7 Feb 2015
الباب الرابع عشر: الوديعة والإتلافات
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: تعريفها وأدلة مشروعيتها:
1 - تعريفها:
الوديعة هي عين يضعها مالكها أو نائبه عند من يحفظها بلا عوض.
2 - أدلة مشروعيتها:
الأصل فيها قوله تعالى: {فليؤدّ الّذي اؤتمن أمانته} [البقرة: 283]، وقال تعالى: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} [النساء: 58].
وقال - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك). ولأن الضرورة والحاجة داعية للإيداع.
فمن وجد في نفسه القدرة على حفظ الأمانة فإنه يستحب له أن يقبل الوديعة؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه).
أما إذا علم من نفسه عدم القدرة على حفظ الوديعة فإنه لا يجوز له قبولها.
المسألة الثانية: شرط صحتها:
أن تكون من جائز التصرف
لمثله، فلو أودع إنسان جائز التصرف ماله عند صغير أو مجنون أو سفيه، فأتلفه
فلا ضمان، لتفريطه. وإن أودع الصغير ونحوه ماله عند آخر، صار الوديع
ضامناً؛ لتعديه بأخذه.
المسألة الثالثة: في الأحكام المتعلقة بالوديعة:
1 -
الوديعة أمانة في يد المستودع، فلا ضمان عليه إن لم يفرط؛ لأنها أمانة
كسائر الأمانات، والأمين لا يضمن إن لم يتعد، لقوله - صلّى اللّه عليه
وسلّم -: (لا ضمان على مؤتمن).
2 - إذا تعدّى على الوديعة، أو فرّط في حفظها، فإنه يضمنها إذا تلفت؛ لأنه متلف لمال غيره.
3 - يجب
على المستودع حفظ الوديعة في حرز مثلها عرفاً؛ لأن الله عز وجل أمر بأداء
الأمانات إلى أهلها، ولا يمكن ذلك إلا بحفظها، ولأن المقصود من الإيداع
الحفظ، والوديم ملتزم بذلك، فإن لم يحفظها لم يفعل ما التزمه.
4 -
يجوز للمستودع أن يدفع الوديعة إلى من يحفظ ماله عادة، كزوجته وعبده
وخازنه وخادمه، وإن تلفت عندهم من غير تعد ولا تفريط، فلا ضمان عليهم.
5 -
لا يجوز أن يودعها عند غيره من غير عذر، وأما لعذر: كسفر أو حضور موت
فجائز. وعليه: فإن أودعها عند الغير بعذر، فتلفت، لم يضمن، وإن كان بغير
عذر ضمن؛ لتعدّيه وتفريطه.
6 -
إذا خاف المستودع على الوديعة أو أراد السفر، فإنه يجب عليه ردّها إلى
صاحبها أو وكيله، فإن لم يجدهما فإنه يحملها معه في السفر، إذا كان ذلك
أحفظ لها، وإلا دفعها إلى الحاكم، فإن لم يتمكن أودعها عند من يثق به؛ لأن
النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قبل الهجرة إلى المدينة أودع الودائع لأم
أيمن رضي الله عنها، وأمر علياً أن يردّها إلى أهلها. وكذلك إذا مرض
المستودع مرضاً مخوفاً، وعنده ودائع، فإنه يجب عليه ردها إلى أصحابها، فإن
لم يتمكن أودعها عند الحاكم، أوعند من يثق به.
7 -
إذا كانت الوديعة دابة لزم المستودع إعلافها، وتغذيتها، فإن أهملها،
وتلفت، ضمنها، ويأثم بهذا الإهمال لحرمتها، ولأن كل كبد رطب فيها أجر.
8 -
المستودع أمين يقبل قوله، إذا ادعى أنه رد الوديعة إلى صاحبها، أو من يقوم
مقامه، ويقبل قوله مع يمينه، إذا ادعى أنها تلفت من غير تعد ولا تفريط.
وعلى المستودع ألا يؤخر الوديعة عند طلب صاحبها لها، فإن أخّرها من غير عذر، فتلفت، فإنه يضمن.
9 - من
الصور المعاصرة للوديعة: الودائع المصرفية، وهي ما يقوم به الأفراد من
إيداع مبالغ نقدية في البنوك، إلى أجل محدد أو مطلقاً، ويقوم البنك بالتصرف
في هذه المبالغ، ويدفع لصاحبها فائدة مالية ثابتة، وهذه تصير في معنى
القرض، من حيث تملّك البنك لعينها، وتعلقها بذمته، وتعهده برد مثلها عند
المطالبة، وهي بهذه الصورة من الربا المحرم، فليحذر المسلمون من الوقوع
فيه. أما الودائع التي لا يتقاضى صاحبها عليها فائدة، كالذي يعرف اليوم
بالحساب الجاري، فلا شيء فيه، لأنه لم يأخذ زيادة على أصل ماله. أما إذا
ألزم الشخص بقبض الزيادة، وكان مضطراً إلى الإيداع في مثل هذه البنوك بحيث
يلحقه ضرر محقق بترك ذلك، فإنه يقبض هذه الزيادة، وينفقها في مصالح
المسلمين العامة.
المسألة الرابعة: في الإتلافات:
يحرم الاعتداء على أموال
الناس، وأخذها بغير حق، ومن اعتدى على مال غيره فأتلفه، وكان هذا المال
محترماً، فإنه يجب عليه الضمان، وكذلك من تسبب في إتلاف مال غيره، بحل قيد،
أو بفتح باب أو نحو ذلك.
وإذا كان له مواش وجب عليه
حفظها في الليل، من إفساد زروع الناس أو إفساد أنفسهم، فإن أهملها وحصل
الفساد ضمن؛ لأن النبي - صلّى اللّه عليه وسلّم - قضى أن على أهل الأموال
حفظها بالنهار، وأهل المواشي حفظها بالليل، وما أفسدت بالليل فإنه مضمون
عليهم؛ لأن أموال المسلمين وأرواحهم محترمة، فيحرم التعدي عليها، أو التسبب
في إفسادها أو هلاكها.
والصّائل من الإنسان أو
الحيوان، إذا لم يندفع إلا بالقتل، فقتله، فلا ضمان عليه؛ لأنه قتله دفاعاً
عن نفسه؛ لقوله - صلّى اللّه عليه وسلّم -: (من أريد ماله بغير حقٍّ، فقاتل، فقتل، فهو شهيد).
ومن أتلف ما حرم الله
كآلات اللهو، والصليب، وأواني الخمر، وكتب الضلال والبدعة، وأشرطة ومجلات
المجون، والخلاعة، فإنه لا ضمان عليه، لكن لا يكون الإتلاف على إطلاقه، بل
لابد من تقييده بأمر الحاكم، وتحت رقابته؛ ضماناً للمصلحة، ودفعاً للمفسدة،
ودرءاً للفتن). [الفقه الميسر: 249-252]