7 Feb 2015
ثاني عشر: كتاب الأيمان والنذور الباب الأول: الأيمان
ويشتمل على بابين:
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في تعريف الأيمان:
الأيمان لغة: جمع يمين، وهو الحلف أو القسم، وسمي الحلف يميناً؛ لأنهم كانوا إذا تحالفوا ضرب كل واحد منهم بيمينه على يمين صاحبه.
وشرعاً: توكيد الشيء المحلوف عليه بذكر اسم الله، أو صفة من صفاته.
المسألة الثانية: أقسام اليمين:
تنقسم اليمين من حيث انعقادها وعدم انعقادها إلى ثلاثة أقسام:
1 - اليمين اللغو:
وهو الحلف من غير قصد اليمين، كأن يقول: لا والله، وبلى والله، وهو لا
يريد بذلك يميناً ولا يقصد به قسماً، فهذا يعدّ لغواً، أو يحلف على شيء يظن
صدقه فيظهر خلافه؛ لقوله تعالى: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم} [المائدة: 89].
قالت عائشة رضي الله عنها: (أنزلت هذه الآية (لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في
أيمانكم) في قول الرجل: لا والله، وبلى والله، وكلا والله). وهذه اليمين
لا كفارة فيها، ولا مؤاخذة، ولا إثم على صاحبها.
2 - اليمين المنعقدة:
وهي اليمين التي يقصدها الحالف ويصمم عليها، وتكون على المستقبل من
الأفعال، وتكون على أمر ممكن، فهذه يمين منعقدة مقصودة، فتجب فيها عند
الحنث كفارة، لقوله تعالى:{لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان}[المائدة: 89].
3 - اليمين الغموس:
وهي اليمين الكاذبة التي تهضم بها الحقوق، أو التي يقصد بها الغش
والخيانة، فصاحبها يحلف على الشيء وهو يعلم أنه كاذب، وهي كبيرة من
الكبائر، ولا تنعقد هذه اليمين، ولا كفارة فيها؛ لأنها أعظم من أن تكفر،
ولأنها يمين غير منعقدة، فلا توجب الكفارة كاللغو. وتجب التوبة منها، ورد
الحقوق إلى أصحابها إذا ترتب عليها ضياع حقوق. وسميت هذه اليمين غموساً
لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في نار جهنم عياذاً بالله. ودليل حرمتها
قوله تعالى: {ولا تتّخذوا أيمانكم دخلًا بينكم فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها وتذوقوا السّوء بما صددتم عن سبيل اللّه ولكم عذابٌ عظيمٌ} [النحل: 94]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس) ، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، وبهت مؤمن، ويمين صابرة يقطع بها مالاً بغير حق).
المسألة الثالثة: كفارة اليمين وشروط وجوبها:
1 - كفارة اليمين: شرع الله عز وجل لعباده كفارة اليمين التي يكون بها تحلة اليمين والخروج منها، وذلك رحمة بهم، قال الله تعالى: {قد فرض اللّه لكم تحلّة أيمانكم} [التحريم: 2] وقال - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (من حلف على يمين، فرأى غيرها خيراً منها، فليأتها، وليكفر عن يمينه). وهذه الكفارة تجب على الشخص إذا حنث في يمينه، ولم يف بموجبها.
وكفارة اليمين
فيها تخيير وترتيب. فيخيّر من لزمته بين إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف
صاع من الطعام، أو كسوة عشرة مساكين لكل واحد ثوب يجزئه في الصلاة، أو عتق
رقبة مؤمنة سليمة من العيوب، فمن لم يجد شيئاً من هذه الثلاثة المذكورة صام
ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى: {لا يؤاخذكم اللّه
باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان فكفّارته إطعام عشرة
مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبةٍ فمن لم يجد
فصيام ثلاثة أيّامٍ} [المائدة: 89].
فجمعت كفارة اليمين بين التخيير والترتيب، تخيير بين الإطعام والكسوة والعتق، وترتيب بين هذه الثلاثة وبين الصيام.
