفعة هذه الأمة، وعزتها، ونجاتها لا تحقق إلا بالعلم والإيمان؛ فقال الله تعالى: {وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، والشرط الموجِبُ يتخلّف الحكم بتخلفه، وكلما ازداد العبد إيمانًا؛ زاد نصيبه من العلوّ والعزّة، قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}، وهذا كما يتحقق في الأفراد، فهو كذلك في الأمة بعمومها، فكلما كانت الأمَّة أكثر حظًا ونصيبًا من العلم والإيمان؛ كانت رفعتها وعزتها أظهر وأشهر، وكلما ضعف حظها منهما؛ كانت أكثر تخلفًا وانحطاطًا وذلًا، والتاريخ والواقع شاهدان على ذلك.
- فظهورُ الفرق الضالة، وانتشار البدع والأهواء والخرافات التي ضل بسببها فئام من الناس، وقيام التيارات الفكرية المنحرفة التي رفعت راياتها، وتبوأت ما لم يكن لها أن تتبوأه، كلُّ ذلك إنما سببه ضعفُ العلم في الأمَّة، وضعفُ القائمين به، وفشوّ الجهل؛ فحصل بذلك ضلال كثير، وفساد كبير.
- وظهورُ المعاصي والمنكرات، واستحلالُ المحرمات، وخيانةُ الأمانات، والاستهانة بالفرائض والواجبات؛ كلّ ذلك سببه ضعف الإيمان.

فبضعف العلم والإيمان؛ ينحطّ الفرد، وتنحطّ الأمة، وبازدياد العلم والإيمان؛ يرتفع الفرد، وترتفع الأمة، فهذه المعادلة سنة كونية شرعية، دلائل إثباتها من الشريعة والتاريخ والواقع ظاهرة جليّة.

وباجتماع العلم والإيمان تستنير البصيرة، ويحيا القلب، وتزكو النفس، ويصلح العمل، وتحصل النجاة والعاقبة الحسنة في الدنيا والآخرة للفرد وللأمّة.

وقد أمرنا الله تعالى بإقامة الدين، فقال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}.

وإقامة الدين عمادها على العلم والإيمان، ومن قام بهما فقد أقام دينه، وكان له وَعْدٌ من الله تعالى بالهداية والنصر، وإنْ خذله مَن خذله، وإن خَالفَه من خالفَه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يزال من أمّتي أمّةٌ قائمةٌ بأمرِ الله، لا يضرُّهم مَن خذلهم، ولا مَن خالفهم، حتى يأتيهم أمرُ اللهِ وهمْ على ذلك» رواه الشيخان من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، وهذا لفظ البخاري.
فضَمِن الله تعالى – على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم - لمن يقوم بأمره أن لا يضرَّه من يخذله ولا من يخالفه، مهما كانت درجة الخذلان، ومهما كانت درجة المخالفة.
وفقه هذه المسألة يفيد كلَّ مؤمنٍ قائمٍ بأمرِ اللهِ جل وعلا، ويفيد كلَّ جماعة قائمة بأمر الله أنهم قد يُبتَلَوْن بالخذلان من الناس، وقد يُبْتَلَون بالمخالفة، فإذا قاموا بأمر الله كما أمرهم الله على ما يستطيعون؛ لم يضرّهم من خذلهم ولا من خالفهم؛ بل تكون لهم العاقبة الحسنة، لتكفّل الله لهم بالهداية والنصر، كما قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا}.
والمؤمنون هم أتباع الأنبياء، ينالهم من جنس ما ينال الأنبياء من الابتلاء، ويثابون بما وعدهم الله عز وجل على رسله إنِ اتبعوهم، وقد جعل الله الأنبياءَ أسوة لنا، وأمرنا أن نقتدي بهم.
وتكفل الله لأوليائه بالهداية والنصر جامع لما يحتاجون إليه؛ فبالهداية يسيرون في الطريق الصحيح الذي لا شقاء معه، وبالنصر يتغلبون على أعدائهم ممن خذلهم وخالفهم، والنصر على الأعداء يشمل جميع الأعداء ممن نبصرهم، ومن لا نبصرهم، كما قال الله عز وجل: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}، وأعظم الانتصار؛ انتصار الإنسان على شيطانه الذي هو العدو المبين الذي يريد إضلاله.
وتقديم الهداية على النصر في الآية من باب تقديم العلم على العمل، لأن الهداية من ثمرات العلم، والنصر من ثواب العمل.
والنصر له معالم وأسباب؛ ونصر الله تعالى لعباده المؤمنين حق قد وعد الله به كما قال الله تعالى: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ}، فهو وعد صادق لا يتخلف، لكن قد يعجّل الله به، وقد يؤخره لحكمه، وشرط ضمان الهداية والنصر هو القيام بأمر الله، فإذا قام العبد بأمر الله على ما يستطيع – {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها}- فإنَّ الله تعالى يضمن له الهداية، ويضمن له النصر.
ومن تأمل هذا المعنى حق التأمل؛ تبيَّن له أَّن الإنسان إذا لم يقم بأمر الله فهو على خطر عظيم، ولذلك قال سفيان بن عيينة رحمه الله: (ما في القرآن آية أشد عليّ من {لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}) رواه البخاري.
وسبب شدّة هذه الآية على سفيان بن عيينة فقهه لمعناها، ومعرفته بدلالتها على أن العبدَ الذي لا يقيم ما أنزل الله عليه ليس على شيء، فلا ضمان له من الله، ولا عهد، ولا أمان له، ولا سبب له إلى النجاة؛ بل هو هالك لا محالة، إلا أن يتوبَ إلى الله، ويقومَ بأمره.
وإذا حصل للعبد أصل القيام بأمرِ الله حصل له أصلُ ضمان النجاة، وإن تخلّفت عنه النجاة التامة؛ لإخلاله ببعض واجبات القيام بأمر الله، وهذا حال من يأتي بأصل الإسلام ويجتنب نواقضه، ويقع في بعض كبائر الذنوب ويموت مصرا عليها؛ فلا ينجو من العذاب نجاةً تامّة بالأمان الذي يجعله الله عزّ وجل للمؤمنين، ولا يكون حكمه حكم الكفّار المشركين، بل قد يُعذَّب في الدنيا أو في الآخرة على بعض ما اقترفه من المعاصي، وعلى إخلاله بالقيام بأمر الله عز وجل، وقد يعفو الله عز وجل عنه، مادام قائماً بأصل الدين.
وعلى قدر ما يقوم به العبد من أمر دينه؛ يكون نصيبه من النصر ومن الهداية:
- فمن الناس من يكون محسنًا في القيام بأمر الله، فهذا نصيبه من الهداية والنصر أحسن النصيب كما قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.
- ومن كان في قيامه بأمر الله بعض الإساءة والتردّد والضعف؛ فإنه يتخلَّف عنه من الهداية والنصر بقدر ما فرّط وضيّع وأساء.
- أما من ضيّع أمر الله جملة كالكفار والمنافقين فهؤلاء ليسوا على شيء، كما قال الله تعالى في شأن كفرة أهل الكتاب: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( رأْسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سنامهِ الجهادُ في سبيلِ اللهِ)). رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه.

