7 Feb 2015
الباب الخامس: في حد السرقة
وفيه مسائل:
- المسألة الأولى: تعريف السرقة، وحكمها، وحد فاعلها، والحكمة من إقامة الحد فيها:
1 - تعريف السرقة:
السرقة لغة: الأخذ خفية.
وشرعاً: أخذ مال الغير خفية ظلماً من حرز مثله بشروط معينة، على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
2 - حكم السرقة:
السرقة حرام؛ لأنها اعتداء
على حقوق الآخرين، وأخذ أموالهم بالباطل. قد دلّ على تحريمها الكتاب
والسنة والإجماع، وهي من كبائر الذنوب؛ فقد لعن الله صاحبها كما في حديث
أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: (لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده). وغير ذلك من الأحاديث في تحريم السرقة، والتنفير منها.
3 - حدّ فاعلها:
ويجب على فاعلها الحد، وهو: قطع يده، رجلاً كان أو امرأة؛ لقوله تعالى: {والسّارق والسّارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالًا من اللّه واللّه عزيزٌ حكيمٌ} [المائدة: 38].
ولحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - يقطع السارق في ربع دينار فصاعداً) ، ولحديث عائشة رضي الله عنها أيضاً قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وفيه قوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها.
وأجمع المسلمون على تحريم السرقة، وعلى وجوب قطع يد السارق في الجملة.
4 - الحكمة من إقامة حد السرقة:
احترم الإسلام المال،
واحترم حق الأفراد في امتلاكه، وحرّم الاعتداء على هذا الحق: بسرقة أو
اختلاس أو غش أو خيانة أو رشوة، أو غير ذلك من وجوه أكل أموال الناس
بالباطل.
ولما كان السارق عضواً
فاسداً في المجتمع -إذ لو ترك لسرى شرّه، وعمّ خطره وضرره- شرع الإسلام بتر
هذا العضو الفاسد؛ عقاباً لهذه اليد على ظلمها وعدوانها، وردعاً لغيره عن
اقتراف مثل هذه الجريمة، وصيانة لأموال الناس وحقوقهم.
- المسألة الثانية: شروط وجوب حد السرقة:
يشترط لإقامة حد السرقة وقطع السارق الشروط التالية:
1 -
أن يكون أخذ المال على وجه الخفية، فإن لم يكن كذلك فلا قطع، فالمنتهب على
وجه الغلبة، والمغتصب، والمختطف، والخائن لا قطع عليهم؛ لقوله - صلّى
اللّه عليه وسلّم -: (ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع).
2 - أن يكون السارق مكلفاً -بالغاً عاقلاً- فلا قطع على الصغير والمجنون؛ لأنه مرفوع عنهما التكليف كما مرّ، ولكن يؤدب الصغير إذا سرق.
3 - أن يكون السارق مختاراً، فلا قطع على المكره؛ لأنه معذور؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
4 - أن يكون عالماً بالتحريم، فلا قطع على جاهل بتحريم السرقة.
5 -
أن يكون المسروق مالاً محترماً، فما ليس بمال لا حرمه له؛ كآلات اللهو
والخمر والخنزير والميتة، وكذا ما كان مالاً لكنه غير محترم؛ كمال الكافر
الحربي -فإن الكافر الحربي حلال الدم والمال- لا قطع فيه.
6 -
أن يبلغ الشيء المسروق نصاباً، وهو ربع دينار ذهباً فأكثر، أو ثلاثة دراهم
فضة أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى، فلا قطع في أقل من ذلك؛ لقوله -
صلّى اللّه عليه وسلّم -: (لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعداً).
7 -
أن يكون المال المسروق من حرز مثله، وهو المكان الذي يحفظ فيه المال في
العادة، وهو يختلف باختلاف الأموال والبلدان وغير ذلك، ويرجع فيه إلى
العرف، فإن سرق من غير حرز، كأن يجد باباً مفتوحاً، أو حرزاً مهتوكاً؛ فلا
قطع عليه.
8 -
أن تنتفي الشبهة عن السارق، فإن كان له شبهة فيما سرق فلا قطع عليه؛ فإن
الحدود تدرأ بالشبهات، فلا قطع على من سرق من مال أبيه، وكذا من سرق من مال
ابنه؛ لأن نفقة كل منهما تجب في مال الآخر. ولا يقطع الشريك بالسرقة من
مال له فيه شرك. وكذا كل من له استحقاق في مال، فأخذ منه، فلا قطع عليه،
لكن يؤدب ويرد ما أخذ.
9 - أن تثبت السرقة عند الحاكم، إما بشهادة عدلين أو بإقرار السارق؛ لعموم قوله تعالى: {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} [البقرة: 282]. وأما الإقرار فلأن الإنسان غير متهم في الإقرار على نفسه بالإضرار بها.
10 -
أن يطالب المسروق منه بماله؛ لأن المال يباح بالبذل والإباحة، فيحتمل
إباحة صاحبه له، أو إذنه بدخول حرزه، أو غير ذلك مما يسقط الحد.
- المسألة الثالثة: الشفاعة في حد السرقة، وهبة المسروق للسارق:
1 - الشفاعة في حد السرقة:
لا تجوز الشفاعة في حد السرقة، ولا في غيره من الحدود، إذا علمه الإمام
ووصل الأمر إليه؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم - لأسامة بن زيد لما أراد
الشفاعة للمرأة المخزومية التي سرقت: (أتشفع في حد من حدود الله؟!)
وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الحدود.
2 - هبة المسروق للسارق:
يجوز هبة الشيء المسروق للسارق، وعفو المسروق منه عنه، قبل رفع الأمر
للحاكم. أما إذا وصل إليه فلا؛ لحديث صفوان بن أمية في السارق الذي أخذ
رداءه من تحت رأسه، فلما رفع الأمر إلى النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -
وأمر بقطعه، قال صفوان: (إني أعفو وأتجاوز). وفي رواية: (قال: يا رسول الله
هو له). فقال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (هلاّ قبل أن تأتيني به).
- المسألة الرابعة: كيفية القطع وموضعه:
إذا توافرت الشروط السابق
ذكرها، ووجب القطع، قطعت يد السارق اليمنى من مفصل الكف. وبعد القطع تحسم
يد السارق بكيّها بالنار، أو غمسها في زيت مغليّ، أو غير ذلك من الوسائل
التي توقف نزف الدم، وتجعل الجرح يندمل، حتى لا يتعرض المقطوع للتلف
والهلاك.
فإذا عاد السارق إلى السرقة ثانية، قطعت رجله اليسرى). [الفقه الميسر: 375-378]