2 - شروط وجوب كفارة اليمين:
لا تجب الكفارة في اليمين إذا نقضها الحالف، ولم يف بموجبها، إلا بشروط ثلاثة، وهي:
الشرط الأول:
أن تكون اليمين منعقدة، بأن يقصد الحالف عقدها على أمر مستقبل كما مضى
بيان ذلك، ولا تنعقد اليمين إلا بالله أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته؛
لقوله تعالى: {لا يؤاخذكم اللّه باللّغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقّدتم الأيمان} [المائدة: 89].
فدل ذلك على أن الكفارة لا تجب إلا في اليمين المنعقدة، أما من سبق اليمين على لسانه بلا قصد فلا تنعقد يمينه، ولا كفارة عليه.
الشرط الثاني: أن يحلف مختاراً، فمن حلف مكرهاً لم تنعقد يمينه ولا كفارة عليه فيها؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
الشرط الثالث:
أن يحنث في يمينه، بأن يفعل ما حلف على تركه، أو يترك ما حلف على فعله،
ذاكراً ليمينه مختاراً، أما إذا حنث في يمينه ناسياً أو مكرهاً فلا كفارة
عليه للحديث المتقدم.
• الاستثناء في اليمين:
من حلف فقال في يمينه: إن شاء الله، فلا حنث عليه ولا كفارة، إذا نقض يمينه، لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (من حلف فقال: إن شاء الله لم يحنث).
• نقض اليمين والحنث فيها:
الأصل أن يفي
الحالف باليمين، لكن قد ينقضه لمصلحة، أو ضرورة. وقد شرع له كفارة ذلك كما
سبق. ويمكن تقسيم نقض اليمين، والحنث فيها بحسب المحلوف عليه، على النحو
التالي:
1 -
أن يكون نقض اليمين واجباً: وذلك إذا حلف على ترك واجب، كمن حلف أن لا يصل
رحمه، أو حلف على فعل محرم، كأن يحلف ليشربن خمراً؛ فهنا يجب عليه نقض
يمينه، وتلزمه الكفارة؛ لأنه حلف على معصية.
2 -
أن يكون نقض اليمين حراماً: كما لو حلف على فعل واجب، أو ترك محرم، وجب
عليه الوفاء، ويحرم عليه نقض اليمين؛ لأن حلفه في هذه الحالة تأكيد لما كلف
الله به عباده.
3 - أن يكون نقض اليمين مباحاً: وذلك إذا حلف على فعل مباح أو تركه.
المسألة الرابعة: صور لبعض الأيمان الجائزة والممنوعة:
إن اليمين الجائزة هي التي يحلف فيها باسم الله، أو بصفة من صفاته.
كأن يقول: والله
أو: ووجه الله أو: وعظمته وكبريائه .. ؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن
رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - أدرك عمر بن الخطاب وهو يسير في ركب،
يحلف بأبيه فقال: (ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت) ، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (كانت يمين النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -: لا، ومقلّب القلوب). وكذلك لو قال: أقسم بالله لأفعلن كذا فهو يمين إن نواها؛ لقوله تعالى: {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم} [النحل: 38].
ومن الأيمان الممنوعة:
1 -
الحلف بغير الله تعالى، كقوله: وحياتك، والأمانة .. ؛ لحديث عبد الله ابن
عمر رضي الله عنهما، أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (فمن كان حالفاً فيلحلف بالله أو ليصمت).
2 -
الحلف بأنه يهودي أو نصراني، أو أنه بريء من الله أو من رسول الله - صلّى
اللّه عليه وسلّم - إن فعل كذا ففعله؛ لحديث بريدة عن أبيه - رضي الله عنه -
أن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (من حلف فقال: إني بريء من الإسلام، فإن كان كاذباً فهو كما قال، وإن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً).
3 - الحلف بالآباء والطاغوت؛ لحديث عبد الرحمن بن سمرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (لا تحلفوا بالطواغي، ولا بآبائكم) ). [الفقه الميسر: 387-391]