والمقصود أن إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان، وأن أهل العلم والإيمان هم أئمة المسلمين في الدنيا، إذ كتب الله لهم الرفعة والعزة، وأكرمهم وشرّفهم، وجعلهم أئمة يهدون بأمره، ويرجع إليهم في معرفة هداه.
وفي النصوص دلائل كثيرة على محبّة الله تعالى لهم، وتقريبه إيّاهم، وتحبيبهم إلى خلقه، ومباركة أعمالهم وعلومهم.
وقد أجرى الله لأهل الإيمان من أسباب البركة والفضل شيئًا كثيرًا مباركًا لا يخطرُ على القلوب حدّه، قال الله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا}، فالتأكيد بأن هذا الفضل من الله، له أثر عظيم في قلوب المؤمنين:
·فمن ذلك: دلالتها على محبة الله تعالى لهم؛ بأن نص على أن هذا الفضل منه جل وعلّا، وأنه اختصاص خصّهم به دون غيرهم.
·ومن ذلك: دلالتها على أن هذا الفضل عظيم، جدّ عظيم؛ لأنه فضل من الله، وليس من غيره، والله تعالى عليم بما يُرضي عباده، وما تقر به عيونهم، وتحسن به عاقبتهم.
·ومن ذلك: أنه فضل يكفي عن وصفه وتعيين نوعه وأفراده، أنه فضل من الله؛ وكل عطية موعودة، يَزِنُها الناس بقدر معطيها، ألا ترون أن الناس يستشرفون لأعطيات الكبراء من الملوك والتجّار، لمظنة أن أعطياتهم جزلة كثيرة؟!
فإذا وعد أحدهم بعطيّة وأبهمها، علم الناس أنه إنما أبهمها لتعظيمها، فيحصل لهم من اليقين بعظمها بسبب هذا الإبهام، وتذهب آمالهم كل مذهب بسبب ثقتهم بقدرة أولئك الكبراء على الوفاء بالأعطيات العظيمة.
وهؤلاء الكبراء لا يساوون في ملك الله عزَّ وجلَّ شيئًا يُذكر، ولو اجتمعوا جميعًا من أول ما خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة على أن يعطوا أعطيةً عظيمة؛ فإنهم لن يبلغوا في ملك الله تعالى نقرة عصفورٍ في بحر عظيم، ولا ينقصُون من ملكِ الله إلا كما ينقص المِخْيَط إذا أدخل البحر ثم أُخرج منه، فهذا القدر من الماء الذي يعلق بالإبرة بالنسبة للبحر العظيم لا يساوي شيئًا يذكر، فهذا مَثَلُ ما ينفقون ولو اجتمعوا عليه، فما ظنكم بفضل الله العظيم؟!
والمقصود أن النصّ على أن هذا الفضل من الله، وإبهام مقدار هذا الفضل؛ دليل على تعظيمه لتشرئبَّ إليه الأعناق، وتتطلع إليه النفوس، ويزداد تشوقها إليه، ورغبتها فيه، ثم زادهم الله عز وجل بيانًا وتشويقاً بأنْ وصف هذا الفضل بأنه كبير: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا}.
- وهذا التبشير بهذا البيان البديع من دلائل محبّة الله تعالى لعباده المؤمنين، وعنايته بهم، ولهذه المحبّة والعناية آثار عظيمة مباركة، فهي محبة من لا يعجزه شيء، ولا يخفي عليه شيء، ولا يغيض مُلكَه كثرةُ عطائِه.
ومما يدل على تأكيد عناية الله تعالى بهم ومحبته تبشيرهم؛ أنه كرر الأمر على نبيه صلى الله عليه وسلم في القرآن مرارًا أن يبشرهم، فورد قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} بهذا اللفظ في القرآن في خمسة مواضع، وورد أيضًا في موضعين: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا}، وفي موضعين: {وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}.
- وجعل الله تعالى أهل العلم من الشهداء على أعظم كلمة، وأشرف قضية، وأجّل خصومة بين رسله وأعدائه، فقال تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.
وشرف القضية وجلالة قدرها، وإشهاد أهل العلم عليها؛ دليل عظيم على تشريف قدر أهل العلم، ومنزلتهم عند الله عز وجل، ومحبة الله تعالى لهم.
- ويومَ القيامة يزيدهم الله شرفًا ورفعةً، بأن تكون لهم كلمةٌ مسموعة على الملأ، ومقامٌ محمود يتكلمون فيه بحجة الله تعالى، كما قال الله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(56)}.

