7 Feb 2015
ثالث عشر: كتاب الأطعمة، والذبائح، والصيد
ويشتمل على ثلاثة أبواب:
الباب الأول: في الأطعمة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفها والأصل فيها:
1 - تعريفها: الأطعمة جمع طعام، وهو ما يأكله الإنسان ويتغذى به من الأقوات وغيرها أو يشربه.
2 - الأصل فيها: تنطلق القاعدة الشرعية في معرفة ما يحل من الأطعمة وما يحرم من قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إليّ محرّمًا على طاعمٍ يطعمه إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فإنّ ربّك غفورٌ رحيمٌ} [الأنعام: 145]، ومن قوله سبحانه وتعالى:
{ويحلّ لهم الطّيّبات ويحرّم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157]، ومن قوله تعالى: {قل من حرّم زينة اللّه الّتي أخرج لعباده والطّيّبات من الرّزق} [الأعراف: 32]. والمراد بالطيبات: ما تستطيبه النفس وتشتهيه؛ لأن الطعام لما كان يتغذى به الإنسان، فإن أثره ينعكس على أخلاقه، فالطعام الطيب يكون أثره طيباً، والخبيث يكون على الضد من ذلك؛ لذا أباح الله سبحانه الطيب من المطاعم، وحرّم الخبيث منها.
فالأصل في الأطعمة الحل، إلا ما حرمه الشارع الحكيم؛ ولذا قال تعالى: {وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إلّا ما اضطررتم إليه} [الأنعام: 119].
وقد جاء هذا التفصيل مشتملاً على أمور ثلاثة:
1 - النص على المباح.
2 - النص على الحرام.
3 - ما سكت عنه الشارع.
وقد بيّن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - ذلك بقوله: (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها، وحرّم أشياء فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تبحثوا عنها).
المسألة الثانية: ما نص الشارع على حله، وإباحته:
والأصل في ذلك والقاعدة: أن كل طعام طاهر لا مضرة فيه فإنه مباح، والأطعمة المباحة على نوعين: حيوانات ونباتات؛ كالحبوب والثمار، والحيوانات على نوعين: برية وبحرية.
أولاً: الحيوان البحري: وهو كل حيوان لا يعيش إلا في البحر؛ كالسمك بأنواعه المختلفة وكذا غيره من حيوانات البحر، إلا ما فيه سمٌّ فإنه يحرم للضرر، وكذا يحرم من طعام البحر ما كان مستخبثاً مستقذرا كالضفدع، مع ما جاء من النهي عن قتله، وكالتمساح؛ لكونه مستخبثاً، ولأن له ناباً يفترس به. لعموم قوله تعالى: {ويحرّم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157] ويجوز أكل الحيوان البحري سواء صاده مسلم أو غيره، وسواء كان له شبه، يجوز أكله في البر أم لم يكن. والحيوان البحري لا يحتاج إلى تذكية؛ لقوله تعالى: {أحلّ لكم صيد البحر وطعامه متاعًا لكم وللسّيّارة} [المائدة: 96]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ألا إن صيده: ما صيد، وطعامه: ما لفظ البحر). ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -، فقال: يا رسول الله، إنا نركب البحر، ونحمل معنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا. أفنتوضأ بماء البحر؟ فقال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (هو الطّهور ماؤه، الحلّ ميتته).
ثانياً: الحيوان البري: والحلال من الحيوان البري المنصوص عليه يمكن تلخيصه في الآتي:
أ) الأنعام: لقوله تعالى: {والأنعام خلقها لكم فيها دفءٌ ومنافع ومنها تأكلون}[النحل: 5]، وقوله سبحانه: {يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلّا ما يتلى عليكم} [المائدة: 1]. والمقصود ببهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم.
ب) الخيل: لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: (نهى النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - يوم خيبر عن لحوم الحمر، ورخص في لحوم الخيل).
ج) الضب: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (أكل الضب على مائدة رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -). وقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي).
د) الحمار الوحشي: وهو غير المستأنس؛ لحديث أبي قتادة - رضي الله عنه -: أنه رأى حماراً وحشياً فعقره، فقال النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (هل معكم من لحمه شيء؟) قال: معنا رجله، فأخذها، فأكلها.
هـ) الأرنب: لما رواه أنس - رضي الله عنه - أنه أخذ أرنباً، فذبحها أبو طلحة، وبعث بوركها إلى النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقبله.
و) الضبع: لما روى جابر - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن الضبع، فقال: (هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده) ، أي: وهو محرم، قال الحافظ ابن حجر: "وقد ورد في حل الضبع أحاديث لا بأس بها".
