7 Feb 2015
الباب الثاني: في حد الزنى
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريف الزنى وحكمه وخطورته:
1 - تعريف الزنى:
الزنى لغة: يطلق على وطء المرأة من غير عقد شرعي، وعلى مباشرة المرأة الأجنبية.
وشرعاً: وطء الرجل المرأة في القبل من غير الملك وشبهته. أو: هو فعل الفاحشة في قبل أو دبر.
2 - حكم الزنى:
الزنى محرم، وهو من كبائر الذنوب، لقوله تعالى: {ولا تقربوا الزّنا إنّه كان فاحشةً وساء سبيلًا} [الإسراء: 32].
ولحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: (سألت رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، قلت: ثم أي؟ قال: أن تزني بحليلة جارك).
وأجمع العلماء على تحريمه.
3 - خطورة جريمة الزنى، وشناعتها، ومفاسدها:
الزنى من أعظم الجرائم
وأشنعها وأكثرها خطراً على الأفراد والمجتمعات، لما يترتب عليه من اختلاط
الأنساب، مما يؤدي إلى ضياع الحقوق عند التوارث، وضياع التعارف، والتناصر
على الحق. وهو سبب في تفكك الأسرة، وضياع الأبناء، وسوء تربيتهم، وفساد
أخلاقهم. وفيه تغرير بالزوج؛ إذ قد ينتج عن الزنى حمل، فيربي الزوج غير
ابنه. وأضراره كثيرة لا يخفى أثرها في الأفراد والمجتمعات: من ضياع وانحلال
وتفكك.
لذا حذّر منه الإسلام أشد التحذير، ورتب على ارتكابه أشد العقوبة، كما سيأتي بيانه.
المسألة الثانية: حدّ الزنى:
لا يخلو حال الزاني من أحد أمرين:
1 - أن يكون محصناً.
2 - أو يكون غير محصن.
أولاً: الزاني المحصن:
ويشترط للإحصان الموجب للحدّ الشروط التالية:
أ- أن يحصل منه الوطء في القبل، وذلك بأن يتقدم للزاني والزانية وطء مباح في الفرج.
ب- أن يكون الوطء في نكاح صحيح.
ج- أن يكون الرجل والمرأة حال الوطء بالغين حرين عاقلين.
فالمحصن: هو من وطئ زوجته في قبلها، بنكاح صحيح، وكانا بالغين عاقلين حرين.
فهذه خمسة شروط لا بد منها لحصول الإحصان الموجب للحدّ، وهي: البلوغ، والعقل، والحرية، والوطء في الفرج، وأن يكون الوطء بنكاح صحيح.
حده: إذا زنى المحصن فإن
حده الرجم بالحجارة حتى الموت، رجلاً كان، أو امرأة. والرجم ثابت عن النبي -
صلّى اللّه عليه وسلّم - بالتواتر من قوله وفعله. وقد كان الرجم مذكوراً
في القرآن، ثم نسخ لفظه وبقي حكمه، وذلك في قوله عز وجل: {الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم}.
فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه خطب فقال: (إن
الله بعث محمداً بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل الله آية الرجم،
قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرجم رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -
ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب
الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله على من
زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو
الاعتراف) ، ولحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى رجل من
المسلمين رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - وهو في المسجد فناداه، فقال:
يا رسول الله إني زنيت. فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه، فقال: يا رسول الله
إني زنيت، فأعرض عنه، حتى ثنى ذلك عليه أرج مرات، فلما شهد على نفسه أربع
شهادات، دعاه رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: (أبك جنون؟) قال: لا، قال: (فهل أحصنت؟) قال: نعم، فقال النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (اذهبوا به فارجموه).
وأجمع العلماء على أن من زنى، وهو محصن، فحكمه الرجم بالحجارة حتى الموت.
ثانياً: الزاني غير المحصن:
وهو من لم تتوافر فيه الشروط السابقة في الزاني المحصن.