فهذا الشرف العظيم في الدنيا والآخرة، والفضل الكبير الذي جعله الله عز وجل لأهل العلم والإيمان؛ من أعظم الأسباب الدافعة لطالب العلم أن يصدق الله عز وجل في طلبه للعلم، وأن يعلم أنه إن صدق في طلبه العلم؛ فهو على أبواب فضل كبير من الله عزَّ وجل في الدنيا والآخرة.

والعلم والإيمان محفوظان إلى أن يأتي أمر الله، ومن صدق في ابتغائهما؛ وجدهما بإذن الله عز وجل، وقد روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي وغيرهم من طريق أبي إدريس الخولاني، عن يزيد بن عميرة رحمه الله تعالى- وكان صاحب معاذ بن جبل- أنّه قال: (لمّا حضر معاذ بن جبل الموت، قيل يا أبا عبد الرحمن أوصنا. قال: (( أجلسوني ))
ثم قال: (( إن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما )) كررها ثلاث مرات).
وفي رواية: (( إنَّ العلمَ والإِيمَانَ مكانهما إلى يومِ القيامةِ، ومَنِ ابْتَغَاهُمَا وَجَدَهُمَا)).
وفي رواية في مستدرك الحاكم من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن يزيد بن عميرة أنه قال: لما مرض معاذ بن جبل مرضَه الذي قُبضَ فيه كان يُغشَى عليه أحيانا، ويفيق أحيانا، حتى غُشِيَ عليه غَشيةً ظننَّا أنه قد قُبض، ثم أفاق وأنا مقابِلُه أَبكي، فقال: « ما يبكيك؟ »
قلت: والله لا أبكي على دنيا كنت أنالها منك، ولا على نسب بيني وبينك، ولكن أبكي على العلم والحكم الذي أسمع منك يذهب.
قال: « فلا تبك فإن العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما فابتغه حيث ابتغاه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فإنه سأل الله تعالى وهو لا يعلم وتلا: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين}.. » وذكر الوصية.

ومعاذ بن جبل رضي الله عنه كان من كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم وقرّائهم وخيارهم.

والمقصود أن العلم والإيمان مكانهما، من صدق في طلبهما وجدهما -بإذن الله تعالى- ومن ابتغى الهدى من الله عز وجل؛ فإنَّ الله عز وجل ييسّره له، ومن عرف هذه الحقيقة دعاه ذلك إلى الجدّ والاجتهاد في طلب العلم، ودعاه ذلك أيضًا إلى الجد والاجتهاد في تصحيح الإيمان، وتقويته، واستكماله؛ فإنَّ مدار سعادة الإنسان وفلاحه على قيامه بأمر ربه، وسبيل ذلك العلم والإيمان.
فالعلم بلا إيمان حجة على صاحبه، والإيمان لا يصح إلا بالعلم، فمن عبد الله على جهل، فقد خالف مقتضى الإيمان الصحيح وضلّ مع الضالين، ومن علم ولم يقم بواجب الإيمان كان من المغضوب عليهم.

وتبصّر طالب العلم بهذين الأصلين في أوّل طلبه للعلم من الأهميّة بمكان؛ فإنه لا غنى له عنهما.
والتفاوت في تحصيلهما كبير ظاهر، وكلما كان المرء أحسن علماً وأقوى إيماناً كان أكثر نصيباً من الهداية والعزة والرفعة والثواب العظيم.