ز) الدجاج: لما روى أبو موسى - صلّى اللّه عليه وسلّم -، قال: (رأيت رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - يأكل لحم دجاج). ويلحق بالدجاج الأوز والبط؛ لأنهما من الطيبات، فتدخل في قوله تعالى: {أحلّ لكم الطّيّبات} [المائدة: 4].
ح) الجراد: لحديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه - قال: (غزونا مع النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - سبع غزوات أو ستاً، كنا نأكل معه الجراد).
المسألة الثالثة: ما نص الشارع على تحريمه:
والأصل فيما يحرم من الأطعمة: أن كل طعام نجس مستقذر فيه مضرة، لا يجوز أكله، وذلك على النحو التالي:
1 - المحرمات من الطعام في كتاب الله محصورة في عشرة أشياء وردت في قوله تعالى: {حرّمت عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير وما أهلّ لغير اللّه به والمنخنقة والموقوذة والمتردّية والنّطيحة وما أكل السّبع إلّا ما ذكّيتم وما ذبح على النّصب} [المائدة: 3].
- أما الميتة: فهي ما مات حتف أنفه، وفارقته الحياة بدون ذكاة شرعية، وحرمت لما فيها من المضرة بسبب الدم المحتقن وخبث التغذية، وتجوز للمضطر بقدر الحاجة، ويستثنى من الميتة: السمك والجراد، فإنهما حلال.
- والدم: المراد به الدم المسفوح، فإنه حرام؛ لقوله تعالى في آية أخرى: {أو دمًا مسفوحًا} [الأنعام: 145]، أما ما يبقى من الدم في خلل اللحم، وفي العروق بعد الذبح، فمباح، وكذا ما جاء الشرع بحله من الدم؛ كالكبد والطحال.
- ولحم الخنزير: لأنه قذر، ويتغذى على القاذورات، ولمضرته البالغة، وقد جمع الله عز وجل هذه الثلاثة في قوله: {إلّا أن يكون ميتةً أو دمًا مسفوحًا أو لحم خنزيرٍ فإنّه رجسٌ أو فسقًا أهلّ لغير اللّه به} [الأنعام: 145].
- وما أهل لغير الله به: أي ذبح على غير اسمه تعالى، وهذا حرام لما فيه من الشرك المنافي للتوحيد؛ فإن الذبح عبادة لا يجوز صرفها لغير الله تعالى، كما قال عز وجل: {فصلّ لربّك وانحر} [الكوثر: 2].
- والمنخنقة: وهي التي تخنق فتموت، إما قصداً أو بغير قصد.
- والموقوذة: هي التي تضرب بعصا أو شيء ثقيل، فتموت.
- والمتردية: هي التي تتردّى من مكان عال، فتموت.
- والنطيحة: هي التي تنطحها أخرى، فتقتلها.
- وما أكل السبع: هي التي يعدو عليها أسد أو نمر أو ذئب أو فهد أو كلب، فيأكل بعضها، فتموت بسبب ذلك. فما أدرك من هذه الخمسة الأخيرة، وبه حياة، فذكي، فإنه حلال الأكل؛ لقوله تعالى في الآية المذكورة: {إلّا ما ذكّيتم} [المائدة: 3].
- وما ذبح على النصب: وهي حجارة كانت منصوبة حول الكعبة، وكانوا في الجاهلية يذبحون عندها، فهذه لا يحل أكلها؛ لأن ذلك من الشرك الذي حرّمه الله، كما مضى فيما أهل لغير الله به.
ويحرم من الأطعمة أيضاً:
2 - ما فيه مضرة: كالسم، والخمر، وسائر المسكرات والمفتّرات؛ لقوله تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة} [البقرة: 195]، وقوله عز وجل: {ولا تقتلوا أنفسكم} [النساء: 29].
3 - ما قطع من الحي: لحديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة).
4 - سباع البهائم: وهي التي تفترس بنابها -أي تنهش- من حيوانات البر؛ كالأسد والذئب والنمر والفهد والكلب؛ لحديث أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال: (نهى رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن كل ذي ناب من السباع) ، ولقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (كل ذي ناب من السباع، فأكله حرام).
5 - سباع الطير: وهي التي تصيد بمخلبها؛ كالعقاب والباز والصقر والحدأة والبومة، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطيور).
6 - ويحرم من الطيور ما يأكل الجيف: كالنسر والرّخم والغراب؛ لخبث ما يتغذى به.
7 - يحرم كل حيوان ندب قتله: كالحية والعقرب والفأرة والحدأة؛ لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (خمس من الدواب كلهن فاسق، يقتلن في الحرم: الغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة، والكلب العقور) ، ولكونها مستخبثة مستقذرة.