حده: إذا زنى غير المحصن فإن حده الجلد مائة جلدة، وتغريب عام، إلا أنه يشترط في تغريب المرأة وجود محرم معها؛ لقوله تعالى: {الزّانية والزّاني فاجلدوا كلّ واحدٍ منهما مئة جلدةٍ} [النور: 2] ولحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي عام). وتغريب الزاني: نفيه وإبعاده عن وطنه.
وإن زنى الرقيق -محصناً كان أو غير محصن، عبداً كان أو أمة- فإن حده أن يجلد خمسين جلدة، لقوله تعالى: {فعليهنّ نصف ما على المحصنات من العذاب} [النساء: 25]. فالعذاب المذكور في الآية هو الجلد مائة جلدة، فينصرف التنصيف إليه، ولأن الرجم لا يمكن تنصيفه.
ولا تغريب على الرقيق، إذ لم ترد السنة بتغريب المملوك إذا زنى، ولأن في تغريبه إضراراً بسيده. ولا تغرب المرأة إلا بمحرم كما سبق.
المسألة الثالثة: بم يثبت الزنى؟
لإقامة حد الزنى لا بد من إثبات وقوعه، ولا يثبت وقوعه إلا بأحد أمرين: الأمر الأول:
أن يقر به الزاني أربع مرات، ولو في مجالس متعددة؛ فقد أخذ النبي - صلّى
اللّه عليه وسلّم - باعتراف ماعز والغامدية. وأما اشتراط الأربع: فلأن
ماعزاً اعترف عند النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - ثلاث مرات فرده، فلما
اعترف الرابعة أقام عليه الحد.
- ولا بد أن يصرح في
إقراره بحقيقة الزنى والوطء، لاحتمال أنه أراد غير الزنا من الاستمتاع الذي
لا يوجب حداً، فقد قال النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - لماعز حين أقر
عنده: (لعلك قبّلت أو غمزت؟) قال: لا. وكرر معه الاستيضاح عدة مرات حتى زال كل احتمال.
- ولا بد أن يثبت على
إقراره حتى إقامة الحد، ولا يرجع عنه، فقد قرّر النبي - صلّى اللّه عليه
وسلّم - ماعزاً مرة بعد مرة، لعله يرجع عن إقراره، ولأن ماعزاً لما هرب
أثناء رجمه قال رسول الله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (هلا تركتموه؟!).
الأمر الثاني: أن يشهد عليه بالزنى أربعة شهود، لقوله تعالى: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء} [النور: 13]. وقوله: {فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} [النساء: 15].
ويشترط لصحة شهادتهم عليه بالزنى شروط:
1 - أن يكون الشهود أربعة، للآيات المتقدمة، فإن كانوا أقل من أربعة لم تقبل.
2 - أن يكونوا مكلفين -بالغين عاقلين-، فلا تقبل شهادة الصبيان والمجانين.
3 -
أن يكونوا رجالاً عدولاً، فلا تقبل شهادة النساء في حد الزنى، صيانة لهن
وتكريماً، لأن الزنى فاحشة. ولا تقبل شهادة الفاسق أيضاً؛ لقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم} [الطلاق: 2] وقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إن جاءكم فاسقٌ بنبإٍ فتبيّنوا} [الحجرات: 6].
4 -
أن يعاين الشهود الزنى ويصفوا ذلك وصفاً صريحاً يدفع كل الاحتمالات عن
إرادة غيره من الاستمتاع المحرم، فيقولون: رأينا ذكره في فرجها كالميل في
المكحلة، وإنما أبيح النظر في مثل ذلك للضرورة.
5 - أن يكون الشهود مسلمين، فلا تقبل شهادة الكافر لعدم تحقق عدالته.
6 - أن يشهدوا عليه في مجلس واحد، سواء جاءوا مجتمعين أو متفرقين في المجلس نفسه.
فإن اختل شرط من هذه الشروط، وجب إقامة حد القذف على الشهود جميعاً؛ لأنهم قذفة). [الفقه الميسر: 364-368]