8 - الحمر الأهلية؛ لما روى جابر: (أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية).
9 - ما يستخبث من الأطعمة: كالفأرة والحية والذباب والزنبور والنحل؛ لقول الله تعالى: {ويحرّم عليهم الخبائث} [الأعراف: 157].
10 - الجلاّلة: وهي التي أكثر أكلها النجاسة؛ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال: (نهى رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن أكل الجلالة) وسواء في ذلك الإبل والبقر والغنم والدجاج ونحوها، فإذا حبست بعيداً عن النجاسات، وأطعمت الطاهرات، حل أكلها. وكان ابن عمر رضي الله عنهما يحبسها ثلاثاً إذا أراد أكلها، وقيل: تحبس أكثر من ذلك.
المسألة الرابعة: ما سكت عنه الشارع:
ما سكت عنه الشارع، ولم يرد نص بتحريمه، فهو حلال، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، دل على هذا قوله تعالى: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة: 29]، وحديث أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيثاً، وتلا: {وما كان ربّك نسيًّا} [مريم: 64].
المسألة الخامسة: ما يكره أكله:
يكره أكل البصل والثوم وما كان في معناهما مما له رائحة كريهة؛ كالكراث والفجل، ولا سيما عند حضور المساجد وغيرها من مجامع الذكر والعبادة، لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنس) يعني: شجرة الثوم، وفي رواية: (حتى يذهب ريحها). فإن طبخ هاتين البقلتين حتى يذهب ريحهما، فلا بأس بأكلهما؛ لقول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: (فمن أكلهما فليمتهما طبخاً). وفي رواية لجابر رضي الله عنهما: (ما أراه يعني إلا نيئه).
المسألة السادسة: آداب الأكل:
للأكل آداب ينبغي الحرص عليها، وهي:
1 - التسمية عند ابتداء الأكل: لحديث عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنه - قال: كنت غلاماً فى حجر رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -، وكانت يدي تطيش في الصّحفة، فقال لي رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) فما زالت تلك طعمتي بعد.
2 - الأكل باليمين: للحديث السابق.
3 - الأكل مما يلي الشخص: للحديث السابق أيضاً، إلا إذا علم أن مجالسه لا يتأذى، ولا يكره ذلك، فلا بأس أن يأكل حينئذ من نواحي القصعة؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - في قصة الخياط الذي دعا النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - إلى طعام، قال أنس: (فرأيته -يعني النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة). أو كان الشخص وحده ليس معه أحد، أو كان الطعام مشتملاً على ألوان متعددة، فيجوز له الأخذ مما ليس أمامه، ما لم يؤذ بذلك أحداً.
4 - الحمد في آخره: لحديث أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - إذا رفعت المائدة من بين يديه، يقول: (الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه غير مودّعٍ، ولا مستغنىً عنه ربنا) ، ولقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها).
5 - الأكل على السّفر: لحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: (ما أكل نبي الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - على خوان ولا في سكرّجة، ولا خبز له مرقّق، قال: فقلت لقتادة: فعلى ما كانوا يأكلون؟ قال: على هذه السّفر).
6 - كراهية الأكل متكئاً: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يارسول الله كل -جعلني الله فداك- متكئاً، فإنه أهون عليك، فأصغى برأسه حتى كاد أن تصيب جبهته الأرض، قال: (لا، بل آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد) ، ولحديث أبي جحيفة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (إني لا آكل متكئاً).
7 - عدم عيب الطعام الذي لا يريد أكله: لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (ما عاب رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - طعاماً قط، إن اشتهاه أكله، وإلا تركه).
8 - الأكل من جوانب القصعة وكراهية الأكل من وسط القصعة: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - أنه أتي بقصعة من ثريد فقال: (كلوا من جوانبها ولا تأكلوا من وسطها، فإن البركة تنزل في وسطها).
9 - الأكل بثلاثة أصابع، ولعقها بعد الأكل: لحديث كعب بن مالك - رضي الله عنه - قال: (كان النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - يأكل بثلاثة أصابع، ولا يمسح يده حتى يلعقها).
10 - أكل ما سقط منه أثناء الطعام أو تناثر: لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى، وليأكلها، ولا يدعها للشيطان).
11 - مسح القصعة التي يأكل فيها ولعقها: لقول أنس - رضي الله عنه - في الحديث الماضي: (وأمرنا -يعني النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - أن نسلت القصعة) يعني: نمسحها، ونتتبع ما بقي فيها من طعام. وفي رواية: (أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - أمر بلعق الأصابع والصحفة، وقال: (إنكم لا تدرون في أيّه البركة) ). [الفقه الميسر: 397-405]